سرديّة القهر وتحولات الشخصية في رواية “حرام” لسعاد الفقي بوصرصار
د. ليلى قاسحي*
مقدمة
توفر الرواية بوصفها جنسًا أدبيًّا مميزًا مركبًا من مجموعة مختلفة من الأجناس الأدبيّة، الكثيرة من المعرفة والمتعة، وهي المرآة العاكسة للواقع المعيش بآلامه وهواجسه و نوازعه، وكل هذه المحمولات الثقافيّة والاجتماعيّة نجدها متواترة في رواية “حرام”(1) للروائيّة التونسيّة سعاد الفقي بوصرصار(2) التي تناقش قضايا متعددة في إطار التناقضات والتّجاذبات التي تؤسس للحركة السّرديّة من بداية الأحداث إلى نهايتها، كما تؤسس لفكرة الصّراع بين الشّخصيات وذواتها، الناتجة عن ثيمة القهر المهيمنة على النص السّرديّ، خاصة القهر الكبير الواقع على المرأة بسبب طغيان الرجل وسيطرته، وفهمه المتحجر وتأويله السّطحي للنّصوص الدّينيّة، ما يجعل المرأة في الرواية تعاني القحط العاطفي، والجفاف الرّوحي. و من هنا تتجلى إشكاليّة المقاربة و التي نؤسسها من خلال التّساؤلات الآتية: كيف ناقشت الكاتبة تيمة القهر في رواية “حرام”؟ ماهي تأثيراتها على تحولات الشّخصية النّفسّية والاجتماعيّة والفكريّة؟
تدور أحداث الرواية في مدينة صفاقس التونسيّة المعروفة بالجمال والخضرة، فالبيئة المؤطرة للأحداث هي بيئة فلاحيّة جنوبيّة تتميز بالتمسك بالعادات والتقاليد، والمحافظة على الأعراف والطقوس الاجتماعيّة والفكريّة الباليّة، تتمثل شخصيات الرواية في الأب ، تاجر ميسور الحال، متسلط، كلمته مسموعة في البيت لا يمكن لفرد من أفراد الأسرة مناقشته أو معارضته، أمّا الشّخصية الثانيّة فهي الأم، الزوجة المطيعة الراضخة لأوامر زوجها، تقوم على خدمته و رعاية البيت والأولاد، مضطهدة مقهورة، أمّا الأولاد فنجد: الابن البكر (صالح) نسخة عن والده، أمّا أحمد الابن الثّاني فنقيض الأول يتسم بالهدوء واللطف، يميل إلى الحيوية والمرح، فهو الذي يبدد سواد البيت و ظلمته بنور قلبه النظيف، و روحه الطيبة، كما نجد شخصية سعاد الساردة الأخت الصغرى و الفتاة الوحيدة في البيت، نالت من الاضطهاد و القهر نصيبا من والدها تارة، ومن أخيها صالح تارة أخرى، خاصة بعد وفاة والدها حيث حل محله في كل شيء، في العمل والبيت، فورث صفاته وسلوكاته، واستبد بأخته حين أراد توقيفها عن الدراسة، وإجبارها على ارتداء الحجاب، لكنها رفضت الإذعان لطلبه خاصة في ما تعلق بترك المدرسة بدعم من والدتها، وأدركت في قرارة نفسها وعميق تفكيرها أنها لن تتخلص ممن تسلط صالح إلا من خلال مواصلة تعليمها، وتسلّحها بالعلم، فكان لها ذلك، خاصة بعد سفرها إلى فرنسا و استقرارها مع أخيها أحمد.
مع نجاح كل من أحمد وسعاد، لا يجد صالح المستشاط حقدًا إلاّ التطرف والانضمام إلى تنظيم سريّ حيث يقرر السّفر إلى أفغانستان، لممارسة الجهاد المزعوم وتحقيق مشروع الدّولة الإسلاميّة الوهم، و لكن بعد معاناة شديدة وإماطة اللثام عن الحقائق الصادمة، يكتشف صالح عبث ما كان يصبو إليه، و حمق تفكيره الرّجعي المتزمت، فقرر العدول عن موقفه باستخدام ذكائه، وإعمال فكره. فارتأت الرّوائيّة أن تنهي الأحداث نهاية سعيدة بعودة صالح إلى وطنه وبيته نظيفًا، وبتفكير جديد، ورؤيا سليمة رفقة زوجته، كما قررّ كل من أحمد وزوجته العودة من فرنسا للاستقرار في أرض الوطن، أمّا سعاد فآثرت العمل في وطنها والارتباط بمحمود حبها الأول.
1ـ تيمة القهر وتشكّلاته
1-1ــ قهر الزّوج لزوجته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله.
يذكر ابن منظور أنّ القهر من” الوحدة الفعلية ق، ه، ر، والقهر الغلبة والأخذ من فوق، والقهار من صفات الله عزّ وجلّ… و قهره يقهر قهرا غلبه، ونقول أخذتهم قهرًا أي من غير رضاهم، وأقهر الرجل صار أصحابه مقهورين”(3).
تتأسّس بنية القهر على ثنائية ضدية يتمثل القطب الأول في القوة العليا المجسّدة في القاهر الذي يملك السّلطة، والقوة والجبروت، أمّا القطب الثاني فيمثل الدّرجة الدنيا أو السّفلى، ويحتلّها المقهور الذي يقع عليه فعل القهر والاضطهاد. ويرد مصطلح القهر في الدّراسات النّفسيّة والاجتماعيّة بوصفه علّة نفسيّة ناتجة عن ظروف اجتماعيّة يعيشها المقهور الذي يشعر دائما بالتهميش والانطواء، وتعدّ صفات الاتكاليّة والاستكانة والضّعف من المؤشرات الأساسية للمقهور، واتّهامه من الغير بالغباء ما يجعل الذّات المقهورة مهتزّة عاجزة عن اتخاذ قرارتها(4).
تتجلى تيمة القهر من خلال ثنائيّة الذّكر/ الأنثى، أيّ الرجل/ المرأة، وتظهر في رواية “حرام” من خلال الصراع القائم بين (الأب/ الأم) أيّ قهر الزوج لزوجته واضطهاده لها، ويظهر ذلك من خلال هذا المقطع السّردي الوارد على لسان سعاد البنت الصغرى: “كان أبي حازمًا و متسلّطًا لا تفوته صغيرة ولا كبيرة لأنّ أميّ مطالبة أن تنقل له يوميًا ما يحدث في بيتنا المغلق في غيابه، وكانت تفعل ذلك بكثير من الإخلاص والتهيّب، وتتلقى اللوم والتعنيف على كل خلل يحدث مهما كان مصدره، فهو يعتقد أنّها مسؤولة عن البيت وعليها أن تكون في المستوى”(5).
يتمحور هذا الملفوظ السّردي حول جملة من الإملاءات والتناقضات، وإقصاء مبدأ المشاركة بين الزوجين في الاهتمام بالأسرة ورعاية الأطفال وتحمل المسؤولية، ولكن هذا الأب المتّسم بالحزم والتسلّط ــ كما تصفه ابنته ــ يجعل من زوجته عينا نافذة ، بل وجاسوسة تنقل له أخبار الأسرة كلّها، وبكل خضوع وخنوع، ولا تلقى إلا العنف، والّلوم، والزّجر إذا ما حدث خلل في تسيير شؤون الأسرة، وهكذا يغدو البيت “فضاء تتلقى فيه استراتيجيات الخيبة والإخفاق“(6).
إنّ التأسيس لتيمة القهر تجعل المقهور (الأم في المقبوس السردي السابق) دائمة الخوف، مضطربة النّفس، تحكمها الهواجس والمخاوف، في صراع دائم مع رغباتها وتطلّعاتها، عاجزة عن اتخاذ قراراتها، مستكينة مقموعة، وتظهر هذه المعاني كلّها في النّص الآتي: “فإذا علا صوته (الأب) انتشر الخوف، و تحول ملاءة نتخفى وراءها في صمت حتى يسكن ويكسر جزءً آخر في أمي… لم تكن أمي تحتج على تصرفاته بل كانت توافقه في إذعان وخوف… وتطلب العفو وتَعِد بعدم حصول هذا الذي لم يرضه في المستقبل حتى وإن كان الخطأ غير صادر عنها، أو ليس لها به علم… فالصبر على قهر الرجال واجب”(7).
إنّ غياب المفهوم الحقيقي للعلاقات الاجتماعيّة والأسريّة والزوجيّة، وانهيار منظومة الحب و التفاهم، وتقاسم المسؤوليات عامل من عوامل انكسار الأم، التي ظلت على مدار الحكي تحمل لقب الأم، و لم يذكر اسمها بوصفه “العلامة المميزة للشخصية“(8)، وهذه العلامة تمنح الشخصية جملة من المحمولات الاجتماعيّة والثقافيّة لتأكيد مقروءيتها، فغياب الحوار في المجتمع عامة والأسر خاصة يعمق التسلّط الذكوري الذي يضطهد المرأة ويستبّد بها، فتصبح مستكينة راضخة لأوامر الرجل ومتطلباته، فلا يحق لها الرفض أو الاحتجاج، وخاصة في الطقوس الاجتماعيّة المتعلقة بالمناسبات الدّينيّة، وهذا ما تعبر عنه الساردة بقولها “الحقيقة أن أبي الذي يحرص على أن تكون مائدته كل ليلة حافلة بشتى الأطعمة… حريص على إكرام ضيوفه الذين يدعوهم طيلة الشّهر الفضيل للعشاء معه… وهو غير واعٍ بما يسببه لأمّي من الإرهاق يمنعها حتى من أداء عباداتها على أفضل طريقة“(9).
غياب الوعي وطغيان الأنانيّة على شخصية الرجل (الأب) يجعل المرأة (الأم) تعاني في صمت من شدة التّعب والإرهاق، فتتشكّل من خلال هذه الحالة النّفسيّة المترديّة “صورة عن الضياع والتمزق و اختلال المقاييس والصور وراء هذا الصمت”(10)، وتظهر هذه الصّورة المتسمة بالاختلال من خلال تذمر الأم وردة فعلها بقولها: “متى ينتهي هذا الشهر”(11) فالإحساس بالتّعب النّاجم عن كثرة الأعباء وتعدد المسؤوليات يجعل الأم تشعر بالدّونيّة والإذعان المتواصل لسلطة العادات والتقاليد البالية التي ترسم تلك الصورة النمطية البغيضة للمرأة، فيصبح “ صراع النساء ضد القهر الاجتماعي المتمثل في العادات القديمة التي تميز بين الذكر والأنثى، وتجعل من المرأة أضحية على مذبح القيم التقليديّة التي تعاملها بدونيّة وتمييز”(12).
لا يتوقف إحساس المرارة واليأس من طغيان الزوج عند هذا المستوى، بل تتعداه إلى صورة أوضح، وتأثير أعمق من خلال ماجاء على لسان الأم “كان قد مرّ على زواجيّ سبعة أو ثمانية أشهر… في المساء والرببع يرسل أنفاسه الشذيّة، والهواء دافئ، والضياء شلال يوقظ الحواس… لبست أجمل ثيابي … وقفت امام المرآة أسرح شعري، شعري هذا كان طويلًا وغزيرًا وناعمًا، رفعت صوتي بالغناء، ولم أتفطن إلى دخوله عليّ إلا عندما لمحت خياله في المرآة… نظرت إليه زاهية… رفع يده وهوى بها على خدي، بعثر شعري، وأربك كياني… وصاح غاضبًا: غناء في بيتي؟ لغة إبليس في بيتي؟ حرام…حرام…حراااااام، أستغفر الله ، أستغفر الله”(13)
يؤسس هذا المقطع السّردي لأقصى درجات القهر والتّحطيم النّفسيّ، فبينما تكون الزوجة سعيدة منشرحة، مستعدة للقاء زوجها بكامل جمالها وأناقتها، وتعبّر عن سعادتها وغبطتها بالغناء، فما كان من الزوج المتسلّط والمتهور إلاّ أن يصفعها ليجرح شعورها، ويكسر قلبها، ويشوّه جمالها الروحي والشّكلي معًا، ويحطّم الأحلام الجميلة في نفسها بذريعة أن الغناء حرام، لفظة أسست عليها الحياة اليوميّة للمجتمع الذي يرسخ للفكر الذكوري، ويؤكد على دونية المرأة، وما يزيد في إمعان الرّوائية في ذكر التأثير السّلبي لهذه المحرمات، أنها توظف اللفظة توظيفًا صوتيًا يحيل على الإطالة والتكرار والمواصلة (حراااااام) للدلالة على تعميق المعنى وترسيخه، والتي لا تستند أساسًا إلى نصوص دينية واضحة، ولا تعتمد على التحليل العقليّ والاستنباط الفكري في تجسيد هذه المحرّمات، حيث تشير الساردة إلى أنّ كلمة حرام “تقمع بها النفوس، أمامها الكل يتراجع، ولا يحقّ لأحد أن يناقش أو يجادل، حرام وكفى، كانت حياتنا بسيطة، ساذجة و بائسة، كانت كلمة حرام تشل حركة الفكر والعقل، فإذا رنّت في بيتنا كان لها مفعول السّحر، وليس لنا أن نتجاوزها، أو أن نسأل لماذا؟، كانت الخط الأحمر الذي لا يحق لأحد أن يتعدّاه”(14).
بالاستناد إلى ما سبق نجد أنّ الرّواية أرادت أن تخوض “رحلة تفضي إلى مكاشفة ذاتيّة من خلال مواجهة المختلف”(15)، مواجهة العقول المتحجرة، والقلوب القاسية التي لا تقيم وزنًا لوجود المرأة وكيانها، و لا تتفهم مشاعرها، فالمرأة تريد أن تعبّر عن هواجسها وانفعالاتها، فتكتب ذاتها وتترجم لنفسها متجاوزة سلطة الرجل والمجتمع(16)، فالمجتمعات العربية عامة، والمغاربيّة خاصة ما انفكت تقتات من فكرة دونيّة المرأة، وعلو شأن الرجل “فوضع المرأة الاجتماعيّ والنفسي في مجتمعات مغاربيّة تقليدية لا تزال تقرّ بسلطة الرجل و تفوّقه عليها”(17).
وفي غياب الأب المرتبط دائمًا بثيمتي القهر والاضطهاد تتغير حالة الأم، فتضطر إلى تغيير أمزجتها وأقنعتها حسب حضور الأب أو غيابه، وهذا ما نستشعره من خلال النّص السّردي الآتي: “وفي غيابه، تتحول أمي إلى طفلة تشاركنا اللعب والشّغب، وتنتقل في وسط الدّار بخفة، ويتورّد خداها، وقد ترفع صوتها بالغناء… وبمجرد رجوع أبيّ إلى البيت تلبس قناع الجدّ والرصانة، فتكبر بعشر سنوات“ (18).
هكذا هي الأم بشخصيتها المزدوجة (المرأة/ الطفلة)، ففي غياب (الزوج/ الرجل) تنتفض لتنزع قناع (الأم/ المرأة) المنبطحة المقهورة لتعلن عن رفضها الشّديد لواقعها المرّ، لو كان مؤقتًا، فتحنّ لأيام الطفولة، عالم السّحر والبراءة، لترتدي قناع الطفلة، فتمارس كل الطّقوس المحضورة، وتشارك بكل فرح صغارها حيث تلعب، تشاغب، تشاكس، تقفز وسط الدار، تغني، فترتاح نفسيتها، وتعيش لحظتها فيتورّد وجهها، لكنها تضطر للعودة إلى الواقع المعتم بمجرد رجوع زوجها إلى البيت.
إنّ الرّغبة في العودة إلى الماضي والحنين إلى زمن الطفلة والطفولة، يحمل الكثير من الدّلالات أوّلها الرغبة في الاحتضان والرّعاية والاهتمام، وقد فهمت سعاد هذه الحاجة الملّحة، وأصبحت تلازم والدتها، وتعبّر عن حبّها الشّديد لها رغبة منها في احتوائها “أفظع ألم هو أن تشعر أنك وحيد وبلا حب… مهما كانت الطريقة أصبح لزامًا عليّ أن أكرّر لها هذا الإعلان عن حّبي لعليّ أعوّض لها سنوات القحط، أيام كانت تغمر الجميع بالحب والعطاء دون أن يجود عليها أحد بكلمة حلوة… كان شعورها العميق الذي دأبت عليه هو أن تحنو على الجميع، وتخدم الجميع، وتسهر على راحة سكان البيت وزواره من دون أن تفكر في نفسها… كنت أضمّها، وأعبّر لها عن حبي فأرى ابتسامة رضا تشعّ من وجهها كل يوم أكثر”(19).
يتحدد جليًّا من خلال النّص السّردي السّابق وعي البنت بهواجس والدتها المدفونة، ورغباتها المكبوتة الرّغبة في الاحتواء والاحتضان “فالمرأة ليست شيئا، إنها إنسان له همومه واهتمامه ومواقفه”(20).
2-1: قهر الأب لأولاده
تتوسع دائرة القهر في رواية “حرام” لتشمل أيضًا الأبناء، وهم على التوالي: صالح، أحمد وسعاد. يعد صالح الابن البكر صورة عن والده، وتصفه سعاد بقولها: “أسمر، يميل إلى البدانة، وشعره مجعّد يجزّه دائمًا على مستوى الجمجمة، وعيناه كبيرتان سوداوان كأنهما البحر… على زوبعة توشك أن تنطلق من حين لآخر، يغلب عليه الخمول وقلّة الحركة… ورث صالح صفات أبي”(21)، أمّا الابن الثاني فهو أحمد، وتذكر السّاردة صفاته في هذا النص: “أخي أحمد، وهب جمالًا يوسفيًّا باهرًا في كل مراحل حياته، البشرة بيضاء مشربة بحمرة، والشّعر أسود مسترسل لامع، وقامة منتصبة في تناسق، إلى جانب ذكاء وقّاد يتلألأ في عينيه، وسرعة بديهة مع حيوية ونشاط، وميل إلى المرح، وحبّ الحياة ومباهجها”(22)، أمّا البنت الصغرى، فهي سعاد الساردة، وقد اهتمت الكاتبة بهذه الشخصية، واضطلعت بمهمة السرد على مدار الحكي، واعية بواقع الشخصيات الرّوائية، مدركة لنوازعها ورغباتها. فبداية الفصل الأول تنفتح على حوار يجمعها بوالدتها، وهي طفلة صغيرة تمارس طقوس الطفولة وهوايتها، اللعب، الرّسم، المشاغبة ما يجعلها أول شخصية تقع عليها السلطة الأبوية، ويفعّل فيها القهر والاستبداد، وقد مهّدت الرّوائيّة لذلك لأنّها ستعيش لاحقًا (بعد وفاة الأب) تحت ظلم السّلطة الأخوية، وهكذا تجسّد سعاد مفهوم القمع الذّكوريّ بكل أشكاله (الأب، الأخ) حيث ينفتح السّرد على مقطع وصفيّ لطفلة تلعب في السقيفة وتستأنس بخلوتها السّاحرة، مع عرائسها ولعبها وعالمها الخلاّق الذي تصفه بقولها: “كان يحلو لي أن أقضي وقتا في السّقيفة… أحاكي عرائسي، وأخلق جوًا وعوالم وأنغمس فيها غير شاعرة بما حولي… كنت أصنع من الحجارة والعصيّ و عظام الحيوانات دمى أكسيها ملابس، وأعطيها أسماء وصفات، أكلمها وأغضب عليها، وأواسيها وأشجعها، وأطعمها وأحممها…”(23).
تبدأ ملامح القهر والقمع على هذه الطفلة الهادئة الحالمة عندما يكتشف الأب الرّسومات التي كانت ترسمها بالطباشير على جدران السقيفة، حيث كانت تتفنن في تصوير ما يدور في مخيلتها الواسعة الخصبة، من أشكال وحيوانات، فتصنع بذلك عالمًا مبهجًا تتحاور معه، وتتفاعل مع تفاصيله، لكن والدها قمع شعورها واستبدّ بعالمها السّاحر، وطمس جميع معالمه حيث تقول: “وذات يوم انتبه أبيّ إلى هذه الرسوم فزجرني وضربني، حرام ما تفعلين، حرااااااام، وفي نفس اليوم كلف الوالد من يقوم بطلاء جدران السقيفة، فأغرق عالمي، وترك في نفسي غصّة وحيرة، لأنني لم أدرك لماذا يكون الرسم حرام..”(24).
إنّ طمس الأب للعالم المتخيّل لابنته هو في الحقيقة طمس لذاتها، ومحو لكينونتها، لأنه لم يكتف بالّزجر والضرب فحسب، بل وصل به الأمر إلى تقييد أحلامها وتطلّعاتها بأغلال كلمة حرام، التي لا تفقه معناها ولا تدرك مراميها، فحياتها مرهونة بهذه الكلمة، تجلجل في بيتهم دائمًا، هذا ما تصرّح به بقولها: “كان عمري حينها لا يتجاوز السّتّ سنوات، وكانت كلمة حرام تجلجل في بيتنا باستمرار
ــ لا تجلس هكذا
ــ لماذا؟
ــ حرااام
ــ لا تتكلم أثناء الأكل
ــ لماذا؟
ــ حرام
ـــ لا تأكل بيدك اليسرى
ـــ لماذا؟
ـــ حرام
ـــ حرام…حرام…حرام”(25).
غياب آليات المناقشة والتّحاور في الأسرة يؤدي إلى انحدار الكثير من القيم، وتغييب معاني الحب والتفاهم، وهيمنة مفهوم الخوف، وهذا ما تشير إليه السّاردة في قولها “بصفة عامة كانت علاقتنا بأبي قائمة على الخوف، كنا نخافه، ولكننا كنا نحبه، نحب دخوله عليها بالقفاف مملوءة بما طاب من اللذائذ، كان كريما منفقا بقدر ما كان بخيلا بمشاعره وعواطفه”(26).
تأسيس العلاقة بين الأب وأبنائه القائمة على الخوف، يجعلهم يشعرون دائمًا بالأنطواء، وفقدان الثقة بالنفس، وهذا ما يؤكده مصطفى حجازي بقوله “ يأتي الأب بما يفرضه من قهر على الأسرة من خلال قانون التسلّط والخضوع الذي يحكم علاقاتها، يغرس الخوف والطاعة في نفس الطفل، ويحرم عليه الموقف النقدي مما يجري في الأسرة… ويفرض عليه أن يتلقى المنع و القمع، و أن يطيع دون نقاش”(27) وهذا ما يسبب في ابتعاد الأب عن أولاده، وعدم اهتمامه بعالمهم وهواجسهم، ما يسهم في توتر العلاقات الأسرية، وجفاف العواطف بين الأب وأبنائه، وهذا ما تعبر عنه الساردة في قولها “ظل أبي في وقاره و جلاله بعيدًا عنا إلى أن كبرنا، يبدو في برنسه شتاء، أو في جبته البيضاء صيفًا، وفي أناقته ونظافته كأنّه شخصية تاريخيّة محاطة بهالة من العظمة”(28). هذه هي صورة الأب المرسومة في ذهن أولاده، فقد تكمنت الساردة من اختصار معالمها، وملامحها في جملة واحدة (كأنّه شخصيّة تاريخيّة محاطة بهالة من العظمة) جملة توحي بدلالات البعد، القداسة، العظمة والهيبة، التي حلّت محلّ: الحوار، النّقاش، المحبّة والاحتواء. ومن هذا المنطلق دأب أحمد على الاجتهاد والمواظبة والتحصيل العلمي، لأنّه المعول الحقيقيّ الذي يكسر به كل الحواجز خاصة حاجز السلطة الأبوية وهذا ما نستنتجه من النص الآتي: ”أحمد أوتي من الذكاء الكثير، كان يشعر بالضيق من حياته، بيتنا الممسوك بسلطة الأب، ويحمل بذرة الثورة على هذا الوضع، فاختار أن يتفوق في دراسته حتى يتحرر ويفك أسره“(29).
3-1: قهر الأخ لأخته (صالح – سعاد)
تعدّ علاقة الأخوة من أسمى العلاقات الإنسانيّة حيث تحتفي الأخت بأخيها، وتحتمي به، وتستند إليه، لكن الأمر مختلف في الرواية، حيث يظهر صالح على مدار السّرد شخصية جافة انطوائيّة وكأنه صورة مصغرة عن والده، وهذا ما تذكره أخته “… بعد موت أبي بسط صالح الابن الأكبر سلطانه و دكتاتوريته، فكأنّه كان ينتظر أن يؤول إليه هذا الدور، فبدأ يضيّق الخناق على تصرفاتها“(30).
تركز الدّراسات النّفسيّة والاجتماعيّة على قضية مهمة، والمتمثلة في اختلال شخصية المقهور واضطرابه، فمن تعوّد على القهر، وعاش الاضطهاد يكتسبه مع مرور الوقت، وهذا ما حدث مع صالح، نستنبطه من خلال هذا النص “أما صالح فقد كان دومًا ضائعًا… لذلك كانت نتائجه المدرسية متعثرة، اجتاز أحمد وصالح امتحان الباكلوريا في نفس السنة، فنجح أحمد، وسقط صالح… بقي صالح متجهمًا يتطاير الشرر من عينيه، وهو يتهم الأستاذة والمصححين والمسؤولين عن الامتحان بالغباء وعدم تقدير مهارته، ثم يفسر رسوبه بابتلاء من الله”(31).
إن تشبع شخصية صالح بهذه المحمولات السيكولوجيّة السلبية المكثفة “تحيل بالتوترات والانفعالات النفسيّة التي تغذيها دوافع داخلية، نلمس أثرها فيما تمارسه من سلوك، وما تقوم به من أفعال، ومن جانب آخر، فهي تعاني من تناقضات في تركيبها النفسي تؤدي بها إلى الاستسلام للنزوات، الانقياد للرغبات الدفينة، وتجعلها نتيجة لذلك، تفتقد إلى التناسق الضروري لكل شخصية سوية” (32).
تتجلى صورة اضطهاد صالح لأخته، وقمعه لها من خلال ما تسرده سعاد: ”وبموت أبي، وسفر أحمد خلا له الجو، فتحكّم وبسط سلطانه عليّ، حرّم الغناء والموسيقى… والفرجة على البرامج التلفزيّة.
لا للخروج من البيت دون إذنه
لا لقبول أي كان في غيابه عن البيت
لا للضحك
لا للوسيقى والاستماع إلى الراديو
لا لفتح الشبابيك وحتى إزالة ستائرها
كثرت اللاآت، وحشرت في أدق مسالك حياتنا في البيت“(33).
يظهر لنا وبشكل جليّ تسلّط صالح على أخته وتكبيل حريتها وحرمانها من أبسط حقوقها، الخروج، استقبال الأصدقاء، الضحك، الاستمتاع بالموسيقى… وفرضه للائحة من الممنوعات تحيل إلى رغبته الجامحة في بسط نفوذه على أخته، وتأكيد وجوده من خلالها، وملء النقص الذي يعاني منه خاصة بعد إخفاقه في الدراسة، وعدم تمكنه من مواصلة تعليمه العالي وسفره إلى الخارج مثلما فعل أحمد، الذي يضرب به المثل في الذكاء والحكمة “فأحمد أوتي من الذكاء الكثير”(34)، وأمام شعور صالح بالدونية، لا يجد إلا أخته الصغيرة والضعيفة ليمارس عليها كل أنواع القهر، وأشدّها عندما يقرّر توقيفها عن الدراسة، وحثّها على المكوث في البيت، فتصوّره المتحجّر يقوده دائما إلى أنّ المرأة “مآلها أن تلزم بيتها و ترعى زوجها، وتربي أطفالها حتى ترضي ربها”(35)، لكن الأم ترفض هذا الاقتراح جملة وتفصيلًا، لأنها تريد لابنتها أن تتعلم وتتنور، وتزيح عنها غلالة الجهل، والانقياد خلف العادات البالية، والأفكار السوداوية المدّمرة، فهي ترفض أن ترى ابنتها صورة طبق الأصل عنها، أرادت أن تغير شخصيتها من خلال فلذة كبدها، وهذا ما يشير إليه المقطع الآتي “حاول أن يمنعني من مواصلة تعليمي و البقاء في البيت، لكن أمي تصدت له بشراسة لم أعهدها فيها، وحذّرته من غضبها وسخطها عليه دنيا وآخرة إن هو عاد إلى هذا الموضوع”(36).
هكذا تتحول الأم المنبطحة والمغلوبة على أمرها إلى لبؤة شرسة تدافع عن ابنتها، وتحرص على تعلّمها حتى تخرج من سجن القهر والاضطهاد الذي عانت منه ردحًا من الزمن “فالمرأة لا تضل هكذا فاترة مستسلمة إزاء وضعية القهر التي تفرض عليها، وإزاء ما يلحق بها من حيف، فالاستمرار في وضعية كهذه مستحيل على كل حال من ناحية التوازن النفسي، فلا بد للمرء و تحت كل الظروف من الإحساس بشيء من الاعتبار الذاتي من وسيلة تضمن تحقيقا للذات”(37).
أمام هذا الموقف الإيجابيّ الدّاعم لسعاد يسعى صالح بسطوته من جديد، ويحاول تعويض فشله في مشروع توقيف أخته عن الدراسة بمشروع استبدادي آخر تذكره الساردة بقولها “ثم فرض عليّ أن ألبس ما لا يشف ولا يصف، وأن أغطي شعري، وإلا منعني من الخروج والالتحاق بالكلية”(38)، وعلى الرّغم من ذلك كله، تبقى سعاد صامدة مكافحة من أجل التعلم والتخرج من الجامعة لأنه السبيل الوحيد للخلاص من سجن وعبودية صالح، وهذا ما تؤكده بقولها: ”… أشعر كأنني في سجن… صالح يريد أن يردّني إلى السجن الذي عاشت فيه أمي، وأنا محال أن أكون نسخة من أمي، هذا السجن يكسر الوجدان، ويقتل إنسانية الإنسان، يخنق فيه التفكير والمبادرة، فيتحول إلى آلة، إلى حيوان، يمتثل للأوامر خال من كل رغبة، خال من كل طموح، سجن قهر و انكسار”(39).
إنّ وعي سعاد بما يحيط بها، وبتفاصيل واقعها يجعلها تفكر مليًّا في الطريقة الناجعة لكسر جدار القهر والسّعي الحثيث لتحقيق ذاتها، وذلك عن طريق العلم، حيث ترى أنّ “ الدراسة، العلم هو الذي سيمكنني من الانطلاق إلى آفاق أرحب، العلم هو وسيلتي للتحرر”(40).
تنجح سعاد في حياتها التعليمية، وتحقق تطورًا ملحوظًا، خاصة بعد ذهابها إلى فرنسا والتحاقها بالجامعة، وهذا ما تشير إليه بقولها “في باريس تفتحت لي ألوان من السعادة، وضروب من الفكر و الحضارة… باريس الجمال والأناقة، فتحت لي أحضانها، وبهرتني بما تحتويه من كنوز وذخائر، كنت الفراشة التي انفصلت عن الشرنقة التي طالما سجنتها، فإذا الحياة حرية وجمال، وصفاء وثراء، انطلقت في مدينة الحرية والنور، أنهل من الفنون والعلوم، وأعبّ منها وأروي عطشا طال”(41).
إنّ الانعتاق من قبضة صالح الحديدية، والانفلات من قهره وسيطرته عبّد الطريق امام سعاد، و فتح لها الآفاق، ومكّنها من الولوج إلى عوالم سحرية متنوعة كانت تجهلها، فانكبّت على الدراسة والتحصيل، واكتشفت باريس، وتعرفت على مكتباتها ومتاحفها ومسارحها، حيث تسرد حياتها الجديدة قائلة” “زرت المتاحف، وترددت على المسارح وقاعات العروض الفنية والأوبرا والمكتبات والحيّ اللاتيني… وانتشيت أمام عجائب اللوفر وكنوزه… توقفت في ساحة الكنكورد، أسترجع حملات نابليون من قوس النصر إلى برج إيفل وهج الموسيقى والشّعر… في هذا المقهى كان سارتر وسيمون دي بوفوار يلتقيان… ورأيت كوزات فيكتور هيجو أرنو على نهر السين، أعبئ عيني بمنظر المياه، منسابة في رصانة وكبرياء، كيف تحتمل الروح كل هذا الجمال؟؟؟”(42).
يشي هذا المقبوس السردي بنقطتين أساسيتين، تتمثل الأولى بانبهار سعاد بفضاء باريس مدينة الحلم والسحر والجمال، أمّا الثانية فتكشف عن مستواها الثقافي، واهتمامها بالفنون المتنوعة كالشعر، الموسيقى، التاريخ، الأدب، المسرح والأوبرا، هذه هي باريس التي مارست فيها البطلة شغفها، ونالت حريتها بعيدًا من املاءات العادات والتقاليد البالية، وتخلصت من الذهنيات المتخلفة المتحجرة فأصبحت “شخصية تدرك فضاء وجودها تماما كما تدرك زمن وجودها”(43)، فالإحساس بالوجود الفضائيّ، والكينونة الزّمنيّة يعيدان التوازن للساردة، ويعّززان شعورها بالرضا والثقة، بعيدًا من فضاء وزمن ماضيها المتّسم بالخوف و الريبة والتردّد، ماضي الاستبداد والإكراه، ماض تحكمه كلمة “حرام” في كل شيء من دون مبرّر أو مصوّغ، وهذا ما تؤكده: ”لم تعد ساعات اليوم تكفيني، ضاق الوقت، وأصبح اليوم ينقضي وراء اليوم، والأسبوع يتلوه الأسبوع، وأنا في عناء وغناء، أنتقل من متعة إلى أخرى، أرغب في تدارك تلك السنين العجاف في برجنا، تقيدني سجون مادية و بشرية… تذكرت كيف كان الوقت يتمدّد و يتمطّى في غرف برجنا المغلقة، خاصة في أيام العطل الصيفية حيث تحبسنا الهاجرة” (44).
تتكئ السّاردة في هذا النص على تقنية الاسترجاع الزمني، وتستثمر آلية العودة إلى الوراء لتعقد مقارنة منطقية بين حاضرها المثمر المبهج، وماضيها الجاف الممل، لتزداد قناعة بنجاعة قرارها، ونجاح مشروعها بسفرها إلى باريس، ولتمنح القارئ فسحة للتفاعل مع الأحداث، والانقياد خلف أفق توقعاته ليشهد أهم التحوّلات في حياة سعاد، والتي تطورت بشكل ملحوظ، حيث أسسّت لنفسها موقعا مهما في مسارها الحدثي، كما أنها أصبحت صاحبة قرار شخصي، وباقتناع ذاتي بعيدا عن ضغوطات الغير، وأصبحت تقوم ببعض الأعمال لتسدّ حاجياتها الشخصية “… وفقت إلى القيام بأعمال صغيرة لأساعد بها على نفقات جديدة لمسايرة الحياة الثقافية الزاخرة، فمرّة أعطي دروسا خصوصيّة لبعض التلاميذ، ومرة أصاحب سيدة عجوزا لا أهل لها، فأقرأ لها ما ترغب فيه من الجرائد والمجلات، أو أحرس رضيعًا يخرج أبواه للسّهر”(45).
وتأسيسًا لما سبق، نجد أن سعاد تتحوّل من فتاة فاعلة مؤسسة للبنيّة العامليّة في الرّواية إلى ناقدة ذاتية تقيّم مسيرتها التحرريّة، وتستشعر قوّتها، ومثابرتها في إثبات ذاتها، وتأكيد شخصيّتها، وصقل معارفها، وتهذيب نفسها حيث تقول “ أشعر بالارتياح، وتنزل عليّ سكينة فأرضى عن سلوكي، وسداد رأيي وقوّتي، وثقتي بنفسي بل أشعر بالافتخار والسعادة، فقد أتيت حكمة التصرف”(46).
هكذا تمكنت الساردة من فهم سيرورة المجتمع وخصوصيّته، وأدركت طريقة تفكير الناس، و استوعبت السبيل الناجع للتعامل معهم، واكتسبت استراتيجية مهمة للتصرف مع محيطها، حيث تؤكد ذلك من خلال الملفوظ السردي الآتي “الظاهر أن الإنسان عندما يتصرّف بما يرضي ضميره دون خوف من الناس، واكتراث بما يفكرون فيه، فإنه يشلّ فضولهم، ويخرس ألسنتهم، ويجعلهم يقبلون بالأمر الواقع، ثم شيئا فشيئا يتعوّدون على هذا النّمط الجديد، وهكذا يحصل التطوّر في المجتمع، المهم أن يكون النموذج مقبولًا، ولا يثير ريبة”(47).
إن الاهتمام بالاقتناع الذاتي، والتصرّف بما يرضي الضمير ويريح الّنفس، هو استراتيجية سعاد لاقناع الآخر، هذا ما يدفع المجتمع إلى التطور والتقدم، والانعتاق من قيود العادات والتقاليد الباليّة.
2ـ تحولات الشّخصية في المسار السّرديّ
اهتمت الدّراسات النقديّة الحديثة والمعاصرة بمكوّن الشخصية، وبدورها الفعّال في تحديد مسار السرد في الأعمال الروائية والقصصيّة “حيث لا يمكن تصوّر رواية بدون شخصيات”(48)، وعلى الرّغم من هذا الدّور الفعّال في الحركة السردية “فقد ظل مفهوم الشّخصية غفلا ولمدة طويلة من كل تحديد نظري، أو إجرائي دقيق، ما جعلها من أكثر جوانب الشّعرية غموضًا، وأقلها إثارة لاهتمام النقاد والباحثين”(49)، وترجع أسباب هذا الإهمال في مقاربة مكون الشخصية إلى تعدد النظريات والمقولات التي تناولتها بالدّرس والتحليل والتأويل “فقد خضعت التقاليد الأدبيّة المرتبطة بالشخصيّة إلى تحوّلات عميقة منذ أرسطو، وعبر المراحل التي أعقبته من تاريخ الأدب بحيث أصبح من الصّعب التعرّف على مفهوم الشخصية في إطاره الدياكروني”(50) بسبب أن وظيفتها لا تتحدد إلا ّمن خلال الحدث، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلًا، حيث بدأ مفهوم الشّخصيّة يأخذ منعرجًا آخر بعدما تخلّصت من تبعيتها للحدث، حيث برزت قيمتها، وارتفعت بارتفاع قيمة الفرد في المجتمع، وطموحه إلى السّمو والسّيادة، فظهر مفهوم يسمى “القوة العظمى للشخصية”(51)، وبعدها جاءت كوكبة من النقاد أمثال: رولان بارت ROLAND BARTHES وتودوروف TODOROV، وغريماس GREIMAS، وفيليب هامون PHILLIPPE HAMON حيث قدّموا مقاربات وتصورات جديدة للشخصية، ما جعلها تنال حظًا أوفر من العناية والاهتمام في النقد الرّوائي، فقد قدّم غريماس تصوّرًا جديدًا للشّخصية سمّاه “الشخصية المجردة أو العامل (Actant) بوصفه وحدة دلالية داخل رحم الحكاية”(52)، وقد ميّز غريماس بين مستويين مهمين، يتمثل الأول في المستوى العاملي، أمّا الثّاني فيعرف بالمستوى الممثلي، بالإضافة إلى إدراجه للنموذج العامليّ (modèle Actanciel) القائم على ثلاثة محاور ثنائيّة:
ـــ الذّات الفاعلة/ الموضوع
ـــ المرسل/ المرسل إليه
ـــ المساعد/ المعارض(53)
كما نجد أيضًا مقاربة مُهِمَّة في دراسة الشّخصيّة والمتمثلة في الآلية النقدية التي يقترحها فيليب هامون من خلال القانون السيميولوجي للشخصية pour un statut semiologique du personnage(54)، حيث يعدُّه حسن بحراوي أنّه “من أهم وأغنى التيبولوجيات الشكليّة من الناحية الإجرائيّة… كونها قائمة على أساس نظرية واضحة، ولا تتوسل بالنّموذج السيكولوجي، أو النّموذج الدّراميّ أو غيرهما من النّماذج المهيمنة في التيبولوجيات السائدة”(55).
تتميّز الشّخصيّة بجملة من الخصائص التي تحدّد وظيفتها في النص السردي، وتساهم في تشكيل تيبولوجية الشّخصيّة ومن أهم هذه الخصائص، خاصية الثبات أو التحوّل التي “ تتميّز بها الشّخصية، و التي تتيح لنا توزيع الشّخصيات إلى سكونية statique، وهي التي تظل ثابتة لا تتغير طوال السرد، و دينامية dynamique تمتاز بالتحولات المفاجئة التي تطرأ عليها داخل البنية الحكائية الواحدة” (56).
ما شدّ انتباهي في رواية “حرام” هو مبدأ التحوّل الذي مسّ شخصية صالح، فآثرت أن أركز عليها لأنها شهدت تحوّلًا كبيرًا، وأثّرت تأثيرًا بالغًا في سير الأحداث، على أساس أنّ هذا التحوّل مرتبط أساسًا بتيمة القهر، حيث عاش صالح الكثير من حالات اليأس والاستسلام الناتجة عن الاضطهاد الذي وقع عليه، وهذا ما تذكر سعاد: ”… أمّا صالح فقد كان دومًا ضائعًا، أضاعه حرص أبي، وشدّته في تربيته، فقد كان بكره يتحمل وزر ما نقوم به من أخطاء، وينال العقاب نيابة عنا… كانت تربية أبي تحمّله المسؤولية رغم صغر سنه”(57).
إنّ قسوة الأب في تربية ابنه البكر صالح، وشدّته في عقابه وإجباره على تحمل المسؤولية على الرّغم من صغر سنّه فتح نفقًا مظلمًا في قلبه، ما جعله يشعر بالضياع واللا توازن، وفقدان الثقة في نفسه، فيغدو لقمة سائغة، وفريسة سهلة المنال للتزمت والتطرّف، وتغلغل الفكر الجهادي إلى نفسه وعقله، وهذا ما نستشفه من قول أخته: “… فقد كان صالح أيضًا قد قرر السفر، ورحل… لكن في الزمان لا في المكان، لبس جلبابًا وأرسل لحيته، وحلق شاربه… وسافر إلى العصور السالفة، عصور الصحابة الأولين، وانتصب يحلل و يحرّم”(58).
يظهر رفض صالح لكينونته من خلال رفضه لزمنه، ولحاضره المستلب في ظل التسلّط والاستبداد الذي وقع عليه من والده من جهة، والقهر الذي مارسه على أخته بعد وفاة والده من جهة ثانية، وتجسّد ذلك من خلال سفره في الزمن، وتقهقره إلى العصور الغابرة، ينشد من خلالها هُويّة وكينونة جديدتين، ويتحقق له ذلك من خلال ما تسرده الساردة” “… فاجأني أخي صالح بعزمه على الرحيل هو أيضًا
ـــ إلى أين؟؟ ـــ إلى أفغانستان… هذا نداء الواجب يدعوني إلى الجهاد… زفّ إليّ الخبر كما لو كان خبر نجاح في امتحان صعب، أو ربح صفقة تجارية… كان سعيدا كما لو كان ذاهبًا لملاقاة حبيبة…أخيرًا فتح أمامه باب الجنة لذلك هو سيترك كل شيء من أجل تلبية دعوة الحق… سيسافر مجاهدا في سبيل الله، والهمة عالية لا يقبل تخاذلاً أو فتورًا أو تراجعًا”(59).
تثير الرواية مسألة التطرف والجهاد وما نتج عنها من مآسي وخراب وتدمير لعقول الشباب، وزرع الفتن والمغالطات في أنفسهم، كتحقيق وهم الخلافة الإسلامية، وتزيين فكرة الجهاد والشّهادة في سبيل الله، كل هذا يجعل (صالح) يشعر بالسعادة آملا في الجنة الموعودة، وفي نشر تعاليم الدين الغائبة في المجتمع، هذا ما يشعر سعاد بالخوف على مستقبل أخيها حيث تقول: “… ما قضّ مضجعي هو اكتشاف تطرف أخي، وربما انتماءه إلى تنظيم سريّ متشدد غسل دماغه، وأقنعه بضرورة الجهاد لمقاومة الكفر المتفشي في حياتنا… وهو يحلم بالجهاد للهروب من آثامنا، ورغبة في الفوز بالشهادة، وبالتالي بجنة النعيم… وطلبه مني أن أتكتم على الخبر جعله أوقن أنه قد ضاع، و أنه يلاحق سرابا”(60).
يشي النصان السابقان بالبرنامج السّردي لصالح ورغبته الجامحة في الاتصال بموضوع القيمة و المتمثل في السفر إلى أفغانستان، رحلة محفوفة بالمخاطر تبدأ في الزمان والمكان معًا، رحلة تحمل بين طياتها ملامح مبدأ التحوّل في الشخصية الذي يبدو في بداية الأمر شاحبًا و باهتًا، لكن سرعان ما تتضح معالمه مع تطور الأحداث، وتنطلق رحلة صالح من تركيا حيث يسرد ذلك بقوله: ”لما وصلت إلى تركيا، وجدت رجلاً في انتظاري يلوّح باسمي مكتوبًا على ورقة، رحّب بي، وطلب منّي أن أصحبه إلى الخارج، سألته:
ـــ ألا نسافر إلى أفغانستان؟
ـــ ابتسم الرجل و قال:
ـــ أراك متعجّلًا، يا أخ على مهلك… سوف تسافر إلى أفغانستان في الأبّان… سآخذك إلى معسكر لتتدرب على استعمال السلاح”(61).
يبقى صالح في المعسكر لمدة شهر كامل يتدرب مع مجموعة من الشباب من مختلف الجنسيات في ظروف صعبة، يصفها في قوله: “غفوت قليلًا، ثم أيقظني برد تسلّل إلى عظامي، وآلام شديدة في ظهري بسبب خشونة الأرض ورطوبتها تحت جسدي، بلا مخدّة ولا فراش… فتحت عينيّ على منظر رهيب مخيف، مكان قفر تحيط به جبال عالية رمادية… عراء… لا شيء غير الترابيّ والرماديّ والبني”(62).
كانت صدمة صالح من حالته المزرية، ومن فضاعة المكان شديدة، وقد وظّف للتعبير عن ذلك جملة من القرائن اللغوية مثل: البرد، آلام، رهيب، مخيف، قفر… توحي كلها بدلالات المعاناة والخوف والرّهبة، ولا تتوقف صدمته عند هذا المستوى بل تزداد حدّتها عندما يكتشف بعض الحقائق المفزعة، خاصة تلك المتعلّقة بزعيمهم حيث يقول “ قادنا الدليل إلى المبنى الوحيد الموجود، وهو منزل أنيق منزو عن مجموعة الخيام المعدة للإقامة، وهناك قدّمنا للزعيم… وهو كهل بادية عليه مظاهر النعمة والصحة، لم يكن له لحية، ويلبس زيًّا إفرنجيّا، صعقنا عندما وجدنا عنده الغواني والجواري، وعلى طاولته ما لذّ وطاب من حلاله وحرامه”(63).
لقد أحدثت هذه الصعقة هزّة عنيفة في نفس صالح ومن معه، وأنارت لهم جانبًا من الخندق الذي حشروا فيه، وكانت بداية التحوّل الحقيقي والعميق في شخصية صالح، بوصفه “مكون أساسي للرؤية الخارجية المتحكمة في بناء الشخصية… وقد بدا هذا المبدأ كمحك لاختبار مقدرة الشخصية على التغيير وقياس التأثيرات التي تمارسها الأحداث على بنية الشخصية”(64)، ويتضح ذلك وبشكل جليّ من خلال قول صالح “أدركنا أننا وقعنا في فخّ، وأن كل الأتعاب والآلام التي تحمّلناها ذهبت أدراج الريّاح”(65).
إن الاعتراف بالوقوع في فخ العتمة والوهم، وإدراك الحقيقة المرّة التي لم ينل صالح منها إلا الشدائد والمصائب التي واجهته في الأودية، والجبال والشّعاب، إلى جانب الشعور بالجوع والبرد القارس تارة، والحرّ الخانق تارة أخرى، ساهمت بشكل فعّال في يقظة صالح و عودة الوعي إليه واكتشاف نفاق قادة التنظيمات الجهادية، وزيف ما يدعون إليه من جهاد وخدمة للإسلام والمسلمين، وهذا ما يشير إليه صالح من خلال الملفوظ السردي الآتي “تغير كل شيء… لم أشعر بنخوة أو انتصار… فقدت فكرة الجهاد، والتشبه بفرسان بدر وأحد، وكل مغرياتها، الإسلام هنا باهت لا نر منه إلا الأوساخ في زيّ المجاهدين، والدم والقتل والحرق”(66).
ويزداد وعي صالح بحجم الخطأ الذي وقع فيه، ويتسع يقينه بزيف هذه التنظيمات وادّعائها، حيث يقول “كنّا نرى القادة المجاهدين يتصرفون في عنهجية، إنهم يخدعوننا، يمنعونا من التدخين ويدخنون، يطلبون منا العيش بخشونة، وهم يأكلون ما لذ وطاب، في حين كنّا جياعًا، ويمعنون في إذلالنا، وقد جئنا من بلداننا عن طواعية ورغبة منا في نصرة دين الله، وإرجاع الخلافة الإسلاميّة لنحكم العالم بالعدل والسلام والرفق، ما أقسى أن يكون الواعظ لصًّا، وأن يكون الكذّاب داعية، ما أقسى أن تكتشف أن حلمك ساذج وتافه، وأنك غافل ومغرّر بك”(67).
يفضح هذا النّص السّردي حالة الخذلان والوجع التي يعيشها صالح، وشعوره القوي بالنقمة على الوضع المزري الذي آلت إليه حياته، وتجلّت أمامه الحقيقة الصادمة التي هزّت كيانه، فتحطّم مشروعه الجهادي، وتبخّرت أحلامه، وتبددّت أهدافه، وتشتّت أفكاره، وهذا ما يؤكده بقوله: “ومرّت الأشهر مضنية رتيبة والخوف رفيق دائم في النوم واليقظة، إليه ينضاف الشعور بالندم، والقهر والتقزّز”(68).
مع تطوّر الأحداث والتقدّم في المسار السردي يتبدّى لنا التحوّل الشامل الحاصل في شخصية صالح، بشكل أوضح وبصورة أعمق من خلال ظهور شخصية مريم الممرضة “فتاة روسية الجنسية، تعمل في جمعية ذات هدف إنساني، قدمت من بلادها متطوّعة لتمدّ يد المساعدة لجرحى الحرب في أفغانستان”(69)، حيث قامت مريم بإسعاف صالح والعناية به بعدما نقل إلى مستشفى بقندهار، وكانت حالته الصَّحّيّة متدهورة بعدما فرّ من المعسكر، فاضطر الأطباء إلى بتر ساقه، فاهتمت مريم بتمريضه وتطبيبه، ومواساته والاعتناء به، فأعجب صالح بأخلاقها العالية، طيبة قلبها وسماحته، فوقع في حبّها، هذا الإحساس الذي أعاد الاتّزان إلى نفسه المضطربة، وأحيا أعماقه الجرداء القاحلة، وفكّك كل عقده ونزواته، حيث يقول: “… داوت جراح نفسي، أيقظتني من نوم عميق كنت منغمسًا فيه، حرّرت نفسي من عقالها بسلوكها ودماثة أخلاقها… بدأ عقلي يشتغل وقد تعطّل كثيرًا… فأزحت النظارة السوداء، ووجدتني أستبدلها بأخرى وردية… تغيّرت دقات قلبي، جاءتني كريح باردة صحّتني، وفتحت عينيّ على أشياء كثيرة… تغيرت نظرتي إلى الأمور والأشياء والأشخاص، تعلّمت منها أن أميّز بين الحقيقي والزائف، وأفرق بين الحلال والحرام”(70).
يتضح من خلال هذا الملفوظ السردي اعتراف صالح الواضح بتغيّر رؤيته للحياة، واسترجاع معاني الوجود، وتفتق مشاعر وأحاسيس كان يرفضها، بل ويحاربها، فاندحرت كل معاني السوداوية والحقد التي شلّت تفكيره وعطّلت ذهنه، فأزاح عن عينيه غشاوة الكراهية والزيف، وأصبح ينظر إلى الدنيا بنظارة وردية مفعمة بالحب والحياة. وبهذا تتحقق مقروئية اسم صالح الذي أصبح صالحًا بعد معاناته الطويلة وتجربته المريرة. إن التحوّل الجذري الحاصل في شخصية صالح أثار دهشة أخته التي لا تصدق ما يحدث من حولها، وقد عبّرت عن ذلك بقولها “وكنت متعجّبة مما أرى، أفرّك عيني من حين لآخر متساءلة أهذا صالح أخي؟ الذي عاش حياته بعيدًا عن الأنثى، وربما اعتبرها شيطانًا مقرونًا بالإثم والضعف، أهذا صالح؟ أين ذهبت عنجهيته وقسوته؟ أين ذهب انطواؤه وتشاؤمه”(71).
وصفوة القول، إنّ الرّوائيّة سعاد الفقي آثرت أن تختم الأحداث الروائيّة بصورة التحوّل الإيجابيّ الحاصل في شخصية صالح لتؤكد على ضرورة زرع الحب في النفوس، ونشر معاني الخير والسلام واحتضان الحياة، وفي المقابل نجد دعوة صارخة إلى دحر الكراهية والحقد، ونبذ الحروب والتقتيل والموت، وقد تجسّدت هذه المعاني مجتمعة من خلال الثنائية الضدية (صالح/ مريم) حيث يمثل القطب الأول الكراهية، والجهاد الأعمى ، وخطاب الزيف، أما مريم فتمثل قطب التسامح والحب والخير وتؤسس لمعاني الوجود والحياة من خلال الأعمال التطوعية، والخيرية، والإنسانيّة التي تقوم بها، وعلى الرّغم من طغيان صور القحط النّفسي، وهيمنة الجفاف الاجتماعي في النّص السردي الناتجة عن تيمة القهر والاضطهاد الذي عاشته الشخصيات الروائية، إلاّ أنّ الكاتبة أرادت أن تكون نهاية الأحداث سعيدة مفعمة بالفرح، والحبور، والزغاريد، لتؤكد على تجدّد الحياة واستمراريتها في هذه العائلة التي عانت طويلًا من الغربة والجفاء، تستهدف الكاتبة من خلال هذه الرواية واقع الأمة العربية وما تعانيه من شتات وتمزق جرّاء الأفكار الملوّثة التي تغزو عقول الشباب المغرّر به.
المصادر والمراجع
1- المصادر
– أبو الفضل جمال الدين بن منظور: لسان العرب، المجلّد 11، دار صادر، بيروت، لبنان د. ت.
– سعاد الفقي بوصرصار: حرام (عندما يؤخذ الإسلام بالتوريث) (رواية)، عليسة للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2018.
2- المراجع
– ألان روب غرييه: نحو رواية جديدة، تر. مصطفى إبراهيم مصطفى، دار المعارف، مصر، د. ت، د. ط.
– بوشوشة بن جمعة: الرواية النسائيّة المغاربيّة، منشورات سعيدان، ط1، 2009.
– حسن بحراويّ: بنية الشكل الروائي (الفضاء، الزمن، الشخصية) المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء المغرب، ط2، 2009.
– حسن نجمي: شعريّة الفضاء المتخيّل والهُويّة في الرواية العربيّة، المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء المغرب، ط1، 2000.
– سعد البازعيّ: مقاربة الآخر (مقارنات أدبيّة) دار الشروق، القاهرة ط1، 1999.
– مصطفى حجازيّ: التخلّف الاجتماعيّ، مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور، معهد الإنماء العربيّ، بيروت، لبنان، د. ط، 1984.
3- المراجع الأجنبية
– AJ GRIMAS: Du sens, essai semiologique ED col poetique, paris, 1970.
– PHILLIPPE HAMON: Pour un statut semiologique de personnage, IN poetique du récit, OEV, col, paris le seuil.
الهوامش
1 – سعاد الفقي بوصرصار: حرام عندما يؤخذ الإسلام بالتوريث (رواية)، عليسة للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2018.
2- روائيّة تونسيّة وأستاذة، من أعمالها الأدبيّة: رواية “حرام” 2018، رواية “ابني سلفي جهادي”، “رواية يا زهرة في خيالي” ورواية “كانت وأخواتها”.
3 – أبو الفضل جمال الدين بن منظور: لسان العرب، المجلّد 11، دار صادر (بيروت، لبنان)، ص210.
4- ينظر: مصطفى حجازيّ: التخلّف الاجتماعيّ، مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور، معهد الإنماء العربيّ (بيروت، لبنان)، (د. ط)، 1984، ص38-39.
5ـ- الرواية: ص 24-25
6ـ- حسن نجمي: شعرية الفضاء المتخيل و الهويّة في الرواية العربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط1، 2000، ص 194.
7- المرجع نفسه ص 25-26.
8ـ- حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي (الفضاء، الزمن، الشخصية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط2، 2009، ص 260.
9ـ- الرواية: ص 22-23.
10- حسن نجمي: شعرية الفضاء، ص 183.
11- الرواية ص 22.
12- المرجع السابق ص 175.
13- الرواية ص 56-57.
14- المصدر نفسه ص 21.
15- سعد البازعي: مقاربة الآخر (مقارنات أدبيّة)، دار الشروق ، القاهرة، ط 1، 1999، ص 12.
16- بوشوشة بن جمعة: الرواية النسائية المغاربية، منشورات سعيدان، سوسة تونس، ط1، 2009، ص 115.
17- المرجع نفسه ص 69.
18- الرواية ص 26.
19- المصدر نفسه ص 58.
20- حسن نجمي: شعرية الفضاء، ص 192.
21- الرواية ص 29.
22- المصدر نفسه ص نفسها.
23- نفسه ص 19.
24- نفسه ص 20.
25ـ- نفسه ص 21.
26- نفسه ص 26.
27- مصطفى حجازيّ: التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان المقهور، ص 83.
28- الرواية ص 25.
29- نفسه ص 31.
30- نفسه ص 37.
31- نفسه ص 31.
32-حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي، ص 302.
33- الرواية ص 41.
34- نفسه ص 31.
35- نفسه ص 54.
36- نفسه ص 41.
37- مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي ص 160.
38- الرواية ص 43.
39- المصدر نفسه ص 54.
40- نفسه ص 53.
41- نفسه ص 85.
42- نفسه ص 87.
43- حسن نجمي: شعرية الفضاء، ص 159.
44- الرواية ص 86.
45- المصدر نفسه ص نفسها.
46- نفسه ص 100.
47- نفسه ص 96-97.
48- محمد بوعزة: تحليل النص السردي (تقنيات و مفاهيم)، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2010، ص 39.
49- حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي ص 207.
50ـ – المرجع نفسه ص نفسها.
51ـ- آلان روب غرييه: نحو رواية جديدة، تر. مصطفى إبراهيم مصطفى، دار المعارف، مصر، د. ت، د. ط، ص 36.
52- AJ GRIMAS: Du sens, essai semiologique ED col poetique, paris, 1970 p: 253.
53 – IBID: p: 256.
54- PHILLIPPE HAMMON: Pour un statut semiologique du personnage, IN poetique du recit, OEV, col, paris le seuil p: 59.
55- حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي ص 215.
56- المرجع نفسه ص نفسها.
57ـ- الرواية ص .31
58ـ- المصدر نفسه ص 41.
59ـ- نفسه ص 64.
60- نفسه ص 66.
61- نفسه ص 75.
62- نفسه ص 76.
63- نفسه ص 79.
64- حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي ص 245.
65- الرواية ص 80.
66- المصدر نفسه ص 107.
67- نفسه ص 108-109.
68 – نفسه ص 109.
69- نفسه ص 116.
70- نفسه ص 115.
71- نفسه ص نفسها.