تعلم مادة الجغرافيا عن بعد في المرحلة الثانويّة في لبنان في ظل جائحة كوفيد 19
د. رولا الشّامي([1])
- مقدمة البحث
إن التّعليم هو عملية منظمة تهدف إلى إكساب الأفراد العديد من المعارف والمهارات والقيم التي تسعى إلى تحقيق أهداف محددة. وللتّعليم انعكاسات كبيرة على حياة الأفراد وعلى المجتمع. فالفرد عندما يمتلك المعارف والمهارات اللازمة، فهي تزيد من ثقته بنفسه وتكسبه قدرات تساعده في امتلاك المؤهلات ليكون عنصرًا فاعلًا في مجتمعه، كما تمنحه فرص العمل التي تجعله يعتمد على نفسه، وكل تلك الأمور عندما تتحقق لدى الأفراد فهي تؤدي إلى تنمية الدّول وتطورها على مختلف الأصعدة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ولذلك فإنّ حقّ التّعلم موجود في المادة رقم 26 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان ” لكل شخص الحقّ في التّعليم، ويجب أن يُوفر التّعليم مجانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائيّة والأساسيّة. ويكون التّعليم الابتدائيّ الزاميًا، ويكون التّعليم الفنيّ والمهنيّ متاحًا للعموم. ويكون التّعليم العالي متاحًا للجميع تبعًا لكفاءاتهم” (الإعلان العالمي لحقوق الانسان، www.un.org)). فكيف كان واقع التّعلم والتّعليم في ظل جائحة كورونا- كوفيد 19؟
أرخت أزمة كوفيد 19 ثقلها على قطاع التّعليم في دول العالم كافة ، وقد أدت إلى ” تضرر نحو 1.6 بليون من طالبيّ العلم في أكثر من 190 بلدًا في جميع القارات، وأثّرت عمليات إغلاق المدارس وغيرها من أماكن التّعلم على 94% من الطلاب في العالم، وهي نسبة ترتفع لتصل إلى 99% في البلدان المنخفضة الدّخل والبلدان المتوسطة الدخل” (الأمم المتحدة، 2020، ص:2).
وفي لبنان تحديدًا، في بداية العام 2020، اتخذت السلطات الرّسميّة، كما هو الحال في دول العالم كافة ، قرار إقفال المدارس والجامعات، وبات العام الدّراسيّ مهددًا بالخطر، ما دفع بوزارة التّربية والتّعليم العالي إلى إطلاق خطة التّعلم من بعد في مختلف قطاعات التّعليم الرّسمي والخاص. وقد فتحت هذه الخطة العديد من القضايا التي تعدُّ مشاكل أساسيّة وعقبات أمام نجاح هذه الطريقة في التّعليم، وقد طالت هذه المشاكل الأقطاب الأساسيّة في المثلث الدّيداكتيكي: المعلم، المتعلم، والكتاب المدرسيّ، وهذا ما يدفع بالباحثين التّربويين وكل المعنيين بالعمليّة التّعليميّة- التّعلميّة العمل باستمرار لتخطي هذه العقبات.
يعدُّ الكتاب المدرسيّ الوسيلة الأساسيّة التي يعتمد عليها كلًا من المعلم والمتعلم، فالمعلم يعتمد عليه كونه يساعده في التّخطيط وفي توفير الأسئلة والأنشطة… والمتعلم يعود إليه متى أراد ذلك، فالمتعلم يعتمد على الكتاب المدرسيّ أثناء درسه وإنجاز امتحاناته. ولهذا يجب العمل على تحديث الكتب المدرسيّة عامة، والجغرافيّة خاصة، لارتباط كتب الجغرافيا ومحتواها بحياة التلاميذ اليوميّة كونها تتناول المواضيع السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المعاصرة، وذلك لكي تسهل عملية التّعلم من بعد، لا أن تكون عائقًا بوجهها.
وكان المعلم ولا يزال القائد والموجه التّربوي والمشرف على أعمال المتعلمين، المحرك للمناقشات الصّفيّة، كذلك فإنّ المعلم يقدم الحقائق والمعلومات للمتعلمين، ولكن بعد جائحة كوفيد 19 والاتجاه إلى التّعلم من بعد، لم يعد ذلك يكفي، بل أصبح من دور المعلم أن يُعّلم المتعلم كيف يتعلم، كما أصبح عليه القيام بدمج التكنولوجيا في التّعليم والتّكيف مع المتغيرات الجديدة وتوفير المناخ المشجّع للتّفاعل مع التلاميذ، كما لتفاعل التّلاميذ مع بعضهم. لذلك على السّلطات المعنيّة القيام بالدّورات اللازمة لتطوير أداء المعلمين.
أما المتعلم فهو محور العملية التّعليمية – التّعلمية، وله موقف ناشط وفعال وليس فقط متلقٍ للمعلومات، وعليه في ظل التّعلم من بعد أن يتقن استخدام المواد والأدوات والأجهزة المستعملة، وأن يعرف كيف يوظفها لخدمته، كذلك يجب إكسابه أساليب تطوير التّفكير المنطقيّ عن طريق هذه الأجهزة الالكترونيّة. من هنا يأتي دور الجهات المعنيّة والمسؤولين لتهيئة الجو الملائم لهؤلاء المتعلمين لإكمال العمليّة التّعليميّة- التّعلميّة.
وبعد الاطلاع على الأبحاث التّربويّة المتعلقة بالموضوع، ومن خلال الخبرة الشّخصيّة، نجد ضرورة أن تكون هذه الأقطاب الثلاثة على استعداد من أجل إنجاح عملية التّعلم من بعد. هذه العملية التي فرضت نفسها على التّعليم في جميع أنحاء العالم، وفي لبنان، ونقلت العديد من المدارس إلى التّعلم عبر منصات متعددة، أبرزها: زوم Zoom، التيمز Microsoft Teams، قاعة غوغل Google Classroom …
انطلاقًا من هذه الرؤية، وتأكيدًا على أهمية ودور التّعلم من بعد في الوقت الراهن، كونه يساهم في حل مشكلة إغلاق المدارس وإيصال المعلومات بشكل ممتع وسريع وسهل الاستيعاب وفي أقل وقت وجهد ممكن، وحتى لا يكون التّعلم من بعد هو “تعلم أونلاين” فقط، اختير هذا البحث بعنوان: ” تعلم مادة الجغرافيا من بعد في المرحلة الثّانوية في لبنان في ظل جائحة كوفيد 19″.
- إشكالية البحث
في ظل الوضع الراهن لجائحة كوفيد 19، اتجهت العديد من المدارس والثانويات الى التّعليم من بعد واعتمدت العديد من المنصات التّعليميّة التي جمعت كلًا من المعلم والمتعلم، وقد كانت تجربة جديدة بالنسبة إليهم، خاصة على المتعلم الذي تأثر سلبًا أو إيجابًا بهذا التّغيير الكبير والمفاجئ في آن معًا. لذلك انطلاقًا من عنوان البحث وإشكاليته، طُرِح السؤال الآتي: ما هو واقع تعلم مادة الجغرافيا من بعد في المرحلة الثانويّة في لبنان في ظل جائحة كوفيد 19؟ وقد تفرع عن هذا السؤال ما يلي:
- كيف تُعلّم مادة الجغرافيا في المرحلة الثانويّة في لبنان بحسب المتعلمين؟
- ما هي آراء المتعلمين واتجاهاتهم نحو التّعلم من بعد؟
- فرضيات البحث
انطلاقًا من إشكالية البحث وأسئلته، يمكن طرح الفرضيات الآتية:
- تتفاوت طرق تعليم مادة الجغرافيا في المرحلة الثانوية في لبنان من ثانوية إلى أخرى.
- يوجد اتجاهات سلبية عند التلاميذ نحو التّعلم من بعد.
- أهداف البحث
يهدف هذا البحث من خلال طرحه إلى الآتي:
- تحديد الطرائق والأساليب التي يجري من خلالها تعليم الجغرافيا من بعد.
- تحديد أكثر البرامج المستخدمة في التّعليم من بعد.
- معرفة مدى مساهمة التّعلم من بعد في توصيل المعلومات الجغرافيّة للمتعلمين.
- معرفة مدى رضا المتعلمين على تعلم مادة الجغرافيا من خلال التّعلم من بعد.
- أهمية البحث
تبرز أهمية هذا البحث من خلال:
- التمييز بين التّعلم من بعد والتّعلم الالكترونيّ والتّعلم الافتراضيّ…
- تبيان الطريقة التي يحصل فيها حاليًا تعليم مادة الجغرافيا من بعد، ومدى تنوع الوسائل المستخدمة من قبل المعلم.
- إظهار مدى نجاح التّعلم من بعد في إيصال المعلومات الجغرافيّة للمتعلمين وفي ترسيخها.
- تقييم مدى تقبل المتعلمين للتعلم من بعد.
- تقديم بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في حل الثغرات التي تواجه التّعلم من بعد وتحسين العملية التّعليميّة- التّعلميّة.
- حدود البحث
- عينة البحث: اقتصر البحث الحالي على تلاميذ الصف البكالوريا أدبيّ في المرحلة الثّانويّة.
- الحدود الموضوعيّة: يركز هذا البحث على عملية تدريس الجغرافيا من خلال التّعلم من بعد.
- الحدود المكانيّة:طُبِق هذا البحث في لبنان في محافظة بيروت.
- الحدود الزّمانيّة: طُبِق هذا البحث في الفصل الثاني من العام الدّراسيّ 2020- 2021.
- منهج البحث وأدواته
اعتمد البحث المنهج الوصفيّ التّحليليّ الذي يقوم على ” دراسة الواقع أو الظاهرة كما توجد في الواقع، ويهتم بوصفها وصفًا دقيقًا ويعبر عنها تعبيرًا كيفيًا (كيف) أو كميًا (كمّ)” (طباجه، 2011، ص:387).
كما سأقوم بتحليل العوامل المؤثرة واستخلاص النّتائج، لذا سيعتمد هذا البحث على استمارة ستوزع على تلاميذ المرحلة الثّانويّة في بيروت وتحليل نتائجها من أجل التحقق من صحة الفرضيّات، ويتضمن البحث قسمين أساسيين: القسم النّظريّ والقسم التّحليليّ، بالإضافة إلى الاستنتاجات والاقتراحات.
- القسم النّظريّ
أولًا: مصطلحات البحث
- التّعليم من بعد
عملية نقل المعرفة الى المتعلم في موقع اقامته أو عمله بدلًا من انتقال المتعلم إلى المؤسسة التّعليميّة، وهو مبني على اساس إيصال المعرفة والمهارات والمواد التّعليميّة الى المتعلم عبر وسائط، وأساليب تقنيّة مختلفة حيث يكون المتعلم بعيدًا أو منفصلًا عن المعلم أو القائم على العمليّة التّعليميّة، وتستخدم التكنولوجيا من أجل ملء الفجوة بين كلٍّ من الطرفين بما يحاكي الاتصال الذي يحدث وجهًا لوجه. (الهمامي وحجازي، 2020 ص: 14).
- الاتجاه
استجابة الفرد أو استعداده نحو قبول أو رفض موضوع معين أو شخص أو فكرة أو رأيّ معين (الشريف، 2016، ص: 897).
- مادة الجغرافيّا
هي علم المجال (l’espace) الذي يركز على “دراسة الحركيّة في المجال، ودراسة التّفاعل البشريّ- الطبيعيّ، أو البشريّ- البشريّ لفهم المركب الجغرافيّ بكل عناصره، كما التّركيز على النّشاط البشريّ ودوره في تنظيم المجال وتطويره” (بدران، 2009، ص:11).
- جائحة كوفيد 19
هو فيروس المتلازمة التّنفسيّة الحادة الوخيمة كورونا 2، ويرمز إليه ب SARS- COV-2، ويسمى المرض الناتج عنه مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19). في آذار / مارس 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) أنها صنفت وباء كوفيد 19 كجائحة ( www.mayoclinic.org).
- المرحلة الثّانوية في لبنان
مدتها ثلاث سنوات يدخلها من أتم الخامسة عشرة من عمره على الأقل، وحصل على الشّهادة المتوسطة، تؤدي هذه المرحلة إلى الشّهادة الثانوية العامة بأحد الفروع الأربعة الآتية:
- فرع الإنسانيّات
- فرع الاجتماع والاقتصاد
- فرع العلوم العامة
- فرع علوم الحياة. (مناهج التّعليم العام 1997)
ثانيًا: الدّراسات السّابقة
لقد تُنُاوِل موضوع التّعليم الالكتروني والتّعليم من بعد في العديد من الدّول العربيّة والأجنبيّة، أمّا في لبنان فيعدُّ الموضوع جديدًا طرأ وانتشر في الجامعات والمدارس والثانويات بعد جائحة كوفيد 19، وأبرز هذه الدّراسات التي الاطلاع عليها:
- دراسة نويرة وأعقيرش (2020)، بعنوان: متطلبات التّعليم من بعد وتحدياته في ظل جائحة فايروس كورونا.
اتبعت الدّراسة المنهج الوصفيّ التّحليليّ، وهدفت إلى الكشف عن أهمية التّعليم من بعد بوصفه خيارًا بديلًا للتّعليم الحضوريّ داخل المؤسسات التّعليميّة والجامعيّة ومعاهد التكوين المهني. لذلك عدَّ الباحثان أنّه يجب توظيف التّعليم من بعد بديلًا للتّعليم الحضوريّ متخذًا من دولة المغرب نموذجًا لذلك، ضرورة تكافؤ الفرص بين التّلاميذ بالوسطين القرويّ والحضريّ، ومن الأهمّية ضمان جودة التّعليم من بعد بالتّعليم العالي في ظل تفشي فيروس كورونا، كما طرحا أبرز التّحديات التي تواجه نمط التّعليم من بعد. وفي ضوء نتائج الدّراسة توصل الباحثان إلى مجموعة من التوصيات، أهمها: ضرورة توفير الوسائل والمستلزمات التكنولوجيّة لهذا النمط الرقمي، بالإضافة إلى ضرورة تأهيل الموارد البشريّة للتمكن من استخدام هذا النّمط في التّعليم، وأخيرًا لا بدّ من إعادة النّظر في البرامج المتعلقة بالنّظام التّعليميّ ليواكب متغيرات العصر والعولمة. وقد استفيد من هذه الدّراسة من خلال الاطلاع على الدّراسات السّابقة والتعاريف المستخدمة فيه.
- دراسة يوسف (2020)، بعنوان: اتجاهات الطلاب نحو التّعليم الالكتروني في ظل جائحة فايروس كورونا.
اتبعت الدراسة المنهج الوصفيّ التّحليليّ، وهدفت إلى التّعرف باتجاهات الطلاب الجامعيين وآرائهم نحو عمليّة التّعليم الالكترونيّ في مرحلة كوفيد 19. طُبقت الدّراسة على 151 طالبًا في كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبد العزيز، واستخدمت الاستمارة كأداة لجمع البيانات. وبعد تحليل هذه البيانات باستخدام البرنامج الاحصائيّ SPSS، توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج أبرزها: وجود رضا لدى الطلاب عن نظام التّعليم الالكترونيّ، وتفضيل الغالبيّة منهم التّعليم الالكترونيّ على التّعليم التّقليديّ، كما أجمع عدد كبير من أفراد العيّنة على أنّ التّعليم الالكترونيّ زاد من مستوى تحصيلهم الأكاديميّ. وقد استُفِيد من هذه الدراسة من خلال الاطلاع على الاستمارة وطريقة تحليلها.
- دراسة وراق (2005)، بعنوان: واقع التّعلم من بعد في السودان.
اتبعت الدراسة المنهج الوصفيّ التّحليليّ، وهدفت إلى معرفة واقع التّعليم من بعد في السّودان بدراسة حالة جامعة السّودان المفتوحة، تكونت عينة الدراسة من 40 استاذًا جامعيًا واعتمدت على الاستمارة. بعد توزيع الاستمارة على أساتذة العيّنة، قامت الباحثة بتحليل نتائج الاستمارة باعتماد البرنامج الاحصائيّ SPSS. وأبرز ما توصلت إليه هو الآتي: يزوَّد الدّارسين ببعض المهارات اللازمة عند دراستهم لبرنامج التّعليم من بعد، التركيز المكثف على استخدام الوسائط التّعليميّة في عمليّة التّعليم، تلقي القائمين دورات تدريبيّة مستمرة، كذلك تبين للباحثة أن المجتمع ينظر للتّعليم من بعد نظرة سلبية، بالإضافة إلى أنّ إمكانيّة استفادة المرأة وكبار السّن من فرص التّعلم عبر التّعلم من بعد هي أكبر. وبناءً عليه، اقترحت الباحثة تدريب طلاب برامج التّعلم من بعد بكيفية استخدام الإنترنت، التركيز على استخدام الإنترنت كوسيط تعليميّ، عقد دورات تدريبيّة طويلة المدى، العمل على إزالة النّظرة السلبيّة نحو التّعليم من بعد، كما الاهتمام ببرامج تعليم الكبار وتنمية المرأة من خلال التّعلم من بعد. استفيد من هذه الدّراسة من خلال الاطلاع على خطواتها.
- دراسة فيدالغو وآخرون (2020)، بعنوان: تصورات الطلاب حول التّعليم من بعد.
اتبعت هذه الدراسة المنهج الوصفي التّحليليّ، وهدفت إلى التعرف بتصورات المتعلمين ومواقفهم واستعداداتهم لتجربة التّعلم من بعد. اعتمد الباحثون على توزيع استمارة على الطلاب الجامعيين في البرتغال، أوكرانيا، والإمارات العربية المتحدة. وبعد تحليل النتائج، توصل الباحثون إلى أن الطلاب في البلدان الثلاثة يهتمون من خلال هذه البرامج بموضوع إدارة الوقت، التّحفيز، ومهارات اللغة الإنكليزيّة وعلى الرّغم من تخوف الطلاب إلى حدٍّ ما من المباشرة بالتّعلم من بعد، إلا أنّهم أبدوا اهتمامًا كبيرًا بهذا النّوع من التّعلم، وتحمسوا لفكرة أخذ دورات في التّعلم من بعد. بناءً على هذه النتائج، أوصى الباحثون المؤسسات التّعليميّة بالقيام بتقييم حول الاستعداد لأخذ دورات في التّعلم من بعد، تقديم دورات تمهيديّة لبناء المهارات والسّلوكيات بناءً على اهتمامات الطلاب، تدريب المدربين على تطوير وتقديم دورات التّعلم من بعد التي تساعد في التغلب على عقبات التحفيز وإدارة الوقت، وأخيرًا يجب تقديم دورات حول التّعليم من بعد والتّعلم المدمج الذي قد يوفر نموذجًا انتقاليًا. استُفيد من هذه الدراسة من خلال التّعرف بالدّراسات السّابقة.
ثالثًا: التّعلم من بعد
- مفهوم التّعلم من بعد Distance Learning
هو ظاهرة حديثة للتّعليم تطورت مع التّطور التكنولوجيّ المتسارع في العالم، ويقوم التّعلم من بعد على مبدأ الفصل بين المعلم والمتعلم والكتاب، ويكون الهدف منه إعطاء فرصة التّعليم للمتعلمين الذين لا يستطيعون الحصول عليه بسبب العمل أو أسباب أخرى خاصة بهم.
بدأت فكرة التّعليم من بعد أواخر السّبعينيات من قبل بعض الجامعات في أميركا وأوروبا التي كانت تستعمل البريد، واشتملت الدّراسة في ذلك الوقت على الكتب وشرائط التّسجيل والفيديو، مع ضرورة حضور المتعلم إلى الجامعة لإجراء الامتحان النهائيّ.
بعد ذلك، تطور الأمر في أواخر الثّمانينات ليصبح التّواصل بين المعلم والمتعلم عن طريق الرّاديو والتلفزيون. بعد ظهور الانترنت وانتشار استخدام أجهزة الكمبيوتر واللابتوب والتّلفونات أصبح التّعلم من بعد أسهل وأسرع.
وتُستخدم العديد من المصطلحات التي تدل على التّعليم من بعد كالتّعليم الالكترونيّ، التّعليم عبر الهاتف المحمول، التّعليم عبر الإنترنت، التّعلم الافتراضيّ… إلا أنّ لكل نوع من هذه الأنواع مميزات خاصة بها.
- أهداف التّعلم من بعد
يوجد العديد من الأهداف للتّعليم من بعد ذكرتها دعدوع (2021) وهي على الشكل الآتي:
- رفع المستوى الثّقافيّ والعلميّ والفكريّ في المجتمع.
التّغلب على مشكلة النّقص في الإمكانيّات الماديّة والبشريّة.
ج -توفير مصادر تعليميّة متعددة تلغي الفروقات الفرديّة بين المتعلمين.
د-توفير فرصة للحصول على وظيفة أفضل.
هـ -توفير فرصة تعليمية لمن لا تسمح له ظروف الحياة بالانتظام بالتّعليم التقليدي (دعدوع، 2021).
بالإضافة الى ذلك، يمكن إضافة أن التّعلم من بعد يعزز المهارات الحياتيّة ويركز على مهارات القرن الواحد والعشرين، كما يقدم المناهج بطريقة مبتكرة وتفاعليّة.
- عناصر التّعلم من بعد
للتّعليم من بعد عدة عناصر، أهمها:
- توفر شبكة الإنترنت ليتمكن المتعلم والمعلم من التّواصل عبرها.
- متعلم يتابع كل ما يختص بالمادة التّعليميّة من خلال تطبيقات أو مواقع تعليميّة مختصة.
ج-معلم مسؤول عن متابعة وتقييم آراء الطلاب.
د-اختصاصيين يقومون بتوفير المحتوى الرقميّ والمواد التّعليميّة.
- إيجابيات التّعليم من بعد
للتّعليم من بعد عدة مميزات عرضتها عبد الله (2021)، أبرزها:
- يتيح للمعلم بالتّعلم من أيّ مكان في العالم من دون الاضطرار الى السّفر بل من داخل غرفهم الخاصة، أيّ أنّ التّعليم أصبح من دون حدود خاصة، فالمتعلم هو الذي يحدد مكان دراسته.
- يعدُّ التّعلم من بعد أقل تكلفة، ويحصل المتعلم على الجودة نفسها في التّعليم مع توفير الكثير من المال، كما يتيح للمتعلم بالعمل والدراسة معًا.
ج-يقدم التّعلم من بعد فرصة للمتعلم من ذويّ الاحتياجات الخاصة، من دون بذل الكثير من الجهد في التنقل.
د-يعزز التّعلم من بعد المهارات المتعلقة باستخدام التكنولوجيا كافة من خلال البحث عن الإنترنت، صناعة الفيديوهات، عرض شرائح الباوربوينت، استخدام شبكات التواصل الاجتماعيّ واستخدام التطبيقات التّعليميّة…
وتضيف د الهام بدران (2021) أن التّعليم من بعد:
- “يناسب مختلف المواد الدّراسيّة وعدة أساليب تعليميّة.
- يقدم حلًا لمشكلة الصفوف الكبيرة العدد مع المحافظة على نوعية التّعليم.
ج-يعزز الاعتماد على النفس في التّعلم الذاتي ما يزيد من ثقة المتعلم بقدراته” (بدران،2021، ص:323).
- سلبيات التّعلم من بعد
على الرّغم من وجود العديد من الإيجابيّات التي يتميز بها التّعلم من بعد، ولكن رُصِدت بعض السّلبيات، أبرزها:
- النّظرة السلبية من قبل المجتمع يرى البعض أنّه لا يوفر فرص العمل.
- عدم الاعتراف به من الدول كافة.
ج-ارتفاع الكلفة الماديّة له، إذ هناك بعض المنصات والمواقع التي لا يمكن استخدامها مجانًا.
د-التهاء المتعلم بمواقع التواصل الاجتماعيّ والتّوجه للألعاب أثناء جلوسهم أمام شاشات الكمبيوتر، وهذا ما يساعد على فقدان التّركيز عند المتعلم.
الأثار السّلبيّة النفسيّة على المتعلم كالشعور بالوحدة والانعزال نتيجة ضعف التفاعل بين المتعلمين والمعلم، أو بين المتعلمين مع بعضهم البعض، كذلك وجود أثار سلبية جسدية كمشاكل بصرية أو آلام في الرقبة والظهر.
- ضعف الانترنت وانقطاع الكهرباء في بعض الدّول، ما يجعل التواصل صعبًا بين المعلم والمتعلم، ويحول دون القدرة على متابعة التّعلم من بعد.
- مشاكل تقنيّة في أجهزة الكمبيوتر على مختلف أنواعها قد تؤدي إلى فقدان الملفات والمعلومات المتعلقة بالمواد الدّراسيّة كافة للمتعلم، ما قد يؤثر على مستوى الطالب وتحصيله.
- أنماط التّعلم من بعد
هناك نمطين من التّعلم من بعد، هما:
- النّمط المتزامن: وقد يوجد التقاء بين العناصر البشريّة (معلم ومتعلم) في وقت واحد، وأماكن مختلفة وذلك من خلال لقاء الكترونيّ مباشر يتمكن فيه الطرفان من المناقشة، وإلغاء الأسئلة وتبادل المعلومات والآراء.
- النّمط غير المتزامن: تعليم في أمكنة مختلفة وأزمنة مختلفة يضع المعلم مصادر التّعلم من محتوى وأنشطة وتقويم على مواقع تعليميّة معيّنة، ثم يدخل المتعلم في أيّ وقت يشاء لمتابعة ما هو مطلوب منه.
- أدوات التّعلم من بعد
يوجد العديد من أدوات التّعلم من بعد، يمكن تصنيفها على الشكل الآتي بحسب الهمامي وإبراهيم (2020):
- وسائل التّواصل الاجتماعيّ Social Networking: وتشمل chat groups- WhatsApp- telegram – Facebook وgoogle doc….
- أنظمة إدارة التّعلم الالكترونيّ Learning Management System (LMS): وهي منصات متزامنة وغير متزامنة تسمح بإنشاء الفصول ومشاركة الملفات وتبادل النّقاش مثل: G suite- Edmundo- Microsoft teams- zoom.
ج-تطبيقات تربويّة من خلال الأجهزة الذّكيّة Mobile Learning، مثل: Google and Microsoft: PowerPoint – google drawing- sway- one note
بالإضافة إلى Ed puzzle- Phet simulations- Padlet.
د-منصات التّعلم الإلكترونيّ: وهي منصات تعليميّة مفتوحة، مثل: Future Learn- Coursera- Swayam…..
بعد عرض مفهوم التّعلم من بعد، أهدافه، عناصره وأدواته، ما هي التطبيقات المهمّة التي اعتمدت في لبنان؟ وكيف كانت آراء التلاميذ في لبنان حول التّعلم من بعد خاصة في مادة الجغرافيا؟
- القسم التّحليليّ
من أجل التّحقق من مدى صحة الفرضيات، وُضِعت استمارة تألفت من ثلاثة أقسام: القسم الأول تناول الأجهزة والمنصات التي اعتمدت لتعلم مادة الجغرافيا من بعد، أمّا القسم الثاني فتناول طريقة شرح دروس مادة الجغرافيا من بعد، أما القسم الثالث فتناول اتجاهات التلاميذ حول التّعلم من بعد.
بعد إعداد الاستمارة، ومن أجل التأكد من مدى صدق الاستمارة وثباتها، دُقِقتْ من أساتذة في كلية التّربية في الجامعة اللبنانيّة وقد قامت الباحثة بتعديل بعض الأسئلة بناءً على ملاحظات ومقترحات الأساتذة. كما استُعِين بالبرنامج الإحصائيّ SPSS للتأكد من ثباتها باستخدام معامل الفا كرو نباخ (Alpha Cronbach)، وقد بلغ الثبات العام للاستمارة 0.826، وهذا يعني أنّ الاستمارة تتمتع بدقة عالية من الثبات.
بعد أن أصبحت الاستمارة جاهزة، اطُلِع على النّشرة الإحصائيّة الصادرة عن المركز التّربويّ للعام 2019-2020 لمعرفة أعداد التلاميذ في المرحلة الثانويّة في محافظة بيروت، وكان عدد التلاميذ في صف البكالوريا أدبيّ في الثانويات الرّسميّة في لبنان 8089 تلميذًا (النشرة الإحصائية، 2020، ص: 11)، وبعد التّواصل مع زملاء في مديرية الإرشاد والتّوجيّه حصلتُ على أعداد تلاميذ صف البكالوريا أدبيّ الثانويات الرّسميّة التي تعتمد اللغة الإنكليزية كلغة ثانية في محافظة بيروت، واستثناء تلك التي تعتمد اللغة الفرنسيّة لقلة عددها وعدد تلامذتها. لقد بلغ عدد التلاميذ في هذا الصف 343 تلميذًا، استُثنيت بعض الاستمارات لوجود بعض الثّغرات فيها، فاقتصر العدد على 335 استمارة.
بعد توزيع الاستمارة على عينة البحث من خلال برنامج Google Forms، أُدخِلتْ الى البرنامج الاحصائيّ SPSS تمهيدًا لتحليلها، فما هي أبرز النتائج التي بينها التحليل؟
- نتائج التّحليل
بعد إجراء عملية التحليل، جُمِعتْ البيانات على شكل تكرارات، واحتساب النِسب المئويّة لإجابات التلاميذ بحسب كل سؤال في القسم الأول من الاستمارة، أمّا في القسم الثاني والثالث اتُبِع مقياس ليكرت الخماسيّ (Likert Scale) اعتُمِد على الوسط الحسابيّ للحصول على نتيجة أدقّ تبيّن اتجاهات التلاميذ.
في ما خص القسم الأول من الاستمارة، فقد بيّن السؤالين الأول والثاني أن أكثر من ثلثيّ العيّنة يعتمدون على الهاتف المحمول أثناء حضور الحصص كونه متوفرًا بين أيدي التلاميذ، كذلك يعتمدون على برنامج MS Teams بالدرجة الأولى وذلك لأنّه معتمد من قبل وزارة التربية وعُمِم على المدارس والثّانويات الرّسميّة في لبنان. وبالنسبة إلى السؤالين الثّالث والرابع فأجاب حوالي نصف تلاميذ العيّنة أنهم يتابعون حصص الجغرافيا من بعد، في ما النصف الآخر لا يتابعها وهي نسبة عالية جدًا، وقد برّر التلاميذ هذا الموضوع أنّ الأسباب التي تمنعهم من ذلك تعود الى مشاكل تقنيّة لها علاقة بانقطاع التّيار الكهربائيّ أو عدم القدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت وضعفها، في ما أبدى حوالي 14% منهم عدم الرغبة في متابعة محتوى مادة الجغرافيّا الكترونيًا، وحوالي 21% أجابوا أنّ لديهم مشاكل في فهم هذه المادة من خلال التّعلم من بعد، وللتمكن من التّعرف إلى هذه الأسباب، سننتقل إلى تحليل الأسئلة التي تبين كيفيّة شرح دروس مادة الجغرافيا من خلال التّعلم من بعد.
بالنسبة إلى أسئلة القسم الثاني من الاستمارة فقد حصلنا على النسب المئوية لكل سؤال بسؤاله، ومن خلال هذه النسب فقد تبيّن بأن أكثر من نصف العينة استخدمت الباوربوينت PowerPoint في الشّرح وحوالي ربع العيّنة فقط تلقت شرح الشّروح من خلال الفيديو، ما يدل على أن نصف تلاميذ العينة تلقوا شرح دروس مادة الجغرافيا بطريقة الالقاء التّقليديّ، وهذا يعود ربما إلى تعب الأساتذة وقلّة الوقت لديهم لتحضير دروسهم كافة بواسطة الباوربوينت مع إدخال الفيديوهات لتوضيح محتوى مادة الجغرافيّا، أو يعود الى نقص في أعدادهم، لذلك عدَّ حوالي نصف العيّنة أنه يصعب عليهم تعلم مادة الجغرافيّا لأنها تتضمن الكثير من المفاهيم المجردة والإجماليّة والعلاقيّة التي تبتعد عن المفاهيم الحسيّة البسيطة وتحتاج إلى وسائل متعددة لتوضيحها وشرحها.
وجد أكثر من نصف عينة التّلاميذ أنّه غالبًا ما يتوصل بسهولة مع أستاذ مادة الجغرافيا في حصص التّعلم من بعد خاصة التّلاميذ الذين استخدموا منصة MS Teams أو Zoom كونها تفسح المجال بالتّواصل المباشر بين المعلم والمتعلم، ولكن لا يحصل أبدًا تطبيق الطّرائق النّاشطة من خلال هذه المنصة خاصة طريقة عمل المجموعات التي يمكن تطبيقها من خلال تقنيّة Breakout Rooms، فأقلّ من 10% فقط طبقوا هذه الطّريقة، ويعود ذلك إلى ضيق الوقت أو إلى عدم معرفة الأستاذ بالتّحديثات المتعلقة بالمنصة كافة وقلّة تدريبهم عليها من قبل المعنيين.
أجاب ثلثيّ العينة أنّه غالبًا ما يزودون بوسائل أخرى للدّرس غير الكتاب المدرسيّ، كما يسمح لهم بالحصول على الوسائل التّعليميّة المستخدمة خلال حصص الجغرافيّا أو تصوير الشّرائح المعروضة Slides لإضافتها إلى ملف مادة الجغرافيّا.
يزوّد حوالي 41% من تلاميذ العيّنة بمصادر تعليميّة متعددة للحصول على معلومات حول المحتوى الجغرافيّ المعروض، وهذا دليل على أنّ أساتذة هذه العينة لا تعتمد في تحضيرها على الكتاب المدرسيّ الرّسميّ الذي يحتوي على معلومات قديمة كونها، تألفت من العام 1997 ولم يُجدد، بل تقوم بمجهود ذاتيّ في تحديث هذه المعلومات، في حين القسم الباقيّ من الأساتذة يعتمدون على الكتاب الرّسميّ فقط.
طُلب تحضير أنشطة جغرافيّة متعددة فرديّة وجماعيّة كالقيام بأبحاث جغرافيّة أو مجسمات من 10% فقط من تلاميذ العيّنة، في ما خصّ التّقييم، حوالي ثلث تلاميذ العينة تقيّم بواسطة الاختبارات الإلكترونيّة التي تحُضر من خلال Microsoft Forms أو Google Forms، بينما البقيّة لم تُقيّم وهنا يظهر مجددًا دور تدريب وإعداد الأساتذة على استخدام المنصات الالكترونيّة من قبل المعنيين.
كذلك إن ثلث العينة عدُّت أنّ تطبيق الفروض والاختبارات الجغرافيّة، هو أسهل بالطريقة الالكترونيّة وذلك بسبب قيامهم بهذه الاختبارات، وتدريبهم عليها من قبل أساتذتهم، وهي نسبة قليلة جدًا، وهذه العيّنة ايضًا عُدّت أن فهم مادة الجغرافيّا هو أسهل وأفضل من خلال التّعلم من بعد، في حين رفض أكثرمن ثلثيّ العيّنة هذا الأمر.
أمّا في ما خص القسم الثالث من الاستمارة، وهو القسم المتعلق باتجاهات التلاميذ نحو التّعلم من بعد، فقد تمّ الاعتماد على تقنية جمع أسئلة القسم البالغ عددها 14 سؤالًا من السؤال 22 الى السؤال 35بواسطة برنامج SPSS، وكانت النتيجة على الشّكل الآتي:
العدد | الأدنى | الأعلى | الوسط الحسابيّ | الانحراف المعياري | |
المتوسط/الوسط الحسابيّ | 335 | 1 | 4.4 | 2.5696 | 0.68479 |
إنّ الوسط الحسابيّ هو (2.5)، وهذا يعني أنّ معظم الإجابات كانت ضمن الفئة الثانيّة التي تتراوح بين 1.8 و2.59، أيّ فئة “غير موافق” ما يعني أنّ معظم إجابات التلاميذ جاءت سلبيّة ضمن هذا القسم، فهم عدُّوا أن التّعلم من بعد مكلف ويعّد أمرًا صعبًا ومملًا، فضلوا التّعلم والاختبار التّقليديّ على التّعلم والاختبار عن بعد، وجدوا أن التّعلم من بعد يحدّ من تفاعلهم مع المعلم ومع زملائهم كما يقلل من نسبة مشاركتهم ومن تحصيلهم الأكاديميّ، عدُّوا أنّه تعلم لا يعطي فرصًا للتفكير والاستنتاج أو حلّ المشكلات.
- مناقشة النتائج ومدى صحة الفرضيات
بعد القيام بعرض نتائج البحث، لا بدّ من مناقشة النتائج التي توّصل إليها البحث، ومدى صحة الفرضيات التي طرحها.
- مدى صحة الفرضيّة الأولى
أظهرت النتائج صحّة الفرضيّة الأولى لأنّ إجابات التّلاميذ تفاوتت في جميع الأسئلة، ما يعني أنّ تعليم مادة الجغرافيا من بعد اختلف بين ثانويّة وأخرى، وهذا يعود إلى أن بعض الأساتذة أبدعوا في تعليم مادة الجغرافيّا من بعد، بينما البعض الآخر استخدم الطرائق التّقليديّة التّلقينيّة، وهذا يعود ربما إلى:
- عدم تكافؤ الفرص بين التّلاميذ بالدرجة الأولى على الصّعيد الماديّ واللوجستيّ، فهناك بعض التّلاميذ الذين يمتلكون أجهزة الهاتف المحمول والكمبيوتر، في ما البعض الآخر لا يملك ثمن جهاز هاتف محمول، كما أن هناك بعض التّلاميذ الذين استطاعوا تأمين الكهرباء من خلال الاشتراكات الخاصة، أمّا البعض الآخر فلم يستطع مواكبة حصص الجغرافيّا بسبب انقطاع الكهرباء والاتصال مع شبكة الإنترنت، ودون توفر وسائل التّواصل الإلكترونيّة لا يمكن خلق جسور تواصل بين المعلم والمتعلم.
- صعوبة ضبط عمليّة التّعليم عبر الانترنت خاصة مع وجود أعداد كبيرة من التّلاميذ في الصّف وقلة التزام بعض أولياء الأمور بمتابعة أبنائهم في هذه المرحلة، ما جعلهم يتّغيبون عن حصص مادة الجغرافيّا بشكل خاص وبقيّة المواد بشكل عام، كذلك هناك بعض التّلاميذ وأهاليهم لا يعرفون كيفيّة التّعامل مع هذه المنصات الالكترونيّة التي فرضتها عليهم جائحة كوفيد 19، لذلك كان عليهم التكيف مع هذه التّقنيات والوسائل بصعوبة.
- شعور بعض الأساتذة بالإرباك الشّديد عند محاولة اللقاء الافتراضيّ مع التلاميذ كونهم اعتادوا على الاحتكاك المباشر مع التلاميذ.
- امتلاك قلّة من أساتذة الجغرافيا المهارات التّقنية، ما جعل التّعامل مع الوسائل التّكنولوجيّة أكثر صعوبة، فقد قام عدد قليل منهم باستخدام الفيديوهات والباوربوينت وفي تحضير الاختبارات الالكترونيّة، أما النّسبة الأكبر منهم فلم يتمكن من القيام بهذه الأمور ما سبب لهم ضغطًا نفسيًا وجسديًا.
- صعوبة تحويل الدّروس من قبل أساتذة مادة الجغرافيّا إلى دروس تفاعليّة بطريقة مفاجئة، فلم يكن لديهم الوقت الكافي بحيث امضوا المرحلة الصباحيّة في شرح الدّروس للتلاميذ والمرحلة المسائيّة في التّحضير، بالإضافة إلى المسؤوليّات الأخرى الملقاة على كاهل أساتذة الجغرافيّا الذين يعلمون عدد كبير من الحصص والصفوف لتغطية النّصاب القانونيّ المطلوب منهم.
- إغلاق البلاد بشكل كامل خلال مدة كوفيد19، جعل التّواصل بين أساتذة مادة الجغرافيا صعبًا، وحتى بين التلاميذ، ما أدى إلى تعاون محدود في ما بينهم لتخطي الصّعوبات التي كانت تواجههم.
- مدى صحة الفرضيّة الثّانيّة
أظهرت النتائج صحة الفرضية الثانيّة، إذ أبدى التّلاميذ اتجاهات سلبيّة تجاه التّعلم من بعد، وهذا يعود ربما إلى ما يلي:
- المشاكل التّقنيّة التي عانى منها التّلاميذ كانقطاع التيار الكهربائيّ، وعدم وضوح الصّوت نتيجة ضعف الإنترنت أدى إلى ضياع العديد من الحصص التّعليميّة.
- الابتعاد من المدرسة يفقده الشّعور بأهمّيّة المعلم وهيبته، بالإضافة إلى انعدام البيئة الدّراسيّة.
- الاجهاد النّفسيّ الذي يشعر به المتعلم نتيجة انخفاض تفاعله مع المعلم ومع زملائه في الصف أيضًا، فالجلوس أمام الأجهزة الالكترونيّة لساعات طويلة يشعره بالملل، وبعدم القدر على الاستيعاب.
- افتقاد الكثير من المتعلمين إلى الخبرة الكافيّة في التّعلم الإلكترونيّ، وعدم تدريبه في السّنوات السّابقة على استخدام المواقع والمنصات الإلكترونية التّعليمية.
- قلّة اتباع التّقييم الإلكترونيّ من معلميّ مادة الجغرافيا بشكل خاص، وبقيّة المواد بشكل عام، جعل التلاميذ لا يدرسون ويهتمون بموادهم التّعليميّة وبالقيام بالمراجعة الدّورية لمحتوى المواد، ما جعل تحصيلهم الأكاديميّ يتراجع.
- الاقتراحات
في ضوء النّتائج التي توصل إليها البحث، يمكن تقديم مجموعة من الاقتراحات، أبرزها:
- تطوير دور المدرسة بحيث يكون لها دور فعال في توعية التّلاميذ حول كيفيّة استعمال محركات البحث والمواقع الالكترونيّة، وتدريبهم على كيفيّة استعمال المنصات التّعليميّة، كما تدريب الأساتذة حول استخدامات التكنولوجيا لما لها من دور أساسيّ في العملية التّعليميّة- التّعلميّة في القرن الحادي والعشرين.
- تطوير مناهج الجغرافيا بعناصرها كافة من وزارة التّربيّة، والمركز التّربوي للبحوث والإنماء إذ تقوم بمعالجة مشكلة الحشو وتكرار المواضيع، بل العمل على تجديدها بتضمينها مواضيع مرتبطة بحياة التّاميذ اليوميّة.
- قيام المعنيين بالعمليّة التّعليميّة- التّعلميّة كافة بتحويل مناهج الجغرافيا إلى مناهج رقميّة، وتأمينها للأساتذة لكي يتوفر لهم محتوى رقميّ يمكن استخدامه في المنصات التّعليميّة المتنوعة في هذا الوقت.
- قيام المركز التربوي للبحوث والإنماء والمسؤول عن تدريب الأساتذة بتحديد الدورات التدريبية وجعلها مرتبطة بالتّكنولوجيا بالدّرجة الأولى، كونها حاجة يفتقر إليها معظم أساتذة الجغرافيا، كما القيام بالدّورات التّدريبيّة المختصة بكيفيّة القيام بعملية التّقويم الالكترونيّ، أيّ إدماج التكنولوجيّا في صلب التّربية والتّعليم.
- تأمين موازنة خاصة من وزارة التّربية للأساتذة، والتّلاميذ يكون الهدف منها تأمين متطلبات التّعليم الالكترونيّ كافة من أجهزة كمبيوتر، هواتف محمولة، كما العمل على تأمين شبكة انترنت قوية لتأمين التّواصل الفعال بين المعلم والمتعلم، وتأمين الدّخول إلى المواقع التّعليميّة الالكترونيّة مجانًا من دون دفع رسوم وتكاليف من المعلم والمتعلم.
- قيام الأساتذة بمراعاة الفروق الفردية بين تلامذتهم، وذلك عبر إدخال وتنوع الأنشطة المعطاة لهم عبر التّعلم من بعد، واستعمال الوسائل البصرية، السمعية، الحسية-حركية لتساعد التلاميذ في فهم دروس الجغرافيا بطريقة أسرع.
- التوجه نحو التّعلم المدمج المعتمد على التّعلم الالكتروني المتزامن وغير المتزامن كونه بديلًا أكثر ملائمة، إذ يجمع بين إيجابيات التّعلم الحضوري والتّعلم من بعد.
في النّهاية لا بد من القيام بالمزيد من الأبحاث التي تتناول موضوع التّعلم من بعد، التّعلم الالكتروني، التّعلم الافتراضيّ، والتّعلم المدمج من أجل مواكبة متطلبات العصر، والوصول إلى نتائج يمكن تعميمها لتطوير تعليم وتعلم مادة الجغرافيا وتحقيق أهدافها التي تؤدي إلى تنمية المتعلم على الأصعدة كافة.
- المصادر والمراجع
الكتب والأبحاث
- طباجه، يوسف (2011). منهجية البحث، تقارب ومناهج. لبنان: دار المحجة البيضاء.
- بدران، الهام (2009). محاضرات في تعلم وتعليم الجغرافيا. لبنان: كلية التربية- الجامعة اللبنانية.
- مريا، وراق (2005). واقع التّعلم من بعد في السودان. جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، السودان.
- بدران، الهام (2021). التّعلم المدمج. مجلة المنافذ الثقافية. 35، 321- 329.
- الشريف، محمد حارب (2016). اتجاهات طلبة جامعة شقراء نحو التّعليم الالكتروني. مجلة كلية التربية، 168 (3)، 153- 184.
- نويرة، إسماعيل وأعقيرش، عبد الحكيم (2020). متطلبات التّعليم عن بعد وتحدياته في ظل جائحة فايروس كورونا. مجلة أنثروبولوجيا، 2، 133- 146.
- يوسف، يوسف (2020). اتجاهات الطلاب نحو التّعليم الالكتروني في ظل جائحة فايروس كورونا. مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية، 8 (2)، 34-66.
المواقع الالكترونيّة
- الإعلان العالمي لحقوق الانسان. نقلًا عن الموقع الالكتروني: un.org.
- التّعليم أثناء جائحة كوفيد 19 وما بعدها (اب،2020). نقلًا عن الموقع الالكتروني: un.org.
- مناهج التّعليم العام (1997). مرسوم رقم 10222/97. نقلًا عن الموقع الالكتروني: crdp.org
- الهمامي، حمد وحجازي، إبراهيم (2020). التّعلم من بعد: مفهومه، أدواته، استراتيجياته. مركز الملك سلمان للإغاثة والاعمال الإنسانية. نقلًا عن الموقع الالكتروني: en.unesco.org
- دعدوع، شهيرة (تشرين الأول 2021). تعريف التّعلم من بعد. نقلًا عن: mawdoo3.com
- عبد الله، شروق (2021). أهم 10 مميزات للتّعليم عن بعد. نقلًا عن: marj3.com
- Fidalgo,P., Thorman,J., kulyk,O., and Le castre, J. (2020). International Journal of Educational Technology in Higher Education. http: //doi.org/10.1186/s41239-020-00194-2.
-أستاذ معيد في كليّة التّربيّة الجامعة اللبنانيّة – قسم الجغرافيا.[1]