انعكاسات الهجرة اقتصاديّا واجتماعيّا على الجنوب اللبناني (بلدة البابلية أنموذجًا)
د. عباس حسن رضا([1])
ملخص
تتمحور هذه الدراسة حول التّداعيات الناتجة عن هجرة أهالي بلدة البابليّة. وقد هدفت إلى تبيان الأسباب التي دفعت أهالي البابلية إلى الهجرة، وكشف النتائج المترتبة على تلك الهجرة على الصعد التنمويّة والاجتماعيّة. وقد اعتمدنا، في دراستنا هذه، على المنهج الوصفي التّحليليّ بأسلوبه المسحيّ، ولجأنا إلى تقنيات الاستبانة والمقابلة والملاحظة بالمعايشة. وقد توصلنا في دراستنا إلى أثر هجرة أبناء البابلية في تعزيز الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّعليميّة والثقافيّة والسياسيّة للبلدة. وقد تركت هجرة أبناء البابلية بصمات واضحة عليها، إذ خضعت لنمط تطور اقتصادي واجتماعي، وساعدت على خلق قوى نفوذ جديدة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة إضافة إلى القوى التّقليديّة.
الكلمات المفتاحية: الهجرة – النزوح – التنمية – إدارة الأزمات.
Abstract
This study focuses on the repercussions of the migration of Bablieh people. The study aimed to identify the motives that led Babylonians to migrate, and to reveal the consequences of such migration at the developmental and community levels. In this study, we relied on the descriptive analytical approach in its survey style, and resorted to techniques of resolution, interview and observation by living.
In our study, we have found the impact of Babylonian migration in promoting the economic, social, educational, cultural and political conditions of the town. Babylonian migration has left a clear mark on it, undergoing a pattern of economic and social development, and has helped to create new economic, social and political power forces as well as traditional forces.
Keywords: Migration – Displacement – Development – Crisis Management.
مقدمة
تعدُّ الهجرة ظاهرة من أقدم الظواهر البشرية. ولعلّ احتياجات الإنسان لمسببات بقائه من ماء وكلأ وأمان كانت من الأسباب الرئيسة للهجرات عبر التاريخ. فهي خاصيّة إنسانيّة سكانيّة تتمثل في الانتقال من مكان إلى آخر، إما بحثًا عن حياة أفضل أو هروباً من وضع سيئ. وقد رافقت الهجرة اللبنانيين منذ القديم، وتسبّبت الحروب والأوضاع الأمنيّة والسياسيّة المترديّة في الهجرة، لا سيما أيام السيطرة العثمانيّة، وما بين الحربين العالميتين، حيث هاجر العديد من أبناء البابلية إلى الخارج، لتحسين أوضاعهم الاقتصاديّة، والتّخصص العلمي، وهروبًا من الأوضاع الأمنية، فكانت وجهتهم أميركا وأفريقيا وأوروبا، وفي ما بعد الخليج العربي الذي شهد طفرة نفطيّة. إذا كانت الهجرة قد ارتبطت بحياة اللبنانيين منذ زمن بعيد، نظرًا إلى نشاطاتهم التّجارية عبر البحار، ونظرًا إلى الظروف السياسيّة والأمنيّة التي يعيشها اللبنانيون، إذ ترافقت مع دعوات متعددة تحفّز اللبنانيين على الهجرة نظرًا إلى ضيق مساحة الجبل وتضاؤل الإنتاج الزراعي، مقارنة بالتزايد السكاني، بحيث إنّ الهجرة إلى الخارج باتت تشكل الحلّ الأمثل لتحقيق مستوى أفضل من المعيشة. وهكذا فقد مرّت الهجرة بمراحل تاريخيّة متعددة، واتخذت اتجاهين أساسيين:
هجرة دائمة، ترتبط بالمهاجرين الذين قصدوا الدول الأوروبيّة والولايات المتحدة الأميركية، وكندا وأستراليا وقرروا الاستقرار النهائي في تلك الدّول. وهجرة مؤقتة، ترتبط بالمهاجرين اللبنانيين الذين قصدوا الدّول الأفريقية والعربيّة ويفضلون العودة إلى وطنهم بعد تحقيق غايتهم من الهجرة.
تشير دراسة مجتمع البابلية في غضون نصف قرن إلى المرحلة الزّمنيّة التي تميّزت بالتّطور السّريع، خاصة بعد تدفّق أموال المهاجرين ودورها في عملية البناء ورفع مستوى السكان اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. ولطالما ارتبط تاريخ بلدة البابلية الحديث، منذ البداية بالهجرة التي نتج عنها تطوّر اقتصادي بارز، ونهضة عمرانية، وتغيّر في العادات والمفاهيم، واهتمام بالتعليم العالي.
إزاء ذلك، يمكننا طرح الإشكالية الآتية: ما هي الدوافع التي دفعت أهالي البابلية إلى الهجرة؟ وما هي الانعكاسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للهجرة في البلدة؟ وإلى أي مدى أسهمت تلك الهجرة في تعزيز عمليات التنمية المحلية فيها؟
من خلال هذه الاشكاليّة، برزت الفرضية الآتية: أسهمت هجرة أهالي البابلية، منذ مطالع القرن العشرين، في تنمية بلدة البابليّة على الصعد الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة والعمرانيّة وتحريك عجلة الاقتصاد في البلدة.
وقد اعتمدنا في دراستنا هذه على المنهج الوصفي التحليلي بأسلوبه المسحي الذي تطلب استخدامنا لتقنيات الاستبانة والمقابلة والملاحظة. فقد أتاح لنا استخدام تقنية الاستمارة، من الحصول على البيانات اللازمة والضرورية، من عيّنة تمثّلت بنسبة 35% من المجتمع المبحوث والبالغ ألف شخص مهاجر وهم مجموع المهاجرين من البلدة. وقمنا باستخدام تقنية المقابلة مع بعض النافذين والوجهاء في البلدة؛ كما استعنا بتقنية الملاحظة بالمعايشة كوني من المهاجرين في أفريقيا والخليج العربي.
1 – الخصائص الجغرافيّة والتّاريخيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة للبلدة
1.1 الخصائص الجغرافيّة
سنستعرض في هذه الفقرة موقع وحدود البابلية ومساحة أراضيها.
1.1.1 الموقع والحدود
البابلية بلدة من بلدات صيدا – قضاء الزّهراني – جنوبي لبنان، تبعد من العاصمة حوالي 65 كلم، وترتفع عن سطح البحر 270م، تبلغ مساحتها /18000/ دونم (18كلم مربعًا). كما تبعد من مركز القضاء ما يقارب 20 كلم، وعن مدينة صور 30 كلم، ويبلغ بعدها المباشر عن البحر حوالي 4 إلى 5 كلم، وهي تعدُّ من القرى السّاحليّة، وترتفع البابلية عن سطح البحر 270 مترًا، وعدد سكانها حوالي 8200 نسمة([2]).
معظم الأراضي كانت لمالكين من خارج البلدة. وبعد الانتعاش الحاصل في البلدة والثراء الذي سبّبه الاغتراب، اشترى أهالي البلدة 75% من تلك الأراضي. وجدير بالذكر أنّه مع بداية تضعضع النظام المقاطعجي وبداية بزوغ النظام السلعي مع بدايات 1865م، جاء بعض التجار من صيدا وطرابلس وبيروت، كآل الميقاتي والبزّان والصوصو والصاصي والبساط والحريري والخليل وبسمة ووزني وغيرهم، وبداؤوا بشراء بعض العقارات الكبيرة التي كانت بحوزة آل الفضل وآل الأمين الذين كانوا يفتقدون للسيولة النّقديّة التي كانت متوفرة عند هذه العائلات المدينية أو المغتربة. بعد الانسحاب الإسرائيلي الأول في شباط 1985 شهدت البلدة نهضة عمرانية، حيث عمد غالبية المهاجرين والمغتربين إلى تشييد بيوت وقصور لهم، وشراء أراضٍ وإنشاء بساتين، وهذا مردّه إلى الاستقرار الذي شهدته البلدة بعد ذلك الانسحاب.
1.1.2 أصل التسمية
ثمة آراء مختلفة حول أصل تسمية البابلية([3]):
الرأي الأول: ينسب البابلية إلى تسمية سريانية معناها”بوابة الله”، ومنهم من يقول إنها تعود إلى ما هو منسوب إلى مدينة بابل في العراق التي تبعد من بغداد حوالي 40 كلم، إذ إنه بعد إصابة هذه المدينة بالخراب والدّمار هاجر العديد من أهلها نحو هذه المنطقة.
الرأي الثاني: يربط التسمية بحادثة حصلت العام 1240م. إذ إنه بعد وفاة صلاح الدين وخلافته في الحكم من قبل أبنائه وأبناء إخوته انعقد نوع من الصلح مع بقايا الصليبيين الموجودين في المنطقة، نال موافقة بعض ولاتهم، أمّا البعض الآخر فلم يوافق، فاستنجدوا بفعاليات ومقاتلين من بعض البلاد العربية، حيث استقروا في المنطقة، وكانوا فرقًا عسكريّة تمتدّ بشكل هلال حول قلعة ميس الموجودة في بلدة أنصار، وشكلوا قرى عديدة إذ تعود تسميتها إمّا إلى القادة، وإمّا إلى المناطق العراقيّة التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون.
الرأي الثالث: يقول إنّ البابلية سمّيت بهذا الاسم نسبة إلى أميرة قديمة عاشت في إحدى التلال في القرية، وكانت تسكن قصرًا كبيرًا وكانت تسمّى “ليّا” وكانت نادرًا ما تفتح قصرها وتغادره، لذلك كلما فتحت الباب كان الناس يقولون: فتحت “الباب ليّا”، ومع مرور الزّمن أخذت القرية هذا الاسم، وأصبحت تسمّى بـ “البابلية” نسبة إلى “باب ليّا”. والجزء الثاني من هذه الرواية يقول إن الاسم يعود إلى الأميرة، لكنه يربط الرواية الأولى بالثانية، ويقول إن تلك الأميرة كانت من بابل وكانت تسمى بالأميرة البابلية، ومن هنا أخذت القرية ذلك الاسم مع مرور الوقت.
1.2 الخصائص الاقتصاديّة
سنستعرض في هذه الفقرة أبرز الخصائص الاقتصاديّة لبلدة البابلية، زراعيًّا وتجاريًّا وبنى تحتية.
1.1.1 الإنتاج الزراعي
كانت القرية تعتمد منذ وقت طويل على الزراعة، وكانت الغالبية السّاحقة من أهاليها يعملون في هذا القطاع، ثم ما لبث العديد منهم أن انتقل إلى بعض المهن الحرفيّة الخفيفة، كما انتقل آخرون للعيش في المدن، وسافر البعض إلى البلدان المجاورة، كحوران في سوريا، وفلسطين، أو البعيدة، كأفريقيا والخليج العربي وأوروبا وأميركا وأستراليا، ولكن حتى الآن ما زال العديد من الأهالي يعملون في هذا القطاع، وتتوزع الأراضي الزراعية بين مروية وبعليّة، ومصادر الريّ الأساسية هي الآبار الجوفيّة، وذلك لعدم وجود أيّ من الأنهار والينابيع التي يمكن استغلالها في الريّ([4]).
أمّا الأدوات التي كانت مستخدمة في الزراعة فهي أدوات تقليدية، كالسكّة والمحراث، بالإضافة إلى المعول والمنجل وغيرها من الأدوات التّقليديّة والتي ما زالت تستخدم في زراعة الأرض بشكل محدود. إذ إنّ الزراعة تشهد تطورًا بسيطًا من حيث استخدام الجرارات الزراعيّة والأسمدة الكيميائيّة وتأصيل البذور، ولكن ما زالت الزراعة تفتقر إلى الإرشاد الزراعي والتنمية الزراعية لزيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل للشّباب في القرى.
1.2.1 الملكية الزراعيّة
تعدُّ بلدة البابلية من أكبر البلدات في قضاء صيدا من حيث المساحة. بيد أنّ غالبية أراضيها سهول ومروج تُزرع بالحبوب والخضار والحمضيات. وكانت البابلية إبان النّظام المقاطعجي تابعة لملكية آل الفضل والأمين، وبعد انهيار النظام المقاطعجي بعد سنة 1865 استمرت البابلية في تبعيتها لهاتين العائلتين. إلّا أنّه بعد إنشاء دولة لبنان الكبير، قام بعض التجار من خارج البلدة بشراء عقارات كبيرة من العائلتين اللتين كانتا تمتلكان تلك الأراضي. إلّا أنّنا رأينا، ومع بداية الستينيّات، ومع بزوغ نجم بعض المهاجرين من أهالي البابلية في المهجر، قاموا بشراء العقارات الكبيرة من العائلات البيروتيّة والصيداويّة والطرابلسيّة. وبقيت الملكيات كبيرة حتى حرب تموز 2006، حيث بدأ مالكو الأراضي في البابلية بعمليّة إفراز لملكياتهم الكبيرة وتقسيمها إلى عقارات وبيعها. وقد شاهدنا أنّ غالبية من قاموا بشراء العقارات بعد إفرازها هم من أهالي البابليّة المهاجرين إلى غرب أفريقيا بالخصوص، وبعضهم من المهاجرين إلى الأميركيتين. وقلّما نجد الآن في البابلية، مطالع العام 2022، ملكيات كبيرة، فقد استشرت العدوى عند جميع المالكين الكبار وقاموا بتفتيت تلك الملكيات إلى عقارات قابلة للبيع.
1.3 قطاع البنى التحتية
1.3.1 مياه الشفة
مصدر مياه الشّفة كانت عين الماء التي تقع في وسط البلدة، إذ كان السكان يأتون منها بالماء وبواسطة جرار الفخار التي تحملها النّسوة، أو تُحمّلُ على الدواب. وتعدُّ البابلية من القرى الغنية جدًّا بثروتها المائيّة، فهي تقع فوق بحيرة كبيرة من الماء ويوجد فيها حاليًّا أكثر من 32 بئرًا جوفيًّا تتراوح قدراتها بين 3 أنش و7 أنش، كما يوجد فيها العديد من الينابيع الأساسية منها: عين الحمى، ويقال إن مياهها كانت تشفي المصابين بالحمى وكانوا يقصدونها من القرى المجاورة – عين الحور- نبع الرحلة – نبع التوتة – نبع حجازي – نبع الحبيبات – نبع المزارب – عين الفار وغيرها. وقد بقي البعض منها، وتغيّر البعض الآخر متأثرًا بأعمال الحفر واستصلاح الأراضي.
في مطلع الستينيات جُرّت أنابيب مياه نبع الطاسة إلى القرية، لكن الزيادة السّكانية في كل المناطق التي تستقي مياهها من مصلحة نبع الطاسة، لم تعد كميات المياه تفي بحاجات السكان ما جعلهم يعيشون واقعًا صعبًا ما دفعهم إلى حفر الآبار الجوفية لتأمين حاجات الأهالي من المياه([5]).
1.3.2 شبكة الكهرباء
قديمًا كان “سراج الزيت” هو الذي يضيء الليالي المظلمة في بلدة البابليّة، وعند اكتشاف مشتقات البترول انتشرت مصابيح الكاز واللوكس، وفي سنة 1962و1963 أنيرت منازل البلدة وشوارعها بالتّيار الكهربائي الذي تغطيه شبكة الكهرباء التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، من محطة الزّهراني. ومع توسع الأحياء السكنيّة وامتدادها([6]) ففي سنة 2011 أنشِئت شبكة اشتراك مولدات كهربائيّة لأحد أبناء البلدة، وقد بلغ عدد المشتركين أواخر سنة 2021 حوالي 1200 مشتركًا.
1.3.3 شبكة الطرقات
يعود تاريخ تعبيد أول طريق في البلدة، أي الطريق العام إلى أواسط الخمسينيات، وتعدّ اليوم طرقاتها الداخلية جيدة من حيث اتساعها وتخطيطها([7]).
1.4 الخصائص الاجتماعيّة: الحالة السكانيّة والعلميّة والإداريّة
1.4.1 السكان
تتألف البلدة من 1200 وحدة سكنية (شقة)، ويبلغ عدد سكانها حوالي 9000 نسمة، وعدد الناخبين 4028، وعدد عائلاتها حوالي 40 عائلة. ويقيم في البلدة حوالي 4000، من عدد سكانها، وينزح حوالي 4000 منهم إلى بيروت، ويهاجر 1000 إلى بلاد المهجر([8]). وتشهد البابلية خلال فصل الصيف حركة ناشطة، حيث يعود غالبية النازحين إلى بيروت والمغتربين إليها لقضاء العطلة الصيفيّة.
1.4.2 الجمعيات والنوادي
يوجد في البابلية عدة جمعيات ونوادٍ، وهي: نادي البابلية الرياضي (1970)، وجمعية التضامن الإنمائي في البابلية (1980)، وجمعية رابطة التعاون الخيري (2005)، ونادي نجوم الرّسالة الرّياضي في البابليّة (1982)، ونادي البابلية الرياضي في كرة السلة (1998)، ونادي البابلية الرياضي في كرة القدم (2004)، ونادي شباب البابلية الرياضي (2021).
خلاصة
إذًا، تتوسط بلدة البابلية مدن صيدا وصور والنبطية، وتمتاز بكبر مساحة أراضيها، لا سيّما الأراضي القابلة للزراعة. فقد كانت البابلية في ما مضى، وكمعظم البلدات، قائمة على النمط الزراعي، إذ كان غالبية أهاليها من المزارعين، وكانت الأراضي بمعظمها تابعة للعائلات المقاطعجيّة المتمثلة بآل الفضل وآل الأمين (مشايخ الصعبية). إلّا أنّ التحول الذي شهده لبنان من النّمط الزّراعي إلى النمط البرجوازي القائم على التّعامل بالنقد أسهم في نزوح العديد من أهالي البابلية إلى بيروت، وهجرة بعضهم الآخر إلى المغترب الأفريقي والأميركي، وذلك إبّان الحرب العالمية الأولى، والدّوافع عديدة، أهمّها الارتزاق والهروب من الخدمة الإجباريّة التي فرضتها الدولة العثمانية على المناطق التي تسيطر عليها.
وأدّى ظهور النّمط النقدي والسلعي إلى تفكك النظام المقاطعجي، وشراء أبناء البابلية وغيرهم لمعظم الأراضي التي كانت بحوزة المقاطعجيين من آل الفضل والأمين، إذ شهدت البابلية ظهور طبقة ثرية من أبناء الفلاحين، ممّن بنوا القصور واشتروا الأراضي، وأسهموا في النهضة العمرانية في البابليّة.
2- الأبعاد الاقتصاديّة والاجتماعيّة لهجرة أهالي البابلية
سنعالج في هذه الفقرة تعريف الهجرة ودوافع الهجرة لدى أهالي البابلية، والبلدان التي هاجروا إليها، وظروفهم في بلاد المهجر.
1- الهجرة ودوافعها
1.1 تعريف الهجرة
يستعمل لفظ هجرة Migration للدلالة على تحركات جغرافيّة لأفراد أو جماعات، وهناك هجرة داخلية وأخرى خارجيّة، وهجرة اختيارية وأخرى قهرية، وهجرة كاملة وأخرى ناقصة، وتحاول الهيئة الدّوليّة للهجرة وضع تعاريف دقيقة لهذه الأنواع المختلفة حتى يمكن المقارنة الإحصائيّة بين الهجرة إلى الدّاخل والهجرة إلى الخارج. وأوصت هيئة العمل الدّولية أن تشمل الهجرة الدائمة انتقال الفرد من دولة إلى أخرى ليقيم فيها مدة تزيد عن شهر وتقل عن عام للقيام بمهمة أو لشغل وظيفة([9]). فالنزوح هو الهجرة داخل حدود الوطن، سواء أكان داخل العاصمة من المدينة إلى الضاحية، أم من المدينة إلى مدينة أخرى، أم من الرّيف إلى المدينة. وهذا النّوع الأخير هو الغالب على الهجرة الدّاخليّة في لبنان. وتشكل “الهجرة الدّاخلية أو الانتقال من المناطق الريفيّة إلى المناطق الحضرية جزءًا مهمًّا من الدّيناميّة التي يتميز بها المجتمع الحديث”([10]).
1.2 دوافع هجرة أهالي البابلية
ترك مهاجرو البابليّة بلدتهم بسبب تدهور الحالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسية، بحثًا عن ملجأ آمنٍ وحياة رغيدة. فقد بدأت هجرة ابن البابليّة في أواخر القرن التّاسع عاشر إبان الحكم العثماني، قبل الحرب العالميّة الأولى، بسبب الضرائب التي كانت تفرضها السلطنة العثمانيّة عبر العائلات المقاطعجيّة، والتّجنيد الإجباري للرجال اللبنانيين في حروب تركيا مع الروس والأوروبيين، ناهيك عن أعمال السخرة، وارتفاع الضرائب. ثم ازدادت بعدها إبّان الانتداب الفرنسي، وخصوصًا في المرحلة التي شهدت أزمة اقتصاديّة عالمية، أي ما بين 1928 و1933، ثم هجرة ثالثة بعد الحرب الأهلية سنة 1975 وما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم.
جدول رقم (1): دوافع الهجرة لأفراد العيّنة من المهاجرين
أسباب الهجرة | العدد | النسبة المئوية |
اجتماعيّة | 65 | 18.6% |
اقتصاديّة | 219 | 62.6% |
أمنيّة | 59 | 16.9% |
دراسيّة | 7 | 2.0% |
المجموع | 350 | 100.00% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ 62.6% من مهاجري بلدة البابلية هاجروا لأسباب اقتصادية، و18.6% لأسباب اجتماعية، و16.9% لأسباب أمنية، و2% لأسباب دراسية. إذًا نرى أنّ الدافع الاقتصادي هو من الدوافع المهمّة التي دفعت أهالي البابلية إلى الهجرة وذلك بسبب البطالة العالية التي يشهدها لبنان، وعدم توفر فرص عمل كافية لإعالة المتزوجين منهم لأسرهم، أو لتأمين العزب مستقبلًا لهم. فعندما يجد ابن البابليّة فرصة عمل تعود عليه بأربعة أو خمسة أضعاف أو أكثر مما يجنيه، يعرض نفسه لآلام الغربة تجاه هذا الهدف. كما أنّ تعرض العديد من المصالح إلى الخطر بسبب الحرب الأهلية أو الاعتداءات الإسرائيلية دفعت البعض من أهالي البابلية إلى الهجرة.
1.3 أماكن توزّع المهاجرين في بلاد الاغتراب
جدول رقم (2): مكان الإقامة في المهجر
مكان الإقامة في المهجر | العدد | النسبة المئوية |
أفريقيا | 188 | 53.70% |
منطقة الخليج العربي | 78 | 22.30% |
أميركا | 48 | 13.70% |
أوروبا | 33 | 9.4 % |
ليبيا | 3 | 0.9 % |
المجموع | 350 | 100% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ 53.7% من أفراد العيّنة، هاجرت إلى أفريقيا، و22.3% إلى الخليج، و13.7% إلى أميركا، و9.4% إلى أوروبا، و0.9% إلى ليبيا. لقد دفعت الظروف السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة التي عانى منها لبنان منذ نشوئه إلى هجرة العديد من أهالي البابلية إلى بلدان المغترب. إلّا أنّ أفريقيا استحوذت على أكبر نسبة من المهاجرين وذلك لأسباب عديدة منها: سهولة العمل والإنتاج من دون أيّة تعقيدات، ناهيك عن الراحة النّفسيّة التي يشعر بها ابن البابليّة مع وجود العديد من أبناء البلدة هناك، إضافة إلى أنّ الهجرة إلى أفريقيا لا تبعد ابن البابلية عن بلدته، فيبقى متواصلًا معها ومع أهله. ويعمد المهاجر إلى أفريقيا إلى تشييد منزل له في البابليّة أو بيروت، وتأمين فرص عمل ثانية في لبنان. بعكس الهجرة إلى أميركا وأوروبا، إذ نجد إنّ غالبية المهاجرين إلى هاتين القارتين لا يعودون إلى بلدهم، أو على الأقل يستقرون. وربما يتواصل المهاجر مع بلدته، إلّا أنّ غالبية أفراد الأسر المهاجرة لا تقوم بزيارة البلدة أو التواصل مع أهلها، وتكمل حياتها في المهجر.
أمّا بخصوص الخليج فإنّ ظروف العمل الصعبة فيه، وخضوع اللبناني، كغيره من الجنسيات الأخرى، إلى قيود الإقامة والكفيل وعدم التملك، وغيرها من العوامل، ما يدفعه إلى ترك الخليج إلى لبنان أو إلى الهجرة إلى أفريقيا حيث سهولة العمل وكثرة الإنتاج وحسن تعامل الشعب الأفريقي المضيف مع اللبنانيين.
1.4 تاريخية الهجرة ونوعها
جدول رقم (4): المراحل التّاريخيّة لهجرة أهالي البابلية
تاريخ الهجرة | العدد | النسبة المئوية |
ما قبل 1975 | 78 | 22.30% |
من 1975 ولغاية 1990 | 155 | 44.30% |
ما بعد 1990 لغاية 2021 | 117 | 33.40% |
المجموع | 350 | 100.00% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ 44.3% من مهاجري البابلية هاجروا في المرحلة التي شهدت، ما اصطلح على تسميته، بالحرب الأهلية اللبنانية أي بين 1975-1990، و33.4% في مرحلة ما بعد التسعين، و22.3% ما قبل سنة 1975. فقد شهد لبنان في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية طفرة اقتصادية وتحسنًا في ظروف المعيشة، وهذا ما أدّى إلى انخفاض عدد المهاجرين. فقد شهدت حقبة الستينيات من القرن الماضي، وخصوصًا في الحقبة الشّهابيّة عودة الكثير من مغتربي البابلية من الكويت وغيرها، حيث شهد لبنان فرص عمل وتأسيس العديد من المؤسسات التي تحضن الفقراء كالضمان الاجتماعي والإنعاش، والجامعة اللبنانيّة ومجلس الخدمة المدنية وغيرها من المؤسسات، كما شهد طفرة اقتصاديّة ومصرفيّة أنعشت الوضع الاقتصادي في لبنان، ناهيك عن انتقال المقاومة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان سنة 1970 بعد أيلول الأسود في الأردن، وبعد اتفاق القاهرة 1969، والانتعاش الاقتصادي الذي انعكس على لبنان. إلّا أنّ الحرب الأهلية في لبنان دفعت من رجعوا من الكويت وغيرها إلى السفر مجددًا إلى بلدان أخرى منها الكويت وغرب أفريقيا أو أوروبا والإمارات وليبيا والعراق والسعودية. كما أنه في هذه المرحلة من الحرب أو الأحداث الجارية، قُسّمت بيروت إلى غربية وشرقية، نزح العديد من أهالي البابلية ممن كانوا يقطنون في ضواحي بيروت الشّرقية، كالنبعة وسن الفيل وغيرها من المناطق الشرقية، إلى الجنوب. ولما كان الجنوب يعاني من اعتداءات إسرائيلية متكررة أبرزها: اجتياح 1978 أو ما سمي بعملية الليطاني، واجتياح 1982 أو ما يسمى بعملية سلامة الجليل، فقد وجد أهالي البابلية أنفسهم أمام خيار الهجرة إلى الخارج، وهذا ما تبيّن لنا من الجدول أعلاه. أمّا بعد اتفاق الطائف سنة 1989 وإرساء الوضع الأمني ونهاية الحرب الأهليّة اللبنانية بإشراف سوري وبمبادرة أميركية-سعودية-سورية. فقد ظن اللبنانيون أنّ الوضع الاقتصادي سيتحسن، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، فالوضع الأمني لم ينعكس إيجابًا بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، ما دفع بالعديد من شباب البابلية إلى الهجرة.
1.5 المنافع المحقّقة من الهجرة
جدول رقم (5): المنافع المحققة من الهجرة
المنافع المحققة من الهجرة | العدد | النسبة المئوية |
تشييد منزل | 106 | 30.3% |
اكتساب جنسية | 57 | 16.3% |
اكتساب مهنة | 7 | 2.0% |
جمع المال | 90 | 25.7% |
شراء عقارات | 67 | 19.1% |
دراسة | 23 | 6.6% |
المجموع | 350 | 100% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ 30.3% من مهاجري البابلية كانت مكاسبهم من الهجرة أن شيدوا منزلًا، و25.7% جمعوا المال، و19.1% اشتروا عقارات، 16.3% اكتسبوا جنسية، و6.6% حصلوا على شهادات جامعية. ويدل الجدول أعلاه على أهم المنافع التي حققها مهاجرو البابلية في نظرهم. فلا يعني أنّ من اكتسب جنسية لم يشيد منزلًا، أو أنّ من اشترى عقارًا لم يشيد منزلًا، وما إلى ذلك. فربما يكون من الدوافع المهمّة التي دفعت أهالي البابلية إلى الهجرة هي تشييد منزل لهم، إذ إن جلّ المهاجرين هم من الطبقة الفقيرة التي لا تمتلك بيتًا أو عقارًا في البابلية، فيكون تشييد المنزل أولى اهتماماتها، وبعد ذلك نجد شراء العقارات، إذ فضّل بعض المهاجرين شراء أرض لهم أو لذويهم لتحقيق فكرة كانت سائدة إبّان المجتمع الزراعي لما كان من أهمية لشراء العقارات والأراضي، حيث إنّ تملّك الأرض يمنح صاحبه نفوذًا.
1.6 كيفية إنفاق واستثمار الأموال في لبنان
جدول رقم (6): كيفية إنفاق واستثمار الأموال في لبنان
كيفية استثمار الأموال في لبنان | العدد | النسبة المئوية |
إعالة الأهل | 127 | %36.3 |
الزراعة | 35 | 10.0% |
تجارة عامة ومقاولات | 164 | 46.9% |
صناعة | 24 | 6.9% |
المجموع | 350 | 100% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ46.9% من مهاجري البابلية عملوا في استثمار أموالهم عبر العمل في القطاع التجاري والمقاولات، في مقابل 36.3% أنفقوا أموالهم في سبيل إعالة أهلهم وأسرهم، و10% استثمروا أموالهم في القطاع الزراعي. فقد عمد أهالي البابلية إلى العمل في التجارة العامة والمقاولات لأنها أكثر ربحًا وأقل تكلفة من غيرها، وخصوصًا مع وجود الرأسمال، أمّا القطاع الزراعي فهو غير مجدٍ من ناحية الريع والربح، مع وجود متاعب كثيرة يعاني منها هذا القطاع. لهذا رأينا تهافت العائدين من الاغتراب من أهالي البابلية على التجارة العامة والمقاولات.
1.7 أهداف الزيارة إلى لبنان
جدول رقم (8): أهداف الزيارة إلى لبنان
أهداف الزيارة إلى لبنان | العدد | النسبة المئوية |
زيارة الأهل | 260 | 74.3% |
استجمام | 23 | 6.6% |
للتجارة | 54 | 15.4% |
لا جواب | 13 | 3.7% |
المجموع | 350 | 100% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ 74.3% من مهاجري البابلية يأتون إلى لبنان بهدف زيارة أهلهم، و15.4% بهدف تجاري، حيث يكون عندهم أعمال تجارية في لبنان أو بصدد التبضع للمهجر، إذ يقومون بشحن بضاعة إلى البلدان المقيمين فيها. ولما كان معظم مهاجري البابلية هم في بلدان أفريقيا الغربية، ولأنهم يهدفون إلى العمل وليس إلى الإقامة الدائمة، فإنّهم يتزوجون في لبنان، وهذا ما يجعلهم يأتون، وبشكل دوريّ إلى لبنان، لزيارة أهلهم، إذ تؤدي المرأة دورًا كبيرًا في تحفيز زوجها على رؤية أهله وأهلها. ويضعف هذا عند المهاجرين المتزوجين من خارج لبنان، إذ تضعف الرابطة مع الأهل والوطن، فإذا أراد المهاجر أن يأتي لزيارة أهله فيأتي، في غالب الأحيان، بمفرده دون أفراد عائلته.
خلاصة
إذًا، كان لهجرة أهالي البابلية آثار عميقة عليها، على الأصعدة كافة: الاقتصاديّة والتعليميّة والثقافيّة والاجتماعيّة والعمرانيّة. إذ أدّت الهجرة إلى تحسين الأوضاع الاقتصاديّة لمعظم أهالي البابلية، وهذا ما انعكس على المستويات الأخرى، وما يرتبط بذلك من نهوض وتحسين حالة التعلم والطبابة والاستهلاكيّة البرجوازيّة؛ وتحوّلت معظم الأسر من النمط الزراعي إلى النمط التجاري والخدماتي، فازدادت المحال التجاريّة والصناعيّة والمقاهي ومراكز الخدمات وتحويل الأموال، ورفعت من مستوى الإنفاق لدى شريحة كبيرة من أهالي البابليّة.
أمّا على المستوى التعليمي، فقد أتاح الاتحاد السوفياتي السّابق، وبلدان المعسكر الاشتراكي لأهالي البابليّة التخصص في الميادين المختلفة، وخصوصًا ميادين الطب والهندسة، وهذا ما أسهم في رفع مستوى البابليّة، وقد انعكس ذلك على المستوى العمراني. كما أسهم رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في تأمين فرص تعليم في فرنسا وبلجيكا للعديد من أهالي البلدة من دون أية نفقات، وكل ذلك عمل على رفع مستوى البابليّة. كما تبيّن لنا من الدراسة الميدانية انخفاض ملحوظ لنسبة الأمية في البلدة، وقد أتاح إدرار الأموال من المهاجر للكثير من أبناء البلدة أن يحصّلوا تعليمهم في أرفع المدارس في لبنان، فازدادت بذلك أعداد المهندسين والأطباء وإدارة الأعمال والمحامين، وساعدت أموال المهاجر في فتح عدد من العيادات والمستوصفات، ما انعكس إيجابًا على الجانب الصحي في البلدة.
3 تداعيات الهجرة
3.1 التداعيات الايجابية في بلاد الاغتراب
3.1.1 التفاعل الثقافي مع المجتمعات الأخرى
أسهم الاغتراب في انفتاح المهاجرين على مجتمعات أخرى، تختلف من حيث اللغة والعادات والتقاليد والدين أحيانًا، والمواقف السياسية والإيديولوجيّة الفكريّة، وغيرها، ولم يتخلَّ المغتربون عن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم ومواقفهم، ولكن حدث تفاعل من خلال الإيمان بضرورة الاحتكاك بالآخرين، والتّعايش معهم ضمن الأحكام والقوانين التي تحكم حركتهم في بلاد الاغتراب، وأصبح لهم آراء سياسية تحرر الأبناء من بعض القيود التي كانت تحكم حركتهم في الوطن، وتكون نابعة من قناعاتهم، ومن تأثرهم بالأفكار الأخرى، وهناك عدد مهم من هؤلاء الأبناء انضوَوْا تحت لواء أحزاب متعددة الاتجاهات، وهناك فريق أصبح وعيه السياسي أوسع، وساهم في تأسيس بعض الأحزاب([11]). لقد تفاعل مغتربو البابلية مع أبناء البلدان التي هاجروا إليها، وأصبح لهم آراء سياسيّة وثقافيّة تختلف عن مرحلة ما قبل هجرتهم. فقد أسهم التّفاعل مع الشعوب الأخرى في منحهم عادات وتقاليد وأفكار جديدة عملت على صياغة شخصيتهم. وقد رأينا كيف أنّ الكثير من شباب البابلية المهاجرين، ممن كانوا في الأحزاب الأمميّة والقومية والطائفية قبل هجرتهم، قد تغيّرت آراؤهم عن هذه الأفكار والإيديولوجيات، فتحول الكثير منهم إلى الليبرالية، على الأقل على مستوى ممارستهم. فقد شاهدنا كيف أنّ الكثير من شباب البابلية المهاجرين ممن كانوا ينتمون إلى الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي والحزب القومي السوري الاجتماعي، وحركة الشغيلة والأحزاب العماليّة قد تغيرت قناعاتهم بعد هجرتهم، فأصبحوا ينتقدون الآراء التي كانوا يتبنونها وينضوون تحت لوائها. إذًا، أسهمت غربة أهل البابلية واحتكاكهم مع عادات وتقاليد البلدان التي هاجروا إليها في تطورهم الثقافي وتغيير نظرتهم السياسيّة والفكريّة والثقافيّة، وتحول غالبيتهم من الأفكار الأممية (الحزب الشيوعي مثلًا ومنظمة العمل الشيوعي)، والقومية (الحزب القومي السوري الاجتماعي) إلى العمل الحرّ والأفكار الأخرى المختلفة عن أفكارهم وإيديولوجيتهم السّابقة، فأصبحوا يدافعون عن الليبرالية والرأسمالية، ويواجهون مطالب من يعمل عندهم باستخفاف، ويخالفون قوانين العمل غير آبهين بعقاب.
3.1.2 دور أبناء البلدة في تطوير بلدان الاغتراب
أسهم مغتربو البابلية في التنمية الاقتصاديّة في البلدان التي هاجروا إليها، وخصوصاً أنّ غالبية المهاجرين هم من الفئة الشابة، ناهيك عن هجرة الأدمغة؛ حيث إنّ بعض مهاجري البابلية لمتابعة التحصيل الجامعي في أوروبا وأميركا لم يرجعوا إلى الوطن، بل عملوا في البلدان التي هاجروا إليها، وهم في غالبيتهم من أهل الاختصاص العالي، في ميادين الهندسة والطب وعلوم الكمبيوتر وإدارة الأعمال. كما أنّ بعض من هاجر إلى الخليج وغرب أفريقيا كان من حملة الشهادات الثانوية والجامعية، وهم بذلك أسهموا في التنمية الاقتصاديّة في البلدان التي هاجروا إليها، رغم أنّ المهن التي عملوا فيها كانت تتطلب شهادات أقل، وهذا ما حصل في الإمارات حيث وجدنا أنّ الكثير من حملة الشهادة الثانوية يعملون في الأفران والمهن التي لا تتطلب شهادات.
3.1.3 انعكاسات الهجرة الايجابية على البلدة
3.1.3.1 التحويلات المالية
إن أقل ما يقال عن فوائد هجرة مغتربي البابليّة هي في رفد أهاليهم وذويهم وأسرهم بالتّحويلات الماليّة في الأيام الصّعبة التي كان يمرّ بها لبنان إبّان الأزمات الكثيرة التي عصفت به، في سبعينيات القرن الماضي، أو خلال السنوات الأخيرة، وقد أسهمت تلك التحويلات في المحافظة على عائلاتهم وإغنائهم عن الطلب. إذ إنّ العمل في لبنان لم يكن يكفي لسدّ الحاجات الكثيرة المطلوبة للأسر، فكانت تلك التحويلات العامل المساعد لحاجات الأسر، ناهيك عن النهضة العمرانية التي شهدتها البابليّة بعد منتصف الثمانينيّات والتي كانت بمجملها من أموال تحويلات المهاجرين.
3.1.3.2 القطاع التجاري
يعدُّ القطاع التّجاري من القطاعات الاقتصاديّة المزدهرة في لبنان منذ مرحلة الانتداب، نتيجة توجيه هذا الأخير للاقتصاد توجيهًا خدماتيًّا، حيث وفّر الأرضية الخصبة لازدهار هذا القطاع، إضافة إلى تضافر عوامل خارجيّة مشجعة عدة لنموّ حركة التّجارة في لبنان. فهذا القطاع من القطاعات الاقتصاديّة الجاذبة والمستقطبة للرساميل، ومنها الرّساميل المهجريّة الجنوبيّة، ولا سيما أنّ التجارة هي المهنة الوحيدة التي مارسها غالبية المهاجرين، إن لم نقل أجمعهم، منذ الهجرة المبكرة إلى أميركا، وقد نجحوا في تعاطيها نجاحًا باهرًا، ولا سيّما في أفريقيا، فهي تناسب وضعهم فلا تتطلب ممارستها كفاءة مهنية أو تقنية أو علمية، كما يمكن البدء برأسمال متواضع، والمهاجر تمرس في خوض غمار هذا القطاع، لذلك نرى العمل التجاري يغلب على ذهنية المغترب([12]). وقد أسهمت تحويلات مهاجري بلدة البابلية في تنشيط القطاع التجاري فيها بأشكال مباشرة وغير مباشرة، فكان الاستثمار المباشر في القطاع التجاري، والمساعدة على الاستثمار، وتعميم الأنماط الاستهلاكية والاستيراديّة. إذ عمد بعض المغتربين إلى فتح محلات تجارية في البابلية، وأسهم بعضهم الآخر في تحويل أموال إلى أهلهم أو أقاربهم لفتح تلك المحلات. وقد توزعت هذه المحلات بين المواد الغذائية (السوبرماركات)، ومحلات الثياب، والخرضوات، والأدوات الصحية، والكهربائيّات، والأدوات المنزليّة، وتجارة السيارات والأخشاب والخدمات العامة، وغيرها من المحلات التّجارية التي تطورت واتسعت دائرتها لتشمل غالبية أحياء البابليّة.
3.1.3.3 العقارات والحركة العمرانيّة
تبلغ مساحة البابلية العقارية 18000 دونم، وكانت تتبع لها بعض المزارع كالحارثيّة والمحيدلي والوساميات ودير تقلا ونصف مزرعة الدّاودية وخربة الدّوير. إلّا أنّ التقسيمات الإدارية الجديدة، وبسبب الإهمال أو الضعف أو النزاع فإنّ مزرعة خربة الدوير أُتبعت لبلدية البيسارية منذ 1953، والمزارع الأخرى أُتبعت لبلدية عدلون. وكانت أراضي البابليّة ملكيات كبيرة مخصصة للزراعة، وكانت تتبع لملكية بعض التجار من صيدا وطرابلس وبيروت. إلّا أنّ من الفوائد المهمّة التي جناها أهالي البابلية المغتربين، هي في شرائهم لغالبية العقارات التي كانت مملوكة لأناس من خارج البابلية، إذ اشتُريت في أواخر السبعينيات والثمانينيات. إلّا أنّه وبسبب حاجة الأهالي إلى أراضٍ، فقد عمل مالكو العقارات الحاليين إلى تحويل العقارات الكبيرة، من زراعية إلى أراضٍ صالحة للعمران والاستثمار، ففرِزت، وأقبل أهالي البابلية على شراء أراضٍ جديدة لهم من العقارات المفرزة، حيث تحوّلت غالبية المساحات الخضراء إلى مساكن تحيط بها الحدائق. وقد دفع الاغتراب أصحاب الملكيات الكبيرة إلى فرز أراضيهم، وقد استفاد الطرفان من ذلك، فالشّاري استفاد من عقارات مفرزة جديدة، والبائع استفاد من استثمار مهم جنى منه الأرباح الطائلة.
3.1.3.4 القطاع السياحي
أسهم المال الاغترابي في البابلية في إنشاء العديد من المؤسسات السياحيّة في البابليّة، كالمطاعم والمقاهي والملاهي ومراكز الترفيه، وتأسيس مكاتب تأجير سيارات، ومكاتب سفريات. فقد شهدت مرحلة بداية الألفية الثالثة بروز تلك المؤسسات بعد أن كانت معدومة قبل 1990، وقليلة جدًّا بين 1990 و2000، حيث كان هناك مكتب سفريات واحد، ومطعم واحد. إلّا أنّنا أحصينا سنة 2022 وجود 15 مطعمًا، وعشرة مكاتب تأجير سيارات، وأربعة مكاتب سفريات، وثلاث شركات تحويل أموال، وحوالي 25 مقهى وكافيه، وتسعة مراكز ترفيه ومسابح مختلطة.
3.1.3.5 القطاعات الخدماتية الأخرى
أسهم المال الاغترابي في البابليّة في تأسيس العديد من المؤسسات الخدماتيّة، كمحلات تحويل الأموال، واستقدام خادمات، ومطاعم. كما أسهم رأس المال في المشاركة في بعض المصارف (خصوصًا في بيروت)، وأسهم بعض المتمولين في شراء أسهم في بعض المصارف، مثل بنك أفريقيا والشرق الأوسط، وفرنسبنك.
3.1.3.6 المجال التعليمي
قام المغترب اللبناني المرحوم عبدو مخدر، في تشييد مبنى لمدرسة البابلية المتوسطة، حيث قدّم قطعة أرض وأقام عليها مبنى لمدرسة البابلية المتوسطة. والمبنى تحت ملكية جمعية التضامن الإنمائي في البابلية، التي أنشئت سنة 1980، لتحفظ أموال أهالي البابلية وممتلكاتهم. كما أسهم المرحوم المغترب محمد عاصي (كان في الكويت) في تأسيس ثانوية الجهاد العربيّة، وهي مدرسة خاصة غير مجانيّة، خدمت البابلية والجوار طيلة 45 سنة، إلى أن توقفت سنة 2001م. كما أسهم الاغتراب في البابليّة في رفد العديد من الطلاب لمتابعة دروسهم في أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق، وفي الجامعات داخل الدولة اللبنانيّة. ونلاحظ أنّ معظم أولاد المهاجرين حصلوا على شهادات جامعية في اختصاصات الهندسة والإدارة والحقوق من الجامعات الخاصة، كالجامعة الأميركية (AUB) والجامعة اليسوعية وجامعة LIU (عبد الرحيم مراد)، وLAU (الجامعة الأميركية اللبنانية في قريطم وجبيل)، وغيرها من الجامعات في لبنان.
3.1.3.7 المجال الصحي
أسهم مغتربو البابليّة في تقديم العون الطبي والمساعدات الصحيّة لأهاليها، في السّلم والحرب. وعملوا على تأمين العلاج للعديد من الأهالي في المستشفيات اللبنانية. وقام علي محمد شاهين بتأسيس مبنى مستوصف للبابلية على بناء مقدم من المرحوم علي البغدادي في حيّ الشّلبي في البابليّة. وهذا البناء مشيد وفقًا لأحدث الخرائط العمرانية ويضم غرفًا كثيرة، وجرى افتتاحه العام 2017.
3.1.3.8 مجال تأمين المياه
وبسبب التقصير في الإدارات الرّسمية والمصالح المشتركة، وفي قطاعات المياه والكهرباء وغيرها، فقد عمد أهالي البابليّة إلى الاستعانة بأموال بعض المغتربين في تأمين مازوت لخزان المياه الذي يغذي البلدة بمياه الشّفة. وبسبب التّوسع العمراني الحاصل في البابلية في الآونة الأخيرة، فقد استحدث أهالي البابليّة (عبر البلدية والجمعية) خزانات مياه جديدة وملحقاتها، إذ تقوم تلك الآبار بتزويد البابليّة بمياه الشفة، وخصوصًا في فصلَي الصيف والخريف، وهما فصلا الذروة في شح المياه. إذن، نلاحظ أنّ المال الاغترابي في البابلية يشكل، في بعض الأحيان، بديلًا عن مؤسسات الدولة التي تستوفي الضرائب والرسوم من المكلفين لكنها لا تقوم بتقديم الخدمات، ما يلجئ الناس إلى الاستعانة بأموالهم وجهدهم لتغطية احتياجاتهم.
3.1.3.9 الخدمات الاجتماعيّة
3.1.3.9.1 إنشاء المؤسسات الدينية
يوجد في البابلية خمسة مساجد وحسينيّة وقاعة احتفالات وحوزة دينية. وقد أسهم المال الاغترابي في بلدة البابليّة في إنشاء النادي الحسيني، كما أسهم بعض المغتربين في ترميم مسجد العريشة (أول مسجد في البلدة والمسجد الرئيس)، كما أسهم مغترب من آل صبرا بتشييد مسجد الجبانة. كما قام المغترب علي سعادة بتشييد مسجد كبير في أول البلدة مع قاعة احتفالات ضخمة وحوزة دينيّة. لقد كان للمال الاغترابي الدّور الكبير في تشييد المؤسسات الدّينيّة في البابليّة، وفي توسيع نطاق العمران، وذلك بعد الطفرة العمرانية التي اتسمت بها البلدة، والتوسع العمراني الكبير الذي شهدته في مرحلة 1985 وفي مرحلتي التحرير 2000 وبعد حرب تموز 2006.
3.1.3.9.2 تأدية الحقوق الشّرعيّة (زكاة الخمس)
لقد فرض الله على المسلمين فريضة الزكاة، ومنها الخمس، وهي أن يقوم البعض بدفع 20% من أرباحه على فقراء وأيتام ومساكين السادة القرشيين وسهم الإمام. إذ إنّ بعض أهالي البابلية من المغتربين من الملتزمين دينيًّا، فإنّهم يقومون بتأدية بعض الحقوق المترتبة عليهم، وقد أسهمت تلك الأموال في التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمرانية وفي رفد المعوزين والفقراء والمساكين والمحتاجين، وفي تشييد بعض الصروح العمرانيّة الدّينية من تلك الأموال. كما يُدفع من مال الخمس في سبيل رعاية المرضى وإسعافهم وعلاجهم، وكذلك في قضاء ديون المحتاجين، وفي تأمين رواتب شهرية للمساكين والمحتاجين والفقراء من أهالي البابلية.
3.1.3.9.3 الأعمال الخيرية ومشاريع البنى التحتية وإنشاء الطرقات
أسهم المال الاغترابي في الأعمال الخيرية المتنوعة. فقد قدّم المغتربون المساعدات المختلفة للفقراء والمعوزين والمحتاجين والمساكين، كما قاموا بتشييد المساجد والحسينيات والنوادي والجامعات والمدارس والمراكز الصحية، ودعم الجمعيات. ويمكننا أن نبيّن الإنجازات والخدمات المهمّة التي قدّمها المغتربون لأبناء البلدة، وهي كالآتي:
جدول رقم (10): إنجازات وخدمات مهمة من مغتربي البابلية
رقم | اسم المغترب | الخدمة أو المشروع | السنة | أهمية المشروع أو الخدمة المقدّمة |
1. | الحاج عبدو مخدر | تشييد مدرسة البلدة القديمة | 1970 | استغناء أهل البلدة عن الدراسة في صيدا والنبطية |
2. | الحاج حسين حطيط | تشييد مبنى جامعي | 2011 | تسليمه إلى الجامعة الإسلامية في لبنان |
3. | الحاج حسين حطيط | ترميم مسجد أبو شعلان | 2008 | للعبادة |
4. | حسن حسين حطيط | إنشاء مغسل للأموات | 2015 | إنشاء مغسل لتغسيل أموات البابلية ومن يحتاج إلى ذلك |
5. | علي نعمة الله البغدادي | عقار كبير | 1994 | لبناء مستوصف صحي عليه |
6. | علي محمد شاهين | مستوصف كبير | 2016 | لخدمة المرضى وحالات الطوارئ وتقديم عقاقير طبية |
7. | الحاج علي سعادة | مشروع أهل البيت السكني | 2017 | تشييد 72 شقة سكنية جاهزة للفقراء والمحتاجين |
8. | الحاج علي سعادة | مسجد أهل البيت | 2006 | مكان للعبادة |
9. | الحاج علي سعادة | قاعة أهل البيت | 2006 | قاعة كبيرة لإقامة الحفلات والمهرجانات والمناسبات |
10. | الحاج علي سعادة | حوزة أهل البيت | 2006 | حوزة دينية للعلوم الدينية لأبناء البابلية وغيرهم |
11. | الحاج علي سعادة | تصوينة جبانة البلدة | 2000 | إنشاء تصوينة لجبانة البلدة |
12. | الحاج علي سعادة | مقبرة جديدة | 2010 | شراء عقار كبير 5 دونمات وضمه إلى جبانة البلدة |
13. | الحاج علي سعادة | حديقة الساحة العامة | 1998 | بناء حديقة عامة في ساحة البلدة |
14. | الحاج علي سعادة | تزفيت طرقات في البلدة | 2013 | |
15. | علي أحمد جمال | حسينية للنساء | 1972 | لإقامة مجالس عزاء وتأبين الأموات |
16. | آل نوفل | حسينة كبيرة للنساء | 1985 | لإقامة مجالس عزاء وتأبين الأموات |
17. | الحاج حسن شاهين | ترميم حسينية الرجال | 2004 | بلغت التكلفة 120 ألف دولار أميركي |
18. | إبراهيم صبرا | ترميم مسجد الجبانة | 2007 | للعبادة |
19. | الحاجة أم حاتم قري | بئر مياه جوفية-ضهر حسون | 2012 | تأمين مياه الشفة للبلدة |
20. | محمد علي سعادة | بئر مياه جوفية-الواطية | 2016 | تأمين مياه الشفة للبلدة |
21. | حسين حسن حطيط | مولد وطلمبة لبئر الواطية | 2020 | تأمين مياه الشفة للبلدة |
22. | ورثة مصطفى قري | طاقة شمسية لبئر البيدر | 2022 | تأمين مياه الشفة للبلدة |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2022)
3.1.3.10 دعم جمعيّة التضامن الإنمائي في البابلية
لحفظ ممتلكات أهالي البابلية وصونها، وقبل إنشاء بلدية البابلية، قام بعض الأهالي بالاتفاق مع المغتربين بإنشاء جمعية التضامن الإنمائي في بلدة البابلية. وقد قامت هذه الجمعية، وبالتعاون مع العديد من المغتربين بتشييد مبانٍ وملاعب وصروح ثقافيّة وتربويّة وغيرها. وقد رفد مغتربو البابلية هذه الجمعية التي أُسّست سنة 1980 بمختلف المساعدات الماليّة والعينيّة والأراضي. وقامت هذه الجمعية بالعديد من الإنجازات العمرانيّة والتربويّة والثقافيّة والاجتماعيّة والصحيّة والرياضيّة. ولم يكن ليتمّ لها ما قامت به لولا المساعدات المقدّمة من المال الاغترابي الذي أدى دورًا كبيرًا وحيويًّا في استمرارية هذه الجمعيّة.
كما قام المغتربون بدعم الجمعيات الحزبيّة والكشفيّة طيلة العقود الماضيّة. كما قام بعض أهالي البابليّة بإنشاء جمعية رابطة التعاون الخيري والتي تُعنى بشكل رئيس بتجهيز الموتى والشؤون المتعلقة بهم، كما تقوم بتقديم الحصص التّموينيّة والمساعدات العينيّة والصحيّة للمساكين والفقراء والمعوزين والأيتام وذوي الدخل المحدود. وقد لاقت هذه الجمعية الدعم من المال الاغترابي.
3.1.3.11 المال الاغترابي وتطور الحركة العمرانية في البابليّة
نستطيع القول إن التطور العمراني الحاصل في بلدة البابلية شهد طفرة نوعية بعد الانسحاب الإسرائيلي الأول 1985. بيد أنّ المرحلة الواقعة بين 1956 (سنة الزلزال) ومطلع الثمانينيات شهدت تطورًا بطيئًا على المستوى العمراني، ومن أسباب ذلك الهزات الأمنيّة التي كانت تحصل في لبنان، أي عدم الاستقرار الأمني. أمّا بعد 1985 فقد أدّى المال المغترب والمهاجر في إحداث نهضة عمرانيّة في قرية البابلية لم تشهد لها مثيلًا من ذي قبل. وبمقارنة الصور الفوتوغرافية العامة المأخوذة لبلدة البابلية قبل 1985 وبعدها يوضح التغير الحاصل والامتداد العمراني الذي امتد إلى عقارات بعيدة من مركز القرية الأساس. وقد أسهمت عملية شقّ الطرق وربط البابلية بغيرها من القرى تنشيطًا وتحفيزًا لأهل البلدة، إذ ساعد ذلك في امتداد العمران إلى نواحٍ مختلفة فيها.
3.2 النتائج السلبية للهجرة
3.2.1 هجرة الكفاءات إلى بلدان الاغتراب
وهي حركة أو ترحال أو انتقال أصحاب المهارات والكفاءات والمؤهلات العلمية النادرة من أقطارهم إلى أقطار أجنبية أخرى لغرض الاستفادة من فرص العمل الموجودة هناك، والحصول على الامتيازات والمكافآت الماديّة والمعنوية التي تنطبق مع مؤهلاتهم وكفاءتهم مع تطوير مهاراتهم، وقابلياتهم من خلال الأعمال الفنيّة والعلميّة التي يمارسونها في الأقطار التي نزحوا إليها. ومن الجدير بالذكر أنّ هجرة العقول قد تكون لمدة قصيرة أو مدة طويلة. كما قد تكون هجرة مؤقتة لا تزيد على السنة أو السنتين أو قد تكون هجرة دائمة ونهائية وطيلة فترة الحياة([13]). أمّا أهم العوامل المسؤولة عن هجرة العقول فهما عاملان أساسيان: العامل الدافع الذي يتجسد في الظروف والمعطيات السلبية التي تخيّم على البلدان النامية التي يهاجر منها أصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية كقلّة الأعمال وقلّة الرواتب والحوافز، وعدم وجود الفرص التي تلائم أصحابها وعدم الاستفادة من المؤهلات والاختصاصات العلمية النادرة، وسوء ظروف العمل والمعيشة، وتخلّف الحياة الاجتماعيّة وضعف الخدمات التي تقدم للعلماء والخبراء ورداءة ظروف السكن… إلخ. وهناك العامل الجاذب الذي يتجسد في الظروف والمعطيات الإيجابيّة التي تتوفر في الدول الصناعية المتقدمة التي يهاجر إليها أصحاب المهارات والكفاءات العلمية والتّكنولوجيّة. وهذه الظروف والمعطيات الإيجابيّة التي تغري المهاجرين هي وجود فرص العمل الجيدة والرّواتب العالية وإمكانية ذوي الكفاءات من الاستفادة من مؤهلاتهم العلمية والتخصصيّة وكثرة الخدمات الصحية والاجتماعيّة والترويحيّة، وتقدم المجتمع في المجالات كافة، ووجود الحريات وسهولة أمور الحياة وتوفر الأجواء الديمقراطية وضمان المستقبل… إلخ([14]). نلاحظ أنّ غالبية مغتربي بلدة البابلية، في أوروبا وأميركا وأستراليا استقرّوا هناك، وهم يزورون البلدة بين الحين والآخر، لكن عائلاتهم استقرت في تلك البلدان. إلّا أنّ الجدير بالملاحظة أنّ بعض الذين هاجروا إلى فرنسا وألمانيا وأميركا بصدد التعلم فقد حصلوا على فرص عمل في تلك البلدان ولم يرجعوا ليرفدوا الوطن بطاقاتهم وعلمهم. ومعظم هؤلاء حصلوا على شهادات في الهندسة والطب والإدارة.
3.2.2 تراجع التحصيل العلمي لعدد من التلاميذ
نستطيع أن نرى أنّ الكثير من المهاجرين إلى الخليج وأفريقيا قد تركوا دراستهم ولم يحصلوا على شهادات جامعية. فقد فرضت الظروف الأمنية والاقتصاديّة على بعض عائلات البابليّة أن يسهموا في تهجير بعض أبنائهم ليتسنى لهم مساعدتهم. لذلك عمد الكثير من الشبان، من الناجحين مدرسيًّا، إلى ترك دراستهم بهدف السّفر وتأمين مستقبل لائق لهم وإعالة أسرهم. إذًا، أسهمت الهجرة في تراجع عدد مرتادي المدارس لبعض أبناء البابليّة، وذلك تحت وطأة الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي مرّ بها لبنان بشكل عام.
3.2.3 الصعيد الاجتماعي
3.2.3.1 الزواج بأجنبيات والحصول على جنسية أجنبية والانصهار في المجتمعات الأخرى
كان لزواج بعض مغتربي البابلية بأجنبيات دور كبير في انصهارهم في المجتمعات الأخرى، وفي تمسّك أسرهم وعائلاتهم بالغربة حيث بلد الأم. فقد تزوج بعض أبناء البابلية بأوروبيات وأميركيات وأستراليات، وهذا ما دفعهم إلى الاستقرار في تلك المجتمعات. وربما بقي هؤلاء الأبناء متمسكين بأهلهم في لبنان إلّا أنّ أفراد أسرهم استقروا في المغترب ولم يفكروا بالمجيء إلى بلد لا يعني لهم شيئًا. وقد بلغ عدد زيجات مغتربي البابلية بأجنبيات 62 حالة زواج موزعة وفقًا للجدول الآتي:
جدول رقم (11): عدد زيجات مغتربي البابلية بأجنبيات
رقم | جنسية الزوجة | العدد | النسبة المئوية |
1 | أوروبا باستثناء روسيا | 18 | 29% |
2 | روسيا | 12 | 19% |
3 | الولايات المتحدة الأميركية | 12 | 19% |
4 | أفريقيا | 8 | 13% |
5 | كندا | 6 | 10% |
6 | الخليج العربي والعراق | 6 | 10% |
المجموع | 62 | 100% |
المصدر: نتائج البحث الميداني (2021-2022)
يتبيّن لنا من الجدول أعلاه أنّ أعلى نسبة زواج لأهالي البابلية المغتربين بأجنبيات 29% من الدول الأوروبية، وخصوصًا من ألمانيا وفرنسا، تلاها الزواج من روسيا بنسبة 19%، وغالبيتهم من الطلاب الذين تابعوا دراستهم الجامعية في روسيا باستثناء شخص واحد لم يكن يتابع دراسته؛ وقد ظهر لنا أنّ 19% من مغتربي البابلية تزوجوا من الولايات المتحدة الأميركية، و13% من أفريقيا، و10% من كندا ومثلها من الخليج العربي والعراق.
وعلى الرّغم من أنّ غالبية مغتربي البابلية هاجروا إلى أفريقيا إلّا أنّ ذلك لم ينعكس على نسب الزيجات بأفارقة، وربما يعود ذلك إلى عامل اللون، في حين إن الزواج بأميركيات وأوروبيات يعود في معظمه إلى الحصول على جنسية تلك الدول التي تتيح لحاملها الحصول على امتيازات وخدمات لا يحصل عليها في وطنه أو في أفريقيا والخليج. إذًا، كان للزواج بأجنبيات والحصول على جنسية أجنبية دور كبير وحيويّ في انصهار بعض أبناء البابلية في المجتمعات الغربية التي استقروا فيها، فحصل الانفصام بين عائلاتهم وبين بلدهم الأم.
3.2.3.2 الهوّة بين الفقراء والأغنياء
قبل نزوح أهالي البابلية إلى بيروت وهجرتهم إلى الخارج، كان الناس يعيشون في مستويات شبه متساوية، إذ كانوا يقومون بأعمال الزراعة والرعي، ولم يكن واضحًا التفاوت الاقتصادي بينهم. إلّا أنّ هجرتهم أسهمت في إيجاد هوّة كبيرة بين أهالي البابلية من الثراء والفقر المدقع. وقد أدّى ذلك إلى عدم قدرة الفقراء على شراء أراضٍ في البابلية، بعكس الأغنياء الذين ازداد طلبهم على شراء العقارات ما أدّى إلى ارتفاع جنوني للعقارات.
3.2.4 الصعيد الاقتصادي
3.2.4.1 عجز بعض المغتربين عن تحقيق أهدافهم الاقتصاديّة
عجز بعض المغتربين في الخارج من أهالي البابلية عن تحقيق طموحهم المالي والاقتصادي، فرجع بعضهم خالي الوفاض، فيما بقي البعض الآخر في المهجر لعدم قدرته على الرجوع إلى أرض الوطن لانتفاء الجدوى من ذلك، خصوصًا مع عدم حصولهم على شهادات دراسية تخولهم التقدم إلى وظائف القطاع العام والخاص، أو لعدم اكتسابهم مهنًا أو حرفًا تخولهم العمل في الوطن.
3.2.4.2 حفر آبار جوفيّة
قام العديد من المغتربين بحفر آبار جوفية في البابلية، ما أدّى إلى شح معظم الينابيع التي كانت تشتهر بها البلدة، كالنبع والجران الغميقة، وعين الجديدة، وشبرق، وحيحون، ونبعة حجازي والجريدة والمغار وغيرها. ويقوم غالبية من يحفر آباراً جوفية باستهلاك كميات كبيرة من المياه مما سيؤدي مستقبلاً إلى نضوب مخزون ثروة المياه الجوفية في البابلية والجوار.
3.2.4.3 أزمة المصارف سنة 2019
تعرّض العديد من مغتربي البابلية إلى خسائر فادحة من جراء الأزمة المالية في لبنان التي شهدتها المصارف، وقد حُجِزت مبالغ المودعين، وهذا ما أفقد ثقتهم بالمصارف، ودفعهم إلى اعتماد آليات أخرى، منها الاستثمار، وشراء الأراضي، وإنشاء البساتين، وتشييد المباني.
خلاصة
على الصعيد الاجتماعي، فقد رفعت الهجرة من مكانة المهاجرين وأدّت إلى فروقات اجتماعيّة واقتصاديّة متفاوتة، كما عملت الهجرة على إتاحة الاتصال مع ثقافات وعادات وقيم وتقاليد غريبة.
أمّا على الصعيد العمراني، فقد أدّت الهجرة إلى تفكيك ملكيات الأراضي الكبيرة لتحل محلّها ملكيات صغيرة ومتوسطة، وكل ذلك قلّص إلى حدّ بعيد من المساحات المخصصة للزراعة، حيث تحولت الأراضي الزراعية إلى ملكيات صغيرة شُيّدت عليها أبنية وقصور وفيلات وصروح مختلفة عليها.
وقد أسهمت الهجرة في تعزيز الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتعليميّة والثقافيّة والسياسيّة لأهالي البلدة. وأسهم الرأسمال الاغترابي في التنمية في البابلية، وعزّز من سمة التنافس بين المهاجرين لتقديم الأفضل لهذه البلدة؛ وقد كان من الضروري، وفي ظل غياب بلدية، قبل 1998، إنشاء جمعية مهمتها إدارة ممتلكات البلدة، ورعاية شؤون الأهالي والتنمية المحلية، وإنهاض البابلية على مختلف الصعد التربويّة والاقتصاديّة والتنمويّة والاجتماعيّة والتعليميّة والتثقيفيّة والصحيّة والبيئيّة والرياضيّة. حيث قامت بإنشاء العديد من المنشآت التربوية والدّينيّة والرياضيّة والثقافيّة والخدماتيّة، والإسهام في ميادين الكهرباء والماء والطرقات والأرصفة والأقنية وحيطان الدعم والجدران التجميلية. كما أسهمت البلدية، وبدعم من المال الاغترابي، بالقيام بالعديد من المشاريع التنموية والعمرانيّة والخدماتيّة والصحيّة والبيئيّة والبنى التحتية وإنشاء الطرقات ودعم الميادين المختلفة، وقد كان للمال الاغترابي دور في تلك النشاطات التي قامت بها.
خلاصة عامة واستنتاجات
الهجرة هي ظاهرة اجتماعية ديموغرافية، وهي وليدة عوامل عدة، منها: العامل الاقتصادي، والعامل الاجتماعي، والعامل السياسي، والعامل الأمني، والعامل الذاتي. وقد بدأت الهجرة عند أهالي البابلية كانعكاس لظروف صعبة وطاردة، إلى أن أصبحت عُرفًا عندهم، وخصوصًا عندما تقفل سبل العيش في وجههم وترافق ذلك مع عوامل جذب خارجية. كما تبيّن لنا أنّ الدوافع المهمّة التي شكلت دافعًا للهجرة لدى أبناء البابلية هو العامل الاقتصادي. فسيطرة النظام المقاطعجي واحتكار الملكيات الكبيرة من العائلات المقاطعجيّة دفع العديد من أبناء البابلية في أواخر القرن التاسع عشر إلى الهجرة إلى غرب أفريقيا وأميركا اللاتينية. فقد كان يسيطر على البابلية النمط الزراعي، حيث الفلاحون من جهة وملاك الأراضي المقاطعجيين من جهة أخرى، ويهيمن الاستبداد بالفلاحين، ولم يكن الفلاح يجد ما يكفيه، ما دفع بعض أبناء البلدة إلى الهجرة.
كما أنّه وبعد زوال النظام المقاطعجي، ومجيء الانتداب الفرنسي وشراء الملكيات الكبيرة من البرجوازية المدينية دفع الأهالي إلى النزوح إلى بيروت سنة 1920، والهجرة إلى الخارج، وخصوصًا بعد الأزمة الاقتصاديّة التي شهدها العالم سنة 1929. وكذلك ما حصل بعد استقلال لبنان ومحاولة الانقلاب على الرئيس شمعون إذ غادر غالبية شبان البلدة في أوائل 1959 إلى الكويت خصوصًا. ومن ثَمَّ الهجرة الكثيفة من أهالي البابلية المقيمين في البابلية وبيروت إلى الخارج مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وقد كان العامل السياسي والأمني عاملًا مهمًّا في الهجرة. وقد تضافر العاملان الاقتصادي من جهة والسياسي والأمني من جهة أخرى في بلورة الهجرة إلى الخارج في الحِقبات المتعدّدة. وقد أسهمت الهجرة في تنمية البابلية، اقتصاديًّا، واجتماعيًّا وثقافيًّا وعمرانيًّا. فمن الناحية الاقتصاديّة أسهمت التحويلات من المهجر في تعزيز القدرة الشرائيّة عند أبناء البلدة، وكذلك أدّت إلى ازدياد المحال التجاريّة والصناعيّة والخدماتيّة فيها. كما أسهمت الهجرة في خلق طبقة جديدة ثرية، راحت تشتري الأراضي التي كان يملكها كبار الملاكين، وبدأت بتحويل الأراضي البعليّة إلى أراضٍ خضراء وبساتين، كما أسهمت الهجرة في الإتاحة للكثير من الطلاب الدخول إلى الجامعات الخاصة والتي كانت في الماضي حكرًا على كبار الشخصيات السياسية والاقتصاديّة في لبنان. كما أغنت الهجرة شخصية المهاجر وثقفته وفتحت عينيه على ثقافات متعددة وعلى الاحتكاك مع أفراد من قوميات وأديان وألوان متعدّدة.
وأسهمت الهجرة في ازدياد الطفرة العمرانيّة في البلدة، حيث راح الكثير منهم يشترون الأراضي ويستصلحونها ويشيدون عليها القصور والفيلات والعمارات الكبيرة، كما أسهم العديد من المهاجرين في إنشاء البنى التحتية وفتح الطرقات وإنشاء الآبار، وتشييد أحد المغتربين 72 شقة سكنية وتوزيعها على الفقراء من أهل البلدة وأنسبائهم، وبناء الصروح العلمية (كمبنى الجامعة الإسلاميّة) والدّينية كالمساجد والحسينيات وقاعة الاحتفالات والحوزة وتقديم أراضٍ للأوقاف الخاصة للبابلية وتشييد مغاسل الأموات. كما أدّت الهجرة إلى إيجاد خلل في التوازن بين الجنسين، إذ إنّ الغالبية المطلقة من المهاجرين هم من الذّكور، الذين يغيبون لحقبات طويلة، ومنهم من يتزوج في الخارج ويحصل على جنسية، ومنهم من يعود بعد مدة ليتزوج بفتاة تصغره بعشر أو خمس عشرة أو عشرين سنة. وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة العنوسة. كما أنّ غياب الزوج عن زوجته يؤدي إلى مشاكل نفسيّة واجتماعيّة وتفكك أسري، وعدم قدرة بعض النّساء على تسيير شؤون العائلة في غيابه. كل ذلك يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعيّة والنفسية لدى عائلات المهاجرين. وأسهمت الهجرة في التطور الاقتصادي والاجتماعي لأبناء البلدة، إذ ترتفع حظوظ المهاجرين، ممن يرغبون في العمل في لبنان، في فتح مصالح مهمة ذات رأسمال عالٍ. كما أسهمت الهجرة في التطور العمراني في البابلية، على صعيد تشييد الشقق السكنية المخصصة للبيع، وكذلك المحلات التجارية التي أدّت إلى تطور على الصعد الاقتصاديّة كافة. فراجت قطاعات التجارة والصناعة والخدمات. إلّا أنّ التطور الاقتصادي والاجتماعي لم يصبّ بعض المهاجرين ولم يتوفقوا كثيرًا في جمع الأموال، وقد استمروا في الغربة وعاشوا حياة متواضعة أتيحت لأمثالهم ممن بقي في أرض الوطن. فليس كل من هاجر من أهالي البابلية أصبح ثريًّا، بل البعض منهم عاش حياة متوسطة. كما يصعب على البعض تحويل الأموال إلى أسرهم وعائلاتهم، أو أنّهم لا يستطيعون تأمين ما يلزم لأسرهم. ويعاني بعض المغتربين من مشاكل جمة في الغربة، منها الاغتراب عن وطنهم وأهلهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم واختلاف ثقافة البلدان المهاجرين إليها عن وطنهم الأم. كما يعاني بعض المغتربين المتحدرين من ضعف الإلمام بالثقافة اللبنانيّة واللغة العربيّة والعادات والتقاليد اللبنانيّة. كما أنّنا نرى أنّه على صعيد العادات والتقاليد التي كانت سائدة في البابلية فقد طالها بعض التغيير، وقد حلّت قيم ومعايير وعادات جديدة مقتبسة من بلدان الغربة، وذلك على مستوى الأفراح والأتراح وطبيعة المأكل والملبس واللغة المحكيّة. كما كان للنكسة المالية التي أصابت المصارف اللبنانية وتسبّبت بحجز أموال المودعين أثرٌ واضح على مغتربي البابلية. لقد تركت هجرة أبناء البابلية بصمات واضحة عليها، إذ خضعت لنمط التطور الاقتصادي والاجتماعي، وساعدت على خلق قوى نفوذ جديدة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة إضافة إلى القوى التقليديّة.
الملاحق
الملحق رقم (1): خريطة طرق المواصلات التي تربط البابلية بالبلدات المحيطة
المصدر: (Layers)، مديرية الشؤون الجغرافيّة
ملحق رقم (2): خريطة توضح القرى المحيطة ببلدة البابلية
المصدر: (Layers)، مديرية الشؤون الجغرافيّة
المصادر والمراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
أ. الكتب
- بزّي، مصطفى: الهجرة والنزوح من لبنان خلال القرن العشرين (1900-2006)، دار المحجّة البيضاء، بيروت، ط1، 2008.
- الحسن، إحسان محمد: علم الاجتماع، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 1999.
- سرحان، محسنة: الهجرة… والجنوب من الحرمان إلى الطفرة، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2015.
- مدكور، إبراهيم: معجم العلوم الاجتماعيّة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975.
ب. المقابلات
- مقابلة تلفزيونية مع عميد المخاتير الحاج حسين حطيط، أبو حبيب، أجرتها معه قناة الآن الإماراتية سنة 2009.
- مقابلة مع الباحث كامل حامد رضا، أجريت معه في البابلية بتاريخ 15 شباط 2022.
ج. الأرشيف
- من أرشيف البلدية، إحصاءات ساعد في إعدادها الكاتب فادي البغدادي.
- من أرشيف البلدية، مقالة للرئيس السابق لها، الأستاذ حسن علي حطيط.
- من أرشيف بلدية البابلية.
ثانيًّا: المراجع باللغة الأجنبية
- Sorokin, Pitrim and Zimmerman. C. Carle: Principles of rural Urban Sociolgy, Krans Rerprint Co, New York
[1] – أستاذ مساعد في معهد العلوم الاجتماعية – الفرع الخامس – الجامعة اللبنانية abousaleh1@hotmail.com.
[2]– انظر الملحق رقم (1)، والملحق رقم (2).
[3]– مقابلة مع الباحث كامل حامد رضا، أجريت معه في البابلية بتاريخ 15 شباط 2022.
[4]– من أرشيف بلدية البابلية.
[5]– من أرشيف البلدية، إحصاءات ساعد في إعدادها الكاتب فادي البغدادي.
[6]– من مقابلة تلفزيونية مع عميد المخاتير الحاج حسين حطيط، أبو حبيب، أجرتها معه قناة الآن الإماراتية سنة 2009.
[7]– من أرشيف البلدية، مقالة للرئيس السابق لها، الأستاذ حسن علي حطيط.
[8]-كما يظهر في لوائح الشطب 2022.
[9]– مدكور، إبراهيم: معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975، ص 629.
–[10] Sorokin, Pitrim and Zimmerman. C. Carle: Principles of rural Urban Sociolgy, Krans Rerprint Co, New York, p.523.
[11]– بزّي، مصطفى: الهجرة والنزوح من لبنان خلال القرن العشرين (1900-2006)، دار المحجّة البيضاء، بيروت، ط1، 2008، ص 646.
[12]– سرحان، محسنة: الهجرة… والجنوب من الحرمان إلى الطفرة، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2015، ص 147.
[13]– الحسن، إحسان محمد: علم الاجتماع، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 1999، ص 655-656.
[14]– الحسن، إحسان محمد: م.س، ص 656-657.