يومًا ما!
د ـ عمر قزيحه[1]
يومًا ما، وقفَت روحك في أنفاقٍ زمانيَّةٍ، تعاني آلام الأضواء الظلاميَّة، تعاين آمال الأضرار في وتين قلبها الحائر!
يومًا ما، كانت هناك طفلة، نحوك تجري كلَّما رأتْك، تدفع جسدها إليك لتحضنَها، بل لتحضنَك هي، فكأنَّما القلوب قد تبادلَتِ المواقع، وبدوتَ لها طفلًا يستحقُّ الحنان بدلًا منها!
يومًا ما، تحرَّك خنجر الخيانة، تُمسك به يدٌ حانيةُ المظهر، نبتَت في قلب أفعى مسعورة، فضربَتِ الهواء بينك وبين طفلتك في مقتل، فتلاشى الواقع والخيال والذكرى معًا، ثمَّ قالوا لك أكمل طريقك وحيدًا!
يومًا ما، هوى كبرياء الحجر في وعيك، فلامس الضُّعفَ في حياته من جديد، منح الحبَّ والحنان، وهو إليهما يحتاج، وإذ بالإنسان يتبدَّل شكلًا، ليظهر مضمونُه على حقيقته واضحًا، إنَّها الأفعى نفسها تلدغ في عنف!
يومًا ما، تخبرك الأفعى أنَّها منك حبلى! غريب أمرك يا زمان! أفعى ستَلِد من الإنسان! لكن، ماذا تلد؟ مثلها أو مثله؟ لكن لا تندفع في حيرتك بعيدًا، فالأفعى المسمَّة اشترت سمًّا، وقتلَتِ الجنين في رحمها، ولمَّا تتكوَّن ملامحه بعد، وتنصرف الأفعى، وأنت هناك! تحدِّق في أسوار تحجزك داخلها، لا تراها عينك، ويلمسها قلبك!
يومًا ما، تباغتك أناملها، تحمل خطًّا أحمر اللون، خطًّا يعني الحياة الجديدة، يعني الألم والمتاعب والقلق، وإذ بنفسِك تحبُّه! وإذ بقلبك يهوى المعاني، فترقص أوتارُهُ على أعذب الأغاني، وإذ بكلِّ شيء يتلاشى بددًا في عالم الخيال الصخريِّ المتحجِّر!
يومًا ما، تلمح لحن الأبوَّة إليك قادمًا من بعيد، وتسمع الكلمة التي احترقْتَ إذ تسعى خلفَها حتَّى فنيَ الشباب وذاب المشيب، تسمعها من طفلات كثيرات، ينطقْنَها بكلِّ الصدق والحبِّ، لكنَّك تحزن بدلًا من أن تفرح! فهل جُنَّ واقع الحياة، فانقلبَت بك هذيانًا بلا تفسير؟!
ستخرج من أنفاقك الزمانيَّة، سيتلاشى جدارها الخفيُّ القاسي، ستزول كلُّ الأسوار، ستذوب في قلبِك آلام الأسرار، ستحلِّق روحك مع الأحرار، لن تحزنك الذكريات، فأنت ستصبح الذكرى بعد أن فقدْتَ في حياتِك كلَّ أمل، أتسألني في لهفة الرجاء الخائف: متى ذلك يحصل؟ أهو قريب أو بعيد؟ لا تتعجَّل يا صديقي! إنَّما ذلك إليك قادم… يومًا ما!!
تاريخ الكتابة، شهر 12 سنة 2022م.
[1] – دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها، أستاذ لغة عربيّة، مؤلّف كتب في اللغة العربيّة.