عدّة المرأة المطلّقة والمتوفى زوجها وأحكامهما في القرآن الكريم
The waiting period of a divorced woman whose husband has died and their provisions in the Holy Qur’an
آلاء أكرم الريس([1]) Alaa Akram al-Rayyis
المستلخص
يعالج هذا البحث عدّة المرأة المطلقة المتوفى زوجها وأحكامها في القرآن الكريم، انطلاقًا من الأحكام التّشريعيّة في الإسلام بما تحمل من أبعاد ودلالات، لكلّ من المرأة المطلقة والمرأة المتوفى زوجها استنادًا إلى: (القرآن الكريم، والسّنة النّبويّة، والإجماع). مبينًا شروطها للمرأة المطلقة وأحكامها للأرملة ومكان قضاءها.
الكلمات المفتاحية: المرأة المطلقة، العدّة، الأرملة.
Abstract
This research deals with the waiting period of a divorced woman whose husband has died and its provisions in the Holy Qur’an, based on the legislative provisions in Islam with the dimensions and implications they bear for both the divorced woman and the woman whose husband has died based on: (the Holy Qur’an, the Sunnah of the Prophet, and consensus). Indicating its conditions for the divorced woman and its provisions for the widow and the place of her judgment.
Keywords: divorced woman, waiting period, widow.
المقدمة
جعل المولى – عزّ وجلّ – عقد النّكاح ميثاقًا غليظًا استشعارًا لأهميّة الرّابطة الزّوجيّة وتأكيد عدم الاستخفاف بها، واشترطت الشّريعة الإسلاميّة لصحّة عقد النّكاح عدّة شروط من أهمّها شرط التّأبيد، فلا يصحّ الزّواج القائم أساسًا على حدّ زمني ينتهي به، ويعدّ هذا الشّرط بين أهل السّنة والجماعة مقبولًا؛ إلّا أنّ عقد النّكاح ينتهي بحالتّين هما: التّفريق بين الزّوجين سواءً كان ذلك بالطّلاق أو بحكم القاضي أو بالخلع الرّضائي نتيجةً لما يطرأ في الحياة الزّوجيّة من ظروف وأحداث تستدعي إنهاء رباط الزّوجيّة، وينتهي رباط الزّوجيّة أيضًا بموت أحد الزّوجين، وفي كلا الحالتين يجب على المرأة العدّة، ويبحث هذا الموضوع عدّة الأرملة التّي توفى عنها زوجها؛ فما هي العدّة، وكم مدّتها، وما هي أنواعها، وما هي شروطها للمرأة التّي مات عنها زوجها؟ العدّة في الإسلام العدّة في الاصطلاح الشّرعي: هي المدّة الزّمنيّة التّي حدّدتها الشّريعة لانتهاء آثار الزّواج بعد التّفريق الواقع، فالزّوجة بعد حلِّ رباط الزّوجيّة بالتّفريق أو الموت تنتظر انقضاء أجل العدّة قبل إجراء زواج جديد.
ولا شكّ أنّ الأحكام التّشريعيّة في الإسلام لها أبعادها ودلالاتها، وعدّة المرأة الأرملة لها غاياتها ودلالاتها كذلك، واجتهد العلماء في الكشف عمّا خُفِيَ من تلك الحِكَم منها ما يلي: عدّة المرأة تتضمّن معنى العبوديّة والاستسلام لأمر الله – تعالى :- بامتثال أمره والالتّزام بالعدّة التّي تعدّ حكمًا من أحكام الشّريعة الإسلاميّة . التّأكد من براءة الرّحم منعًا لاختلاط الأنساب. ترسيخ مفهوم ميثاق الزّوجيّة ومكانته في الإسلام؛ إذ إنّ الفراق الدّائم وتبعاته لا يتمّ إلّا بالمرور بعدّة مراحل. العدّة للأرملة فيها معنى الوفاء لعِشرة الزّوج الميّت. إنّ الفراق بموت الزّوج لم يكن باختيار أحدهما فكانت مدّة الوفاء له أطول من مدّة العدّة للمرأة بالطّلاق والخُلع والفسخ.
تعريف العدة لغة، اصطلاحًا، وقانونًا
أ- العدة لغة: العِدّة مصدر مشتق من العَدِّ، والعَدُّ معناه: الإحصاء، والحساب، نقول: عَدَّ الدّراهم يَعُدُّها عَدًّا، أي: أحصاها، وحسبها([2]). والاسم من العدة هو العَدَد، والعَديد([3])، قال تعالى: ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾(الجن: 28) أي: إحصاءً، فأقام عددًا مقام إحصاءً؛ لأنّه بمعناه([4]). وسمّيت العدة بهذا الاسم؛ لاشتمالها على العدد من الأقراء، أو الأشهر غالبًا، فعدة المرأة المطلّقة، والمتوفى عنها زوجها هي ما تعدّه من أيام أقرائها، أو أيام حملها، أو أربعة أشهر وعشر ليال، وقيل: تربصها المدّة الواجبة عليها، وجمع العدة: عدد، كسدرة، وسدر. والعِدّة الجماعة قلت أو كثرت، نقول: رأيت عدةَ رجال، وأنفذت عدة كتب، أي جماعة كتب، وجمعها عِدَد([5]).
وعلى ذلك يكون معنى العدّة لغة: الإحصاء، والحساب، والأقراء، والاستبراء، والتّربص.
ب- العدة اصطلاحًا: عرفت العدة بتعريفات عدّة أهمها:
1 – عند الحنفيّة: هي تربص يلزم المرأة عند زوال النّكاح، أو شبهته([6]).
2 – تعريف المالكيّة: مدّة منع النّكاح لفسخه، أو موت الزّوج، أو طلاقه([7]).
3 – وعرفها الشّافعيّة: مدّة تربص المرأة لتعرف براءة رحمها من الحمل، أو للتّعبد([8]).
4 – تعريف الحنابلة: مدّة معلومة تتربص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها([9]).
5 – ومن المعاصرين عرّفها عبد الكريم زيدان بقوله: مدّة مقدرة بحكم الشّرع تلزم المرأة مراعاة أحكامها، عند وقوع الفرقة بينها وبين زوجها([10]).
ونعرف العدّة إجرائيًا: عدّة المرأة هي انحباسها عن الزّواج ولا يحل لها أن تتزوج في هذه الأيام حتى تنتهي، سواء أكانت العدة من طلاق أو موت أو خلع، فالمدة التّي تتربص فيها المرأة بعد الطّلاق أو الموت أو المخالعة هي العدة.
إنّ العدّة في معناها كما عرفها الدّردير: “مدّة معيّنة شرعًا لمنع المطلقة المدخول بها والمتوفى عنها زوجها من النّكاح”، وعلى المرأة أن تجلس في بيتها بعد طلاقها من زوجها ولا تخرج منه ولا تخطب زوجًا آخر حتى انقضاء العدّة، لقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾([11]).
وإنّ للعدّة شكلين، عدّة المرأة المطلقة، وعدّة المرأة المتوفّى عنها زوجها، وهي على النّحو الآتي: عدة المطلقة إذا حصل الطّلاق قبل الخلوة الشّرعيّة فلا يكون للمرأة عدّة، بدليل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾([12])، إذ يحلّ لها أن تخطب وتتزوّج بعد الطّلاق مباشرةً.
أمّا في حال حصل الطّلاق بعد الخلوة الشّرعيّة، فإنَّ لذلك أحكامًا خاصّةً، وهي([13]): إذا كانت المرأة حاملًا، فإنّ عدّتها تكون حتى تضع حملها، حتّى وإن كانت في شهرها التّاسع، فإذا طلقت وكانت حاملًا، ثمّ أنجبت المولود بعد الطّلاق بيوم واحد تكون قد انتهت مدّة عدّتها. إذا كانت المرأة من ذوات الحيض وهي غير حامل، فإنّ عدّتها تكون ثلاث حيضات كاملات. إذا كانت المرأة لا تحيض لكبر سنها أو لصغرها، فإنَّ عدّتها تكون ثلاثة أشهر. عدة المتوفى عنها زوجها تكون مدّة العدة للمرأة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام بلياليها، إذا لم تكن حاملًا، أمَّا إذا كانت حاملًا فتكون مدّة عدّتها حتى تضع حملها، سواءً أقصرت المدّة أم طالتّ، وذلك لقوله تعالى: ﴿وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ﴾([14]).
مشروعيّة العدة
الأصل في مشروعيّة العدّة من حيث العموم: القرآن الكريم، والسّنة النّبويّة، والإجماع.
أ- من القرآن الكريم
- قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾([15]).
وجه الدّلالة: بينت هذه الآيّة عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها حتى لا يقع الشّبه بينها وبين عدة الطّلاق، قال أبو علي الفارسيّ تقديره: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، يتربصن بعدهم، وهو كقولك: السّمن منوان بدرهم، أي منوان منه بدرهم. وقيل: التّقدير: وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن، فجاءت العبارة في غايّة الإيجاز([16]).
- قوله الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾)[17]).
وجه الدّلالة: أمر الله المطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء، بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أي بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء، ثم تتزوج إن شاءت([18]).
- عدّة المطلقة تنقسم عدة المطلقة حسب الحالات إلى([19]):
- المطلقة قبل الدّخول، أي قبل الجماع والمباشرة، فهذه لا عدّة عليها أبدًا، فتبين وتحل من مجرد أن يطلقها زوجها، وتحلّ لغيره.
- المطلقة التّي دخل عليها زوجها وجامعها فعليها العدّة، وهي على وجوه ثلاث: إن كانت حاملًا فعدّتها حتى تضع حملها، طالتّ مدة الحمل أم قصرت. إن لم تكن حاملًا وكانت من ذوات الحيض، فعدتها بعد الطّلاق ثلاث حيضات كاملة، فينزل عليها الحيض ثمّ تطهر، ثمّ ينزل عليها ثمّ تطهر، ثم ينزل عليها ثمّ تطهر، قصرت مدّة الحيض أم طالتّ. إن كانت لا تحيض بسبب كبر فأيست من المحيض وانقطع عنها، أو لصغرها، فعدتها ثلاث شهور. إن كان ارتفع عنها حيضها لسبب يُعلم من خلاله أن الحيض لا يعود لها، كأن يستأصل رحمها، فحالتّها هنا كالآيسة، وتعتد ثلاث شهور. إن كان ارتفع حيضها لسبب تعلمه فتنتظر حتى يزل الرّفع هذا ويعود الحيض، وتعتد به، أمّا إن لم تعلم سبب ارتفاع حيضها فقد ذهب العلماء إلى أنها تعتد سنة كاملة، تسعة أشهر منها للحمل، وثلاثة للعدة. عدة الأرملة عدة المرأة المتوفى عنها زوجها غير الحامل هي أربعة شهور وعشرة أيام، ورد ذلك صريحًا في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾([20]). ولكن ذلك لا يشمل كل من توّفى زوجها عنها، فعدّة الزّوجة الحامل أن تضع حملها، وحداد المرأة ترك الزّينة، والخضاب والتّطيّب، والمصبوغ من الثّياب إلا الأبيض، وترك التّعرض لأنظار الخاطبين، سواء أكانت صغيرة، أو آيسة، مسلمة أو ذميّة.
شروط عدَّة المطلقة
المطلقة طلاقًا رجعيًا لعدَّة المطلَّقة رجعيًا شروط منها: استيفاء المطلقة عدَّتها، وعدَّة المطلَّقة إذا كانت من ذوات الحيض ثلاثة قروء، والقرء هو الحيض، قال تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾([21]).
- فالمطلقة المعتدَّة لا تخرج من عدَّتها إلا بانقضاء الحيضة الثالثة، فتكون ثلاث حيضات كاملة، وإذا كان الطّلاق في الحيض فلا تحسب الحيضة الأولى، وإنما يبدأ احتساب الحيضات الثلاث بعد الحيضة الأولى التّي فارقها الزّوج فيها.
- وأما المطلقة الحامل فإنَّ عدَّتها تنقضي بوضع حملها، قال تعالى: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾([22]).
- أمّا المطلقة التّي لا تحيض لصغر سنها أو كبره، فإنَّ عدَّتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)([23]).
- عدم خروج المطلقة طلاقًا رجعيًا من بيت زوجها ما دامت في عدتها، ولا أن يخرجها زوجها من بيتها حتى تنقضي عدتها فتصير أجنبيّة عنه، والحكمة في ذلك أنَّه ربما مال إليها زوجها وأرجعها في العدة، وهو مقصد الشّريعة الإسلاميّة.
- جواز الزّوج الخلوة بزوجته المطلقة رجعيًا ومحادثتها، كما يجوز لها أن تتزين له وتتكشف، لكن ليس للزوج أن يجامع زوجته المطلقة رجعيًا حتى يرجعها، أو أن يكون الجماع بنيّة الرّجعة.
- عدم خطبة المطلَّقة إلى رجل آخر ما دامت لم تنقض عدتها من زوجها.
- المطلقة طلاق بينونة صغرى احتساب عدَّة المطلقة طلاق بينونة صغرى مثل المطلقة رجعيًا ما دام الطّلاق كان بعد الدّخول.
- عدَّة المطلَّقة تبدأ من وقت تلفُّظ الزّوج بلفظ الطّلاق، وليس وقت الحصول على وثيقة الطّلاق من القاضي إلا أن يكون الزّوج قد وكَّل القاضي في إصدار حكم الطّلاق نيابة عنه، فحينئذٍ تبدأ العدَّة من وقت صدور الحكم.
- لا يحلُّ للزوج أن يرجع للمطلقة طلاق بينونة صغرى وبانتهاء عدتها؛ إلا برضاها، وبعقد ومهر جديدين، كما لا يحل له الاستمتاع بها بسبب حل الرّابطة الزّوجيّة.
- لا ترث زوجها ولا يرثها إذا مات أحدهما.
- المطلقة بينونة كبرى إنّ الطّلاق ثلاثًا أو ما يسمى بالبينونة الكبرى فيأخذ حكم الطّلاق البائن بينونة صغرى؛ أي أنَّه يزيل الرّابطة الزّوجيّة إلا أنَّه يختلف عنه في أنَّ المطلقة طلاق بينونة كبرى، لا يحل لزوجها أن يعيدها إلى عصمته إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره زواجًا حقيقيًا، ثمَّ يطلقها هذا الزّوج الآخر، وبعدها يمكن لزوجها الأول أن يعقد عليها من جديد.
- معنى العدّة يطلق مفهوم العدة على المدَّة التّي تتربص فيها المرأة للتأكد من براءة رحمها من الحمل، أو للتعبد، أو بسبب فقدانها لزوجها.
أحكام العدّة للأرملة
نصّ أهل العلم على وجوب عدّة المرأة التّي مات عنها زوجها، وفصّلوا في أحكام المسألة، ويمكن إجمال الأحكام المُتعلّقة بعدّة الأرملة على النّحو الآتي: مدّة عدّة الأرملة بيّن العلماء المسائل المتعلّقة بمدّة عدّة الأرملة، ويُمكن إجمالها فيما يأتي :إذا توفّي زوج المرأة وجب عليها أن تعتد أربعة أشهرٍ وعشرًا من يوم وفاة الزّوج، ما لم تكن حاملًا، لقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾([24]).
تجري أحكام العدّة على المرأة التّي مات عنها زوجها سواءً أكانت صغيرةً أو كبيرةً، وسواءً أكان الزّوج قد دخل بها أم لم يدخل، وسواء بلغت سن اليأس أم لا؛ فعدة المتوفى عنها زوجها تستوي فيها النّساء جميعهن على اختلاف أحوالهن. مدّة عدة الأرملة الحامل يُستثنى من مدة العدّة السّابقة المرأة التّي مات زوجها وهي حامل، فعدتها وحدادها على زوجها تنتهي بوضع حملها، ولو قلّت مدّتها؛ فإذا ولدت انتهت عدّتها، قال تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾[25])).
أمّا إن مات زوجها بعد ولادتها فتلزمها العدّة.” الحداد معناه ووجوبه على الأرملة بيّن العلماء المسائل المتعلّقة بالحداد، وفيما يأتي بيانها: يجب على المعتدة طيلة مدّة عدّتها الإحداد وفاءً لزوجها واستبراءً لرحمها”([26]).
الإحداد الواجب على المرأة التّي مات عنها زوجها يعني أنْ تترك التّزيّن بالثّياب والحليّ والطّيب طيلة مدّة العدّة، ولا يحلّ لها المبيت خارج البيت، فمكان العدّة هو بيت الزّوجيّة الّذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها، على أنّه يجوز لها الانتقال من مكان عدّتها إلى مكان آخرٍ في حالة الضرورة، ويجوز لها أنْ تخرج في نهارها للحاجة([27])، والتّي مات عنها زوجها بعد العقد عليها وقبل الدّخول بها فتعتدّ في بيت أهلها، بسبب أنّها لم تنتقل إلى بيت الزّوج بعد. كما يحرُم على المرأة المعتدة بسبب وفاة زوجها الزّواج من آخرٍ حتى تنتهي عدتها([28]).
يجوز للأرملة الخروج لقضاء مصالحها الخاصة، ويجوز لها خلافًا لما اشتهر عند بعض العوام أنْ تُمشّط شعرها، وتتعاهد نظافة جسمها، وألّا تُلزم نفسها بالسّواد فقط، وأنْ تكلّم الرّجال من غير المحارم للضرورة، وأنْ تردّ على الهاتف، وأنْ تمارس حياتها الطّبيعيّة ما دامت ضمن شروط الإحداد التّي سبق الإشارة إليها.
شروط عدّة الأرملة
تحمل مسألة عدّة الأرملة أحكامًا وشروطًا كثيرة، وإجمالها على النّحو الآتي([29]):
- ترك التّزيُّن والحليّ ومسّ الطّيب والخضاب، وعدم لبس الثياب المصبوغة، وحُرمة التّعرض لأعين الخاطبين، والحِداد واجب ثابت بالشّريعة، لقول النّبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تحِدَّ على ميت فوق ثلاث إلَّا على زوج أربعة أشهر وعشرًا”([30]).
- يلزمُ الحِداد جميع زوجات المتوفى عنهنّ زوجهنّ إن كان له أكثر من زوجة، فيشمل ذلك الصغيرة التّي تحيض والكبيرة التّي يئست من الحيض، وتدخل الأرملة الذميّة بوجوب الاعتداد بعد وفاة زوجها، وخالف في حكم الأرملة الذميّة أبو حنيفة فقال لا يلزمها حِداد. الزّوجة التّي مات زوجها قبل الدّخول تلزمها العدّة كذلك خِلافًا للمطلقة قبل الدّخول لعموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾، وقد أعطاها الشّرع حصّة في الميراث.
مكان قضاء الأرملة للعدّة: على النّحو الآتي:
مكان قضاء الأرملة للعدّة على النّحو الآتي المعتمد عند جمهور أهل العلم وعامّة المفسّرين أن تعتدّ الأرملة في بيت الزّوجيّة ولا يجوز لها أن تَبِيت في غير بيت زوجها؛ إلّا أنّ هذا لا يمنع من جواز خروجها لقضاء حوائجها التّي تتضرّر بدونها على أن تقضيها في وقت انتشار النّاس، فالدّين يُسر ويستند هذا الرّأي إلى أدلة كثيرة، منها قول النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – لفريعة بنت مالك بن سنان بعد مقتل زوجها: “امكُثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله” فاعتدّت فيه أربعة أشهر وعشرًا([31]).
وجاء في الخبر أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يردّ الأرامل عن الحجّ(.( [32] وجاء عن علي بن أبي طالب(ع) وابن عباس وجابر وعائشة -رضي الله عنهم- أنّ المتوفى عنها زوجها لا يلزمها أن تعتدّ في بيت الزّوجيّة ولها أن تعتدّ أينما شاءت، ومستندهم أنّ الحكم الوارد في قول الله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾([33]) لم يحمل أمر الاعتداد بالبيوت، وهذا مذهب الظاهريّة، وروي عن أبي حنيفة وجاء أنّ عائشة -رضي الله عنها- كانت تُفتي الأرملة بالخروج في عدّتها. المعتمد عند جمهور أهل العلم أنّ مدّة العدّة للأرملة تبدأ من يوم موت الزّوج وليس من يوم عِلم الزّوجة بخبر وفاة زوجها، وأجمع أهل العلم على أنّ الزّوجة لو كانت حاملًا ولم تعلم بوفاة زوجها، ثمّ وضعت حملها تكون عدّتها منقضيّة، ولا عدّة عليها بعد عِلمها بوفاة زوجها.
لقد أجمع العلماء على أنّ من مات بعد أن طلّق زوجته طلقة رجعيّة، وتُوفّي قبل انقضاء عدّتها لزمتها عدّة الوفاة؛ لأنّها تَرِثه وهي ما زالتّ في عِصمته. مدّة عدّة الأرملة عدّة المرأة التّي مات عنها زوجها تنعقد مدّتها تِبْعًا لأمرين، وبيان ذلك على النّحو الآتي: ذهب الجمهور من العلماء إلى أنّ عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها مدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فالحكم الوارد في قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾([34]) ناسخٌ للحكم الوارد في قوله الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيّة لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾([35]).
إنّ آيّة عدّة الأرملة أعطت حكمًا عامًا لكلّ من مات عنها زوجها، ولكنّها مُخصّصة بآيّة أخرى لآلاتِ الأحمال في قول الله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾([36])، وهذا يعني استثناء المرأة الحامل التّي مات عنها زوجها من عدّة الأربعة أشهر وعشرة أيام، فالمرأة الحامل تعتدّ بأبعد الأجلين إذا مات زوجها، فتختار المدّة الأطول من المدّة الباقيّة لحملها ومدّة العدّة الأصليّة التّي هي أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا كانت مدّة الحمل المتبقيّة قبل وضع الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشرًا اعتدّت بها، وإلّا فتبقى على المدة الأصل، وهذا مخالف لجمهور أهل العلم، والـمـُفتى به عند جمهور أهل العلم أنّ عدّة الأرملة الحامل تنتهي بوضع الحمل ولو كانت المدّة يسيرة.
خاتمة مقاربة ترجيحة
الرّاجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول القائل أنّ عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد لأبعد الأجلين، وضع الحمل، أو عدة الوفاة أيهما كان آخرا، ومما دعاني إلى ترجيح هذا القول الآتي:
1- بين القرآن الكريم أن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرا، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾([37])، وبين أنّ عدّة المرأة الحامل وضع حملها، قال تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾)[38])؛ فإعمال كل آيّة في مجالها أجدر بالقبول من تخصيص الآيّة الأولى بالثانيّة، ذلك أن المتوفى عنها زوجها اعتدت بأبعد الأجلين تكون قد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل، تكون قد عملت بآيّة واحدة، وتركت العمل بآيّة الوفاة، وإعمال النّصين معا خير من إهمال أحدهما([39]).
قال القرطبي: والحجة لما روى عن على، وابن عباس رَوْمُ الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾(البقرة: 234)، وبين قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ (الطّلاق: 4)، وذلك أنها إذا قعدت أقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآيّة عدة الوفاة، والجمع أولى من التّرجيح باتفاق أهل الأصول([40]).
كما نجد أن ابن حجر –وهو من أصحاب الرّأي الأوّل– يعلل رأي الجمهور بقوله: وقد وافق سحنون من المالكيّة عليا نقله المازري، وغيره وهو شذوذ مردود؛ لأنّه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع، والسّبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما.
فقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾(البقرة: 234) عام في كلّ من مات عنها زوجها يشمل الحامل وغيرها، وقوله تعالى: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطّلاق: 4) عام أيضًا يشمل المطلقة، والمتوفى عنها، فجمع أولئك بين العمومين بقصر الثانيّة على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة، والصغيرة قبلهما، ثم لم يهملوا ما تناولته الآيّة الثانيّة من العموم لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع فكان تخصيص بعض العموم أولى وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم([41]).
وقال أبو العينين: وإنّما ذهبوا –أصحاب القول الثاني- هذا المذهب؛ لأنّ تاريخ نزول الآيتين غير معلوم فيجب الجمع احتياطًا، ولأن المتوفى عنها زوجها الحامل قد تناولها عمومان في الآيتين وقد أمكن دخولهما في كلتيهما، فلا تنتهي عدتها بيقين حتى تأتي بأقصى الآجلين، وقالوا: إنه لا يمكن تخصيص عموم أحدهما بخصوص الأخرى، لأن كلًا منها عامة من وجه، وخاصة من وجه، فحين يمكن دخول بعض الصور في عموم الآيتين بإعمال العموم في مقتضاه، فإنه يصار إليه، فإذا اعتدت المتوفى عنها زوجها الحامل بأقصى الأجلين، دخل أدناهما في أقصاهما([42]).
2- قال عمر بن الخطاب في فاطمة بنت قيس عندما قالتّ: إن زوجها أبانها، ولم يجعل لها النّفقة: لا نترك كتاب ربنا، وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت([43]).
قال نظام الدّين عبد الحميد: من لي بعمر بن الخطاب ليقول: لا نترك العمل بآيّة عدة الوفاة بالنّسبة إلى الحامل المتوفى عنها زوجها، إن وضعت حملها قبل أن تنتهي عدة الوفاة لقول امرأة لا ندري أأصابت الفهم عن أم أخطأت([44]).
3- إن الحكمة من جعل عدة المتوفى عنها الزّوج أربعة أشهر وعشرة أيام هي وفاة الزّوج خاصة لا شيء آخر كاستبراء الرّحم، لأن استبراء الرّحم يحصل بثلاثة قروء كما في حال الطّلاق، والدّليل على تحديد هذه المدة لذات الوفاة خاصة هو: أن هذه العدة واجبة على الزّوجة، وإن لم يُدخل بها، فإذا جعلنا عدة الحامل المتوفى عنها الزّوج وضع الحمل، وإن كانت المدة بين الوفاة ووضع الحمل أقل من أربعة أشهر وعشرة أيام قد ألقينا العدة المطلوبة بسبب الوفاة خاصة في هذه الحالة وهو غير وارد لثبوتها بالنّص([45]).
كما أنّ من الحكمة أيضًا تعظيم أمر النّكاح واحترامه، والرّفعة من شأنه، وإظهار شرف الوفاء لزوجها الرّاحل، فإن ما قد فرضه الله عليها من التّقدير، والوفاء، وحُسن المعاملة له، لا يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته، ورحيله عنها. فليس من الوفاء للزوج، والاحترام لذويه أن تتحول الزّوجة في اليوم التّالي من فراقها إلى زوج آخر، فإن في ذلك استهانة بالزّوج الأول وذويه، والعشرة التّي قامت بينهما تستوجب الوفاء له. وإن كانت صغيرة، أو آيسة مقطوعًا ببراءة رحمها من الحمل من زوجها. إن هذه السّرعة في التّنقل تُذيب أهميّة النّكاح، وهيبته أمام الأنظار، وتثير في النّفس، والخيال شأن السّفاح وصورته.
ومن ضمن حكم إحكام العدة جانبها التّعبدي، والامتثال لأوامر الله ونواهيه، على أتم وجه، هذا في الحقيقة معنى جدير بالوقوف عنده، قال القرافي: إن العدة تجب ولو تيقنا براءة الرّحم… وكذا إذا توفّي عنها… والعدة واجبة على كل حال لتغليب جانب التّعبد فيها([46]).
وقال ابن قيم: فليس المقصود من العدة مجرد براءة الرّحم، بل ذلك من بعض مقاصدها، وحكمها([47]).
كما أنّ في عدّة الوفاة: تذكر نعمة الزّواج، ورعايّة حق الزّوج وأقاربه، وإظهار التّأثر لفقده، وإبداء وفاء الزّوجة لزوجها، وصون سمعتها، وحفظ كرامتها، حتى لا يتحدث النّاس بأمرها، ونقد تهاونها، والتّحدث عن خروجها وزينتها، خصوصًا من أقارب زوجها؛ ولأن مقصودها الأعظم حفظ حق الزّوج([48]).
4- ما لا خلاف فيه بين الفقهاء أنّ عدّة المتوفى عنها زوجها تنقضي إذا اعتدت بأبعد الأجلين، بخلاف ما لو انتهت عدتها بوضع الحمل إن كانت المدة بين الوفاة ووضع الحمل أقل من مدة عدة الوفاة -أربعة أشهر وعشرة أيام– فالمصير إلى ما لا خلاف فيه أجدر وأولى من المصير إلى ما فيه خلاف بين الفقهاء، قال ابن عبد البر: لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي، وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها؛ فلا تخرج من عدتها إلا بيقين، واليقين آخر الأجلين([49]).
روي عن عبد الرّزاق عن بن جريج قال: أخبرني داود بن أبي عاصم أنّ أبا سلمة بن عبد الرّحمن أخبره قال: بينما أنا، وأبو هريرة عند ابن عباس إذ جاءته امرأة فقالتّ: توفي زوجي وهي حامل فذكرت؛ أنها وضعت لأدنى من أربعة أشهر من يوم مات عنها، فقال ابن عباس: أنت لآخر الأجلين، فقال أبو سلمة: فقلت: إن عندي علما، فقال ابن عباس: علي المرأة، فقال أبو سلمة: أخبرني رجل من أصحاب النّبي أن سبيعة الأسلميّة جاءت النّبي (ص) فقالتّ: توفي عنها زوجها؛ فوضعت فأخبرته بأدنى من أربعة أشهر من يوم مات، فقال النّبي (ص): «يا سبيعة أربعي بنفسك»([50])، قال أبو هريرة: وأنا أشهد على ذلك، فقال ابن عباس للمرأة: اسمعي ما تسمعين([51]) . ومعنى أربعي: التّوقُّف، والانتظار فيكون قد أَمرها أَن تَكُفّ عن التّزوج، وأَن تَنْتَظِر تَمام عدَّة الوَفاة([52])، قال الخطابي: والرّبع: دار الإقامة وقد ربع الرّجل بالمكان إذا أقام به([53])، وقال الماوردي: أربعي بنفسك فتأوله من الزّمها أقصى الأجلين أقيمي في ربعك لبقائها في العدّة([54]).
الخاتمة
لقد توصلت الدّراسة إلى نتائج عدّة أبرزها:
- العدة: هي المدة التّي ينبغي على المرأة أن تتربصها بسبب الفسخ، أو الطّلاق، أو الموت.
- إن السّبب الذي شرعت من أجله هو: التّأكد من براءة الرّحم، والوفاء للحياة الزّوجيّة، واحترام مشاعر أقاربه وذويه، وغير ذلك من أسباب تعبديّة، وغير تعبديّة.
- المعتدة من الوفاة إذا كانت حاملًا تعتد بأبعد الأجلين، خلافا لما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
التّوصيات
توصي بضرورة إجراء دراسات تتبعيّة متلاحقة، وأكمل هذه الرّسالة العلميّة، وفق ما ورد للجمهور العلماء والفقهاء. والحمد لله ربّ العالمين وأتمّ الصّلاة وأزكاها وأطهرها على سيّدنا محمّد وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدّين.
المصادر والمراجع
- ابن باز، العدة وبيان الأحوال التّي تعتد فيها المرأة، الموقع الرّسمي، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2023. بتصرّف.
- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، تحقيق: عبد العزيز بن باز، محمد فؤاد عبد الباقي، المطبعة السلفية، القاهرة، ط1، 1958م.
- ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر (المتوفى: 751هـ)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، ييروت، ط1، (1411ه/1991م).
- القرشي، ابن كثير (ت774هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمّد سلامة، دار طيبة للنشر والتّوزيع، ط2، (1420هـ/1999م).
- ابن منظور (محمّد بن مكرم)، أبو الفضل، جمال الدّين ابن منظور الأنصاري الرّويفعي الإفريقي (ت: 711ه)، لسان العرب، دار صادر، بيروت-لبنان، ط3، (1414ه).
- الزّبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرّزاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من التحقيقين، دار الهدايّة، بيروت، ط3، (2006م).
- ابن نجيم زين الدين بن إبراهيم، البحر الرّائق، دار الكتب العلمية، بيروت، (2009م).
- أبو العينين، بدران، أدلة التّشريع المتعارضة، مؤسسة شباب الجامعة، مصر، 1974م.
- جابر بن موسى الجزائري، كتاب النّكاح والطّلاق أو الزّواج والفراق، مطابع الرّحاب، ط2، (2011م).
- الخطابي، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، جامعة أم القرى، السعودية، (1982م).
- الزّرقاني، محمد عبد الكريم، مناهل العرفان في علوم القرآن، مطبعة الحلبي، ط3، 2017م.
- الشّوكاني، محمّد بن إسماعيل بن صلاح، سبل السّلام، دار الحديث، د. ط، د.ت.
- ابن كثير، تحفة الطّالب، تحقيق: عبد الغني الكبيسي، دار ابن حزم، لبنان، ط، (1996م).
- زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام المرأة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1413ه).
- الشّربيني، الخطيب، مغني المحتاج، دار الكتب العلمية، بيروت، (2015م).
- الدّمياطي، ابن البكري، إعانة الطّالبين، إحياء الكتب العربية، مصر، (1300ه).
- عبد الوهاب خلاف، أحكام الأحوال الشّخصيّة في الشّريعة الإسلاميّة، دار الكتب المصريّة، القاهرة، ط2، (1938م).
- القرافي، أبو العباس شهاب الدين أحمد (المتوفى: 684هـ)، الفروق=أنوار البروق في أنواء الفروق، تحقيق: حمد بن علي بن حسين مفتي المالكية، دار ابن كثير، مكة المكرمة، ط1، (1427هـ).
- القرطبي، أبو عبد الله بن أحمد بن أبي بكر (المتوفى: 671ه)، الجامع لأحكام القرآن=تفسير القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة-مصر، ط2، (1384/1987م).
- الإمام مسلم، مسلم بن الحجاج، أبو الحسين (المتوفى: 261هـ)، المسند الصّحيح المختصر=صحيح مسلم، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الكتب العلمية، (1413ه/1992م).
- عبد الرّزاق، مصنف عبد الرّزاق، دار الكتب العلمية، بيروت، (1981م).
- السّيوطي، جامع الأحاديث، ضبط نصوصه وخرج أحاديثه: فريق من الباحثين، دار الفكر، بيروت، (1978م).
- الماوردي، أبو الحسن البغدادي، الحاوي الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1414ه).
- نظام الدّين عبد الحميد، أحكام انحلال عقد الزّواج، مكتبة عين الجامعة، ماليزيا، (1994م).
المواقع الإلكترونيّة:
- / islamweb.net بتصرّف عن فتوى رقم 5267/ تختلف عدة المتوفى عنها زوجها باختلاف حالها./17-2-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب.
- / islamweb.netبتصرّف عن فتوى رقم 20199/ متى يحق للمرأة طلب الخلع/ 29-7-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب.
[1] – طالبة دراسات عليا (مرحلة الماجستير)- جامعة الجنان – لبنان –كلية الآداب والعلوم الإنسانية – قسم العقيدة- beeso.s1993@gmail.com
Student (Master’s degree) – Jinan University – Lebanon – Faculty of Arts and Humanities – Department of faith.
[2]. ابن منظور، لسان العرب، 3/281. الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 1/312-313.
[3] . الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 1/312، 313. ابن منظور، لسان العرب، 3/281.
[4] . الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 1/312، 313. ابن منظور، لسان العرب، 3/281.
[5] . ابن نجيم، البحر الرّائق، 4/139.
[6] . الدّمياطي، إعانة الطّالبين، 1/446.
[7] . الشّربيني، مغني المحتاج، 3/384.
[8] . الماوردي، الحاوي الكبير، 5/411.
[9] . زيدان، المفصل في أحكام المرأة، 9/121.
[10] . القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/175.
[11] . سورة الطّلاق، الآية 4.
[12] . سورة الأحزاب، الآية 49.
[13] . جابر بن موسى الجزائري، النّكاح والطّلاق أو الزّواج والفراق، بتصرّف.
[14] . سورة الطّلاق، الآية 4.
[15] . سورة البقرة: الآية 234.
[16] . القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/174.
[17] . سورة البقرة: الآية 228.
[18] . ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/333.
[19] . العدة وبيان الأحوال التّي تعتد فيها المرأة”، الموقع الرّسمي للإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2023م. بتصرّف.
[20] . سورة البقرة، الآية: 234.
[21] . سورة البقرة، الآية 228.
[22] . سورة الطّلاق، الآية 4
[23] . سورة الطّلاق، الآية 4
[24] . سورة البقرة، الآية 234
[25] . سورة الطّلاق، الآية 4.
[26] . (ابن باز، وقت انتهاء عدة الحامل المتوفى عنها زوجها).
[27] . / islamweb.net بتصرّف عن فتوى رقم 5267- تختلف عدة المتوفى عنها زوجها باختلاف حالها./17-2-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب.
[28]. / islamweb.net بتصرّف عن فتوى رقم 20199/ متى يحق للمرأة طلب الخلع/ 29-7-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب.
[29] . عبد الوهاب خلاف (1938)، أحكام الأحوال الشّخصيّة في الشّريعة الإسلاميّة (الطّبعة الثانيّة)، القاهرة: دار الكتب المصريّة، صفحة 175.
[30] . رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن رملة بنت أبي سفيان، الصفحة أو الرّقم: 1281، صحيح.
[31] . رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن رملة بنت أبي سفيان، الصفحة أو الرّقم: 1281 صحيح.
[32] . رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن الفريعة بنت مالك بن سنان، الصفحة أو الرّقم: 334، صحيح.
[33] . سورة البقرة، الآية 234
[34] . سورة البقرة، الآية 234
[35] . سورة البقرة، الآية 240
[36] . سورة النّساء، الآية 4
[37] . البقرة: الآية 234
[38] . الطّلاق: الآية 4
[39] . القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/175.
[40] . القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 3/175.
[41] . أبو العينين، بدران، أدلة التّشريع المتعارضة، ص45، 46.
[42] . الشّوكاني، سبل السّلام، 5/236.
[43] . المرجع السّابق.
[44] . نظام الدّين عبد الحميد، أحكام انحلال عقد الزّواج، ص261.
[45] . الشّربيني، مغني المحتاج، 13/395.
[46] . ابن حجر، فتح الباري، 9/474.
[47] . عبد الرّزاق، مصنف عبد الرّزاق، 6/474. السّيوطي، جامع الأحاديث، 39/392.
[48] . نظام الدّين عبد الحميد، أحكام انحلال عقد الزّواج، ص259.
[49] . عبد الرّزاق، مصنف عبد الرّزاق، 6/474.
[50] . ابن قيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، 2/85.
[51] . القرافي، الفروق=أنوار البروق في أنواء الفروق، 3/205.
[52] . ابن منظور، لسان العرب، 8/99. الزّبيدي، تاج العروس، 21/25.
[53] . الخطابي، غريب الحديث، 1/545.
[54] . الماوردي، الحاوي الكبير، 11/236.