المركز والهامش في شعر أَجْوَد مِجْبل
م.د. إياد هادي جاسم جاسم([1])
ملخص
حاول هذا البحث أن يناقش ثنائية المركز والهامش في شعر العراقي أَجْوَد مِجْبل، وذلك من خلال: الحديث عن مصطلح المركز والهامش وكيفية وإمكانية تطبيقه على شعر مجبل، وتطبيقات تلك الثنائية في مختلف أشعار. وقد كانت من أبرز الصور والنماذج: هامشية الوطن مركزية القادة، ومركزية الموت وهامشية الحياة، وزالأماكن بين الهامشية والمركزية الهامشية والمركزية في إهداءات دوواوينه.
الكلمات المفتاحية: المركز، الهامش، أَجْوَد مِجْبل، السلطة، الطغاة
Summary
This research attempted to discuss the duality of center and margin in the poetry of the Iraqi, ‘ajwad Mujbil, through: talking about the term center and margin and how and the possibility of its application to the poetry of Mujbil, and the applications of that duality in various poems. It was among the most prominent images and models: the marginality of the homeland, the centrality of leaders, the centrality of death and the marginality of life, and the gaps between marginal and central marginal and central in the dedications of its offices.
key words: The center, the fringe, ‘ajwad Mujbil, the power, the tyrant.
المقدّمة
تُعدُّ ثنائيّة المركز والهامش واحدة من الثنائيات الرائجة المهمّة في وقتنا، والتي من شأنها أن تساعد في توصيف الظواهر – أين ما كانت – وسبر أغوارها بالتّحليل والاستقراء، وتصنيف المدخلات ورصد ما يحدث فيها من تفاعلات وصراعات واحتكاكات، فهي من الثنائيات المهمّة والمناهج الأدبيّة النّقديّة في درسنا الأدبيّ الحاليّ. إذ ينظر الدّارسون إلى تلك الثّنائيّة (المركز والهامش) على أنّها مسألة مهمّة لتحقيق فهم للنّص الأدبيّ، على أساس ملاءمة هذه الثّنائيّة لدراسة معظم النّصوص الأدبيّة. ولا يخفى أن أغلب نتاج الشّعراء الحاليين – وحتى القدامى – يمكن دراسته من هذه الزاوية الثّنائيّة.
وغير خافٍ أنّ لهذه الثّنائيّة امتدادات كثيرة؛ إذ لم تقف عند حدّ الأدب فقط، وقد وجدت في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها من المناحي الفكريّة والحياتيّة، ولعل شيوعها في مثل هذه الأروقة كان سببًا في إثارة الجدل حولها.
وقد كان طبيعيًّا بعدما أثارت الجدل أن تناهل الأقلام عليه درسًا وتحليلًا وتوظيفًا، وثمة دراسات سابقة تناولت من الناحيتين (التّنظيريّة والتّطبيقيّة) تلك الثّنائيّة، ولم يكن شاعرنا أجود مجبل من بين الشّخصيات المدروسة، ومن أبرز هذه الدراسات:
- دراسة الباحثة: دليلة الباح التي جاءت بعنوان: «المركز والهامش: مفهومه، أنواعه، جذوره»[2].
- ودراسة الباحثة: إيمان محمد إبراهيم العبيديّ (2015م) التي ناقشت المركز والهامش في الشّعر الجاهليّ – دراسة نقديّة بين الفحولة والأنوثة[3].
- زد على ذلك دراسة الباحثة: حنان بن قيراط (2016م) حول المركز والهامش في الأدب[4].
- وكذا دراسة الباحث: زاهي نجيب رشيد (2019م) التي تناولت المركز، والهامش في شعر الصعاليك في العصر الجاهلي في ضوء سيمياء الثقافة[5].
هناك العديد من الدرسات تناولت بعض جوانب شعر أجود مجبل من دون التّعرض لموضوع بحثنا هذا، منها دراسة الباحثة: فاطمة حميد يعكوب، والتي تناولت فيها «البنيات الأسلوبيّة في شعر أجود مجبل قصيدة ما تبقى من ذاكرة الهدهد مثالًا: دراسة بنيويّة إحصائيّة»[6]. وتأسيسًا على ما سبق، سيحاول هذا البحث الذي هو بعنوان: «المركز والهامش في شعر أجود مجبل» إبراز ودراسة ثنائيّة المركز والهامش في شعر الشّاعر العراقيّ أجود مجبل على نحو تفصيليّ، وذلك في: مقدمة، ومبحثين، وخاتمة، ولائحة بالمراجع، على النحو الآتي:
المقدمة: وفيها تناولت لمحة عامة عن المركز والهامش، وبعض الجهود السابقة حولها، وكذلك منهج البحث، وأهدافه، وخطته.
المبحث الأول: (النّاحية النّظريّة) سيعرض للشاعر أجود مجبل ومنتوجه الشّعري، ثم الحديث عن مصطلح المركز، والهامش وكيفيّة وإمكانيّة تطبيقه على شعر مجبل.
المبحث الثاني: (الناحية التّطبيقيّة) وفيه سوف أناقش تطبيقيًّا تلك الثّنائيّة من مختلف أشعار مجبل.
منهج البحث: اقتضت طبيعة هذا الموضوع أن أعتمد على المنهج الوصفيّ التّحليليّ، وذلك لوصف ثنائيّة المركز والهامش عمومًا، والعمل على تطبيقها وتحليلها مع شعر الشاعر العراقيّ أجود مجبل.
أهداف البحث: يهدف هذا البحث إلى التعرف أولًا على نظرية المركز والهامش والوقوف على دلالتهما، وكذا الكشف عن اختلاف وجهات النّظر حولهما، ومناقشة حضور ووجود هذه الثّنائيّة في شعر أجود مجبل، وعلاقتها بالنّواحي السياسيّة، مع الإيماء بعدة نماذج تطبيقيّة دالة على ذلك من منتوجه الشّعريّ.
إشكاليّة البحث: يناقش هذا البحث العديد من الإشكالات في صورة تساؤلات، أبرزها:
- ما المقصود بثنائيّة المركز والهامش في المجال الأدبيّ؟
- إلى أيّ مدى يمكن إبراز ثنائيّة المركز والهامش في شعر أجود مجبل؟
- ما هي أبرز التّطبيقات الدّالة على وجود ثنائيّة المركز والهامش في شعر أجود مجبل؟
- هل كانت الأحداث السياسيّة ذات أثر في شعر أجود مجبل ما أدى لوجود تلك الثّنائيّة؟
الفصل الأول: النّاحية النّظريّة لثنائيّة المركز والهامش (في شعر أجود مجبل)
يُعدُّ الشّاعر العراقي أجود مجبل[7] من أبرز الأقلام الشّعريّة المعاصرة وأكثرهم إنتاجًا وتنوّعًا، وقد صدرت له العديد من المجموعات الشّعريّة المطبوعة، تبرز شخصيته العلميّة الشّعريّة من ناحية، وحضور ثنائيات المركز والهامش من ناحية ثانية، من بينها:
- رحلة الولد السّومري (2000م).
- محتشد بالوطن القليل (2009م).
- يا أبيّ أيّها الماء (2012م).
- كأس لانقراض ساعي البريد (2019م).
- كأنه (2021م).
- مَناسِكُ تشرين (2021م).
يبدو من عناونين دوواين شاعرنا أنّها لم تكتب إلا عن نظرة فاحصة لكل واحدة منها، وتأتي متسقة مع اعتقاده – خاصة السياسيّ – الذي كان يُشتم بين حين وحين وسط هذه الدواوين. كذا محاولاته لاحياء جسد القصيدة الكلاسيكيّة بطرق متعددة. وفي حوار له مع مجلة الشّرق الأوسط، يذهب مجبل إلى أنّه ممن أعادوا «الرّوح إلى جسد القصيدة الكلاسيكيّة التي أصابها النّظامون في مقتل، وأنّ طرح أسئلة الوجود الكبرى من صميم عمل الشّعر»[8].
وربما من المفيد أيضًا قبل الولوج في تلك الثّنائيّة التّعرف إلى بعض آراء شاعرنا مجبل إزاء بعض القضايا والتي تلقي بظلالها على فكرة المركز والهامش في شعره، لعل من أبرزها رأيه القائل إنّ: «… بعد كل حرب يخرج الشّعر من تحت الأنقاض وهو أكثر شبابًا وأوفر جنونًا، الشّعر كائن غريب الأطوار وعصيّ على الموت»[9].
مصداقًا لهذا الرأي نجد شاعرنا مجبل يقول في قصيدته (يحدث الآن)[10] ما نصه:
يحدث الآن… أن حربا بطعم الأهل
تُهدي إلى بنيها السلاما
حملتني لهم هدايا المحبين
وقالت: ليطمئنوا تماما
إن عندي لمن يموت قبورا
ولمن لم يمت سأبني خياما
ولدي الرصاص يكفي لجيلين
ودقانهم سيبقى هماما
وحتى نناقش المركز والهامش في شعره فالحاجة ملحة إلى أن نتعرف إلى معاني هذه الاصطلاحات في المجال الأدبيّ، على النّحو الآتي:
أ- ما هو المركز والهامش في المجال الأدبيّ؟
ذاع صيت مصطلح المركز والهامش في الأدب في السّنوات الأخيرة، وربما نُرجع هذا الأمر للفرق الشّاسع بين هذين المصطلحين، ما جعل هذا الموضوع يعرض نفسه علينا بإلحاح شديد، ما أسهم في إذكاء ناره؛ التوتر العارم في الساحة السياسيّة بالدرجة الأولى، والتّغيرات الهائلة المصاحبة في المجالات الأخرى[11]. ولا يخفى أن تلك الثّنائيّة قديمة قدم الحياة الإنسانيّة؛ إلا أنّ وجودها – في رأي العديد من الباحثين كان ضمنيًّا لا اصطلاحيًّا، «فعلى مستوى الأدب كان الشّاعر في العصر الجاهليّ يمثل مركز في قبيلته، فكان يحظى بمكانة مرموقة، فميلاد شاعر كان بالنسبة إلى قومه فجرًا جديدًا تقام لأجله الأفراح»[12].
يذهب الباحث أبكر آدم إسماعيل في كتابه الموسوم بعنوان “جدلية المركز والهامش” إلى أنّه «منهج متعدد محاور الجدل، نحلل بوساطته وضعيّات تاريخيّة معينة، إذ نعاين هذه الوضعيّات من خلال ميكانيزمات التّمركز والتّهميش التي على أساسها يدار الصّراع على المستوى السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ في آن واحد»[13]. وفي المقابل يرى الباحث أحمد محمود في دراسة له بعنوان “نقد جدليّة المركز والهامش عبر كتابة عقل الأزمة”، أنّ جدليّة المركز والهامش لم تُختر «علميًّا لكي تصل الي مستوي قراءة الظواهر وتفسيرها؛ لأنّها هي في إطار البحث من أجل إثبات صحتها وفي هذا الاتجاه نفسه، فهي ليست نظريّة لأنهّا ما تزال تقع في مساحة ما بين المعرفيّ والوجوديّ أو الابستمولوجيّ والأنطلوجيّ، إذ إن الفكرة لا يمكن اختبار صحتها إلا في حال تحققها على أرض الواقع أو الوجود»[14].
ب- إمكانيّة حضور المركز والهامش في شعر أجود مجبل
غير خافٍ أن شعراء العراق عموما يتضح في منتوجهم تلك الثّنائيّة، والتي كانت حاضرة – وبقوة – بفعل الأحداث السياسيّة في بلدانهم، وفيها «يتضح لنا مدى صلابة الموقف المسؤول الذي تبناه الشّعراء العراقيون المعاصرون عن طريق مواجهة السلطة السياسيّة والسّخريّة مما تقوم به»[15]. من بين هؤلاء الشّعراء، يلمع نجم الشّاعر أجود مجبل الذي تضمنت دوواوينه مواقف الصلبة المركزة – في الوقت ذاته – على إبراز ثنائيّة المركز والهامش، ومنها على سبيل الذّكر ديوانه (يا أبي أيها الماء)، فمثلًا يقول في إهداء شعره[16]:
إلى أطفالنا القادمين
الذين سيغسلون الوطن من الهراءات
وينظفونه من المواعظ
إلى كل قدم صغيرة ستدخل إلى… المستقبل
يظهر من هذه الكلمات تلك المرارة على وطنه، إذ إنّ السّلطة جعلت نفسها المركز والشّعب هو الهامش، ويقول بدافع من الرجاء والأمل أنّ هؤلاء الأطفال هم الذين سيغسلون الوطن من الهراءات التي حدثت، وسينظفونه من المواعظ الكاذبة التي عششت فيه يومًا ما.
أضف إلى ذلك قوله[17]:
وحين أضعنا البلاد وجدناك بأعمــاقنا وطنا مضــمرا
وسرب غيوم وراء الفرات يعود لها الماء مستغــفرا
سلام..لأولى خطاك على الرمل للآن تستدرج الشجرا
سلام لوجه تضوع حتى تلاقت على جانبـــــيه القرى
اللوعة والبون القائم نفسه بين مركزيّة فئة وهامشيّة فئة أخرى، أدت في نهاية المطاف إلى ضياع البلاد… وعليه فهناك إمكانيّة لحضور ومناقشة ثنائيّة المركز والهامش في شعر الشاعر العراقي أجود مجبل، وهذا هو موضوع الفصل الثاني من بحثنا هذا. ولعل من المفيد أن نختم هذه النقطة بما جاد به قلم شاعرنا مجبل حول وطنه، في (مزامير… لما تبقى) يقول[18]:
وطني… رسائل دهشة تصل
وحكاية إيقاعها الأزل
دونته طفلا بذاكرتي، فقرأته
والعمر يكتهل… خبأته بدفاتري
ولها فاخضرت الكلمات والجُمل.
أضف إلى ما سبق طائفة من قصائده المعنية بالوطن، مثل: (مرثاةُ الوطن القليل)، وكذلك (عنّا… وعن بغداد)، وقصيدته (ليليات)، وغيرها من القصائد التي دفعت بعض النّقاد ولقبه – بحق – بــ«جواهريّ القصيدة العموديّة الحديثة»[19]
الفصل الثاني: النّاحية التّطبيقيّة لثنائيّة المركز والهامش (في شعر أجود مجبل)
اتساقًا مع ما سبق من ومضات، ولمحات حول إمكانيّة وجود ثنائيّة المركز والهامش في منتوج شاعرنا أجود مجبل، فإنّنا هنا سنقف على عدة نماذج تطبيقيّة دالة على ذلك، وسوف نناقش ما يلي: هامشيّة الوطن مركزيّة القادة، ومركزيّة الموت وهامشيّة الحياة، الأماكن بين الهامشيّة والمركزيّة، الهامشيّة والمركزيّة في إهداءات دوواوينه.
أولًا: هامشيّة الوطن مركزيّة القادة
يكفينا أولًا ما أورده شاعرنا في (نفائس المابين) تلك المقطوعة الحائزة على إحدى الجوائز الأدبّية، والتي تبين تلك الثّنائيّة «هامشيّة الوطن بسبب السياسات، وفي المقابل مركزية القيادة والساسة»، يقول[20]:
يا أيها الوطن الجليل، تريقا لأن فيك معارك وقتال
ترك الطغاة على ضحاك رماحهم واستقردت بزهورك الادغال
من أين نبتدئ الصعود إليك والطرقات ضيزى والدروب ضلال
إذ يصف الشّاعر وطنه، ويبين ما فيه من معارك وقتال أدى إلى هامشيته، وفي المقابل (الطغاة) الذين تركوا في جسده الرّماح حتى أدمته… ليصل في ذات القصيدة إلى الأمل المنشود، يقول[21]:
يا ألف ليلتنا هواك حكاية والعمر حلم والسنين خيال
عودي لنا سقفا من الأسماء أو بقيا وجوه شوقها هطال
عودي لتعتنق الرصافة كرخها وينير شاطئ دجلة موال
يا موطن الرايات، يا أسماءنا يلتم فيها الوجد والترحال
لا يخفى أنّ شاعرنا أجود مجبل، لم يكتب مثل هذه الأبيات من فرضيّات ذهنيّة محضة، بل من معايشة حقّة لوطنه وما يموج فيه من أحداث فيه من الإشكالات الكثير والكثير. بهذا يتضح جليًّا أنّ مجبل ركز على هامشيّة الوطن في مقابل مركزيّة القادة بنزعة سياسيّة سار فيها على دأب أغلب شعراء العراق، ولعل خاتمة هذه القصيدة (نفائس المابين) كاشفة بوضع عن ذلك، يقول[22]:
ها هم أحبتك الصغار تفقهوا في الطين واكتنزت بهم أهوال
هم آخر المتفاقمين طفولة ولهم صحارى ونزفهن رمال
ما سافروا إلا إلى أجسادهم وتداولوها وهي بعد ظلال
كتبوا جلالتهم بنصف فراشة والأبجدية خلقهم أطلال
ثانيًّا: مركزيّة الموت وهامشيّة الحياة
يمكن ملاحظة المركزية في شعر أجود مجبل في ذكره للموت، وقد سيطرت هذه الفكرة على البعض، منها قصيدته (نصائح متأخرة لابن زريق) إذ يرى أنّ للموت سطوته، وعادة ما كان يربطه بالطاغيّة، إشارة مبطنة منه على أوجه الشّبه بين الموت والطغاة، يقول[23]:
لك وردة تهمى… وموت فاتن
وخطاك في طرق الغياب مآذن
كم من عصافير بلا مأوى هنا
كانت على شجر لديك تراهن
غصنا فغصنا… ظل ينمو حلمها
حتى أطاح بها النهار الآسن
من ألف طاغية وطاغية مضوا
يهمنا كذلك في هذا الصدد الإيماء إلى مفردات شاعرنا ووصفه للموت أنّه «موت فاتن»، وربطه هذا الوصف بـ«طرق الغياب مآذن»، ثم خاتمته المقصودة «ألف طاغية وطاغية مضوا». فالمتأمل لمثل هذه المفردات ليلحظ تلك الثّنائيّة المستهدفة هناك.
ثالثًا: الأماكن بين الهامشيّة والمركزيّة
تتبدى كذلك تلك الثّنائيّة في ذكره للأماكن؛ فشاعرنا – أجود مجبل – يمنح المكان الطاقة التّجريديّة التي تحول أبعاده الماديّة الى رموز فنيّة تتحرك عبر اللغة، ما يدفع المتلقيّ الى إعادة تركيبه برؤية جماليّة. فالمكان عند مجبل يمده بالطاقة التّعبيريّة التي تتشكل في الذّهن على شكل شحنات، ودفقات شعورية تبيّن تلك الثّنائيّة بجلاء؛ فيشكّل: تراب الأرض ومطر السّماء، يقول على سبيل المثال[24]:
حفظت تواقيع التراب
وكل ما ستكتبه فيه الغيوم
وتحذف… أبا كنت للأشجار
تسهر قربها يداك لها
في معجم البرد معطف
لهذا أتاك النخل… مغرورق الخطى
وجاءك زيتون القصائد يزحف
رابعًا: الهامشيّة والمركزيّة في إهداءات دوواوينه
ثمة حقيقة واضحة في شعر العراقيّ أجود مجبل، وهي أن إهداءات دوواوينه يمكن إذ ما وضعناها بمقابلة بعضها البعض لاستخرجنا منها تلك الثّنائيّة، فلننظر مثلًا إلى الإهداء في ديوانه المعنون بـ(رحلة الوالد السَّومري)، إذ يهديه قائلًا[25]:
الإهداء… إليها
إلى أيامنا المضفورة معا
إلى العراق رقيم الشغف الخالد
حيث كُتِبت أول قصيدة حب
كما ألمحنا إلى إهداء ديوانه (يا أبي أيها الماء)[26] إذ أهداه إلى أطالفنا القادمين، الذين سيغسلون الوطن من الهراءات وينظفونه من المواعظ، وإلى كلّ قدم صغيرة ستدخل إلى المستقبل حالمة بوطن أكثر برقًا. إنّ هذه السّيمفونيات الشّعريّة لتجدها تبرز أسى شاعرنا على أيامنا؛ حيث سلطة ومركزيّة بعض المسيطرين وهامشيّة الوطن (العراق) بأهله، لذلك كان في الإهداء الثاني يأمل بالأطفال الذين سيغسلون الوطن من الهراءات وينظفونه من المواعظ.
خاتمة
- يتيبن مما سبق أنّ من بين الثنائيّات التي كانت حاضرة شعر الشّاعر العراقي أجود مجبل ثنائيّة المركز والهامش.
- كانت هذه الثّنائيّة تظهر كثيرًا في شعره الذي يعالج أغلب القضايا السياسيّة، إذ ما قارناه كمًّا وكيفًا بغيره من الأغراض.
- من بين الصور التّطبيقيّة الدّالة على هذه الثّنائيّة في شعره، ما يلي: هامشيّة الوطن مركزيّة القادة، ومركزيّة الموت وهامشيّة الحياة، الأماكن بين الهامشيّة والمركزيّة، الهامشيّة والمركزيّة في إهداءات دوواوينه.
- لعل من أسباب حضور هذه الثّنائيّة إيمان أجود مجبل أنّه – بحسب تعبيره – ممن أعادوا الرّوح إلى جسد القصيدة الكلاسيكية التي أصابها النّظامون في المقتل، وأن طرح أسئلة الوجود الكبرى من صميم عمل الشّعر.
المصادر
أولاً: دواوين أجود مجبل
- رحلة الولد السومري(2000م)؛ منشورات اتحاد الكتاب العرب.
- نفائس المابين(2007م)؛ وزارة الثقافة – دائرة العلاقات الثقافية العامة، العدد: 4.
- محتشد بالوطن القليل(2009م)؛ دار نخيل بغداد.
- يا أبي أيها الماء(2012م)؛ شركة نورس بغداد للطباعة.
- كأس لانقراض ساعي البريد(2019م)؛ منشورات دار الشباب للطباعة والنشر.
- كأنه(2021م)؛ الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
ثانيًا: المراجع
- أبكر آدم إسماعيل، جدلية المركز والهامش، منظمة حقوق الإنسان والتنمية، الطبعة الثانية.
- أحمد محمود، نقد جدلية المركز والهامش عبر كتابة عقل الأزمة، نشر في: سودانيل 25-1-2016م.
- دليلة الباح؛ «لمركز والهامش: مفهومه ، أنواعه ، جذوره؛ جامعة محمد خيضر بسكرة – كلية الآداب واللغات – مخبر وحدة التكوين والبحث في نظريات القراءة ومناهجها، عدد4، الجزائر 2012م.
- إيمان محمد ابراهيم العبيدي؛ المركز والهامش في الشعر الجاهلي – دراسة نقدية بين الفحولة والانوثة، لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، العدد السابع عشر، السنة السابعة 2015م.
- حنان بن قيراط؛ المركز والهامش في الأدب، جامعة عبدالحميد بن باديس – كلية العلوم الإجتماعية – مخبر حوار الحضارات والتنوع الثقافي وفلسفة السلم،مج6, ع1، الجزائر 2016م.
- سامي المكي، الإسلام والشعر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، العدد66، لسنة 1996م.
- فاطمة حميد يعكوب؛ البنيات الأسلوبية في شعر أجود مجبل قصيدة ما تبقى من ذاكرة الهدهد مثالاً: دراسة بنيوية إحصائية، جامعة القادسية- كلية التربية، مج18, ع3، 2018م.
- زاهي نجيب رشيد؛ المركز والهامش في شعر الصعاليك في العصر الجاهلي في ضوء سيمياء الثقافة، اتحاد الجامعات العربية- الجمعية العلمية لكليات الآداب، مج16, ع2، الأردن 2019م.
- جيجخ صورية، المركز والهامش في روايات عز الدين جلاوجي، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر- بسكرة، الجزائر، 2015م.
- على حسين البركي، تمثلات العنف في شعر التفعيلة العراقي المعاصر، رسالة ماجستير، جامعة المثنى، كلية التربية للعلوم الانسانية، 2016م.
ثالثًا: الحوارات الصحافيّة
- حوار باسل عبد العال بمجلة القدس، مع الشاعر أجود مجبل، 15 أكتوبر – 2019م.
- حوار الصحافي ميرزا الخويلدي بجريدة الشرق الأوسط (جريدة العرب الدولية) مع الشاعر العراقي أجود مجبل، الأحد – 26 صفر 1443 هـ – 03 أكتوبر 2021 م رقم العدد [15650].
- مقال، بالجزيرة نت، بعنوان: العراقي أجود مجبل، لقب بــجواهري القصيدة العمودية الحديثة، تاريخ: 28/07/2021م.
[1]– المديرية العامة للتربية النجف الأشرف mbusj140@gmail.com
[2] نشرت في: جامعة محمد خيضر بسكرة – كلية الآداب واللغات – مخبر وحدة التكوين والبحث في نظريات القراءة ومناهجها، عدد4، الجزائر 2012م.
[3] نشرت في: لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعيّة، العدد السابع عشر، السنة السّابعة 2015م.
[4] نشرت في جامعة عبدالحميد بن باديس – كلية العلوم الاجتماعيّة – مخبر حوار الحضارات والتنوع الثقافي وفلسفة السلم، مج6, ع1، الجزائر 2016م.
[5] نشر في: اتحاد الجامعات العربيّة- الجمعيّة العلميّة لكليات الآداب، مج16, ع2، الأردن 2019م.
[6] نشرت في: جامعة القادسية – كلية التربية، مج18, ع3، 2018م.
[7] أجود مجبل، ولد في سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار (جنوبي العراق) العام 1958، تخرج في دار المعلمين 1979م، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء، والكتاب في العراق وعضو اتحاد الكتاب العرب، وقد فاز بجائزة الإبداع العراقي لفئة الشعر العام 2019.
[8] انظر: حوار جريدة الشرق الأوسط (جريدة العرب الدولية) مع الشّاعر العراقي أجود مجبل، ميرزا الخويلدي، الأحد – 26 صفر 1443هـ – 03 أكتوبر 2021مـ رقم العدد [15650].
[9] انظر: حوار باسل عبد العال مع الشاعر أجود مجبل، 15 – أكتوبر – 2019م، مجلة القدس.
[10]) أجود مجبل، يحدث الآن، ضمن: ديوان كأس ص7-8.
[11] جيجخ صورية، المركز والهامش في روايات عز الدين جلاوجي، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر – بسكرة، الجزائر، 2015م، ص43.
[12] المرجع السابق، ص43؛ وقارن: سامي المكي، الإسلام والشّعر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، العدد66، لسنة 1996م.
[13] أبكر آدم إسماعيل، جدلية المركز والهامش، منظمة حقوق الإنسان والتنمية، الطبعة الثانية، ص91.
[14] أحمد محمود، نقد جدلية المركز والهامش عبر كتابة عقل الأزمة، نشر في: سودانيل 25-1-2016م.
[15] عليّ حسين البركي، تمثلات العنف في شعر التّفعيلة العراقيّ المعاصر، رسالة ماجستير، جامعة المثنى، كلية التربية للعلوم الإنسانيّة، 2016م، ص43-44.
[16] أجود مجبل، يا أبي أيها الماء، ص5.
[17] أجود مجبل، يا أبي أيها الماء، ص170-171.
[18] أجود مجبل، مزامير… لما تبقى، ضمن ديوان: رحلة الولد السومري، ص56.
[19] مقال، بالجزيرة نت، بعنوان: العراقي أجود مجبل، لقب بــجواهري القصيدة العمودية الحديثة، تاريخ: 28/07/2021م.
[20] أجود مجبل، نفائس المابين، مجلة ثقافتنا، وزارة الثقافة- دائرة العلاقات الثقافية العامة، ع4، سنة 2007م، ص118.
[21] المرجع السابق، ص118.
[22] المرجع السابق، ص118.
[23] أجود مجبل، نصائح متأخرة لابن زريق، ضمن ديوان: كأس، ص70.
[24] أجود مجبل، يا أبي أيها الماء، ص25-26.
[25] أجود مجبل، رحلة الوالد السَّومري، ص5.
[26] أجود مجبل، يا أبي أيها الماء، ص5.