الفنّون الفاطميّة ومدى تأثُّرها بمدارس الفنّون القبطيّة والأسيويّة والإسلاميّة
د. أمل عربيد([1])
ملخّص البحث
شهدت الحضارة الإسلاميّة الفاطميّة تطوّراً ثقافيًا هائلاً عبر انتقالها من المغرب العربيّ إلى مصر وتأسيسها لمدينة القاهرة، وقد عمل خلفاؤها على التّأهيل العلميّ إلى الجانب الدّينيّ، وتسامحهم في حرية الرأي وممارسة الشّعائر الدّينيّة للطّوائف والمذاهب الدّينِية الأخرى، حتى توسّع امتدادها إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وبلاد الشّام والجزيرة العربيّة، مثبتة مكانتها في شتى الميادين العلميّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة والعسكريّة، ومظهرة تأثيرها وتأثُّرها بثقافة تلك الشعوب وفنونها ما ترك أثراً جلِيًّا على نمط ثقافتها الفنّيّة، لذا اعتمدت في هذا البحث“ الفنّون الفاطميّة ومدى تأثرها بمدارس الفنّون القبطيّة والأسيويّة والإسلاميّة” مراحل تأثُّره بفنون مدارس الفنّ وثقافتها:أواسط آسيا، العباسيّة، والطولونيّة، والقبطيّة المسيحيّة في مصر، ومدى تحوّل الفنّ الفاطميّ إلى مدرسة فنيّة توثِّق بصمتها على الفنّون الأوروبيّة التي نهلت من علومها على مدى ثلاثة قرون خاصة في جزيرة صقلِّية، ومالطا.
- صلب البحث: المقدّمة: مدخل إلى تاريخ الفنّ ّفي العصر الفاطميّ
- الفصل الأول: بَدء الفنّون في العصر الفاطميّ: لمحة تاريخية عن مراحل نشوء الدولة الفاطميّة وكيفية تأثرها بفنون الحضارات الأخرى، تطوّرالفنّ الفاطميّ.
- الفنّون الفاطميّة ونقوشها الزّخرفيّة: في عمارتها الهندسيّة الدّينيّة، وزخرفتها الجداريّة، والخشبيّة فن الأرابيسك، والخزفيّة، والمعدنيّة، والنسيجيّة الحريريّة، وفن المنمنمات.
- الفصل الثاني:تأثير مدارس الفنّ على الفنّون الفاطميّة: ومن أكثر تلك المدارس أهمّية:
- مدرسة أواسط آسيا الفنّية.
- مدرسة الفنّون العباسيّة – الفارسيّة.
- مدرسة سامراء العباسيّة.
- مدرسة فنون التّصاوير القبطيّة.
- مدرسة الفنّ الطولونيّة.
- تأثير التّصوير الفاطميّ على الفنّ الصقلّي النورمانديّ.
- نتائج وتوصيات البحث: أهمية إجلاء الغموض عن هذا الفنّ الفاطميّ الراقيّ باعتماد الحقائق التّاريخيّة عبر المصادر والمراجع الأدبيّة والتّاريخيّة والعلميّة، وكذلك عبر توثيقها باللوحات التّصويريّة لجميع فنونه، باعتماد الباحثة المنهج التّاريخيّ في تقصّي المعلومات الموثقة بالمراجع العلميّة،والمنهج الوصفيّ لشرح كلّ لوحة فنيّة، فاختارت حوالي 14 لوحة فنيّة، وقسّمتها إلى مجموعات فنِّية حسب التأثير الفنّي لكل دولة، وأضاءت من خلالها على أسلوب الفنّ الفاطميّ ومدى تأثره بفنون تلك الدول، مظهرة الأسلوب الواقعيّ للفنّ الفاطميّ الذي يظهر التّسامح الدّينيّ الحرّ في الفنّ التّشكيليّ.
- إظهار السّمات الفنّية المميزة لتطور الفنّ الفاطميّ عبر لوحات: (الخزف ذو البريق المعدنيّ، الكريستال، جمع الزّخرفات الفارسيّة والبيزنطيّة والإسلاميّة والقبطيّة ضمن محور فنيّ موحّد، كالهالة حول رأس الخليفة، ومشاهد الصّيد، والحيوانات الخرافيّة، وتطوّرالفنّ الهندسيّ في بناء المساجد وزخرفتها، الرّسم على النّسيج وتطوّر صناعته،اللوحات الفنّية الجميلة على الرّغم من عدم خبرته باستعمال الضوء والظل في رسم المنمنمات، والعمق في مواضيع فنية عديدة،أهمِّية الفنّ الفاطميّ في جمعه لعناصر البناء الفنّيّ لمراحل فنية عديدة، وما أضافه من تطور لفنون متنوعة تركت بصمته الفنّية الخاصة عبر تاريخ الفنّ الإسلاميّ.
Abstract
The Fatimid Islamic civilization witnessed a tremendous cultural development through its transfer from the Arabian Morocco to Egypt and its founding of the city of Cairo; where its successors worked on its scientific training next to the religious training, and their tolerance for freedom of opinion and the practice of religious rights for other religious sects, until it expanded its extension to southern Europe, North Africa, the Levant and the Arabian Peninsula. Confirming its position in various scientific, cultural, economic and military fields, and demonstrating its influence on the culture and arts of those peoples, which left a clear impact on the pattern of its artistic culture, I adopted in this research the development of Fatimid art by its influence with the Coptic, Asian and Islamic art. Starting with the stages of their artistic, cultural and artist school influence: Abbasid, Tulunid , Manichaean, and the Coptic Christian in Egypt. Followed by the extent to which Fatimid art turned into an art school that documented its imprint on the European arts that developed its sciences over three centuries, especially on the island of Sicily and Malta.Main Point of the research:· Introduction: An Introduction to the History of Arts in the Fatimid Era· The start of the arts in the Fatimid era: a historical overview of the stages of the emergence of the Fatimid state and how it was affected by the arts of other civilizations and the development of Fatimid art· The Fatimid arts and their decorative inscriptions: in their religious architecture, wall ornamentation, wood, arabesque, ceramic, metallic, silk weaving, and miniature art.· The influence of art schools on the Fatimid arts- Central Asia Technical School – Abbasid Art School – Persian Samarra Abbasid School – Coptic Painting Art School – Tulunian School of Art – The influence of Fatimid photography on Sicilian Norman artResearch findings and recommendations– The researcher adopts the historical method in investigating information documented by scientific references and the descriptive approach to explain each painting.So she selected about 14 paintings, and divided them into art groups according to the artistic influence of each country.Through it,she sheds the light on the style of Fatimid art and the extent to which it was influenced by the art of those countries,showing the realistic style of Fatimid art that shows free religious tolerance in fine art.- Show the artistic features of the development of Fatimid art through paintings:Ceramics with metallic luster, crystal, the collection of Persian, Byzantine, Islamic and Coptic ornaments within a unified artistic axis, such as the halo around the head of the Caliph, hunting scenes, mythical animals, the development of engineering art in building and decorating mosques, drawing on fabric, the development of its industry and the beautiful paintings, despite its inexperience in using lights and shadows in drawing miniatures, and not having meaningful depth in many artistic subjects.- The importance of Fatimid art in its collection of artistic elements for many artistic stages, and the embellishments it added to various arts has left its own artistic imprint throughout the history of Islamic art.
المقدّمة
إشكالية البحث
إنّ تضارب المعلومات التّاريخيّة عن نشوء الفنّ الفاطميّ، والآراء المتناقضة عن أصالة هذا الفنّ العربيّ الإسلاميّ، عدا قلّة المراجع الموضوعيّة والعلميّة عنه، بسبب تعرضه للتدمير والحرق وطمس آثاره، في ذلك العصر وعصور لاحقة بسبب الصّراعات المذهبيّة والسياسيّة، الأمر الذي حثّني كباحثة في الفنّون والآثار، إلى الشّروع في دراسته والبحث عن أهمَّيته كجزء من التّراث الإسلاميّ الذي يؤرخ لمرحلة مزدهرة ثقافية في ذلك العصر الفاطميّ الذي امتدَّ لحوالي ثلاثة قرون، ما يستحق أن نعيد تصويب بوصلة هذا الفنّ الفاطميّ الذي ظُلم عبر التّاريخ، وهُمِّش، لذا آمل، أن أستطيع إجلاء هذا الغموض في هذا البحث وإعطائه حقِّه الفنّي كبصمة فنِّية راقية متطوِّرة في التّراث الفنّي الإسلاميّ.
خلّفت الفنّون في العصر الفاطميّ موروثًا فنِّيًا إسلاميًّا عريقًا، متَّخِذًا سماته الأساسيّة والمميّزة عبرالتّصوير الجداري، والتّصوير الخزفيّ ذي البريق المعدنيّ، والتّصوير على النّسيج، لينتقل إلى فنّ الزّخرفة للخطوط كالزّخرفة النباتيّة للخطّ الكوفيّ على الأوانيّ الخزفيّة، والأنسجة الحريريّة، والجداريّة، كما اعتنى الفنّان الفاطميّ بنقل مشاهد الصيد وصور الحيوانات والإنسان عليها، عدا اهتمامه المنقطع النّظير بزخرفة المقرنصات الجميلة المغربيّة الأصل، وزخرفة القباب، وما أضافه هذا الفنّ من نقلة نوعيّة مميّزة في الهندسة المعماريّة لبناء المساجد، لتغدو تحفة فنِّية رائعة في العمارة الدّينيّة، ما يدفع الباحث للانكباب على دراسة هذه الفنّون الفاطميّة بعمق وتبحُّر لجلاء الغموض عن اندثارها، وإظهارها بصورتها الفنّية المشرقة، بموضوعيّة علميّة وفكريّة،عبر مصادر ومراجع أدبيّة، وعلميّة، متخصِّصة ومعتمدة من قبل دور نشر عالميّة وعربيّة،إلى جانب توثيقها عبر لوحات فنيّة تصويريّة توثق مراحل تطوّر هذا الفنّ، وكيفية تأثره بمدارس الفنّ المتنوعة السّابقة والتي عاصرها وواكبها، حتى تأخذ الفنّون الفاطميّة حقّها الطبيعيّ بين الفنّون الإسلاميّة كافة.
مدخل إلى تاريخ الفنّ في العصر الفاطميّ (909-1171 ميلادي)
اتخذ الفنّ الفاطميّ([1]) طرازًا خاصة به كسائر فنون العصور الإسلاميّة، رغم تأثّره بمرحلته الفنّية المبكرة بالفنّون البيزنطية في دمشق الخاضعة للسلطة الأمويّة، والتي كانت معظم تصاوير فنونها وهندستها المعمارية متأثِّرة بالفنّ البيزنطيّ، كما تأثَّرت التّصاوير الفاطميّة بالفنّون الساسانيّة التي كانت محورًا فنيًا تقليديًّا للعصر العباسيّ في بغداد، لتنتقل نقلة نوعيّة مميّزة في الفنّون عندما استقلّوا عنهم وبدأوا بتركيز حُكمهم في مصر، بعد توسّع امبراطوريتهم من شمال أفريقيا لتشمل قسمًا من أوروبا في جزيرة صقليّة التي حكموها حوالي قرنًا من الزّمن، وبعد أن أحكموا سيطرتهم على القاهرة، والتي خاض فيها المسيحييّن الشّرقييّن والغربييّن حربًا ضروسًا فيما بينهما ليحافظ الأقباط المسيحيين على كنيستهم المشرقية، فدخل الفاطميّون إثرها إلى مصر كحامٍ للأقلّيات في العام (969م)، وهكذا بسطوا سلطتهم عليها كلِّيًا، وتأثّر الفنّانون الفاطميّون بفنون الأقباط فبرعوا بتميّزهم في النقوش والتّصاوير الجداريّة للمساجد والقصور الفاطميّة، عدا إبداعهم بالفنّون الخشبيّة، والمعدنيّة كسكِّ العملة وصياغة المجوهرات وترصيعها، والنّقوش العاجيّة بفن التّخريم الذي اشتهروا به في بلاد منشئهم في المغرب العربيّ، كذلك طوّروا الصّناعة الخزفيّة وأضافوا لها المعادن لتعرف ب”الخزف ذي البريق المعدنيّ”. كما طوّروا الفنّون الحرفيّة الدّقيقة الصنع وغيرها مثل النّسيج بخلط الصّوف مع الحرير، ثم حوّلوا صناعة النّسيج من الحرير الحرّ الخالص، كما نوّعوا بالصناعة النسيجيّة وزخرفتها بإدخال خيوط الذهب عليها، وكان الأقباط يكنّون الوفاء للفاطميين بسبب حمايتهم من الاندثار، لذا تفانوا في خدمتهم فتعاقبوا كوزراء وولاة أثناء الحكم الفاطميّ، وأثّر إخلاصهم هذا بالخلفاء الفاطميّين خاصة العزيز بأمرالله (نزار بن معد بن إسماعيل (المهدية 344ه/ 955م – القاهرة 386ه/ 996م) فتزوّج بإمرأة قبطية، ما أدّى إلى ازدهار أعمالهم وتجارتهم خاصة في التحف الفنّية التي كانوا يقدمونها كهدايا ثمينة([2]) للسلاطين والأباطرة والقياصرة للدّلالة على ثرواتهم ورقيّ فنونهم، وحذا حذوَ الخليفة” العزيز بأمر الله”ابنَهُ الحاكم بأمر الله (المنصور بن العزيز بالله 985 – 1021م)، فرمّم كنائس المسيحييّن الأقباط، ودعم الفنّانين منهم لرواج صناعتهم وأهميّتها، خصوصًا إبداعهم في التّرميم كفسيفساء قبّة الصخرة في فلسطين، والمسجد الأموي في دمشق.
- الفصل الأول: بَدء الفنون في العصر الفاطميّ
استقلّت بعض الممالك الإسلاميّة عن الخلافة العباسيّة بعد أن ضعفت وبدأت بالانهيار، فظهرت عدة دول أخرى من أكثرها أهمّيّة: الطولونيّة، والفاطميّة في المغرب التي توسّعت بتركيز خلافتها في الفسطاط في مصر، لكنّ ازدهارها التّجاري والثقافيّ بين الشرق والغرب، وقوّتها العسكرية جعلتها مرصدًا لإسقاطها من قبل الأيوبييّن، والمماليك والسّلاجقة الذين عملوا على إضعافها وتقسيمها لإنهاء عصرها. توسّع الفاطميّون بخلافتهم لتشمل بلاد المغرب العربيّ، وبلاد اليمن والحجاز، وصولاً لبلاد الشّام حتى مصر، ثم امتدّت لتصبح ولاية متراميّة الأطراف باحتلالها لجزر صقلِّية ومالطا،حيث شهدت تلك الدّول في عصرهم استقرارًا أمنيًّا نتج عنه ازدهارًا تجاريًا وثقافياًّ وفنِّيًّا شمل الهندسة والعمران.
زخر العصر الفاطميّ الذي امتدّ لثلاثة قرون بثورة في عالم الفنّ والهندسة، أغنى خلالها الحضارة الإسلاميّة بثروة فنِّية قيِّمة، مسجِّلاً بذلك إرثًا ثقافيًّا يُشهد لبصمته الممَيّزة عبر التاريخ، على الرّغم ما أصاب هذا العصر بعد سقوطه من محوٍ وتهميش، من خلال عمليّة ممنهجة من التشويه، والتّخريب، والتّدمير والحرق لكنوزه المثقلة بالآداب والفلسفات العربيّة والغربيّة،إلى جانب العلوم الإسلاميّة والفاطميّة، عدا تهديمهم للآثار العمرانيّة وما حملته من عناصر هندسيّة وزخرفيّة مبتكرة أضافت للفن الإسلاميّ بصمته الخاصة والمجرّدة من التأثيرات الخارجية، لكنّ لحسن الحظ استطاع الباحثين الغربيين([3]) رفع راية ثقافة الفاطميّين من جديد على الرّغم ما ألمّ بها من تدمير ممنهج، بعد أن عملوا على النهل مما تبقّى من كتبها في بلادهم، والتي غفلت عنها أيدي الحاقدين والعابثين من الوصول إليها لتدميرها، فوثّق الباحثون الغربيين بما استنتجوه من تلك العلوم في كتبهم، خاصة علوم “ابن الهيثم” ومن صاحبه من علماء وفلاسفة ذلك العصر، ليظهروا نور معرفتهم للعالم على الرّغم من أفول عصرهم الإسلاميّ الذّهبيّ،الذي قوّضه حقد السلاطين لتعارضه مع سياساتهم([4]) فأغاروا على عروشهم وسرقوا ثرواتهم، ودمّروا جامعتهم ومكتبتهم الفلكِيّة الأولى في العالم العربي، لثرائها الفكريّ من حيث التنوّع العلميّ والثقافيّ واللُّغوي التي حوّلت مصر من أكثر المراكز الثقافيّة إسلاميّة أهمّية في العالم، حافظ على التنوّع الدّينيّ والعقائديّ بانفتاحهم الرّاقي على جميع ثقافات الدول، والتي سيطروا عليها وأنشأوا معها علاقات استراتيجيّة تجاريّة واقتصاديّة.
وعلى الرّغم من قوّة الفاطميّين([5]) العسكريّة والسياسيّة الهائلة لفرض معتقدهم الدّيني إلا أنّهم رجّحوا كفّة حرية المعتقد، بعدم التّدخل بحريّة الرّأي والفكر للآخر واحترامهم لعلوم ومعتقدات وثقافات الآخرين في ممالكهم، خصوصًا في عهد الخليفة الفاطميّ الحاكم)[6]( بأمر الله الذي أسّس جامعة مصر الفاطميّة ومكتبتها، التي احتضنت معظم الأدباء والعلماء، والفلاسفة الغربيين والشّرقيين من كل أرجاء العالم، والذين أوفوا احترامهم له بتوثيق آداب وعلوم معتقد الفاطميّين وإظهار ما توصّلوا إليه من رقيّ حضاري لذلك العصر الإسلاميّ، وأسباب تميّزه على سائر العصور الإسلاميّة والغربيّة.
كما أنشأ الخليفة الفاطميّ”الحاكم بأمر الله” المدارس التي تزخر بشتّى علوم الشّرق والغرب، والتي دفعته إلى بناء أكبر مكتبة في عصره عرفت بمكتبة “دار الحكمة” في جامع الحاكم “لأمر الله”، التي كانت درّة الشرق وعدّت من عجائب الدنيا([7]) إذ ضمّت حوالي مليون و600 ألف مجلّد، باذلاً عليها كل غالِ ونفيس لترجمة معظم الكتب العلميّة، والطبيّة، والفلكيّة، والأدبيّة من كل اللغات: “اليونانيّة، والرومانيّة، والفارسيّة، والفرعونيّة، ولغات بلاد ما بين النهرين القديمة كالأشوريّة والسريانيّة، والآراميّة، والهنديّة، والصينيّة، واللاتينيّة، والقبطيّة إلى جانب العربيّة، أضف إلى ذلك احتفاظه في خزائنها بآلاف المخطوطات المزيّنة بالمنمنمات التّصويريّة، ويُعتقد أنّ قسمًا كبيرًا من هذه الكتب لا يزال مدفونًا تحت الأرض على الرّغم من إحراق معظمها من قبل السلطان صلاح الدّين الأيوبيّ، إذ لم يتبقَّ لنا من تلك الحِقبة التّاريخيّة للفاطميين من سجلاّت وتحف فنّيّة، سوى النّذر اليسير من الخزفيّات البرّاقة المميّزة، والمدهشة بألوانها التي عرفت بالخزف ذو البريق المعدنيّ، واستخدمت بديلاً للأوانيّ الذّهبيّة، عدا الأواني الكريستاليّة الصخريّة التي فاقت الكريستال الأوروبيّ بصفائها وطرزها الجميلة، وهي محفوظة في أكثر متاحف أوروبا وكنائسها أهمّيّة.
- I– تطوّر الفنّون الفاطميّة:أبدع الفاطميّون([8]) في هندسة مساجدهم وزخرفتها بالمقرنصات الجميلة، وسائر أنواع الزّخرفات الهندسيّة النجميّة التي زيّنت قباب وسقوف وشرفات المساجد خاصة في جامع الحاكم بأمر الله)[9]( في القاهرة، وقد اتسمت زخارفه المعماريّة بالنّقوش الخطِّية والنباتيّة المحفورة في الحجر، والجصّ الممتد على الجدران، وجاءت على شكل شرائط كتابيّة من آيات القرآن الحكيم وحكم مأثورة، كالتي نُقشت أعلى مدخل جامع الأقمر، كما تميّزت بعض زخرفاتهم بتأثيرات الرّموز المصريّة الفرعونيّة (زهرة اللوتس) وبالفنّون القبطيّة حتى جاءت تحفة العصر. ازدهر فن التّصوير بسبب رعاية الخلفاء الفاطميّين([10] )لأعمال الفنّانين وتشجيعهم على الارتقاء بأعمالهم الفنّية،وقد أقاموا مباريات تنافسيّة في الرّسم الجداريّ التّصويري بين الرسامين المشهورين([11]) أمثال ابن قصير العراقيّ، وابن عزيز، وابن المعلم، والتازوك،والكتامي حتى أعطوا أجمل أعمالهم الفنّية والمتميّزة. عُدَّ مسجد الخليفة الفاطميّ “الحاكم بأمر الله ([12])” قلعة محصّنة، نظرًا لضخامته وقوّة بنائه من الأحجار الصلبة التي صمدت في وجه الحروب، إلاّ أنّ العوامل الطبيعيّة دمّرت بعض أجزائه جرّاء الزلازل التي عصفت بالقاهرة، فأعيد ترميمه([13]) في أواخر القرن العشرين الميلادي أيّ بعد عشرة قرون من بنائه تقريبًا، ولا يزال يتميّز بعبقرية هندسته اللافتة بتأثرها بفن النِسب الإغريقيّة للأعمدة، وقد طُعِّمت جدران أروقته بزخرفة زاخرة بآيات من القرآن الكريم، كذلك قبّته فزخرفت من الدّاخل بالأشكال الهندسيّة، والنباتيّة، والآيات القرآنيّة الرائعة التي تسحر الألباب.
- أهم الفنّون الفاطميّة
- الزّخرفات الهندسيّة على جدران المساجد([14])
لوحة رقم (1) محراب ومنبر مسجد الخليفة الفاطميّ الحاكم بأمر الله: نلاحظ غزارة النقوش الزّخرفيّة لشرائط هندسيّة، ونباتيّة لزهور مثلثة متعاكسة، وتعريشات إغريقيّة هندسيّة تعرف بنقش الفرساتشي الإيطاليّة، تزيِّن جدران المسجد، وتحيط بعقود المحراب وأعلى المنبر زخرفات نباتيّة تخريميّة وهي تأثير لفن النّقش المغربيّ الفاطميّ، كذلك تشكيل زخرفيّ للآيات القرآنيّة تتصدر القبب وأعلى العقود والأروقة، من داخل مسجد الحاكم بأمر الله، العصر الفاطميّ (تصوير ميداني شخصي2009م.)
لوحة رقم (2) بلاطة مزخرفة بأشكال هندسيّة: زخرت الزّخرفات الهندسيّة المحفورة والمخرّمة لكلمة “الله ” جلّ جلاله،في قصر الحاكم بأمر الله، ونتج التّخريم في الحجر عن رسم هندسيّ مبدئيّ على قطعة جصّية أولاً، ثمّ تفريغ الحشوات فيها لتظهر كقطعة دانتيلا مطرزة، وهو تأثير للفن المغربي، وقد ازدهر هذا الفنّ أيضًا في الهند بتخريمه على قطع العاج، ويعود إلى ما قبل المسيح بقرون (فن التخريم)، (تصوير ميداني شخصي2009م).
- تصوير الجداريات بتقنية “الفريسكو)[15](“: يعدُّ فن “الفريسكو Fresco “،أحد أشكال الفنّ الذي يستخدم مادة الجصّ في تجميل الجدران لإعطائها رونقًا جماليًا أخاذًا، بتجصيص السّقف أعلى الصالة أو الغرفة أو الحمامات التي كانت تستخدم قديمًا عند ممالك الأنباط، واليونانيين، والرومان، وانتقلت في ما بعد إلى الحضارات اللاحقة كالبيزنطيين، وعبر الحِقبات الإسلاميّة إذ وجد لوحة جدارية للأمويين في قصر عميرة، والجامع الأمويّ في دمشق، وظهر امتداد هذا الفنّ في الحِقبة الفاطميّة، ويعتقد بأن كلمة فريسكو جاءت من الكلمة الإيطاليةaffresco التي تعني الطين الطريّ، وتستخدم في المساحات الكبيرة للجدارن بإضافة التّصاوير الجميلة عليها، وهي “تقنيّة فنِيّة دقيقة الصنع، تعني التّصوير على سطح جدار أو سقف مغطّى بالطينة الرّطبة حين مدِّها قبل جفافها، ويمارس الرسم على الجدار في لحظة انتهاء مدّ الطينة على الجدار وتنعيمها لتصبح ناعمة وملساء، حيث يستخدم فرشاة خاصة بالرّسم على طبقة الطين الملساء، أو الفريسكو ما يتطلب تشبّع طبقة الطّين بالماء قبل جفافها حواليّ ست إلى سبع ساعات، ويجب أن تلوّن بخبرة متمكِّنة وعميقة، وبسرعة كبيرة لاستحالة الفنّان تصليح أو تعديل الأخطاء بعد جفاف الألوان، لهذا يعتمد الفنّان الخبير بتقنيّة الفريسكو مخطّطاته من حيث الحجم، والموضوع، والصورة المحدّدة التي عليه تنفيذها على الجصّ، وتحصل هذه العمليّة الدّقيقة بتحضيره رسمًا تخطيطيًا أصغر بالألوان، ويضع الفنّان الرّسم التّخطيطيّ على الجص ويرسم الحدود، وبذلك يكون معدًّا لبدء الرّسم، ثم يعدّ ألوان جافة غير براقة (لا تستخدم في التلوين الزّيتيّ)، ويمزجها بالماء، ويستخدمها فورًا على الجصّ المبتل باستخدامه الفرشاة الخاصة بعد أن يستقر الجصّ لتلصق الألوان بصفة دائمة على السّطح، وبعد التأكد من جفاف الجصِّ والألوان، يَنزع الجصّ غير المصبوغ بالألوان وينظف الحافة بطريقته. وقد بلغ التّصوير الجصي الفريسكو أعلى مستوى له خلال عصر النهضة الإيطاليّ في االقرن 15 و16ميلادي، واستخدم في جداريات الكنائس والقصور بتقنية متطورة على يد عباقرة الرّسم مثل “مايكل أنجلو” و”ليوناردو دافنشي” وغيرهم.
لوحة رقم (3) تصوير جداري الفريسكو([16]): وجدت هذه اللوحة على إحدى جدران الحمّام الفاطميّ في الفسطاط، مصر، جهة أبي السعود جنوبي القاهرة، وهي من الجصّ، رسم عليها بالألوان المائيّة الحمراء والسّوداء، بأسلوب الفريسكو، وهي جداري لأمير يجلس متربِّعًا ويمسك بيده كأس، ويتدلّى من رأسه خصلتان من الشّعر واحدة متدليّة للخلف والأخرى إلى جبينه، وعينيه مائلتان الشّكل تعلوهما حواجب كثيفة، وقد كان سائدًا هذا الرّسم للعينين المشابه للوجه الصّينيّ أو المغوليّ السّمات، والفمّ صغير والذقن مستديرة الشّكل في الحقبة العباسيّة. ويرتدي عمامة فاطميّة ذات طياّت وجلباب تزيِّنه حليات من زخرفة نباتيّة، ويضع حول كتفيه وشاحًا يخرج طرفيه من تحت الأبطين كشريط حلية منثنيان إلى الأسفل،وأحيطت الصورة بإطار من الدّوائر وهي من الأساليب المميّزة للتصوير الفاطميّ سواء أكان داخل مصر أو خارجها، وتعدُّ رمزًا فلسفيًا وكونيًّا لعقيدتهم التّوحيديّة، كذلك ظهرت رسوم للكواكب خلف الشّخص وترمز إلى الشّمس أو القمر، والمرتبة العلميّة التي ينتمي إليها هذا الشّخص، ويرمز الكأس في يده إلى الطهارة وينبوع العلم الذي لا ينتهي، إذ لا تبدو على وجهه ملامح شرب الخمر. ونلاحظ أن معظم الصور الجدارية الفاطميّة يتردّد فيها صدى أسلوب سامراء فتتشابه معها من حيث الأشكال والزخارف، ومن حيث الأسلوب المسطّح الذي يعتمد على خطوط غير واقعيّة بل ذات طابع زخرفيّ، كما تظهر تأثيرات للتّصوير الطولونيّ على زخرفاتهم الفنّية، وقد غلبت التّقاليد الساسانيّة في هذه الصّورة بطريقة حمل الكأس وارتداء الوشاح الحريريّ، ويظهر التأثير البيزنطي جليًّا في طريقة جلوس الخليفة الفاطميّ ودائرة الشّمس الهالة المقدّسة خلفه، والتي كانت سائدة في العصر العباسيّ، العصر الفاطميّ: متحف الفنّ الإسلاميّ.
- III الفنّون الحرفية الفاطميّة
- فنّ النّسيج: ظهرت براعة الفنّان الفاطميّ في صناعة النّسيج المصريّ بحياكة الأقمشة من الحرير والكتان والصّوف،ثمّ زخرفة نقوشها الجميلة بآيات قرآنية وكتابات باللغة العربية كالخط الكوفي، وشرائط نباتيّة وصور حيوانية وأشخاص، وصبغها بألوان متنوِّعة لتفوق بجودتها وتميّزها سائر الأنسجة المحليّة حتى ذاع صيتها في بلاد الشرق والغرب، وقد ذكر المؤرِّخان”أبا المحاسن” و”المقريزي”:”أنّ الخليفة الفاطميّ الحاكم([17]) بأمر الله” أمر بكسْوة الكعبة من هذا الحرير الموشّى بالذّهب ذات الجودة العاليّة والشّهيرة، وحصل ذلك في السنة العاشرة من حكمه”، ثم تطوّر استخدام النسيج ليصنع من الحرير الخالص فقط.
لوحة رقم (4) منسوجة حريريّة مزخرفة: منسوجة حريرية عليها نقوش زخرفيّة نباتيّة وهندسيّة منمنمة تتوسطها الكتابات الدّينيّة لآيات قرآنيّة، طراز فاطمي تعود إلى العصر الفاطميّ. مصر.
- فنّ الأرابيسك: اشتهر الفاطميّون([18]) بزخرفة الخشب المحفور والمخرّم والذي عرف”بالأرابيسك” وزخرت بها مساجدهم وقصورهم، وكان أشهرها القصر الغربيّ الذي بناه الخليفة العزيز، وفيه قاعة الذّهب حيث يجلس الملك ويجتمع مع ضيوفه، والتي زُيِّنت بالستائر والطنافس الحريريّة المزركشة بالذّهب، وكذلك هناك قصر العرّافة، وقصر البحر الذي وصفه “ابن فلكان” بأنه لا يوجد له شبيه في الشّرق ولا في الغرب وقصر اللؤلؤ، ولم يتبقَّ من هذه القصور شيئًا يذكر.
لوحة رقم (5) واجهة خشبية)[19]( “فن الأرابيسك”: تظهر المنحوتة دقة فنِّية للتشكيل الزّخرفيّ على الخشب من حفر وتخريم وتلوين، لأشكال هندسيّة متنوِّعة من نجوم ودوائر ومربعات وغيرها، مفصولة عن بعضها البعض بإطار خشبي محزّز، وزخرفات لشرائط نباتيّة وأزهار تظهر براعة الفنّان العربيّ في فنّ النّحت على الخشب وجماليته، والذي عرف بفن الأرابيسك، منبر جامع قوس، في مصر، القرن 12م.
- فنّ الصّياغة([20]): اشتهر الفاطميّون في فن صياغة المعادن من الذّهب والفضة وترصيعها بالأحجار الكريمة، إضافة إلى فنّ التّخريم على العاج، حتى نالت شهرتهم بلاط ملوك أوروبا والشّرق.
لوحة رقم (6) علبة مجوهرات من العاج: علبة أو وعاء لحفظ المجوهرات، صنعت من العاج، الإطار نقش عليه آيات قرآنيّة يفصل بين القسم الأعلى:غطاء العلبة الذي يتخذ شكل القبّة المحفورعليها نقوش لحيوانات أسطورية كالسافنكس، والوعاء أي القسم الأسفل:وحفرت عليه بتقنيّة عاليّة ودقّة فنيّة رموز عديدة، منها النّسر الذي يعلوه هلال والّذي يرمز للدّعوة الفاطميّة أو الخليفة، والطاووس للدّلالة على العرش، وأسدان متواجهان يمثِّلان صراع البقاء، وأسد آخر يقضي على فريسته، الغزال أو الوعل، وملائكة متعانقان، وُجدت هذه التحفة الفنّية العاجية بين الكنوز الخاصة لأمير المغيرة ابن عبد الرحمن الثالث بالقرب من قرطبة، المغرب العربي، وتعود للقرن عاشر ميلادي في 968م. تأثير فنيّ لحضارات قديمة يونانيّة، بيزنطيّة، بتقنيّة أندلسيّة – مغربيّة)، ذات طابع إسلامي مغربي فاطمي،متحف اللوفر.
- فن الخزف ذي البريق المعدني: أسّس الخزاف الفاطميّ المشهور” أبو القاسم مسلّم بن الدهان” مدرسة في فن الزخرفة بأسلوب البريق المعدني،إذ عاش في الفسطاط بمصر في عصر الخليفة الفاطميّ الحاكم بأمر الله (1021-969م) وقد انتمى إليها وقلّد أساليبها العديد من الخزّافين الفاطميّين، منهم شقيقه مترف، أحمد الصياد وابنه علي قور، والطبيب، وأبو الفرج، وجعفر البصري وغيرهم.وتمتاز معظم أواني مسلّم([21]) بأن قاعدتها قليلة الارتفاع، ويغطي الطلاء الزجاجي سطح الإناء كلّه حتى القاعدة، وغلب عليها استعمال نوع واحد من الطلاء المعدني الذهبي اللون والمائل بدرجة عالية نحو الاخضرار، وقد ظهرت أعماله الخزفية الرائعة تلك في متحف الفنّ الإسلاميّ في مصر. وهكذا ازدهرت في العصر الفاطميّ في مصر صناعة جميع فنون الخزف الزاخرة بالزخارف المحفورة على بدن الإناء تحت الطلاء الزجاجي، وكان هذا الطلاء ذا لون واحد، وهو تأثير للخزف الصيني المستورد في عهد أسرة سونج. واستمرّت الفسطاط مركزًا شهيرًا لصناعة الخزف ذي البريق المعدني طوال العصر الفاطميّ، حتى توقف إنتاجه بسبب الحريق الذي أصاب حي الخزافين في الفسطاط العام (85) 1169. إثر سقوطها على يد الأيوبيين ما أدّى إلى تدهور صناعة الخزف عقب العصر الفاطميّ، وبسقوط الفاطميّين انتهى العصر الذهبي للخزف البديع دقيق الصنع.
لوحة رقم (7) مزهرية خزفية ذي البريق المعدنيّ: من صناعة الفنّان الفاطميّ الخزفي الشهير “مسلّم”، وُجد هذا الإناء في منطقة الآثار الإسلاميّة في سوهاج، ونلاحظ تغلُّب العنصر الرئيسي لشريط عريض من كتابة بالخط الكوفي المورَّق في زخرفته،من أعلى المزهرية، ويلتف شريط آخر حول الدائرة المركزية، منفّذة على أرضيّة ذهبيّة من الزّخرفة النباتيّة المحوّرة من فروع ملتفة وأوراق ثلاثية بارزة، وتقرأ الكتابة”بركة كاملة ونعمة شاملة له” في الجهة الأخرى، وكانت تلك العبارات شائعة على منتجات العصر الفاطميّ. وقد استخدم مسلمّ أيضًا عبارات قرآنية بالخطّ الكوفيّ، وعبارات تمجِّد الخليفة الفاطميّ” العزُّ لمولانا الفاطميّ”، كما اشتهر بإضفاء المرونة والحيوية في رسم الحيوانات والطيور مزيلاً نظرية الجمود التي كانت سائدة بالفنّون السابقة ما ميّز إنتاجه المبكِر والمبدع.
- فنّ الكريستال الصخريّ: اكتشف الفاطميّون زجاج البللّور الصّخريّ في المغرب، وكانوا أول من اقتلعه من محاجره وصنعّه بجودة فائقة، وما إن وصلوا إلى مصر حتى بحثوا عنه واستخرجوه من جبال البحر الأحمر، ليشكلّوه بأجمل الأشكال حتى بدا كتحفة فنِّية عريقة تركت بصمتِهم على مر التاريخ، وتميّز البلّور أو الكريستال الصخري([22]) بالشفافية الصافية الخالية من الشوائب، والمتفرِّدة ببريقها المتألق، وأهمّها صلابته التي تضاهي أصلب المعادن على الرّغم من أنّه من الأحجار التي تشبه الزجاج في شفافيته، وقد شكّلت منها الأواني، والصحون، والتحف الفنّية، وقناديل الإضاءة بواسطة القطع نظرًا لصلابته الشّديدة، لذلك احتلّت مصنوعاتهم تلك شهرة واسعة تخطّت عتبات مصدرها،إلى دول الشرق الأدنى كالهند وأوروبا نظرًا لصفائها وبريقها وجودة صناعتها، حتى سادت قناعة بين مستخدميه بأن الشرب في أواني البللّور الصخري له فوائد طبِّية وسحرية.
لوحة رقم (8) إناء من الكريستال الصخري([23]): إبريق من الكريستال الصخري، يتّصف بدقة تقنيَّته العالية والشفّافة، والصّافية من البلّور الصخريّ، وله عنق قصير، يتخِّذ شكل الكمثرى (نوع من الفاكهة المتوسطية) تحمله قاعدة عريضة ذهبيّة بثلاثة نسور ترتكز على مخالبها، المقبض مشكّل ومقطع بشكل هندسيّ زخرفيّ يشبه جذع شجرة النّخيل،إذ تفصله مربعات ذهبيّة ويترّبع أعلاه كبش أو وعل صغير، ويحيط أسفل العنق شريطًا مزخرفًا بالخط الكوفيّ لنقش إهداء “بركة من الله للخليفة الفاطميّ الإمام العزيز بالله (996-975م) وتتجلّى صورة معبِّرة وسط الإناء لفهدين جالسين بآمان وسعادة وتحيط بهما سعف النّخيل وترمز لحماية الدّولة الفاطميّة للمسيحيين الأقباط وغيرهم من الأقليات ورعايتهم وحفظ حريّتهم التبشيريّة، إرتفاعه 18 سم، العرض 12.5، طراز فاطميّ قديم لإبريق ذو عروة، حفظ في مدينة البندقيّة ضمن محفوظات القديس سان ماركو، البندقية في إيطاليا.
- الفصل الثّاني: تأثير مدارس الفنّ على الفنّون الفاطميّة
تأثر فنون التّصاوير والزّخرفة الفاطميّة بفنون مدارس الفنّ السابقة: تأثّرت الفنّون الفاطميّة([24]) بتصاوير سامراء في الحقبة العباسيّة والتي زخرت بزخرفات نباتيّة للخط الكوفيّ، وتألّقت بأسلوب الفنّ البيزنطي برسم الهالة حول رأس الخليفة التي طغت على رسوماتها، كما تأثّرت برسم الحيوانات كالأسد والطيور كالطاووس، والنباتات كشجرة النخيل، وتصوير الأشخاص وقصصهم التقليديّة في الفنّ الفارسيّ حتى جاءت بعض تصاويرها مماثلة لها، وإثر توسع الفتوحات الفاطميّة التي وصلت لمصر وجزر صقلية، زاد التأثر بتصاوير تلك البلاد الغنِّية بالفنّون: كالقبطيّة المصرية، والنورماندية الإيطاليّة، والفنّون المالطيّة، وقد أبدع الفنّان الفاطميّ بجمع هذه الفنّون المتنوِّعة بقالب فني رائع لتأتي تصاويرهم تحفة مميَّزة، وغاية في الدّقة الفنّيّة والإبداع التي حاكت مشاعرهم المرهفة، لتتحوّل إلى تحفة فنية قلّ نظيرها في تلك الحقبة.
- مدرسة أواسط آسيا الفنّية: اكتسب الفنّ الخزفي ذات التصاوير التّشكيليّة النباتيّة، والحيوانيّة، والآدميّة،والمزخرفة بخطوط كوفيّة، شهرة واسعة بصناعته وجودته الصافيّة حتى فاقت الخزف الصينيّ في بلاده، وقد صوّر على تلك الأوانيّ الخزفيّة عدة مشاهد من:رسوم لأشخاص([25])، كالفتيات العازفات والرّاقصات، ومشاهد لطيور ضمن زخرفة نباتيّة لنباتات وأشجار محوّرة، ومشاهد حرب لفرسان مع خيولها، ومشاهد لصراع البقاء بين الحيوانات وتصاوير فلسفيّة برمزيّة للأسماك في البحار، وكانت سمات هذه الأشخاص متأثرة بمدرسة التّصوير في ميدان في القرن الثالث ميلادي.
لوحة رقم (9) فنِّية عاجية: منحوتة لمشاهد الصيد تعود للعصر الفاطميّ، نشاهد فارس يعتمر عمامته،ويعتلي حصانه ويرفع سيفه في مشهد حرب، وفارس آخر ينحر وعلاً أو ثورًا بخنجره كصياد في مشهد صيد، ويفصل بين مشهد وآخر زخرفة لطيور وعناقيد عنب متدلية من أشجار الكرمة، تأثير أواسط آسية، متحف اللوفر.
- مدرسة الفنّون العباسيّة – الفارسيّة([26]): تأثّرت الفنّون العباسيّة بتصاوير الحيوانات في الفنّون الفارسيّة، فجاءت مشاهد الفارس يمتطي فرسه ممتلئة بالحيوية، كما ظهرت تصاوير الحيوانات متحركة ومنفعلة غير جامدة مثل: الوعل، والأسد، كما طغت تصاوير الطيور الخرافيّة كطائر السيمرنغ على معظم التصاوير العباسيّة، وقد تأثّرت الفنّون المصرية الفاطميّة بها خاصة بنقشها على المنسوجات الحريريّة.
لوحة رقم (10) زجاجة عطر: زجاجة عطر من الزّجاج الأزرق النّيليّ مزخرف بالآيات القرآنيّة المذهّبة ونقش على غطاء قارورة العطر البسملة أو” لا إله إلا الله” و كلمة “الملك العزيز لله” على أسفل عنق الزجاجة، وتزخر أيضًا ضمن إطار آخر في قاعدتها آيات من القرآن الكريم، ويتخلّلها شعار الفاطميّين صورة الأسد الفاطميّ باللون الأزرق تعلوه زهرة التوليب باللونين الأحمر والذهبي والتي ترمز لاحتواء الكون للمعرفة الأزلية، ونقوش نباتيّة زخرفيّة تحيط بالزجاجة على شكل إطار دائريّ كإسوارة ذهبيّة، وتعد قارورة العطر هذه من أفخر الصناعة الفاطميّة للزجاج النقي الأزرق النيليذ، طراز فنيذ ذات تأثير فارسيّ – العصر الفاطميّ.
- مدرسة سامراء العباسيّة: أثَّرت الطرز الفنّيّة لأواسط آسيا على التصاوير الجداريّة في سامراء بعهد العباسيين والتي انتقلت بتأثيراتها من العراق إلى مصر، فتحوَّلت ملامح الأشخاص إلى وجوه ذات سمات آسيوية([27]) من استدارة الوجوه، والعيون النجلاء المائلة ذات البؤبؤ الكبير، والأنف المستقيم والفمّ الدّقيق، وطريقة تصفيف الشّعر التي تنسدل في لمّة على الجبهة، وظهرت صورهم على تصاوير خزفيّاتهم ذات البريق المعدنيّ، فجاءت سماتهم مزيجة بين السّمات العربيّة وسمات المغول أو الصينيين.
لوحة رقم (11) صحن من الخزف ذي البريق المعدنيّ: صحن أو وعاء من الخزف ذي البريق المعدنيّ، ونُقش عليه تصوير فنيّ دقيق، لأمير أو خليفة فاطميّ يتقلّد عمامته ويحمل كأسًا في يده، وتتزيّن عباءته بالأوسمة، ومتقلّدًا سيفه أو خنجره في وسطه، وأمامه ريشة للكتابة وورقة عليها رسوم لدوائر، توضح شخصيته كحاكم مهم، وتظهرخلفه نقوش زخرفيّة نباتيّة دائرية، وتصوير إبريق كبير بجانبه كأس صغير، وإطار الوعاء أو الصحن أبيض مزخرف بحزوز زخرفية صغيرة بسيطة، الكؤوس والدلّة للشراب تدل على تأثيرات فارسية على مدرسة سامراء العباسيّة.
- مدرسة فنون التّصاوير القبطيّة:تأثّر الفنّ الفاطميّ بفنون وهندسة وتصاوير الدول([28]) التي سيطر عليها، فجاءت مزيجًا إبداعيًّا ثقافيًّا رائعًا أحيت رونق الفنّون الإسلاميّة لتتربع على عرش منافسة جماليّة الفنّ في ذلك العصر، لاستخدامهم أشهر المهرة من فنانين تلك الدّول الغربيّة والعربيّة خاصة من أقباط مصر. كما تأثّرت الفنّون الفاطميّة بالفنّ القبطي 54-641م.([29]) خصوصًا تقنية الألوان: اللون الأحمر، والأخضر، والأصفر الذّهبيّ والتي كانت سائدة أصلاً في الفنّون الإغريقيّة وانتقلت للبيزنطيّة، فظهرت رسومات فنيّة فاطميّة متأثرة بلوحات فنِّية قبطيّة لمناظر الصيد من الصيّادين والحيوانات من غزلان، وكانت صور الحيوانات تبدو بنسَبِها الطبيعية، وتظهر على وجوه الأشخاص الملامح المعبِّرة([30])، بينما طغى على صور الطبيعة طابع التحوير للجبال والصخور، والأشجار والنباتات، وزخرت الزّخارف على النسيج من الكتان الأبيض بصور السمكة، والحمامة، والطاووس والتي هي بالأصل رموز مسيحية قبطية([31]) وكانت قد اشتهرت أيضًا في فنّ الزّخرفة في العصر الأمويّ، ولكنها اتخذت معنى ودلالة أخرى في الرّموز([32])الفاطميّة.
فنّ المنمنمات: تأثّرت الفنّون القبطيّة للمنمنمات بالفنّون المانويّة من حيث التذهيب، وتركيز الضوء والظل على الموضوع الرئيس، وزخرفة الكتب المقدسة وفن الأيقونة، وقد وجدت بعض الكتب المزخرفة بالمنمنمات التي حفظت من الحرق والتلف في إحدى الكنائس وموجودة الآن بالمكتبة الوطنية في باريس”([33]).ومنها نسخة من الإنجيل القبطي التي أعدّها أسقف دمياط العام 1180م.وقد تأثّرت نقوشها بتلك الحقبة من فن تصوير المخطوطات العربيّة المعاصرة لها.
لوحة رقم (12) نسخة من الإنجيل القبطي مذهّبة: نسخة من الإنجيل القبطي مذهّبة ونقش الصليب في الوسط مرصّع من الأحجار الكريمة، ويحيط به نقوش زخرفية هندسيّة، ونباتيّة عرفت بفن المنمنمات،وكلمات منقوشة باللغة اليونانية أعلا وأسفل الكتاب، المتحف القبطي، مصر.
- مدرسة الفنّ الطولونية: ظهر التأثير الفنّي الطولوني)[34](في التصاوير الفاطميّة على آخر صفحة من كتاب خاص للإرشيدوق الألماني إزهازوغ رايير) (Ezhazog Raiier، حيث وجد رسم لشجرة خضراء محوّرة بأغصان محمّلة بوريقات خضراء داكنة ومحدّدة باللون الأصفر، ومحمّلة بثمار باللون الأحمر القرمزي، وهي مشابهة للتصوير على ورق البردى في العصر الإغريقي، كما نسخ عليها كتابات باللغة العربية، وإثر معاينتها من قبل المؤرخين تأكدوا بأنّها هي تعود إلى العصر الطولوني في القرن 9 ميلادي، إذ وضع الطولونيين نظامًا مميّزًا للتصوير في مصر”جامع أحمد بن طولون”([35])، وحملوا هذه الفنّون والتحف الفنّيّة معهم من العراق إلى مصر،وعلى الرّغم من أنّ حكم الطولونيين لم يدم طويلاً بسبب الصراعات الدينية المسيحية بين الكنيسة القبطيّة المصرية الشرقية من جهة، وكنيسة روما الغربية من جهة أخرى، لكنهم تركوا بصمتهم الفنّية في محاريب مساجد الفاطميّين المماثلة لمحاريب مسجد ابن طولون، من حيث التسطيح والواجهات البارزة بزخرفات هندسيّة، وشرائط نباتيّة، وآيات قرآنية نافرة ومجوّفة والتي عرفت بالمداخل التذكارية([36]) كجامع المهدِيّة في تونس.
لوحة رقم (13) منبر جامع ابن طولون([37]): منبر جامع ابن طولون في مصر، نلاحظ الهندسات الزّخرفيّة الجميلة على جانب المنبر، عدا جمالية البناء بالأعمدة الرخامية الخضراء وهي مشابهة لمنبر جامع الحاكم لأمر الله.ونلاحظ الدقة في النقوش الزّخرفيّة الإسلاميّة لأشكال هندسيّة نجمية، ودوائر، ومربعات، وشرائط نباتيّة، وآيات قرآنية، وهي طراز إسلاميّ محض، وقد تأثر به الفنّ الفاطميّ خاصة في زخرفة داخل وخارج مساجدهم(لوحة رقم 1-2)، جامع ابن طولون، مصر.
- تأثير التّصوير الفاطميّ على الفنّ الصقلّي النورماندي: انعكس الانفتاح الفكري والثقافي للفاطميين([38]) على شعوب البلاد التي افتتحوها، ما أدّى إلى تمازج حضاري راقي ومتميِّز، فعمّ الازدهار التّجاري أيضًا بين القاهرة الفاطميّة وتلك الدول مثل:البندقية، وجزيرة صقلية، وإيطاليا ومالطا، ما ساعد على تطوّر فن العمارة الهندسيّة الفاطميّة وفنون زخرفتها في مدينة صقلية النورماندية،التي غلب عليها طابعها الرومانسي([39])،وقد وصفها المقريزي بالكنوز الفاطميّة لما تخلَّلته من روائع زخرفية ذات تأثير بيزنطي. ظهرت التأثيرات الفاطميّة على تصاوير جدارية لكنيسة القصر” كابيلا بلاتينا([40])” التي زيّنت بصيغ كلمات التبرُّك العربية كأشرطة تزيينية، ووحدات زخرفية نباتيّة إسلاميّة مكرّرة، وتصاوير لطيور أبرزها الطاووس والذي كان رمزًا مهمًّا عند الفاطميّين، كما وجد ذات الأسلوب الفاطميّ الزخرفي والتّزيينيّ على جدار حمام فاطميّ في مصر، وظهرت تصاوير على جداريات كنيسة القصر لمشاهد عازفين يعزفون على آلات موسيقية معروفة في مصر، ويعتمرون بالعمامة أو القلنسوة التقليديّة الإسلاميّة الفاطميّة، ويرتدون الجلباب العربي المصري(قفطان، أو عباية)، كما زخرت جدران القصور والمدارس والتكِّيات بتصاوير لأدباء علماء وهم يحملون الكتب المفتوحة ويقرأونها، وغيرها من التصاوير الزّخرفيّة التي كانت سائدة في العصر الفاطميّ.
لوحة رقم (14) مناظر الموسيقي في سقف الكابلابلاتينا([41]): تصوير جداري منفَّذ بتقنية الفريسكو، يظهرعازفان يعزف أحدهما على آلة العود، والآخر يعزف على آلة الناي، ويجلسان بجانبيّ كرسي العرش وأمامها نافورة ماء لبركة من الحجر، وتتخذ شكل الأسد بأسلوب فنيّ تحويريّ شبيه بمنمنمات ماني،حيث تنساب المياه من فمه كمجرى مائي لتتجمع في قنوات عديدة، ثمّ تستقر في حوض الماء،كما يعلو العازفين عقد زخرفت زواياه العليا بنافذتين تطل منها سيِّدتان. وهي مستوحاة من إحدى النّوافير الموجودة بالقصور في باليرمو، الألوان باللون الأحمر والأسود لكنها غير حيوية من حيث توزيع الضوء والظل،مع أن موضوع اللوحة”عزف الموسيقى”ليوحي بالبهجة والسرور.(العصر الفاطميّ).
الخاتمة
تناولت الباحثة في هذا البحث”الفنّون الفاطميّة ومدى تأثرها بمدارس الفنّون القبطيّة والأسيويّة والإسلاميّة” في دراسة معمّقة لنشوء وتطوّر الفنّون الفاطميّة، وكيفية تأثّرها بمدارس فنيّة عديدة عبر عرضها لنماذج تصويرية، معتمدة بذلك على مراجع ومصادر عديدة، متخذة آلية المنهج التاريخي في تقصّي المعلومات الموثقة بالمراجع العلمّية،والمنهج الوصفي لشرح لوحات فنِّية متعدِّدة تشمل تنوع الفنّون في العصر الفاطميّ، فاختارت عشرات اللوحات الفنّية (14 لوحة)، وقسّمتها إلى مجموعات فنِّية بناء على نشوء وتطور الفنّ الفاطميّ، وحسب التأثير الفنّي لمدارس الفنّ، وصولاً لاتخاذه بصمته الفنّية الخاصة به، وقد أضاءت من خلالها على أسلوب الفنّ الفاطميّ ومدى تأثره بفنون تلك العصور، مظهرة الأسلوب الواقعيّ للفن الفاطميّ الذي يظهر التّسامح الدّينيّ الحرذ في الفنّ التشكيليّ، من خلال سماته المميزة التي ظهرت في الخزف ذي البريق المعدنيّ، وصناعة الكريستال الصخريّ الذي تميّز بصفائه ونقاوته حتى نافس الكريستال الأوروبيّ النورمانديّ، محدِّدة قدرة الفنّ الفاطميّ على توحيد فنون الزّخرفات الفارسيّة، والبيزنطيّة، والإسلاميّة، والقبطيّة ضمن محور فني موحّد، كالهالة حول رأس الخليفة في الرّسم على الجدار بإحيائه لتقنية فنّ الفريسكو، إلى جانب لوحات تصويريّة لمشاهد الصيد، والحيوانات الخرافيّة، عدا تطوّره الفريد في الفنّ الهندسيّ لبناء المساجد وزخرفتها ونقوشها من منابر خشبيّة مهندسة بأشكال هندسيّة عرف بفن الأرابيسك، والرّسم على النّسيج وتطوّر صناعته، واللوحات الفنّية الجميلة على الرّغم من عدم خبرته باستعمال الضوء والظل في رسم المنمنمات، والعمق في مواضيع فنِّية عديدة، كفن التّخريم على العاج، وفن صياغة العاج والمجوهرات، وقد اعتنت الباحثة من خلال عرض نماذج من تلك الفنّون، لتظهر أهمِّية الفنّ الفاطميّ في جمعه لعناصر البناء الفنّي لمراحل فنيّة عديدة عاصرها، ومدى تأثره بمدارس الفنّ لبلدان أسيوية، وكذلك كيفية تأثيره على تطوير بعض الفنّون الأوروبيّة النورمانديّة، مجليّة بذلك أي غموض عن حقيقة هذا الفنّ بما أضافه من تطوّر لفنون متنوّعة ومميزة، تركت بصمته الفنّية الخاصة على الرّغم من الإهمال الذي ألمّ به عبر تاريخ الفنّ الإسلاميّ.
نتائج البحث: تمّت دراسة متن البحث عبر فصلين:
- الفصل الأول: بَدء الفنّون في العصر الفاطميّ:شمل العصر الفاطميّ بلاد المغرب العربيّ، واليمن والحجاز، وصولًا إلى لبلاد الشّام حتى مصر، ليمتد حكمهم نحو جزر صقلية ومالطا لتصبح ولايتهم مترامية الأطراف،حيث سجّل الخلفاء الفاطميّين خلال ثلاثة قرون من حكمهم استقرارًا أمنيًّا، نتج عنه ازدهارًا تجاريًا وثقافيًا وفنِّيًا شمل الهندسة والعمران، أغنى بها الحضارة الإسلاميّة بثروة فنِّية قيِّمة، مسجِّلاً بذلك إرثًا ثقافيًّا يُشهد لبصمته الممَيّزة عبر التاريخ.
- تطوّر الفنّون الفاطميّة :نلاحظ تطوّر هندسة المساجد وزخرفتها بالمقرنصات الجميلة، وسائر أنواع الزّخرفات الهندسيّة النجمية التي زيّنت قباب وسقوف، وشرفات المساجد، خاصة في جامع الحاكم بأمر الله في القاهرة، فزخرت النقوش الخطِّية والنباتيّة المحفورة في الحجر كشرائط كتابية من آيات القرآن الحكيم وحكم مأثورة، كالتي نقشت أعلى مدخل جامع الأقمر، حتى جاءت تحفة العصر الفاطميّ.
- الفنّون الحرفيّة الفاطميّة: فنّ الأرابيسك، فن صياغة المجوهرات، فنّ الخزف ذو البريق المعدنيّ، فنّ الكريستال الصخريّ،فنّ النّسيج الموشّى بالذّهب والآيات القرآنيّة بالخط الكوفيّ، إحياء تقنية فنّ الفريسكو، والجداريات المزخرفة بشرائط من الخط الكوفيّ لآيات قرآنية، مظهرة براعة الفنّان الفاطميّ في نسخ الكتب بالخط الكوفي، وتذهيبها وزخرفتها بشرائط نباتيّة والزّهور، لكنها للأسف قد حرقت جميعها في المكتبة الفلكيّة الخاصة بالحاكم لأمر الله وما تبقى منها في أيدي الحافظين، نسبت لفنانيّ العصر المملوكي بعد موت الفنّانين الفاطميّين الأصليين، وسقوط الدولة الفاطميّة، وذلك لتشابهها ممّا خلفته من كنوز حفظت في متاحف الغرب.
الفصل الثاني: تأثير مدارس الفنّ على الفنّون الفاطميّة
- تأثر فنون التصاوير والزخرفة الفاطميّة بفنون مدارس الفنّ السابقة وأهمّها:
- مدرسة أواسط آسيا الفنّية: أثّرت على الفنّ الخزفي ذات التصاوير التشكيلية النباتيّة، والحيوانية، والآدمية، والزّخرفات الجدارية بخطوط كتابية كوفية.
- مدرسة الفنّون العباسيّة – الفارسية: تأثّرت الفنّون الفاطميّة بتصاوير الحيوانات في الفنّون الفارسية- العباسيّة ومنها مشاهد حيوية غير جامدة لفارس يمتطي فرسه.
- مدرسة سامراء العباسيّة: انتقلت التصاوير العباسيّة بتأثيراتها من العراق إلى مصر في العصر الفاطميّ، خاصة في رسم الوجوه، فجاءت ذات سمات آسيوية من استدارة الوجوه والعيون النجلاء.
- مدرسة فنون التصاوير القبطيّة: تأثّر الفنّ الفاطميّ بفنونها، فاستخدموا أمهر فنانيهم، وهكذا جاءت معظم فنونهم تستخدم تقنية الألوان: اللون الأحمر، والأخضر، والأصفر الذهبي خاصة في صناعة الخزف ذي البريق المعدني، ومخطوط إنجيلي يظهرصراع البقاء والحيوانات المفترسة للغزلان.
- كذلك جاءت رسوماتهم على النسيج متأثرة بلوحات فنية أيقونة قبطية لمناظر صيد وحيوانات.
- مدرسة الفنّ الطولونية: ظهر تأثير هذه المدرسة في محاريب مساجد الفاطميّين، والتي جاءت مماثلة لمحاريب مسجد ابن طولون، من حيث التسطيح والواجهات البارزة بزخرفات هندسيّة، وشرائط نباتيّة، وآيات قرآنية نافرة ومجوّفة والتي عرفت بالمداخل التذكارية كجامع المهدِيّة في تونس.
- تأثير التّصوير الفاطميّ على الفنّ الصقلّي النورماندي: أدّى التمازج الحضاري الثقافي بين الشرق والغرب إلى ولادة فنون راقية ومتميزة، إثر الازدهار التجاري الذي ساد بين القاهرة الفاطميّة ودول البندقية، وجزيرة صقلية في إيطاليا، ومالطا، الأمر الذي ساعد على تطوّر فنون العمارة الهندسيّة الفاطميّة وفنون زخرفتها في مدينة صقلية النورماندية والتي غلب عليها طابعها الرومانسي،إذ ظهرت على تصاوير جدارية لكنيسة القصر” كابيلا بلاتينا”.
التوصيات: شكّلت هذه الدراسة البحثية عن الفنّون الفاطميّة جسرًا ثقافيًا مهمًّا بين فنون حضارات الغرب والشرق، لما حققته من وحدة فنِّية زخرفية بينهما، توّجتها ببصمة تاريخية فنِّية فاطمية خاصة بها، مثبتة أحقِّيتها وإبداعها لتلك الفنّون.ما ينفي ما جيّر من فنون فاطمية لحضارات وعصورلاحقة، لأنها حقًا لفنون إبداعية متطوّرة عالية الدقة تستحق دراستها بشكل معمّق، والبحث في حناياها عن كلِّ ما هو مفقود، وهذا ما حفّزني إلى دعوة أهل العلم والفنّ، والمهتمِّين الباحثين بدراسة فنون العصور الإسلاميّة وآثارها، إلى التبحُّر في علوم هذا الفنّ الفاطميّ لإحياء التّراث الإسلاميّ من جديد، والبحث عمّا خلّفه من تحف فنِّية وأثرية لا تزال مغمورة بعالم النّسيان والإهمال، وغائبة محفوظاتها عن سجِّلات متاحف الشرق.
المصادر والمراجع
- إيردمان. ك، كنز سان ماركو “البندقية 1971م. أو. غاربار، الفنّ الشرقي“، المجلد السادس 1968م.
- أسامة النحاس، الوحدات الزّخرفيّة الإسلاميّة، كتبة النهضة المصرية، الإسكندرية، نشأة المعارض، 2006م.
- أحمد علي الطايش، الفنّون الزّخرفيّة الإسلاميّة المبكرة، مكتبة نشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2013م.
- أستون، فييت، دليل موجز المعروضات دار آلآثار العربية، ترجمة: زكي محمد حسن، القاهرة، 1993 م.
- عربيد، آمال، رموز العرب والمسلمين، من موسوعة رموز الحضارات القديمة والأديان السماوية، دار آمالنا، للتأليف والنشر، بيروت، 2020 – 2021م.
- عربيد، آمال، أهم المساجد الأثرية العظمى حول العالم، آمالنا للنشر والتأليف، بيروت، لبنان، 2018م.
- بلقيس، محسن هادي،تاريخ الفنّ العربي والإسلاميّ، بغداد: دار الحكمة، 1990م.
- ثروت عكاشة، تاريخ الفنّ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983م.
- جونس، دراسات في بقاء واستمرارية تقاليد ما قبل الاسلام،مجلة مركز البحث الأميركي في مصر،المجلد السابع،(إي. جي. غروب، المجلد الأول) 1962 AARP
- جورج مارسيه، الفنّ الإسلاميّ، ترجمة عفيف بهنسي، منشورات ووزارة الثقافة والسياحة، دمشق، 1986م.
- حسن الباشا، التّصوير الإسلاميّ في العصور الوسطى، القاهرة، 1959م.
- ديماند، الفنّون الإسلاميّة، طبعة ثانية القاهرة، 1958م.
- ديماند، الفنّون الإسلاميّة، متحف الميتروبوليتان، نيويورك الطبعة الأولى 1947م. ترجمة: أحمد محمد عيىسى، ط3، القاهرة: دار المعارف، مصر 1982م.
- ريتشارد، اتنجهاوزن، تاريخ التّصوير عند العرب، ترجمة: عيىسى سلامة، سليم طه التكريتي، بغداد، مديرية الثقافة العامة، 1974م.
- سعاد ماهر، أثر الفنّون التشكيلية الوطنية القديمة على فن القاهرة في العصر الفاطميّ، دار الكتب المصرية، القاهرة مصر، 1971م.
- عباس محمود العقاد، فاطمة الزهراء والفاطميّون، ط5، القاهرة: دار النهضة، مصر للطباعة والنشر، 2006م.
- عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلاميّة، خصائصها وتطورها عبر العصور، مجلة الباحثون، العدد1، 7 أيار، 2013م.
- غيورغي كاتشيف، “الوعي في الفنّ“، ترجمة نوفل نيوف، المجلس الوطني للثقافة والفنّون والثقافة والآداب، الكويت، 1990م.
- فريد شافعي، الأخشاب المزوقة في الطراز الأموي، مجلّة كلّيّة الآداب، سبتمبر 1952م.
- ويل، ديورانت، قصّة الحضارة، ترجمة محمد بدران، القاهرة، مصر: دار النهضة للطباعة والنشر، 2001م.
- Books
- Arnold & Grohmann: The Islamic Bookpp: 2, Zaky Mohamed Hassan, Les Tulunides, London( 1929).
- W. Robinson – Ernst – J. Crube – G.M, Meredith Owens – R.W. Skelton. Islamic painting and the Art of the book by B.W. Robinson (1976).
- Ettinghausen, Richard; Grabar, Oleg; Jenkins, Marilyn (2001), Islamic art and architecture 650-1250, (2003)
- Jonathan, Bloom. M, “The mosque of Al hakim in Cairo” Muquarnas, An Annual on Islamic Art and Architecture 1, Article N’1, (1983).
- Ross E. D. ”The Art of Egypt through the ages”, London 1939.
- Arnold & Adolf Grohma,”The Islamic Book”, Germany 199 7- Ross E.D, ”The Art of Egypt through the ages, London (1939).
Electronics sites
- alkhaleej.ae
- https://www.alittihad.ae/article/39827/2008/
- https://civilizationlovers.wordpress.com
- egyptsons.com
- http://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=object;isl;eg;mus01;26;ar&cp
- https://www.qantara-med.org/public/show_document.php?do_id=1140&lang=ar
- https://www.marefa.org
- https://www.mahmoudkhidr.com
الهوامش
1- أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم الآثار.
)1) سعاد ماهر، أثر الفنّون التشكيلية الوطنية القديمة على فن القاهرة في العصر الفاطميّ، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، 1971م. ص: 522.
)[2]( Ettinghausen, Richard; Grabar, Oleg; Jenkins, Marilyn (2001), Islamic art and architecture 650-1250.
(3) ريتشارد، اتنجهاوزن، تاريخ التّصوير عند العرب، ترجمة: عيىسى سلامة، سليم طه التكريتي، بغداد، مديرية الثقافة العامة، 1974.
(4) بلقيس، محسن هادي،تاريخ الفنّ العربي والإسلاميّ، بغداد: دار الحكمة، 1990.
([5]) ويل ، ديورانت،قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، القاهرة، مصر: دار النهضة للطباعة والنشر 2001
)[6]( Jonathan ,Bloom.M, The mosque of Al hakim in Cairo” Muquarnas, An Annual on Islamic Art and Architecture 1, Article N’1,(1983)
(7) س . دمياند،الفنّون الإسلاميّة، ترجمة أحمد محمد عيىسى، ط3 ، القاهرة: دار المعارف، مصر1982م.
(8) آمال عربيد، أهم المساجد الأثرية العظمى حول العالم، آمالنا للتأليف والنشر 2018م. ص: 30- 33.
(9) Bloom, Jonathan M. The Mosque of Al Hakim in Cairo ,Muqarnas, An Annual on Islamic Art and Architecteur1,Article, No: 1, 1983,pp: 15-36.
(10) استون، فييت،دليل موجز المعروضات دار آلآثار العربية، ترجمة: زكي محمد حسن، القاهرة 1993
(11)عباس محمود العقاد،فاطمة الزهراءوالفاطميّون، ط5، القاهرة: دار النهضة، مصر للطباعة والنشر، 2006م.
(12) أحمد علي الطايش، الفنّون الزّخرفيّة الإسلاميّة المبكرة، مكتبة نشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ص 259.
(14) آمال عربيد،أ المساجد الأثرية العظمى حول العالم، آمالنا للنشر والتأليف، بيروت، لبنان، 2018م. ص: 30-33.
(17) Source:http://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=object;isl;eg;mus01;26;ar&cp
(18) سعاد ماهر، المرجع السابق، صفحة: 524.
(19) جورج مارسيه، الفنّ الإسلاميّ، ترجمة عفيف بهنسي، منشورات ووزارة الثقافة والسياحة، دمشق، 1986م. ص: 144-146.
(24)https://www.mahmoudkhidr.com الكاتب محمد يوسف خضر، اوكتوبر 2011م.:
(25) https://www.alittihad.ae/article/39827/2008/ الكاتب: د. أحمد الصاوي، تاريخ النشر: 24 سبتمبر، 2008
(26)https://www.qantara-med.org/public/show_document.php?do_id=1140&lang=ar
متحف الإرميتاج، سان بطرسبرغ، مأخوذة من مذخرات القديس ماركو، البندقية، وتحفة كريستالية مماثلة في المتحف الوطني الكويتي، وهناك قطع مشابهة موزعة في الكنائس والقصور الأوروبية.
(27) م. س. دمياند، الفنّون الإسلاميّة، متحف الميتروبوليتان، نيويورك الطبعة الأولى 1947م. ترجمة أحمد محمد عيىسى، ط3، القاهرة: دار المعارف، مصر 1982م.
(28) أحمد علي طايش، الفنّون الزّخرفيّة الإسلاميّة المبكرة، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، ص 30.
(29) حسن الباشا، التّصوير الإسلاميّ في العصور الوسطى، القاهرة 1959م. ص: 162-163.
(30) B.W. Robinson – Ernst – J. Crube – G.M, Meredith Owens – R.W. Skelton. Islamic painting and the Art of the book by B.W. Robinson.
(40) جونس، دراسات في بقاء واستمرارية تقاليد ما قبل الاسلام، مجلة مركز البحث الأميركي في مصر،المجلد السابع (إي. جي. غروب، المجلد الأول) 1962 AARP
(41) ديماند، الفنّون الإسلاميّة، طبعة ثانية القاهرة، 1958م ص: 27
(42) Ross E.D,”The Art of Egypt through the ages”, London 1939, pp: 57
(43) فريد شافعي، الأخشاب المزوقة في الطراز الأموي، مجلة كلية الآداب، سبتمبر 1952م. ، ص: 110.
(44) آمال عربيد، رموز العرب والمسلمين، موسوعة رموز الحضارات القديمة والأديان السماوية، دار آمالنا، للتأليف والنشر، 2019م ص: 78-79.
(45) ثروت عكاشة، تاريخ الفنّ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1983 م. ص: 28.
)48) Thomas. Arnold &Adolf Grohma, ”The Islamic Book” .Germany 1992, pp: 3.
(49) أسامة النحاس، الوحدات الزّخرفيّة الإسلاميّة، مكتبة النهضة المصرية – الإسكندرية، نشأة المعارض، ص: 282.
(50) عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلاميّة، خصائصها وتطورها عبر العصور، مجلة الباحثون، العدد1، 7 ايار، 2013م.
(52) ك. إيردمان، كنز سان ماركو “البندقية 1971م. أو. غاربار، الفنّ الشرقي“، المجلد السادس 1968م. ص: 39.
(53) المرجع السابق، ك. إيردمان، “كنز سان ماركو” البندقية 1971م.
(54) غيورغي كاتشيف “الوعي في الفنّ“، ترجمة نوفل نيوف، المجلس الوطني للثقافة والفنّون والثقافة والآداب، الكويت، 1990م.
(55) https://civilizationlovers.wordpress.com