الدكتورة ولاء محمد بتاريخ كرمان دراسة علميّة منهجيّة مميّزة

الدكتورة ولاء محمد بتاريخ كرمان دراسة علميّة منهجيّة مميّزة

صباح محسن كاظم⁽[1]⁾

تمهيد

أرى بمؤلفات الباحثة الدكتورة “ولاء محمد محمود” النبوّغ العلميّ بالكتابة التاريخيّة المنهجيّة التي تعكس حرصها الشّديد على برمجمة المعلومات وفق السّياقات المنهجيّة بكتابة التّاريخ في ظل فوضى عارمة تشهدها الرسائل الأكاديميّة، بعدم اتباع المعايير الصارمة بتوثيق المصادر وهذا ما أُعدُّه – انتهاكًا لحقوق النشر – من خلال عدم ذكر المصادر أو نسخ ولصق المعلومات عنوةً وتعسفًا من دون دراية وتحقيق وتثبت.

فيما قدمت الدكتورة ولاء رسائلها العلميّة بالماجستير والدكتوراة وبحوثها المختلفة وفق الاشتراطات المنهجيّة لتنتج لنا تلك الجواهر والدّرر كما بكتابها عن هراة الذي قدمت فيه قراءة نقديّة واستعراضيّة بمكامن الجمال المعرفيّ الذي برعت بتفوق بمؤلفها، لإثراء الجامعات بمصر والعالم. وقد مرّرت بعناية بالجزء الرّابع من موسوعة الفنارات بمنجزها العلميّ.

المقدمة

الدراسات المنهجيّة لا جغرافية محددة لها، بل تعبر الآفاق وتتجاوز الأسوار الشّاهقة لأنها تزود الإنسانيّة بمعلومات تثري الوعيّ.

درست الدكتورة ولاء محمد محمود النماذج مدن أفغانستان وإيران، في كلية الآداب جامعة القاهرة، وهي تنهل العلم من أساتذة عباقرة: من مثل الدكتور عطية أحمد القوصيّ أستاذ التاريخ الإسلاميّ والحضارة الإسلاميّة في كليّة الآداب جامعة القاهرة، “مدينة هراة في عهد آل كرت”، وهو في الأصل رسالة دكتوراه حصلت عليها الباحثة من كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 2017م، صدر عن سلسلة “تاريخ المصريين” التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ماهية الكتابة المنهجيّة بالتاريخ

عندما أستعرض وأدرس وأحلل كتابها “كرمان في العصر السّلجوقيّ (433-583هـ/ 1041- 1187م)”، هذا الكتاب في الأصل رسالتها للماجستير، قدم لهذا الكتاب مشرفها على رسالتيها للماجستير والدكتوراه أ.د عطية أحمد القوصي.. وقد عُرضت مؤلفاتها بمعرض القاهرة الأخير شباط 2022 وأُهِديت الكتب لي حينما وقعت مؤلفاتي بالمعرض. لقد اهتم الرحالة وعدد من المستشرقين والمؤرخين بالكتابة التاريخيّة الاستعراضيّة العامة عن المدن، فيما توغلت بالأعماق الدكتورة ولاء حيث تُعدُّ مدينة كرمان من مدن إقليم خراسان المُهمّة، وقد أدّت دورًا كبيرًا في التّطور الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ والحضاريّ، وقد تناولت “الباحثة” كل ما له صلة بالمدينة بكلّ الجوانب؛ خطّط المدينة قبيل حكم السّلاجقة والنّظام السياسيّ في كرمان خلال مدّة الدّراسة بتفاصيل اعتمدت فيها على المصادر التّاريخيّة وقد استخدمت “المؤلفة” المنهج التّحليليّ النّقديّ والوصفيّ ببراعة وقد قسمت الدكتورة ولاء محمد كتابها إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وفيها النتائج التي توصلت إليها وثبت بالمصادر والمراجع.

تحدثت في الفصل الأول عن التّطورات السياسيّة في كرمان منذ الحكم السّلجوقي حتى سقوطها في أيدي الغزاة، وامتدت تلك الحقبة 433-583هـ/ 1041- 1187م وقسمتها الباحثة إلى حِقبٍ زمنية: حكم السّلاجقة العظام، ثم مرحلة الصراع بين خلفاء طغرشاه وكرمان أواخر العصر السّلجوقيّ.

فيما درست في الفصل الثاني النّظم الإدارية في كرمان في نقاط رئيسة هي: التقسيم الإداريّ للمدينة والوظائف المهمّة فيها والدواوين.

أما الفصل الثالث من الكتاب فقد تطرقت المؤلفة إلى الحياة الاقتصاديّة من أنشطة زراعيّة وصناعيّة، والأنشطة التّجاريّة داخليًّا وخارجيًّا، ولم تغفل الطرق التجارية المهمّة، والمعاملات الماليّة والعملة والأزمات الاقتصاديّة.

تحدثت في الفصل الرّابع فيه عن الحياة الاجتماعيّة في كرمان موضحة عناصر السكان المهمين، وطبقات المجتمع ودور المرأة في الحياة العامة، وعيوب المجتمع الكرمانيّ في عرض متميز.

تاريخ المدن له أهميّة فائقة

للمدن بالتاريخ الدّور الحضاريّ بالمجالات كافة وبدراسة كرمان أكدت المؤرخة الدكتورة ولاء محمد في ص 7: “… بدراسة الحياة الاجتماعيّة في كرمان في العصر السّلجوقي نجد أنه يسكن كرمان عدة عناصر سكانيّة مثل القفص والبلوش والدّيلم والأتراك وهذه العناصر انقسمت إلى عدة طبقات. وكان على رأس النّظام الطبقيّ طيقة الملوك وكبار رجال الدولة والطبقة الوسطى التي تضم العلماء والتجار والصّناع. وكانت الطبقة الدنيا تضم العامة والرقيق”. يقول الشّاعر العالميّ رسول حمزاتوف: عندما يسألونك من أنت تستطيع أن تبرز وثيقة أو جواز سفر يحتوي المعلومات المطلوبة، أما إذا سألوا شعبًا من أنت فإنّه سيقدم علماءه وكتّابه وفنانيه وموسيقيّيه وسياسيّيه وقادته العسكريّين كوثائق. فالمدن أسرار، وكنوز، وتراث، وعلماء، وشخصيات…، وقد خاضت غمار البحث المؤلفة بكل الجوانب الاجتماعيّة والتاريخيّة لمدينة كرمان، وأشارت إلى المصادر التي أغنتها في رسالتها العلميّة بهوامش دقيقة تعريفيّة تفصيليّة قدمتها بجهودها المبذولة على طبق من ذهب لمن أراد الإيضاح لتحقق تلك الرّصانة المهيبة. مهدت بالتعريف بإقليم كرمان – الموقع – المدن المُهمّة – جغرافيّة كرمان – مناخ كرمان. من خلال 30 صفحة أثرت المتلقيّ وكل مهتم بالمدن بثراء المعلومات حول النّزاعات والصّراعات على النّفوذ للسيطرة أنذاك ثم تدخل الفصل الأول تذكر المؤلفة ص 33: “وطد السلاجقة نفوذهم بعد انهيار الدولة السّامانيّة العام (389ه) استولى على أملاكها الخانيون والغزنويون،في بلاد ماوراء النهر على حساب السامانيين”. وتستطرد بتفاصيل الأحوال حول السيطرة السّلجوقية ص35 “كتب طغرلبك إلى الخليفة العباسيّ “القائم بأمر الله رسالة العام (432ه/ 1030م) ليكسب لحكمه الصفة الشرعيّة، أظهر فيها ولاءه للخلافة ومدى حرصه على الجهاد في سبيل الله،وطلب أن يعترف الخليفة بقيام دولتهم”.

بقراءة متأنيّة وواقعيّة للأحداث في تلك الحقبة، أرى أنّ كلّ الحكام كان هدفهم السّلطة وتوسع نفوذهم بالأشكال كافة، وبحدّ السّيف والقضاء على خصومهم لتوطيد حكمهم إن ادعوا العدل وهو خلاف ذلك الواقع. فالنزعات كانت تترك الآثار السّلبيّة بالخراب والدّمار والبطش والعنف الذي يروّع المدن والقرى.كل أسرة حاكمة تقتلع جذور من قبلها وسطوتها بصراع مرير على النفوذ. تفاصيل الصّراع من ص 38 – 70. فيما تنتقل الدكتورة ولاء برسالتها العلميّة بالفصل الثاني نحو النُّظم الإداريّة في كرمان : التقسيم الإداريّ لكرمان في عصر السّلاجقه – الوظائف الرئيسة – الدواوين. فصلت في الكتاب ص 72 كرمان واحدة من الولايات الخمسة التي تكوّنت منها الدولة الإسلاميّة في العصر العباسيّ (132-656ه/ 749-1258م) 1- الحجاز واليمن وواسط وبلاد العرب. 2- مصر العليا والسّفلى. 3-العراقان. 4- بلاد الجزيرة ويتبعها أرمينية وأذربيجان. 5- المغرب. بشروحات مستفيضة عن طريقة الإدارة والوزارة والتنظيم إذ تؤكّد ص 79: “أشهر وزراء الملك قاورد الوزير” أبو محمد الفزاري “الذي تولى الوزارة عام 442ه/ 1050م، وكان يعمل قبل توليه الوزارة قاضيًّا لإقليم كرمان”.

التّاريخ خزان الأحداث

أجد من خلال المعرفة الواقعيّة بصيرورة حركة التاريخ، أن النّزاع والصّراع بين الحكام والأمراء يضعف الحكم ويؤدّي إلى زواله كما حصل في الأندلس فيما قوة الدّول ومنعتها حينما يبسط الحكام العدل بين الرّعية. وهذا ما تؤكّده المؤلفة في ص 86: “نهاية عهد ملوك سلاجقة كرمان أصبح الولاة يعطون زمام الأمور لغير مستحقيها وأصبح يتولى الوزارة” كما ذكر محمد بن إبراهيم “من هو أشدّ عصيانًا لله وإيذاءً للخلق حيث تصارع الوزراء حول منصب الوزارة”. ثم تؤكد بتفاصيل عن الوظائف القاضي الخازن المحتسب إلخ…

“أشهر من تولى منصب الأتابكيّة في كرمان في العصر السّلجوقيّ الأتابك “نصير الدين” العام (490ه/ 1097م) في عهد إير شاه بن نور انشاه وقد أخلص في خدمة الملك…”. لتركز في الفصل الثالث على الحياة الاقتصاديّة بكل جوانبها الزراعيّة – الصناعّية – الصناعات المتنوّعة بتفاصيل تغني القارئ، ومن يبحث عن المعرفة التّاريخيّة بالصفحات 105 – 132. لتختتم هذا السِفر التاريخيّ بفصله الرابع 132 – 189 عن الحياة الاجتماعيّة طبقات المجتمع وتنوّعه الأثنيّ.

المرأة وصناعة الحدث

النّصف الأجمل بوجودنا البشريّ، بل أرى بلا وجودها لا قيمة لحياتنا هي المرأة، الأمّ، الزوجة الحبيبة، الأخت هي سرّ جمال الحياة. وقد ساهمت في كل تقدّم إلى جانب الرجل. تؤكد الدكتورة ولاء ص١٦٠: “أدت المرأة دورًا كبيرًا في توطيد الشّؤون السياسيّة عن طريق المظاهرات السياسيّة التي لم يقصد بها أنّها وصال شرعيّ بين زوج وزوجته من أبناء وبنات الأسر الحاكمة فقط، لكنّها تحمل بين ثنايا العديد من المعاني المرتبطة بالحالة السياسيّة لدى طرفي المصاهرة…”، يؤكّد المفكّر مرتضى مطهريّ في كتابه المهم “المجتمع والتاريخ” ص٣٨٤: “حينما اجتمع في التاريخ مجموعة من الأسر فشكّلوا القبيلة، ومجموعة من القبائل فشكلت عشيرة ومجموعة من العشائر فشكلت أمة، فهذه خطوات صحيحة لتقدم البشريّة وتوحيد البشرية”.

مجدًا للمؤرخة: السيرة الذاتية للمؤلفة

البيانات الشخصية الاسم: ولاء محمّد محمود محمّد.

العنوان: ش فيصل – محافظة الجيزة.

الإيميل: walaa.mohamed1612@gmail.com

الجنسيّة : مصريّة.

الدّيانة: مسلمة.

المؤهلات العلمية

ليسانس الآداب – قسم تاريخ.

جامعة: القاهرة.

سنة التخرج: ١٩٩٩م/ تقدير: جيّد مرتفع.

دبلوم عام في التربية جامعة: القاهرة. سنه ٢٠٠٠م/ تقدير: جيّد جدًّا.

حاصلة على درجة الماجستير في التاريخ تخصّص تاريخ إسلاميّ – عن موضوع “إقليم كرمان في العصر السّلجوقيّ” تقدير: جيّد جدًّا.

حاصلة على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلاميّ عن موضوع “مدينة هرات في خرسان”. سنة ٢٠١٧م./ تقدير: مرتبة الشرف الأولى.

الخبرات العلميّة

Icdl حاصلة على شهادة من المركز العلمي لعلوم الحاسب سنة ٢٠١١م.

Toeflحاصلة على شهادة من مركز اللغات والترجمة سنة ٢٠١١م.

قامت بالمشاركة في عدد من المؤتمرات العلمية داخل مصر.

عضو الجمعية التاريخية المصرية.

عضو اتحاد الأثريين العرب.

عضو اتّحاد المؤرّخين العرب.

الأبحاث المنشورة

• مظاهر الحياة العامة فى مدينة هراة-مجلة المؤرخ المصري-العدد التاسع والأربعون – يوليو 2016م.

2- مظاهر تقدم علم اللغة والأدب فى مدينة هراة فى عهد آل كرت – مجلة الوقائع التاريخية – مركز البحوث والدراسات التاريخية – جامعة القاهرة – العدد السادس والعشرون – يناير ٢٠١٧م.

3- الحراك الفكري فى العالم الإسلامي وأثره في تطور العلوم العقلية بمدينة هراة فى القرنين السابع والثامن الهجريين، ثاني ندوات الموسم الثقافي الثاني لاتحاد المؤرخين العرب ٣١ يوليو ٢٠٢١م.

4- أثر تطور العماره الأموية على تجديد الدور الحضاري والثقافي لمسجد القيروان “في عصر الدولة الأموية” – المؤتمر السنوي لعام 2021 بعنوان “العمارة والفنون في الوطن العربي وتأثيراتها العالمية – دراسة تاريخية”، مجله المؤرخ العربي ٢٠٢٢م.

5- دور التدوين التاريخي فى خدمه الدعوة الإسلامية، مجله جامعه الأزهر ٢٠٢٢م.

6- التدوين التاريخي فى العصر العباسي الثانى “البيهقي نموذجًا” مجلة كلية الآداب جامعة جنوب الوادي، العدد ٥٥ شهر أبريل ٢٠٢٢م.

الكتب المنشورة

1- مدينة هراة بخراسان، الهيئة العامة المصرية للكتاب – سلسلة تاريخ المصريين، 2020م.

2- كرمان فى العصر السلجوقي، دار ببلومانيا،القاهرة، ٢٠٢١م.

3- كتب عن منجزي العلمي بالصحف المصرية الكاتب أبو الحسن الجمال تناول مؤلفاتي بمنهجية علميّة وموضوعيّة المؤرخ والناقد صباح محسن كاظم بموسوعة فنارات في الثقافة العراقية والعربية – دراسات نقدية.

المصادر

١- كرمان في العصر السلجوقي، د. ولاء محمد محمود – دار ببلونياما – مصر. ص٧ -٣٠ – ٣٣ – ٣٥ – ٧٢ – ٧٩ – ٨٦ – ١٦٠.

٢- المجتمع والتاريخ، المفكر الإسلامي الشهيد مرتضى المطهري – الجزء الأول – دار الحصاد – التوزيع قم، والعراق. ص٣٨٤.

 

[1]– صباح محسن كاظم، ناقد ومؤرخ عراقي. أكمل دراسة الدكتوراة بالتاريخ صدر له ٢٠ كتابًا، كتب ٦٦ مقدمة وشارك في ٧٥ كتابًا بين النقد والتاريخ.