تأثير التصميم الحيوي في الهندسة الداخلية: مواجهة التحديات في البيئات الحضرية (لبنان أنموذجا)
The Impact of Biophilic Design in Interior Architecture: Meeting the Challenges in Urban Environments (Case Study: Lebanon)
Dr. Johane G. Sleiman د. جوهان ج. سليمان*[1]
الملخص
يستكشف هذا البحث مفهوم التصميم الحيوي أو التّصميم البيوفيلي (Biophilic Design) في الهندسة الدّاخليّة وتأثيره المحتمل في مواجهة التّحديات التي تفرضها البيئات الحضرية. يسعى التّصميم الحيوي إلى دمج العناصر والأنماط الطبيعيّة في البيئة المبنية، ما يعزز العلاقة بين البشر والطبيعة. لقد أدّى تقدم التّحضر إلى مدن تشبه الأدغال المصنوعة من الخرسانة، وذلك أثّر على صحة سكانها بشكل ملحوظ. إن تطبيق مبادئ التصميم الحيوي في المساحات الدّاخليّة في الحضر يهدف إلى التّخفيف من تحديات الحياة الحضرية من خلال خلق بيئات مستدامة صحية وأكثر إنتاجيّة ومتعة.
إنّ التّصميم الحيوي هو موضوع السّاعة وذو اهتمام متزايد في مجالات الهندسة المعمارية والهندسة الدّاخليّة. مع استمرار التّحضر والانفصال عن الطبيعة اللذين يمثلان تحديات كبيرة، يستكشف الباحثون والممارسون طرقًا لدمج العناصر الطبيعيّة في البيئات المبنيّة لتعزيز رفاهيّة الإنسان وخلق مساحات معيشة أكثر استدامة، ذات وظائف فعالة وجميلة.
الكلمات المفاتيح: التصميم الحيوي؛ الهندسة الدّاخليّة؛ البيئات الحضريّة؛ رفاهية الإنسان؛ الاستدامة.
Abstract:
This paper explores the concept of biophilic design in interior architecture and its potential impact in meeting the challenges posed by urban environments. Biophilic design seeks to integrate natural elements and patterns into the built environment, reinforcing the relationship between humans and nature. With the rise of urbanization, cities have become concrete jungles, which significantly affects the health of their inhabitants. The application of the principles of this design in indoor spaces aims to alleviate the challenges of urban life by creating healthy, more productive and enjoyable sustainable environments.
Biophilic design is a new subject and has a growing interest in the fields of architecture and interior architecture. As urbanization and disconnection from nature continue to present significant challenges, researchers and practitioners are exploring ways to integrate natural elements into built environments to enhance human well-being and create more sustainable، functional and beautiful living spaces.
Keywords:biophilic design; interior architecture; urban environments; human well-being; sustainability
المقدمة:
“إن إنشاء مدينة محبة للطبيعة يتعلق بالاستثمار في الجوانب اليوميّة للحياة الحضرية، وخلق فرص لتلك الأماكن نُسِيت أو تُجُهلت أو تُرِكت في الخلف” – تيموثي بيتلي[i](tim-beatley)
كما أنّه “ينبغي فهم الطبيعة كوجهة، كمكان للزيارة. إذ يجب أن تكون في كل مكان حولنا، مدمجةً في المساحات والأماكن التي نقضي فيها معظم وقتنا؛ منازلنا ومكاتبنا وأحيائنا الحضرية.”[ii]. إنّ التحضر السّريع قاد المدن إلى انتشار الهياكل الخرسانيّة، ما أدى في كثير من الأحيان إلى انخفاض الوصول إلى البيئات الطبيعيّة، ولقد أثارت هذه الظاهرة مخاوف بشأن الصحة البدنيّة والعقليّة لسكان المدن. إنّ التّصميم الحيوي هو نهج مبتكر للتخفيف من هذه التّحديات من خلال دمج العناصر والأنماط والمواد الطبيعيّة في الهندسة المعماريّة والداخليّة، وإعادة تأسيس العلاقة الحيوية بين البشر والطبيعة.
يواجه تأثير التّصميم الحيوي في الهندسة الداخليّة في البيئات الحضرية العديد من التّحديات والمشاكل، وأهمها الوصول المحدود إلى الطبيعة من المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، ما يؤدي إلى جعل التفكير بالتصميم الحيوي في العمارة تحديًّا كبيرًا لجهة التنفيذ والكلفة المبدئيّة والصيانة، زد على ذلك القيود الفضائية في البيئات الحضرية التي تأتي مع القيود على المساحة، ما يجعل من الصعب دمج عناصر التصميم الحيوي على نطاق واسع داخل المباني، مثل إضافة الجدران الخضراء الواسعة أو المعالم المائيّة، ويصبح العثور على طرق مبتكرة وفعالة من حيث المساحة لدمج العناصر المحبة الحيوية أمرًا ضروريًّا.
تهدف هذه الورقة البحثيّة إلى التّحقيق في كيفيّة دمج مبادئ التّصميم الحيوي بشكل فعال وجميل في الهندسة الدّاخليّة لمواجهة تحديات الحياة الحضرية، وتعزيز رفاهية الإنسان، وخلق بيئات داخلية أكثر صحة واستدامة، وسيكون ذلك بعد إجراء دراسات على نماذج عالميّة واستخلاص العبر منها، ومن ثم التّركيز على تطبيق هذا التصميم في لبنان واستخلاص التّوصيات للابنية الجديدة والقائمة.
إنّ التصورات الثقافية المختلفة لشاغلي المباني، وعدم الوعي والإدراك لبعض المهندسين بأهمية هذه المدرسة من التصميم، يؤدي إلى النظر إلى عناصر التصميم الحيوي بشكل مختلف عبر الخلفيات الثقافيّة المتنوعة، وذلك يؤدي إلى تحديات في تصميم المساحات الدّاخلية، ما يتطلب دمج عناصر التّصميم الحيوي في هذه المساحات، مع الحفاظ على الوظائف والتّطبيق العملي والجماليات، توازنًا دقيقًا لضمان أن يكون التصميم عمليًّا وممتعًا بصريًّا. إنّ معالجة هذه الجوانب الإشكاليّة يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة إلى التنفيذ الناجح للتصميم الحيوي في الهندسة الدّاخليّة للمباني في البيئات الحضرية والاستفادة من إمكاناتها الكاملة لتحسين نوعيّة الحياة لسكان الحضر، ومن هذه الإشكالية يمكن طرح السؤال الآتي: كيف يمكن للهندسة الدّاخلية أن تدمج العناصر الطبيعيّة في المساحات الداخليّة من دون التّخلي عن التّصميم الفعال والجميل؟
يمكن للفرضيات المتعلقة بتأثير التصميم الحيوي في الهندسة الدّاخليّة في البيئات الحضرية استكشاف جوانب مختلفة لهذا الموضوع، فيما يلي بعض الفرضيات المحتملة:
- يؤدي تطبيق التصميم الحيوي الفعال والجميل في الهندسة الداخليّة إلى زيادة الوعي والتقدير للطبيعة والتنوع البيولوجي بين سكان الحضر.
- إنّ المساحات الحضريّة ذات عناصر التّصميم الحيوي الجذاب يجلب المزيد من الزوار، ما يؤثر بشكل إيجابي على الشّركات والمؤسسات التّجارية.
- يؤثر تنفيذ مبادئ التصميم الحيوي الفعال والجميل في الهندسة الدّاخلية بشكل إيجابي على رفاهيّة سكان الحضر، ما يؤدي إلى خفض مستويات التّوتر وتحسين الصحة العقليّة والجسديّة، وزيادة الإنتاجيّة بين شاغلي المبنى، ما يؤدي إلى تحسين نتائج العمل أو الدّراسة.
- يؤثر وجود عناصر التّصميم الحيوي في المساحات الدّاخليّة الحضريّة بشكل إيجابي على التفاعلات الاجتماعيّة وتماسك المجتمع، ما يؤدي إلى شعور أقوى بالانتماء والتّرابط.
تتضمن منهجيّة البحث المستخدمة في هذه الورقة مزيجًا من المنهج التّاريخي لتوثيق تطور هذا النّوع من التّصميم، والمنهج الوصفي التّحليلي لدراسة المشاريع التي نفذت بنجاح مبادئ التصميم الحيوي في المساحات الدّاخليّة الحضريّة. كما تعمل مراجعة الأدبيات على مراجعة المقالات العلمية وتحليلها وكذلك الكتب التي تناقش التصميم الحيوي ومبادئه وفوائده وتحدياته في البيئات الحضريّة وتأثيره على الهندسة المعماريّة الدّاخليّة في العالم عمومًا ولبنان خصوصًا. استنادًا إلى النتائج، تُقدَّم التّوصيات مع تسليط الضوء على أفضل الممارسات لدمج عناصر التصميم الحيوي في المساحات الدّاخليّة في البيئات الحضرية في لبنان.
للعثور على معلومات محدّدة حول هذا الموضوع الجديد، أُجرِيت أبحاث في الأوراق البحثيّة المنشورة في قواعد البيانات الأكاديميّة، مثل الباحث العلمي من غوغل وموقع بوابة الأبحاث (Google scholar – ResearchGate) والمجلات الأكاديميّة المتعلقة بالهندسة المعماريّة والتّصميم الداخلي. بالإضافة إلى أوراق مؤتمرات ودراسات حالة تتعمق في تأثير التصميم الحيوي في الهندسة المعمارية الدّاخليّة في البيئات الحضرية. زد على ذلك، مراجعة بعض المصادر التي تقدم رؤى قيّمة حول نظرية للتصميم الحيوي وتطبيقاته وفوائده العمليّة في سياقات معماريّة مختلفة، ككتاب “التصميم الحيوي: نظرية وعلم وممارسة إحياء المباني” (Biophilic Design: The Theory, Science, and Practice of Bringing Buildings to Life) لستيفن ر. كيلرت وجوديث هيرواغن ومارتن مادور[iii] (Stephen R. Kellert, Judith Heerwagen, and MartinMador)، 2008. يقدم هذا الكتاب نظرة عامة شاملة عن النّظرية والعلم وراء التصميم الحيوي، إلى جانب أمثلة عمليّة لتطبيقه في سياقات معمارية مختلفة، بدءًا من المباني السكنيّة إلى أماكن العمل والأماكن العامة. كما أن كتاب “الطبيعة في الداخل: دليل التصميم الحيوي”(Nature Inside: A Biophilic Design Guide) لكاترين راين ووليام براوننغ (Ryan, C. O.; Browning, W. J)، يقدم رؤى عمليّة واستراتيجيّات تصميم لدمج الطبيعة في المساحات الدّاخليّة، مع التأكيد على أهمية مبادئ التصميم الحيوي.
تعريف التصميم الحيوي وتاريخه
تأتي كلمة التّصميم الحيوي أو البيوفيلي (Biophilic design) من كلمة بيوفيليا والتي هي ” مزيج من كلمتين تنحدران من اليونانية القديمة: الحياة (bio) وحب (philia)؛ وتعني حرفيًّا “حب الحياة”…”عندما نتحدث عن “حبّ الحياة”، من المناسب أولًا وقبل كل شيء تحديد ما نعنيه بالحياة… يمكن أن تعني الحياة الحيوية حب المخلوقات الحيّة (الحياة) وحب الطبيعة (الحياة)، التي تفهم على أنّها مجموعة المخلوقات الحية بالإضافة إلى البيئة اللاأحيائيّة (abiotic environment) التي تزدهر فيها.”[iv]، وهي “ميل بشري افتراضي للتفاعل أو الارتباط الوثيق بأشكال الحياة الأخرى في الطبيعة: الرّغبة أو الميل إلى التواصل مع الطبيعة.”[v] هذا هو المصطلح الذي صاغه عالم الطبيعة بجامعة هارفارد الدكتور ويلسون[vi] (Dr. Edward O. Wilson) لوصف ما عدَّه “ميل البشرية الفطري للتركيز على الحياة والعمليات الشبيهة بالحياة، والانجذاب نحو الطبيعة، والشّعور بالتقارب معها، والحب، والرغبة.”[vii]
وهذا التّصميم له جذوره في مفهوم “حب الحياة”، الذي قدمه د. ويلسون في كتابه حب الحياة (Biophilia) الذي نشر في العام 1984، وفيه جادل أنّ البشر لديهم علاقة متأصلة بالعالم الطبيعي والذي ينبع من تاريخهم التّطوري كصيادين-جامعين (hunter-gatherers) اعتمدوا على الطبيعة من أجل البقاء. وبناء على فكرة حب الحياة، ظهر التّصميم الحيوي كمفهوم في الهندسة المعماريّة والدّاخليّة، وهو يشير إلى أنّه من خلال دمج عناصر الطبيعة مع البيئة المبنيّة، مثل الضوء الطبيعي والنباتات والميزات المائيّة والمواد الطبيعية، يمكن للبشر تجربة الشّعور بالرّاحة وتقليل التّوتر وزيادة الإنتاجيّة وتحسين الوظيفة المعرفيّة.
تهدف مبادئ التصميم الحيوي إلى إنشاء مساحات تحاكي الأنماط والأشكال والعناصر الموجودة في الطبيعة، ما يعزز اتصالًا أوثق بين الناس ومحيطهم بشكل عام، ويجسد هذا التصميم فكرة إعادة الطبيعة إلى الأماكن التي يعيش فيها الإنسان ويعمل ويلعب فيها، ما يخلق بيئات يتردد صداها مع التراث التطوري وتساهم في الرفاه البدني والعقلي والعاطفي للأفراد في البيئات الحضريّة. ولقد اكتسب المفهوم شعبية في أواخر القرن العشرين ولا يزال مجالًا مهمًّا للاهتمام والبحث في مجالات الهندسة المعمارية والدّاخليّة والتّخطيط الحضري، ويتميز بأهمية الطبيعة في رفاه الإنسان والوعي المتزايد للآثار السلبيّة للتحضر.
مع توسع المدن وانفصالها عن الطبيعة، يوفر تنفيذ التّصميم الحيوي طريقة لمواجهة التّحديات التي تفرضها البيئات الحضرية وخلق مساحات معيشة وعمل فعالة وجميلة، وفي الوقت نفسه أكثر صحة واستدامة.
مبادئ التصميم الحيوي
يشمل التّصميم الحيوي مجموعة من المبادئ التي تهدف إلى إنشاء مساحات داخليّة تحاكي سمات البيئات الطبيعية، كاستخدام الضوء الطبيعي والمساحات الخضراء والمواد الطبيعيّة والعناصر المائيّة ودمج محفزات حسيّة طبيعية. من خلال الالتزام بهذه المبادئ، يمكن للمهندسين المعماريين والدّاخليين تعزيز الشّعور بالهدوء والاسترخاء وتحسين الأداء المعرفي داخل البيئات الحضرية.
أحد أبرز الكتب التي تغطي على نطاق واسع مبادئ التصميم الحيوي هو كتاب كيلرت وهيرواغن ومادور، الذي أصبح عملًا أساسيًّا في مجال التّصميم الحيوي، ومعترف به على نطاق واسع كمورد موثوق به حول هذا الموضوع. يستكشف فيه المؤلفون العلاقة العميقة الجذور بين البشر والطبيعة وكيف يمكن دمج هذا الرابط في العمارة والمساحات الداخلية، وهو يقدم فهمًا شاملًا لمفاهيم التّصميم الحيوي وكيف يمكن تطبيقها لخلق بيئات معيشيّة وعمل أكثر صحة واستدامة. لا يزال مرجعًا قيّمًا للمهندسين والمصممين وأيّ شخص مهتم باستكشاف العلاقة العميقة بين البشر والعالم الطبيعي في سياق البيئات المبنية. فيما يلي بعض ما جاء فيه عن المبادئ الرئيسة للتصميم الحيوي:
“الاتصال البصري بالطبيعة (Visual Connection With Nature): دمج العناصر التي توفر إطلالات على المناظر الطبيعيّة، مثل النّوافذ الكبيرة المطلة على المساحات الخضراء أو المعالم المائيّة. ثبت أن الوصول البصري إلى البيئات الطبيعيّة يقلل من التوتر ويزيد من المشاعر الإيجابيّة.
الضوء الطبيعي (Natural Light): تصميم فتحات واسعة ونوافذ لاستخدام الضوء الطبيعي في المساحات الدّاخليّة، مثل استخدام الاسقف الزجاجيّة، والأرفف الأفقيّة فوق النّوافذ التي تعكس نور الشّمس، وأنابيب الضوء التي تجلب المزيد من ضوء النهار الى الدّاخل إذ يساعد ضوء الشمس في تنظيم إيقاعات الساعة البيولوجية للإنسان ويعزز التجربة العامة للحيز الداخلي.
المواد الطبيعيّة (Natural Materials): استخدم المواد الطبيعيّة في التصميم، كدمج الخشب والحجر والماء والنباتات لخلق بيئة مميزة ومهدئة.
وجود المياه (Presence of Water): إدخال عناصر مائيّة في المساحات الدّاخليّة مثل النوافير أو الجدران المائيّة أو البرك الدّاخليّة، لأنّ صوت المياه وحركتها يساهمان في خلق أجواء هادئة ومنعشة.
الأنماط الحيوية والأشكال (Biophilic Patterns and Shapes): دمج الأنماط الطبيعيّة والفركتلات (fractals) في التّصميم. الفركتلات هي أنماط متكررة موجودة في الطبيعة، ويمكن أن يثير وجودها في التصميم شعورًا بالانسجام والاسترخاء، وتزيد من جماليّة المكان.
النباتات الدّاخليّة والمساحات الخضراء (Indoor Plants and Greenery): إدخال النباتات الحيّة والجدران الخضراء في المساحات الدّاخليّة، وهي تعمل على تحسين جودة الهواء، وتقليل التوتر، وخلق شعور بالحيوية والحياة في البيئة.
تجربة متعددة الحواس (Multi-Sensory Experience): تصميم المساحات التي تشرك الحواس، كدمج عناصر متعددة مثل الروائح الطبيعية أو صوت زقزقة الطيور أو لمسة من المواد الطبيعية لتوفير تجربة حيوية شاملة.
البيئات الدّيناميكيّة والمتغيرة (Dynamic and Changing Environments): إنشاء مساحات تسمح باحساس التّغيرات الموسميّة واختلافات الضوء الطبيعي والعناصر الديناميكيّة. تساعد البيئة المتطورة الناس على الشّعور أنّهم أكثر ارتباطًا بدورات الطبيعة.
المحاكاة الحيوية (Biomimicry)[viii]: استلهام من أشكال الطبيعة وعملياتها وأنظمتها لتصميم حلول مبتكرة ومستدامة لتنظيم المساحات الدّاخليّة، إذ تسعى المحاكاة الحيوية إلى محاكاة كفاءة الطبيعة في حل المشكلات وفعاليتها.
الوصول إلى الطبيعة (Access to Nature): توفير فرص للتفاعل المباشر مع الطبيعة، مثل الحدائق الخارجيّة أو المدرجات على السطح أو مساحات الفناء، ذلك أنّ سهولة الوصول إلى الطبيعة تشجع الأنشطة في الهواء الطلق وتعزز الرفاهيّة.
الآفاق والملجأ (Prospect and Refuge): تصميم المساحات التي توفر مناظر مفتوحة وواسعة (آفاق) ومناطق مغلقة ومحميّة (ملجأ). يخلق هذا المزيج شعورًا بالأمان مع السّماح للنّاس بالتواصل مع البيئة المحيطة.
التصميم القائم على المكان (Place-Based Design): دمج العناصر التي تعكس السّياق الطبيعي المحلي والهوية الثقافية للمنطقة، إذ إنّ دمج النباتات والحيوانات والمواد المحليّة يعزز الرابط بين الناس ومحيطهم.”[ix]
من خلال تطبيق مبادئ التصميم الحيوي هذه في العمارة، يمكن للمهندسين المعماريين والداخليين خلق بيئات تعزز الصحة والسعادة واتصال أعمق بالطبيعة، حتى في قلب المناظر الحضرية.
فوائد التصميم الحيوي،تحدياته وحواجزه
أظهرت العديد من الدراسات التأثير الإيجابي للتصميم الحيوي على صحة الإنسان ورفاهه، ورُبِط التّعرض للمساحات الدّاخليّة المستوحاة من الطبيعة بانخفاض التوتر وتحسين التركيز وزيادة الإبداع والإنتاجيّة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر دمج المساحات الخضراء والضوء الطبيعي أنّه يعزز جودة هواء أفضل وينظم إيقاعات الساعة البيولوجيّة للإنسان، ما يؤدي إلى أنماط نوم أفضل ونتائج صحيّة معززة بشكل عام.
يمكن أن يساهم تطبيق التّصميم الحيوي في الهندسة الدّاخليّة بشكل كبير في تعزيز قابليّة العيش في المناطق الحضريّة من خلال إنشاء مساحات ممتعة بصريًّا تعزز الاسترخاء والتّرميم العقلي، ويمكن للتصميم الحيوي موازنة الضغوطات المرتبطة بالحياة الحضرية. علاوة على ذلك، يمكن دمج العناصر المحبة للبيئة في الأماكن العامة والمكاتب ومرافق الرّعاية الصحيّة والمباني السكنية، وتعزيز بيئة حضرية أكثر استدامة وتتمحور حول الإنسان (people-centric).
ولكن، على الرّغم من الفوائد المحتملة الناتجة عن تطبيق هذا التصميم في البيئات الحضرية، فإنّه يواجه بعض التّحديات والحواجز التي تشمل التكاليف الباهظة المرتبطة بالحصول على المواد الطبيعيّة، والوعي المحدود بين المهندسين والمتعهدين، والقيود المفروضة على البنية التّحتيّة المدنيّة الحاليّة. لمواجهة هذه التّحديات، من المهم تعزيز الوعي، وإجراء تحليلات التكلفة والعائد، والتّعاون مع أصحاب المصلحة لإنشاء استراتيجيات تصميم حيوي مجدية وقابلة للتكيف.
دراسات حالة
يقدم هذا القسم عدد من دراسات الحالة لتطبيقات التّصميم الحيوي النّاجحة في الهندسة المعمارية والدّاخليّة في مختلف البيئات الحضرية التي تثبت إيجابيات هذا التصميم، وكيفيّة تطبيقه. وتعرض هذه الدّراسات التطبيقات المتنوعة لمبادئ التصميم االبيوفيلي، للدلالة على كيفيّة تخصيصها لمواجهة تحديات حضرية محددة وتلبية الإحتياجات الفريدة لمجموعات المستخدمين المختلفة.
1- أمازون سفيرز (Amazon Spheres)، سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية (Seatle;USA)
أمازون سفيرز الموجود في سياتل، هو المقر الرئيس لشركة أمازون، وهو بيئة فريدة وتجربة مميزة في مكان العمل للموظفين. انتُهي من بناء هذه الشركة في العام 2018، وتتكون من ثلاث قباب زجاجيّة مترابطة، كل منها يضم مجموعة متنوعة وواسعة من أكثر من 40000 نبتة من مناطق مختلفة من حول العالم. تخلق هذه النباتات المتنوعة مساحات خضراء خصبة وغامرة داخل المبنى، ما يوفر تباينًا مذهلًا مع البيئة الحضرية المحيطة.
إنّ “الفريق الذي يقف وراء التصميم والتنفيذ يتألف من عدة شركات وأشخاص من البستانيين والمصممين ومشغلي المرافق. أُنشيء بستنة الأمازون (Amazon Horticulture)، لتزويد العاملين فيها وجيرانهم بالاتصال بالطبيعة من خلال التصميم الحيوي”[x]. يتضمن تصميم هذا المبنى المبادئ الرئيسة مثل:
الضوء الطبيعي (Natural Light): تسمح القباب الزّجاجيّة بدخول الضوء الطبيعي الوافر إلى المساحات الداخلية، ما يخلق جوًّا مشرقًا ومفتوحًا يحاكي الشّعور بالوجود في الهواء الطلق ويخلق إحساسًا بالتغييرات الطبيعية.
المساحات الخضراء الدّاخليّة (Indoor Greenery): تمتلئ المناطق الدّاخليّة للمبنى بمجموعة كبيرة من النباتات، بدءً من الأشجار الشّاهقة إلى الشجيرات الصغيرة والسرخس[xi]. تساهم هذه المساحات الخضراء الواسعة في تحسين جودة الهواء الداخلي وتوفر للموظفين اتصالًا أوثق بالطبيعة.
تجربة متعددة الحواس (Multi-Sensory Experience): تخلق الحياة النباتيّة المتنوعة وقوام أوراق الشّجر المختلفة تجربة متعددة الحواس، وتحفز الحواس وتعزز الشعّور بالرّفاهيّة بين شاغليها.
التكامل في مكان العمل (Workplace Integration): تعمل هذه القباب كمساحة عمل وظيفية لموظفي أمازون، حيث دُمِجت المكاتب ومناطق العمل بعناية في البيئة الخضراء المورقة، ما يتيح للموظفين الفرصة للعمل على مقربة من الطبيعة.
البيئة التصالحيّة (Restorative Environment): يعزز وجود عناصر طبيعية في مكان العمل الشعور بالهدوء والاسترخاء، ما يوفر للموظفين بيئة تصالحيّة في خضم أيام عملهم المزدحمة.
أصبح هذا المبنى مثالًا مبدعًا في كيفيّة تطبيق مبادئ التّصميم الحيوي على بيئة مكان عمل الشّركات، فإنّه يوضح إمكانيّة دمج الطبيعة في الهندسة الدّاخليّة لخلق بيئات تعطي الأولويّة لرفاه الإنسان وإنتاجيته وإبداعه، حتى في قلب المناظر الحضرية الإسمنتية.
2- الغابة العامودية (Bosco Verticale)، ميلان، إيطاليا (Milan; Italy)
صمم هذ الزوج من الأبراج السكنية المغطاة بالأشجار والنباتات، التي يبلغ ارتفاعه 80 مترًا و 112 مترًا تباعًا، المهندس الإيطالي ستيفانو بويري[xii] (Stefano Boeri)، وانتُهي من هذا البناء في العام 2014.، يشتهر هذا البناء بنهجه المبتكر للتخضير الحضري والتّصميم الحيوي. تساعد الأبراج في تحسين جودة الهواء، والحدّ من التّلوث الناتج عن الضوضاء، وتوفير بيئة خضراء خصبة داخل البيئة الحضرية الكثيفة في ميلانو. من ميزاته الرئيسة المهمّة هي:
المساحات الخضراء العمودية (Vertical Greenery): السّمة المميزة للغابة العامودية هي استخدامها المكثف للنباتات؛ فالأبراج مغطاة بأكثر من 900 شجرة و 5000 شجيرة و 20000 نبتة، والتي توفر بشكل جماعي مساحة تعادل 10000 متر مربع من أراضي الغابات. لا تعزز المساحات الخضراء الوفيرة الجاذبيّة الجمالية للأبراج فحسب، بل تساهم أيضًا في بيئة حضرية أكثر صحة.
جودة الهواء والتنوع البيولوجي (Air Quality and Biodiversity): يعمل هذا العدد الهائل من الأشجار، والنباتات على تحسين جودة الهواء بشكل كبير عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين. يساهم هذا المشروع في الحدّ من التلوث ويوفر موطنًا لمختلف أنواع الطيور والحشرات والحياة البرية الأخرى، ما يعزز التنوع البيولوجي داخل البيئة الحضرية.
تنظيم درجة الحرارة (Temperature Regulation): تعمل أوراق الشّجر كعازل طبيعي، ما يساعد على تنظيم درجات الحرارة الدّاخليّة، ويقلل من الحاجة إلى أنظمة التدفئة والتبريد الكثيفة الاستخدام للطاقة.
التأثير البيئي (Environmental Impact): التصميم المستدام للمشروع وميزاته الموفرة للطاقة أكسبه شهادة LEED Gold[xiii]، مما يجعله أحد أكثر المباني السكنية الصديقة للبيئة في العالم.
يجسد مشروع الغابة العامودية مبادئ التصميم الحيوي من خلال دمج الطبيعة في قلب المدينة، حيث يستمتع السكان بتجربة العيش وسط المساحات الخضراء المورقة، ما يوفر شعورًا بالارتباط بالطبيعة حتى في خضم بيئة حضرية مكتظة بالسكان. وأصبح معلمًا مميزًا في ميلانو، ونموذجًا مبتكرًا لدمج الطبيعة في الهندسة المعمارية الشّاهقة، يمثل هذا المبنى مزيجًا متناغمًا من الحياة الحضرية والنظم الإيكولوجية الطبيعيّة، ما يجسد إمكانات الهندسة المعمارية الخضراء لتشكيل مدن المستقبل الخضراء والقابلة للعيش.
3- أكاديمية كاليفورنيا للعلوم (The California Academy of Sciences)، سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الأمريكية (San Francisco; USA)
أكاديمية كاليفورنيا للعلوم هي مؤسسة علميّة وتعليميّة شهيرة تقع في حديقة غولدن غايت في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، وهي مرفق متعدد الأوجه يتضمن متحفًا للتاريخ الطبيعي وقبّة سماويّة وحوض أسماك ومعرض حيّ للغابات المطيرة من أنحاء العالم (tropical rainforest ecosystems)، كما أنّها تلتزم بتعزيز الوعي البيئي والحفاظ على التنوع البيولوجي والبحث العلمي، فالسمات الرئيسة للأكاديمية بالنسبة إلى التصميم الحيوي هي:
السقف الحي (Living Roof): واحدة من أكثر السمات المميزة للأكاديمية هي سقفها الحي، المعروف أيضًا باسم “معرض السقف الحي”، تبلغ مساحته حوالى 11000 م.م. مغطى بأكثر من 1.7 مليون نبتة محليّة، ما يوفر العديد من الفوائد البيئيّة، حيث يساعد السقف الأخضر في تنظيم درجات الحرارة الداخليّة، ويقلل من تأثير الحرارة الجزيريّة (heat island effect)، ويحسن جودة الهواء، ويعزز إدارة مياه الأمطار.
التّصميم المستدام (Sustainable Design): صُمِّم مبنى الأكاديمية مع وضع الاستدامة في الحسبان، وهو يتميز بمجموعة من تقنيات المباني الخضراء، مثل أنظمة التهوئة الطبيعيّة والألواح الشمسيّة والإضاءة الموفرة للطاقة.
معرض الغابات المطيرة الحيّة (Living Rainforest Exhibit): تضم الأكاديميّة معرض “غابات الأمطار في العالم”، الذي يعرض مختلف النّظم الإيكولوجيّة للغابات المطيرة الاستوائيّة من أنحاء العالم جميعها. يتميز بنباتات حيّة وحيوانات وغابات مطيرة داخليّة متعددة الطوابق مع طريق مظللة تسمح للزوار بتجربة التنوع البيولوجي (biodiversity) ورؤية جمال هذه النظم الإيكولوجيّة (ecosystems) الحيوية.
حوض السمك والقبة السماوية (Aquarium and Planetarium): تضم الأكاديميّة حوض أسماك وقبة سماوية حديثة، ويعد حوض أسماك شتاينهارت (Steinhart Aquarium) موطنًا لأكثر من 40000 حيوان من المياه البحرية والعذبة، ما يوفر للزوار تجربة غامرة في عوالم تحت الماء. بينما تتميز قبة موريسون السماوية (Morrison Planetarium) بقبة طولها 7000 م.م. وتكنولوجيا التصور المتقدمة (advanced visualization technology) ما يسمح للزوار باستكشاف عجائب الكون.
البرامج التّعليميّة (Educational Programs): تقدم الأكاديمية مجموعة واسعة من البرامج والموارد التّعليميّة للطلاب والمعلمين وعامة الناس، وذلك من خلال المعارض التفاعليّة وورش العمل التّعليميّة والمبادرات البحثية، كما تهدف المؤسسة إلى تحفيز الشّغف بالعلوم والطبيعة.
البحث والحفاظ على البيئة (Research and Conservation): تشارك الأكاديمية في جهود البحث العلمي والحفاظ على البيئة بشكل أولي، ويُجري علماؤها أبحاثًا حول التنوع البيولوجي وتغيّر المناخ وغيرها من القضايا البيئية الحرجة، ما يساهم في المعرفة العالمية.
أكاديمية كاليفورنيا للعلوم هي مثال رائع على مؤسسة تدمج مبادئ العلوم والتعليم والتصميم الحيوي من خلال دمج ميزات المباني الخضراء، وعرض التنوع البيولوجي، وتعزيز الوعي البيئي، وهي تجسد إمكانات الهندسة المعمارية والدّاخليّة لدعم مستقبل مستدام وصديق للبيئة في مجال البناء.
4- باسونا O2 (Pasona O2)، طوكيو، اليابان، (Tokyo; Japan)
يحتوي مبنى باسونا O2 على أكثر من 200 نوع مختلف من النباتات المدمجة في داخله، بما في ذلك غرف الاجتماعات والممرات وحتى داخل المكاتب. باسونا O2 هو مكان للعمل الزراعي الحضري في بيئة حضرية، وهو مثال مهم على التصميم الحيوي حيث يعرض المبنى التزامًا قويًّا بدمج الطبيعة في بيئة مكان العمل. في ما يلي بعض العناصر الرئيسة للتصميم الحيوي الموجودة فيه:
الزراعة الحضرية (Urban Farming): واحدة من أكثر السمات لفتًا للنظر في باسونا O2 هي مساحات الزراعة الحضرية الواسعة المدمجة داخل المبنى، ويتميز بالعديد من الحقول والحدائق حيث تزرع الفواكه والخضروات والأعشاب. يعزز هذا النهج الفريد للزراعة الحضرية حب الحياة والطبيعة، ويثقف الموظفين حول الزراعة، ويعزز الشّعور بالمسؤوليّة عن البيئة.
الجدران والحدائق الخضراء (Green Walls and Gardens): زُيِّن المبنى الداخلي بجدران خضراء وحدائق داخلية، ما يجلب جوًّا خصبًا ونابضًا بالحياة إلى مكان العمل. تساعد المساحات الخضراء على تحسين جودة الهواء الداخلي، وتقلل من التّوتر، وتعزز الرّفاه العام للموظفين.
الزراعة المائيّة وتربية الأسماك (Aquaponics and Fish Farming): تتضمن باسونا O2 أنظمة الزراعة المائيّة وتربية الأسماك داخل مبانيها. لا توفر هذه الميزات جانبًا جذابًا بصريًّا فحسب، بل تساهم أيضًا في تنقية المياه والإنتاج الغذائي المستدام.
غرف الاجتماعات ذات تصميم طبيعي (Meeting Rooms with Nature Themes): صُمِّمت بعض غرف الاجتماعات بموضوعات من الطبيعة، وتتميز بعناصر مثل الجدران المغطاة بالعشب والهياكل الشبيهة بالأشجار، فتوفر هذه المساحات الفريدة بيئة منعشة وملهمة لتبادل الأفكار والتعاون بين الموظفين.
التكامل الحيوي (Biophilic Integration): يدمج المبنى بسلاسة العناصر الحيوية مع مساحة العمل، ما يطمس الخطوط الفاصلة بين الطبيعة والبيئة المبنية، فالموظفون محاطون بالطبيعة الخضراء والعناصر الطبيعية في أنحاء المساحات المكتبية جميعها، ما يخلق اتصالًا بالطبيعة حتى في قلب مركز حضري صاخب.
مشاركة الموظفين في الزراعة (Employee Engagement with Farming): تتاح للموظفين في هذه الشركة الفرصة للمشاركة في الأنشطة الزراعيّة أثناء أوقات الرّاحة أو بعد ساعات العمل، وتعزز هذه المشاركة الشّعور بالانخراط بالمجتمع، وتوفر تخفيف التوتر، وتعزز فهمًا أفضل للعالم الطبيعي.
تقف باسونا O2 كمثال استثنائي على التصميم الحيوي، ما يدل على كيفية تحويل أماكن العمل الحضرية إلى بيئات معيشيّة ومستدامة من خلال دمج عناصر الطبيعة في تصميم المبنى، وهي تخلق مساحة عمل ديناميكيّة وملهمة وصديقة للبيئة تدعم رفاهيّة موظفيها وإنتاجيتهم مع تسليط الضوء على أهمية الزراعة والطبيعة في البيئات الحضرية.
5- وان سنترال بارك (One Central Park)، سيدني، أستراليا (Sydney; Australia)
هو مشروع متعدد الاستخدامات يضم برجًا سكنيًّا بطول 166 مترًا، وتُزيّن واجهة المبنى حدائق عمودية، ما يجلب المساحات الخضراء إلى قلب المدينة، وهو يعد مثالًا رائدًا على التّصميم الحيوي المدمج، وقد صُمِّم المشروع المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل (Jean Nouvel) بالتّعاون مع عالم النبات الفرنسي باتريك بلان (Patrick Blanc). انتُهي من بنائه في العام 2013، وهو واحة حضريّة نابضة بالحياة، ما يضع معيارًا جديدًا للهندسة المعماريّة المستدامة والتّصميم الحيوي، فيما يلي بعض ميزاته الرئيسة:
الحدائق العموديّة (Vertical Gardens): تزين واجهات المبنى حدائق عمودية مثيرة للإعجاب تمتد على الجدران الخارجيّة للأبراج، وتتكون هذه الحدائق من أكثر من 35200 نبتة من أكثر من 350 نوعًا مختلفًا، ما يخلق بيئة خضراء مذهلة ومتغيرة باستمرار.
الفن الحي (Living Art): لا تعمل الحدائق العمودية كمساحة خضراء فحسب، بل تعمل أيضًا كأعمال فنية حية، إذ تُرتّب النباتات بعناية في أنماط وتصاميم معقدة، ما يضيف إحساسًا بالإبداع والجمال إلى جماليات المبنى.
التنوع النباتي (Plant Diversity): تعزز المجموعة الواسعة من الأنواع النباتيّة المستخدمة في الحدائق العمودية التنوع البيولوجي داخل البيئة الحضرية، فتجذب النباتات الطيور والحشرات، ما يساهم في إنشاء نظام بيئي أكثر تنوعًا بيئيًّا.
الاستدامة البيئيّة (Environmental Sustainability): صُمِّم هذا المبنى مع التركيز القوي على الاستدامة البيئيّة. تساهم الحدائق العمودية في تحسين جودة الهواء وكفاءة الطاقة والتبريد الطبيعي من خلال توفير الظل وتقليل تأثير الحرارة الجزيرية (heat island effect) في المنطقة المحيطة.
حدائق وشرفات سقفها السماء (Sky Gardens and Terraces): يشتمل المبنى على هذه الحدائق والشرفات على مختلف المستويات، ما يوفر للمقيمين فرصًا للتواصل مع الطبيعة والاستمتاع بالمساحات الخارجية المحاطة بالخَضار.
عناصر من المياه (Water Features): يشمل هذا المبنى الشلالات المتتالية والبرك العاكسة (reflective pools)، والتي لا تضيف إحساسًا بالهدوء فحسب، بل تساهم أيضًا في مناخ نقي وأكثر متعة.
المساحات المجتمعيّة (Community Spaces): داخل المبنى مجموعة من الأماكن العامة المصممة لتشجيع التفاعل الاجتماعي والمشاركة المجتمعيّة، بدمج المساحات الخضراء والعناصر الطبيعية في هذه المناطق تُخلق أماكن جذابة ومنعشة للناس للتّجمع والتواصل.
السقف الأخضر (Green Roof): يتضمن المبنى سقفًا أخضر يعزز تجربة التّواصل مع الطبيعة، ويوفر فرصًا إضافيّة للمقيمين للوصول إلى المساحات الخضراء والاستمتاع بمناظر بانوراميّة للمدينة المحيطة والمناظر الطبيعية.
يجسد هذا المبنى إمكانية التصميم الحيوي في تحويل التنمية الحضريّة العالية الكثافة إلى مزيج متناغم من الطبيعة والهندسة المعمارية، ويعرض المشروع إمكانيات خلق حيّز داخلي مستدام وقابل للعيش في المدن من خلال دمج المساحات الخضراء والتنوع البيولوجي والعناصر الطبيعية في البيئة الدّاخليّة المبنيّة، وتعزيز رفاهية الإنسان.
توضح هذه الحالات كيف يمكن دمج التصميم الحيوي في مختلف المشاريع المعمارية في الحيّز الخارجي والداخلي، ما يخلق مساحات تربط الناس بالطبيعة حتى في قلب البيئات الحضرية، إذ إنّ دمج العناصر الطبيعيّة والمساحات الخضراء ومبادئ التصميم الحيوي بطريقة فعّالة، لا يعزز جماليات هذه المباني فحسب، بل يعزز أيضًا الوعي البيئي ويساهم في رفاهية شاغليها وحب الوجود في المدن. وزودًا على ذلك، توضح هذه الأمثلة كيفيّة مواجهة تحديات حضرية محددة وإيجاد حلول عملية لها.
التصميم الحيوي في لبنان
على الرّغم من أنّ التّصميم الحيوي لا يزال حديث الولادة في لبنان أو ربما لم يولد بعد، إلّا أن ممارسات المباني المستدامة والخضراء اكتسبت جاذبية كبيرة فيه منذ العام 2017. صوِّر هذا الانجذاب في مؤتمر لنقابة المهندسين اللبنانيين في الجامعة الأميركية في بيروت، ونتج عنه كتاب إرشادي عن معايير المباني الخضراء في لبنان[xiv]. ومما جاء فيه عن كلمة رئيس النقابة: “إنّ استخراج الموارد الطبيعية وتصنيعها وإعادة تأهيلها، من أجل أن يتم استهلاكها بطريقة صحيحة وآمنة في الإنتاج والنقل والتشغيل، التركيب والاستخدام من خلال التقليل من استهلاك الطاقة وتلوث البيئة، هي الموضوعات التي تكتسب أهمية في كل مرة يقوم فيها المهندس أو يأخذ المهندس المعماري في الاعتبار جميع الجوانب المتعلقة بهذه الجوانب المختلفة التطبيقات.”[xv]. تركز المباني الخضراء في لبنان على تقليل التأثير البيئي والحفاظ على الموارد وتوفير مساحات أكثر صحة وراحة للشّاغلين، في حين أن حركة المباني الخضراء في لبنان تتطور باستمرار، هذه بعض الأمثلة على مبادرات ومشاريع للمباني المستدامة والخضراء:
برج بنك بيبلوس، بيروت، لبنان
تتضمن ناطحة السّحاب هذه ميزات التّصميم المستدام مثل الإضاءة الموفرة للطاقة، التهوئة الطبيعيّة وأنظمة التظليل المتقدمة لتقليل استهلاك الطاقة وتعزيز الراحة الدّاخليّة.
بيريتك (Berytech Technology and Health Building)
بيريتك هو مركز تكنولوجي في بيروت يؤكد على التصميم المستدام، كما أنّه يشجع على الالتفاف نحو العمارة والتكنولوجيا المستدامة[xvi]. يشتمل المبنى على إضاءة موفرة للطاقة وألواح شمسيّة وأسقف خضراء وأنظمة تجميع مياه الأمطار.
المبنى الأخضر (The Green Building)، الجامعة الأمريكية في بيروت
صُمِّم هذا المبنى للحصول على شهادة القيادة في مجال الطاقة والتصميم البيئي (Leadership in Energy and Environmental Design (LEED) certification). يتميز بأنظمة موفرة للطاقة، بما في ذلك الألواح الكهروضوئيّة والعزل المتقدم والأسقف الخضراء.
A599 Project، مبنى سكني، الاشرفية، بيروت
صُمّم هذا المبنى السكني المهندس المهندس يوسف طعمه (Youssef Tohme Architects)[xvii]، وفيه يعرض التزامًا بالتّصميم المستدام مع ميزات مثل السّقف الأخضر والتّهوية الطبيعية واستخدام المواد المعاد تدويرها، والشّبابيك الكبيرة، والنباتات الخارجية.
بيت بترون (Batroun Residence)[xviii]
يتضمن هذا السكن الخاص في البترون استراتيجيات تصميم سلبية لتحسين التهوئة الطبيعية وتقليل استهلاك الطاقة.
جمعية أرز الشوف للتعلم البيئي (Cedar Environmental Learning Center)[xix]
يقع هذا المركز في محمية الشوف، ويركز على التعليم البيئي ويتميز بطرق البناء المستدامة، وأنظمة الطاقة المتجددة، وحصاد مياه الأمطار.
سلطت هذه الأمثلة الضوء على النُهُج المختلفة لتصميم المباني المستدامة والخضراء في لبنان، ولكن من المهم أن يكون لدى المسؤولين رؤى مستقبليّة وممارسة الأنظمة التي تعزز الاستدامة والاستفادة من مبادئ التّصميم الحيوي في المشاريع المستقبليّة وإدراجها من ضمن خطط الوزارات المعنية لمستقبل أخضر وصحي.
توصيات في تطبيق مبادئ التصميم الحيوي في لبنان للأبنية الجديدة
يرزح لبنان وخاصة في مدنه الكبيرة المكتظة بالسكان كمدينة بيروت وضواحيها بالتّصحر الإسمنتي، إذ لم تعد الطبيعة الخضراء التي كان يتغنى بها موجودة في مدنه، إذ يمكن اعتماد تطبيق مبادئ التصميم الحيوي في لبنان وفرضه على المباني الجديدة أو التي هي قيد الإنشاء، أن يعزز البيئة المعيشية، ويعزز الرفاه، ويخلق علاقة أقوى بين سكان المدينة والطبيعة. في ما يلي بعض التوصيات حول كيفية تنفيذ التصاميم الحيوية في لبنان للابنية الجديدة:
تعظيم الضوء الطبيعي (Maximize Natural Light): يمكن تصميم الأبنية الجديدة بطريقة تحقق أقصى قدر من اختراق الضوء الطبيعي وخاصة أنّ لبنان معروف بفصوله المتنوعة وشمسه السّاطعة، فاستخدام النّوافذ والمناور الكبيرة لجلب ضوء النهار الواسع، يقلل من الحاجة إلى الإضاءة الاصطناعيّة ويوفر شعورًا بالانفتاح والإتصال بالهواء الطلق.
النباتات الداخلية والحدائق العمودية (Indoor Plants and Vertical Gardens): دمج النباتات الداخلية والحدائق العمودية في غرف مختلفة لإدخال المساحات الخضراء وتحسين جودة الهواء الداخلي وذلك في اختيار الأنواع النباتيّة المحليّة التي تزدهر في مناخ لبنان لسهولة الصيانة.
المواد الطبيعيّة (Natural Materials): استخدام المواد الطبيعيّة والمحلية المصدر مثل الخشب والحجر والطين والمنسوجات للتشطيبات الدّاخليّة، فلا تضيف هذه المواد الدفء والملمس إلى المساحة فحسب، بل تعكس البيئة الطبيعية المحيطة.
خطط الطوابق المفتوحة (Open Floor Plans): تصميم مخططات الطوابق المفتوحة التي تسمح بالانتقال السلس بين مساحات المعيشة الداخليّة والخارجية. دمج الأبواب المنزلقة الزّجاجيّة الكبيرة أو الألواح القابلة للطي لخلق تدفق سلس وإلغاء الحدود بين الداخل والخارج.
مساحات المعيشة في الهواء الطلق (Outdoor Living Spaces): إنشاء مناطق معيشة خارجيّة جذابة، مثل المدرجات أو الشّرفات أو حدائق الفناء. إذ يمكن استخدام هذه المساحات للاسترخاء وتناول الطعام والتواصل الاجتماعي، ما يوفر للسكان التعرض المباشر للطبيعة.
عناصر المياه (Water Features): إدراج عناصر مائيّة في المخططات، مثل النوافير الصغيرة أو أحواض المياه العاكسة، لإضافة عنصر مهدئ إلى المنزل أو البناء وتعزيز أجواء مهدئة وسلمية.
المناظر الطبيعية (Natural Views): على الرّغم من وجود ناطحات السّحاب في المدن اللبنانية، إلّا أنّ طبيعة أرضه تعزز الاستفادة من المناظر الطبيعية المحيطة وخاصة للطوابق العالية، فأرض لبنان ليست مسطحة إنما تتألف من هضاب وجبال. ذلك أنّ تصميم المباني يجب أن يستفيد من المناظر الطبيعيّة المحيطة، سواء من الجبال القريبة أو الوديان أو البحر الأبيض المتوسط بتأطير هذه المناظر بنوافذ موضوعة استراتيجيًّا وعناصر تصميم لجلب جمال المناظر الطبيعيّة إلى الداخل.
الفن والتزيين الحيوي (Biophilic Art and Décoration): دمج الفن واللوحات والمنحوتات المستوحاة من الطبيعة في أنحاء المبنى جميعها، باختيار الأعمال الفنيّة التي تعكس النباتات والحيوانات والمناظر الطبيعية المحلية في لبنان، أو بوضع النباتات العموديّة بطريقة فنية ينتج عنها لوحات جميلة.
التصميم المستدام (Sustainable Design): دمج الميزات المستدامة، مثل حصاد مياه الأمطار والألواح الشّمسيّة وتقنيات التبريد السلبيّة، للحدّ من التأثير البيئي للمبنى وتعزيز ارتباطه بالبيئة الطبيعية.
الحدائق المجتمعيّة (Community Gardens): في البيئات الحضرية، إنّ تعزيز الحدائق المجتمعيّة أو المساحات الخضراء التي تشجع التعايش المشتركة في الهواء الطلق تعزز الشّعور بالمجتمع.
من خلال دمج توصيات التصميم الحيوي في المباني الجديدة في لبنان، يمكن للشاغلين الاستمتاع ببيئة معيشيّة أكثر انسجامًا تحتفل بالجمال الطبيعي والتّراث الثقافي للبلاد. إذ لا يمكن للتصميم الحيوي أن يعزز رفاهية الشاغلين فحسب، بل يساهم في الاستدامة والمرونة الشّاملة للمجتمعات اللبنانية.
توصيات في تطبيق مبادئ التصميم الحيوي في لبنان للأبنية القائمة
زد على ما تقدم في الفقرة السّابقة، يمكن أن يكون تطبيق مبادئ التصميم الحيوي على المباني القائمة في لبنان عملية تحويلية تعيد ربط الشاغلين بالطبيعة وتعزز رفاههم العام. في ما يلي بعض التوصيات حول كيفية تنفيذ هذه المبادئ:
تكامل المساحات الخضراء (Greenery Integration): إدخال النباتات الداخلية والجدران الخضراء إلى المساحات الداخلية الموجودة. سيؤدي دمج المساحات الخضراء إلى تحسين جودة الهواء الداخلي وخلق جو منعش.
تحسين ضوء النهار (Daylight Enhancement): تحسين الضوء الطبيعي عن طريق إزالة العقبات التي تحجب النوافذ والمناور بإعادة ترتيب التخطيطات الداخلية لتحقيق أقصى قدر من اختراق ضوء النهار، ما يخلق مساحات أكثر إشراقا وأكثر جاذبية.
مناظر طبيعية (Views of Nature): إذا أمكن، ضبط التخطيطات الدّاخليّة وتوزيع المفروشات لتقديم إطلالات على الطبيعة المحيطة، مثل الجبال أو الأشجار أو المسطحات المائيّة، ووضع مناطق الجلوس أو مساحات العمل بشكل استراتيجي لالتقاط هذه المناظر، وتعزيز اتصال أقوى بالهواء الطلق.
المواد الطبيعيّة (Natural Materials): عند الحاجة، دمج المواد الطبيعيّة مثل الخشب أو الحجر أو الطين أو الأقمشة الطبيعيّة في التشطيبات الداخليّة، وتحديث الجدران أو الأرضيات أو الأثاث بهذه المواد لإثارة الشعور بالطبيعة داخل المبنى.
عناصر المياه (Water Elements): إذا كان ذلك ممكنًا، إضافة عناصر مائية مثل النوافير أو البرك الصغيرة في المناطق الخارجية أو الداخليّة، فإنّ مشهد المياه المتدفقة وصوتها يخلقان أجواء مهدئة.
الحدائق المجتمعية والساحات العامة القائمة (Public Squares & Community Gardens): في البيئات الحضرية، إن ترميم الحدائق المجتمعية وتوسيعها أو المساحات الخضراء القائمة بالقرب من المباني هو أمر ضروري. مثلًا، هناك أكثر من 24 حديقة[xx] في بيروت بحاجة لرعاية البلدية والمحافظ، والنظر في تحسينها، كحديقة الصنايع، اليسوعية في الجعيتاوي، السيوفي، والكرنتينا وغيرها.، إذ تعزز هذه الحدائق والساحات الخارجيّة المشتركة التفاعل الاجتماعي، وتوفر شعورًا بالمجتمع، وتشجع المشاركة مع الطبيعة.
في 30 حزيران 2023، قامت مجموعة من المتخصّصين في مجالات التخطيط والتصميم المديني وتصميم المناظر الطبيعيّة وهندسة المرور والهندسة المعماريّة والداخلية، بتقديم عريضة الى محافظ مدينة بيروت تحت عنوان “عريضة لدعم مشروع استحداث الساحة العامّة في تقاطع شوارع غورو وباستور وأرمينيا في أحياء الجميزة / مار مخايل” وهي تقع تحت “…المشاريع التي تتبع مبادئ “مخطّط المساحات الخضراء والطبيعيّة لمدينة بيروت” (Plan Vert) و”خطة التنقّل السلس”(Plan de Déplacements Doux)، كما اعتمدتها بلديّة بيروت في العام 2013…”، من بعض ما جاء فيها “…نناشد البلديّة استئناف الأعمال لاستكمال التصميم الأصلي الذي يضمّ أرصفة أوسع ومساحات خضراء وإنارة ومقاعد…هذا المشروع هو المبادرة الأولى لتحسين جودة الأرصفة والمساحات العامة في هذه الأحياء، لذا نطالب بتوسيع هذه المبادرة لتحسين الجودة العامّة للحياة في هذه الأحياء، بما في ذلك تحقيق توازن أفضل بين الأنشطة الليليّة والنهارية والاستخدامات التجاريّة والسكنيّة.”[xxi] وقد كنت كباحثة أحد المشاركين في هذه العريضة.
الفن والتزيين الحيوي (Biophilic Art and Décoration): تزيين المساحات الدّاخليّة بالأعمال الفنيّة أو الصور الفوتوغرافية أو المنحوتات المستوحاة من الطبيعة، ودمج عناصر الأنماط والألوان الطبيعية لاستحضار وجود الطبيعة داخل المبنى.
تحديث الأسقف الخضراء (Green Roof Retrofit): استكشاف إمكانيّة تحديث أسطح المباني الحالية بأسقف خضراء أو حدائق على السّطح، فهي تحسن العزل الحراري، والحدّ من جريان مياه الأمطار، وخلق بيئة حضرية أكثر اخضرارا.
العثور على المسار الطبيعي (Natural Wayfinding): تعزيز عناصر العثور على المسارات داخل المبنى باستخدام الإشارات الطبيعيّة، كدمج الأشكال أو الأنماط أو المواد العضوية في اللافتات والعلامات الاتجاهية لإثارة الشعور بالتنقل في بيئة طبيعيّة.
مناطق جلوس بتصميم حيوي (Biophilic Seating Areas): إنشاء مناطق جلوس وتصميم حيوي مع أثاث مريح في المساحات الخارجيّة أو بالقرب من النوافذ، إذ يمكن أن تصبح هذه المناطق ملاذات تصالحيه حيث يمكن للشاغلين الاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة.
التعليم البيئي (Environmental Education): تثقيف شاغلي المباني حول فوائد التصميم الحيوي وعلاقتهم بالطبيعة، واستضافة ورش عمل أو ندوات أو محاضرات متعلقة بالطبيعة لزيادة الوعي وتشجيع المشاركة على التصميم الحيوي.
يتطلب تطبيق التصاميم الحيوية على المباني القائمة تخطيطًا وتعاونًا مدروسًا بين المهندسين المعماريين والداخليين وأصحاب المباني والشاغلين، ومن المهم النظر في الخصائص الفريدة لكل مبنى والمناطق المحيطة به لخلق بيئة حية تكمل جمال لبنان الطبيعي وتعزز اتصالًا أعمق بين الناس والطبيعة.
الخاتمة
عالجت هذه الورقة المبادئ المختلفة للتصميم الحيوي وعناصره، وهو الذي يمثل دمج العناصر الطبيعية في المساحات الداخلية، والذي ينتج عنه مزيجًا متناغمًا من الجماليات والوظائف ومبادئ التصميم الحيوي، مع استمرار العالم في إعطاء الأولوية للاستدامة والرفاه، تطورت الهندسة الداخلية لاحتضان جمال الطبيعة وفوائدها من دون التّضحية بالتصميم الفعال والجذاب.، إذ إن دمج العناصر الطبيعية في المساحات الداخلية بنهج استراتيجي هو الأ أهميّة، فإنّ الاختيار المدروس للمواد، مثل الخشب والحجر والمنسوجات ذات المصادر المستدامة، لا يعزز الجاذبيّة البصرية للفضاء فحسب، بل ينقل أيضًا اتصالًا حقيقيا بالبيئة. يُحافَظ على التّوازن بين الشكل والوظيفة من خلال استخدام التقنيات والممارسات الصديقة للبيئة، ما يضمن أن يكون الحفاظ على الطاقة والتطبيق العملي مكونين أساسيين لعملية التصميم.
علاوة على ذلك، يجب استعمال الإضاءة المتقدمة، مثل الإضاءة الديناميكيّة التي تحاكي التقدم الطبيعي لضوء النهار، في جو ديناميكي يتكيف مع احتياجات الشّاغلين على مدار اليوم. كما يضيف دمج المعالم المائيّة والجدران الحية والحدائق الداخليّة طبقات من المشاركة الحسيّة، ما يعزز الرّفاهية مع تعزيز الصلة المتأصلة بين البشر والعالم الطبيعي، ويساهم في تحسين جودة الهواء الداخلي، ما يجعله استراتيجية قيمة لتعزيز بيئات مبنية أكثر صحة واستدامة.
تثبت المشاريع المدروسة في هذا البحث أن التصميم الحيوي لديه القدرة على مواجهة تحديات التحضر والتصحر، مثل محدودية الوصول إلى الطبيعة والانفصال عن العالم الطبيعي، وذلك من خلال جلب عناصر الطبيعة إلى المساحات الداخلية، وخلق بيئة متناغمة تصالحيّة وجميلة، ما يعزز الرّفاهيّة العقليّة والعاطفيّة في خضم مناظر المدينة الإسمنتيّة. إنّ التصميم الحيوي الناجح يتطلب تكاملًا مدروسًا وتخطيطًا يتكيف مع المحيط، ووعيًا بالسّياق الثقافي للشاغلين. يؤدي المهندسون والمصممون دورًا حاسمًا في تنفيذ مبادئ التصميم الحيوي بشكل فعال بدءً من الحيز الخارجي وصولًا إلى الحيز الدّاخلي، مع مراعاة الاحتياجات والتفضيلات الخاصة لمجموعات المستخدمين المتنوعة. يعتمد نجاح دمج العناصر الطبيعيّة في الهندسة الداخلية بشكل حاسم على نهج شامل يأخذ في الحسبان السياق الفريد لكل مساحة، وتعد الجهود التعاونيّة بين جميع العملاء ضرورية لضمان توافق مفاهيم التصميم مع المتطلبات الوظيفية من خلال دمج الجماليات المستوحاة من الطبيعة والكفاءة الوظيفية، تتبنى الهندسة الداخلية نهجًا تحويليًّا لا يعزز جمال المساحات الدّاخلية فحسب، بل يعزز الشعور بالهدوء وتحسين الصحة وزيادة الإبداع بين شاغلي المبنى والزوار.
اكتسب التصميم الحيوي زخمًا في السنوات الأخيرة في البلدان المتحضرة، ولكن إجراء المزيد من البحوث ودراسات الحالة أمر ضروري لتعميق فهم آثاره الطويلة الأجل وصقل أفضل الممارسات لإنجاحه. أمّا تطبيق هذا التصميم في لبنان، فيتطلب الوعي الكامل لأصحاب المسؤوليات الكبرى، بالإضافة إلى أنّ التعاون بين أصحاب المصلحة، بما في ذلك المهندسين والمخططين الحضريين وصانعي السياسات والخبراء البيئيين، أمر بالغ الأهمّية لتعزيز التصميم الحيوي كمعيار في الهندسة الداخلية في لبنان، وكلما كانت بداية الالتزام حاليّة كلما كانت النتائج الإيجابيّة لاستخدام التصميم الحيوي أكبر. إنّ العمارة التراثية التقليديّة في لبنان هي مثال حيّ على التصميم الحيوي المنفذ منذ قرون، إن كان من حيث استعمال المواد الطبيعية المحلية كالصخر والكلّين، إلى السقف القرميد العازل للحرارة، وإدخال عناصر المياه، كبرك المياه في الباحة الخارجية للبيت، ودمج الطبيعة مع الحيز الداخلي من خلال الساحة الداخلية بسقفها المفتوح إلى السماء المزينة بالنباتات. وزيادة على ذلك إدخال النور الطبيعي والهواء الطبيعي من خلال السقف العالي والشبابيك والمداخل العالية. لا يمكن نسيان الحديقة أمام المنزل حيث تجتمع العائلة والضيوف تحت العريشة أو الشجرة المعمّرة. هذه بعض ما تقدمه البيوت التقليدية اللبنانية من مواصفات ويمكن القول إن التصميم الحيوي هو بحد ذاته كعودة الى الجذور.
باختصار، يحمل التصميم الحيوي القدرة على تحويل المساحات الداخلية إلى ملاذات تحتضن علاقة المستخدم الفطرية بالطبيعة بطريقة فعّالة وجميلة. مع استمرار تطور المدن، لن يؤدي تبني مبادئ التصميم الحيوي إلى خلق بيئات أكثر صحة وإلهامًا للأجيال الحالية فحسب، بل سيضع الأسس لمدن أكثر استدامة ومرونة للأجيال القادمة. وعلى الرغم من الحواجز الكثيرة، فإن زيادة الوعي والبحث والتعاون هي أمور ضرورية لتحقيق الإمكانات الكاملة للتصميم الحيوي وتأثيره الإيجابي على الهندسة الدّاخليّة في البيئات الحضرية من خلال إعطائه الأولويّة، ما يمهد الطريق لتعايش أكثر انسجامًا بين الناس والطبيعة.
إن مجال الأبحاث في هذا المجال لا يزال واسعًا، فلا يزال هذا الموضوع في بداياته، وهذه المدرسة من التصميم لا تزال جديدة، وتأثيرها على التصاميم الهندسية لا تزال قيد الدرس. إنّ صيانة المشاريع التي تتبع التصميم الحيوي في الحيز الداخلي ذات تكلفة عالية، فهل يتوصل المعماريون، المهندسون الداخليون والمصممون الى خلق تصميم حيوي في المناطق الحضرية بأقل تكلفة وذات جودة تصميمية عالية؟
المصادر والمراجع
Books:
- Beatley, T., Biophilic Cities: Integrating Nature into Urban Design and Planning, 2nd ed, Island Press, Washington, USA, 2010
- Kellert S., Heerwagen J., Mador M., Biophilic Design: The Theory, Science and Practice of Bringing Buildings to Life, Wiley, Hoboken, New Jersey, USA, 2011
- Ryan, C., Browning, W. J., Nature Inside: A Biophilic Design Guide, RIBA Publishing, London, UK, 2020
- Ryan., C. O., Browning, W. J., Walker D., The economics of biophilia: Why designing with nature in mind makes financial sense; 2nd ed. Terrapin Bright Green, N. Y., 2023
- Wilson, E.O., Biophilia. Cambridge, MA: Harvard University Press, 1984
- Wilson, E.O., Biophilia and the Conservation Ethic. In The Biophilia Hypothesis, ed. Kellert, S., Wilson, E.O. Washington, DC: Island Press, pp. 31-41, 1993
E-articles:
- Beatley, T.; The Vision and Practice of Biophilic Cities
- Berto, R., Barbiero, G., Pasini, M., Unema, P. Biophilic Design Triggers Fascination and Enhances Psychological Restoration in the Urban Environment, 2015.
- Bolton, B., Barbbiero, G.; Biophilic Design: How to enhance physical and psychological health and wellbeing in our built environments, 2020
- Gillis, K., Birgitta G.; A review of psychological literature on the health and wellbeing benefits of biophilic design; 2015
- Jamei, E., Vrcelj, Z.; Biomimicry and the Built Environment, Learning from Nature’s Solutions, 2021
Web sites:
- org
- virginia.edu
- com/551329/one-central-park-jean-nouvel-patrick-blanc
- com/places/pasona-02
- edu.lb/facilities/fpdu/Documents/penrose%20LEED%20brochure.pdf
- org
- org
- com
- com
- org
- google.com
- org
- as.virginia.edu
- com
- com/en/projects/one-central-park/
- com
- merriam-webster.com
- com/2076-3417/11/16/7514
- ncbi.nlm.nih.gov
- com
- com
- netiul.edu.lb
- org
- co
الهوامش
*أستاذ في الجامعة اللبنانية عضو في الفرقة البحثية، المعهد العالي للدكتوراة- قسم الفنون.
Associate Professor at the Lebanese Faculty of Fine Arts and Architecture niversityU
Jury Member at the PhD School at LU
johane.sleiman@gmail.comEmail:
[i] -تيموثي بيتلي هو أستاذ في قسم التخطيط الحضري والبيئي، كلية الهندسة المعمارية في جامعة فرجينيا،إذ قام بالتدريس على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية. مؤلف كتاب “المدن المحبة للحياة: دمج الطبيعة في التصميم والتخطيط الحضريين”(https://www.arch.virginia.edu/people/)
[ii] “The Vision and Practice of Biophilic Cities,” by Tim Beatley (UVa School of Architecture)” (https://europeanstudies.as.virginia.edu/vision-and-practice-biophilic-cities-tim-beatley-uva-school-architecture)
[iii] Biophilic Design: The Theory, Science, and Practice of Bringing Buildings to Life
[iv] Biophilia as Evolutionary Adaptation: An Onto- and Phylogenetic Framework for Biophilic Design (https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/34367025/
[v]– المرجع نفسه
[vi] – أ ويلسون، بالكامل إدوارد أوزبورن ويلسون، (من مواليد 10 يونيو 1929، برمنغهام، ألاباما، الولايات المتحدة – توفي في 26 كانون الثاني 2021، برلنغتون، ماساتشوستس)، عالم الأحياء الأمريكي المعترف به كسلطة رائدة في العالم على النمل. كان أيضا المؤيد الأول لعلم الأحياء الاجتماعي، دراسة الأساس الجيني للسلوك الاجتماعي لجميع الحيوانات، بما في ذلك البشر. https://www.britannica.com/biography/Edward-O-Wilson
[vii]– https://www.merriam-webster.com/dictionary/biophilia
[viii]– Biomimicry is a practice that learns from and mimics the strategies found in nature to solve human design challenges. (المحاكاة الحيوية هي ممارسة التعلم من الاستراتيجيات الموجودة في الطبيعة وتقليدها لحل تحديات التصميم البشري) https://biomimicry.org/what-is-biomimicry/
[ix] -تلخيص من كتاب “Biophilic Design: The Theory, Science, and Practice of Bringing Buildings to Life”
[x]– https://www.seattlespheres.com/amazon-horticulture
[xi] -جنس نباتات بَرِّية من فصيلة مستورات الزهر الوعائيَّة، تنبت في الغابات والحقول وعلى الجدران (https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/
[xii] -ولد ستيفانو بويري في ميلانو في العام 1956 في العام 1980 تخرج في الهندسة المعمارية في بوليتنيكو دي ميلانو (Politecnico di Milano) وفي العام 1989 حصل على درجة الدكتوراة في التخطيط الإقليمي من معهد الهندسة المعمارية الجامعي في البندقية. أستاذ في التخطيط الحضري في بوليتنيكو دي ميلانو… يدير اليوم مختبر مدينة المستقبل بجامعة تونغجي في شنغهاي، وهو برنامج أبحاث ما بعد الدكتوراة في توقع تحول العواصم في العالم، من وجهة نظر التنوع البيولوجي والغابات الحضرية. (https://www.stefanoboeriarchitetti.net/stefano-boeri-biografia/
[xiii]– المباني الخضراء المعتمدة من LEED هي مبان أفضل: تستهلك المباني الطاقة والموارد بمعدل ينذر بالخطر. يمكننا أن نفعل ما هو أفضل. يوفر LEED إطارا للمباني الخضراء الصحية والفعالة والكربونية والموفرة للتكاليف. شهادة LEED هي رمز معترف به عالميا لتحقيق الاستدامة، وهي مدعومة بصناعة كاملة من المنظمات والأفراد الملتزمين الذين يمهدون الطريق لتحول السوق. Gold: 60-79 points earned (https://www.usgbc.org/leed
[xiv]– https://iul.edu.lb/wp-content/uploads/2020/12/Criteria-for-green-buildings-in-Lebanon.pdf
[xv]– CRITERIA FOR GREEN BUILDINGS IN LEBANONصفحة 9.
[xvi] -https://berytech.org/green-innovation-days-2022-towards-a-circular-future/
[xvii]– http://ytaa.co/home
[xviii]– https://www.mbkarchitect.com/batroun-residence
[xix]– https://arab.org/directory/al-shouf-cedar-society/
[xx] -https://blogbaladi.com/24-public-gardens-to-go-in-beirut/
[xxi] https://docs.google.com/forms/d/e/1FAIpQLSewYmNttIPKkOxh7SwMZgg3miHZ5k8STibGpNfcHpWgdkakHQ/viewform