مفاهيم الموافقة والمخالفة في دلالات الجُمَل
د. علي منتش([1])
تمهيدٌ
وقع البحث حول مفهوم الجملة، وهو من الأبحاث التي تفرَّد بها الأصوليّون، واهتمّوا بها اهتمامًا كبيرًا، وأشبعوها بحثًا وتحليلًا؛ بينما لم يُعْنَ النّحويّون وأرباب اللّغة عمومًا بهذا النوع من الأبحاث، بل انصبّ جُلُّ اهتمامهم على دراسة المدلول الإيجابيّ للجمل والكلام؛ والسّرّ في ذلك أنّ الغاية المتوخّاة من وراء ذلك تختلف فيما بينهم. فالأصوليّ يهدف من تعمُّقه في دراسة مدلول الجملة التركيبيّة (وسيأتي أن مدلول المفرد لا مفهوم له عندهم) إلى غايةٍ أساسيّة تحكم مسار حركته، وهي البحث عن الأحكام الشرعيّة، تكليفيّةً كانت أو وضعيّة. فالألفاظ هي في مقابل الأحكام العقليّة، وتعتبر من أهمّ المجالات التي يتمحور حولها عمل المستنبط الفقيه؛ إذ إنّ القرآن الكريم والسُّنّة النبويّة الشريفة هي بمجموعها ألفاظٌ وتراكيب خاطب الله سبحانه بها المكلَّفين. فلمّا كان عمل المستنبط هو استفراغ الوسع في استنباط الأحكام الشرعيّة من مداركها المقرَّرة ـ ومنها: الكتاب؛ والسُّنّة ـ كان لِزامًا عليه ـ بحكم هذه المهمّة التي تصدّى لها ـ أن يتعمَّق في البحث حول مدلولات ألفاظ الكتاب والسُّنّة. وقد استُعمل فيها كلُّ أساليب البيان والتعبير المعروفة في لغة العرب، من شرطٍ وجزاءٍ، وحصرٍ واستثناء، ووصفٍ، وتقييدٍ، وإطلاقٍ، وما إلى ذلك من القوالب اللّفظيّة التي تختزن كثيرًا من المعاني المتداولة، بالمطابقة أو بالتضمُّن أو بالالتزام.
فالأصوليّ لا يقيم وَزْنًا لمقتضيات البلاغة والفصاحة، كما لا يُعْنى بما يُحْدِثه الكلام من وقعٍ وتأثير، وما تفعله المحسِّنات الكلاميّة التي تنفعل بها نفس السّامع. والذي يقع موردًا لاهتمام الأصوليّ هو خصوص المعنى أو الهيئة أو التركيب الخاصّ للكلام، الذي يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى الحكم الشرعيّ مدار بحثه اللّفظيّ في علم أصول الفقه.
ولا بُدَّ من بيان معنى «المفهوم»، الذي يقع موردًا لبحث الأصوليّين؛ تمييزًا له عن غيره من المعاني بشكلٍ واضح ودقيق.
والذي يعنيني هاهنا هو البحث في أنواع الجمل التي ادُّعِي أنّ بعضًا منها له مفهومٌ، بَدءًا من مفهوم الشرط في الجملة الشرطيّة، وانتهاءً بالجملة التي فيها اللّقب([2]).
لكنْ قبل دراسة كلّ نوعٍ من هذه الجمل بشكلٍ مستقلّ لا بُدَّ من الإشارة والتذكير بالمفهوم، وما يتعلّق به من أحكامٍ وغير ذلك، بل ما قد يُقال من ارتباط أو عدم ارتباط هذا البحث بالمدلول النّحويّ اللّغويّ… وهذه الإشارات التي سأذكرها هي تتميمُ فائدةٍ لما سأبحثه، ما قد يفوتني ذكرُه، فلا أجد له حيِّزًا مناسبًا عند الالتفات إليه في تضاعيف هذه الدراسة.
الإشارة الأولى: إنّ المفهوم هو كلّ حكمٍ لازم للمنطوق. ولا شَكَّ في أنّ المفهوم مدلولٌ التزاميّ([3])، فكلّ لازمٍ للكلام الذي نطقنا به هو مفهومٌ، ولكنْ من الواضح أنّه ليس كلّ لازم للكلام يُسمَّى مفهومًا. فنحن نرى أنّه عندما أُوجِب ذو المقدّمة وَجَبَتْ مقدّمتُه بالملازمة، إلّا أنها ليست من خلال المفهوم. ولذلك شواهد كثيرة تدلّ على هذا المعنى؛ فإنّنا إذا وضعنا بين أيدينا جملةً شرطيّة؛ لنرى ما هي الأحكام الالتزاميّة التي تنتجها هذه الجملة، نجدُ أنها منتجةٌ لثلاثة أحكام، فلو قلتَ: «إذا جاءك ابنُ الكريم فأكرِمْه» فإنّه يمكن أن نستوحي ثلاثة أحكامٍ منها، وهي:
1ـ إذا جاء الكريم نفسه وجب إكرامُه بطريقٍ أَوْلى.
2ـ يجب تحصيل مقدّمة الإكرام؛ كي نتمكّن من الجزاء وأدائه.
3ـ انتفاءُ طبيعيّ الجزاء، أي الحكم عند انتفاء الشّرط، لا شخص الحكم، وهو ما يصطلح عليه باسم «المفهوم». ولا علاقة للحكمَيْن الالتزاميَّيْن الأوَّلَيْن بمفهوم المخالفة؛ فإنّه ليس كلّ حكمٍ التزاميّ مفهومًا، كما أشَرْنا؛ فإن المفهوم يشتمل على خصوصيّتَيْن:
الأولى: كون الحكم التزاميًّا، ومعناه أن يكون الحكم من مداليل المنطوق الالتزاميّة.
الثانية: كون المنتفي طبيعيّ الحكم، لا شخص الحكم، فإنك إذا قلتَ: «إذا جاءك زيدٌ فأكرِمْه» يعني: إذا لم يأْتِ لا تكرِمْه مطلقًا، حتّى وإنْ مرض أو حجّ أو ما شابه ذلك.
وسيأتي تفصيل هاتَيْن الخصوصيّتَيْن عند بحث مفهوم الشّرط من خلال الجملة الشرطيّة.
الإشارة الثانية: نضيف إلى ما نعرفه عن مفهوم الموافقة أنّ مفهوم الموافقة يُمثَّل له بالآية الشريفة: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ...﴾([4]) في نهي الولد عن معارضة الأهل؛ فإنّها وبالأَوْلى تَنْهى عن الضرب؛ لأنّه أذىً. وهذا النوع من مفهوم الموافقة متَّفقٌ عليه. ولكنْ ترانا نحكم في بعض الموارد بعدم دخالة الخصوصيّة، وشمول الحكم للأعمّ من واحدها. وليس مفهوم الموافقة إلّا إلغاء الخصوصيّة، والحكم بعدم دخالتها، سواء أكانت الأولويّة أم لم تكن. كما إذا سُئِل النبيّ(ص) عن حكم الرجل الشّاكّ مثلًا؟ فأجاب، فإنّ العُرْف يلغي خصوصيّة الرجوليّة، ويحكم بعدم دخالتها في الحكم. وليس مفهوم الموافقة منحصرًا فيما إذا كان الفرع أَوْلى من الأصل([5]).
الإشارة الثالثة: لم يعتبر بعض علماء الأصول أنّ بحث مفاهيم الجمل نحويٌّ؛ حيث إنّ الميزان عندهم بناء العقلاء، كالشيخ المنتظري، إذ يقول: «إن دلالة الخصوصيّة المذكورة في الكلام من الشّرط أو الوصف أو الغاية أو اللّقب أو نحوها على الانتفاء عند الانتفاء ليست دلالةً لفظيّة، بل هي من باب بناء العقلاء على حمل الفعل الصادر عن الغير على كونه صادرًا عنه لغايةٍ، وكون الغاية المنظورة منه غايته النوعيّة…»([6]).
وأيَّد قوله الشيخ الآمدي، إذ قال: «إن مَنْ قال بكونه ـ أي المفهوم المخالف ـ عامًّا بالنسبة إليها إنّما يريد به ثبوت الحكم به في جميعها، لا بالدلالة اللّفظيّة. وذلك ممّا لا خلاف فيه بين القائلين بالمفهوم. ومَنْ نفى العموم، كالغزالي، فلم يُرِدْ به أن الحكم لم يثبت به في جميع صور السكوت؛ إذ هو خلاف الفرض، وإنّما أراد نفي ثبوته مستندًا إلى الدلالة اللّفظيّة. وذلك مما يخالف فيه القائل بعموم المفهوم»([7]). «وعموم المفهوم» هو عين المصطلح الذي استعمله بعض العلماء، وهو: «انتفاء طبيعيّ الحكم بانتفاء الشرط أو الوصف».
والردّ هنا بأنّ اللّغة هي محلُّ تواضعٍ، وأنّ كلّ لفظٍ تحوَّل عن معناه بالانصراف إلى معنىً آخر إنّما هو بكثرة الاستعمال. أضِفْ إلى ذلك أنّ الأدوات أو الأحرف المستعملة في بعض الجمل لها دلالاتها عليها، ممّا يدلّ على أنّ المسألة تخضع للمتعارف اللّغويّ، لا لبناء العقلاء. فالجمل المطلقة، سواءٌ أكانت آيةً أم روايةً أم حكمةً، لم تُطلق للعقلاء وبنائهم، إنّما أُطلقت لأصحاب المعرفة باللّغة.
ما يؤكِّد ما قلناه الروايات الواردة عن الرسول والأئمّة(ع)، والتي كانت تخاطب أهل اللّغة العربية ومَنْ يفهم أبعادها، لا العقلاء منهم فقط. وهذا نجده في أغلب الآيات والروايات، كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾([8])، وجاء في روايةٍ([9]) تفسِّرها، عن الإمام الصادق(ع)، تقول: سألْتُه عن قوله تعالى: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُم…﴾؟ قال: ما فعله كبيرهم، وما كذب، فقلتُ: وكيف ذلك؟ قال: إنّما قال إبراهيم: فاسألوهم، إنْ نطقوا فكبيرُهم فعل، وإنْ لم ينطقوا فلم يفعل كبيرُهم شيئًا، فما نطقوا وما كذب إبراهيم([10]). فهذه النصوص وأمثالها تدلِّل على أن الإمام اكتفى بجملة الشرط كجوابٍ ـ وهي دلالةٌ لفظيّة ـ، مع أن فهمها متوقِّفٌ على المنطوق والمفهوم معًا.
1ـ مفهوم الشرط
الجملة الشرطيّة
إنّ الجملة الشّرطيّة هي تعليقُ شيءٍ على حصول شيءٍ آخر، والقَدْر المتيقَّن من هذا النّوع من الجمل أنّه لا يجوز استعمالها في التعليقات التي يكون مرجعها إلى المصادفة، كما في قولك: «إنْ كان زيد شيخًا فعمرو مهندسٌ». فالاستعمال في مثل هذه الجمل يكون خطأً، إلّا إذا كان من حيث الإثبات، أي في الخارج، فإنّها تكون صادقةً، كما في قولك: «إنْ كان الحمار ناهقًا فالحصان صاهل». فاستعمال الجملة الشّرطيّة يكون في حالات ثبوت الملازمة بين الشّرط والجزاء، سواءٌ أكان الشّرط علّةَ الجزاء أم جزءَ علّةٍ أم كان علّةً ثانية أو ثالثة، كما لو قلتَ: «إنْ طلعت الشمسُ فالنّهار موجودٌ»، أو العكس، أي لو عكسنا المثال فقلنا: «إنْ وُجد النهار فالشّمس طالعةٌ».
وأيضًا إذا كان الشرط جزءَ علّةٍ، سواءٌ أكان علّةً ثانية أم ثالثة أم كان الشّرط والجزاء معلولَيْن لعلّةٍ ثالثة، كما في قولك: «إنْ وُجد الضّوء فالنهار موجودٌ»، فكِلا الأمرَيْن معلولٌ لطلوع الشّمس. ونستوحي من هذا كلّه أنّه في الوضع لا يُشترط أن يكون الشرط علّةً للجزاء، فالمعنى العامّ الذي يجمع الملازمة هو المعتبر بالوضع في الجملة الشرطيّة. وكون الغالب في الجمل الشّرطيّة هو أنّ طبيعة الشّرط علّةٌ للجزاء لا يدلِّل على أنّ مثل هذه الجمل يصلح فيها أن يكون الجزاء مثلًا علّةً للشّرط؛ فإنّ ذلك يُستفاد من اللّفظ. ثمّ إنّنا نرى أنّه في بعض الجمل الشّرطية المستعملة في الأحكام الشرعيّة قد لا يكون الشّرط علّةً أصلًا للجزاء.
فالملازمة في هذه الجمل الشّرطيّة بين الشّرط والجزاء نستفيدها من الوضع([11])، والحصّة الخاصّة نستفيدها من تَبَعيّة المصداق للمفهوم، أو على حَسَب تعبير الأصوليّين: تَبَعيّة الإثبات للثّبوت. ومن الوضع الذي استفَدْنا منه الملازمة العامّة، ومن تَبَعيّة مقام الإثبات للثبوت التي أنتجَتْ الحصّة الخاصّة، نستوحي أنّه في الجملة الشّرطيّة ينبغي أن يكون الشرط هو العلّة للجزاء، دون العكس.
من هنا ننطلق لنبحث في عمق الموضوع الذي يتلخَّص في هذا السؤال: هل يكفي هذا كلّه في تحقُّق المفهوم، أي انتفاء الجزاء عن انتفاء الشرط ؟
وللتّوضيح في مقام الإجابة عن السّؤال نقول: إنّه ولأجل إثبات المفهوم للجملة الشّرطيّة لا بُدَّ من تحقُّق ثلاث مقدّمات:
الأولى: تحقُّق الملازمة بالجملة بين الشّرط والجزاء.
الثانية: أن يكون الشّرط هو العلّة للجزاء، وبذلك نُخرج العكس عن محلّ كلامنا، أو أن يكون كلاهما معلولَيْن لعلّةٍ ثالثة.
الثالثة: أن تكون العلّة علّةً منحصرة. ومن دون هذه المقدّمة لا معنى للقول بالمفهوم؛ فإنّ الضّرب هو السّبب المنحصر لموت زيد، وذلك في قولك: «إنْ ضُرب زيدٌ فسيموت»، فإنّ الموت سيدركه للأسباب الأخرى، حتّى لو لم يُضرب.
فالرّكيزة في إثبات مفهوم الجملة الشّرطيّة أن تكون العلّة منحصرةً، فإنه ما لم تكن العلّة منحصرةً فإنّ الانتفاء لا يكون إلّا من جهة العلّة المذكورة في الشّرط، لا مطلق الانتفاء، الذي يثبت من خلاله مفهوم الشّرط. فأنتَ على سبيل المثال لو قلتَ: «إذا نِمْتَ فتوضّأ» فوجوب الوضوء لا ينحصر في حالة النوم فقط، فإنّه مع البول يجب الوضوء، ومع خروج الريح كذلك، فالحكم هنا ليس معلَّقًا على شيءٍ واحد لينتفي بانتفائه.
ما ذكرناه يرجع إلى بحثٍ ناقشه الأصوليّون، وهو: هل أنّ القيد يرجع إلى الهيئة أو إلى المادّة؟ فإنْ قلنا بأنّ القيد يرجع إلى المادّة فإنّنا لن ننتج مفهومًا للجملة الشّرطيّة؛ أمّا إذا رجع القيد إلى الهيئة، أي إلى الحكم، وكان القيد عقليًّا مسوقًا لتحقُّق الموضوع، والمثال المشهور بين الأصوليّين له هو: «إذا رُزقْتَ بولدٍ فاختِنْه»، أي سالبة بانتفاء الموضوع، يعني إذا لم يرزق بولدٍ فلا خلاف أنّ المشروط ـ هنا ـ عدمٌ عند عدم شرطه، وكذلك في المثال المعروف: «إذا زوَّج الجدُّ ابنةَ ابنه، وكان أبوها حيًّا، وكان مرضيًّا، فجاز». وقد ناقش الأصوليّون في بعض ما سجّل لهم من المساجلات حول هذا المثال في هل أنّ الشّرط فيه مسوقٌ لتحقُّق الموضوع أو لا؟
عندما ندرس هذه الجملة نجد أنّ الملازمة العامّة بين الشّرط والجزاء موجودةٌ ومستفادةٌ من الوضع، وأنها على الطريقة الهندسيّة ـ الأصوليّة ـ أو القاعدة العامّة. ونجد أنّ الشّرط علّةٌ للجزاء. وأيضًا نرى أنّ العلّة منحصرةٌ في جواز عقد الجدّ لابنة ابنه، بكون الأب حيًّا وكون الزواج مرضيًّا. كما يظهر من سياق الجملة وفهمنا للعربية أنّ الشارع المقدَّس أو الرّسول الأكرم كان في مقام البيان من جميع الجهات. وهذه الرواية على قَدْرٍ من الأهمِّية بحيث إنّ القول بالمفهوم وعدمه يؤدي دَوْرًا في تحديد ولاية الجدّ على الأحفاد:
فإنْ قلنا بالمفهوم في الجملة الشّرطيّة، أي بالانتفاء عند الانتفاء، سيكون المعنى هكذا: «إذا كان الأب مَيْتًا، أو كان الزواج غير مرضيٍّ، فلم يجُزْ».
مَنْ ردّ المفهوم في هذه القضية الجزئيّة ردّه إمّا لأنّه لا يرى للجملة الشّرطية مفهومًا مطلقًا؛ أو يرى أنّ القيد هنا مسوقٌ لتحقُّق الموضوع؛ أو عدَّ أنّ القيد هنا ليس مسوقًا لبيان الموضوع، إلّا أنه توضيحيٌّ، وليس احترازيًّا، على حَسَب القاعدة والأصل، أي إنّ قوله: «إنْ كان أبوها حيًّا…» بمعنى حتّى ولو كان أبوها حيًّا، فضلًا عن كونه مَيْتًا. فهناك رأيٌ فقهيّ يقول بأن ولاية الجدّ لا تجري حال كون الأب مَيْتًا. وهذه من الموارد التي تؤكِّد أهمِّية الموضوع، وأهمِّية التّدقيق والتّحقيق؛ علّنا نصل إلى ما فيه الحقّ والإنصاف. فإنّه ومن باب التنظير نقول في هذا المقام ما قيل في دوران الأمر بين الوجوب التعيينيّ والتخييريّ، فبما أنّ الشارع المقدَّس كان باستطاعته البيان، أو بالأحرى هو في مقام البيان، فإنّهم في مثل هذا التردُّد أجمعوا على أنّ الأمر يتَّجه إلى التعيين من إطلاق الأمر من جهةٍ، ومن أنّ توضيح وجود عِدْلٍ للأمر يحتاج إلى مؤونةٍ زائدة وإلى مزيد توضيحٍ، وتقريبه: إنّ القيود في أصلها وأساسها موضوعةٌ للاحتراز، فالأصلُ في كلّ قيدٍ أن يكون احترازيًّا، كما هو معلومٌ، ولكنْ نرى بعض القيود توضيحيّةً، إلّا أنّها مستوحاةٌ من قرينةٍ عامّة أو خاصّة، أو سياق الكلام، فالقيد لا معنى له لو كان له عِدْلٌ يرادفه، أو يحلّ محلَّه، إذا دلَّتْ عليه قرينةٌ متّصلة أو منفصلة. ويقول النائيني في هذا المقام: «إن التمسُّك بإطلاق الشّرط يمكن أن يكون من جهتَيْن: إحداهما: من حيث دفع احتمال كون الشّرط مركَّبًا من أمرَيْن، الجمع بالعطف بالواو، وثانيهما: من حيث احتمال وجود القول للحكم. مثلًا: لو قال: «إنْ جاءك زيدٌ فأكرِمْه» إذا احتملنا كون الشّرط مركَّبًا من مجيئه وإكرامه، كأنّك قلتَ: «إنْ جاءك زيدٌ وأكرَمَكَ فأكرِمْه».
بعبارةٍ أخرى: نريد أن نوضِّح بعد الفراغ من أنّ المفهوم ثابتٌ للجملة الشّرطيّة بشكلٍ واضح، إلّا في الجمل التي يكون فيها الشّرط مسوقًا لتحقُّق الموضوع، كما لو قلتَ: «إذا رزقْتَ ولدًا فاختِنْه»، فإنّها تدلّ على أنّه متى تحقَّق الموضوع ـ أي رزق الولد ـ وَجَبَ الختان، ولا تدلّ على أنّه إذا لم ترزق الولد فلا تختِنْه»([12]).
فالشّرط هو الطريق الوحيد لتحقُّق الموضوع؛ فإنّ الموضوع هو الولد، والشّرط هو رزقه. ومن الطبيعيّ أنّه لا يوجد شيئان في الواقع الخارجيّ: الرّزق؛ والولد.
هذا إذا كان الشّرط هو الطريق الوحيد لتحقُّق الموضوع؛ أمّا لو كان الموضوع يمكن تحقُّقه من طريقٍ آخر، كما لو قلنا: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾([13])؛ إذ إنّ النّبأ قد يصدر من فاسقٍ أو من عادلٍ، فهناك ارتباطان:
الأول: هو وجوب التبيُّن للنّبأ ـ وهو الموضوع ـ .
والثاني: هو وجوب التبيُّن بمجيء الفاسق، الذي هو شرطٌ، وما دام وجوب التبيُّن مرتبطًا بمجيء الفاسق يثبت المفهوم، فإنّها لو دلّت على ارتباطٍ واحد لكان من الأَوْلى أن تأتي الآية هكذا: يجب التبيُّن من النبأ، ولكنّنا نجد أنّ مفادها وجوب التبيُّن عن النبأ إذا كان المخبر فاسقًا.
فقولنا: «إذا رُزقْتَ ولدًا فاختِنْه»، أو «إذا تزوَّجْتَ فعاشِرْ بالمعروف»، في قوّة قولنا: «اختِنْ ولدك» أو «عاشِرْ زوجتك بالمعروف». وليس قولنا ـ في الفرض الثاني الذي لا يكون فيه الشّرط هو الطريق الوحيد لتحقُّق الموضوع ـ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ في قوّة قولنا: «تبيَّنوا النبأ»؛ لأنه فيما لو تحقَّق، وجاء الخبر عن طريق عادلٍ، عندها لن يأتي الأمر بالتبيُّن، بعكس الفرض الأوّل.
ذهب أكثر الأصوليّين إلى أنّ المفهوم المخالف للجملة الشّرطيّة ثابتٌ، عند الإماميّة والشافعيّة والمالكيّة، باستثناء بعض الحنفيّة وبعض أصوليّي الشيعة([14]). فالكمال بن همام ـ وهو حنفيٌّ ـ نَسَبَ إلى الحنفيّة إنكار المفهوم في كلام الشارع، ولم يمنعه من كلام عامّة الناس، حيث قال: «إن تخصيص الشّيء بالذِّكْر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه في خطابات الشارع، فأما في متفاهم الناس وعُرْفهم وفي المعاملات والعقليّات يدلّ…» ([15]). وكأنّ للشّارع لغةً خاصّة به تختلف عن لغتنا، وهذا ما لم يقُلْ به أحدٌ. ويقابله ما قاله السبكي من أنّ خطابات العامّة لا تدلّ على نفي الحكم حال التّخصيص، بينما خطابات الشّارع المقدَّس تدلّ على ذلك. ويَرِدُ عليه ما ورد على الهمّام، من أنّنا لا يمكن أن نفصل بين خطاباتنا وخطابات المَوْلى؛ لأنّ الأداة واحدةٌ واللّغة واحدة، وما كان للشارع لغةٌ خاصة متميِّزة عن لغة العامّة من العرب، فإنْ كانت الجملة الشّرطيّة توحي بانتفاء الجزاء عند انتفاء الشّرط عند العامّة فهي كذلك في خطابات الشّارع المقدَّس.
في الكلام حول أساس الخلاف في ثبوت المفهوم للجملة الشّرطيّة، إذ إنّ ما تقدّم يبيِّن لنا نتائج الخلاف؛ فإمّا قائلٌ بالمفهوم؛ أو رافضٌ لأن يكون للجملة الشّرطيّة مفهومٌ. ومنهم مَنْ بالغ في الأخذ به، كإمام الحرمين، فرَدَّ على المانعين بالقول: «وهو قولٌ مردود، وكلُّ ما جاؤوا به لا تقوم به الحجّة، والأخذ به معلومٌ من لغة العرب والشرع؛ فإنّ مَنْ قال لغيره: «إنْ أكرمتَني أكرمْتُكَ، ومتى جئتَني أعطيْتُكَ»، ونحو ذلك، فُهم منه أنّه لا يستحقّ الإكرام والإعطاء عند عدم إكرامه المتكلِّم، ومجيئه إليه. وذلك مما لا ينبغي أن يقع فيه خلاف بين كلّ مَنْ يفهم لغة العرب، وإنكارُ ذلك مكابرةٌ. وأحسنُ ما يقال لمَنْ أنكره: عليك بتعلُّم لغة العرب؛ فإن إنكارك لهذا يدلّ على أنك لا تعرفها»([16]). ولكنّنا إذا كنّا منصفين نجد أن الأساس الذي يُرجع إليه الاختلاف هو فَهْم مدلول الجملة الشّرطيّة؛ فالمناطقة من جهةٍ يرَوْن أنّ الشّرط والجزاء هو كلامٌ واحد، فالشرط بمنزلة المبتدأ أي المحكوم عليه، والجزاء بمنزلة الخبر أي المحكوم به، أما الحكم ـ المدلول عليه ـ فهو يثبت وجه الملازمة بين الشّرط والجزاء، فالمشروط متحقِّقٌ عند تحقُّق شرطه، وليس ناظرًا إلى حالة انتفاء الشّرط. وعلى ما نُقل عن صدر الشريعة في أكثر من مصدر أنّه قال: «المشروط مع الشرط فهما كلامٌ واحد، يوجب الحكم على تقديرٍ، وساكتٌ عن غيره… ، بل إنما مجموع الشرط والجزاء كلامٌ واحد دالٌّ على ربط شيءٍ بشيء، وثبوته على تقدير ثبوته، من غير دلالة على الانتفاء عند الانتفاء»([17]).
الأصوليّون، ومنهم: إمام الحرمين، الذي تقدَّم كلامُه، وقفوا موقف أهل المعاني واللّغة. وكذلك الأصفهانيّ، الذي اعتمد أنّ الاستلزام المستفاد من الجملة الشّرطيّة هو معنًى حرفيّ، وليس معنىً اسميًّا حتّى يصحّ السكوت عنه، فيكون المعنى هكذا: «إن النّهار موجودٌ في فرض أنّ الشّمس طالعةٌ» مستفادةٌ من الجملة الشرطية: «إنْ كانت الشمس طالعةً فإن النهار موجودٌ». فالاستلزام يكون معنىً حرفيًّا تابعًا لحكم الجملة، وليس هو حكم الجملة. والاستلزام كما هو معلوم يُستفاد من الوضع، ولكنّ الشّرط الآخر المتمِّم لدليل مفهوم الشّرط هو انتفاءُ طبيعيّ الحكم، وهو يُستفاد ـ على ما قيل ـ من طبيعة الجملة الإنشائيّة، التي يُفهم منها طبيعيّ الطّلب، ولا ينتفي الطّلب إلّا بانتفاء جميع أفراده.
الركن الأوّل: انحصار العلّة
استكمالًا لشروط إفادة الجملة الشّرطيّة المفهوم لا بُدَّ من أن تكون العلّة منحصرةً. وكلٌّ استفادَ الانحصار على طريقته. وفي عدّ هذه الطرق نقول:
أـ استصحاب العَدَم الأزليّ: إنّ الشّاكّ بوجود علّةٍ أخرى زائدةٍ على العلّة الأصل يستصحب عدمها. وهذا الدّليل يعتمده الشّافعيّة([18]). وهو دليلٌ عقليّ، وليس بلفظٍ نحويّ.
ب ـ الإطلاق الأحوالي: وهو يُستفاد من قرينة الحكمة ـ الدّليل الأصوليّ الكبير ـ، ومفاده: إنّ المفروض أن المولى في مقام البيان، حتّى من جهة توضيح أن للعلّة بديلاً أو عِدْلاً، وحيث إنّه لم يبيِّن نستنتج انحصار العلّة، وعدم وجود أيّ علّةٍ أخرى تكون مسبِّبة لإنتاج الحكم؛ فإنّه لو كانت علّةٌ أخرى لكان على المولى بيانُها. وهو دليل أقرب من سابقه إلى الدّلالات النّحويّة، ولكنْ تبقى حدوده في مجال التّصديق([19])، والمدلول النّحويّ هو مدلولٌ تصوّريّ يسبق التّصديق والمراد.
ج ـ التّركيب الشّرطيّ توقُّفي: وهناك مجموعةٌ، ومنهم: السيّد الصدر، أراح نفسه من عناء جمع الأدلّة لإثبات المفهوم([20])، وفَهِم مباشرةً أن التّركيب في جملة الشّرط توقُّفيّ، ولا يدلّ على الاستلزام. والقائل بالتوقُّف ـ أي إنّ إكرام زيدٍ متوقِّفٌ على مجيئه ـ لا يحتاج إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة؛ فإنّه يصل إلى نتيجة الانتفاء عند الانتفاء مباشرةً.
هذه الطُّرُق المهمّة التي ذُكرَتْ حول إثبات انحصار العلّة. كما أنّ مفهوم الشّرط قد أُثبت بعدّة طُرُقٍ من خلال إثبات العلّة الانحصاريّة، وهي:
1ـ التمسُّك بالوضع ـ التبادر ـ.
2ـ التمسُّك بالانصراف.
3ـ التمسُّك بقرينة الحكمة، ولها ثلاثة بيانات.
الطّريق الأوّل: يعني أنّ المتبادر من الشّرط للوَهْلة الأولى هو العلّيّة الانحصاريّة، فإنّك عندما تقول: «إنْ جاءكَ زيدٌ فأكرِمْه» فكأنّ الإكرام انحصر بمجيء زيدٍ، ولكنّنا بالوجدان أيضًا لا نشعر بالمجازيّة إذا كان هناك علّةٌ أو سببٌ آخر للإكرام. والتبادر هو علامة الوضع. كما أنّ التبادر هو نابعٌ من الوجدان. فكيف نوفِّق بين «الوجدانَيْن»: الذي يقول بالانحصار؛ والذي يقول بعدم المجازية فيما لو كان هناك علّةٌ أخرى، كالفقر أو الحجّ أو غيرها. وقد رجّح الآخوند الخراساني الوجدان الثاني، ولذلك لم يَرَ للجملة الشّرطيّة مفهومًا([21]).
الطريق الثاني: هو أنّ المفهوم يثبت للجملة الشّرطيّة بشرطَيْن أساسيَّيْن، وهما:
1ـ الملازمة العامّة بين الشّرط والجزاء، وهي ثابتةٌ بأصل الوضع.
2ـ إثبات أنّ الشّرط علّةٌ منحصرة، لينتج عندنا حتميّة انتفاء الجزاء بمجرّد انتفاء الشّرط، وهو قد يحصل بالانصراف إلى الفرد الأكمل، والفرد الأكمل كما يعبِّرون هو أن تكون العلّة منحصرةً لا عِدْل لها، ولا بديل. وقد نوقش هذا الرأي بمناقشتَيْن، وهما:
الأولى: لا نسلِّم بأنّ الأكمليّة موجبةٌ للانصراف؛ فالسّبب في الانصراف هو كثرة الاستعمال([22]).
الثانية: لو سلَّمنا بأنّ الأكملية هي سببُ الانصراف، وبالتالي يكون الانصراف للفرد الأكمل، ولكنْ مَنْ قال: إن الفرد الأكمل في مثل هذا المقام هو في انحصار العلّة؟ فقد يكون الفرد الأكمل مَنْ كانت فيه علّةٌ أخرى أبرز من العلّة المذكورة. فالملازمة لا تكون أقوى أو أضعف إذا انحصرت العلّة، كما ترى في النّار التي تسخّن الماء، فهل تضعف السخونة فيما لو كانت هناك نارٌ أخرى تسخّن هذا الماء؟
الطريق الثالث: وله بيانات، وهي:
البيان الأوّل: لجأ بعض علماء الأصول إلى الإطلاق لإثبات المفهوم للجملة الشّرطيّة. وحاصل ما ذكروا: إنّه؛ ومن أجل إثبات المفهوم للجملة الشّرطيّة، لا بُدَّ من توافر شروط، وهي:
1ـ إثبات اللّزوم بين الشّرط والجزاء. وهذا ثابتٌ بالوضع؛ والسّبب هو التبادر.
2ـ إثبات أنّ العلّة تامّةٌ غير ناقصة، وإلّا لم يعُدْ لبحثنا فائدةٌ. وهي ثابتةٌ بالتّفريع بالفاء، فمثلًا: في قولك: «إذا جاءك زيد فأكرِمْه» الإكرام متفرِّعٌ على المجيء، وذلك من جهة أصالة مطابقة الكلام للمراد.
إنّ العلّة التّامّة منحصرةٌ؛ حتّى يتحقّق الانتفاء عند الانتفاء، الذي هو ركيزةُ ثبوت المفهوم.
وعلى هذا الأساس قالوا: إنّ المفهوم يثبت بالإطلاق، حيث إنّ العلّة تامّةٌ، فلو كانت هناك علّةٌ ثانية لتحوَّلَتْ العلّة التّامّة الثّابتة بالتفريع لأصالة تطابق الكلام مع المراد ـ كما تقدَّم ـ إلى علّةٍ ناقصة، وهو مستحيلٌ.
ولكنْ رُدّ على الإطلاق الأحواليّ بثلاثة ردود، وهي:
1ـ الإطلاق الأحواليّ لا يمكن له دائمًا أن يردّ احتمال العلّة البديلة، كما في حال كون العلّة تتنافى مع العلّة الأولى، أي فيما لو كانت العلّة الثّانية عدم القدرة على القيام، بينما كانت العلّة الأولى هي المجيء. وكذلك لا يمكن للإطلاق الأحوالي أن ينفي العلّة البديلة التي يمكن أن تكون عِوَضًا من العلّة الأولى في حال عدم تحقُّقها. نعم، الإطلاق يمكن أن ينفي العِلَل الأخرى في حال تحقُّق العلّة الأولى، أما مع عدم تحقُّق العلّة الأولى فَمَنْ قال: إنّ الإطلاق الأحوالي يمكن له أن ينفي العلّة الثانية البديلة؟
2ـ إن التّفريع الإثباتيّ يدلّ على التّفريع الثّبوتيّ، لا عن طريق العلّة والمعلول فقط، فإنّ الكلّ متفرِّعٌ واقعًا على الجزء، وبدون تحقُّق الجزء لا يمكن تحقُّق الكلّ. وكذلك في المتقدِّم زمانًا على المتأخِّر، نرى أنّ تحقُّق المتأخِّر زمانًا، كالأحد، متفرِّعٌ واقعًا على المتقدِّم زمانًا، وهو السّبت.
3ـ إنّنا إنْ سلَّمنا بأنّ التفريع ناتجٌ عن العلّة والمعلول، ولكنّه لا يفيدنا التّمامية في العلّة، فقد يكون الشّرط جزءَ علّةٍ، ومع ذلك نرى أنّ المعلول متفرِّعٌ عليه واقعًا.
فتحصَّل مما تقدَّم أنّ الإطلاق الأحواليّ ينفي جزئيّة العلّة بالمعنى الأوّل، أي إنّ المجيء علّةٌ تامة غير قاصرة لوجوب الإكرام، وليست بحاجةٍ إلى ضمّ علّةٍ أخرى لها. ولكنّه ـ أي الإطلاق الأحواليّ ـ لا ينفي الجزئيّة بمعناها الثاني، فلا يساعد على نفي وجود علّةٍ تامّة أخرى، بحيث لو اجتمعا ينقلب المجيء إلى جزء علّةٍ. فالجزئيّة بهذا المعنى لا ينفيها الإطلاق الأحواليّ.
البيان الثاني: في إثبات أنّ الإطلاق الأحواليّ يسبِّب ثبوت العلّيّة الانحصاريّة، وبالتالي يكون انتفاء الشّرط موجبًا لانتفاء الجزاء. وكذلك هنا طريقة أخرى للاستفادة من الإطلاق، ومفادها: إنّ «المجيء» علّةٌ تامّة لوجوب الإكرام، وكذلك «المَرَض» قد يكون علّةً تامّة أخرى مستقلّة، أو أن يكون كلٌّ منهما مؤثِّرًا، ولكنْ بالعنوان الجامع. إلّا أنّه ومن كلا الاحتماليْن يلزم محذورٌ؛ فالأوّل يلزم منه صدور الواحد من المتعدِّد([23])؛ والثاني مع إمكانه إلّا أنّه خلاف الظاهر. ويمكن حلّ المحذور بأنْ نفترض وجود فردَيْن من وجوب الإكرام، والعلّة لأحدهما «المجيء»، والعلّة الثانية «المَرَض» مثلًا.
البيان الثالث: هناك بيانٌ وتوضيحٌ ثالث للاستفادة من الإطلاق الأحواليّ؛ فقد قال المحقّق الأصوليّ الميرزا النّائينيّ ما مفادُه: إنّ التمسُّك في مثل المقام يكون على شكلَيْن:
الأوّل: هو التمسُّك بالإطلاق من حيث عدم التّقييد «بالواو»، كما لو قلت: «إذا جاءك زيدٌ وكان قد حجَّ فأكرِمْه».
الثاني: هو التمسُّك بالإطلاق من حيث التّقييد بـ «أو»، فإنّ مَنْ أطلق: «إذا جاءك زيدٌ فأكرِمْه» إذا كان قد أراد علّةً ثانية فينبغي عليه أن يقول: «إذا جاءك زيدٌ أو مرض فأكرِمْه».
والتمسُّك بالإطلاق بالمعنى الثاني هو الذي نستفيد منه إثبات العلّيّة الانحصاريّة، وليس الإطلاق بالمعنى الأوّل.
ورُدّ عليه بأنّك إمّا أن تقول بأنّ أصل الوضع بالنّسبة إلى الشّرط هو التوقُّف فإنّك لا تحتاج إلى مثل هذه المبرِّرات لإثبات المفهوم للجملة الشّرطيّة؛ أو تقول بأنّ الوضع للاستلزام فيُشْكَل عليك بأنّ التّقييد بـ «أو» لا يستلزم منه تضيُّق سَعَة العلّة الأولى؛ فإنّنا لا نشعر لو قلنا: «جاء زيدٌ أو عمرو» أننا ضيَّقنا مجيء زيد بمجيء عمرو، ولا يلزم من سكوته عنها عدمُها؛ إذ هو ليس في مقام البيان من هذه الجهة. فالتمسُّك بالإطلاق الأحواليّ لإثبات العلّيّة الانحصاريّة في غير محلِّه. إنّنا من خلال هذه البيانات المتقدّمة حاولنا إقامة الدّليل على الرّكن الأوّل من أركان الدّليل على المفهوم، ألا وهو انحصاريّة العلّة. وبقي علينا أن نتكلَّم على الرّكن الثّاني، الذي هو أحد الأسس لإقامة الدّليل على المفهوم، وهذا الرّكن يثبت أنّ المنتفي هو طبيعيّ الحكم، لا شخص الحكم، عند انتفاء الشّرط.
إثبات الرّكن الثاني: انتفاء طبيعيّ الحكم
الإطلاق الذي تمسَّك به المشهور لإثبات الرّكن الأوّل، والذي تبيّن أنّه ليس بمُجْدٍ، نستطيع أن نجعله دليلًا على إثبات الرّكن الثاني؛ وذلك بأن تكون قرينة الحكمة دليلًا عليه؛ «فإنّ مفاد هيئة «فأكرِمْه» هو أصل الوجوب وطبيعته، لا الفرد الخاصّ من الوجوب، فلو لم يكن المراد هو الطبيعيّ لكان على المتكلّم البيان، فعدم البيان يدلّ على أنّ مراده طبيعيّ الحكم، لا شخصه»([24]). وقد تقدّم سابقًا عند استعراض آراء الأصوليّين في انحصار العلّة رأيٌ للسيّد الصّدر، وهذا محلّ توضيحه وإعادته بعد الانتهاء من عرض الرّكنَيْن الأساسيَّيْن للدليل على المفهوم.
رأي السيّد الصّدر
إنّ السّيّد الصّدر استوحى بالوجدان أنّ وضع الجملة الشّرطيّة إنّما هو للتوقُّف، لا للاستلزام، كما اعتمد المشهور، أي إنّ إكرام زيدٍ موقوفٌ على مجيئه، والتوقُّف يخلِّصك من عناء الاعتذار لانحصاريّة العلّة، وانتفاء طبيعيّ الحكم بانتفاء الشّرط، فهو في ذاته يثبت الانحصاريّة، وبالإطلاق يثبت أن المعلَّق هو طبيعيّ الحكم، وبالتالي يثبت انتفاء طبيعيّ الحكم عند انتفاء الشرط، كما أشَرْنا. فإنّك إذا قلتَ: إنّ الالتزام بهذا الكلام موجبٌ لمجازيّته ما لم تكن هناك علّةٌ بديلة، ونحن لا نشعر بالمجازيّة وجدانًا. يعلّق هنا: إنّ التوقُّف يبقى، ولكنّه بَدَل أن يكون لطبيعيّ الحكم أصبح بالقرينة على شخص الحكم، وهذا لا يخرجه عن الحقيقيّة مطلقًا. إذن التوقُّف ما زال موجودًا، ولكن بَدَل أن يكون لطبيعي الحكم انقلب إلى شخص الحكم. ولكنّنا نرى أنّ محذور المجازيّة على القول بـ «التوقُّف» محكَمٌ، وإنْ كنّا لا نشعر بها. هذا إذا سلّمنا بمسلك «التوقُّف»؛ حيث إنّنا وبالوجدان والسليقة العربية الصافية لا نشعر بأن الإكرام في جملة: «إذا جاءك زيدٌ فأكرِمْه»، متوقِّفٌ على المجيء فقط، ولا سبب آخر موجباً له غيره. نعم، وكما عليه المشهور، إن المفهوم هو من المداليل الالتزاميّة للمنطوق، فنشعر بأن المجيء يستلزم الإكرام وموجبٌ له، وانتفاء طبيعيّ الحكم عند انتفاء الشرط ـ أي عموم المفهوم ـ نستفيده من الإطلاق. وهنا لا بأس بالإشارة إلى الخلاف اللّفظيّ الذي نشأ بين علماء الأصول في إطلاق مصطلح «العموم» على مفهوم المخالفة، والإشكال هو من ناحية صحة إطلاق كلمة «عموم» على ما وراء النطق، وهو المسكوت عنه؛ فالعموم يُطْلَق على ما هو لفظٌ عادةً، وهنا يقول الغزالي في المستصفى: «لا خلاف لأحدٍ من قائلي المفهوم في ثبوت نقيض الحكم، لا في محلّ النطق عمومًا، بل الخلاف إنّما هو في إطلاق لفظ العامّ عليه»([25]). وعلى كلّ حالٍ لا ثمرة عملية من هذا الخلاف اللّفظيّ، سواءٌ أطلق العموم على المفهوم حقيقةً أم مجازًا. في محصّلة البحث حول مفهوم الجملة الشّرطيّة لا بُدَّ أن أُشير؛ إشباعًا للبحث، إلى بعض النقاط التي تعرَّض لها الأصوليّون حين عالجوا الجملة الشّرطيّة ومفهومها. وهذه النّقاط هي:
الأولى: حول تضيُّق المفهوم وتوسُّعه
إنّ دائرة المفهوم تضيق وتتَّسع وفق ما يأتي به المنطوق؛ فإنّه جيء بالجزاء مترتِّبًا على شروط، يكون مجموع هذه الشروط مترتِّبًا عليها الجزاء. فالانتفاء يحصل بتخلُّف أحدها، وهنا تكون دائرة المفهوم واسعةً. وعلى سبيل المثال: إذا قلتَ: «إذا جاءك زيدٌ وكان مريضًا فأكرِمْه» فيشكِّل كلٌّ من المجيء والمرض الشّرط الذي يتحقَّق الجزاء بهما، وينتفي بانتفاء أحدهما.
الثانية: هل العموم للحكم أو للجزاء؟
هناك قولان في هذه المسألة؛ فمنهم مَنْ ذهب إلى أن المعلَّق على الشّرط هو عموم الجزاء، ففي قوله: «إذا بلغ الماء قَدْر كُرٍّ لا ينجِّسْه شيءٌ»([26]) جملة الجزاء هنا تكون «سالبةً كلّيةً»، فيكون الجزاء في المفهوم «موجبةً جزئيّةً»؛ وذهب بعضٌ آخر إلى أن المعلَّق بالشّرط هو الحكم العامّ، ليكون المفهوم حينئذٍ «سالبةً كلّيةً».
والقول الأوّل خاضعٌ لقاعدةٍ منطقيّة تقول: إنّ نقيض السالبة الكلّية هو الموجبة الجزئيّة. وهو بعيدٌ عن مداليل الألفاظ، كما يقول الميرزا النائيني: «إنّ ما ذهب إليه المنطق من أنّ نقيض السّالبة الكلّية هو الموجبة الجزئيّة أجنبيٌّ عن مداليل الألفاظ؛ لأنّ المنطقيّ غرضه إنّما هو جعل قواعد كلّيّة ممهِّدة في مقام البرهان، فلمّا رأى أنّ الموجبة الجزئيّة هي التي تناقض السّالبة الكلّيّة، بحيث لا يتصادقان ولا يتكاذبان، ويستحيل اجتماعهما وارتفاعهما، قال: إنّ نقيض السّالبة الكلّيّة هو الموجبة الجزئيّة، دون غيرها. وهذا لا ربط له بظهورات الألفاظ ومداليلها المبتنية على الاستظهارات العُرْفيّة»([27]).
كما أنّ النائيني أضاف في إثبات أنّ المعلَّق على الشّرط هو مفاد جملة الجزاء، أي الحكم العامّ، بأنّ العموم مستفادٌ من معنىً حرفيّ، وهو وقوع النكرة في سياق النفي، ولم يكن مستفادًا من معنىً اسميّ، مثل: كلمة «كلّ» وغيرها. فعليه لا يكون التّعليق على عموم الجزاء، بل على مفاد جملة الجزاء، وهو الحكم العامّ، الذي ينحلّ إلى أحكام متعدِّدة بعدد أفراد الموضوع، وإنّه بمجرّد انتفاء الشّرط تنتفي جميع الأحكام. فمفهوم الرّواية: «إذا بلغ الماء قدْر كُرٍّ لا ينجِّسْه شيءٌ»([28]) هو: إذا لم يبلغ الماء قَدْر كُرٍّ ينجِّسْه كلُّ شيءٍ، بالطبع إذا كان قابلًا للتّنجيس.
تعليقًا عليه نقول: إنّ الحكم الثابت للمنطوق هو الطبيعيّ كما علِمْنا. وبالتّحليل يتفرَّع عن الحكم الطبيعيّ أحكامٌ. وهذا لا يخرجه عن الوحدة. وما دام واحدًا فالموجبة الجزئيّة كافيةٌ لتحقيق انتفائه. د وبمجرّد الانتفاء تنتفي كلّ أفراد الحكم.
الثالثة: حول تعدُّد الشّرط واتّحاد الجزاء
كما أنّ الأصوليّين عالجوا مسألة تعدُّد الشّرط واتّحاد الجزاء، ومثاله: «إذا خفي الأذان فقصِّرْ، وإذا خفيَتْ الجدران فقصِّرْ». ومدار البحث هو هذا التّساؤل: هل نقيِّد بأو أو بالواو؟ فإذا قيّدنا بالواو يكون الجزاء مقيَّدًا بحصولهما معًا؛ وإذا قيَّدنا بـ «أو» فبمجرّد حصول أحد الشّرطَيْن يجب ثبوت الجزاء. وهذا خاضعٌ لفهم سياق الشّرطَيْن.
بهذا نُنهي البحث حول الجملة ومفهومها، ليتمّ الانتقال إلى بحث المفاهيم الأخرى، عبر عرضٍ لآخر ما بنى عليه الأصوليّون من رأيٍ، مع بيان ما اختلفوا فيه، إنْ كان ثمّة اختلافٌ.
2ـ مفهوم الوصف
قد نرى هذا العنوان في كتب بعض علماء الأصول على رأس قائمة بحث المفاهيم؛ وذلك لأنهم رأَوْا أنّه يحتلُّ المرتبة الأولى من حيث القوّة في الدلالة على انتفاء طبيعيّ الحكم عند انتفاء الصّفة أو القيد. ولكنْ سنبيِّن أنّه لا يستحقّ المرتبة الأولى إذا كان الترتيب حَسْب قوة الدّلالة. وقبل أن ندخل في بحث مفهوم الوصف ينبغي التّنبيه إلى أنّ الوصف الذي يريده الأصوليّون هو الأعمّ من النّعت النّحويّ، فقد يشمل الحال والتّمييز. وقد عدَّ بعضهم أنّه «الجاري على الشّيء، ولو كان ذاتًا، كالإنسان والحيوان، أو عكسه. ولا فرق بين المتساويين، والمطلق على شقَّيْه، ومن وجهٍ، وبين ذكر الموصوف وعدمه، وبين ما يُسمَّى أو ما لا يُسمَّى وصفًا اصطلاحًا، كالحال والتّمييز؛ لوحدة ملاك الإثبات والنفي في الجميع»([29]).
فالوصف هنا يُراد به ما هو أعمّ من النعت، أي سواءٌ كان نعتًا نحويًّا، مثل: «في الغنم السائمة زكاة»([30])؛ أو مضافًا، نحو: «سائمة الغنم»؛ أو مضافًا إليه، نحو: «مطل الغنيّ ظلم»([31])؛ أو ظرف زمان، نحو: قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾([32])؛ أو ظرف مكانٍ، نحو: «بِعْ في بغداد»([33]).
ذكر أنّ المبحوث عنه يدخل في نطاق الجملة الوصفيّة، و«هو مطلق القيد، ولو مثل الجارّ والمجرور ونحوه، وما من شأنه أن يضيِّق الموضوع أو المتعلَّق. فمثل قولك: «صلِّ في المسجد» داخلٌ في محلّ البحث؛ فإنّ القيد فيه يضيِّق المتعلَّق، ولذا لا يتحقَّق امتثاله بإتيان الصلاة في غير المسجد، فكان الأنسب أن يعبِّر عن مفهوم الوصف بمفهوم القيد»([34]).
هذا، والمثال المعروف بينهم هو: «في الغنم السائمة زكاةٌ». فهل يمكن أن نفهم من هذه الجملة نفي الزكاة عن غير السائمة([35]) أو لا؟
«فمَنْ فهم منها نفي الزكاة عن غير السائمة قال بمفهوم الصفة؛ ومَنْ لم يَنْفِها عنه لم يقُلْ بالمفهوم. وهو حجّةٌ عند الثلاثة([36]) والأكثر»([37]). ويؤكِّد الأكثرية الإمام الشوكاني في قوله: وبمفهوم الصّفة أخذ الجمهور. وهو الحقُّ؛ لما هو معلومٌ من لسان العرب أن الشيء إذا كان له وصفان، فوصف بأحدهما دون الآخر، كان المراد به ما فيه تلك الصّفة، دون الآخر([38]). «وحاول المثبت للمفهوم الاستدلال على ذلك، تارةً بحججٍ نقليّة؛ وأخرى عقليّة. ومن الحجج النقليّة ما أكَّدها بعضُ أهل اللّغة، كتأكيد أبي عبيد القاسم بن سلام، وهو من أهل اللّغة، وقد قال بدليل الخطاب في قوله(ص): «ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته»([39])، حيث قال: إنّه أراد به أن مَنْ ليس بواجدٍ لا يحلّ عرضه وعقوبته. والواجد هو الغنيّ، وليّه مطله، ومعنى إحلال عرضه مطالبته»([40]). وعلى هذا المثال فقِسْ أمثلةً كثيرة. إلّا أنّها لا تقوم دليلًا على ثبوت «مفهوم الصفة» من عدّة جهاتٍ، وهي:
– إن قول اللُّغَويّ ليس مقبولًا عند كلّ علماء الأصول.
ـ هذا اجتهادٌ لُغَويّ، وغالبًا ما يكون رأيٌ آخر يناقضه، كمخالفة الأخفش للرأي المتقدِّم في المثال.
إن هذه الأمثلة التي عُرِضَتْ كحججٍ نقلية على إثبات المفهوم محفوفةٌ بقرائن، إمّا عامّة وإمّا خاصّة. والمثال المتقدِّم تحكمه إطلاقاتُ حرمة إيذاء وعقوبة أحدٍ، إلّا ما دلّ الدّليل عليه، كـ «ليّ الواجد» وغيره، وعندما لا يكون لدليل الخطاب أيّ أثرٌ.
هذا خارجٌ عن محلّ النزاع في المفهوم؛ «لأنّا لا نمنع من دلالة التقييد بالوصف على المفهوم أحيانًا؛ لوجود قرينةٍ، وإنّما موضوع البحث في اقتضاء طبع الوصف لو خُلِّي ونفسه للمفهوم. وفي خصوص المثال نجد القرينة على إناطة الحكم بالغنيّ موجودةً من جهة مناسبة الحكم والموضوع، فيُفْهَم أن السبب في الحكم كون المَدين غنيًّا، فيكون مطله ظلمًا، بخلاف المدين الفقير؛ لعجزه عن أداء الدَّيْن، فلا يكون مطله ظلمًا»([41]). ومن الأدلّة العقليّة التي استدلّ بها القائلون بالمفهوم نذكر ما يلي:
ـ انعدام الفائدة إذا لم نقُلْ بانتفاء الحكم ـ الذي كان مع الوصف ـ بانتفاء الصّفة.
ولكنْ يمكن ردُّه بأنّ الصّفة لا تقيِّد الحكم دائمًا، وإلّا كيف نسمع قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتلُوا أوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ﴾([42]).
ـ إنّ الصّفة تحلّ محلّ العلّة، فالحكم يدور مدارها.
وينقض بأنّا لا نسلِّم أن انتفاء الحكم لانتفاء العلّة هو على إطلاقه؛ وعلى فرض التسليم بأن الحكم ينتفي بانتفاء علّته فمَنْ يقول بصحّة تسرية حكم العلّة للصّفة؟!
ـ إنّ الصّفة قيدٌ، كما مرّ، والأصل في القيود الاحتراز.
ويردّ هذا الدّليل بأن الاحتراز ليس منحصرًا بانتفاء الحكم عند انتفاء الصّفة، فقد يكون تضييق دائرة الموضوع مثلًا، أو غير هذا.
وكما علمْتَ فإنّه إذا أرَدْنا أن نثبت لأيّ جملةٍ مفهومًا ينبغي أن نعرضها على الشّروط الخاصّة بإثبات المفهوم، كإثبات انحصاريّة القيد وانتفاء الحكم الطبيعيّ، فإنّك إذا قلتَ: «في الغنم السائمة زكاةٌ»([43]) فهل هذا يعني أنّ وجوب الزكاة منحصرٌ بتحقُّق صفة السّوم، ولا يجب لغيره؟
إنّنا وبالوجدان، ومن دون حاجةٍ إلى عرض الجملة على التّشريح الهندسيّ، لا نشعر من نفس اللّفظ، ولا من مدلولاته، أنّه لا يجب زكاة غير السائمة مطلقًا؛ وإنّما نفهم منها وجوب زكاة الغنم السائمة. ولا تتحمَّل العبارة فهمًا أكثر من هذا الفهم. ولإثبات المفهوم بعد خلوّ الجملة من أيّ قرينةٍ صارفة نقول: ينبغي توافر ثلاث مقدّماتٍ، هي:
الأولى: الاستلزام. وهي حاصلةٌ بالوضع.
الثانية: انحصار القيد.
الثالثة: أن يكون المربوط بالقيد طبيعيّ الحكم.
فالمقدّمة الأولى ثابتةٌ بالوضع؛ فتحقُّق المقيَّد فرعُ تحقُّق القيد. وهذه المقدّمة لا خلاف حولها؛ وإنّما ينحصر الكلام في المقدّمَتَيْن الأخيرتَيْن. وقد تعرّضَتْ للمناقشة بعدّة طرقٍ، وسيتمّ الحديث عنها باختصارٍ في النّقاط التّالية:
ـ اختصر الموافقون لمسلك «العراقيّ» المقدّمتَيَن الأوليَيْن لثبوت المفهوم، واصطلحوا عليه بـ «الرّكن الأوّل»، وأطلقوا مصطلح «الرّكن الثاني» على المقدّمة الثالثة، فإنّه إذا أثبتنا الرّكن الأوّل بالتّوقُّف يبقى الرّكن الثّاني، وهو ما يستحيل إثباته كما تقدَّم، فعليه لا مفهوم للوصف.
ـ وعلى مسلك المشهور لا نستطيع أن نثبت انحصاريّة العلّة، فضلًا عن نفي طبيعيّ الحكم بمجرّد انتفاء القيد؛ فإنّ الجملة الوصفية أقصى ما تدلّ عليه أنّ وجوب الإكرام في جملة: «أكرم الفقير العادل» منسوبٌ إلى الفقير، وهو منتسبٌ إلى العادل، فأقصى ما تدلّ على انتسابَيْن، ومن هنا نقول: إنّه لا مفهوم للوصف. والنافون لمفهوم الصّفة هم جمهور الإماميّة، وأبو حنيفة وأصحابه، وابن السريج، وأبو بكر الفارسيّ، وجماعةٌ من المالكية، والآمدي.
ـ إنه لا مفهوم للوصف على نحو السّالبة الكلّيّة؛ أمّا على نحو السّالبة الجزئيّة فثابتٌ. والمقصود أنّه حينما يُقال: «أكرِمْ الفقير العادل» لا يستفاد أنّ كلّ فقيرٍ غير عادل لا يجب إكرامه. نعم، يُستفاد أنّ بعض الفقير غير العادل لا يجب إكرامه؛ والوجه في ذلك أنّنا ما لم نستفِدْ السّلب الجزئيّ يكون هناك لَغْوٌ من كلمة عادل. إذن بعض الفقير غير العادل لا يجب إكرامه.
هذا ما قد يُقال عن مفهوم الوصف باختصارٍ. فالاختلاف ظاهرٌ في كلمات العلماء، كلٌّ يثبت رأيه على طريقته، والطّرق التي سلكوها للوصول إلى النّتيجة.
3ـ مفهوم الاستثناء
يقول النّحويّون: إن المذكور بعد «إلّا» وأخواتها خبرٌ مخالفٌ لما قبلها، نفيًا وإثباتًا([44]). فنحن إذا قلنا: «ما جاءني إلّا زيدٌ» فإنّها تحمل في معناها جملتَيْن، هُما: «ما جاءني غير زيد»؛ و«جاءني زيد». ومشهور الأصوليّين يقول بالمفهوم في الجملة الاستثنائيّة؛لأنّه يستفيد منها ما يستفيده النّحويّ من أنّ ما قبل الأداة يخالف ما بعدها. ويؤيِّده الوجدان، والسّليقة العربيّة الصّافية، التي لم تَشُبْها شائبةٌ. ولكنْ وقع الخلاف فيه: فهل هو من قبيل: المنطوق أو المفهوم؟
«وبكونه منطوقًا جزمه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في «الملخَّص»؛ ورجَّحه «القرافي» في «القواعد»؛ وذهب الجمهور إلى أنه من قبل المفهوم، وهو الراجح»([45]). ولكنْ خالف بعضٌ منهم([46])؛ بدليل أنّ جملة: «أكرِمْ الفقراء إلّا الفسّاق» يمكن تفكيكها إلى جملتَيْن، كما في الغائيّة ـ وسيأتي الكلام عنها ـ، هُما:
الأولى: «وجوب إكرام الفقراء، ويُستثنى منهم الفسّاق».
الثانية: «جعل الشارع وجوبًا لإكرام الفقراء مستثنىً منه الفسّاق».
«ونحن بذلك قُمْنا بتحويل أداة الاستثناء من الحالة الحرفيّة إلى الاسميّة؛ فالقول الأوّل يدلّ على الاستثناء من الطبيعيّ؛ والقول بالجملة الثانيّة يدلّ على الاستثناء من شخص الحكم. فإنْ رجعَتْ الجملة الاستثنائية إلى مفاد القول الأوّل كان لها مفهومٌ؛ وإنْ رجعَتْ إلى مفاد القول الثّاني لم يكن لها مفهومٌ»([47])، وبتعبيرٍ آخر: قال موضِّحًا في تقريراته ما نصّه: «تارةً يكون الاستثناء راجعًا إلى موضوع الحكم، كما في الاستثناء في مثل قولنا: «العالم غير العادل»؛ وأخرى يكون راجعًا إلى الحكم أي المدلول التامّ للجملة، كما هو الظاهر في أغلب موارد استعمالات «إلّا»، مثل: قولنا: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم». ولا إشكال في عدم المفهوم للنحو الأوّل؛ بوصفه كالوصف، بل هو حقيقةٌ؛ إذ يدلّ على توصيف المفهوم الإفراديّ، وتخصيصه بقسمٍ خاصّ.
أمّا الثاني فالصّحيح فيه ثبوت المفهوم في الجملة، سواءٌ أكانت سالبةً، كقولنا: «لا يجب تصديق المخبر إلّا الثّقة»؛ أو موجبةً، كما في المثال المتقدّم، وإنْ كان ثبوته في السّالبة أوضح؛ والوجه في ذلك على ضوء الموازين المتقدِّمة أنّ الاستثناء يعني الاقتطاع، وهو لا يكون إلّا من شؤون النِّسَب التّامّة الحقيقيّة في الذّهن، وأمّا في الخارج فلا اقتطاع ولا حكم، فهي ـ كالعطف والإضراب ونحو ذلك ـ نِسبٌ ثانويّة ذهنيّة، وليست أوليّةً خارجيّة كي تكون ناقصةً، وحينئذٍ يكون من المعقول إجراء الإطلاق في طرفها، وهو الحكم لإثبات أنّ طرفها السّنخ، لا الشخص، والمفروض دلالته وَضْعًا على الحَصْر، فيتمّ بذلك كلا رُكْنَي المفهوم…» ([48]).
ما أفاده عبارةٌ عن التّفصيل، أي قال بالمفهوم على نحو السّالبة الجزئيّة، وبذلك يكون قد هرب من لَغْويّة الجمل الاستثنائيّة.
إلّا أنّنا نرى، ومن خلال الذّوق اللّغويّ، كما هي حال مَنْ هو ليس بعربيٍّ، كصاحب الكفاية (الآخوند الخراساني)، الذي ذهب إلى نفي المفهوم عن الجملة الشّرطيّة، ولكنّه رآها كما يرى الشّمس في وضح النّهار. فمفهوم جملة الاستثناء من الأمور التي قياساتها معها، لا يحتاج إلى برهانٍ ودليلٍ.
4ـ مفهوم الغاية
«وهو مدّ الحكم بأداة الغاية كـ (إلى) و(حتّى) و(اللام)»([49]). وجملة: «صُمْ إلى اللّيل» هو المثال الذي يُضْرَب عند الكلام عن مفهوم الغاية، وهو إنّما يثبت إذا عرض على الرّكنَيْن. هذا بالرّجوع إلى مسلك المحقّق العراقيّ؛ فالأوّل هو التوقُّف، والثّاني كون الوجوب المعلَّق على اللّيل هو الطّبيعيّ، لا شخص الحكم. أمّا الرّكن الأوّل فلا إشكال في توافره؛ فإنّ الغاية تدلّ على التّوقُّف، ولو فُرض أنّ وجوبَ الصّوم لم يكن متوقِّفًا على عدم دخول الليل، بل كان مستمرًّا حتّى بعد دخول الليل، لما كان اللّيل غايةً ونهاية، وللتّعرُّف إلى الرّكن الثاني ـ وهو أنّ المعلَّق على عدم دخول الليل هو طبيعيّ الوجوب أو شخص الوجوب ـ يمكننا استبدال كلمة «إلى» أو «حتّى» بما يرادفها من الأسماء، كـ «التوقُّف» مثلًا، وبالاستبدال يمكننا الحصول على جملتَيْن، هما:
الأولى: وجوب الصّوم موقوفٌ على عدم دخول اللّيل.
الثاني: جعلْتُ وجوبَ الصوم موقوفًا على عدم دخول الليل.
فإذا قلنا: إنّنا نحصل على الأولى، فببركة قرينة الحكمة نستطيع أنْ نتمسَّك بالإطلاق، فننفي طبيعيّ الحكم عند انتفاء قيده، كما نفهم حرمة كلِّ معاملةٍ ربويّة من عبارة: «الرِّبا حرامٌ»، ومن خلال قرينة الحكمة والإطلاق.
أما إذا قلنا: إنّنا نحصل على مثل الجملة الثانية، فإنه لا يُستفاد منها إلّا انتفاء شخص الحكم، فجَعْلُ وجوبٍ لا ينفي جَعْلَ وجوبٍ آخر، حيث لم يَقُلْ: وجوبَ الصّوم موقوفٌ على عدم اللّيل، بل قال: جعلْتُ وجوبًا، ونحن من جملة: «صُمْ إلى الليل» لا نستفيد إلّا المضمون الثاني؛ فإنّ الأدوات «إلى» و«حتّى» تدلّ بمعانيها بما هي حروفٌ على أنّ ما قبلها يكون بخلاف ما بعدها. فلذلك ذهب بعضُ الأصوليّين إلى أنّ منطوق جملة الغاية يدلِّل على أنّ الحكم منْتَفٍ بانتفاء الغاية. فالصّوم غيرُ لازمٍ بعد غياب الشّمس في قولك: «صُومُوا إلى أن تغيب الشمس»، وقيل: إن انتفاء الحكم فيما بعد الغاية من جهة المنطوق، لا المفهوم: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾([50])، فتحلُّ حينئذٍ، «ولكنْ أضمرت؛ لأنّها سيقت إلى العارف باللسان»([51]).
ما ذكرناه هو بالرّجوع إلى مسلك المحقِّق العراقي. وأمّا على طريقة بعض الباحثين([52]) فهناك تفصيلٌ بين الأنحاء المختلفة التي تكون عليها الغاية؛ فالغاية تارةً تكون راجعةً إلى موضوع الحكم، كما في قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ﴾([53])؛ وتارةً أخرى تكون راجعةً إلى متعلَّق الحكم، في قولنا: «صُمْ إلى اللّيل». ففي هذيْن النّحوَيْن ترى مدرسة المحقِّق النائيني عدم ثبوت المفهوم. ولكنْ هناك نَحْوان آخران للغاية يمكن ثبوت المفهوم فيهما، على خلافٍ بين ظاهر كلام المحقِّق النّائيني وتلميذه السيّد الخوئيّ؛ إذ إنّ الغاية قد تكون راجعةً إلى الحكم المستفاد من مدلول الهيئة والنّسبة التّامّة، كما في قولنا: «صُمْ حتّى تصبح شيخًا»؛ وقد تكون راجعةً ـ كنحوٍ آخر ـ إلى الحكم المستفاد من مفهومٍ اسميّ إفراديّ، كما في قولنا: «الصوم واجبٌ إلى الليل»، أي وجوبًا مستمرًّا إلى اللّيل. فالظّاهر من كلام المحقِّق النّائينيّ، كما ذكر السيّد الصّدر في بحوثه، هو أنّ المفهوم ثابتٌ فيما إذا كانت الغاية راجعةً إلى مدلول الهيئة التّامّة في الجملة الإنشائيّة»([54])، أي النّحو الأوّل من النّحوَيْن الأخيرين. وظاهر كلام السّيّد الخوئيّ ثبوتُه إذا كانت الغاية راجعةً إلى الحكم، سواءٌ أكان مفادًا بنحو المعنى الاسميّ أم النّسبيّ.
وقد ذكر السيّد الصّدر ما بيَّنته مدرسة النّائينيّ في توضيح مدّعاها، وناقشه قائلًا: وما بيَّنَتْه هذه المدرسة في توضيح مدّعاها ـ مع الأخذ بعين الاعتبار خلاف المحقِّق مع تلميذه ـ أنّ الغاية إذا كانت ترجع إلى الحكم كان معناه انتهاء الحكم وانتفائه بحصول الغاية، ولا يُراد بالمفهوم أكثر من ذلك. وهذا بخلاف ما إذا كانت غايةً للموضوع أو المتعلَّق؛ فإنّها لا تدلّ حينئذٍ على أكثر من تحديد ما هو موضوع الحكم في المرتبة السابقة على مجيء الحكم، فيصير حاله حال الوصف وقيود الموضوع الأخرى([55]). وهذا الكلام كأنّه بدائيّ؛ إذ تقدَّم أنّ ثبوت المفهوم مرتبطٌ بركنَيْن:
أحدهما: استفادة العلّيّة الانحصاريّة من الجملة.
الثاني: إثبات أنّ المعلَّق طبيعيّ الحكم، لا شخصه. «والجملة المشتملة على الغاية، وإنْ كانت تدلّ على الرّكن الأوّل؛ باعتبار مساوقة الغائيّة للعلّيّة الانحصاريّة من طرف العَدَم، لا الوجود، إلّا أنّها لا تثبت الرّكن الثاني، بل لا يمكن إثباته إلّا عن طرق الإطلاق ومقدّمات الحكمة، وهي لا تجري في المقام، كما لم تَجْرِ في الوصف… نعم، تدلّ الغاية على المفهوم الجزئيّ بالمقدار الذي كان يدلّ عليه جملة الوصف بالنّكتة نفسها المتقدِّمة هناك».
إن بعض الأصوليّين أرجع الغاية إلى الحكم، وجعل متعلَّق الجارِّ والمجرور «إلى الليل» مثلًا إلى إتمام الصِّيام؛ فقوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ… ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾([56]) يكون المجرور فيها بـ «حتّى» و«إلى» متعلِّقًا بالجمل التي تمّ إسنادها «كُلُوا» و«اشْرَبوا» و«أَتِمُّوا». فهو إذن قيدٌ للحكم بإباحة الأكل والشرب للمخاطَبين، وإيجاب إتمام الصوم عليهم، «وإذا كان كذلك كان الحكم المقيَّد بالغاية كالحكم المقيَّد بالشّرط في دلالته على المفهوم، وهو هنا انتفاء الحكم عمّا بعد الغاية»([57]). ولهذا أجمعوا على تسميتها حروف الغاية، وغاية الشيء نهايته، فلو ثبت الحكم بعدها لم يُفِدْ تسميتها غاية. وترى الأقوال فيه مختلفةً؛ فذهب علماء الإماميّة وأبو حنيفة إلى إنكار مفهوم الغاية؛ وهو حجّةٌ عند جمهور القائلين بدليل الخطاب، كالشافعي وغيره من الأئمّة. وقد قال به المنكر لمفهوم الشرط، كابن الباقلاني، والغزالي والقاضي عبد الجبّار.
ولكنّنا نَخْلُصُ إلى النّتيجة التّالية: إنّه لا مفهوم للغاية. والمقصود من (لا مفهوم) على نحو السّالبة الكلّية؛ أمّا على السّالبة الجزئيّة فهو ثابتٌ؛ فرارًا من محذور اللَّغْويّة. فنحن نستطيع أنْ نقول: إنّ بعض القِطعات الزّمانيّة لا يجب صومُها، والمفهوم هنا يكون على نحو السّالبة الجزئيّة.
5ـ مفهوم الحصر
الحَصْر بحدِّ ذاته يدلّ على حصر الحكم بالموضوع، ونفيه عن غيره. وبما أنّ الموضوع يخصّ نفسه بالحكم، من دون حاجة إلى الحَصْر، والفائدة المرجوَّة من الحَصْر هي ما يقوم من الموضوع نفسه، من حَصْر شخص الحكم به، لذلك ذهب جُلُّ العلماء إلى أن الحَصْر ينفي طبيعيّ الحكم؛ كي تكون هناك مغايرةٌ بين ما يقوم به الموضوع وما يقوم به القيد الزّائد، وهو الحَصْر؛ فإنّ أصل احترازية القيود يدعم انتفاء الطّبيعيّ، وبه يثبت مفهوم الحَصْر.
فإنْ قلتَ: إنّ جملة: «إنّما العالم زيدٌ» دلّ على أنّ العالميّة منحصرةٌ بزيد، فهو إنّما حصر حكماً بشخصٍ.
يُرَدّ عليه بأنّ العالميّة الخاصّة المُتقيِّدة بـ «زيد» منحصرةٌ به، بلا حاجة إلى أداة حَصْر «إنّما»، فلا بُدَّ أنْ يكون الحَصْر طبيعيًّا. إذن وما دام المحصور هو الطّبيعيّ فمقتضى ذلك ثبوت المفهوم. وقد ذكر السيّد الصّدر وجهَ دلالة أدوات الحصر وأساليبه على المفهوم بقوله: «ومن جملة ما له مفهوم أدوات الحَصْر وأساليبه، كـ «إنّما» وتقديم ما حقّه التّأخير؛ والوجه في دلالتها على المفهوم اشتمالها على رُكْنَيْه:
الرُّكْن الأوّل، وهو الدلالة على العلِّية بمعنى الموضوعيّة الانحصاريّة، فلأنّه مدلولُ أداة الحصر بحَسَب الغَرَض، وهذا يعني توافر هذا الرُّكْن في جملة الحَصْر بحَسَب مدلولها التّصوّريّ.
أمّا الركن الثّاني، وهو إثبات أنّ المحصور طبيعيّ الحكم لا شخصه، فهو ثابتٌ أيضًا في جملة الحَصْر، بلا حاجةٍ إلى مقدّمات الحكمة أو الظّهور الإطلاقيّ؛ لأنّ حَصْر شخص الحكم أمرٌ كان ثابتًا بقطع النّظر عن الحَصْر، وظاهر الإتيان بأداة الحَصْر تأسيس مطلبٍ جديد، لا تأكيد ما كان، مضافًا إلى لَغْويّة حَصْر الشّخص مع عدم انحصار السِّنْخ عُرْفًا. فجملة الحَصْر بنفسها تكون قرينةً على أنّ المحصور سِنْخ الحكم، لا شخصه.
يظهر بذلك وجه ما يُذْكَر من أقوائيّة مفهوم الحَصْر من جميع المفاهيم الأخرى؛ فإنّ كلا رُكْنَيْ المفهوم يكون ثابتًا في جملة الحَصْر بظهورٍ تصوُّريّ أو ما بحكمه…» ([58]).
يقول البلاغيّون في المقام: إنّ الجملة المحصورة تفيد قصر الموصوف على الصّفة، أو قصر الصّفة على الموصوف. نعم، قد تقول: إنّ بعض الجمل المحصورة لا تدلّ على نفي الحَصْر عن غير المحصور، كما في «إنّما الولاء للمعتق»، و«لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد»([59]). ولكنّنا نرى وبوضوحٍ أنّ القرينة تحمل الجمل على التّأكيد، لا الحقيقة. فكأنَّ مَنْ صلّى في بيته ـ وهو جارٌ للمسجد ـ لم يُصَلِّ، تأكيدًا على الحرص بأخذ الثواب من أداء الصلاة في المسجد، والجماعة عِمارة المسجد بالتواجد فيه. وهذا الإشكال المتقدِّم تبنَّاه بعض الأصوليّين من الأحناف.
يقول([60]) الشريف المرتضى: وبدخول لفظة «إنّما» يعلم أنّ ما عداه بخلافه؛ لأنّ القائل إذا قال: «إنّما لك عندي درهم» يُفْهَم من قوله: «وليس لك سواه». وعلى هذا الوجه تعلَّق ابن عبّاس في نفي الرِّبا عن غير النّسيئة؛ لقوله(ع): «إنّما الرِّبا في النّسيئة»([61]). ولكنْ نقل أنّ ابن عبّاس رجع عن رأيه هذا»([62]).
دار الكلام من جهةٍ أخرى حول الأدوات التي يمكن أن يُستفاد منها الحَصْر. وذكر منها: «إنّما»؛ ففي «مطارح الأنظار» قال: «ومنها: الحَصْر «بإنّما»، كقولك: «إنّما زيدٌ قائم». واختلفوا في ذلك؛ والمشهور على الإفادة؛ وذهب بعضهم إلى العَدَم… والإنصاف أنّه لا سبيل لنا إلى ذلك؛ فإن موارد استعمال هذه اللّفظة مختلفة، ولا يعلم بما هو مرادفٌ في عُرْفنا، حتّى يستكشف ما هو المتبادر منها، بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة قطعًا لبعض الكلمات العربية، كما في أداة الشرط…» ([63])، حتّى نلاحظ ما هو المتبادر منها، فهو الطّريق الوحيد لإثبات حصريّة «إنّما».
الأداة الثانية هي جعل العامّ موضوعًا، والخاصّ محمولًا، مع شرط أن يكون العامّ معرفةً نحو: «ابنك عليّ» أو «ابني عليّ». والعلّة في استفادة الحَصْر هي دوام صدق المحمول على تمام الموضوع، ومع عدمها فلا استفادة.
6ـ مفهوما اللَّقَب والعدد
إن السّبب في عدم إفراد عنوانٍ مستقلّ لكلِّ مفهوم من هذَيْن المفهومَيْن هو أنّ مفهوم اللَّقَب، وكذلك العدد، لم يكثر الكلام حولهما، بل إن بعض الأصوليّين لم يذكروهما في أبحاثهم؛ لشدّة الوضوح في نفي المفهوم عن الجملة. اللهمّ إلّا في الجمل التي تحتفّ بالقرائن التي تنفي طبيعيّ الحكم مع عدم وجود العدد واللَّقَب. وهذا ممّا لا شَكَّ فيه، ولكنّ محور الكلام ينصبّ في الجمل الخالية عن مثل هذه القرائن، فنبقى مع الألفاظ نفسها، التي وصفها السّيد الصدر بقوله: «وأما العدد واللَّقَب فلا نكت خاصّة فيهما، بل يظهر حالهما مما تقدَّم في مفهوم الوصف. نعم، في العدد إذا فُرض أنّ المولى كان في مقام التّحديد فهذا بنفسه يصبح قرينةً على المفهوم، كالقرائن الشّخصية الأخرى»([64]).
لتوضيح ما ذكر عن شدّة وضوح نفي المفهوم عن الجملة التي تحوي اللَّقَب مثلًا، نحو: «أكرِمْ زيدًا العالم»، نقول: معلومٌ أنّه إذا أرَدْنا أن نثبت المفهوم لأيّ جملةٍ ينبغي أن نتحقَّق من توافر المقدِّمات التي مرَّتْ لإثبات المفهوم لأيّ جملةٍ، إلّا أنّنا وبالوجدان لا نفهم من انتفاء زيدٍ انتفاء الحكم بالإكرام عن الجميع، بل أقصى ما نفهم أنّ الحكم ينتفي بانتفاء الموضوع، فهي بعبارةٍ أخرى: سالبةٌ بانتفاء الموضوع. وقد تقول: إنّ المراد من «زيدٌ عالم» نفي العلم عن الجميع، أو «زيدٌ مهندس» نفي الهندسة عن الجميع مطلقًا، فيردّ بأنّ أغلب الجمل يثبت كذبها أو حمل أكثرها على المجاز، وهذا ممّا لا يقول به أحدٌ([65]).
بهذا الكلام الأخير يختتم ما أريد بيانه في هذه الدراسة عن المفاهيم المخالفة لمدلول الجملة، بَدءًا من مفهوم الشرط وانتهاءً بمفهومَيْ اللَّقَب والعدد.
المصادر والمراجع
* القرآن الكريم.
1ـ ابن أبي جمهور (محمد بن علي)، عوالي اللآلي العزيزيّة، إيران، طبعة سيّد الشهداء، ط1، (1403هـ ـ 1983م).
2ـ أبو داوود (سليمان بن الأشعث)، سنن أبي داوود، صيدا ـ بيروت، المكتبة العصريّة.
3ـ الآخوند (محمد كاظم)، كفاية الأصول، إيران، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، (1409هـ).
4ـ الإسترآبادي (الرضيّ محمد بن الحسن)، شرح الكافية، إيران، المكتبة الرضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، ط2، (1408هـ).
5ـ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، بيروت، دار الكتب العلميّة.
6ـ الإيرواني (محمد باقر)، الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، إيران، باسدار إسلام، ط1، (1416هـ).
7ـ البجنوردي (ميرزا حسين)، منتهى الأصول، النجف، مطبعة الآداب.
8ـ جمال الدين (مصطفى)، البحث النّحوي عند الأصوليين، إيران، دار الهجرة، ط2، (1405هـ).
9ـ الحاج (ابن أمير)، التقرير والتحبير في علم الأصول، بيروت، دار الفكر، ط1، (1417هـ ـ 1996م).
10ـ الحُرّ العاملي (محمد بن الحسن)، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، بيروت، دار إحياء التراث، ط5، (1403هـ ـ 1983م).
11ـ الحِلّي (العلّامة الحسن بن المطهَّر)، مختلف الشيعة، إيران، تحقيق المؤسّسة الإسلامية التابعة لدار نشر جماعة المدرِّسين في قم المقدّسة.
12ـ الخوئي (أبو القاسم)، أجود التقريرات (تقريرًا لبحث الميرزا النائيني)، العراق، (1408هـ).
13ـ زيدان (عبد الكريم)، الوجيز في أصول الفقه، طهران، دار الإحسان.
14ـ الشاهرودي (علي هاشمي)، دراسات في علم الأصول (تقريرًا لبحث السيد الخوئيّ)، إيران، دار دائرة معارف الفقه الإسلاميّ، ط1، (1408هـ ـ 1998م).
15ـ شبّر (عبد الله)، الأصول الأصليّة والقواعد الشرعيّة، قم، دار المفيد، ط1، (1040هـ).
16ـ الشريف المرتضى (عليّ بن الحسين)، الذريعة إلى أصول الشريعة، طهران، مطبعة جامعة طهران، تحقيق: الدكتور أبو القاسم كَرجي.
17ـ الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول.
18ـ الشيرازي (محمد)، الأصول، قم، دار الفكر الإسلامي، ط3، (1408هـ).
19ـ الصدر (محمد باقر)، دروس في علم الأصول، بيروت، دار المنتظر، ط1، (1405هـ ـ 1985م).
20ـ لطبرسي (أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب)، الاحتجاج، قم، مطبعة أسوة، (1413هـ ـ 1993م).
21ـ الغزالي (أبو حامد)، المستصفى من علم الأصول، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، ط1، 1993م.
22ـ كلانتري (أبو القاسم)، مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاريّ)، بيروت، مؤسّسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1.
23ـ المردواي (علاء الدين أبي الحسن عليّ بن سليمان)، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، الرياض، مكتبة الرشد ، ط1، (2000م).
24ـ المظفَّر (محمد رضا)، أصول الفقه، بيروت، دار التعارف، ط4، (1983م).
25ـ المنتظري (محمد حسين)، نهاية الأصول، قم، دار الهاشمي، (1407 هـ).
26ـ النيسابوري (مسلم)، صحيح مسلم (بشرح النووي)، بيروت، دار إحياء التراث، ط3.
27ـ الهاشمي (محمود)، بحوث في علم الأصول (مباحث الدليل اللّفظي)، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، (1977م).
([1]) أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة – قسم اللغة العربيّة
([2]) لقد رتَّبْتُ «مفاهيم المخالفة» حَسْب قوّتها في الدلالة على نقيض حكم المنطوق ـ أي انتفاء طبيعيّ الحكم عند انتفاء القيد ـ، ولذا ترى أن علماء الأصول اختلفوا في ترتيب هذه المفاهيم، كلٌّ حَسْب فهمه للدلالة؛ فالبعض قدَّم مفهوم الشرط؛ والآخر قدَّم الصفة، كما سيأتي.
([3]) الإيرواني (محمد باقر)، الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، ص: 1/443.
([4]) سورة الإسراء، الآية: 23.
([5]) المنتظري (محمد حسين)، نهاية الأصول، قم، دار الهاشمي، (1407 هـ)، ص: 373.
([7]) الآمدي، الإحكام في أصول الحكام، ص: 2/ 375 ـ 376.
([8]) سورة الأنبياء، الآية: 63.
([9]) الطبرسي (أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب)، الاحتجاج، قم، مطبعة أسوة، (1413هـ ـ 1993م)، ص: 2/ 257 ـ 258.
([10]) شبّر (عبد الله)، الأصول الأصليّة والقواعد الشرعيّة، قم، دار المفيد، ط1، (1040هـ)، ص: 39.
([11]) من تواضع أهل اللّغة العربية.
([12]) الإيرواني (محمد باقر)، الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، ص: 1/467.
([13]) سورة الحجرات، الآية: 6.
([14]) ذهب الأكثر إلى دلالة جملة الشرط على المفهوم، حتّى مَنْ قدَّم «مفهوم الوصف» على «مفهوم الشرط»، ولم يقُلْ بمفهوم الصفة، فإنه قال بمفهوم الشرط، كأكثر الحنفيّة. أمّا المانعون له فهم أكثر المعتزلة، ونقل عن أبي حنيفة، واختاره «الباقلاني والغزالي والآمدي»، ومن الإمامية: «الأخوند» صاحب الكفاية.
([15]) الحاج (ابن أمير)، التقرير والتحبير في علم الأصول، بيروت، دار الفكر، ط1، (1417هـ ـ 1996م)، ص: 1/154.
([16]) الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، ص: 307 ـ 308 .
([17]) الحاج (ابن أمير)، التقرير والتحبير في علم الأصول، ص: 1/175 ـ 176.
([18]) جمال الدين، البحث النّحوي عند الأصوليين، ص: 281 ـ 282.
([19]) المراد من «التصديق» هو مرحلة التطبيق العمليّ.
([20]) الصدر (محمد باقر)، دروس في علم الأصول، ص: 163.
([21]) الآخوند (محمد كاظم)، كفاية الأصول، ص: 195.
([22]) إن اللّفظ قد يكون له أكثر من معنىً، ولكنْ يكثر استعماله في معنىً معيّن، فإذا أُطلق هذا اللّفظ فإن المعنى سينصرف إلى ذلك المعيّن؛ لكثرة الاستعمال .
([23]) إشارة إلى القاعدة الفلسفية المعروفة، وهي: «إن الواحد لا يصدر منه إلّا واحدٌ».
([24]) الإيرواني (محمد باقر)، الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، ص: 1/463.
([25]) الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ص: 2/297.
([26]) الحُرّ العاملي (محمد بن الحسن)، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، بيروت، دار إحياء التراث، ط5، (1403هـ ـ 1983م)، ص: 1/421.
([27]) الخوئي (أبو القاسم)، أجود التقريرات (تقريرًا لبحث الميرزا النائيني)، العراق، (1408هـ)، ص: 1/421.
([28]) الحُرّ العاملي (محمد بن الحسن)، وسائل الشيعة، ص: 1/117.
([29]) الشيرازي (محمد)، الأصول، قم، دار الفكر الإسلامي، ط3، (1408هـ)، ص: 493.
([30]) ابن أبي جمهور (محمد بن علي)، عوالي اللآلي العزيزيّة، إيران، طبعة سيّد الشهداء، ط1، (1403هـ ـ 1983م)، ص: 1/399.
([31]) النيسابوري (مسلم)، صحيح مسلم (بشرح النووي)، بيروت، دار إحياء التراث، ط3، ص: 10/228.
([33]) زيدان (عبد الكريم)، الوجيز في أصول الفقه، طهران، دار الإحسان، ص: 366.
([34]) الشاهرودي (علي هاشمي)، دراسات في علم الأصول (تقريرًا لبحث السيد الخوئيّ)، إيران، دار دائرة معارف الفقه الإسلاميّ، ط1، (1408هـ ـ 1998م)، ص: 2/221.
([36]) الإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل. وقُصد بالأكثر الأشعريّ وجماعةٌ من الفقهاء والمتكلِّمين، وأبو عبيد، وجماعةٌ من أهل اللّغة العربية.
([37]) المردواي (علاء الدين أبي الحسن عليّ بن سليمان)، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، الرياض، مكتبة الرشد ، ط1، (2000م) ، ص: 6/2906.
([38]) الشوكاني، الإرشاد، ص: 306.
([39]) أبو داوود (سليمان بن الأشعث)، سنن أبي داوود، صيدا ـ بيروت، المكتبة العصرية، ص: 3/313، ح3628.
([40]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ص: 3/103 ـ 104.
([41]) المظفَّر، أصول الفقه، ص: 1/115.
([42]) سورة الإسراء، الآية: 31. إذا رجع فيه القيد لحكم عدم جواز القتل فمعناه جواز القتل مع عدم الخشية، مع أن الأَوْلى عدم الجواز مع عدم خوف الفقر.
([43]) الأحسائي (ابن أبي جمهور)، عوالي اللآلي، ص: 1/399.
([44]) الإسترآبادي (الرضيّ محمد بن الحسن)، شرح الكافية، إيران، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفريّة، ط2، (1408هـ)، ص: 224.
([45]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص:309 .
([46]) كالسيّد الصدر وبعض منكري دليل الخطاب؛ بحجّة أنه لا يدلّ على الحَصْر، بل هو نطقٌ بالمستثنى منه، وسكوتٌ عن المستثنى، ومعنى خروج المستثنى عن المستثنى منه أنه لم يدخل في عموم المستثنى منه.
([47]) الصدر (محمد باقر)، دروس في علم الأصول، ص: 180.
([48]) الهاشمي (محمود)، مباحث الدليل اللّفظي، ص: 3/213.
([49]) المرداوي، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، ص: 2934.
([50]) سورة البقرة، الآية: 230.
([51]) المرداوي، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، ص: 2936.
([52]) كالمحقِّق النائيني ومدرسته.
([53]) سورة المائدة، الآية: 6.
([54]) الهاشمي (محمود)، مباحث الدليل اللّفظي، ص: 3/211.
([55]) المصدر السابق، ص: 3/212 ـ 213.
([56]) سورة البقرة، الآية: 187.
([57]) البجنوردي (ميرزا حسين)، منتهى الأصول، النجف، مطبعة الآداب، ص: 1/438.
([58]) الهاشمي (محمود)، مباحث الدليل اللّفظي، ص: 3/215 ـ 216.
([59]) الحُرّ العاملي (محمد بن الحسن)، وسائل الشيعة، ص: 3/478.
([60]) الشريف المرتضى (عليّ بن الحسين)، الذريعة إلى أصول الشريعة، طهران، مطبعة جامعة طهران، تحقيق: الدكتور أبو القاسم كَرجي، ص: 1/411.
([61]) الحِلّي (العلّامة الحسن بن المطهَّر)، مختلف الشيعة، إيران، تحقيق المؤسّسة الإسلامية التابعة لدار نشر جماعة المدرِّسين في قم المقدّسة، ص: 5/87، نقله عن: سنن البيهقي، ص: 6/141.
([62]) كما ورد عن الشيخ الآمدي في كتابه الإحكام، ص: 3/140.
([63]) كلانتري (أبو القاسم)، مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاريّ)، بيروت، مؤسّسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، ص: 188.
([64]) الهاشمي (محمود)، مباحث الدليل اللّفظي، ص: 3/216.
([65]) إنْ كان هناك قائلٌ بالمفهوم لجملة العدد فقد اتَّفق علماء الأصول، مع اختلاف مذاهبهم، على نفي المفهوم عن اللَّقَب، حتّى مَنْ قال بحجِّية دليل الخطاب، إلّا الدقّاق، والإمام أحمد بن حنبل وأصحابه، على ما نقل الشيخ الآمدي.