اتفاقية سايكس – بيكو ظروف وتداعيات
The Sykes – picot Circumstances and repercussions
Zakaria El Ghoul المحامي زكريا الغول([1])
الملخص
يتعلق البحث باتفاقية سايكس – بيكو، باعتبارها المدخل لتقسيم الشرق الأوسط بين الدول الكبرى عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وق اتفقت المملكة المتحدة وفرنسا في عام 1916 على تقسيم المناطق في الشرق الأوسط بما في ذلك فلسطين وسوريا والعراق بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى. هذا الاتفاق أثار العديد من الانتقادات والصراعات في المنطقة.
وقد تطرقت في البحث الى صانعي الاتفاق والظروف الدولية قبل توقيعه وداعيات توقيعه.
- الكلمات المفاتيح: الثروة البولشيفيّة- جمال باشا- مراسلات الحسين – ماكماهون- الشريف حسين.
Abstract
The study relates to the Sykes-Picot Agreement, as it was a gateway to dividing the middle east between the major power after the end of the world war 1.the United Kingdom and France agreed in 1916 to divide middle east, including Palestine, Syria, Lebanon and Iraq, after the collapse of the ottoman empire during World War 1.
This agreement sparked many criticisms and conflicts in the region.
The study touched on the makers of the agreement, the international circumstances before its signing, and the reason for signing it.
In 1916, the United Kingdom and France agreed to divide regions in the Middle East, including Palestine, Syria, and Iraq, following the collapse of the Ottoman Empire during World War I. This agreement sparked various criticisms and conflicts in the region.
KeyWords: Bolshevik Wealth – Jamal Pasha – Hussein’s Correspondence – McMahon – Sharif Hussein.
المقدمة
شكل القرن التاسع عشر، بداية السيطرة الأوروبيّة المباشرة على بعض الولايات العربيّة التّابعة للدولة العثمانيّة، فيما كان يعرف حينها بالاستعمار الأوروبي، وتمثل ذلك باختيارهم نقاطًا استراتيجيّة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، تكون منطلقًا لتوسعهم الشامل فيما بعد ( ضاهر، 2015، ص25-29).
كانت فرنسا من دون موطئ قدم في الحوض الشرقي للمتوسط، بخلاف بريطانيا التي كانت تسيطر على طرق التّجارة الدّوليّة، للوصول الى درة التاج في إمبراطوريتها ألا وهي الهند، وهكذا فقد كانت الأطماع الفرنسيّة متجهة صوب سوريا وجبل لبنان، لما يشكلانه من أهميّة حيوية لمستقبل مصالح فرنسا في المتوسط، وقد قال وزير خارجية فرنسا: ” محور السياسة الفرنسيّة قائم في البحر المتوسط “، أضف الى ذلك فإنّ التغلغل الفرنسي في أراضي السلطنة اتخذ الطابع المالي، وكان لافتًا مضمون الرسالة التي بعثها سفير فرنسا في إسطنبول الى دولته في العام 1913، قائلًا فيها:” إنني أعتقد، ويشاركني كثيرون هنا في هذا الاعتقاد، أنّ السلطنة العثمانيّة قد إنتهت …” ، كما برز تصريح رجل الرّساميل الفرنسيّة القوي روبير دوكيه، إذ كتب في العام 1915: “…أن نظامًا أصلح سيمنح لسوريا تحت إشرافنا ..” وهكذا يتبين أنّ أطماع الفرنسيين في سوريا ولبنان، تعود الى القرن التاسع عشر، ناهيك عن أطماع الإنكليز في فلسطين، وذلك لحماية حركة الملاحة في قناة السويس الواقعة تحت سيطرتها.
ولا بد من الإشارة الى مسألة مهمة حدثت بعد خلع السلطان عبد الحميد من جمعية الاتحاد والترقي، وتبنيها خطابًا قوميًّا عنصريًّا عقب هزائم الجيش العثماني في حرب البلقان العام 1913، وما تبعها من قيام جمعيات عربيّة نادت بالاستقلال التّام للمشرق العربي عن الدّولة العثمانيّة ( واكيم، 2019،ص 17) ، إذ استغلت الدول الأوروبية الكبرى هذا الموضوع، لتزكية الخلاف التركي العربي، مع بداية سياسة التتريك التي اتبعها الاتحاديون.
أدت هذه العوامل إلى تسارع وتيرة المفاوضات حول مصير الولايات العربيّة في السّلطنة العثمانيّة، فبريطانيا كانت تستعجل إطلاق الثورة العربيّة من أجل الردّ على دعوة الجهاد التي أطلقها السلطان العثماني، ولتجميد قوّاتٍ تركية في الحجاز، بحيث لا تدخل على خطّ حرب السويس ضدّهم، بينما كانت فرنسا تريد تثبيت حقّها في سورية كاملةً. (طرابلسي، 2013ن ص 50).
الإشكاليّة: من خلال مراجعة العديد من المصادر التي تطرقت الى مسألة إتفاقيّة سايكس – بيكو، تطرح الإشكاليّة الأتية: – هل تقسيم الولايات العربيّة التابعة للدولة العثمانيّة، هو أمر مخطط له سلفًا ؟ ولذلك لا بدّ أيضًا من طرح تساؤلات حول ذلك:
- هل كان للدول الأوروبيّة مصالح في الولايات العربيّة التّابعة للدولة العثمانيّة، قبل إندلاع الحرب العالمية الأولى ؟
- هل استغل الأوروبيون، الشّريف حسين وخُدِع ؟
اعتمدت في إعداد هذا البحث على المنهج التحليلي وذلك بهدف استخلاص أكبر قدر من المعلومات لتتبع الفرضيات المطروحة.
الفصل الأول: نبذة عن صانعي الاتفاقيّة
- الفرنسي فرانسوا بيكو: والده المحامي الفرنسي جورج بيكو، عضو المعهد الفرنسي وعلى خطى والده قام فرنسوا بيكو بمتابعة دراسة الحقوق وفي عمر الثامنة والعشرين انتقل إلى العمل الدبلوماسي، بالتزامن مع حادثة فشودة الشّهيرة، وقد شغل بيكو منصب قنصل فرنسا في بيروت، وقبيل اندلاع الحرب العالميّة الأولى، تلقى رسائل من شبان عرب، للمطالبة بمساعدة فرنسا للحصول على حكم ذاتي (بار، 2018، ص28).
تلقى بيكو في حزيران من العام 1914، رسالة تطالب باستقلال سوريا، وقد اقتنع بتغيير نهج حكومته، ما دفعه الى تحذير رؤسائه الى ضرورة تقديم المساعدة للعرب، لأنّ البريطانيين سيقومون بذلك في حال عدم تحرك الحكومة الفرنسيّة، لكن فرنسا لم تتدخل، ولم تقم التحركات اللبنانية التي كان يأمل أن تقوم في حال تقديم المساعدة العسكرية، وقبيل مغادرته بيروت، لم يقم بحرق الرّسائل التي تلقاها، وسلم مفاتيح القنصليّة للقنصل الأميركي، وغادر وودع الموظفين قائلًا: أراكم بعد أسبوعين (Andrew and Kanya-Forstner-France Overseas-p99 ).
صادرت القوات العثمانية ملفات القنصليّة الفرنسيّة، وأُوقِف عدد ممن قاموا بمراسلة بيكو، وأعدم البعض الآخر، وعُيِّن بعد مغادرته بيروت، للذهاب والتفاوض مع البريطانيين حول المسألة الشرقية، وذلك في شهر آب من 1915 ( بار، 2018، ص30).
- الإنكليزي السير مارك سايكس: من عائلة تنتمي إلى كبار الملاكين في مقاطعة يوركشاير، والده السير تاتون، ووالدته اللايدي جيسيكا مدمنة الكحول، كان والده مهووسًا بالهندسة المعمارية للكنائس (بار، 2018، ص 14).
في العام 1890، زار مع عائلته مصر، ثم القدس ولبنان، وكان يعدُّ تجربة السفر مذهلة، وبسبب خلافات بين والديه وانفصالهما العام 1897، كان يلوذ بالفرار الى الشرق الأوسط، وكان حينها طالبًا جامعيًّا، ثم تابع زياراته بصفته ملحقًا فخريًّا في السفارة البريطانية في اسطنبول (GBA-Bell to Mary Bell-1 Feb.1919).
أطلقت عليه الحكومة البريطانيّة لقب “الملا المجنون”، وكان لكتاب ميراث الخلفاء الأخير دور في إطلاق هذا اللقب عليه، واستُدعي لمعالجة “مسألة الشّرق”، وُعين ضمن لجنة متخصصة للنظر في مستقبل الشّرق الأوسط، وقد قال سايكس في أحد الاجتماعات: ” أشعر أنّه يفترض تسوية الأمور مع فرنسا في أقرب وقت ممكن، وان يكون لنا إلمام واضح بسوريا”. وجوابًا على سؤال لبلفور، أجاب سايكس: ” أود لو نحتفظ لأنفسنا بهذا البلد جنوب حيفا”.
كما قال أيضًا”:” أودّ رسم خط من الألف في كلمة عكا وصولًا الى الكاف الأخيرة في كلمة كركوك(بار، 2018،58)”.
في اجتماع عُقِد بينه وبين دبلوماسيين فرنسيين، طمأنهم الى أنّه لا مخطط لحكومته بالنسبة الى سوريا، وأطلعهم بخطط لبناء سكة حديدية بين البصرة وقناة السويس فور انتهاء الحرب.
الفصل الثاني: ظروف نشوء الاتفاقيّة
مقدمة: اتفاقية سايكس بيكو، هي الإتفاق السّري الذي حصل بين المملكة المتحدة وفرنسا بمصادقة من الامبراطورية الرّوسيّة لأجل تقسيم الولايات العربيّة التي كانت تابعة للدول العثمانيّة، بين بريطانيا وفرنسا، وذلك من أجل تحديد من مناطق النّفوذ في ما بينها ( فتوني، 2014، ص17).
وقد عُقِدت الاتفاقيّة بمفاوضات سرية بين البريطاني مارك سايكس، والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو، وقد كُشِفت هذه الاتفاقيّة بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا العام 1917 بعد الثورة البولشفيّة.
- الأحداث المباشرة التي سبقت التّفاوض: واجهت بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى موقفًا عصيبًا وتحديدًا مع بداية العام1915، وذلك بعد أن فشلت حملتها العسكرية في العراق، وزاد ضغط القوات التّركيّة على منطقة قناة السويس، وكذلك فشلت الحملة البريطانيّة ضد منطقة المضايق التركية، لذا عملت بريطانيا على استمالة الشّريف حسين، لأنّ تعاون العرب مع القوات البريطانية أمرًا حيويًا للغاية، وبدأت بين الجانبين مكاتبات ومراسلات استمرت 18 شهرًا، عُرفت باسم مراسلات حسين مكماهون، وكانت بريطانيا تهدف من ورائها إلى دفع العرب للثورةعلى الأتراك، أمّا الشريف حسين فكان يهدف إلى إقامة دولة عربية تشمل العراق والشام والحجاز يتولى هو حكمها ( خشانة، 2016، ص 50).
وكان تضارب مصالح الدّول الأوروبيّة الحليفة في المنطقة العربيّة سببًا قويًا في إيجاد الشّكوك وعدم الثقة بين هؤلاء الحلفاء، وهو ما يؤثر سلبًا على موقفهم في الحرب، فروسيا تطمع في إدخال القدس وفلسطين ضمن نفوذها؛ نظرًا إلى وجود رجال الدين والكنائس الأرثوذكسيّة بها، بينما فرنسا تسعى نحو تثبيت نفوذها في منطقة بلاد الشام خاصة سوريا، وكان ذلك باعثًا لتخوف الحكومة البريطانية؛ إذ إن الوجود الفرنسي والروسي على هذا النحو يحرمها من خليج (عكا–حيفا) المنفذ الرئيس للعراق على البحر المتوسط، كما أنّ بريطانيا لن ترضى أن ترى فرنسا أو روسيا على مقربة من قناة السويس؛ لأنّ ذلك يهدد طرق مواصلاتها مع الهند (BAR JAMES ;lords of the desert simon &Schuster-page 18 ).
أمّا فرنسا فقد جاءت ظروف الحرب العالميّة الأولى لتزيد مخاوفها من السياسة البريطانية؛ ذلك أنّه بعد فشل حملة “الدّردنيل” رأى القائد الإنجليزي كتشنر أنّه لكي يستطيع الحلفاء إرجاع جزيرة گاليپولي، فإنّه لا بد من إنزال 100.000 جندي في ميناء الإسكندرونة (FROMKIN DAVID: A PEACE TO END ALL PEACE , HENRY HOLT AND COMPANY , 2009 , PAGE 35) ، ثم تبدأ قوات الحلفاء التغلغل من هناك نحو الأراضي التركية؛ لأنّ ذلك يضمن قطع طريق المواصلات التّركيّة من وسطها، فيحدث ارتباك في عمليات الإمداد والتموين للجيش التركي الذي سيضطر للتسليم بعد محاصرته، إلّا أنّ فرنسا نظرًا إلى عجزها عن تنظيم مثل هذه الحملة الكبيرة رفضت الموافقة على هذه العمليّة التي سيكون عمادها الجيش والأسطول البريطانيَّين؛ لأن ذلك سيعرض المصالح الفرنسيّة في سوريا للخطر، إلّا أن احتلال الجيش البريطاني لسوريا سيعمل على تقليل النفوذ بها، ويدفع السوريين إلى التحالف مع الإنجليز ظنًا منهم أن نجم فرنسا قد أفل (MC MEEKIN,SEAN: BERLIN- BAGHDAD EXPRESS , PENGUIN BOOKS , 2010, PAGE 180.)
وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ لفرنسا أطماع قديمة في سوريا، فمنذ العام 1860 عملت على التّغلغل المالي والثّقافي، وعند إندلاع الحرب العالميّة الأولى، وجدت فرنسا فيها فرصة لإقامة إمبراطورية فرنسيّة في آسيا تكون قاعدتها بلاد الشام ( ضاهر، 2015، ص20).
وأمام هذا التّعارض في المصالح لم تجد هذه الدّول الاستعمارية أمامها من سبيل إلّا التباحث فيما بينها، وتحديد مناطق نفوذ كل دولة حتى تزول أسباب الشكوك والخلافات؛ لتسير المعارك الحربية على الوجه الذي ترغب فيه هذه الدول.
- بداية المفاوضات: بدأت المفاوضات الفعلية أواخر العام 1915، وقد كلّفت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة فرانسوا جورج بيكو التفاوض، بينما شكّلت الحكومة البريطانيّة وفدًا للتّفاوض برئاسة السير آرثر نيكلسون، ضمّ ممثّلين عن الوزارات جميعها المعنيّة بمصير أراضي السّلطنة، ينتمون إلى لجنة دوبنسون برئاسة الدّبلوماسي السير موريس دوبنسون، و بتاريخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر، أبلغ نيكلسون بيكو بوعد بريطانيا لشريف مكّة بإقامة دولة عربيّة، فردّ بيكو بأنّ مثل هذه الدّولة لن تتحقّق أبدًا، ولن يستطيع البريطانيون تحويل شرذمة من القبائل إلى كُلٍّ للحياة بحسب تعبيره، مؤكّدًا أنّ بلاده لن توافق على منح العرب الاستقلال.
لن تستمرّ المفاوضات بين بيكو ونيكلسون طويلًا، إذ سيدفع وزير الخارجية إدوارد غراي بمارك سايكس للتفاوض مع فرانسوا جورج بيكو بدلًا من نيكلسون بعد تعثّرها بين الطرفين، علمًا أنّ سايكس كان يدعو البريطانيين لضرورة السيطرة على فلسطين من عكا إلى درعا، ومن الحدود المصرية إلى خليج العقبة، وذلك لقطع الطريق على سيطرة فرنسا على سوريا الجنوبية، وتأمين قناة السويس بالسيطرة على ضفّتيها الشّرقيّة والغربيّة، إنّ تقرير سايكس المُرسل إلى لجنة دوبنسون لم يرد على ذكر فلسطين أو الصهيونية، ولكنّ هذه اللجنة في تقريرها عن سياسة بريطانيا تجاه السلطنة العثمانية، والمقدّم في حزيران/ يونيو 1915، قرّرت أن تكون فلسطين تحت النّفوذ البريطانيّ (طرابلسي، 2012، ص44).
جاء الحديث الأوّل بين مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو متركّزًا على حدود سوريا بالنسبة إلى الفرنسيين، بما في ذلك فلسطين، بينما كان الطرف البريطانيّ بدوره يتحدّث عن سيادة عربيّة مستقلّة على جزءٍ كبير من الأراضي السّورية، عدا لبنان وفلسطين، وقد تمحوّرت الخلافات بين الرجلين على عدّة نقاط؛ مُطالبة بريطانيّا بالحماية على فلسطين ومرفأ حيفا، وضع سنجق القدس تحت إدارة دوليّة، المنفذ البحري للدولة العربية. واتُفِق في النهاية على تنازل بريطانيا لفرنسا عن الموصل، والقبول بوضع القدس تحت الإدارة الدوليّة، وكذلك إعلان مرفأ حيفا منفذًا بحريًا للدولة الجديدة، وإعلان ميناء اسكندرون ميناءً حرًّا.
الفصل الثالث: التوقيع على الاتفاقيّة:
مقدمة:
في يوم الاثنين 3 ينايرمن العام 1916، تم التوقيع على الاتفاقيّة بالأحرف الأولى، وأحيلت المذكرة إلى وزارة الخارجية وعممت لتقديم أي ملاحظة عليها، وفي 16 يناير أخبر سايكس وزارة الخارجية أنه تحدث إلى بيكو وأنه يعتقد أن باريس ستعطي موافقتها على الاتفاقيّة. عقد السير نيكولسون مؤتمر مشترك بين الإدارات في 21 يناير. وبعد الاجتماع تم تعميم مسودة الاتفاقيّة النهائية على مجلس الوزراء في 2 فبراير،
تم إبلاغ بيكو وبعد خمسة أيام أخبر كامبون نيكولسون أن “الحكومة الفرنسيّة متفقة مع المقترحات المتعلقة بالقضية العربية ولاحقا في شهري فبراير ومارس عمل سايكس وبيكو كمستشارين للسير جورج بوشانان -سفير بريطانيا في الإمبراطورية الروسية- والسفير الفرنسي على التوالي خلال المفاوضات مع سازونوف، وأخيرا أعطت روسيا موافقتها في 26 أبريل 1916، فأرسل بول كامبون السفير الفرنسي في لندن الشروط النهائية إلى إدوارد جراي وزير الدولة للشؤون الخارجية في 9 مايو 1916، وصادق على رد جراي في 16 مايو 1916.
- بنود الاتفاقيّة ( قاسم، 2012، ص 32-35)
- المادة الأولى: إنّ فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا دولة عربية برئاسة رئيس عربي في المنطقتين “آ” (داخلية سوريا) و”ب” (داخلية العراق) المبينة في الخريطة الملحقة بهذا الاتفاق. يكون لفرنسا في منطقة (آ) ولإنگلترة في منطقة (ب) حقّ الأولوية في المشروعات والقروض المحليّة، وتنفرد فرنسا في منطقة (آ) وإنكلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربيّة أو حلف الحكومات العربية.
- المادة الثانية: يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا السّاحليّة) ولإنگلترة في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالوساطة أو من المراقبة، بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربيّة.
- المادة الثالثة: تنشأ إدارة دوليّة في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعيّن شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.
- المادة الرابعة: تنال إنگلترة ما يلي:
- مينائي حيفا وعكا.
- يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة (آ) للمنطقة (ب)، وتتعهد حكومة جلالة الملك من جهتها بألّا تتخلى في أيّ مفاوضات ما مع دولة أخرى للتنازل عن جزيرة قبرص إلّا بعد موافقة الحكومة الفرنسيّة مقدمًا.
- المادة الخامسة: تكون اسكندرونة ميناء حرًا لتجارة الإمبراطورية البريطانية، ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا تفرض تسهيلات خاصة للملاحة والبضائع البريطانيّة. وتباح حرية النقل للبضائع الإنكليزية عن طريق اسكندرونة وسكّة الحديد في المنطقة الزرقاء، سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء أو إلى المنطقتين (آ) و(ب) أو صادرة منهما. ولا تنشأ معاملات مختلفة مباشرة أو غير مباشرة على أيّ من سكك الحديد أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمس البضائع والبواخر البريطانيّة.
تكون حيفا ميناء حرًّا لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها، ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسيّة، ويكون نقل البضائع حرًّا بطريق حيفا وعلى سكة الحديد الإنكليزيّة في المنطقة السمراء (فلسطين)، سواء أكانت البضائع صادرة من المنطقة الزرقاء أو الحمراء، أو من المنطقتين (آ) و(ب) أو واردة إليها. ولا يجري أدنى اختلاف في المعاملة بطريق مباشر أو غير مباشر يمس البضائع أو البواخر الفرنسيّة في أي سكة من سكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ المذكورة.
- المادة السادسة: لا تمد سكة حديد بغداد في المنطقة (آ) إلى ما بعد الموصل جنوبًا، ولا إلى المنطقة (ب) إلى ما بعد سامراء شمالًا، إلى أن يُنشاء خط حديدي يصل بغداد بحلب مارًا بوادي الفرات، ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين.
- المادة السابعة: يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ خطًّا حديديًّا وتديره، وتكون المالكة الوحيد له ويصل حيفا بالمنطقة (ب)، ويكون لها ما عدا ذلك حقّ دائم بنقل الجنود في أيّ وقت كان على طول هذا الخط. ويجب أن يكون معلومًا لدى الحكومتين أن هذا الخط يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنّه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة السّمراء مصاعب فنية أو نفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذرًا، فإنّ الحكومة الفرنسيّة تسمح بمروره في طريق بربورة- أم قيس- ملقا- إيدار- غسطا- مغاير إلى أن يصل إلى المنطقة (ب).
- المادة الثامنة: تبقى تعريفة الجمارك التّركيّة نافذة عشرين سنة في جهات المنطقتين الزرقاء والحمراء في المنطقتين (آ) و(ب) جميعها، فلا تضاف أيّة علاوة على الرّسوم، ولا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين، إلّا أن يكون باتفاق بين الحكومتين. ولا تنشأ جمارك داخليّة بين أي منطقة وأخرى في المناطق المذكورة أعلاه، وما يفرض من رسوم جمركيّة على البضائع المرسلة يدفع في الميناء ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.
- المادة التاسعة: من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسيّة لا تجري مفاوضة في أي وقت للتنازل عن حقوقها، ولا تعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزرقاء لدولة أخرى سوى للدولة أو لحلف الدول العربية، من دون أن توافق على ذلك مقدّمًا حكومة جلالة الملك التي تتعهد بمثل ذلك للحكومة الفرنسيّة في المنطقة الحمراء.
- المادة العاشرة: تتفق الحكومتان الإنگليزية والفرنسيّة، بصفتهما حاميتين للدولة العربية على أن لا تمتلكا، ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطارًا في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحريّة على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن هذا لا يمنع تصحيحًا في حدود عدن قد يصبح ضروريًّا بسبب عداء الترك الأخير.
- المادة الحادية عشرة: تستمر المفاوضات مع العرب باسم الحكومتين بالطرق السّابقة نفسها لتعيين حدود الدولة أو حلف الدول العربية.
- المادة الثانية عشرة: من المتفق عليه ما عدا ذكره أن تنظر الحكومتان في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى البلاد العربية.
- تسريب مضمون الاتفاقيّة: كان الهدف إبقاء مضمون الاتفاقيّة سريًّا، خاصة لجهة عدم اطلاع العرب على مضمونها، مع الحاجة الى قيادة الشّريف حسين للثورة العربيّة ضد الأتراك، وتعارض مضمونها مع مراسلات الحسين – مكماهون، لكن العام 1917، حصل تطور عالمي بالغ الأهمية تمثل مع اندلاع الثورة البولشفيّة ضد حكم القيصر الروسي.
بقيت بنود الاتفاقيّة سرّيّة، واستمرت كذلك حتى اندلاع الثورة البولشفيّة في روسيا العام 1917، حين عثر الثّوار الروس على نص الاتفاقيّة بين وثائق القيصر الروسي الخارجيّة، وبعد نشرها، عدَّها الأتراك دجاجة ذهبيّة، وقاموا بعرضها على العرب، وقد قام جمال باشا بقراءة مضمونها على زعماء سوريا ولبنان، خلال مأدبة في بيروت، كما نُشِرت في صحف بيروت ودمشق بتاريخ 20 تشرين الثاني من العام 1917 (حجازي، 2013، ص 319).
واللافت أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن على علم ببنود هذه الاتفاقيّة، فالرئيس الأميركي ويلسون، المعروف عنه أنه سامي المبادئ، كان قد قال في أحدى خطبه: ” لا ينبغي على أيّ أمّة السّعي الى توقيع نطاق حكمها… ليطاول أيّ دولة أو شعب آخر.”، وقد اكتشفت وجودها بعد أُسبوعين على كشف وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور عن وجودها لمسشار السياسة الخارجيّة للرئيس ويلسون السيد إداورد هاوس، ما أثار غضبه، وصرح بما حرفيته: ” إنّهم يعدون المكان لحرب عتيدة” ( بار، 2018، ص 45).
3 – ردود الفعل على الاتفاقيّة: في 13 نيسان 1870 تم تاسيس متحف متروبوليتان في نيويورك ليكون من اضخم واهم المتاحف في العالم إذ يحتوى على اثار من جميع الحضارات وهو يفوق اللوفر بمراحل من حيث الضخامة.
بعد الثورة في روسيا القيصيرية نهاية العام 1917، ولما نشرت الحكومة البلشفيّة نصوص الاتفاقيّة المعقودة ( سايكس بيكو ) بين روسيا وبريطانية وفرنسا، واطلعت عليها الحكومة العثمانيّة، بادرت إلى اغتنام الفرصة ونقل النبأ إلى الشّريف حسين وحثه على الرجوع عن الثورة وعقد صلح منفرد معها.
وقد جاء ذلك في ثلاث رسائل بعث بها جمال باشا، القائد العام في سورية، إلى الأمير فيصل وجعفر العسكري والأمير عبد الله وعلى أثر تسلّم فيصل كتاب جمال باشا أبرق بمضمونه إلى الملك حسين، فبادر الملك حسين، بإبلاغ مضمون الكتاب وعروض جمال باشا إلى المندوب السامي البريطاني في القاهرة طالبًا تفسيرًا للموضوع، وأمر فيصل وجعفر العسكري بعدم إرسال أي جواب لجمال.
الرسالة التي أرسلها جمال باشا الى الأمير فيصل بعد معرفته باتفاقيّة سايكس بيكو، مترجمة وباقي الوثائق المعروضة هنا بموافقة “مكتب جلالة ملكة بريطانية للقرطاسية” جمعها ونشرها نجدة فتحي صفوة في خمس مجلدات بعنوان ” الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية” المجلد الثالث الوثائق من ( 105 الى 113).
نص الرسالة:
من أحمد جمال باشا مقر القيادة العامة
للجيش الرابع العثماني الأركان العامة
إلى الأمير فيصل
دمشق في 13/11/1333 رومي
(26/11/1917) م
إنّنا اليوم نعيش أكثر الصفحات غموضًا وشكوكًا في تاريخ الإسلام. إنّ الحكومة الحاضرة التي تدعى حكومة “تركيّة الفتاة” قد دخلت، لسبب أو آخر، الحرب الكونيّة مصممة على وضع حد لمذلّة الإسلام، وعلى العيش بعز واستقلال، أو الموت بشرف. وقد تعهّدت بهذا واعتمدت الحكومة على التأييد القلبي والتّعاون من جانب العالم الإسلامي. ولأجل تحقيق الغاية نهجت المنهج الذي وجدته الأفضل والأصوب، مظهرة العطف إذ يجب العطف، والشّدة وتلزم الشدة. وقد اعترفتم خلال اجتماعتنا الكثيرة، في مناسبات عديدة، بعدالة وجهة نظرنا، وإنّني طالما سمعت ذلك منكم.
وفي برقيتكم الأخيرة التي تعلنون فيها انفصالكم النّهائي عنا، كنتم قد اعترفتم بغرابة تصرفكم هذا، ووعدتم بإيضاح دوافعه في اتصال شفهي يحصل في المستقبل القريب، طالبين في الوقت الحاضر المعذرة على سلوككم.
وهنالك زواية واحدة يمكن منها تبرير ثورتكم لمصلحة العرب، وذلك إمكان تأسيس حكومة عربيّة مستقلة ستضمن بهيبتها استقلال الإسلام وكرامته ورفعته. ولكن أيّ نوع من الاستقلال يمكنكم أن تتصوروا حكومة عربية تقوم بعد تدويل فلسطين، لقد أعلنت ذلك حكومات الحلفاء بصراحة وبصورة رسميّة، مع وضع سورية تحت السيطرة الفرنسيّة تمامًا، وجعل العراق بأسره جزءًا من الممتلكات البريطانية؟ وكيف ستتمكن حكومة كهذه من تقرير مصير الإسلام؟
لعلكم لم تفكروا بهذه النتائج في البداية، ولكنني آمل أن يظهر لكم مشهد الاحتلال البريطاني لفلسطين هذه الحقيقة عاريّة. وإنّه لمن المؤلم حقًا رؤية هذه الحقائق وهي تظهر للعيان بفظاعتها. والعزاء الوحيد هو أنّنا نعلم أن الأوان ليس متأخرًا لحصر الكارثة أو إصلاح الأخطاء التي ارتكبت. فإذا اعترفتم بهذه الحقيقة فليس هنالك ما هو أسهل من إعلان عفو عام عن الثورة العربيةّ وإعادة فتح المفاوضات لأجل حل المشكلة لصالح الإسلام. وإنّي واثق من أني بإرسالي هذا الكتاب أؤدي واجبًا دينيًّا. والمسؤولية تقع على من لا يقدرون هذا. والسّلام على من اتبع الهدى (موقع أحمد جمال).
الرسالة الجوابية للشريف حسين الذي سارع بارسال نسخ من رسائل جمال باشا الى الإدارة البريطانية.
نص الرسالة ّ
من نائب المعتمد البريطاني في جدة
إلى الملك حسين
الرقم 163
التاريخ: 8 شباط / فبراير 1918
صاحب السيادة العظمى ملك الحجاز وشريف مكة وأميرها المعظم.
بعد بيان ما يجب بيانه من الاحترام والتوقير، أمرني جناب فخامة نائب جلالته أن أبلغكم البرقية التي وصلت إلى فخامته من نظارة الخارجيّة البريطانيّة بلندن، وقد عنونتها حكومة جلالة ملك بريطانية العظمى باسم جلالتكم، وهذا نصها:
“إن حكومة جلالته تشعر بامتنان عميق للسرعة والصراحة التي حملت سموه على أن يرسل إلى المندوب السامي رسالة القائد التركي في سورية الموجهة إلى الأمير فيصل وجعفر باشا. إن ما قام به سموه مثال للصراحة والصّداقة اللتين ميزتا دائمًا الاتصالات بين حكومة صاحب الجلالة وحكومة الحجاز. لا ريب أنّ السياسة التركيّة ترمي إلى زرع عدم الثقة بين دول الحلفاء والعرب، الذين يقومون تحت تأثير سموه الملهم، يبذل الجهود الحثيثة لاسترجاع حريتهم القديمة، وذلك بالإيحاء للعرب أن الدول الحليفة تطمع في الأقطار العربية، وللدول الحليفة أن العرب يمكن تحويلهم عن هدفهم في تحرير أنفسهم. لكن أقوال الدّساسين لا تستطيع أن تثير الخلاف بين أولئك الذين تنطوي أذهانهم على فكرة واحدة.
إن حكومة صاحب الجلالة وحلفاءها يقفون بثبات إلى جانب الأمم المضطهدة، وهم يعتزمون مساندة الشّعوب العربيّة في كفاحها لأجل إعادة بناء عالم عربي يقوم فيه القانون مرة أخرى مقام المظالم العثمانية والاتحاد مقام المنافسات والحزازات المصطنعة التي يشجعها الموظفون الأتراك. وحكومة صاحب الجلالة تعيد تأكيد تعهداتها السابقة لعظمته بخصوص تحرير الشعوب العربية. إنّ التحرير هو سياسة حكومة صاحب الجلالة التي اتبعتها، وتنوي اتباعها، بعزم ثابت لحماية العرب الذين حُرِّروا من خطر عودة الاحتلال ومساعدة العرب الذين لا يزالون تحت نير المضطهد لأجل الحصول على حريتهم”.
وفي الختام ألتمس قبول خالص التحيات وعظيم الاحتشامات والتمنيات.
نائب المعتمد البريطاني بجدة
الكولونيل باسيت
لم يعلم الشريف حسين عن تفاصيل اتفاق سايكس بيكو الذي أشار جمال باشا اليه في رسائله، فقد كان في مضمون الرسائل معلومات عن اتفاق الإنكليز والفرنسين على اقتسام المنطقة من دون الخوض في تفاصيل الاتفاقيّة، إلى أن وصلت اليه نسخة من جريدة المستقبل العدد 101 الصادر بتاريخ 2 رمضان سنة 1336 حزيران 1918 وكان منشورًا فيها نص الخطاب الذي ألقاه جمال باشا في بيروت، وبين فيه تفاصيل الاتفاقيّة، فاضطرب الملك حسين اضطرابًا شديدًا.
وأبرق إلى معتمده في مصر برقية شديدة يأمره فيها بالحصول على إيضاحات من المندوب السامي حول الاتفاقيّة وأبعادها.
ويرد في الوثيقة رقم FO 371/3381 في أرشيف الوثائق البريطانية الرد: ( مترجمة وباقي الوثائق المعروضة هنا بموافقة “مكتب جلالة ملكة بريطانية للقرطاسية” جمعها ونشرها نجدة فتحي صفوة في خمس مجلدات بعنوان ” الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية” المجلد الثالث) (برقية).
من السير ريجنالد وينغيت (الإسكندريّة)
إلى وزارة الخارجية
الرقم: 948 التاريخ: 16 حزيران / يونيو 1918
عاجل
إنّ ملك الحجاز الذي يبدو أنّه اطلع لتوه في جريدة ( المستقبل (العدد 101 على تقرير عن الخطاب الذي ألقاه جمال باشا قبل سقوط القدس ببضعة أيام، قد أرسل برقية شديدة إلى وكيله موعزًا إليه بالقيام بتحقيقات عن الاتفاق البريطاني الفرنسي ونطاقه.
و لا بدّ أنّك تتذكر أن الملك لم يبلّغ قط باتفاقيّة سايكس بيكو بصورة رسميّة.
نصحت الوكيل أن يقول إن البلاشفة وجدوا في وزارة خارجيّة بتروغراد سجلًا لمحادثات قديمة وتفاهم موقت ( وليس معاهدة رسمية (بين بريطانية وفرنسة وروسيّة في أوائل الحرب تفاديًّا لقيام صعوبات بين الدّول في تنفيذ الحرب مع تركية. إنّ جمال إمّا بسبب جهله، أو بدافع الخبث، قد شوّه غرضها الأصلي وحذف بنودها المتعلقة بموافقة السكان المحليين وحماية مصالحهم، وتجاهل أن قيام الثورة فيما بعد ونجاحها، وانسحاب روسية منذ مدة طويلة، قد خلق وضعًا مختلفًا تمامًا.هل لي أن أضيف أنّنا نعدُّ الاتفاقيّة ميتة من جميع النواحي العملية؟
الفصل الرابع: تداعيات اتفاقية سايكس بيكو: تشبه حدود العالم العربي الحديث خطوطًا باهتة باللونين الأحمر والأزرق، رسمت بقلم رصاص على خريطة المشرق في أيار/ مايو 1916، في ذروة الحرب العالمية الأولى، لتقرير كيفيّة تقسيم أراضي الامبراطوريّة العثمانيّة التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا ودول المحور، وقد اتفق الحلفاء على حصول روسيا على اسطنبول والممرات البحريّة من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط وأرمينيا، أمّا الفرنسيون فأخذوا قطعة في النّصف تشمل لبنان وسوريا وكليليكيا في تركيا اليوم، وعُدَّت فلسطين أرضًا دولية، واتفق الطرفان على إضافة المناطق الصحراوية لمناطق نفوذ كل منهما فيما بعد، وفي العام 1917 أضيفت مطالب إيطاليا.
إنّ هزيمة العثمانيين العام 1918 غيّرت الخريطة بشكل واضح عبر القوة والدبلوماسيّة، إذ طرد مصطفى كمال أتاتورك القوى الغربيّة من منطقة الأناضول، في ما سيطرت بريطانيا على الموصل التي كانت من حصة فرنسا، وطالبت بها تركيا، وضمت محافظة الموصل إلى العراق.
وهنا يقتضي الإشارة إلى أن السبب الرئيس وراء الخلاف بين الحلفاء الثلاث (بريطانيا وفرنسا وروسيا)،هو اكتشاف النفط، فإنّه حتى قبل الحرب العظمى، كانت مصر وشمال إفريقيا وعدد من إمارات الخليج واقعة تحت استعمار الدول الأوروبيّة وحمايتها، ومع توقيع اتفاقية سايكس- بيكو أصبحت عبارة تنم عن الخيانّة الاستعمارية، وقد وصف المؤرخ جورج أنطونيوس الوثيقة إنّها صادمة، وأنها نتاج “للجشع المرتبط بالشك، الذي قاد إلى حماقة”، وقد كانت وعود بريطانيا المتناقضة، التي قدمتها بشكل منفصل لكل من فرنسا والعرب واليهود في أثناء الحرب، السبب في المظالم كلها ( طرابلسي، 2018، ص129).
كان العرب يتوقعون أنّه مع نهاية الحرب العالميّة الأولى، إقامة دولة هاشميّة تحكم من دمشق، وقد حصلوا في الواقع على دولة صغيرة في الأردن، وحصل الموارنة على لبنان بعد ضم الأقضية الأربعة له، لكنهم لم يستطيعوا حكمه منفردين، ولم يحصل الأكراد على دولة، وقُسِّموا بين أربع دول، وحصل اليهود على قطعة من فلسطين.
ومع نهاية الحرب فإن الهاشميين الذين ساعدوا البريطانيين في الحرب ضد الدولة العثمانيّة، طردوا من دمشق عندما اجتاحها الفرنسيون، وخسروا إمارتهم في الحجاز لعبد العزيز بن سعود الذي حصل على دعم بريطاني، والذي نجح لاحقًا بإنشاء المملكة العربية السعوديّة، بينما الهاشميين حصلوا على حكم العراق بتوصيّة خاصة من غيرتروود بيل حتى العام 1958، أمّا الفرع الآخر فيحكم الأردن، الذي كان يعرف بـ “عبر الأردن”.
أمّا الدولة الغاصبة فقد ولدت العام 1948 إنفاذًا لوعد بلفور، وأصبحت شوكة في ذلك الجسد العربي، وجعلت منطقة الشّرق الأوسط صفيح ساخن ملتهب.
وهي بالحالة هذه مركز النزاعات الجيوسياسيّة للحرب الباردة؛ وذلك بسبب قناة السويس واحتياطي النفط، وقد تعاونت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في مصر العام 1956، لكنها أجبرت على الانسحاب بتدخل أمريكي، مستدركًا أن أمريكا أصبحت القوّة المهيمنة بهندسة اتفاقيّة كامب ديفيد بينها وبين إسرائيل، وتدخلت في لبنان العام 1958 والعام 1982، وحمت البوارج الأمريكيّة ناقلات النفط في الخليج في أثناء الحرب العراقية الإيرانيّة.
هكذا، فالمشروع النهضوي العربي الذي ولد من أجل أن تتحرر الأمة العربية من الإستعمار، أسفر هو الآخر عن نقيضه، وهو الدولة القطريةالتي قامت حسب التقسيم الاستعماري (فتوني، 2014، ص 21).
ويهم أن نورد ما ورد في صحيفة “إيكونوميست” لقول رامي خوري، من الجامعة الأمريكيّة: “الكثير من الدول لها حدود غربية، لكن سايكس- بيكو مثلت للعرب رمزًا للظلم الذي أصابهم من الاستعمار، فهي تتحدث عن قرن قامت فيه القوى الغربيّة باللعب بنا وتدخلت في دولنا عسكريًّا (مجلة ايكونوميست-الجمعة 13 ايار 2016) “.
الخاتمة: لم تخرج مقولة الوحدة، بمستوياتها المختلفة، عن كونها إشكاليّة أرّخت بثقلها على مختلف مناحي الدولة العربية المعاصرة. بقيت هذه الإشكاليّة – منذ ما قبل الحقبة الاستعمارية في العالم العربي حتى اللحظة الراهنة – محل تقاطع بين مختلف المحددات التي يتوقف عليها النهوض الحضاري في المنطقة العربية، بدءاً من المسألة السياسية، مرورًا بالاقتصاد، من دون أن يتوقف الأمر عند الحدود الجغرافيّة والخلفيات الثقافية والدينيّة.
ومع مرور مائة عام على سايكس بيكو، خرجت المنطقة العربيّة من حال التجاذب بين الوحدة والتفتيت لصالح الأخير على خلفية انعدام فرص الوحدة، وانجرار مريع نحو التجزئة بشتى أشكالها. وفي ما اختار الغرب الذهاب نحو المزيد من التقارب بهدف بلوغ الوحدة كمؤشر على تجاوز الخلافات- بعد حربين كونيتين بين دوله ومكوّناته – والوصول إلى الذروة في تحقيق المصالح المشتركة، أخذت المنطقة العربية تتّجه نحو مزيد من التجزئة والتفتيت، كمؤشر على بلوغ مرحلة زوال السيادة، وانحلال المجتمع، وسقوط الدولة، وصولًا إلى ما هو متوقع من انهيار كبير.
ما تشهده المنطقة اليوم يمثل استمرارًا لمترتبات سايكس بيكو، مع اختلاف في الآليات والتّكتيكات، في ظل الحفاظ على الأهداف والمكتسبات ذاتها. ثمة حروب إقليميّة راهنة تشهدها المنطقة من خلال عناصر وأدوات محلية، خدمة لمصالح المستعمرين، وهم بمنأى عن الانخراط الفعلي فيها. وذلك وفق استراتيجيّات مدروسة ومبرمجة سلفًا، يراد منها في نهاية المطاف إعادة تفتيت المنطقة من خلال العودة بها إلى أصغر مكوّناتها الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة والقوميّة، وإعادة تشكيلها بما يضمن الإبقاء على ما أنتجته سايكس بيكو من مكاسب وامتيازات.
غير أن الانقسام الذي شهده العالم العربي، لم يكن ناجمًا عن استراتيجيّة التّفرقة التي اعتمدها الغرب المستعمر بمقدار ما كان مرتبطًا بعوامل ذاتية قابلة للتجزئة، توفرت في دول المنطقة وشعوبها. ذلك أن المجتمعات العربية لم تستطع الخروج عن المسار التاريخي الذي استوطن في بنية وعيها وتحكّم في ممارساتها، فظل راهنها امتدادًا لماضٍ غابرٍ، ولم تستطع الانتقال إلى واقع جديد يتطلع إلى المستقبل على قاعدة الأخذ بالمبادئ والمصالح، بعيدًا من منطق العشيرة الذي تحكمه العصبية والغريزة.
وإذا كان سايكس بيكو قد نجح في المرحلة السّابقة في تفتيت المنطقة، فإنّ قيام دولة إسرائيل في فلسطين – بمساندة الغرب وعلى رأسه بريطانيا وأمريكا – شكل مقدمة منتجة لمشروع التقسيم، بمقدار ما كان نتيجة صادرة عنه، فالتقسيم في المنطقة شرط لازم لوجود إسرائيل، كما أن بقاءه شرط ضروري لبقائها واستمرارها.
بالإضافة إلى ما تقدّم، لا يمكن الفصل موضوعيًّا بين “الربيع العربي” وتداعياته على مقولتي الوحدة والتجزئة في المنطقة. فمهما تكن حقيقة الدوافع والأهداف التي أفضت إلى خروج الشارع العربي على أنظمته في العديد من الدول، فإنّ النتائج والتداعيات التي ترتبت على ذلك، أدخلت الوطن العربي في مشاريع تقسيميّة باتت وشيكة وممكنة، بعدما كانت تبدو حتى الأمس القريب صعبة وشبه مستحيلة. فجاء هذا “الربيع” ليضع أي عملية تغيير عربي في خانة اليأس، ويقطع الطريق على إمكان النهوض، من خلال تكريس معادلة أن أي محاولة للتغيير ستنتهي إلى مزيد من الاحتراب والفوضى والتقسيم.
خارطة توضح مناطق النفوذ الانكليزي الفرنسي بحسب اتفاقية سايكس بيكو
خريطة سايكس- بيكو الرسمية، التي نشرها للمرة الأولى، الدكتور زين نور الدين زين في كتابه الصادر العام 1961، بعنوان: the struggle for arab independence .
جورج بيكو
مارك سايكس
المراجع
- بار، جايمس، 2018: خط في الرمال، بيروت، دار الساقي، الطبعة الأولى.
- حجازي، فهد،2013 :لبنان من دويلات فينيقيا الى فدرالية الطوائف /ج 2، بيروت- دار الفارابي.
- خشانة، رشيد، 2016: الطريق الى سايكس – بيكو – الحرب العالمية الأولى بعيون عربية / الدار العربية للعلوم ناشرون / ط1.
- رابط ارشيف الوثائق البريطانية: http: //discovery.nationalarchives.gov.uk
- ضاهر، مسعود، 2015: تاريخ لبنان الإجتماعي 1914-1926، الطبعة الثالثة،بيروت، دار الفارابي.
- طارق قاسم، 2012: تاريخ لبنان المعاصر35.
- طرابلس، فواز، 2018: تاريخ لبنان الحديث من الإمارة الى إتفاق الطائف، رياض الريس للنشلر والتوزيع .
- طرابلسي، فواز، 2013:حرير وحديد من جبل لبنان الى قناة السويس – رياض الريس للكتب والنشر.
- فتوني، علي، 2014: العرب ومخاطر الشرق الأوسط الجديد، دار الفرابي، ط1.
- فواز طرابلس: الديمقراطية ثورة” /رياض الريس للكتب والنشر.
- مجلة ايكونوميست-الجمعة 13 ايار 2016.
- واكيم، جمال، 2019: المشرق سياسيا، 1918-2018، الطبعة الأولى، بيروت – مركز المشرق للأبحاث والدراسات.
- (موقع) احمد جمال.
- Andrew and Kanya-Forstner-France Overseas-p99.
- BAR JAMES ;lords of the desert simon &Schuster-page 18.
- FROMKIN DAVID: A PEACE TO END ALL PEACE , HENRY HOLT AND COMPANY , 2009 , PAGE 35.
- MC MEEKIN,SEAN: BERLIN- BAGHDAD EXPRESS , PENGUIN BOOKS , 2010, PAGE 180.
- GBA-Bell to Mary Bell-1 Feb.1919.
[1] – طالب سنة ثالثة دكتوراه في قسم التاريخ التابع لكلية العلوم الإنسانية في جامعة بيروت العربية. زكريا يحيى الغول: محام بالاستئناف، منتسب الى نقابة المحامين في بيروت منذ العام 2000، شريك مؤسس لمكتب الغول – عراجي للمحاماة.
A third-year doctoral student in the department of history college of human sciences in Beirut Arab university.
Zakaria Yahia el ghoul: attorney at law, affiliated with the Beirut bar association since the year 2000.
Managing partner of the: el ghoul – Araji law firm.