دَلالة البِنية الصَّرفيَّة في القَصائِد السَّبع العَلويَّات
صباح محسن كاظم([1])
تمهيد
الاهتمام بنحو اللغة العربية وصرفها وكلّ ما يحيط بجمالياتها، يعدُّ من الضروريات القصوى بالاهتمام بلغة الضاد. من المؤسف حقًا إهمال لغة القرآن الكريم ونحوها في الخطاب العام، والإعلام، والتواصل الاجتماعي. فاستخدام اللغة المحكية الشعبية بدلاً من جمالية اللغة الفصحى يشكّل صورة منتشرة في الأوساط المتعدّدة. مثل تلك البحوث تسحبنا إلى مناطق البهاء والسناء والجمال في لغــــتنا الأم.
تـــوطئة
النزوع في الدّراسات الأكاديميّة نحو دراسة الأدب السّهل، فيما شحة الدّراسات اللغويّة بسبب استسهال طلبة الدّراسات لهذا المضمار من دون الخوض بغمار مفاتن لغة الضاد. من هنا تأتي أهمّيّة رسالة الباحث “ناظم جابر طاهر الحصونة” دَلالة البِنية الصَّرفيَّة في القَصائِد السَّبع العَلويَّات لابن أبي الحَديد المُعتزلِيّ (ت 656هـ)(1)، التي تمّت مناقشتها في الجامعة الإسلامية من قبل لجنة المناقشة أ. د. سارة كنج، د. طارق عبود، د. غادة علوه في 2019 – 2020. لقد ناقش الباحث الحصونة في المحتوى العلميّ لهذه الرّسالة المهمة، جوانب العلوم اللغوية بقدرة تحليليّة بذل فيها الجهد المعرفيّ لتقصّيّ الجوانب الدّلالية للبنيّة الصّرفيّة في القصائد السَّبع العلويَّات لابن أبي الحديد المعتزلي (صاحب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام)، حيث جاء بالمقدمة(2): “تعدُّ دراسةُ البنية الصَّرفيَّة أساسًا في فهم العلوم اللغويَّة، وفي فهم اللغة من تراكيبها، وبلاغتها وأساليبها؛ لذلك فإنَّ الدراسة الصَّرفيَّة تمتاز بصعوبتها، ومن هنا فَعِلم الصرف لم يَنَلْ ما حظِي به قرينه علم النحو من عنايةِ طلبة الدراسات العليا، كما أنَّ المكتبةَ العربيّة غنيَّةٌ بالمعجمات العربيَّة التي عنيت بتفسير المفردة، وتوضيح معناها اللغوي. أما بنية الكلمة الصَّرفيَّة، ودلالاتها، فأظنُّ أنَّها فقيرة بهذا الجانب، فكان هذا باعِثًا لدراستي لدلالة البنية الصَّرفيَّة في القصائد السّبع العلويّات لابن أبي الحديد المعتزليّ (ت 656هــ)، حيث كان الهدف يتجه إلى دراسة الأبنية الصَّرفيَّة للأسماء والأفعال والمصادر والمشتقات في تلك القصائد، وفق حقولها الدلاليَّة، لإبراز دلالات هذه الأبنية بالاعتماد على سِياق وَوُرود هذه الصِّيغ الصَّرفيَّة. وإنّ سبب اختيار الموضوع للدراسة هو السّبب الذي تؤديه مفردات القصائد السّبع العلويّات من معانٍ من خلال أبنيتها منفردةً لتؤثر تأثيرًا مباشرًا في مركبات الجمل بعد ذلك، ووجدت أنَّ شعر ابن أبي الحديد المعتزلي (656هـ)، يستحقُ أنْ يكونَ أنموذجًا رافدًا لتحقيق ما أصبو إليه من دراستي، لِـتَميُّزِ شعره بسهولةِ الألفاظِ وقوةِ العباراتِ وتراكيبِها التي تشهَدُ بشاعريّتِه وحُسْنِ نظمِه وبراعتِه، ولأنَّ هذه القصائد نُظِّمَتْ في ذكر فضائل الإمام عليّ (عليه السلام)، وقد أشار فيها إلى صفاته، ومكارمه، وبطولاته، ووقائعه، وقد خُلّدَتْ هذه القصائد لاتّسامها بصدقِ العاطفة، وصدقِ الولاء، وقد دعمها بدلائل مُستقاة من التاريخ والحديث وبعض الآيات القرآنية
2019
|
“. لقد ركَّز الباحث بجهده العلمي في الفصل الأول على:
- دلالة الجمع ، 2- دلالة التصغير والنسب، معتمدًا على أمّات المصادر في هوامشه بصفحات الرّسالة، نجـتزئ من المبحث الأول من الفصل الأول الذي شمل مباحث عدّة.
الجَمعُ في اللغة: هو: مَصدَرُ جَمِعْتُ الشيء. والجَمْعُ أيضًا: اسم لجماعة الناس، وهو: تأليفُ المُتَـفَرِّقِ وجمعه في شيءٍ واحدٍ، والمَجموع ما جُمعَ من هنا وهنالك، ويَدُلُّ على تَضَامِّ الشَّيء. يقال جَمَعْتُ الشيءَ جَمْعًا. وعلى كُلِّ لونٍ منَ النَّخلِ لا يُعْرَفُ اسمُه، وسُمِّي جَمْعُ مكَّة لاجتماع النَّاسِ به. وقد شمل بشروحاته: جمع التصحيح (جمع المذكَّر السالم، وجمع المؤنث السالم)، وجمع التكسير (جمع الكثرة، وجمع القِلَّة)، اسم الجمع، اسم الجنس الجمعي.
إذا كانَ مولى الشَّاعِرينَ و رَبَّهُمْ لكم بَانِياً مَجْداً فما قَدْرُ شَاعِرِ
يَفوقُ الرِّياحَ العاصفاتِ إذا مَشَى ويَسبقُ رَجْعَ الطرفِ شدَّاً إذا جَرَى
أَسَــفِي على مَغْــناكَ إذ هُو غَـابةٌ وعلى ســبيلكَ وَهِي لَحـبٌ مَهْــيَعُ
أيّـــــامُ أَنْجُــم قضعبٍ درَّيــــــــــــــــــــةٍ في غيرِ أوجهِ مطلعٍ لا تَطْـلَـــــــعُ
وقد أبحر الباحث بكفاءةٍ ، وبشراعٍ حذرٍ في مهبِ أمواجٍ متلاطمة في الفصل الثاني الذي تناول فيه دلالة أبنِية المَصادر، ففي المبحث الأوَّل: دلالة أبنية مصادر الأفعال المجرّدة. والمبحث الثَّاني: دلالة أبنية مصادر الأفعال المزيدة، والمبحث الثَّالث: دلالة أبنية المصدر الميمِيّ، والمصدر المَــرَّة، والمَصْدر الهـــيأة. فقد ذكر الباحث في المبحث الأول أنَّ دلالة أبنية مصادر الآفعال الثلاثية المجرَّدة في تلك القصائد جاءت على أبنية (فَعْل)، (فعَلَ)، (فِعْل)، (فُعْل)، ( فُعْلة)، (فُعَال)، ( فُعُول)، (فَعيل). فيما جاءت دلالة أبنية مصادر الفعل الرباعي المجرَّد على بناء واحد هو بناء (فَعْللة).
بينما تناول في المبحث الثاني، أولاً: دلالة أبنيةُ مصادر الأفعال الثلاثية المَزيدة بحرفٍ واحدٍ، بثلاث صِيَغٍ هي: أَفْعَـل ــــ إِفْعال، وفَعَّـلَ ــــ تَفْـعيل، وفاعَلَ ــــ فِعَال ومُفاعلة. أمَّا في ثانيًا بيَّن(3) في: دلالة أبنية مصادر الأفعال الثلاثيَّة المَزيدة بحرفين: أكَّد على خمسُ صِـيَغٍ هي: (افْتَعَلَ ــــ افْتِعال)، و(انْفَعَلَ ــــــ انْـفِعال)، و(افْـعَلَّ ـــــ افْعِـلال)، و(تَفَـــــــعَّلَ ــــ تَـفَعُّل)، و( تَـفاعَلَ ــــ تَفاعُل)، ولم يستعملِ الشاعرُ أبنيةً للمصدر الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف في القصائد السّبع العلويّات.
الفَصلُ الثَّالث: دلالة أَبنيةُ المُشتَقّات، من صفحة (66) إلى صفحة (95). المبحث الأوَّل: اسم الفاعل، المبحث الثاني: صيغ المبالغة، المبحث الثالث: اسم المفعول، المبحث الرابع: الصِّفة المشبَّهة، المبحث الخامس: اسم التفضيل، المبحث السادس: اسما الزمان والمكان، المبحث السابع: اسم الآلة.
ركَّز في الفَصلُ الرّابع ( دَلالة أبنية الأفعال ) على مبحثين ، المَبحثُ الأوّل : دلالةُ أبنية الأفعال المجرّدة ، و المَبحثُ الثاني : دلالةُ أبنية الأفعال المزيدة.
تناول الباحث في صفحة(4)، دلالة الإعطاء: هي إحدى دلالات بناء (فَعَل)، التي ذكرها الصَّرفيَّون في مصنفاتهم ومثَّلوا لها بأفعال نحو: مَنَحَ، ونَحَلَ، ووَهَبَ، وبَذَلَ، وشَكَرَ.
ومما ورد على هذه الدلالة في القصائد السّبع العلويّات، قوله: [الطويل]
سَأمْنَحُكُمْ مني مَوَدَّةَ وَامِقٍ يَغضُّ قِلى عن غيركم طَرْفَ هَاجِرِ
نلحظ دلالة الإعطاء قد تمثّلت في الفعل المضارع (سَأَمْنَحُ)، يُقال: منَحَ يَمْنَحُ بمعنى أعطى. يقال: منحَهُ: أي أعطاهُ، فالشاعر في هذا البيت يمنحُ مودَتَهُ ووَلاءَهُ لآلِ بيت الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدَهُم، ويتضح إنَّ هذا العطاء خالٍ من المنية، فالمانح كثير ما يكون متفضِّل في ما يمنحه إلَّا أنَّ منح المودة ليس فيه تفضُّل ؛ كونه صادر من مُحبٍّ، بل الشاعر يفخر بأن مودته لآل البيت.
ملخص ما جاء في الخــــاتمة(5):
– إنَّ دراسة دلالة البنية الصّرفيّة في القصائد السّبع العلويّات يساهم في تأصيل الظواهر الصّرفيّة من خلال النّص الأدبي.
– القصائد السّبع العلويّات جُمعت من صيغ أبنية المصادر والمشتقات والأفعال وغيرها من مباحث الصّرف، ماهو جدير بالبحث والدراسة لما تضمنته من دلالات متنوعة أثرت النص الشعري بمعانٍ عميقة.
– إنَّ أبنية مصادر الأفعال الثلاثية جاءت على صيغٍ متنوعة، وأبواب كثيرة، أخذت مساحة واسعة في القصائد السّبع العلويّات، وهذا يؤيد ما ذهب إليه علماؤنا القدماء والمحدثون في أنَّ مصادر الثلاثي هي الأكثر شيوعًا، ويعزى ذلك الى كثرة الأفعال الثلاثية نفسها، فكثرة الشيء في نفسه يؤدي إلى التصرف فيه، فضلاً عن أنَّ اللغويين ربطوا أبنية المصادر بالدلالة في سياقها العام، إذ إنَّهم أعطوا للسِّياق أهميةً كبيرةً في كشف الدلالات لما افترق بناؤه من المصادر، فالمصدر عند أهل العربية هو الحدث المجرد من الزمن، والشخص، والمكان خارج علامات السِّياق، أما داخل السِّياق فتحدّد المعاني الوظيفيّة التي يدلُّ عليها ويؤديها.
– بيّــن البحث دور السِّياق في إيضاح معنى الثبوت في الاسم، والتَّجدد والحدوث في الفعل في دراسة أبنية المشتقات بأنواعها، وكشف البحث اشتقاقها من الفعل الثلاثي وغير الثلاثي.
– إنَّ أكثر المشتقَّات انتشارًا في القصائد السّبع العلويّات هو (اسم الفاعل) الذي عبَّر عن أكبر نسبة فيها، حيث عبَّرت صيغُهُ عن اتِّصاف الفاعل بصفة ما في أكثر المواطن وهي (فاعِلٌ) و(مُفْعِلٌ) و(مُتَـفَعِّلٌ)، وهذا يُعدُّ دليلاً على براعةِ الشَّاعر في استخدام ماهو مناسبٌ لموضوع المديح في قصائده العلويّات.
– استخدم الشاعر في دلالة اسم الآلة على الأبنية غير القياسية (الجامدة)، ولم يستخدمْ أيَّ بناءٍ من الأبنية المشتقة لاسم الآلة في قصائده السّبع العلويّات، وهذا دليل على كثرة الحروب التي خاضها أمير المؤمنين (عليه السلام).
– إنَّ الشاعر استخدم في قصائده أبنية الأفعال الثلاثية المجردة أكثر من أبنية الأفعال المزيدة، تأكيدًا لما قاله العلماء أنَّه أكثرُ الأبنية استعمالاً نظراً لخفّته، وَوُرود أبنية الأفعال الرباعيّة المجردة والمزيدة بصورة أقـل.
كلمة أخيرة: إنَّ هذا الجهد المعرفي المُميّز الذي توَّجه الباحث بهذه الرسالة معتمدًا على أمّات المصادر في اللغة، قد أثمر عن المعطى الجمالي للغتنا العربية من خلال توضيح دلالة الأبنية الصرفية في الأسماء، والأفعال، والمصادر، والمشتقات.
المراجــــع
- رسالة جامعية: دلالة البِنية الصَّرفيَّة في القَصائِد السَّبع العَلويَّات لابن أبي الحَديد المُعتزلِيّ (ت 656هـ)، ناظم جابر طاهر.
- المصدر نفسه: ص 1.
- المصدر نفسه: ص 57.
- المصدر نفسه: ص 100.
- المصدر نفسه: ص 132.
[1] – صباح محسن كاظم، ناقد ومؤرّخ ، صدر له (17) كتابًا بين النقد والتاريخ، يكمل دراسات عليا في لبنان.