دور الشّباب في إدارة أوقات الفراغ واستثماره في التنمية الثقافيّة
( The role of youth in managing leisure time and investing it in cultural development )
Mona Ibrahim Rahhal منى إبراهيم رحال([1])
الملخص
يمثل الشّباب ثروة الأمة وكنزها الثمين فهو طليعة التغيير المنشود، كما أنّ هذه الثروة المهمة إما أنّ تستثمر بشكل سليم نحو التطوير والبناء، أو أن تهدر من خلال سوء استثمارها مما يؤدي بها إلى الضياع أو الفساد، من هنا أدركت الشعوب قديما وحديثا أهمية هذه الثروة، لكنها بقيت عاجزة تجاهها في طريقة توظيفها وترشيد استثمارها. مما يؤدي بها إلى الضياع أو الفساد.
ويواجه الشّباب اليوم تحديات عديدة منها: الثقافية، الاجتماعية، الفكرية، الاقتصادية، والعلمية، أمام انتشار ثقافة الترف والاستهلاك وعشق المظاهر…، من خلال جسور وقنوات مفتوحة ومحدوديتها في مواجهة هذا التحدي بعد أنّ أصبحت تتجه نحو إقصاء القيم الإنسانية العامة، وسيادة كل أشكال التمييع الثقافي في الفضاءات الخارجية وفي الكليات والمدارس، مما أعطى فهم، تدخل مباشرة في كل بيت وغرفة ومكتب وفي كل زمان ومكان، إلى جانب قصور العملية التعليمية وضحالة وعي بمجريات الحياة الإنسانية بشكل عام وبإتساع رقعة وقت الفراغ بشكل خاص.
ويستهدف البحث التعرف على:
– إدارة أوقات الفراغ لدى الشّباب، وتوصيف الواقع لدى الشّباب اللبناني في إدارة واستثمار أوقات الفراغ في التنمية الثقافية.
– الوقوف على أهم الاسباب التي تعيق استثمارهم لأوقاتهم في التنمية الثقافية.
– تسليط الضوء على الأنشطة والجهات المساهمة في مساعدة الشّباب على إدارة أوقاتهم واستثمارها في التنمية الثقافية.
- الكلمات المفاتيح
تنمية ثقافية-إدارة الوقت – وقت الفراغ – الشباب – قيم – فساد – بناء اجتماعي – شخصية متكاملة – الحضارة المعاصرة – المجتمع المعاصر – التكنولوجيا – وقت حر – التخطيط – الأخصائي الاجتماعي – الإنتاج – نسيج النظم الاجتماعية – علم اجتماع الفراغ – إدارة مورد الوقت – رعاية اجتماعية – خدمة – نمو نفسي اجتماعي-الفاعلين الاجتماعيين-الاستراتيجية-التنشئة-الثقافة الأصلية- الايكولوجية الحضرية الجديدة-النوادي الثقافية- الشرائح الإجتماعية والعمرية.
Abstract
The youth represent the wealth of the nation and its precious treasure, as it is the vanguard of the desired change, and this important wealth is either to be invested properly towards development and construction, or to be wasted through mis-investment, which leads to loss or corruption. From here, peoples, past and present, realized the importance of this wealth. However, it remained powerless towards it in the way of employing it and rationalizing its investment, which leads to loss or corruption. From here, peoples, past and present, realized the importance of this wealth, but remained powerless towards it in the way of employing it and rationalizing its investment.
Today, young people face many challenges, including: cultural, social, intellectual, economic, and scientific, in the face of the spread of the culture of luxury, consumption, and the love of appearances…, through open bridges and channels and their limitations in facing this challenge after they are moving towards the exclusion of general human values, and the supremacy of all Forms of cultural dilution in outer spaces and in colleges and schools, which gave understanding, directly interfered in every home, room and office at every time and place, in addition to the shortcomings of the educational process and the shallowness of awareness of the course of human life in general and the expansion of free time in particular.
The research aims to identify:
Managing leisure time for youth, and describing the reality of Lebanese youth in managing and investing leisure time in cultural development.
– Finding out the most important reasons that hinder their investment of their time in cultural development.
– Shedding light on the activities and parties that contribute to helping young people manage their time and invest it in cultural development.
Keywords
Cultural development – time management – free time – youth – values – corruption – social construction – integrated personality – contemporary civilization – contemporary society – technology – free time – planning – social worker – production – social systems fabric – leisure sociology – time resource management – social care – service – psychosocial development – social actors – strategy – upbringing – original culture – new urban ecology – cultural clubs – social and age groups.
المقدمة
إن الوقت هو الحياة، وعمر الإنسان أيام، وقد قال الإمام علي عليه السلام: “إنّ الّليل والنّهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما”([2])، ويقول أيضًا:”إن أوقاتك أجزاء عمرك فلا تنفذ لك وقتًا إلا فيما يُنجيك([3])”. وکما قال الحسن البصري”يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك”. فالوقت من العوامل المهمّة المؤثرة على حياة الفرد، إذ إنه يشترك مع موارده البشرية والمادية جميعها لتحقيق أهدافه وإشباع حاجاته المختلفة، من هذا المنطلق، لا بدّ من إعادة التّفکير في الوقت، فإذا کان العمل ينظم بواسطة الساعة، فالترفيه أيضًا يوزع بواسطة الساعة، وإن الاستفادة الكفؤ لأوقات الفراغ من الأمور الثابتة التي تسهم في تنمية شخصية متکاملة، فتلك الشخصية هي التي تتعدد اهتماماتها وقدراتها وتعرف کيف توازن بين متطلبات العمل، وبين الحاجة إلى الترويح، کما تستفيد من أوقات فراغها بما يعود عليها بالنفع من النواحي الجسميّة والعقلية، والنفسية، والتعبيرية الجمالية، لذلك لا بدَّ من إيجاد أنشطة مفيدة ومسلّية في ذات الوقت تساعد على تمکين الشّباب من الاستفادة الأمثل لوقت الفراغ في التنمية الثقافيّة.
ترتبط ظاهرة وقت الفراغ الى حد بعيد بثقافة المجتمع سواء أكانت قديمة أم حديثة.إلّا أنّ تلك السّمة التي تميز الحضارة المعاصرة المتمثلة في إنقاص يوم عمل وانتشار نظام العطل والإجازات مدفوعة الأجر، والتي أنتجت مزيدًا من ساعات الفراغ عند أفراد المجتمع، قد أعطت هذه الظاهرة بُعدها وانتشارها في المجتمع المعاصر. ويعتقد بعض الباحثين أنّ ظاهرة الوقت الفراغ تتجلى في زمن التطور بالتقابل مع زمن العمل، ولا يمكن فهمها إلا ضمن هذا التقابل، وقد أصبحت أمرًا لا غنى عنه لنمو المجتمع وتطوره. فوقت الفراغ مفهوم اجتماعي يمكن أن يستخدم للإشارة إلى الاتجاهات، الرغبات، التفضيلات، وأنماط التفكير والاهتمامات ذات الأنواع المتعددة لدى الأفراد والجماعات، خلال حِقب من حياتهم الشخصية ويحقق أهدافهم الخاصة. ونظرًا لأهمية هذه الظاهرة الاجتماعية ذات الجوانب الإيجابيّة والسلبية، نشأ علم اجتماع خاص بها يبحث جوانبها المختلفة وارتباطاتها بالبناء الاجتماعي، هو علم اجتماع الفراغ sociology of leisure.
ضرورة البحث
تعد هذه الدراسة إضافة إلى مجال التخصص، أنها تدرس العلاقة بين إدارة مورد الوقت وممارسة أنشطة وقت الفراغ في التنمية الثقافية.
ويمکن الاستفادة من نتائج هذا البحث في التأکيد على رفع مستوى وعي شباب الجامعة من الجنسين بمورد الوقت، وحرصهم على إدارة هذا المورد وحسن الاستفادة منه.
كما تسهم هذه الدراسة في التأکيد على أهمية استغلال وقت الفراغ في أنشطة مهمة ومفيدة، يکون من شأنها بناء الفرد، وتنمية شخصيته، والقضاء على الظواهر السلبية في المجتمع، وخاصة في مرحلة الشّباب حيث ذروة العطاء والإنتاج.
هدف البحث
– يستهدف البحث تفسير مفهوم الوقت الحر.
– كيفية ممارساته من قبل الشّباب اللبناني.
– الفروق في تقسيم الوقت الحر عند الذكور والإناث من الشّباب.
– الكشف عن الأسباب المعيقة لإستثمار أوقات الفراغ في التنمية الثقافية.
مشكلة الدراسة وأسئلة البحث
لقد أصبحت ظاهرة الفراغ تدخل ضمن نسيج النظم الاجتماعيّة، التي يتألف منها المجتمع كما بدأ الاهتمام باستثمار وقت الفراغ وتعددت مجالاته لمواجهة الزيادة النامية لوقت الفراغ في المجتمعات.
والخدمة الاجتماعيّة في مجال رعاية الشّباب هي أحد فروع مجالات الخدمة الاجتماعية، والتي تمثل أحد العناصر التكاملية للعمل الفريقي يبدأ بتوجيهات الأسرة ثم تستمر في المدرسة، والجامعة والنادي وفي مؤسسات العمل وفي مختلف الأوساط الاجتماعية، والتربوية تدفع بكل ثقلها الجهود الرامية لتحقيق النمو النفسي، والاجتماعي لدى الشّباب لتحقيق تنشئة اجتماعيّة سليمة، متبعًا في ذلك المنهج العلمي لحلّ المشاكل التي يتعرض لها الشّباب من أجل إحداث تغيرات هادفة ومقصودة، وموجهة إلى الأفراد والجماعات والمجتمعات بجهود المهتمين والمتخصصين، الذين أعدوا إعدادًا للقيام بمثل هذه المهام.
فإنّ من بين ما يعانيه الشّباب هو ما يتعلق بكيفية قضاء وقت الفراغ، واستثماره الاستثمار الأمثل ليحقق نتائج إيجابية تضمن عدم تأثيره سلبًا على سلوكياتهم، وخاصة مع توفر التسهيلات التكنولوجية الحديثة، التي أدت بدورها إلى زيادة وقت الفراغ ففي الوقت الذي نجد فيه مجتمعات تولي أهمية كبيرة لوقت الفراغ وتحاول استثماره، والتّخطيط لكيفيّة ذلك، نجد أنّ الفراغ لدينا وقت يجب القضاء عليه، فلا يمكن التقليل من أهميته وانعكاساته على المجتمع بأية حال من الأحوال، بل لذلك يمكن صياغة مشكلة الدّراسة في التّعرف على الدور الذي يقوم به الاختصاصي الاجتماعي مع فئة الشّباب في كيفية استثمار أوقات الفراغ.
تساؤلات الدراسة
- ما الدور المهني الذي يقوم به الاختصاصي الاجتماعي مع فئة الشّباب في استثمار أوقات فراغهم؟
- ما الصعوبات التي تواجه الاخصاصي الاجتماعي في القيام بدوره المهني مع الشّباب في استغلال أوقات الفراغ في المجتمع اللبناني؟
منهج البحث
انطلاقًا من موضوع الدراسة وأهميتها وأهدافها ترى الباحثة، أنّ هذه الدراسة تنتمي إلى الدراسات الوصفيّة باستخدام المنهج الوصفي.
كذلك اعتُمِدت دراسة الحالة بهدف جمع المعلومات المتعلقة بالوحدة سواء أكانت فردًا أو جماعة من خلال التعمق في دراسة مفصّلة، للكشف عن جوانبها المتعددة للوصول إلى تقييمات تنطبق على غيرها من الوحدات المتشابهة .
كما اعتمدنا على بعض الجداول الإحصائيّة التي ساهمت في تحليل الظاهرة موضوع البحث، وتفسيرها والتي من خلالها وصلنا إلى مرحلة فهم الاستراتيجيات المعتمدة من طرف الشّباب في تقسيم الوقت الحر.
بداية لا بد لنا من تقديم تعريفات بالمصطلحات الواردة في مبحثنا ومنها:
- إدارة الوقت([4]): إنّه المهارة الخاصة التي يتعامل بها الشاب مع وقت فراغه، والطريقة التي يستطيع بها استثمار هذا الوقت أفضل استثمار، ويحقق أقصى الاستفادة المتاحة وذلك بتوظيف طاقاته توظيفًا مفيدًا وفعالًا، أو تنمية مهاراته وقدراته أو الاستمتاع بممارسة هواياته والارتقاء بالجوانب البدنيّة والنّفسيّة والعقليّة والوجدانيّة والروحيّة.
- وقت الفراغ([5]): هو الوقت الفائض عما يحدده الفرد من وقت للقيام بالعمل، أو للقيام بالمسؤوليات والالتزامات والواجبات المنوطة به.
- إدارة وقت الفراغ([6]): تعرف إدارة الفراغ إجرائيًّا من منظور الدراسة الحالية، أنها قدرة الشّباب على القيام بمجموعة من الأنشطة التي يختارها برغبته بعد تحديد الأهداف، وموازنة ما لديه من ساعات محددة وما يجب عليه أداؤه في حقبة زمنية محددة خلال هذه المدّة.
لقد ساهمت التغيرات الاجتماعية في ظهور عدة ممارسات، وسلوكيات ثقافية تتعلق بكل النشاطات التي يمارسها الأفراد خارج وقت الدراسة وخارج الوقت المهني، أو وقت العمل وهو ما يسمى بالوقت الحر وهناك من يسميه بوقت الفراغ، ولكنه ليس فارغًا تمامًا وإنما هو الوقت الذي يتاح فيه التنشئة اجتماعيّة والعيش بشكل مغاير، وهو الوقت الذي يبني فيه الذات وقت الاكتشاف([7]).
- موقف الشّباب من مسألة الوقت الحر: إن البحث في هذه المسألة قد تزيد من فهمنا لمسألة الشّباب والممارسات الثقافية، التي بصدد التشكل والظهور في صفوف هذه الشريحة الاجتماعية، والتي نتيجة حراك اجتماعي على المستويات جميعها تقريبًا من داخل المجتمع ومن خارجه وسبب عدة تأثيرات خاصة التأثيرات التكنولوجية، التي قربت عوالم جديدة وساهمت في ظهور سلوكيات ومظاهر اجتماعية جديدة منها الوقت الحر وكيفيّة الاستفادة وما هي التعبيرات الاجتماعية، التي يعتمدها الأفراد في تعاملهم مع هذا الفضاء الزماني، الذي يختلف عن الفضاء المشترك والمرتبط مباشرة بمعيشتهم اليومية، وتعدُّ وسائل التكنولوجيا الحديثة في عصرنا الحالي من بين الوسائل المهمّة المستعملة لتسويق الثقافات، وهذا نظرًا للدور المتعاظم للصورة وقدرتها المذهلة على إحداث التأثير على الأفراد.
وما يمكن ملاحظته أنّ الشّباب الذين يمثلون عينة الدراسة([8]) لا يتعاملون مع مسألة الوقت الحر من خلال استراتيجيّة واضحة، تساعدهم على إشباع حاجاتهم المادية والمعنوية وإنما تعاملهم معها يغلب عليه العشوائيّة، أي على حسب الظروف المادية المتاحة وعلى حسب ما تتيحه الصدفة، وذلك يعود لعدة أسباب منها ما يعود للتنشئة الاجتماعيّة التقليديّة التي لم تعوّد أفراد المجتمع على مفهوم وقت الحر وكيفيّة الاستفادة، لأنّ هذا المفهوم لم يمثل أخذ أجزاء التربية في شكلها العام، وإنما هو ظاهرة نابعة عن حراك اجتماعي أخضع المجتمع إلى تقبل مظاهر اجتماعية جديدة منها ظاهرة الوقت الحر، سيساعدنا الجدول الآتي على فهم السلوكيات المتبعة من طرف الفاعلين الاجتماعيين في تعاملهم مع الوقت الحر أو أوقات الفراغ.
الجدول رقم(1): الاستراتيجية المتبعة من طرف الأشخاص لخلق وقت الفراغ حسب الجنس
الجنس | الذكور | الإناث | ||
التكرارات | النسبة | التكرارات | النسبة | |
نعم توجد استراتيجية | 40 | 39 | 25 | 26 |
لا توجد استراتيجية | 63 | 61 | 72 | 74 |
المجموع | 103 | 100 | 97 | 100 |
المصدر: الدراسة الميدانية
نلاحظ من خلال الأرقام الإحصائية الموجودة في الجدول أن أغلب المستجوبين لا يعتمدون استراتيجية معينة من أجل الوقت الحر أو وقت الفراغ بذلك، وهذا ما يؤكد أنّ هذا الوقت الحر المختلف في أنشطته عن الوقت المشترك ما زال في بنيته الأولية لجهة الهيكل، فهو ليس بالظاهرة الاجتماعية المكتملة من حيث النشاط على الرّغم من وجودها من الناحية النظرية وتعايش الأفراد معها أكبر دليل على وجودها، بمعنى أنها ظاهرة مفروضة وملزمة على أغلب الأفراد معها، وخلق استراتيجيات حينية من أجل إشباع حاجاتهم حسب ما يتوفر من أنشطة اجتماعيّة.
وقد أقر 39% من الذكور أن لديهم استراتيجيات معينة في قضائهم للوقت الحر المتاح مع أصدقائهم، وهم بذلك يختلفون عن الإناث اللواتي أقر 26% منهن أن هناك استراتيجيّة لأوقات الفراغ خاصتهم، ولكنها استراتيجية مرتبطة بالعائلة عمومًا، وتغيب في أجوبة الشّباب من الجنسين فكرة الاهتمام بالوقت الحر في اتجاه التصرف فيه وبرمجته وفق ميزانية وما هذا ما تفيده الارقام الإحصائيّة الموجودة في الجدول، وهذا ما يؤكد فكرة أنّ سلوك الشّباب إزاء الوقت الحر ينحو إلى العشوائية من حيث التصرف فيه ويبقى خاضعًا للصدفة والظروف المعيشية والمادية للأفراد([9]).
ونلاحظ التباين بين الجنسين في التعامل مع مسألة الوقت الحر، وهذا التباين ما زال قائمًا لصالح الذكور في مستوى ما هو معيش وممارس، ويتأكد ذلك من خلال وقوفنا على الكيفية التي يتعامل بها كلا الجنسين مع الوقت الحر المتاح، فبالنسبة إلى الفتيان تراوحت إجاباتهم بين حريتهم في كيفية التعامل مع الوقت الحر، إما في قضائه الوقت مع الأصدقاء أو في الشارع أو الجلوس إلى التلفزيون، إما بالنسبة إلى الفتيات فقد أفصحن عن أن الوقت الحر لديهن ضيق، لأنّ الانتهاء من الدّراسة أو الشغل لا يعني التخلص من مهمة المساعدة في البيت، والقيام ببعض الأشغال المنزلية دخلت ضمن حيز الضروريات.
ويعود هذا أساسًا إلى أمرين:
- نوعية التنشئة الاجتماعية التي تُعدُّ من العمليات الاجتماعيّة القائمة على التفاعل المتبادل بينها وبين مكونات البناء الاجتماعي، وتختلف في الوقت نفسه من حيث الدرجة والنّوعيّة باختلاف الزمان والمكان، وكذلك باختلاف الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد وما تعكسه كل طبقة من ثقافة فرعية، تختلف من بناء اجتماعي واقتصادي لآخر وهي عملية مستمرة إذ إنّ المشاركة المستمرة في مواقف جديدة تتطلب تنشئة مستمرة، يقوم بها الفرد بنفسه ولنفسه حتى يتمكن من مقابلة المتطلبات الجديدة للتفاعل التي لا نهاية لها.
- الثقافة الأصلية التي توجد داخل جدلية ما بين ما هو مفتوح وبين ما هو مغلق وبين تمثل الذات وبين غيابها، وهذا النوع من الحركة تنسجم مع الأيكولوجيّة الحضرية الجديدة التي تتميز بتكنولوجيا المعيش اليومي.
- الفضاءات الأكثر استقطابًا للشباب لتمضية الوقت الحر
لقد حاولنا البحث في الفضاءات التي يقضي فيها الشّباب أوقات الفراغ حتى نتعرف إلى نوعية النشاطات، التي يمكن ممارستها في هذا الفضاء الخاص، والذي يحاولون من خلاله التعبير عن عديد الصور الاجتماعية التي يتعايشون معها والتي تعبر في أحيان كثيرة عن واقع منفتح على عوالم أخرى، يحاول الشّباب من خلالها البحث عن مكانة اجتماعيّة حتى وإن كان ذلك على حساب ثقافتهم الأصلية. وسنوضح في الجدول الآتي مختلف الفضاءات التي يلجأ إليها الأفراد لقضاء أوقاتهم حسب متغير الجنس.
الجدول رقم (2): الفضاءات الأكثر استقطابًا للشباب تمضية الوقت الحرّ.
الجنس
الفضاءات |
الذكور | الإناث | ||
التكرارات | النسبة | التكرارات | النسبة | |
المقهى | 50 | 49 | 10 | 10 |
النوادي الثقافية | 12 | 12 | 20 | 20 |
الشارع | 26 | 25 | 0 | 0 |
مع العائلة | 15 | 14 | 67 | 70 |
المجموع | 103 | 100 | 97 | 100 |
المصدر: الدراسة الميدانية
إنّ ما يمكن استنتاجه من خلال هذا الجدول أنّ جل المستجوبين من الشّباب خاصة منهم الذكور يرون في المقهى فضاء مجددًا لتمضية الوقت الحر، وهذا ما أقرّ به 50% من الذكور. فالمقهى يسجل حضورًا أكبر في معيشم اليومي من النوادي الثقافية وفضاء الأسرة لدى أغلبهم، ويمكن القول إنّ هذا الاختيار الذي نسجله لا يعدُّ اختيارًا مفاجئًا إذا علمنا أن ظاهرة ارتياد المقاهي تمثل جانبًا مهمًا من الثقافة المعيشيّة للبناني، وهي تمس مختلف الشرائح الاجتماعيّة والعمرية، فهي ظاهرة ملتصقة بالثقافة المحلية للفاعلين الاجتماعيين على اختلاف إنتماءاتهم.
أمّا بالنسبة إلى الإناث فإن 70% منهن يقضين وقت الفراغ مع العائلة، ولا نقصد بالضرورة العائلة كأفراد وإنما نقصد الفضاء في عموميته والذي يكفل لهم على الأقل مشاهدة البرامج التلفزية، الذي يمثل حضورها ركنًا قارًا يتسع أحيانًا حتى على حساب النشاط الأساسي. أمّا بقية الفضاءات خاصة منها النوادي الثقافية (دور شباب، نوادٍ رياضيّة…) لم تستقطب سوى 12% من الذكور و20% من الإناث.
يفضل الشّباب من الذكور تمضية الوقت في الشارع على حساب الفضاءات، التي توفرها المؤسسات الرّسمية لمثل هذا النشاط وقد يعبّر هذا الاختيار الذي أقرّ به 25% من مجموع الذكور عن المكانة الاجتماعيّة، التي تفتقدها هذه الفضاءات والذي يعود إلى عدة أسباب منها: أنّ هذه الأخيرة تمارس دورًا سلطويًا يفتقد فيه الفاعلون الاجتماعيون لهامش الحرية في اختيار النشاط، فهي لا تتيح المجال للأفراد للتفاعل معها وهذا ما عبروا عنه من خلال رفضهم لها أو تفضيلهم للشارع والمقهى، لأنّها فضاءات تخلو من المراقبة والسلطة الزّجرية المفروضة حتى بدعوى المصلحة العامة.
بعثت هذه الفضاءات لغاية تأطير الشّباب واستثمار الوقت الحر من خلال ما تتيحه من أنشطة متنوعة تحقق الإضافة في غياب الضغط، فهي مشروع إنعاش اجتماعي وثقافي، ولكن هذا الرفض الذي تواجه من جلّ المتنمين إلى فئة الشّباب يعود في اعتقادنا إلى مسألة الحريات الممارسة داخل هذه الأماكن، ذلك أن هذه الفضاءات وأنشطتها تظل في كثير منها تحت ضغط البرمجة، وهو ما يقلص من هامش الحرية المتاح للشباب الذي يفضل الأماكن، التي تتيح له هامش من الحرية طالما بحث عنه خارج الفضاء الأسري والمدرسي، وحتى خارج المؤسسات الموازية مثل دور الثقافة ودور الشّباب.
ولقد افتقدت مؤسسات التنشئة الاجتماعيّة التقليدية جزءًا مهمًا من أدوارها، فلم تعد الوحيدة القادرة على نقل الثقافة وتوريثها للأفراد داخل المجتمع، وذلك بسبب عديد التغيرات الاجتماعيّة التي طرأت على المجتمع، والتي ساهمت في ظهور قنوات جديدة للتنشئة الاجتماعيّة مثل تكنولوجيات الاتصال التي التصقت بالمعيش اليومي للأفراد واستطاعت أنّ تقدم البديل الذي افتقدته الأفراد في الفضاءات التقليدية.
وقد كان من المهم التّعرف على العلاقة بين الفرد والتكنولوجيا، وما أفضت إليه من ممارسات جديدة متخفيّة في ثقافة الصورة، نتيجة اختراق اقتصاد السوق للمعاملات بين الذات والآخر، خاصة بظهور مجتمع المشاهدة، فقد تزامن نمو “مجتمع المشاهدة مع النّمو التدريجي للتكنولوجيا المستخدمة في تمثيل الذات والآخر عبر المنافذ البصرية المتنوعة، والأوعية التّقنية المختلفة، خاصة في عصرنا الحالي الذي أدّت فيه الصورة بأشكالها المختلفة في التلفزيون والسينما والإنترنت، وفنون الإعلان والإعلام دورًا أساسيًّا في تشكيل وعي الفرد بأشكاله المختلفة.
يشهدعالم اليوم اجتياحًا كبيرًا لتقنيات وتكنولوجيا الاتصال الحديثة، التي جاءت بدورها بكم هائل من الصور التي اخترقت المعيش اليومي للفاعلين الاجتماعيين وساهمت في تشكيل الأذواق والآراء والمواقف. فالعالم يشهد في العصر الحديث تطورًا هائلًا في مختلف المجالات الصناعيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والعلميّة والتكنولوجيّة، وتماشيًا مع التطورات والتوجيهات الجديدة، كان لا بدّ من الاهتمام بالنّشاط الثقافي للفاعلين الاجتماعيين في مجتمع متغير كالمجتمع اللبناني، وإن تنمية القدرات الثقافيّة والذهنيّة، والحركية لدى الأفراد من الأمور المهمة التي تساهم في تطوير حياتهم المستقبليّة.
ولقد نجحت الثورة الاتصاليّة في إحداث العديد من التغييرات على مستوى الممارسات الثقافية للمجموعات والأفراد، وكانت هذه التأثيرات على مستوى البنى الاجتماعيّة التقليدية والهياكل الثقافية المحافظة، فأدخلت فيها حراكًا على المستوى الاجتماعي وانفتاحًا على المستوى الثقافي، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول نوعية وعمق هذه التغييرات التي لا تعبر بالضرورة عن أشكال من التّفاعل الحقيقي بين وسائل الاتصال الحديثة، والمضامين التي تمررها وبين المجتمعات والثقافات التي اخترقتها هذه الوسائل أو انفتحت طوعًا عليها.
فمفهوم الاتصال والتكنولوجيا قريب لمفهوم الثقافة، لأنهما لا يقتصران على التبادلات بين الأفراد والمؤسسات بل هو تعبير عن مجمل التفاعلات الناطقة، والصامتة على حد سواء بيننا وبين أشياء محيطنا، فالتلفزيون على سبيل المثال ينطق من خلال الصور والبرامج التي يبثها وينخرط بذلك في سياق ثقافي، وهو ما يعني أن التواصل ينخرط في فضاء القيم التي تنتجها الثقافة، ويصبح الفصل بين الثقافة والاتصال وهمًا.
الخاتمة
إن الحياة الجديدة تملي على الفرد نوعًا من التكيف وفقًا لمتطلباتها لذلك، فإنّ الأفراد في حاجة لتنمية الجوانب كافة التي تستند عليها الحياة من نواح اجتماعية وسلوكية وتربوية وثقافية وتغيير الأنشطة الثقافية، وحسن الاستفادة من أوقات الفراغ تعد جانبًا مهمًّا من نواح اجتماعيّة وسلوكيّة وتربويّة وثقافيّة وتغيير الأنشطة الثقافيّة، وحسن الاستفادة من أوقات الفراغ تعد جانبًا مهمًّا من جوانب تطوير الكفاءة، ورفع قدرات الفرد وإمكانياته الجسمية والفكرية وهي من العناصر المهمة لصقل شخصيته وإعادة تأهيله يضمن سهولة اندماجه داخل المجتمع.
المصادر والمراجع
المراجع العربية
- العامودي ابتسام بنت سعيد عبد الله بن ناجي، إدارة أوقات الفراغ للأبناء في الأسرة السعودية في مدينة جدة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك عبد العزيز، كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية بمحافظة جدة، 2009،
- خاطر أحمد مصطفى، أنشطة استثمار وقت الفراغ ودعم الانتمائية في المجتمع، المجلة العربية للعلوم الانسانية، جامعة الكويت، العدد 36، مج9، كلية الاداب جامعة الملك سعود، 1989،
- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم،المحقق مصطفى داريتي، مكتب الاعلام الاسلامي، إيران ، قم، 1366هـ، ط1،
المراجع الأجنبية
- Union Département des Associations Familiales, « Le temps libre des enfants et des adolescents », Observatoires des Familles, Chier N°7, Rennes, 2008,
المواقع الالكترونية
https://www.midad.edu.iq/wp-content/uploads/2017/09/5
[1]– طالبة في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية – العلوم الاجتماعية والانسانيّة Email: mona.rahal@gmail.com
Student at the higher doctorate institute at the Lebanese University of Social Sciences -Humanities
[2] – التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم،المحقق مصطفى داريتي، مكتب الاعلام الاسلامي، إيران ، قم، 1366هـ، ط1، ص151
[3] -م،ن،ص 159
[4] -العامودي ابتسام بنت سعيد عبد الله بن ناجي، إدارة أوقات الفراغ للأبناء في الأسرة السعودية في مدينة جدة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك عبد العزيز، كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية بمحافظة جدة، 2009، ص5
[5] -خاطر أحمد مصطفى، أنشطة استثمار وقت الفراغ ودعم الانتمائية في المجتمع، المجلة العربية للعلوم الانسانية، جامعة الكويت، العدد 36، مج9، كلية الاداب جامعة الملك سعود، 1989، ص3
[6] -النوري ابتسام سعدون محمد، العزاوي عبد اللع غني، إدارة أوقات الفراغ لدى الشباب في العمل الاجتماعي التطوعي (مساعدة النازحين من مدينة الموصل)، https://www.midad.edu.iq/wp-content/uploads/2017/09/5، اطلعت عليه بتاريخ 10-4-2023
[7] – Union Département des Associations Familiales, « Le temps libre des enfants et des adolescents », Observatoires des Familles, Chier N°7, Rennes, 2008, p.6.
[8] -هذه الورقة البحثية هي جزء من دراسة كاملة قامت بها الباحثة حول الشباب في المجتمع اللبناني: لقد كان عدد الاستمارات 200 وُزعت عبر مراحل مختلفة حاولنا فيها أن تكون العينة متمازجة، حتى نتمكن من الحصول على إجابات لمجموع أسئلتنا التي حاولنا من خلالها أن نرصد بعض المواقف، والتصورات حول عديد المسائل الاجتماعيّة والسياسية المحيطة بالشباب والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في تمثلاتهم للأحداث، التي ممكن أن تعترضهم وتسبب حراكًا عامًا داخل النسق الاجتماعي الذي يعيشون ضمنه، هذا الحراك الذي كان سببًا في ظهور العديد من السلوكيات والمواقف المعبرة في مجملها عن تصورات للحاضر والمستقبل الذي أصبح من المسائل المطروحة في البحوث الاجتماعية لتأثيراتها العميقة في تصورات الفاعلين وفي آرائهم تجاه عديد المسائل لذلك حاولنا أن نوزع عينة البحث على حسب عديد المتغيرات علنا نتوصل إلى تفسير عديد الاشكالات التي طُرِحت والتي بدا لنا أنها تتعلق بعديد الاشكالات المحيطة بفئة الشباب في لبنان.
[9] – Union Département des Associations Familiales, « Le temps libre des enfants et des adolescents », Observatoires des Familles, Chier N°7, Rennes, 2008,p.19