ثقافة التّسامح في الخطاب القرآني
م. د. فاضل يونس حسين البدراني([1])
الملخص
هذا البحث يتجه في مقاصده نحو وصف الخطاب القرآني، فيبرز ويجلي ما فيه من اعتدال وإنصاف ورحمة وسمو، حيث يدعو هذا الخطاب إلى ثقافة التّسامح منهجًا وسلوكًا دعوة عامة شاملة؛ تشمل كلًا من الإنسان والحيوان والنبات بل حتى الجماد. وقد حفل القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة وحياة أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بأمثلة واضحة بارزة في ثقافة التّسامح. وما يدعو للفخر أن التاريخ قد طرّز بأحرف من نور في سجله الحافل تلك الثقافة السّامية إذ غدت قدوة لكل إنسان منصف بعيد من التّعصب إن أراد أن يحتذي حذوها، ويقتدي بها في جميع مراحل حياته على مستوى الأفراد والمجتمعات في كل زمان ومكان. وتقوم هيكليّة البحث على مقدمة فتمهيد يدرس مفردات العنوان تعريفاً وتوضيحاً ثم مبحثان ثم خاتمة تكشف عن النتائج والمقترحات والتوصيات. وأخيراً قائمة بمصادر البحث ومراجعه.
Abstract
This research is directed in its aims towards describing the Qur’an discourse, highlighting and demonstrating its moderation, fairness, mercy and sublime, as this discourse calls for a culture of tolerance as a method and behavior and a comprehensive public call. It includes humans, animals, plants, and even inanimate objects. The Holy Qur’an, the Sunnah of the Messenger of Allah, may Allah’s prayers and peace be upon him, his fragrant biography, and the lives of his honorable companions, may Allah be pleased with them all, were celebrated with clear and prominent examples in the culture of tolerance. It is a matter of pride that history has embedded letters of light in its rich record of this sublime culture so that it has become an example for every fair human being, far from fanaticism, if he wants to emulate it, and imitate it in all stages of his life at the level of individuals and societies in every time and place. The research structure is based on an introduction. An introduction examines the vocabulary of the title, in definition and clarification, then two topics, and then a conclusion that reveals the results, proposals and recommendations. Finally, a list of research sources and references.
المقدمة
مُسَلِّمًا مُصَلِّيًا مُحَمْدِلًا مُدّكِرًا وَشَاكرًا مُبْتَهِلًا وَبَحْثُنَا ثَقَافَةُ التّسامح |
مُحَيِّيًا – يَا إِخْوَتِي- مُبَسْمِلًا وَسَائِلًا وَرَاجِيًا مُؤَمِّلًا لَفِي الخِطَابِ فِي القُرَانِ رُتِّلَا |
امتاز الإسلام الحنيف بروح التّسامح والرّحمة، وأخذت ثقافة التّسامح تسري في ربوعه وتجري في ميادينه ليكون طابعًا ملتصقًا به وشعارًا يعرف به.. وقد تميز المسلمون بروح الإخوةالإنسانيّة والبشريّة، ولم يعرفوا التمييز بين بني البشر، ولا التفرقة العنصريّة، ولم يحفل تأريخهم المجيد بشيء من ترهات هذين الداءين لا من قريب ولا من بعيد، بل استغرب زعماء قريش وعامة المشركين من ذلك السّلوك المبتدع في نظرهم، إذ كيف يتساوى البشر؛ فيكون الفقير كالغني، والحاكم كالمحكوم، والكبير كالصغير، والرجل والمرأة لا فرق بينهما في الحقوق والواجبات؟! ولما نزل القرآن الكريم في أول آياته الكريمة تحلى بالسّماحةفارتداها جلبابًا وثيابًا لصيقًا، واستمر التنزل على هذا النمط الرائع حتى اكتمل خلال ما يقرب من عقدين من الزّمن.
وقرأ المسلمون كتاب ربهم قراءة الواعين المدركين، وتأملوه وتدبروه، وعملوا بأحكامه في السرّ والعلن ليلَ نهارَ، صباحَ مساءَ، على مستوى الأفراد والمجتمعات. ومن جملة ما تلوه أوامر العزيز الرحيم بالإحسان إلى الخلق عمومًا بث روح السّماحةبينهم، والخلق لا يعني البشر فقط، بل يسري ليشمل الحيوان والنبات والجماد. فاصطبغ المسلم الرّباني بآداب ربّه المسطرة في الكتاب المجيد، واقتدى برسول الله ﷺ في حله وترحاله، وفي جميع أحيانه وأحواله، وهو القائل ﷺ: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والقائل لا يؤمن أحدكم حنى بحب لأخيه ما يحب لنفسه. لذلك صار المسلم لا يؤذي أخاه المسلم، ولا يعتدي على أخيه الإنسان وإن كان على غير دينه، يتجسد ذلك في قول الخليفة الراشد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يصرح: الناس صنفان، إما أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق. وقد استقر في ذهن الباحث أن يلم شتات هذا الموضوع، ويجمع ما تفرق منه ليصوغ بحثه الموسوم ” ثقافة التّسامح في الخطاب القرآني”، فتحصل من جملة ذلك هذه الأوراق التي بين أيدينا.. ولعلها تسد ثغرة في مكتبنا الإسلاميّة وتملأ فراغًا فيها. ونية الباحث في ذلك ومقصده وهدفه السّامي طلب رضوان الله تعالى، وإن خالف القول النية، فجاء فيه شيء من السهو والخطأ فمردّ ذلك إلى نفس الباحث، أما إذا توفق فيه فذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس، وهو ذو الفضل العظيم، وما توفيقيّ إلا بالله عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم، وهو خير مسؤول وأكرم من أعطى، نعم المولى ونعم النّصير، وله الحمد دائمَا.
التمهيد
- تعريف الثقافة
وردت الثقافة في لغة العرب بمعانٍ متعددة، وهي مشتقة من الفعل الثلاثي المجرد ثقف.
الثقافة لغة
تطلق الثقافة لغة على: الذكاء، والفطنة، والحذق، وسرعة التَّعلم، وإقامة اعوجاج الشيء، والتَّأديب، والعلوم، والمعارف، والفنون، والتَّعليم وربما التعلم أيضًا. قال ابن فارس: الثَّاء، والقاف، والفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع، وهو إقامة درء الشَّيء. ويُقال: ثقفت القناة إذا أقمت عوجها. ورجل ثقف لقف، وذلك أنَّ يصيب علمًا ما يسمعه على استواء ([1]). وفي تهذيب اللغة: ابن السكيت: رجل ثقف لقف إذا كان ضابطًا لما يحويه قائمًا به… ويقال: ثقف الشَّيء، وهو سرعة التَّعلُّم ([2]). وعند ابن منظور: «ثقف: ثقف الشَّيء ثقفًا، وثقافًا، وثقوفةً: حذقه، ورجل ثقف، وثقف، وثقف: حاذق فهم، وأتبعوه فقالوا: ثقف لقف…ابن دريد: ثقفت الشَّيء: حذقته، وثقفته إذا ظفرت به. قال تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأنفال: 57[. وثقف الرَّجل ثقافة أي: صار حاذقًا خفيفًا مثل ضخم، فهو ضخم، ومنه المثاقفة. وثقف أيّ: صار ثقفًا مثل تعب تعبًا أي: صار حاذقًا فطنًا. وهو غلام لقن ثقف أي: ذو فطنة وذكاء، والمراد أنَّه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه ([3]). فالثَّقافة في اللُّغة هي: الفهم، وسرعة التَّعلم، وضبط المعرفة المكتسبة في مهارة، وحذق، وفطنة.
الثقافة اصطلاحًا
للثقافة تعريفات منها:
- هي الرقي في الأفكار النظرية، ويشمل القانون، والسياسة، والتاريخ، بل حتى الأخلاق، أو السلوك… وما شابه ([4]).
- جملة العلوم والمعارف والفنون والتي يطلب الحذق بها ([5]).
- علم يبحث كليات الدين في مختلف شؤون الحياة ([6]).
- الثقافة: هي الأشكال المعنوية للتقدم الإنساني، في حين أن الحضااارة هي الأشكال المادية للتقدمالإنساني، فالكتاب حضارة تصميمًا وشكلًا؛ ولكنه ثقافة مضمونًا ومحتوى.
وهذا التعريف يراه الباحث راجحًا، وهو ما اختزنته ذاكرته منذ أيام صباه، ولا يذكر مصدره حاليًا، ولم تسعفنه المصادر التي تحت يديه في ذلك. ومن أجمل ما طالعت في تعريفها ما ذكره. نجم عبد الكريم في مقطع يوتيوب[2]: المثقف هو الّذي يقلص أكبر قدر ممكن من السلبيات، ويوسع دائرةالإيجابيات، قد يكونا فلّاحًا، نجّارًا،عاملًا ، وقد يكون وزيرًا.
- تعريف السّماحة والتّسامح
لم يرد في كتاب الله لفظ السّماحةولا مشتقاتها، لكن ورد في السنة قول رسول اللَّه ﷺ: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى” ([7])، وروي بلفظ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ ([8])؛ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل لرَسُول الله ﷺ أَي الْأَدْيَان أحب إِلَى الله قَالَ الحنيفية السمحة ([9]). وعَنْ والحديثان كلاهما نصٌّ على السماحة.
- أ- السّماحةوالتّسامح لغة
السَّمَاحُ والسَّمَاحَةُ: الجود. سَمَح به يسمًح سَمَاحًا وسَمَاحةً أي: جاد. وسَمَحَ له: أي أعطاه. وسَمُحَ: صار سَمْحاً. وقوم سُمَحاءُ وامرأة سَمْحةٌ، ونسوة سِمَاحٌ. والمُسَامَحةُ: المساهلة. وتَسامَحوا: تساهلوا ([10]). وسمح: سَمْحا وسماحا وسماحة: لانَ وسَهُل. وسمح، سماحة وسموحة: صَار من أهل السّماحةفَهُوَ سَمْحٌ وسَمِيحٌ ([11]). وقد يتوسع في استخدام اللفظ إلى معاني مقاربة: فالتّسامح الدِّينيّ، واحترام عقائد الآخرين، وبيع السَّماح: بيع بأقلّ من الثَّمن المناسب. وهو الوارد في الحديث. وسماحة الإسلام: يُسْرُه، يقال: دينٌ سمْحٌ. أي: فيه يسرٌ وسهولةٌ، وشريعةٌ سمْحةٌ ([12]).
مما يتضح أنَّ السّماحةلغة تعني: اللين واليسر والرّحمة وسخاء النّفس والكرم، والبذل بنفس طيبة، مع ترك البخل والجفاء والغلظة والقسوة… وما أشبهها من دنيئات طباع النّفوس الخبيثة.. ولا شك أن هذه الخصلة حَميدةٌ حَميدٌ مَن يتحلّى بها، وقد كانت ديدنَ أنبياء الله؛ صفوة البشر، ولعمري ذاك سبب وجيه يدعونا أن نتمسك بتلك الخصلة الحميدة الطيبة.
- ب- السّماحة والتّسامح اصطلاحًا
التّسامح: مشاركة بزنة تفاعل من السماحة، وهي بذل ما لا يجب تفضلًا ([13]). أو: بذل جميع الحقوق التي عليك، والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك، والإغضاء عن التقصير ([14]). والحق أن التعريف الأول أوجه بسبب الحبكة الفنية في صياغته مع استيفاء ما يخل فيه ومنع ما لا يدخل، وهو ما تعارف عليه علماء المنطق من وجوب كون التعريف جامعا مانعا. كما أنَّ السّماحةلا تنحصر في ذلك الإطار الضيق، بل إنَّما تعني أكثر مما تعبِّر عنه، لذا يرى الباحث أنَّ السماحةَ: تخلُّقٌ بأحسن الخلق؛ خلق رب العالمين تعالى القائل:
- ﴿وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ﴾[البقرة: ٢٦٨].
- ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ﴾ [الرعد: ٦].
- ﴿رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَةٖ وَٰسِعَةٖ﴾[الأنعام: ١٤٧].
إن التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة يكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها التي تتجلى في عدم القهر، وسماحة المسلمين التي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الدّيانات الأخرى.
- تعريف الخطاب
- الخطاب لغة
الخِطَاب بزنة فِعَال، مصدر من الفعل خَطَبَ، ولها معانٍ، منها: الكلام بين اثنين، يقال خاطبه يخاطبه خطابًا، والخطبة من ذلك. والخطبة في النّكاح طلب الزّواج، قال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ﴾ [البقرة: 235]. والخطبة: الكلام المخطوب به. ويقال اختطب القوم فلانًا، إذا دعوه إلى تزوج صاحبتهم. والخطب: الأمر يقع، سُمي به لما يقع فيه من التَخاطب والمراجعة ([15]). فالخطب: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب بحيث يستلزم الكلام، ويقال: خاطبه بالكلام مخاطبة وخِطابًا، والخطاب هو مراجعة الكلام، ومحاورته ومجادلته ومحاجَّته. وجاءت مادة (خطب) في القرآن الكريم في مواضع منها هذه الآية الكريمة التي فيها النّهي عن عقدة النّكاح قبل بلوغ الكتاب أجله.. والخطبة: الكلام المخطوب به. ويقال اختطب القوم فلانًا، إذا دعوه إلى تزوج صاحبتهم. والخطب: الأمر يقع، سمي به لما يقع فيه من التخاطب والمراجعة ([16]). فالخطب: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب بحيث يستلزم الكلام، ويقال: خاطبه بالكلام مخاطبة وخِطابًا، والخطاب هو مراجعة الكلام، ومحاورته ومجادلته ومحاجَّته. وجاءت مادة (خطب) في القرآن الكريم في مواضع منها: ﴿قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ﴾ [طه: 95]. ﴿قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ ﴾ [الحجر: 57؛ الذاريات: 31]. وكان ذلك سؤال وجه إليهم عن شأنهم وأمرهم وقصتهم وعن طلبهم وفيما أرسلوا ([17])؟ وجاء بصيغة النهي عن الخطاب في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ﴾ [هود: 37؛ المؤمنون: 27]. أي أمره أن يراعي حدّ الأدب، ولم يأذن له في الشفاعة لأحد من أولئك المشركين، فقال: لا تخاطبنا فيهم ([18]).
- الخطاب اصطلاحًا
-عرفه القدماء بتعاريف منها
- هو كلام يفهم المستمع منه شيئًا، وهذا تعريف غير مانع، إذ يدخل فيه الكلام الذي لم يقصد المتكلم به إفهام المستمع، مع أنه يفهم منه شيئًا، وهو ليس خطابًا، والحقّ أنّه اللفظ المتواضع عليه، المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه ([19]).
- توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، والمراد بخطاب الله إفادة الكلام النّفسيّ الأزليّ ([20]).
- قول يفهم منه من سمعه شيئًا مفيدًا مطلقًا ([21])، أو: قول يفهم المخاطب به شيئًا ([22]).
- هو كل نطق أو كتابة تحمل وجهة نظر محددة من المتكلم أو الكاتب، وتفترض فيه التأثير على المتلقي سامعًا كان أو قارئًا ([23]).
- كل ملفوظ يندرج تحت نظام اللغة وقوانينها فهو نص، فإن اندرج تحت السياقات الاجتماعيّة سُمي خطابًا، وعليه فالخطاب متطلع إلى مهمة توصيل رسالة ([24]).
- مظهر نحوي مركب من وحدات لغوية، ملفوظة أو مكتوبة، تخضع في تشكيله وفي تكوينه الدّاخليّ لقواعد قابلة للتنميط والتعيين ([25]). فالخطاب توجيه الكلام إلى من يتلقاه.
المبحث الأول: نصوص الكتاب والسّنة تدعو إلى ثقافة التّسامح
المطلب الأول: التّسامح في القرآن الكريم
إن الآيات تترى في الحث على العدالة، والعفو والصفح، والرفق والحلم، والرحمة، ولين القول، وخفض الجناح، والجدال بالتي هي أحسن، فنحن نقرأ عن الرحمة: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]. فهو عليه أزكى الصلاة وأتم السلام رحمة للعالمين رحمة عامة شاملة للإنسان المسلم وغيره، بل للحيوان والنبات بل حتى للجماد وسيأتي بيانه.
﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ﴾ [آل عمران: 159]. فالآية الكريمة جمعت عنصرين من عناصر السماحة؛ العفو مع اللين. ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: ١٢٨].
والتعبير عن اللين والمودة والعطف بخفض الجناح تعبير تصويري، يمثل لطف الرّعاية وحسن المعاملة ورقّة الجانب في صورة محسوسة على طريقة القرآن الفنيّة في التعبير. ثم إن جملة (واخفض جناحك): مأخوذة من خَفْض جناح الطائر، فالطائر يرفع جناحه عند الطيران، ولكن ما أنْ يلمسَ فَرْخَه الصغير يَخفِض جناحه له ليضمَّه إليه. إذًا: فالطاقة التي كنتَ تُوجِّهها يا رسول الله إلى مَنْ لا يستحق؛ عليك أنْ تُوجِّهها لِمَنْ يستحقها، فيكفيك أن تُبلِّغ الناس جميعًا برسالتك؛ ومَنْ يؤمن منهم هو مَنْ يستحق طاقةَ حنانِك ورحمتك ([26]). ومن الألفاظ المستخدمة للتعبير عن التّسامح الصفح، وقد ورد اللفظ في مواضع منها: ﴿فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ﴾ [البقرة: ١٠٩]. وقال أيضًا: ﴿فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ﴾ [الحجر: ٨٥]. والصفح الجميل: ترك المؤاخذة على الذنب، وإغضاء الطرف عن مرتكبه من دون عتاب، وهذا التعبير فيه ما فيه من تسليته ﷺ وتكريمه، لأنّ الله تعالى أمره بالصفح الجميل عن أعدائه، ومن شأن الذي يصفح عن غيره، أن يكون أقوى وأعز من هذا الغير- فكأنّه تعالى يقول له: اصفح عنهم فعما قريب ستكون لك الكلمة العليا عليهم ([27]). بالنظر في تلك الآيات الكريمة نجد القرآن يحث المسلمين كي يجعلوا التّسامح خلقهم الرفيع، وقانون حياتهم الذي ينبغي أن يلتزموه، ويتجلى مبدأ التّسامح بأبهى صورة مشرقة في الحروب، فالله يأمر نبيه ﷺ بالميل إلى الصلح وترك الحرب بشرط واحد فقط وهو أن يترك العدو الحرب، وهذا ما تضمنه قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا ۡ﴾ [الأنفال: ٦١]. وقد ورد الأمر بالتيسير في مواضع في كتاب الله تعالى.. من ذلك:
- ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾[البقرة: ١٨٥].
- ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
- ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
- ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ﴾ [الأنعام: ١٥٢].
كما توالت الأوامر برفع الحرج عن كاهل المكلفين في عدة مواضع منها:
- ﴿مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ﴾[المائدة: ٦].
- ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ﴾ [الأعراف: ٢].
- ﴿لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: ٩١].
- ﴿هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ﴾ [الحج: ٧٨].
- ﴿لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ﴾ [النور: ٦١].
- ﴿لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ﴾ [الأحزاب: ٣٧].
المطلب الثاني: ثقافة التّسامح في التاريخ الإسلامي
جاء في كتاب أرسله النبي ﷺ لأساقفة نجران: «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير! جوار الله ورسوله لا يغير أسقفٌ من أسقُفَتِه، ولا راهبٌ من رهبانيتِه، ولا كاهنٌ من كهانتِه، ولا يغير حقٌّ من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك. جوار الله ورسوله أبدًا ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين» ([28]). وهذا الكتاب يبين مدى التّسامح مع النصارى، واحترام حقوقهم، وأنهم لا يظلمون ولا يُظْلَمون، وقد سار على ذلك خلفاءُ رسول الله ﷺ وصحابته الكرام. وفي سنة (15 هـ) جاء عمر بن الخطاب إلى فلسطين؛ ليتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطريريك “صفرونيوس”، وأعطى معاهدة لأهلها هي آية في التّسامح والعدل، أمنهم على عقائدهم وأموالهم وأنفسهم، وأخذت منهم نظير ذلك الجزية لرفضهم الدّخول في الإسلام. وقد رفض عمر بن الخطاب أن يصلى في كنيسة القيامة، معللا ذلك بخوفه أن يأتي من المسلمين من يقول: لقد صلى عمر في الكنيسة فهي من حقنا، وهذا ظلم للمعاهدين لا يقره عمر. وعندما فتح المسلمون مصر كتب عمرو بن العاص بيده أمانًا للبطريريك “بنيامين” ورده إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاثة عشرة سنة، وأمر عمرو باستقباله عندما قدم من الإسكندرية أحسن استقبال ([29]). وحينما تمكن القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي من دحر الصليبيين بعد تسعين سنة من مجازر الغدر والخيانة والفساد في الأرض لم يعاملهم بالمثل، إذ إنه لما أسلمت له الحامية النصرانية، أمنهم على حياتهم، وكانوا أكثر من مائة ألف نسمة وسمح لهم بالخروج في أمان وسلام، وأعطاهم مهلة أربعين يومًا للخروج، وقام بمداواة جرحاهم، وتمريض مرضاهم، وسمح لهم بحمل ما يحملون من أموال منقولة ([30]). ولما هجم قائد التتر “قطلوه شاه” على دمشق وأسر عددًا من المسلمين والذميين من اليهود والنصارى، ذهب جمع من العلماء وطلبوا فك الأسرى فسمح لهم قائد التتر بأسرى المسلمين من دون غيرهم فرفضوا وقالوا: لا بد من افتكاك جميع الأسرى هم أهل ذمتنا، ولا نرضى ببقاء أسير من أهل الملة ولا من أهل الذمة، فإن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فأطلق القائد التتري جميع الأسرى ([31]). لأنه لم يجد مناصًا من ذلك، فكأنّه اضطر إلى إطلاق سراحهم بسبب عزم العلماء المسلمين.
إنّ سماحة الإسلام وإنسانيته قد كان لهما في هذا الباب ما لا يمكن أن يلحق بغباره القوانين الدّولية، أو المنظمات الإنسانيّة، ذلك أنّ دعوة الإسلام إلى التّسامح، والرفق، والإخاء، دعوة موصولة بإيمانه بالله الرقيب على عباده، بحيث لا يكمل إيمانه إلا بها.. أما ما تحمله القوانين الدّولية، وما تنادى به المنظماتالإنسانيّة، فلا يعدو أن يكون مجرد نصائح ووصايا، تخاطب أذن الإنسان، دون أن تبلغ مواطن الإدراك، أو الوجدان منه ([32]).
إن النظم الإسلامية كلها قامت على العدالة؛ إذ كانت الشّعارات تدعو إلى التّسامح ولو مع الظالم، ويقول قائلها: استغفروا لأعدائكم، فالإسلام يقول: اعدلوا مع كل إنسان ولو كان عدوًّا مبينًا. ومكان التّسامح في الأمور الشّخصية لا في الأمور التي تتعلق بتنظيم العلاقات الإنسانيّة، ولذا يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﴾[النحل: ٩٠]. والعدل ليس موالاة الأولياء وظلم الأعداء، إنما العدالة للجميع على سواء، والله تعالى يقول مخاطبًا أهل الإيمان: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾ [المائدة: ٢]، وقال: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ﴾[المائدة: ٨].. فالعدل مع الأعداء المبغوضين كحاله مع الأولياء المحبوبين أقرب للتقوى.
المبحث الثاني: ثقافة التّسامح في الخطاب القرآني
عرف رسول الله ﷺ بسماحته وعدله وإنصافه وبالرّفق والرأفة والحنان والشّفقة والحلم وحسن الخلق والعفو والصفح ولين القول وخفض الجناح والعطف والتواضع.. ومن أبرز ما امتاز به سيد الخَلق رفيع الخُلق ﷺ التيسير، فعن عروة عن عَائِشَة، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» ([33]). لذا يمكننا القول إن حياة النبي ﷺ كانت كلها سماحة وتيسيرًا، ففي يوم الفتح؛ دخل مكة ظافرًا منتصرًا بيده جميع السلطات، وآلاف السيوف تصغي إليه وتنصت إلى كلمة تخرج من فيه الطاهر لتفعل فعلتها، لتقطع رؤوسًا عفنة لا يرجى له برء ولا شفاء، لكنه ﷺ ما فعل شيئًا، بل إن غاية ما فعله هو العفو عنهم بإطلاق سراحهم، في حادثة لم تسبق في التاريخ، حتى إنهم عرفوا بالطلقاء فصار لقبًا لهم، إنَّ ثقافة التّسامح في الإسلام تبدو من خلال ما يأتي:
المطلب الأول: حقوق الإنسان
ضمن الإسلام حقوق الإنسان قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان، وجعل تلك الحقوق خطًا أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه، وهو مظهر آخر من مظاهر التّسامح في هذا الدين العظيم.. ولأجل بيان تلك الحقوق نعلم من أصول شريعتنا أن الشهيد يغفر له كل شيء سوى حقوق العباد، باستثناء حقوق الناس، فيبقى رهينًا مشغول الذمة بذلك.. والنبي ﷺ ترك الصلاة على جنازة لأنّ الميت مدين عليه ديناران، فقال صحابي: يا رسول الله: أنا أقضي عنه الدين فصلِّ عليه فصلَّى. والمسلم وغيره سواء في الحقوق، لأن النبي ﷺ كتب دستورًا يبين فيه حقوق اليهود في المدينة، وهو أول دستور في التاريخ يرعى حقوق الجميع..
ومن الملاحظ أن الإسلام وضع أساس حقوق الإنسان سواء أكان حيًا أو ميتًا، والدليل على ذلك قول رسول الله ﷺ: كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ([34]).
وعندما همَّ عمر أن يقتل يهوديًا آذى النبي ﷺ في جسده ونفسه أمام الناس حيث اتهمه بالمطل. فماذا فعل الرسول؟ نهى عمر عن قتله قائلًا: مُرْهُ بحسن الطلب، ومُرْني بحسن القضاء. بل إن جنازة مرَّت فقام لها ﷺ فقيل: إنه يهودي. فقال: أليست نفسًا؟! عمر الذي أراد أن يقتل اليهودي لسوء أدبه مع الرسول ﷺ من جهة ولاعتدائه السافر وتجاوزه من جهة ثانية، عمر نفسه يرى في الطريق يهوديًا يمد يده متسولًا، فيقول (والله ما أنصفناك، أخذنا منك الجزية شابًا وتركناك شيخًا)، وأمر له براتب من بيت مال المسلمين.
والحقوق الإنسانيّة في الإسلام في مقدمتها أمور هي: –
- كرامة الإنسان:
كرم الله تعالى الإنسان خَلقًا وخُلقًا، جسدًا وعقلًا وروحًا؛ يقول تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا ﴾ [الإسراء: ٧٠]. والجسد في غاية البراعة الهندسيّة، أحسن تقويم، وأبدع تجسيد، وتجسيم، وتصميم، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ ﴾ [التين: 4].
أما روحه فيكفي أنّه من أمر الله تعالى القائل: ﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾ الإسراء: ٨٥، والقائل أيضًا: ﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ﴾ [الحجر: ٢٩؛ ص: 72]. ومن كرامة الإنسان أن الشارع الحكيم لعن من قتله من غير سبب، قال تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ﴾ [المائدة: ٣٢]. بل جاء في الكتب المقدسة:الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه، وهنا أيضًا من مظاهر سماحة الإسلام الاهتداء بما جاء في التوراة والإنجيل من مواعظ وحكم بلا تعصب. ففي نظر الإسلام الدّين واحد، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ﴾ [آل عمران: ١٩]. ﴿وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ﴾ [البقرة: ١٣٢]. و(الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ دِينُهُمْ وَاحِدٌ) ([35])، لذا لا يجد المسلم غضاضة في دينه إن آمن بالأنبياء وأحبهم، بل ذلك جزء من اعتقاده وركن من أركان إيمانه. إن كرامةالإنسان التي أثبتها القرآن الكريم هي حجر الزاوية في التّسامح الذي هو من مزايا الإسلام وخصائصه، وهو دليل قاطع على إنسانية الإسلام وعالميته، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]. ولذا قال ﷺ: « يا أيّها الناس إنّما أنا رحمة مهداة » ([36]). وقد ثبتت رحمته وأنه ﷺ رحمة حتى للكافرين؛ إذ إنهم لا يعذبون وهو بين ظهرانينهم، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]. وقد سماه ربنا تعالى باسمين من أسمائه الله الحسنى في القرآن العزيز، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: ١٢٨].
- حرية الإنسان:
الإنسان في التصور الإسلامي له الإرادة الكاملة في التفكير بالمعتقد والأفكار السياسيّة والدّينيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفلسفيّة، فالإنسان تبعًا لعقله يؤمن أو يكفر، قال تعالى: ﴿فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ﴾ [الكهف: ٢٩]. والله العزيز الغالب لم يجبر أحدًا على الإسلام، قال تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ﴾ [البقرة: ٢٥٦].
فله الحرية الكاملة في ما يعتقد من الأفكار تشريفًا من الله وتمييزًا عن مخلوقاته الأخرى كالبهائم، وقد وهب له عقلًا شرّفه به، وأمره بالاهتداء إلى الحقائق بحسب ما يقرره، ولا يعاقب الإنسان إلا إذا ترك حكم العقل الرّشيد إلى الأهواء والمصالح الضيقة والمنافع الشّخصية القاصرة، بدليل رفع الحساب عند غياب العقل، فالمجنون والصبي الصغير والنائم خارج نطاق التكليف، وهذا ما قرره رسول الله ﷺ: (رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون المغلوب على عقله وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم) ([37]). ولذلك يرد على الألسنة: إذا سلب ما وهب سقط ما وجب.. وما أجمل قول عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا)؟!! والذي أصبح أنشودة الحرية على مدار التاريخ، بل غدا شعارًا لكل من نادى بها.
المطلب الثاني: حقوق الحيوان والنبات والجماد
إن ثقافة التّسامح في الإسلام تتجلى في أن المخلوقات الأخرى من غير الإنسان من حيوانات وطيور ذات أشكال وألوان ليست إلا أممًا أمثال البشر قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ﴾ [الأنعام: ٣٨]. ([38]).
1-حقوق الحيوان: هنا لن نزيد القول على مثالين ذكرا في سيرة النبي الكريم فقد أخبرنا ﷺ عن رجل دخل الجنة وامرأة دخلت النار، فالأول سقى كلبًا أصابه عطش شديد، فشكر الله تعالى له صنيعه فاستحق الجنة، وأما المرأة فقد استحقت النار لأنها أجاعت قطة ومنعتها من أكل ما في الأرض.. وفي هذا كفاية لمن تدبر وتأمل، فالإسلام رحمة عامة شاملة. ولقد استغرب المشركون في بداية الإسلام أن يجعل الإسلام حقوقًا للحيوان كالإبل والغنم والكلاب والقطط… بل حتى المرأة بل حتى الرجل الذي يقع تحت ظل العبودية.. وكان هذا أحد أسباب نفورهم عن الدّين الجديد وعن عدم تقبلهم له حسب تصورهم واعتقادهم الفاسد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرَةُ فجعلت تَعْرِشُ فجاء النبي ﷺ فقال: «من فجع هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدَها إليها». ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: «من حَرَّقَ هذه؟» قلنا: نحن قال: «إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا رب النار» ([39]).
2-حقوق النبات
دأب الصّحابة في التواصي فيما بينهم على منع قطع الشجر المثمر، وعرف ذلك عنهم بالتواتر، لأنّهم تعلموا من المبعوث رحمة للعالمين أن قطع الشجر وإن كان للعدو لا يجوز إلا لضرورة حتى في المعارك والحروب، والغزوات الإسلاميّة على كثرتها لم تعرف مخالفة لهذا المبدأ الإنسانيّ القويم، وما أجمل قول الشاعر العراقي عباس الجنابي ([40]):
وكانَتْ وصاياكَ الدليلَ لزحفِنا ولا تقطعوا زرعًا ولا تُسلِبوا فتًى |
فلا تَهدِموا دارًا ولا تطـعنوا غَـدرا ولا تقتلوا شيخًا ولا أمَة ً حيرى |
1-حقوق الجماد
إن ثقافة التّسامح لتسمو في تصور المسلم حتى تصير محبة متبادلة بينه وبين الجماد؛ فهذا قدوة كل مسلم يحاور جبلا فيبدي له محبة، فقد أخرج الشيخان أن رسول الله ﷺ قال: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» ([41]). ويسلم عليه ﷺ حجر – الذي يضرب المثل في قسوته- وهو في مكة قبل البعثة، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» ([42]). بل إنّ الجذع حنّ إلى محمد ﷺ، وهذا ما يعرفه الجميع من السّيرة العطرة حنين الجذع شوقًا إليه، والثابت في الصحيح، وقد تواتر عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ذلك الخبر، والباحث لا يرى لزومًا لتوثيق ذلك لاستفاضته وشهرته الواسعة قديمًا وحديثًا. وبذا يتجلى ما عليه خاتم الأنبياء من رحمة على الإنسان والحيوان والنبات والجماد، وحسبك بذلك مفخرة للإنسانية، وسبيلًا للنهوض بالأمم، وتأسيًا به صولت الله عليه.
المطلب الثالث: أقوال المنصفين في التّسامح في الإسلام
قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ﴾ [سبأ: ٦]. استئناسًا بهذا القول الكريم هذه مجموعة من الأقوال جاءت تدفع عن المسلمين تهمة الإرهاب وتكافح بلا أجر عن كتاب الله وتصفه بالخلو وبالبعد من الإرهاب، وهي أقوال غالبها لغير المسلمين لكن الحق أنطقهم، جندت نفسها للحقيقة تنتصر لها وتجادل:
- وقف الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس” مخاطبًا القمة العربية في البحر الميت، ومشيدًا بالآية القرآنية التي تمنح «حقّ اللجوء السياسي» للمشركين عند المسلمين، والتي تقول: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ﴾ [التوبة: ٦]. وقد ردد السيد الأمين العام “غوتيريس” هذه الآية في أكثر من محفل دوليّ، مؤكدًا على أنها تؤسس لحق «اللجوء» في الإسلام ([43]).
- قال غاندي: أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك من دون منازع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أنّ السّيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرّسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السّيف ([44]).
- قال د. نظمي لوقا: “ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ﴾ المائدة: 8. فأيّ إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تساميًا واستقامة ([45])؟!
- قال بطريريك بيت المقدس عن العرب في كتابه إلى بطريريك القسطنطينيّة: ” إنّهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف” ([46]).
- يرى غوستاف لوبون الإسلام من أكثر الأديان حملاً على العدل والإحسان والتّسامح ([47])، وهو القائل: إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم ([48]). وقال: أُجْلِيَ العرب سنة (1610م) وكان مجموع من قتل إلى ميعاد الجلاء ثلاثة ملايين من الناس في حين أن العرب لما فتحوا أسبانيا تركوا السكان يتمتعون بحريتهم الدّينيّة محتفظين بمعاهدهم ورئاساتهم غير مكلفين إلا بدفع الجزية وهي بمقدار ما كانوا يبذلونه لملوك الْقوط، وقد بلغ تسامح العرب طول حكمهم في أسبانيا مبلغًا قلما يصادف الناس مثله. وذكر أن مسلميّ الصين مع طابعهم الخاص، استطاعوا بفضل نباهتهم وإخائهم الدّينيّ وتسامحهم أن يلائموا بيئتهم وأن ينموا ويكثروا، وذلك خلافًا لدعاة الأديان الأجنبية الأخرى الذين أرادوا أن يكون لهم شأنٌ في الصين فلم يتقدموا خطوة حتى الآن. ونشأ عما فطر عليه مسلمو الصين من التّسامح والرّوح الحرة واحترامهم عادات الصين وشرائعها ومعتقداتها أن يتمتعوا بما للصينيين من الحقوق، وأن يكون منهم حكامٌ وقواد ومقربون من الإمبراطور ([49]).
- قال د. لويس يونغ: على الغرب أن يتعلم من الحضارة الإسلاميّة نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون” ([50]).
- أستاذة التاريخ في جامعة ألمانية هي “لورا فيشيا فاغليرى: تقول: «كان محمد شديد التّسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة ([51]).
- يقول هنري دي كاستري وهو كاتب عسكري فرنسي خدم في الجزائر: ” أنا قد قرأت التاريخ، وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع عن الغلظة في المعاشرة، وعلى حسن مسايرة، ولطف مجاملة، وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين ([52]).
- عقد المستشرق ميشون مقارنة بن تسامح الإسلام وتعصب الصليبيين: إن الإسلام الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وهو الذي أعفى البطاركة والرّهبان وخدمهم من الضرائب وحرَّم قتل الرّهبان لعكوفهم على العبادات. وقد ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود عندما دخلوها. وإن المسيحيين تعلموا الكثير من المسلمين في التّسامح وحسن المعاملة، وكل ذلك بفضل تعاليم نبيهم محمد ([53]).
- العلامة برتلي سانت هيلر الألماني قال: كان محمد دعوته لطيفًا ورحيمًا حتى مع أعدائه، وإنّ في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة ([54]).
- قال بطريريك بيت المقدس في القرن التّاسع عن العرب في كتابه إلى بطريريك القسطنطينية: ” إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف” ([55]). ولننتبه إلى دقة التعبير: أي عنف لم يصدر من المسلمين على النصارى.
- توماس أرنولد أنصف المسلمين في كتابه العظيم (الدعوة إلى الإسلام)، وقد برهن فيه على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين على عكس مخالفيهم معهم، وهذا الكتاب الذي يُعتبر من أدق وأوثق المراجع في تأريخ التّسامح الديني في الإسلام ([56]).. ومن أقواله المشهورة في هذا الصدد:
- ولايات الدّولة البيزنطيّة التي سرعان ما استولى عليها المسلمون ببسالتهم وجدت أنها تنعم بحالة من التّسامح لم تعرفها طوال قرون كثيرة ([57]).
- إذا نظرنا إلى التّسامح الذي امتد على هذا النحو إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق ([58]).
- إن سياسة التّسامح الدّينيّ الذي سارت عليه الحكومة الإسلاميّة نحو رعاياها المسيحيين في أسبانيا، وحرية الاختلاط بين المتدينين قد أدت إلى شيء من التّجانس والتماثل بين الجماعتين وقد كثر التّصاهر بينهم… هذا إلى أن كثيرين من المسيحيين قد تسموا بأسماء عربية، وقلدوا جيرانهم المسلمين في إقامة بعض النّظم الدّينيّة، كالختان والطعام والشراب. وسرعان ما أخذت دراسة اللغة العربيّة تحل محل اللاتينية في جميع أرجاء البلاد ([59]).
المطلب الرابع: المناسبات والمواقف الدالة على التّسامح
إن الإسلام صبّ البطولة صبًّا في أعصاب المسلمين وأجراها في دمائهم، فمهما حاقت بهم الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة فيهم، والعاقبة لهم إن كانوا مع الله لأن الله سيكون حينئذ معهم، ومن كان الله معه لا يغلبه مخلوق ([60]).
شواهد عدل المسلمين مع أهل ذمتهم كثيرة، ومنه:
- خصومة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع يهودي في درعه التي فقدها، ثم وجدها عند يهودي، فاحتكما إلى قاضي المسلمين شريح القاضي، فحكم بها لليهودي، فأسلم اليهودي، وقال: “أمّا إني أشهد أن هذه أحكام أنبياء! أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه، فيقضي لي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، الدّرع درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين، فخرجت من بعيرك الأورق”. فقال عليّ رضي الله عنه: (أما إذ أسلمتَ فهي لك). يقول لوبون: مثل علي بين يدي القاضي لمقاضاة من اعتقد أنه سارق سلاحه ([61]).
- ومن صور العدل مع المخالفين قصة القبطي مع عمرو بن العاص والي مصر وابنه، وقد اقتص الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم- للقبطي في مظلمته من أمير مصر وابنه، وقال للقبطي من الرّعية: اضرب ابن الأكرمين، ثم قال مقولته التي أضحت بين الناس مثلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ ([62]).
- عمر بن الخطاب الخليفة رأى في الطريق يهوديًا يمد يده متسولًا، فقال بكل صراحة ومن دون تردد ما نصه: (والله ما أنصفناك، أخذنا منك الجزية شابًا وتركناك شيخًا)، وأمر له براتب من بيت مال المسلمين، ولما سأله خازن بيت المال: هل هذا خاص به؟ فقال: لا له ولأمثاله.
لذا ليس غريبًا أن يندهش رسول كسرى، بل أن تأخذ الدّهشة والاستغراب والتعجب قلبه مما رآه من حاكم المسلمين الخليفة العادل عمر ابن الخطاب لما أتاه فرآه نائما بين الناس في فناء المسجد النبويّ الشّريف على التراب، من حيث لا سرير ولا فرش من حرير ولا قصر ولا ولا ولا … حتى قال: عدلت فأمنت فنمت يا عمر.. وشهادته تلك التي سجلها التاريخ بمداد من نور صاغها شاعر النيل؛ الشّاعر العربيّ المصريّ المسلم حافظ إبراهيم بأبيات رائعة في قصيدة تسمت بالقصيدة العمرية.. التي مطلعها:
حَسبُ القَوافي وَحَسبي حينَ أُلقيها | أَنّي إِلى ساحَةِ (الفاروقِ) أُهديها |
وهذه الأبيات التي تغنى بها شاعرنا رحمه الله على لسان رسول كسرى ([63]):
وَرَاعَ صَاحِبَ كِسْرَى أَنْ رَأَى عُمَرًا وَعَهْدُهُ بِمُلُوْكِ الْفُرْسِ أَنَّ لَهَا رَآهُ مُسْتَرِقًا فِي نَوْمِهِ فَرَأَى فَوْقَ الثَّرَى تَحْتَ ظِلِّ الدَّوْحِ مُشْتَمِلاً فَهَانَ فِي عَيْنِهِ مَا كَانَ يُكْبِرُهُ وَقَالَ قَوْلَةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَلاً أَمِنْتَ لَمَّا أَقَمْتَ الْعَدْلَ بَيْنَهُمُ |
بَيْنَ الرَّعِيَّةِ عُطْلاً وَهُوَ رَاعِيْهَا سُوْرًا مِنْ الْجُنْدِ وَالأَحْرَاسِ يَحْمِيهَا فِيْهِ الْجَلالَةَ فِي أَسْمَى مَعَانِيهَا بِبُرْدَةٍ كَادَ طُولُ الْعَهْدِ يُبْلِيهَا مِنْ الأَكَاسِرِ وَالدَّنْيَا بِأَيْدِيهَا وَأَصْبَحَ الْجِيلُ بَعْدَ الْجِيلِ يَحْكِيهَا فَنِمْتَ نَوْمَ قَرِيرِ الْعَيْنِ هَانِيهَا |
الخاتمة
تضمن هذا البحث جملة من القضايا والمسائل لها نتائج مهمّة أهمها:
- الإسلام دين العدالة والمساواة، واليسر والرحمة والتّسامح.
- هناك قواعد تعلمنا كيف يكون التّسامح ومتى وأين؟ وليس هناك مجال لاستغلالنا.
- التّسامح أمر مشروع في القرآن والسنة وإجماع الأمة.
- الإسلام يساوي التّسامح بسبب تغلغله في جميع التفاصيل عبادات ومعاملات والعلاقات بين الناس من العلاقة الأسريّة وصولًا إلى العلاقات الدّوليّة.
- التّسامح في الإسلام واقعيّ في كل شيء، ليس أمرا مثاليًّا، ولم يتقيد بعهد من العهود، ولم ينحصر في بقعة من بقاع الأرض، فأينما حل المسلم تبعه التّسامح؟
- كثير من غير المسلمين دخلوا في الإسلام لا بدعوة بل بأخلاق التجار المسلمين.
- التزم الإسلام بتطبيق العدالة مع الجميع، ولم يظلم فئة ولو من غير المسلمين.
- هناك مظاهر لسماحة الإسلام.. منها التحية بإلقاء السلام، ورده.
- هناك الكثير من القصص عن سماحة الإسلام.
- ضم البحث بعض الأقوال لزعماء عالمين كغاندي وعلماء ومستشرقين يسيدون بفضل الإسلام وسماحته ورحمته.
المقترحات والتوصيات
- يوصي الباحث مُقترحًا ما يأتي:
- إبراز جوانب سماحة الإسلام ورأفته وعدله في كل المناسبات والمحافل والمنابر المحلية والعربية والإسلامية والدولية. وتذكير النشء المسلم فتيانًا وشبابًا ورجالًا ونساء بهذه المفاخر والفضائل.
- عقد مؤتمرات وندوات هادفة تعمل بجد وإخلاص لبيان التّسامح الإسلامي القائم على العدل والانصاف على الرّغم من ظلم الظالمين، استنادًا إلى التوجيهات النبويّة الشّريفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ([64]).
- ترسيخ جهود الباحثين في الرسائل العلمية الجامعية والأكاديمية (الماجستير والدكتوراه) لتعميق مفهوم التّسامح بالأرقام الثابتة الدقيقة.
- تثمين جهود الباحثين في المؤسسات العلمية بإبراز سماحة الإسلام.
- صرف أنظار طلبة التخرج إلى تضمين بحوثهم بمفهوم التّسامح والعدالة والإنصاف، التي هي من قيم الإسلام الأصيلة والمعروفة.
الهوامش
[1] – قسم العقيدة والفكر الإسلامي في كلية العلوم الإسلامية- جامعة الموصل
[2] -https//www.facebook.com/watch/ ?v=955055151724881
([1]) ينظر: معجم مقاييس اللُّغة، أحمد بن فارس، دار الفكر، 1399هـ: 1/ ٣٨٣.
([2]) ينظر: تهذيب اللغة، الأزهري، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط 1، 2001م: 9/ 81.
([3]) ينظر: لسان العرب، hبن منظور، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ: 9/ 19.
([4]) ينظر: أضواء على الثقافة الإسلامية، نادية شريف العمري، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط9، 2001م: 9.
([5]) ينظر: مقدمات في الثقافة الإسلامية، مفرح بن سليمان القوسي، الرياض، ط3، 1424ه: 36.
([6]) ينظر: مدخل في علم الثقافة الإسلامية، إزوى العنزي، كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود: 4.
([7]) صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب الانبساط إلى الناس: 235// 2076.
([8]) سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب” مَا جَاءَ فِي اسْتِقْرَاضِ البَعِيرِ”: 404/ 1323، وضعَّفَه، وصحَّحَه الحاكم ووافقه الذهبي: المستدرك على الصحيحين: 2/122// 2528؛ المعجم الأوسط للطبراني: 7/ 297// 7544.
([9]) تغليق التعليق على صحيح البخاري، ابن حجر، دار عمار، بيروت، ط1، 1405هـ: 2/ 41
([10]) ينظر: مختار الصحاح، الرازي، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، صيدا، ط5، 1420هـ: 153.
([11]) ينظر: المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى، وآخرون، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 1427ه: 1/447.
([12]) ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار، عالم الكتب، القاهرة، 1429ه: 2/ 1104-1105.
([13]) ينظر: التعريفات، الجرجاني، دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، ١٤٠٣هـ: 1/ 121؛ مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 1424هـ: 1/ 206، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1410ه: 1/ 197.
([14]) ينظر: تيسير للطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، عبد الرحمن بن ناصر، وزارة الشئون الإسلامية السعودية، ط1، 1422ه: 1/ 142.
([15]) ينظر: معجم مقاييس اللغة: 2/ 198.
([16]) ينظر: معجم مقاييس اللغة: 2/ 198.
([17]) ينظر: لطائف الإشارات، القشيري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط3، د. ت: 3/ 467.
([18]) ينظر: المصدر نفسه: 2/ 135.
([19]) ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن الآمدي، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق: 1/ 95.
([20]) ينظر: الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، زكريا الأنصاري، دار الفكر المعاصر- بيروت، 1411ه: 68.
([21]) ينظر: شرح الكوكب المنير ابن النجار، مكتبة العبيكان، ط2، 1418ه: 1/ 339.
([22]) ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف: 156.
([23]) ينظر: تجديد الخطاب الديني، د. عياض السلمي، حولية مركز البحوث، عدد: 17، سنة: 6، 1431ه: 4.
([24]) ينظر: في مناهج الدراسة الأدبية، حسين واد، دار سراس للنشر، تونس، د. ط، 1985: 37.
([25]) ينظر: إشكالية المصطلح النقدي، د. عبد الله إبراهيم، آفاق عربية، بغداد، السنة: 18، آذار، 1993: 59.
([26]) ينظر: تفسير الشعراوي الخواطر، مطابع أخبار اليوم، قطاع الثقافة والكتب والمكتبات، 1991م: 1874.
([27]) ينظر: التفسير الوسيط للقرآن الكريم، محمد سيد طنطاوي، دار نهضة مصر- القاهرة، 1997م: 1/ 2487.
([28]) البداية والنهاية، بن كثير، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ: 5/ 55.
([29]) ينظر: تأريخ الإسلام، د. حسن إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، ط 14، 1416ه: 1/ 196.
([30]) ينظر: العلاقات الدولية في الإسلام على ضوء الإعجاز البياني في سورة التوبة، د. كامل سلامة: 334.
([31]) ينظر: الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، علي علي منصور: 358.
([32]) ينظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1390هـ: 5/ 739.
([33]) الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، الحَمِيدي، دار ابن حزم- بيروت، ط2، 1423ه: 4/ 57، اللؤلؤ والمرجان فيا اتفق عليه الشيخان، محمد فؤاد عبد الباقي، دار السلام، الرياض، 1424ه: 2/ 700// 1502.
([34]) رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم. وزاد ابن ماجه من حديث أم سلمة رضي الله عنه: في الإثم.
([35]) مسند أحمد: 15/ 398// 9632 والحاكم في المستدرك: 2/ 648// 4153، وصححه ووافقه الذهبي.
([36]) أخرجه البزار: 2369- زوائده؛ والطبراني في: الأوسط: 2981؛ والصغير: 264؛ وابن الأعرابي في: معجمه: 2452؛ والحاكم: 1/ 35. من طريق مالك بن سعير به. وروي عن أبي صالح مرسلاً، ينظر: علل الدارقطني: 1897؛ وفي: صحيح مسلم: 2599 من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة مرفوعاً: «إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة». هكذا في: المخلصيات وأجزاء أخرى، أبو طاهر المخلص، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- قطر، ط1، 1429ه: 4/ 45// برقم 2989.
([37]) أخرجه الحاكم في المستدرك: 1/ 389// 949، وصححه ووافقه الذهبي.
([38]) ينظر: تدريس فنون اللغة العربية، د. علي أحمد مدكور، دار الشواف- الرياض: 199- 200.
([39]) أخرجه أبو داود في سننه: 9/ 303- 304// برقم 2675.
([40]) من قصيدة (لماذا نُحبُهُ؟) في حب المصطفى ﷺ للشاعر الدكتور عباس الجنابي، ألقيت في 6/ رمضان/ 1429ه- 8/ 10/ 2008م. من قناة المستقلة/ “الحوار الصريح بعد التراويح” تقديم الدكتور محمد الهاشمي.
([41]) صحيح البخاري: 2/ 125// 1481؛ صحيح مسلم: 2/ 1011// 1393.
([42]) صحيح مسلم: 4/ 1782// 2277.
([43]) صحيفة عربي 21، حسن محمود، القاهرة، الأربعاء، 7/ جمادى الثانية/ 1440ه- 13/ فبراير/ 2019م.
([44]) الوفا في نصرة المصطفى ﷺ، مجلة الوحدة الإسلامية، العدد: 131، السنة: 11، 2012م.
([45]) ينظر: تعرف على الإسلام، منقذ بن محمود السقار، رابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة: 106.
([46]) ينظر: شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، دار الآفاق الجديدة- بيروت، ط8، 1413ه: 364.
([47]) ينظر: حضارة الغرب، غوستاف لوبون، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012م: 126.
([48]) ينظر: السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة، د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 6، 1415ه- 1994م: 2/ 580.
([49]) ينظر: المصدر السابق: 279.
([50]) ينظر: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، طبع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، 1412هـ: 326.
([51]) ينظر: دفاع عن الإسلام، لورا فيشيا فاغليري، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1981م: 24.
([52]) ينظر: الإسلام خواطر وسوانح، هنري دي كاستري، مكتبة النافذة، دار طيبة، الجيزة، ط1، 2008م: 79.
([53]) ينظر: سياحة دينية في الشرق، ميشون: 31. نقلا عن: الإسلام الدين الفطري الأبدي، الطرازي، دار الكتب العلمية: 1/ 259.
([54]) ينظر: الشرقيون وعقائدهم، سانت هيلر: 36. نقلا عن: ماذا قال غير المسلمين المنصفين من المفكرين والباحثين في رسول الله ﷺ، مجلة الوعي، العدد: 410، السنة: 35، ربيع الأول 1442هـ– تشرين الأول 2020م.
([55]) ينظر: شمس العرب تسطع على الغرب: 364.
([56]) ينظر: اتجاهات فكرية معاصرة، مناهج جامعة المدينة العالمية: 296.
([57]) ينظر: اتجاهات فكرية معاصرة: 2/ 580.
([59]) ينظر: السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، عبد الشافي محمد، دار السلام، القاهرة، ط1، 1428ه: 340؛ الدعوة إلى الإسلام، سير توماس ارنولد، مكتبة النهضة المصرية، ط2، 1971م: 159- 160.
([60]) ينظر: ذكريات عليّ الطنطاوي، دار المنارة، ط 5، 2007م: 1/ 60؛ السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي: 202.
([61]) ينظر: حضارة الغرب: 147.
([62]) ينظر: تأريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، المكتبة التجارية الكبرى- القاهرة: 129– 130؛ فتوح مصر والمغرب، ابن عبد الحكم، مكتبة الثقافة الدينية، ١٤١٥هـ: 195.
([63]) ديوان حافظ إبراهيم، تح: أحمد أمين، وأخرين، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، 1987: 77؛ 90.
([64]) أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 36// برقم 3534؛ وأحمد في المسند: 24/ 150// برقم 15424.
المصادر والمراجع
- اتجاهات فكرية معاصرة، مناهج جامعة المدينة العالمية، د. ط، د. ت.
- الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي الثعلبي الآمدي (ت: ٦٣١هـ)، تح: عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق، د. ط، د. ت.
- الإسلام الدين الفطري الأبدي، أبو النصر مبشر الطرازي الحسيني، دار الكتب العلمية- بيروت، د. ط، د. ت.
- الإسلام خواطر وسوانح هنري دي كاستري، ترجمة: أحمد فتحي زغلول، مكتبة النافذة، دار طيبة، الجيزة، ط1، 2008م.
- إشكالية المصطلح النقدي (الخطاب والنص)، د. عبد الله إبراهيم، مجلة أفاق عربية، بغداد، السنة: 18، آذار، 1993.
- أضواء على الثقافة الإسلامية، نادية شريف العمري، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط9، 2001م.
- البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774هـ)، تح: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ- 1988م.
- تأريخ الإسلام السياسي الديني الثقافي الاجتماعي، د. حسن إبراهيم حسن، دار الجيل- بيروت، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة، ط14، 1416ه- 1996م.
- تأريخ عمر بن الخطاب، جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي، المكتبة التجارية الكبرى لصاحبها مصطفى محمد، مطبعة توفيق الأدبية- القاهرة، د. ط، د. ت.
- تجديد الخطاب الديني مفهومه وضوابطه، د. عياض السلمي، حولية مركز البحوث والدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة، العدد: 17، السنة: 6، 1431ه- 2010م.
- تدريس فنون اللغة العربية، د. علي أحمد مدكور، دار الشواف للنشر والتوزيع- الرياض، المطبعة الفنية- القاهرة، د. ط، د. ت.
- تعرف على الإسلام، منقذ بن محمود السقار، رابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة، د. ط، د. ت.
- التعريفات، علي بن محمد بن علي الزين المعروف بالسيد الشريف الجرجاني (ت 816هـ)، تح: جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1403هـ -1983م.
- تغليق التعليق على صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، تح: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، (المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، ط1، 1405هـ).
- تفسير الشعراوي– الخواطر، محمد متولي الشعراوي (ت: 1418هـ)، مطابع أخبار اليوم، قطاع الثقافة والكتب والمكتبات، 1991م.
- التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب (ت: 1405هـ)، دار الفكر العربي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، ط1، 1390هـ-1970م.
- التفسير الوسيط للقرآن الكريم، محمد سيد طنطاوي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع- القاهرة، 1997م.
- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، (ت370هـ)، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط 1، 2001م: 9/ 81.
- التوقيف على مهمات التعاريف، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت: 1031هـ)، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1410ه-1990م.
- تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي (ت: 1376هـ)، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية، ط1، 1422ه
- الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحَمِيدي أبو عبد الله بن أبي نصر (ت: ٤٨٨هـ)، تح: د. علي حسين البواب، دار ابن حزم- بيروت، ط2، ١٤٢٣هـ- ٢٠٠٢م.
- الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، زكريا الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي (ت: ٩٢٦هـ)، تح: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر- بيروت، ط1، 1411ه.
- حضارة الغرب، غوستاف لوبون، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012م.
- الدعوة إلى الإسلام بحث في تأريخ نشر العقيدة الإسلامية، سير توماس ارنولد، ترجمة: د. حسن ابراهيم، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوى، مكتبة النهضة المصرية، ط2، 1971م.
- دفاع عن الإسلام، لورا فيشيا فاغليري، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1981م.
- ديوان حافظ إبراهيم، ضبطه وصححه وشرحه ورتبه: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، 1987.
- ذكريات عليّ الطنطاوي، تح: مجاهد مأمون ديرانية (حفيد المؤلف)، دار المنارة للتوزيع والنشر، المملكة العربية السعودية، ط 5، 2007م.
- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السِّجِسْتاني (ت: 275هـ)، تح: شعَيب الأرنؤوط، محَمَّد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية، ط1، 1430هـ -2009م.
- سنن الترمذي وهو” الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ﷺ ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل”، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت279هـ)، تخريج وترقيم وضبط: صدقي جميل العطار، (دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1428-1429هـ، د. ط، 2008م).
- السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة، د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 6، 1415ه- 1994م.
- السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، عبد الشافي محمد، دار السلام، القاهرة، ط1، 1428ه.
- شرح الكوكب المنير= المختبر المبتكر شرح المختصر، تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي (ت: ٩٧٢هـ)، تح: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، ط2، 1418ه- 1997م.
- الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، علي علي منصور، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية– القاهرة، 1390- 1971: 358.
- شمس العرب تسطع على الغرب – أثر الحضارة العربية في أوربة-، زيغريد هونكه، ترجمة: فاروق بيضون، كمال دسوقي، مراجعة: مارون عيسى الخوري، دار الجيل، دار الآفاق الجديدة- بيروت، ط8، 1413ه- 1993م: 364.
- صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، (دار ابن الهيثم، القاهرة، ط1، 1425هـ- 2004م).
- صحيح مسلم؛ المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261هـ)، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط، د. ت.
- صحيفة عربي 21، حسن محمود، القاهرة، الأربعاء، 7/ جمادى الثانية/ 1440ه- 13/ فبراير/ 2019م.
- العلاقات الدولية في الإسلام على ضوء الإعجاز البياني في سورة التوبة، د. كامل سلامة الدقس، دار الشروق، د. ط، 1976.
- فتوح مصر والمغرب، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (ت: ٢٥٧هـ)، مكتبة الثقافة الدينية، ١٤١٥هـ: 195.
- في مناهج الدراسة الأدبية، حسين واد، دار سراس للنشر، تونس، د. ط، 1985.
- قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، طبع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، 1412هـ.
- لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن منظور، الأنصاري الرويفعي الإفريقي (ت: 711هـ)، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ.
- لطائف الإشارات (تفسير القشيري)، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (ت: 465هـ)، تح: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط3، د. ت.
- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان؛ إماما المحدثين؛ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة دار الفيحاء، دمشق، مكتبة دار السلام، الرياض، ط1، 1424ه،2004م.
- ماذا قال غير المسلمين المنصفين من المفكرين والباحثين في رسول الله ﷺ، مجلة الوعي، العدد: 410، السنة: 35، ربيع الأول 1442هـ– تشرين الأول 2020م.
- مجلة الوحدة الإسلامية، العدد: 131، السنة: 11، (ذو الحجة 1433هـ- محرم 1434هـ) تشرين ثاني ـ نوفمبر/ 2012م.
- مختار الصحاح، أبو عبد الله زين الدين محمد بن أبي بكر الحنفي الرازي (ت: 666هـ)، تح: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، صيدا، ط5، 1420هـ -1999م.
- المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص، محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي المخَلِّص (ت: ٣٩٣هـ)، تح: نبيل سعد الدين جرار، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- دولة قطر، ط1، 1429ه- 2008م.
- مدخل في علم الثقافة الإسلامية، (الثقافة الإسلامية وصلتها بالعلوم الأخرى)، إزوى العنزي، بإشراف الأستاذ: د. عبد الله الوصيف، بحث في كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية: 4.
- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405هـ)، تح: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ-1990م.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، تح: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرين، إشراف: د. عبد الله عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط2، 1420هـ، 1999م.
- المعجم الأوسط، لأبي القاسم؛ سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الطبراني اللخمي الشامي (ت 360هـ)، تح: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، (دار الحرمين، القاهرة، د.ت).
- معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت: 1424هـ)، بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1429هـ- 2008م.
- المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار، تح: مجمع اللغة العربية/ الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، دار الدعوة، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 1427هـ- 2004م.
- معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911هـ)، تح: أ. د. محمد إبراهيم عبادة، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 1424هـ- 2004م.
- معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (ت: 395هـ)، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ- 1979م.
- مقدمات في الثقافة الإسلامية، مفرح بن سليمان القوسي، الرياض، ط3، 1424ه.