الكتاب لا يشبه نفسه
أ.د. خديجة عبدالله شهاب([1])
استطاع فيروس كورونا أن يترك بصماته على حياتنا بجوانبها كافة، وبتنا نؤرّخ مناسباتنا من خلاله، فقد كنا قبل كورونا ننتظر معرض الكتاب العربي والدّولي بفارغ الصبر، ونتحضر لاستقباله طوال عام كامل.
في المستوى النّفسي كنا نهتم بالمشاركة في الندوات، التي كانت تنظمها دور النشر العربية والأجنبيّة في قاعة المؤتمرات، فننهل من الأدب والشّعر والساسية والتاريخ ما يحلو لنا، لم نكن نفارقه خلال الأسبوعين فما أنّ نغيب عنه حتى نعود إليه بشغف وحب.
في المستوى الاقتصادي كنا نخصص حصّالة لادخار المال لشراء ما نرغب باقتنائه، من كتب نقدية وأدبية، أو بعض دواوين الشعر لشعراء أحببنا شعرهم، أو لروائيين أو روائيات قدموا لنا الجميل والغنيّ، إن على المستوى الفني أو على مستوى القضايا التي كانوا يعالجونها، فتأخذ بألبابنا، وننشدُّ إليها شخصياتها ونعجب بمواقفهم، إذ كان الأدباء يعملون على تغذية أفكارنا ونفوسنا، بمواضيع على صلة وثيقة بقِيمٍ تحاكي حياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والأدبيّة….
ما بعد كورونا والحروب المشتعلة في المنطقة، والارتفاع الحادّ في سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنيّة، ما انعكس ارتفاعًا في أسعار الكتب، لم نعد نستطيع الحصول على أي كتاب نريده، أو نرغب بامتلاكه على الرّغم من أنّ الإصدرات المتنوعة لم تتوقف، وبحلّة أجمل وأبهى من السّابق.
ما بعد كورونا لم يعد عندنا ذلك الشغف للذهاب إلى المعرض، فقد أصبحت الدُور خاليةً، إلا من القلّة القليلة، وهي بحسب المثل” حركة من دون بركة” فقاعة الاجتماعات تضاءلت مساحتها كثيرًا عما كانت عليه قبلًا، وروادها يُعدُّون على أصابع اليد، الكثير من الكتب ما عادت تحمل في مضمونها قضايا مهمة يعالجها أصحابها، فقد أصبح الكتاب اليوم شكلًا مزخرفًا يعجبك شكله الخارجي، لكنك لا تعثر على الدّسم الفكري الذي كنت تمني النفس به، فمع تغير النظام العالمي، وانقلاب المفاهيم القيميّة والثقافية في ضوئه، ولهاث الأجيال الحاضرة باتجاه الكتب الرّقميّة، ومتابعة كل ما تقدّمه شبكات الإنترنت ، ما عاد الكتاب يشبه نفسه، وما عاد معرض الكتاب كما نحبّ ونرغب!