صعود العقل في التّعاليم الوحيانيّة وهبوطه في مدرسة بغداد الكلاميّة
نفيسة أهل سرمدي([1])
مهدي إمامي جمعة([2])
الملخّص
هذه المقالة، قراءة نقدية مقارنة بين مفهوم العقل ومکانته في مدرسة التّعاليم الوحيانيّة والمدرسة الكلاميّة الإماميّة في بغداد. ماهية العقل وحجيّته، ساحة العقل الجمالية وساحته الأخلاقيّة، فلسفة التعقّل وأخيراً علاقته بالمعرفة الفطرية هي ما سنسلط الضوء عليها ومقارنتها معًا خلال هذا البحث. جماليّة ساحة العقل الوحيانيّ تنظر إلی موضوع الإيمان والواجبات الدّينيّة نظرة خاصة يهملها التّفکير الکلاميّ. کما أن البعد الأخلاقيّ للعقل يشهد العديد من التقلبات صعودًا وهبوطًا عند المقارنة بين هاتين المدرستين. إنّ العلم باستحقاق الثّواب والعقاب في المدرسة الكلاميّة يستلزم ضرورة التّعقل لکنه من وجهة نظر التّعاليم القائمة علی الوحيّ إنما العنايّة بالسّعادة البشريّة توجب ضرورة التعقّل. وفي المدرسة الكلاميّة لا يتسنّی للعقل فرصة للظهور إلا بنفي المعرفة الفطريّة وإنکارها، ولکن في المعارف الوحيانيّة تظهر العقلانيّة علی امتداد الفطرة. والمراد هنا بالتّعاليم الوحيانيّة هي التّعاليم النّابعة من القرآن الکريم وامتدادها في معارف الشّيعة الإماميّة. والقصد من وراء هذا البحث هو قراءة نقديّة مقارنة للعقلانيّة في المدرسة الكلاميّة في بغداد ولهذا فقد تبنّينا منهج التّحليل والمقارنة، واستنتاج النتائج تماشيًا مع طبيعة الموضوع وهدفه مع مراجعة النصوص ذات العلاقة.
الکلمات االمفتاحيّة: العقل الوحيانيّ – العقل الکلاميّ – الحبّ – الإيمان – الفطرة
The Rise of Rationality in Revealed Theology and Its fall
In Baghdad School of Theology
Nafiseh Sarmadi) [3](
Mahdi Imami Jumah) [4](
Abstract:
The present essay is a comparative study of the notion of reason in revealed doctrines and Baghdad School of Theology. The nature of reason, its authority, and the aesthetic and ethical domains of reason, philosophy of intellection and finally the relationship of rationality with innate knowledge are among the issues that have been comparatively assayed in this essay from the point of view of revealed reason and theological reason. The aesthetic dimension of the revealed reason is associated with a particular perspective of the discussion of faith and obligation; this perspective is neglected in theological thinking. Ethical dimension of reason is also of a considerable rise and fall in these two system when viewed comparatively. The necessity of intellection in theological system lies in the importance of the knowledge of the reward and punishment but in revealed doctrines the major concern is human prosperity that leads him to intellection. In theological thinking, reason defies the innate knowledge and clears a room for its activity, but in revealed theology, rationality lies alongside the human innate nature. By revealed theology, we refer to Quranic teachings and their exegeses in Shia school of thought and our goal is the criticism of the Baghdad School of Theology. Our method due to the requirements of the subject-matter and objective of the essay is reference to the relevant texts and their analysis and comparison and conclusion.
Key Words: Revealed Reason, Theological Reason, Love, Faith, Innate Nature.
بيان المسألة
يحتل العقل والعقلانيّة أعلی مستويات المعارف الوحيانيّة النّابعة من القرآن الکريم والسنة النّبويّة الشّريفة والسّيرة العلوية المطهرة، وبالتالي أنه لا يؤدي الدّور الأساسيّ في معرفة الدين وفهمه، فحسب بل له دور حاسم في اعتناقه والالتزام به بحيث قد جعل الله تبارك وتعالی التعقّل إلی جانب استماع الوحيّ هاديًّا منجيًّا: ﴿وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ ]سورة الملك: 10[
کما جعل اللاعقلانية رجساً وضلالاً لأهل العناد والجحود: ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ]سورة يونس:100[
هذا وکما أنّ العقلانيّة تحظی بمکانة مرموقة في المعارف الشّيعيّة الأصيلة سواء من حيث موقعها الأنطولوجيّ أو من حيث منزلتها وشأنها في استيعاب الوحي والتّعاليم الوحيانيّة، ولکن ما يثير الدّهشة والأسف معًا أنّ هذه العقلانيّة القائمة علی التّعاليم القرآنيّة علی الرغم من سموّ شأنها، وارتفاع منزلتها وسعة نطاقها واتساعها لم تنعکس بالقدر الکافيّ أو المقبول علی ثقافة الأمة الإسلاميّة أو حتی علی مدارسها الكلاميّة من أمثال المدرسة الكلاميّة الإماميّة في بغداد. لذلك نشهد العديد من التّقلبات صعودًا وهبوطًا عند المقارنة بين موقف هاتين المدرستين تجاه العقلانيّة واستنتاجاتهما من مدی قدراتها وکفاءتها، ما يجعل من الضروريّ استکشاف النّطاق والمسافة الفاصلة بين هذين المستويين أولاً: ثمّ إجراء بحث تاريخيّ جادّ ومعمّق حول أسبابها الدّاخليّة وعواملها الخارجيّة بالإضافة إلی عللها وسياقاتها الفکرية ثانيًّا. هذا ونحن في هذا المقال لا يسعنا إلا التّرکيز علی القسم الأول فحسب.
نعلم أن المدرسة الكلاميّة الإماميّة في بغداد تحتلّ المرتبة الأولی لتمثيل العقلانيّة الكلاميّة للشّيعة خلال القرون الخمسة الأولی للهجرة، فقد اختير مع التّرکيز علی تقييم آراء ثلاثة من فحول علمائها ألا وهم: محمد بن محمد النّعمان المشهور بالشّيخ المفيد (توفى 413 هـ) وعلي بن الحسين الملقب بالشريف المرتضی (توفى 436 هـ) وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (توفى 460 هـ) محاولين عرض ملامح صعود العقلانيّة في التّعاليم الوحيانيّة وهبوطها في مدرسة بغداد الكلاميّة. ومن الآن فصاعدًا ولسهولة التّعبير في هذا المقال سنعبّر عن العقل الوارد في التّعاليم الدّينيّة أيّ الآيات والروايات بـ«العقل الوحيانيّ» وعن العقل الوارد في المدرسة الكلاميّة في بغداد بـ«العقل الکلامي».
لتحقيق ما نطمح إليه في هذا المقال أيّ قراءة نقدية للعقلين الکلاميّ والوحيانيّ، يستلزم دراسة مختلف أبعاد هذه القضية و سنسلط الضوء علی مختلف جوانبها، وجمع هذه المواضيع کلّها في مقالة واحدة قد يتبادر إلی الذّهن نوعًا من عدم التّناسق والتّرابط في البحث، ولکن دراسة هذه المواضيع بأجمعها في الحقيقة تتماشی والهدف المنشود نفسه الذي ذكر آنفًا.
بيان المفاهيم العامة
- العقل
جاء في “لسان العرب”: «العَقْلُ: الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق، والجمع عُقولٌ… فهو عاقِلٌ… وقيل: العاقِلُ الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هَواها… والعَقْلُ: التَّثَبُّت في الأُمور… وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه، وقيل: العَقْلُ هو التمييز الذي به يتميز الإِنسان من سائر الحيوان،… وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلُه عَقْلاً: فَهِمه([1]).»
وقال الفيروزآبادي: «العَقْلُ: العِلْمُ بِصفاتِ الأَشْياءِ، من حُسْنِها وقُبْحِها، وكَمَالِها ونُقْصانِها،… والحَقُّ أنه نورٌ روحانِيٌّ، به تُدْرِكُ النفسُ العلومَ الضَّرورِيَّةَ والنَّظَرِيَّةَ([2]).»
وقال الجرجاني في تعريفاته: «العقل: جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقًا ببدن الإنسان، أو: نور في القلب يعرف الحق والباطل، وقيل: العقل: جوهر مجرد عن المادة يتعلق بالبدن تعلق التّدبير والتّصرف،…
العقل: ما يعقل به حقائق الأشياء([3]).»
فالحاصل أنّ العقل قوّة نورانيّة بها يتميّز الحسن من القبيح والحق من الباطل، وبها يکون التفکير والاستدلال، وبها يتجنب عن التورط في المهالك واتباع الهوی. وهذا المعنی قريب جدّاً مما يسميه الحکماء العقل النظري عند تعريفهم للعقل وبيان أقسامه ومراتبه. وهذا هو ما نقصده من العقل عندما سنتحدث عنه في هذا المقال.
- العقل الوحيانيّ
نعني بالعقل الوحيانيّ ما قد ورد عن العقل في القرآن الکريم أولاً وما له من شرح وتفسير في السنة النبويّة الشّريفة ومعارف أهل البيت عليهم السلام ثانيًّا. فهو في هذه المنظومة المعرفيّة يشکل حقيقة الإنسان وهويته.
- العقل الکلاميّ
والمقصود من العقل الکلاميّ هو کل ما يتعلق بالعقل من التّعاريف والمراتب والوظائف والحدود من وجهة نظر الأعلام الثلاثة من متکلميّ الشّيعة في مدرسة بغداد الكلاميّة.
تقلّبات في ماهية العقل
للتّعرف علی مكانة العقل المرموقة في التّعاليم الوحيانيّة يكفينا الرّجوع إلى الأحاديث المأثورة في «العقل والجهل» في مستهلّ کتاب أصول الكافي وإمعان النظر في الرواية الأولى منها حيث يقول:
«… عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْعَقْلَ اِسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ … ثُمَّ قَالَ وَ عِزَّتِي وَجَلاَلِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَ لاَ أَكْمَلْتُكَ إِلاَّ فِي مَنْ أُحِبُّ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى ([4]) …».
فقد عدَّ العلامة المجلسي هذه الرواية صحيحة وفي شرحها قد تأثّر تمامًا من صدر المتألهين الشّيرازي في شرحه علی أصول الکافيّ. فإنّه بدأ يشرح هذه الرواية مستفيدًا من شرح صدر المتألهين علی الرّواية الثالثة من کتاب «العقل والجهل([5])». إنّه يحصی ستّ إطلاقات للعقل قائلاً بأن الواحدة منها تتفق والروايات الأخری التي نقلها عن النّبي الأکرم (صلی الله عليه وآله وسلّم) بهذا الصّدد ومنها: «إنّ أول ما خلق الله العقل» أو «إنّ أوّل ما خلق الله نوري([6])».
بناء علی هذا، فإنّ العقل يلي الله تبارك وتعالی في مراتب الوجود ولهذا هو أحبّ الأشياء إليه سبحانه وأقربها منه. هذا وأن للعقول البشرية حظًّا من هذا العقل کـ«أول ما خلق الله» وهذه التفاتة طريفة وحکمة بالغة تصرّح بها بعض الروايات ما قد نقل المجلسي واحدة منها عن الشّيخ الصدوق في «علل الشرائع» قائلًا:
«أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل مما خلق الله عزّ وجلّ العقل، قال: خلقه ملكًا له رؤوس بعدد الخلائق … ولكلّ رأس وجه، ولكل آدميّ رأس من رؤوس العقل، …ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت([7]).»
والسرّ في أن الإنسان يستطيع أن يرتقي مراتب الکمال في سيره وتقرّبه إلی الله ويدنو منه عزّ وجلّ حتی قاب قوسين أو أدنی فيستقرّ في ظلّ تقرّبه ورحمته يکمن في وجود نفس هذه العلاقة بين الإنسان وبين «أول ما خلق الله» أي العقل.
بناءً علی ذلك فإنّ التّعاليم الوحيانيّة لا تعدُّ العقل مجرد قوة من القوی الإدراکيّة للإنسان بل تعدُّه أصل الإنسان وجوهره وحقيقته إذ جاء فيها: «الإنسان بعقله([8])» أو «أصل الإنسان لبّه([9])».
هنا تجدر الإشارة إلی أنّه في التّعاليم الوحيانيّة _ التي نقدم إلی القاريء الکريم في هذا المقال غيضًا من فيض فقط _ قد حدث أمران عظيمان؛ الأول: إنّها تشير إلى أنطولوجيا العقل ومرتبته الوجودية وتقرّبه إلی حقيقة خالق الوجود، والثاني أنّ هذه العقلانيّة هي المحور الأساس لتحديد هوية الإنسان وشخصيته.
يتضمّن هذا الضرب من العقلانيّة وجوهًا عديدة ترشدنا إلی شتی المستويات ومختلف المجالات في عالم الکون والإنسان والمعرفة. فنجد هنا أنّ صدر المتألهين _ بالمعاني السّتة التي يعدّدها للعقل _ وکذلك العلامة المجلسيّ _ الذي يهتمّ بالمعاني نفسها متأثّرًا به _ يقتربان من العقل الوحيانيّ وإدراك تعقيداته ومتاهاته.
وأحد هذه المعاني السّتة فقط يعبّر عن مراتب العقل البشريّ، وإمکانية الارتقاء به إلی اللامکان واتصاله بحقيقة العقل الخارجيّة وملکوته. ومن الواضح أنّ هذا المستوى من العقل يختلف تمامًا عن مفهوم العقل في مدرسة بغداد الكلاميّة.
هذا وعلى الرّغم من أنّ بعض محدّثي المدرسة الكلاميّة في الکوفة ومتکلميها متأثرين بروايات الأئمة المعصومين عليهم السلام کانوا يرون العقل کائنًا مجردًا مستقلًا لکننا لا نری أيّ أثر لذلك في المدرسة الكلاميّة في بغداد. فالعقل عندهم إمّا يطلق علی مجموعة من العلوم والمعارف؛ أو قوة يستعملها الإنسان لإدراك الأمور ومعرفة الحقائق. فلهذا نری الشّيخ المفيد يقول إنّ العقل معنی أو عرض يمکّن الإنسان من معرفة الأشياء.
«العقل معنى يتميّز به من معرفة المستنبطات ويسمى عقلاً لأنّه يعقل عن المقبحّات([10]).» ويعدُّ الشريف المرتضی العقل مجموعة من العلوم: «العقل هو مجموع علوم تحصل للمکلّف([11]).» ويعرّف الشيخ الطوسي العقل في مؤلفاته بأنّه قوة لإدراك الأمور ومعرفة الحقائق کما يعدُّه مجموعة من العلوم والمعارف: «العقل مجموعة علوم ضرورية بها يتمکّن من الاستدلال بالشّاهد علی الغائب وقال قوم هو قوة في النفس يمکن بها ذلك([12]).»
فإنّه على الرّغم الإشارة إلی هذا الخلاف البسيط في التعبيرين يعتقد أنه ليس هناك فرق بين هذه التعاريف بل يعدّها قريبة المعاني الى بعضها([13]). فسواء عليه أن نعدُّ العقل قوة للإدراك أم مجموعة من العلوم والمعارف. وهکذا لا نری في آثارهم أيّ أثر للدور الأنطولوجيّ للعقل کجوهر مجرد مستقل.
وکذلك أنهم لم يعدُّوا العقل کل الهوية البشرية وحقيقتها فحسب بل خفضوا مستواه فعدُّوه مجموعة من العلوم والمعارف أو عرضًا في الإنسان أو قوة للإدراك.
تقلبات في حجيّة العقل ومعرفته صعودًا وهبوطًا
السؤال الأساسي الذي ينبغي طرحه هنا هو: ما هي حدود العقل ونطاق حجّيته وقدرته علی الفهم؟ وما مدی هذه الحجّية؟ ما هو المستوی الأقصی المسموح به للعقل البشري لاستکشاف المعارف الإلهية الوحيانيّة واستيعابها؟ وأخيرًا هل يمکن القول بحجّيّة هذا الفهم أم لا؟
إن القرآن الکريم ـ بخلاف المتکلمين ـ لم يرسم قطّ خطًا أحمر أمام فهم العقل وحجّيته إذ يعاتب البشر قائلًا: ﴿أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ﴾ ]سورة النساء:81[ فقد جعل سبحانه وتعالی القرآنَ کلّه في دائرة الفحص والتأمل وعدَّ العقل قادرًا علی استفسار المعارف القرآنية المتعالية واستيعابها جميعها. وفي الحقيقة إنّ هذه الآية الکريمة تتضمّن جزءين: فالجزء الأول يحدّد دائرة التّدبر والثاني يحدّد منطق التّدبر:
﴿أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ وَلو کانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدوا فِيه اختِلافاً کثيراً﴾ ]سورة النساء:82[.
وإذا لم يمکن فهم حقائق القرآن وتشخيص مقاصده العالية أو إذا کان الفهم الذي حصل عليه يفقد الحجيّة اللازمة ،إذ لا يمکن الاعتماد عليه فماذا تعني الدّعوة إلی التدبر؟! لكن النقطة الأكثر أهمّية هي أنّ الله سبحانه في الجزء الثاني من هذه الآية يحدّد منطق التدبر مبنيًا على مبدأ عدم التناقض وهو مبدأ عقلاني تمامًا يعرف بأنه سابق علی الإيمان. إن هذه الآية من روائع القرآن الکريم في تبيين أعلی درجات فهم العقل وحجيته ما لا حدود له ويمتدّ إلی اللانهاية.
نظرة القرآن ومنهجه في باب حجيّة العقل ومعرفته قد امتدّت في معارف أهل البيت عليهم السّلام حتی قد اعترف به کحجة باطنيّة إلی جانب الأنبياء والرسل کحجج ظاهرة:
«إنّ لله علی الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأمّا الباطنة فالعقول([14]).»
يتوسّط العقل بوصفه حجة باطنيّة بين الإنسان والدّين، لذا يعرّف بأنّه سابق علی الدين، ومن ثم يعدُّ معيارًا له: «ملاك الدين العقل([15]).» والقرآن يذکر العقلانيّة القائمة على المبادئ العقلية بما فيها مبدأ عدم التناقض الذي يأتي على رأس کل الأصول، كمعيار وأساس للتأمل في حقائقه المتعاليّة ومعارفه السّامية وکما أشرنا إليه آنفًا، فإنّ العقل يعرّف بأنّه سابق علی الّدين وعلی هذا عندما سئل الإمام الهادي (عليه السّلام): «فما الحجة علی الخلق اليوم ؟» قال:«العقل يعرف به الصادق علی الله فيصدقه والکاذب علی فيکذبه([16]).»
لكننا في المدرسة الكلاميّة في بغداد، نشاهد هبوط مستوی العقل وحجيته ونزولهما ما يؤيد علی البون الشّاسع بين هذين الاتجاهين في الامر الواحد.
اضطربت تعابير الشّيخ المفيد، الذي ترأس مدرسة بغداد الكلاميّة في القرن الرّابع الهجري، في باب دائرة فهم العقل وحجيّته. فله تعبيرات تصرّح علی حجية العقل وتؤيدها إذ يتحدّث عن سؤال الملكين للإنسان بعد موته، فيقول بردّ الحياة إليه عند المساءلة مستندًا إلی النقل وحکم العقل. ثمّ يضيف قائلًا: «فالخبر بذلك يؤكد ما في العقل ولو لم يرد بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيّناه([17]).»
هذا من جانب، ومن جانب آخر قد ذکر في “أوايل المقالات” أنه يعدُّ العقل بحاجة ماسة للوحي في حججه وبراهينه ويصرّح علی أنه لا يؤمن بوظيفة العقل المستقل([18]).
وعلى الرغم من أن السيد المرتضى والشيخ الطوسي اعترفًا بمرتبة العقل وحجيّته([19]) لکن المهم هنا أنه إلی أين يمتدّ النطاق المعرفي لهذا العقل؟ وما هو مدی حجيّته؟ في مدرسة بغداد الكلاميّة، كان فهم العقل محصورًا دائمًا في عالم الحواس، وتنحصر حجيته ضمن إطار هذه الحدود. فبناءً علی هذا؛ أيّ بما أنّ الإدراك الحسيّ کان محصورًا في دائرة المحسوسات فلم يتجاوز فهم العقل والبراهين العقلية في المعارف الإلهيّة عند المتکلمين في مدرسة بغداد الكلاميّة من مستوی براهين فلسفية نحو الحدوث والقدم، والحجة الغائيّة، والمبدأ الأول، والنّظرية الذريّة الأولی أو کثرة الوجود وتفاعلاته في العالم المادي. ومؤلفاتهم في علم الکلام نحو: “أوائل المقالات” و”الذخيرة” و”تمهيد الأصول” وغيرها خير شاهد علی ذلك.
فإنّهم لم يوسّعوا نطاق إدراك العقل وحجيته إلی ساحة الأنطولوجيّا والعقلانيّة البحتة. بينما لا يمکن للمرء أن يدخل إلی مثل هذا المستوی من العقل إلا عن طريق اﻟﺘّﺤﻠﻴﻞ اﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲّ أو اﻟﻮﺟﻮديّ. هذا في حين أن العديد من المباحث والمعارف الإلهية في نهج البلاغة، مثل ما جاء في الخطب 1 ، 152 ، 186 وغيرها تندرج تحت هذا المستوی من العقل.
إذًا؛ کيف يمکننا فهم واستيعاب ما جاء في نهج البلاغة من تعابير نحو: «کل قائم في سواه معلول([20])»، و«واحد لا بالعدد([21])»، و«مَن حدّه فَقَد عَدّه([22])»، و«الذی ليس لصفته حدّ محدود([23])» أو في القرآن الکريم نحو: «الله الصمد»، «سبحان الله»، «الله اکبر»، «فله الأسماء الحسنی»، «کلّ شيء هالك إلا وجهه» فإنّ هذه المعارف ليست من المحسوسات فلا تقع في ساحة الإدراك الحسيّ، وإنّما استيعابها يتطلّب العقل المحض أيّ العقلانيّة القائمة علی الأنطولوجيا والمبادئ غير الماديّة.
هذا وکما أنّ العديد من الأحاديث المأثورة في کتاب التّوحيد لأصول الکافيّ، وکذلك کتاب التّوحيد للشيخ الصدوق تتضمن نفس المستوی من العقلانيّة. ومن المثير للاهتمام أنّه علی سبيل المثال قد أملی الشيخ المفيد في أماليه خطبة توحيدية كاملة للإمام الرضا عليه السلام ما تمثّل ذروة الفکرة الإلهية والمعرفة الربانيّة([24]) ولكن مع ذلك لا نری أيّ أثر أو صدی لهذا الأسلوب التّوحيديّ لمعرفة الله ووحدانيته في آراء الشيخ ومؤلفاته.
والجدير بالذكر أنّ الشيخ المفيد يعدُّ الحدوث بكل ما فيه من قصور وتقييد أکمل البراهين العقليّة، ويعدُّ إقامة هذه الحجة علامة على كمال العقل البشري([25]).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أنه على الرّغم من وجود كل هذه التّعاليم الإلهية والمباحث التّوحيديّة التي تقع في نطاق العقل المحض ولا الإدراك الحسي أو الطبيعي، لماذا يعبر البعض عن العقل الکلامي والعقل في تعاليم الوحي علی النحو الآتي:
«إنّما العديد من الأدلة المطروقة في الدين وكذلك في علم الکلام مبنيّة على العقل السّليم نحو: العلم بالنّاظم أو الفاعل من النّظم أو الفعل؛ لأن العقل الرياضيّ لا يبعد احتمال الصدفة في وجود هذا النّظم أو حدوث ذاك العمل ولكن في نظرة العقل السّليم وجود النّظم في السّماوات والأرض يدلّ دلالة تامّة على وجود الخالق العليم القدير. وعلی هذا الأساس يبدو أنّ العقل الذي تعتبره الأحاديث حجة باطنيّة و«الحجة فيما بين العباد وبين الله» والذي «يعرف به الصادق علی الله فيصدقه والکاذب علی الله فيکذبه» هو العقل نفسه؛ لأن حجيّة الحجج جميعها حتی حجيّة الحجة الظاهرة أي الأنبياء والرسل إنما تثبت بهذا العقل([26]).»
في هذا التحليل، بصرف النّظر عما إذا كان العقل السّليم يعارض العقل الرياضيّ؛ فلا يهبط العقل السّليم والعقل الوحيانيّ إلى مستوى الإدراك الحسيّ، فحسب بل أن العديد من التّعاليم الوحيانيّة التي سبق ذكرها يخرج من نطاق العقل السليم أيضًا في حين أنّ للعقل السّليم الفطريّ ساحة واسعة ذات مراتب ومستويات مختلفة، فإنّ الإدراك الحسيّ والعقل الخالص (الذي يركز على علم الوجود) والعقل الرياضيّ والعقل التّجريبيّ كلها يعدّ من مراتبه ودرجاته.
هنا يجب أن يُطرح هذا السؤال بجديّة هل يتمكن العقل التّجريبيّ حقًا من تحليل تعابير نحو: «مَن عَدّه فقد حَدّه»، أو «ليس لله حدّ» أو «کلّ قائم في سواه معلول»؟
معرفة الجمال والحب في البعدين النّظريّ والعمليّ للعقل الوحيانيّ
من تطبيقات العقل التي قلما حظيت بالعناية والاهتمام هي تطبيقاته الفنيّة والجماليّة. يعرف العقل في بعض الروايات زينة وجمالاً:«العقل زين([27])» ولا مجرد زينة أو حلية بل أحسنها وأجملها([28]).
ولكي ندرس العقل الوحيانيّ المشرف علی علم الجمال والموجب للحبّ دراسة أوسع وأعمق فلنستكشف علم الجمال والحبّ علی مستويين العقل النّظريّ والعمليّ من وجهة نظر القرآن لنتعرف على تقلبات العقل الوحيانيّ والعقل الکلامي صعودًا وهبوطًا.
إنّ العقل الوحيانيّ أو بعبارة أخری إنّ العقل النّابع عن المعارف القائمة علی الوحيّ، في بعده النّظريّ قد حصل علی علم الجمال وفي البعد العمليّ علی الحبّ الحقيقي وهذا بالضبط ما يغفل عنه في علم الکلام وفي مدرسة بغداد الكلاميّة خاصة.
طلب الکمال من سمات العقل. فالعقل بوصف بعده النّظري يدرك الکمال وبوصف بعده العمليّ يطلبه.
«العاقل يطلب الکمال([29])»، وطلب الکمال يدلّ علی البعد الجمالي للعقل.
في الواقع إنّ علماء الکلام والمتکلمين الشّيعة عند مناقشة المعتقدات، المبادئ النظرية والعملية للعقيدة التوحيديّة وتحليلها، لم يکونوا علی دراية بمصدر زاخر من المعارف الوحيانيّة أيّ الأدعيّة المنقولة عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام إذ ظهر فيها أعلی درجات الفکرة التّوحيديّة، وأسمی مراتب الإيمان والاعتقاد الإسلاميّ. ويتجلّی فيها العقل النظري والعقل العمليّ. ويمرّ العقل فيها بتجارب جديدة ويتطرّق إلی أعلی ساحات الجمال في التّوحيد النظريّ وأسمی مراتب الحبّ في التّوحيد العمليّ. إنّ ما ظهر في ساحة هذه الأدعيّة هو تجليات لما ظهر في القرآن في مجال التّوحيد النّظريّ والتوحيد العمليّ. جميع المعارف الإلهية المذکورة في ساحة التوحيد في القرآن الکريم هي وعي جمالي. فحيثما توجد مسحة من الجمال يوجد طابع للحبّ. وعندما يقول القرآن: ﴿لِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَی﴾ ]سورة الأعراف: 180[ أو ﴿لَهُ الأسمَاءُ الحُسنَی﴾ ]سورة طه: 8[ يعني کل ما نعرفه تحت عنوان الصفات الإلهيّة هو في الحقيقة جماليات رب العالمين فإنه بذاته صاحب الجمال والجلال والبرکات اللامتناهية. والخلق کله في الحقيقة تجسيد لهذا الجمال والجلال.
﴿تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإکرَامِ﴾ ]سورة الرحمن: 78[
وهذه السّاحة المتعاليّة من الاعتقاد والإيمان التي تؤدي إلی معرفة الجمال في عالم التوحيد تتجلّی في تعاليم أهل البيت عليهم السلام. ففاطمة الزهراء سلام الله عليها تعرف الله وتعرّفه في قنوت صلاتها الخاصة قائلة: «سبحان مَن لبس البهجة والجمال([30])»، فالأدعية مختلفة ـ ولاسيما دعاء السّحر ـ يکشف عن جمال الله وجلاله ويطلب منا في الواقع أن نؤمن بالله هكذا إيمان.
قد طُوِّر العقل النّظريّ على المستوى العقائديّ إلی أن أثبت المتکلمون وجود الله الخالق العالم القادر المختار ولكنهم لم يتمكّنوا قطّ من أن يثبتوا بحججهم وبراهينهم، أن لا يحدّه حدّ، ولا يشوبه نقص، ولا تقيّده جهة، وأنّه الجمال المطلق ومطلق الجمال والجلال المطلق ومطلق الجلال.
هذا الاهتمام بالبعد الجماليّ للعقل في تعاليم الوحي، وإهماله في التفكير الکلاميّ يؤديان إلى اختلاف ملحوظ بينهما في موضوعي الإيمان والتّکليف.
تقلبات في تبيين مفهوم الإيمان، المکلِّف والمکلَّف
ما هو الإيمان؟ ما هي حقيقته؟ کيف يحصل؟ وماذا يعتري علی الإنسان عندما يحصل؟ وما هي مراتبه؟ وما علاقته بالعقل والعقلانيّة؟ وما علاقته بالحبّ والجمال؟ وکما سنری، فثمّة بون شاسع بين تفسير القرآن عن الإيمان والعلاقات المحيطة به وبين تعبير المتکلمين وأصحاب المدرسة الإماميّة في بغداد الذين کانوا يمثّلون أعلی مثال علی العقلانيّة الشيعية آنذاك.
تتمثل المهمة الرّئيسة والأساسيّة لعلم الكلام في شرح تعاليم الإيمان والعقيدة الإسلامية؛ أي إثبات موضوع الإيمان ومتعلقه وشرح وتثبيت علاقة الإنسان به في مختلف الجوانب التي يتناولها نص القرآن وتعاليم الوحي. إن الإيمان في القرآن ليس مجرد اعتقاد عقلي وحكم قطعي يقتضي بعض الواجبات. إنّما الإيمان في القرآن هو أعظم وأعمق ظاهرة أو حالة تتحقق في العالم الداخلي للإنسان، ما ينتصر علی وجود الإنسان كله ويملأ حياته بالجهد والحيوية والنشاط، وهكذا يکتسب إنسان شجاعة لا توصف فتصبح حياته كلها جهادًا وکفاحًا:
﴿إنما المُؤمِنُونَ الّذينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِه ثُمَّ لم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ ]سورة الحجرات: 15 [
لكن الإيمان في علم الكلام ينحطّ إلى اعتقاد عقلي وحكم قطعي ناجم عن عدة مقدمات مما ينتهي في النهاية إلى إثبات وجود الناظم أو المحدث أو الخالق. وحصيلة إيمان کهذا ليست حياة مليئة بالجهد والتسامح والإيثار والجهاد. وهکذا يهمل علم الكلام أهم جوانب الإيمان.
على الرّغم من أنّ الاعتقاد العقلي والحكم القطعي والاعتراف القلبي کلها من ضروريات الإيمان ولکنها ليست الإيمان كله. المتکلم الذي يعتمد تفسيره على نص الوحي والذي يريد أن يعرف الإيمان ويعرفه كما يُرسم ويتصور في المسموعات؛ لا يمكن ولا ينبغي أن يحطّ من مکانة الإيمان إلی درجة يهمل جميع متطلباته وسائر جوانبه الأساسية.
التّفسير الکلاميّ للإيمان لا ينبغي أن يرتكز على الجانب العقلي للإيمان، ويتجاهل جوانبه الأخرى فيعطيه صورة ظاهرية فقط ، ويجنّد آليات العقل کافة للحصول علی بضعة مقدمات يستنتج منها الصورة الظاهريّة نفسها للإيمان.
يعدُّ القرآن الكريم الحبّ من أسس الإيمان ورکائزه إذ يقول:﴿والذين آمنوا أشدُّ حبّاً لله﴾ ]سورة البقرة: 165 [. والحبّ هذا هو أساس الطاعة:﴿إن کنتم تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُوني﴾ ]سورة العمران: 31[.
يجب علينا الانتباه إلی أن الحبّ في الإيمان حبّ متبادل وقد يشتدّ لهيبها لدرجة يتغلب على كل ما يظهر في حياة الإنسان من الحب العاطفي وغير العاطفي فيؤثّر على جميع تصرفاته طيلة حياته تأثيرًا تامًّا.
إنّ الله سبحانه وتعالی في الآية 24 من سورة التّوبة يذکر أنّه هو الوحيد الذي يستحقّ مثل هذا الحبّ الذي يکون أفضل، وأسمی من أنواع الحب العاطفيّ کافة کحبّ الوالدين والأطفال والأسرة والأزواج، والحبّ الماديّ نحو: حبّ الأموال والتّجارة والأرباح وما إلى ذلك.
من الطريف جدًّا والجدير بالعناية أيضًا أنّه في التّعاليم الوحيانيّة أُنشئ ارتباط وثيق بين التّبعيّة والطّاعة التي يشار إليهما في الفقه والکلام بـ«التّکليف» و«أداء التّکليف» ـ والحبّ والمودّة. ونظرًا إلی الآيّ المذکورة، فإنّ المکلِّف في الواقع هو المحبوب والمکلَّف هو المحبّ، غير أنّنا إذا دقّقنا النّظر وجدنا في دائرة الإيمان والتّکليف من منظور القرآن أن المکلِّف والمکلَّف کلاهما المحبان والمحبوبان. تكشف عشرات الآيات من القرآن الکريم عن حقيقة أن الله يحب الذين يؤمنون به فيقبلون إليه في حياتهم. وقد نُوقِشتْ مسألة التکليف والمکلِّف والمکلَّف في الكتب الكلاميّة، بما فيها كتاب «الذخيرة في علم الكلام» لمؤلفه الشّريف المرتضی.
فقد خصص الشّريف المرتضی أکثر من 35 صفحة من کتابه لبيان مسألة التّکليف وماهيته ووجوهه، وشروطه وشرح صفات المکلِّف وماهيّة الإنسان وصفاته بوصفه مکلَّفًا([31]). لكنّه لم يشر على الإطلاق إلى صورته القرآنية التي تنال عناية بالغة وتأکيدًا تامًّا في القرآن!! في ما يتعلق بعدم وجود مثل هذا الموضوع في الكتب الكلاميّة لمدرسة بغداد وعدم التّطرق إلى هذا الجانب الأساسيّ من الإيمان والتّکليف، يمكن ذكر المبررين الآتيين، ما ينبغي أن يعاد النظر فيهما نقدًا ودراسة:
- ترتبط ظاهرة الحب والعاطفة في الإيمان بالتّجارب الدّينيّة التي يمرّ بها المؤمن أو المکلّف مما تقع موقع العناية في عالم التّصوف. هذا وأن علم الکلام هو مجال البحث عن الأفكار والمعتقدات الإيمانية ولا الحالات الصوفية التي تحدث في ساحة الإيمان، وبالتالي يُعفى المتکلمون من مناقشة موضوع الحب والعاطفة. وبعبارة أخری، يتعامل علم الکلام مع الجوانب العقليّة والفكريّة للإيمان وليس جوانبه الحسيّة والعاطفيّة والتّجريبيّة، ولهذا بالضبط تجاهل المتکلمون هذه المجالات. ولکن يجب علينا الانتباه إلی أن التشبث بمثل هذه الأعذار يعدُّ نقصًا لعلم الکلام أكثر من أن يكون مبررًا صالحًا مقبولًا؛ لأنه أولًا: مهمّة المتکلم الأولی تکمن في شرح وتحليل التّعاليم الدّينيّة ولا سيما التّعاليم الإيمانيّة التي حظيت بالعناية والتوکيد في النّصوص الدّينيّة. فلا يجوز ولا ينبغي علی الإطلاق إهمال بعض مراتب هذه التّعاليم أو جوانبها. ثانيًا: إنّ للحب والبهجة والسّرور في الإيمان جوانب عاطفيّة وذوقيّة وحسّية بالإضافة إلى جوانبه المعرفيّة والعلميّة. والجوانب العاطفيّة تخضع للتّربية والتّهذيب کما تخضع الجوانب المعرفيّة للتنميّة والتّعليم. ولا يستطيع المتکلم أن يتملّص من معالجة هذه الجوانب من الإيمان وفي الوقت نفسه ينجح في إنجاز مهمته التي تکفّلها في الشرح والإجابة عن الأسئلة والردّ علی الشبهات الدينية.
- إنّ الحب في الإيمان هو في الواقع ظاهرة عاطفيّة قد حُلِلت وبُرِرت بشكل غير مباشر عند المتکلمين. وفي علم الکلام وخاصة عند تبيين أو شرح أو تفصيل الحجة الغائية، يتطرق إلى أن الله سبحانه وتعالی هو خالق كل هذه النعم، والتأمل فيها يدلّ الإنسان إلى وجوب شكر المنعم، وهنا تتشكل هذه العلاقة العاطفيّة بين المکلّف المؤمن من جهة والله الخالق المنعم من جهة أخرى. هنا ولمعالجة هذا الموضوع، يجدر الإشارة إلی أن للحب ضروباً مختلفة وأنواع متباينة کما يلي:
- الحبّ الفطري، نحو: الحب الجنسيّ.
- الحب العاطفيّ، مثل: حب الوالدين.
- الحب الماديّ كحب الشّيء للانتفاع به.
- الحبّ الجماليّ أيّ الحبّ للشّيء ذات والذي يكون أنقى ضروب الحب، وهو حبّ الشّيء لجاذبيّة أو روعة أو إبداع يمتلکها في حدّ ذاته ما يسحر الإنسان ويذهله.
إن الحب والعاطفة المذكورين في التحليل أعلاه من النوع الثالث الذي لا يمكن إنكاره، ولكن المستوى الأعلی من الحب والعاطفة هو النوع الرابع أيّ الحب الجماليّ الذي يؤکد عليه في القرآن الكريم وتعاليم الوحيّ والأدعية المروية عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام). فإنّ موضوع الإيمان أو متعلّقه أي الله عزّ وجلّ هو حقيقة الجمال والجمال المطلق في الرؤية القرآنية.
فهو سبحانه وتعالی في الرؤية القرآنيّة وحسب نظامه التّوحيدي جامع لجميع صفات الجمال والجلال؛ وأجلّ من أن يشوب ساحة قدسه شائبة أو نقص أو عيب: ﴿سبحان الله رب العالمين﴾ ]سورة النمل: 8[ وله الحمد کله: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ ]سورة الحمد: 2[ فهو غني بلا فقر: ﴿الله الصمد﴾ ]سورة التوحيد: 3[
إذًا؛ يستحيل عليه سبحانه ألا يملك صفات الجمال والجلال والمجد والعظمة، ومن المستحيل أن يحدّ جماله أو عظمته بحدود. لذلك، عندما يكتسب العقل مثل هذه المعلومات أو المعارف في ساحة الإيمان المعرفيّة، ينجذب إليه ويعشقه. فإنّما هذا الحب الشّديد الذي يصاب به العقل هو الحبّ الجمالي لا الحب العاطفيّ ولا الغريزي ولا المادي.
تقلبات البعد الأخلاقيّ في العقل الوحيانيّ والعقل الکلاميّ
قد جعل العقل الکلاميّ التّمييز بين الحسن والقبيح أساسًا للأخلاق. ويؤمن العلماء الفحول الثلاثة في مدرسة بغداد بوجود مثل هذه الإمكانيّة للعقل. فالشّيخ المفيد يری العقل قوة أو عرضًا يعرض علی جوهر الإنسان ويمكّنه من معرفة المستنبطات والعقل عن المقبحات([32]). وکذلك الشّيخ الطوسيّ قد ذهب مذهب أستاذه فيشير إلی التّطبيق العملي للعقل قائلًا: «العقل هو مجموعة من علوم ضرورية يميز بها بين القبيح والحسن([33]).»
فهو في هذا التعريف يشير إلى تمييز العقل بين الخير والشرّ. والشّريف المرتضى أيضًا، بعد تعريف العقل على أنّه مجموعة من العلوم، يشير في التّعبير عن وجه تسميتها إلى عقلها عن المقبحات حاسبًا إياها أساسًا للعلوم النظرية والجدليّة([34]). والجدير بالعناية أنّه لا دخل للعقل الکلاميّ في ساحة الأخلاق إلا عبر إدراك الحسن والقبح. يتوقف العقل الکلاميّ في عالم الأخلاق عند هذا المستوى، في حين أن العقل الوحياني يعرّف الأخلاق الإنسانيّة في إطار الأخلاق الإلهيّة. نعم، لله أيضًا أخلاق يجب علی الإنسان التخلّق بها لارتقاء مراتب الکمال امتثالاً لأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما يقول: «تخلّقوا بأخلاق الله».
لكن ما هي أخلاق الله؟ إن الأخلاق طبع أو سجية أو هيئة راسخة في النّفس يصدر عنها العديد من الأفعال معتمدة علی شاکلة الإنسان وبنيته الشّخصية. والقرآن الكريم يعمم هذا الأصل تعميمًا تامًّا ويعبر عنه كقاعدة وجودية عامة إذ يقول: ﴿قُل کُلٌّ يَعمَلُ عَلی شَاکِلَتِهِ﴾ ]سورة الأسری: 84 [
ولكن ما هي بنية شخصية الله تبارك وتعالی؟ ولماذا وكيف يتصرّف سبحانه؟
ليس له شخصية ماهوية ولكن له الكمال المطلق والجمال المطلق والقرآن يعبر عنه حيث يقول: ﴿لله الأسماء الحسنی﴾ ]سورة الأعراف: 8[. إن تصرفات الله ليست إلا تجليات لهذه الأسماء والصفات. إن أسماء الله وصفاته هي أخلاقه. فالرحمة والجبروت والرضا والغضب والمغفرة وغيرها هي كلّها أخلاق الله التي تحدّد لنا کيفيّة تصرفاته. ولكنّ النقطة المهمّة هنا هي أن القرآن الكريم يذکّرنا بأن الإنسان إذا أراد أن يرتقي مراتب الکمال يجب أن يحتذى بهذه الأسماء الإلهية ويتخلق بأخلاق الله. وعلی هذا، أن القرآن بعد أن يصرّح علی أن ﴿لله الأسماء الحسنی﴾ يخاطب النّاس ويضيف قائلاً: ﴿فادعوه بها﴾.
فالجزء الأول من هذه الکريمة بيان لمقام الألوهيّة أما الجزء الثانيّ فبيان لمقام التألّه. في الواقع ، يمكن معالجة هذين المقامين بناء علی العلم بالأسماء والعمل في ذيلها. فـ ﴿فادعوه بها﴾ ليست دعوة لفظية ولغوية. وحسب تعبير الملا صدرا أن التوحيد السمعي والتوحيد اللفظي والتوحيد الصوري ليس توحيدًا([35])، بل يجب أن يتصرف الإنسان في إطار هذه الأسماء الإلهية ليستضيء بنورها ويرتقي مراتب الکمال. هذا هو معنى «تخلّقوا بأخلاق الله». في هذا الاتجاه الأخلاقي، يصبح الإنسان مظهرًا من مظاهر الأسماء الإلهية فيتشبّه به ويتألّه. والأدعية المأثورة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بما فيها دعاء السحر تبيّن هذا الاتجاه الأخلاقي.
إن هذا الاتجاه يستند إلى أنثروبولوجيا متسامية، فلا يحصر الإنسان في جسمه المادي.
وجهة نظر المتکلمين العقلانيين في مدرسة بغداد في الأنثروبولوجيا تؤثر أيضًا على رؤيتهم الأخلاقيّة. فإنهم يرون هذا الجسم المشاهد هوية الإنسان کلها، والتقرب إلی الله امتداداً للنعم التي أنعم الله عليهم. هذا وتتطرّق التّعاليم القرآنية والمعارف الشيعة الإماميّة إلی الأخلاق في صورتها السامية مبنية علی إمکان القرب الوجودي والتقرب الحقيقي إلی الله والانسجام الوجودي التام بين الإنسان ورب العالمين. ولهذا فقد بُيِّين الإنسان الكامل أيّ مقام الإمامة على أساس التجلّي الكامل لجميع أسماء الله الحسنی كما يصرّح عليه الإمام الصادق عليه السلام قائلا: «نحن والله الأسماء الحسنی([36]).»
الفطرة في العقل الکلامي والعقل الوحياني
ما يساعدنا علی مقارنة العقلين الکلامي والوحياني هي علاقة کل منهما بالمعرفة الفطرية. کون المعرفة فطرية أم مکتسبة هي من أقدم المباحث الكلاميّة. ومعظم المتکلمين في مدرسة الكوفة الكلاميّة يعدُّون المعرفة فطرية إذ أنهم حسب ما تتحدث عنه بعض الآيات أو الروايات يعتقدون بأن الإنسان له حياة قبل الخلق في عالم يسمّونه عالم الذرّ أو الميثاق، وقد أشهد الله الإنسان علی نفسه وأخذ منه الميثاق علی ربوبيته وتوحيده والإنسان أقرّ واعترف بذلك ولکن أصحاب المدرسة الكلاميّة في بغداد أنکروا هذا العالم المسمّی بالذّر وحياة الإنسان قبل الخلق وقالوا بأن هذه الروايات ضعيفة السند لا يؤول عليها ولا يفسّر ولذلك قد رفضوا المعرفة الفطرية وتحدثوا عن المعرفة المكتسبة([37]). وبالتالي فهم لا يؤمنون بأي معرفة فطرية للإنسان. فإنّهم برفضهم المعرفة الفطرية، يفسحون المجال للمعرفة المكتسبة، والسيد المرتضی لا يرفض المعرفة الفطرية فحسب بل يعتبر فقدانها موهبة من عند الله([38]).
وبالتالي فإنّ العقل الکلاميّ لا يکون علی طريق الفطرة فحسب بل برفضها فقط يجد فرصة للظهور.
وهذا مخالف للطريق المتبع في الدين؛ لأنّ العقل الوحيانيّ لا يعارض الفطرة فحسب بل يماشيها. إن أمير المؤمنين علي عليه السلام في الخطبة الأولی من نهج البلاغة يری دعوة الرسل وميثاق الفطرة في اتجاه واحد فرسالة الأنبياء في إثارة دفائن عقول البشر حيث يقول:
«فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته… ويثيروا لهم دفائن العقول([39]).» وهكذا، على الرّغم من أننا لا نعتزم بقبول المعرفة الفطرية أن ندافع عن نظرية الحياة السّابقة للبشر بوجودهم الفردي، ولكن لن نحذو أيضًا حذو أصحاب المدرسة الكلاميّة في بغداد، فلا نری ظهور العقل والمنطق مقصورًا على نفي المعرفة الفطرية؛ لأنّه بقبول المعرفة الفطرية أيضًا لايزال يمکننا التحدث عن ضرورة التعقل والمنطق. وما يجدر الإشارة إليه هنا أنّه عناية بموضوع العقل الوحيانيّ وسياستها القائمة علی الفطرة ومبادئ الفطرة العقلانيّة وکذلك مدی حجيّة العقل ومعرفته ينتفي التعارض الظاهري بين بعض الروايات المتضاربة نحو: «ملاك الدّين العقل» و«دين الله لا يصاب بالعقل»؛ لأنّه يتمّ التمييز بين العقلانيّة القائمة علی الفطرة و تلك القائمة على الذوق الفرديّ.
ضرورة التعقل في التّعاليم الوحيانيّة والنّظام الکلاميّ
موضوع آخر يمكننا من تسليط الأضواء عليه عند المقارنة بين العقل الکلاميّ والعقل الوحيانيّ هو ضرورة التعقل وفلسفته. فالمتکلمون عند مناقشة موضوع وجوب المعرفة وضرورة التّعقل، يعالجون جهة وجوب معرفة الله أيضًا. يصرّح السيد المرتضی بهذا الشأن قوله: «فأمّا جهة وجوب المعرفة فهي أنّ العلم باستحقاق الثّواب العقاب اللذين هما لطف المکلّف بفعل الواجب و الامتناع من القبيح العقلي لا يصحّ إلّا بعد حصول المعرفة([40]).» فيؤکّد ثانية: «وإذا لم يتمّ العلم باستحقاق الثواب والعقاب إلا بعد معرفة الله تعالی وجبت معرفته([41]).»
کأنه لو کان لدينا طريقًا آخر للعلم باستحقاق الثّواب والعقاب لانتفت جهة وجوب معرفة الله!
والآن، بما أن العلم باستحقاق الثواب والعقاب يستلزم معرفة الله، ووجوب معرفة الله يقتضي وجوب النظر والتعقل؛ يبدو أنّه لا مناص إلا القول بأن ضرورة النّظر والتعقل والاستدلال تنشأ عن العلم باستحقاق الثواب والعقاب، وهذا ما يدلّ دلالة واضحة على الهيمنة الکبيرة للرؤية الفقهية علی علم الكلام.
علی هذا فإنّ العقل الذي يدعو إليه الکلام حتی بعد أن بلغ ذروته في مدرسة بغداد (حتى ذلك الحين) عقل لا يزال يسيطر عليه الفقه؛ لأنه لا يری وجهًا للنظر والتعقل إلا العلم باستحقاق الثواب والعقاب.
هذا وتعدُّ التّعاليم الدّينيّة النظر والتعقل واكتساب المعرفة من الضروريات اللازمة لسعادة الإنسان. وإذاحسبنا قول أمير المؤمنين عليه السلام، هوية الإنسان بعقله فيجب أن نعدُّ التّعقل ضرورة لا تنفصل عن طبيعة هذا الإنسان. فيری عليه السلام «فقد العقل شقاء» و«ضلال العقل أشدّ ضلّة([42])» وعندما يأمرنا عليه السّلام بقوله: «عليك بالعقل فلا مال أعود منه([43])» فدعوته إلی العقلانيّة وأمره بالتعقل في الحقيقة أمر إرشاديّ للبشريّة نحو السعادة.
النتائج:
قد تمّت المقارنة بين العقل الوحيانيّ والعقل الکلاميّ في مدرسة بغداد في المحاور الآتية:
- في ماهية العقل: إنّ العقل حسب التّعاليم الوحيانيّة جوهر مجرد مستقل له دوره الأنطلوجي، وهو قوة تمکّن الإنسان من إدراك الأمور فهو يعدُّ هوية الإنسان کلها ولکن العقل في علم الکلام يطلق علی مجموعة من العلوم أو قوة أو عرض في الإنسان.
- في حجيّة العقل: في النّظام الوحيانيّ تعرف حجيّة العقل وحدود معرفتها سابقة علی الدّين بينما في المدرسة الكلاميّة في بغداد نجد أولاً حالة غريبة من اضطراب المواقف وتضارب الآراء بهذا الشأن وثانيًّا على الرّغم من أنّه تعرف فيها حجية العقل سابقة علی الدين لکنه لا عمل للعقل إلا في ما يتعلق بالمحسوسات والحجة الغائية وأصل الحدوث خير مثالين له.
- إن العقل في التّعاليم الوحيانيّة يحتضن ساحة جماليّة، بينما نری هذه السّاحة في النظرة الكلاميّة منسية تمامًا. والمقارنة بين هاتين المدرستين في موضوعيّ الإيمان والتکليف مفيدة للغاية في هذا الصدد.
- على الرّغم من أنّ البعد العملي أو الأخلاقي للعقل قد وقع موقع العناية في کلا المدرستين ولکن يمرّ بتقلبات ملحوظة فيهما. فالعقل العمليّ في الکلام يمکّن الإنسان من التمييز بين الحسن والقبيح في حين أن الأخلاق الإنساني في المدرسة الوحيانيّة تعقب على أساس أنّها من الأخلاق الإلهية وأسماء الله الحسنی.
- إنّ العقل الکلاميّ بعد نفي المعرفة الفطرية يجد مجالاً للظهور ولکن العقل الوحيانيّ لا ينافي المعرفة الفطرية فحسب بل يماشيها.
- وجوب النّظر والتعقل في الوجهة الكلاميّة له اتجاه فقهيّ، يستند إلی العلم باستحقاق الثواب والعقاب حينما يعدّ التعقل في التّعاليم الدينية من ضروريات سعادة الإنسان وکماله.
الهوامش
[1]. أستاذة مساعدة في قسم الفلسفة والکلام الإسلاميّ بجامعة أصفهان، إيران. E-mail: n.ahlsarmadi@ltr.ui.ac.ir
.[2] أستاذ في قسم الفلسفة والکلام الإسلامي بجامعة أصفهان، إيران. E-mail: m.emami@ltr.ui.ac.ir
[3]. Assistant Professor of Islamic Philosophy and Theology, University of Isfahan, Iran
E-mail: n.ahlsarmadi@ltr.ui.ac.ir
[4]. Professor of Islamic Philosophy and Theology, University of Isfahan, Iran
E-mail: m.emami@ltr.ui.ac.ir
[1] . ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، نشر أدب حوزة، قم، 1405 هـ، ج 4، ص 3046
[2] . الفيروزآبادي، مجدالدين، القاموس المحيط، دارالجيل، بيروت، 1995م، ج 1، ص 1034
[3] . الشريف الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، دار الکتب العلمية، قاهرة، 1938م، ج 1، ص 152
[4] . الكليني، محمد بن يعقوب، الكافى، دار الحديث، قم، 1429هـ، ج1، ص 23-24
[5] . صدرالمتألهين، محمد بن إبراهيم، شرح أصول الكافي، الدراسات والبحوث الثقافية، طهران، 1366هـ.ش، ج1، ص 229 – 223
[6] . المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1404هـ، ج1، ص31
[7] . المصدر نفسه.
[8] . الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، معهد إمام العصر للنشر، قم، 1387هـ.ش، ص33
[9] . ابن بابويه، محمد بن علي، الأمالي، منشورات كتابجي، طهران، 1376 هـ.ش، ص240
[10] . المفيد، النکت في مقدمات الأصول، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش، ص22
[11] . السيد المرتضى، علي بن الحسين، موسوعة التراث للسيد المرتضى في علم الکلام وردّ الشبهات، مرکز الدراسات الإسلامية الاستراتيجية، النجف، 1436هـ، ج1، ص458
[12] . الطوسي، محمد بن حسن، التبان في تفسير القرآن، صحّحه أحمد حبيب، دار الأحياء التراث العربي، بيروت، ج2، ص77
[13] . المصدر نفسه، ج1، ص200 و201
[14] . الكليني، محمد بن يعقوب، الكافى، دار الحديث، قم، 1429هـ، ج1، ص35
[15] . الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، معهد إمام العصر للنشر، قم، 1387هـ.ش، ص829
[16] . الكليني، محمد بن يعقوب، الكافى، دار الحديث، قم، 1429هـ، ج1، ص56
[17] . المفيد، تصحيح الاعتقاد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش، ص 102
[18] . المفيد، محمد بن نعمان، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، معهد الدراسات الإسلامية، طهران، 1372هـ.ش، ص7و8
[19] . الطوسي، التبيان، ج3، ص611-610 وأيضاً، الطوسي، تمهيد الأصول، ص46 والمرتضى، موسوعة التراث، ج1، ص496 و 357 و 302
[20] . الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، صحّحه: صبحي صالح، هجرة ، قم، 1414هـ، ص272
[21] . المصدر نفسه، ص269
[22] . نفس المصدر، ص40
[23] . المصدر نفسه
[24] . المفيد، الأمالي، دار المفيد، قم، 1413هـ.ش، ص 253-258
[25] . المفيد، المسائل السرورية، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش، ص48
[26] . برنجكار، رضا، روش شناسی علم کلام، منشورات صمت، طهران، 1393هـ.ش، ص 97
[27] . الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، معهد إمام العصر للنشر، قم، 1387هـ.ش، ص 22
[28] . المصدر نفسه، ص 56 و122
[29] . نفس المصدر، ص47
[30] . الطوسي، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، معهد الفقه الشيعي، بيروت، 1411هـ، ج1، ص 301
[31] . المرتضی، الذخيرة في علم الكلام، المعهد الإسلامي للنشر، قم، 1431هـ، ص 143-105
[32] . المفيد، النکت في مقدمات الأصول، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش، ص22
[33] . الطوسي، محمد بن حسن، التبيان في تفسير القرآن، دار الأحياء التراث العربي، بيروت، ج 2، ص282
[34] . السيد المرتضى، علي بن الحسين، موسوعة التراث للسيد المرتضى في علم الکلام وردّ الشبهات، مرکز الدراسات الإسلامية الاستراتيجية، النجف، 1436هـ، ج1، ص 458
[35] . صدرالمتألهين، کسر أصنام الجاهلية، مؤسسة صدرا للحكمة الإسلامية، طهران، 1381هـ.ش، ص 41و42
[36] . صدر المتألهين، شرح أصول الكافي، معهد الدراسات والبحوث الثقافية، طهران، 1366هـ.ش، ج4، ص 156
[37] . ينظر: المفيد، أوائل المقالات، ص 17 والطوسي، التبيان، ج2، ص 74 وتمهيد الأصول، ص 46
[38] . «أما الذي يدلّ علی المعرفة الضرورية لا تقوم مقام المکتسبة في اللطف أن من المعلوم المتقرّر أن من تحمل مشقة عظيمة لکي يصل إلی فعل غرض من الأغراض، يکون أقرب إلی فعل ذلك الغرض إذا تحمّل المشقة في الطريق إليه من إذا لم يکن عليه مشقة.» المرتضی، الذخيرة في علم الكلام، المعهد الإسلامي للنشر، قم، 1431هـ، ج1، ص 180
[39] . الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، هجرة ، قم، 1414هـ، ص43
[40] . السيد المرتضى، علي بن الحسين، موسوعة التراث للسيد المرتضى في علم الکلام وردّ الشبهات، مرکز الدراسات الإسلامية الاستراتيجية، النجف، 1436هـ، ج1، ص 496
[41] . المصدر نفسه.
[42] . الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، معهد إمام العصر للنشر، قم، 1387هـ.ش، ص 535 و 520
[43] . المصدر نفسه، ص 500
المصادر
1-القرآن الکريم
2-ابن بابويه، محمد بن علي، الأمالي، منشورات كتابجي، طهران، 1376 هـ.ش.
3-ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، نشر أدب حوزة، قم، 1405 هـ.
4-الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، ترجمة محمد علي أنصاري، معهد إمام العصر للنشر، قم، 1387هـ.ش.
5-برنجكار، رضا، روش شناسی علم کلام، منشورات صمت، طهران، 1393هـ.ش.
6-السيد المرتضى، علي بن الحسين، موسوعة التراث للسيد المرتضى في علم الکلام وردّ الشبهات، 3 مجلدات، مرکز الدراسات الإسلامية الاستراتيجية، النجف، 1436هـ.
7-ـــــــــــــ، الذخيرة في علم الكلام، المعهد الإسلامي للنشر، قم، 1431هـ.
8-الشريف الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، دار الکتب العلمية، قاهرة، 1938م.
9-الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، صحّحه: صبحي صالح، هجرة ، قم، 1414هـ.
10-صدرالمتألهين، محمد بن إبراهيم، شرح أصول الكافي، 4 مجلدات، صحّحه محمد خواجوي، معهد الدراسات والبحوث الثقافية، طهران، 1366هـ.ش.
11-ـــــــــــ، کسر أصنام الجاهلية، صحّحه محمد جهانکيري، مؤسسة صدرا للحكمة الإسلامية، طهران، 1381هـ.ش.
12-الطوسي، محمد بن حسن، التبيان في تفسير القرآن، صحّحه أحمد حبيب، دار الأحياء التراث العربي، بيروت، دون تاريخ.
13-ـــــــــــ، تمهيد الأصول في علم الکلام، منشورات رائد، قم، 1394هـ.ش.
14-ـــــــــــ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، معهد الفقه الشيعي، بيروت، 1411هـ.
15-الفيروزآبادي، مجدالدين، القاموس المحيط، دارالجيل، بيروت، 1995م.
16-الكليني، محمد بن يعقوب، الكافى، دار الحديث، قم، 1429هـ.
17-المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1404هـ.
18-المفيد، محمد بن نعمان، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، نشرها معهد الدراسات الإسلامية، طهران، 1372هـ.ش.
19-ـــــــــــ، أ. تصحيح الاعتقاد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش.
20-ـــــــــــ، ب. المسائل السرورية، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش.
21-ـــــــــــ،ج. النکت في مقدمات الأصول، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.ش.
22-ـــــــــــ، د. الأمالي، دار المفيد، قم، 1413هـ.ش.