أثر العوامل السّياسيّة في تحوّل مصر من الحكم الفاطمي إلى الحكم الأيوبيّ
(362 – 567هــ/ 972 – 1171م)
The impact of political factors on Egypt’s transition from Fatimid rule to Ayyubid rule (362 – 567 AH / 972 – 1171 AD)
Yasser Abdul Hussein Dagher ياسر عبد الحسين داغر[1]
Prof. Dr. Ali Hallaq أ ـ د. عليّ حلاّق (مشرفًا رئيسًا)[2]
Prof. Dr. Muhamad Ali Al-Quzi أ. د. محمّد عليّ القوزي (مشرفًا مشاركًا)[3]
تاريخ الإرسال: 16-11-2023 تاريخ القبول: 30-11-2023
المُلخص
يهدف هذا البحث إلى تبيان أثر العوامل السّياسيّة في تحوّل مصر من الحكم الفاطمي إلى الحكم الأيوبي (362 – 567هــ/ 972 – 1171م)، وتطرأ إلى الحديث عن نظام التوريث الّذي اتّبع في الدّولة الفاطميّة ومشاغل الخلفاء ولهوهم وانصرافهم عن شؤون الدولة وإدارتها وصغر سنّ الخلفاء سرّع في إنهاء هذه الدولة ذات المذهب الإسماعيلي الشيعي. كما أشرنا إلى الدور الّذي لعبه الوزراء في إدارة الدولة الفاطميّة كحكّام فعليّين لإدارة السلطة المركزيّة والصراع بينهم وبين الخلفاء أو بين بعضهم البعض سرّع في تحوّل مصر من الحكم الفاطمي إلى الحكم الأيوبي. من زاوية أخرى أشرنا في هذا البحث إلى دور بعض نساء القصر الفاطمي، وكيف ساهمن في إضعاف الدولة من الداخل ولا سيّما دور ست الملك الّتي تآمرت على أخيها الخليفة الحاكم بأمر الله وقتلته. وبعدها أوضحنا في هذا البحث أهميّة القاهرة ودورها السّياسي وموقف الصليبيّين منها، ثمّ تحدّثنا في نهاية البحث عن التحوّل التاريخي في الوزارة في عهد الوزراء الفاطميّين الّذي سرّع في القضاء على الدولة الفاطميّة سنة (567هــ/ 1171م).
الكلمات المفاتيح: الدولة العبّاسيّة، الدّولة الفاطميّة، الدولة النوريّة، الدولة الأيوبيّة، الفرنج، الصليبيّين، ست الملك، رصد، نور الدين محمود، صلاح الدين، وزارة تنفيذ، وزارة تفويض.
Summary
This research helped to explain the political contributions to Egypt’s transition from Fatimid rule to Ayyubid rule (362 – 567 AH/ 972 – 1171 AD), and it touched on the inheritance system that was followed in the Fatimid state and the concerns of the caliphs, their withdrawal from the affairs of the state and its administration, and the accelerated young age of the caliphs. In the religion of this country, which is the Ismaili sect. We also pointed out the role played by the treasury in managing the Fatimid state as actual rulers. The innovation of central power and the conflict between the parties accelerated Egypt’s transformation from Fatimid rule to Ayyubid rule. Finally, we referred in this research to the role of the women of the Fatimid palace and how the state was portrayed from the inside, especially the role of Sitt al – Malik al – Zawiya and how she conspired against her brother, the Caliph al – Hakim bi – Amr Allah, that night. Then, in this research on the Cairo minority, we explained its political cycles and the position of the Crusaders towards it. Finally, we fully discussed the historical succession during the era of the Fatimid ministry, which accelerated the elimination of the Fatimid state in the year (567AH/1171AD).
Keywords: Abbasid state, Fatimid state, Nuri state, Ayyubid state, Franks, Crusaders, Sitt al-Malik, monitoring, Nur al-Din Mahmoud, Saladin, Ministry of Execution, Ministry of Nomination.
مقدّمة
جاءت سيطرة الفاطميّين لمصر عام (358هــ/ 968م) مُتمثّلة بالمرحلة قبل الأخيرة في سبيل تحقيق هدفهم البعيد وهو الإحلال محل الخلافة العبّاسيّة كحكام وحيدين للعالم الإسلامي. لكن تحطّمت آمال الفاطميّين في الشام الّتي كانت تستخدم كنقطة انطلاق للهجوم النهائي الّذي كان سيحمل جيوش الفاطميّين إلى بغداد لتضع نهاية لحكم البويهيّين والخلافة العباسيّة. وكانت لدى الدّولة الفاطميّة بعض الخلفاء مُصابون بداء العظمة وحوّلوا طريقهم إلى الألوهيّة بعدها أدّى هذا إلى تحطيم المجتمع المصري بأكمله. وتولّى بعض خلفاء الفاطميّين الحكم وهم مُراهقين أو صغار السّن، فكان لهذا التأثير السلبي على حكم الدولة، فلم يكن يمتلكون خبرة سياسيّة أو إداريّة لتدبير شؤون دولتهم. كما أنّه كانت الصّراعات بين الوزراء وتدخلاتهم في شؤون الدولة، سببًا آخر لضعف الدّولة الفاطميّة. أيضًا أدّت النساء داخل الدولة الفاطميّة دورًا كبيرًا في التدخّل في شؤونها السّياسيّة والاقتصاديّة والتجاريّة والاجتماعيّة، وهذا الأمر ساهم في تفكيك وتحطيم هذه الدولة من الداخل (محمود، 2002م، ص155).
المبحث الأول – مراحل القوّة والضعف للخلافة الفاطميّة بين (362 – 567هــ/ 972 – 1171م).
1 – مرحلة القوّة في عهد الخلفاء الفاطميّين (362 – 468هــ/ 972 – 1075م)
مرّت الخلافة الفاطميّة في مصر، بمرحلتين: مرحلة القوّة (362 – 468هــ/ 972 – 1075م) وقد سيطر فيها خمسة خلفاء على الحكم، هم: المعز لدين الله (362 – 365هــ/ 972 – 975م)، والعزيز بالله (365 – 386هــ/ 975 – 996م)، والحاكم بأمر الله (386 – 411هــ/ 996 – 1021م)، والظاهر لإعزاز دين الله (411 – 427هــ/ 1021 – 1036م)، والفترة الأولى من حكم المستنصر بالله (427 – 468هــ/ 1036 – 1075م). أمّا مرحلة الضعف فتمثّل عهد الوزراء الفاطميّين (468 – 567هــ/ 1075 – 1171م) وقد انتهت بسقوط الخلافة الفاطميّة.
سيطرت الدولة الفاطميّة في عهد الخلفاء، على مصر عام (358هــ/ 967م)، ليمتد نفوذها نحو بلاد الشام واليمن والحجاز وبعض الجزيرة، ومع ذلك فإنّ هذه المناطق كانت تتعرّض للصراع بين مختلف الدويلات الّتي ظهرت في ظل الخلافة العبّاسيّة. وعندما خرج القائد التركي أفتكين من بغداد وانتزع دمشق من الفاطميّين وتحالف مع القرامطة لطرد الفاطميّين من بلاد الشام، اضطرّ الخليفة العزيز بالله لأن يخرج بنفسه لقتال أفتكين وأسره. ممّا يعني أن السلطة الفعليّة للخلافة الفاطميّة كانت داخل مصر، حيث استطاع الفاطميّون بتسامحهم مع المسلمين السنّة ومع أهل الذمّة من الأقباط واليهود أن يوحّدوا جميع عناصر الشعب المصري.
أصبح المشرق العربي مُشتّتًا بين خلافتين متصارعتين على أرضه وبخاصّة في بلاد الشام، وهما الخلافة العبّاسيّة السنّيّة والخلافة الفاطميّة الشيعيّة. وبذلك اشتدّت المذهبيّة بين الشيعة والسنّة في العراق وبخاصّة في بغداد أواخر القرن الخامس للهجرة/ الحادي عشر للميلاد، وجاء كثيرًا منها مصحوبًا بالقتل والنهب والفوضى (ابن الجوزي، 1986م، ج9، ص15و 26)، لتمتد إلى مصر وبخاصّة القاهرة الّتي لم تكن تخلو من الفتن في يوم عاشوراء (المقريزي، 1996م، ج2، ص198). وتحوّل الخلاف السنّي – الشيعي داخل العراق وداخل مصر إلى صدام عنيف بين الخلافتين العبّاسيّة والفاطميّة في بلاد الشام الّتي تعتبر حلقة وصل بين مصر والعراق، حتّى غدت بلاد الشام هي الأخرى مسرحًا للمنازعات بين الشيعة والسنّة (ابن تغري بردى، 1992م، ص58).
2 – مرحلة ضعف الخلافة الفاطميّة في عهد الوزراء الفاطميّين (468 – 567هــ/ 1075 – 1171م)
تعرّضت الخلافة الفاطميّة الّتي امتدّ نفوذها إلى مصر والشام في مرحلة القوّة، للضعف في النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة/ الحادي عشر للميلاد، وأخذ نفوذها ينحسر تدريجيًّا عن بلاد الشام. فانتهت بذلك مرحلة القوّة الّتي لعب فيها الخلفاء دورًا رئيسًا في توحيد مصر والشام والحجاز واليمن وبعض الجزيرة ولو لفترة قصيرة (ابن الأثير، 1966م، ج3، ص188).
وبدأت مرحلة الضعف الّتي آلت فيها السيطرة للوزراء (468 – 567هــ/ 1075 – 1171م)، بدأت في الفترة الثانية من حكم الخليفة المستنصر بالله (468 – 487هــ/ 1075 – 1094م)، ليتولّى بعده ستّة خلفاء ضعاف هم: المستعلي بالله (487 – 495هــ/ 1094 – 1101م)، الآمر بأحكام الله (495- 525هـ/1101- 1131م)، الحافظ لدين الله (525 – 544هــ/ 1131 – 1149م)، الظافر بالله (544 – 549هــ/ 1149 – 1154م)، الفائز بنصر الله (549 – 555هــ/ 1154 – 1160م)، ثمّ العاضد لدين الله (555 – 567هــ/ 1160 – 1171م).
ثمّ تولّى بدر الجمالي الأرمني[4] الوزارة مدّة عشرين عامًا (468 – 487هــ/ 1075 – 1094م)، ثمّ خلفه ابنه الوزير الأفضل بن بدر الجمالي مدّة ثمان وعشرين عامًا (487 – 515هــ/ 1094 – 1121م)، ثمّ الوزير محمد بن فاتك المأمون البطائحي لمدّة أربع سنوات (515 – 519هــ/ 1121 – 1125م)، استطاع بعدها الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله أن يسيطر على الحكم ويُعيد للخلافة الفاطميّة شيئًا من عظمتها المفقودة فحكم بدون وزير طيلة خمس سنوات (ابن ميسر، 1980م، ج2، ص73). وبمقتله سنة (524هــ/ 1130م)، عادت السيطرة للوزراء، الأكمل بن الأفضل عام (524هــ/ 1130م)، يانس ثمّ بهرام عام (526هــ/ 1132م)، وهم جميعًا من أصل أرمني، قبل أن يتولّى الوزارة ثلاثة من أهل السنّة، هم: رضوان بن ولخشي عام (531هــ/ 1137م) الّذي حاول التعاون مع عماد الدين زنكي من أجل القضاء على الخلافة الفاطميّة تمهيدًا للجهاد ضدّ الفرنج، والوزير العادل بن السلار عام (544هــ/ 1149م) الّذي سعى للإتفاق مع الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي الّذي كان يسعى لتوحيد مصر وبلاد الشام، وكان أسامة بن منقذ بمثابة حلقة وصل بين الوزير ونور الدين محمود (ابن منقذ، 1981م، ص10).
كان عدم التعاون بين الخلفاء الفاطميّين والوزراء من أهم مظاهر ضعف الدولة الفاطميّة وانحلالها. فقد بلغ الجفاء بينهم إلى حدّ العداء والتصادم، كما بلغ التنافس حول منصب الوزارة إلى حدّ التطاحن الدموي العنيف والإستعانة بقوى خارجيّة. ويكفي أن نُشير إلى أنّ جميع الوزراء الفاطميّين في مرحلة الضعف “عصر الوزراء” انتهوا قتلًا باستثناء أوّلهم الأمير بدر الجمالي، ثمّ وصلت عملية القتل والتصفية الجسديّة إلى الخلفاء الفاطميّين أنفسهم، فقتل المستعلي سنة (459هــ/ 1101م)، ثمّ الآمر سنة (524هــ/ 1130م)، ثمّ الظافر سنة (549هــ/ 1154م)، وأصبح “مذهب القوم ضربهم بعض الناس ببعض حتّى يفنوهم” (ابن منقذ، 1981م، ص19).
استمرّ الضعف مع الوزير الصالح بن رزيك (549هــ/ 1154م)، ثمّ ابنه الوزير العادل (556هــ/ 1161م) والّذي ما لبث أن قُتل على يد شاور الّذي تولّى الوزارة سنة (558هــ/ 1163م)، ليبدأ الصراع بين شاور وضرغام حول الوزارة فيقتل ضرغام سنة (559هــ/ 1165م)، ثمّ يُقتل شاور سنة (564هــ/ 1169م)، بعدما لم يتورّع كلّ منهما من الإستعانة بالفرنج من أجل وزارة مصر، فكانت النتيجة سقوط الخلافة الفاطميّة في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله في (7 محرّم 567هــ/ 10 أيلول – سبتمبر 1171م) على يد صلاح الدين الأيوبي (ابن الأثير، 1966م، ج3، ص217).
3 – أثر العوامل السّياسيّة في سقوط وانهيار الخلافة الفاطميّة (567هــ/ 1171م)
أ – نظام الحكم الوراثي، مجيء الخلفاء الصغار والضعفاء على الحكم.
تولّى الخلافة ثمانية من الفاطميّين، كان بينهم فترة اعتلاء العرش ثلاثة مراهقين وخمسة أطفال كان أوّلهم الحاكم بأمر الله (ابن الصيرفي، 1990م، ص58). ولد أبو علي منصور في شهر (ربيع الأول عام 375هــ/ تشرين الأول – أكتوبر 985م) وقد عهد إليه أبيه في عام (383هــ/ 993م) ثمّ بويع بالخلافة في اليوم الّذي توفي فيه أبيه وذلك في شهر (رمضان عام 386هــ/ أيار – مايو 996م) وله أحد عشر سنة وتولّى الوصاية عليه مربّيه وأستاذه برجوان الخادم (ابن خلكان، 1978م، ج2، ص153). وقد ثار الكتاميون وهم عصب الخلافة في مصر، إثر ارتقاء الحاكم العرش، وطلبوا منه عزل عيسى بن نسطورس وتولية زعيمهم أبي محمد الحسن بن عمار، وهدّدوا الخليفة بالإمتناع عن تقديم فروض الطاعة والولاء، وبالقتل إذا لم يصغِ إلى شكواهم ويعمل على تحقيق رغباتهم. ويمكن تقسيم عهد الحاكم بأمر الله إلى أربعة أقسام.
الأول كان من سنة (386هــ/ 996م) إلى سنة (390هــ/ 900م) وكان الحاكم في هذه المدّة لا يملك من أمور السلطان شيئًا إذ كانت السلطة في يد ابن عمار وبعدها برجوان (حسن، 1970م، ص165)، ومن هنا يتبيّن لنا بأن الأوضاع الداخليّة لم تكن جيّدة بسبب صغر سنّ الخليفة وقلّة خبرته في السياسة وإدارة الدولة.
أمّا الخليفة السابع الظاهر لإعزاز دين الله (411 – 427هــ/ 1021 – 1036م). ولد أبو هاشم الظاهر في شهر (رمضان 395هــ/ أيار – مايو 1005م)، وولّى الخلافة بعد مقتل أبيه بأيام، وهو يناهز السادسة عشر من عمره. كانت عمّته ست الملك[5] وصيّة عليه في الفترة الأولى من حكمه (الأيوبي، 1978م، ص86). فقد كان الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله على عكس والده، بعيدًا عن شؤون الدولة لأنّه نشأ محجوبًا في دار السيّدة العمّة ست الملك ومنشغلًا بالخروج واللّهو حيث أكثر من الخروج إلى نواحي عين الشمس والقصور (سيّد، 1992م، ص183). وكان محبًّا للغناء ومولعًا بالفن، ممّا جعله يُقلّل بعضًا من القوانين والإجراءات الّتي أصدرها والده، فرخّص شرب الخمر والغناء والحفلات والرقص، وسمح ببعض من المأكولات الّتي كانت قد مُنعت قبل حكمه كالملوخيّة وسائر أنواع الأسماك الّتي كانت ممنوعة أكلها قبل خلافته (المقريزي، 1996م، ج2، ص129). وأذن للنصارى واليهود الّذين تظاهروا بالإسلام في الإرتداد رغم مخالفة ذلك للشريعة الإسلاميّة (بروكلمان، 1968م، ص15). وألمّت بمصر في عهده أزمة اقتصاديّة كبيرة في سنة (415هــ/ 1025م) اشتدّ فيها الغلاء وفشا المرض بين الناس وكثُر فيهم الموت وأتى بالوباء إلى نفوق الحيوانات (سيّد، 1992م، ص184).
أمّا الخليفة المستنصر بالله أبو تميم بن الظاهر الّذي ولد في شهر (جمادي الأول 420هــ/ كانون الثاني – يناير 1029م) وبويع له بالخلافة في النصف من (شعبان عام 427هــ/ آذار – مارس 1036م) وهو في السابعة من عمره وظل في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر، وقد كان أطول الخلفاء عهدًا، غير ذلك أن مصر وأهالي مصر لم تتمتّع طوال هذه المدّة بالرخاء والطمأنينة عدا فترة قصيرة من حكمه، ثمّ حدثت بها أحداث سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة كان من آثارها أن تزعزع مركز الخلافة الفاطميّة وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الزوال (حسن، 1970م، ص169). وفي عهده شهدت مصر أحداثًا جسيمة في تاريخ الدولة الفاطميّة والّتي كادت أن تؤدّي بالخلافة نفسها في أول صدام حقيقي بينها وبين الخلافة العبّاسيّة وفقدت القاهرة عاصمة الفاطميّين مكانتها كمدينة تعتلي مركز الصدارة في العالم الإسلامي ولم يمضِ على إنشائها مئة عام (سيّد، 1992م، ص187). إن الخبراء في الدراسات الإسماعيليّة التاريخيّة يعتبرون عهد المستنصر بالله بداية النهاية للدولة الفاطميّة (تامر، 1991م، ج3، ص188). وذلك لما تعرّضت له من الكوارث الطبيعيّة فضلًا عن الاضطرابات السّياسيّة فخرجت على حكمه ولايات شمال أفريقيّة والولايات الشاميّة، والّتي استولى عليها السلاجقة منذ سنة (469هــ/ 1076م)، كما فقدت صقلية الّتي كانت تُعدّ من القواعد العظمى للدولة الفاطميّة (حلاق، 1986م، ص113 و151). وحدثت مجاعة كبيرة جدًّا عرفت بـ “الشدّة العظمى” واستمرّت هذه المجاعة سبع سنين (المقريزي، 1991م، ص145).
أمّا الخليفة الآمر بأحكام الله وهو ابن الخليفة المستعلي بالله وكنيته أبو علي، كان هو الخليفة العاشر للدولة الفاطميّة (ابن تغري بردى، 1992م، ج5، ص496). ولد في القاهرة في شهر (محرم عام 490هــ/ آب – أغسطس 1076م)، وبويع بالخلافة في شهر (صفر عام 495هــ/ أيلول – سبتمبر 1101م) وكان له من العمر خمس سنوات وفي تلك الفترة تسلّم الوزراء أهم شؤون الدولة والحكم نيابة عنه. وفي عهده بدأ شبح الإنهيار والوهن على الدولة، ووقع غلاء شديد وتقص في المواد الغذائيّة وعمّ الفساد والرشوة والسرقة، على يد كبار الموظّفين وصغار المستخدمين وساءت الأوضاع لدرجة أنّها أعطت ما يُنبّه الإنذار بأن النهاية أصبحت قريبة. وصار الخليفة ألعوبة في يدي الوزير الأفضل بن بدر الجمالي الّذي تدخّل في أهم خصوصيّات سلطات الخلافة، فكان يأمر وينهي على مراجعه، فألغى كثيرًا من المراسم والأعياد الدينيّة الّتي كانت أساسًا عند الشيعة، وأبطل احتفال المولد النبوي الشريف (تامر، 1991م، ج3، ص226)، وهذا يدلّ على أنّه كان يهدف من وراء ذلك إلى إضعاف النفوذ الفاطمي في مصر والعالم الإسلامي.
ب – الوزارة في عهد الخلافة الفاطميّة ودور الوزراء في إسقاط الدولة (362 – 567هــ/ 972 – 1171م).
إنّ أهم ما يميّز العصر الفاطمي انقسامه إلى ثلاثة مراحل وهي على الشكل التالي:
المرحلة الأولى – مرحلة التأسيس وقوّة الخلافة في عصرها الأول (362 – 468هــ/ 972 – 1075م):
كانت الوزارة في هذا العصر وزارة تنفيذ لأن الخلفاء كانوا على جانب كبير من القوّة بحيث استأثروا بإدارة شؤون البلاد (ماجد، 1963م، ص92 – 93). وكان اختيار الوزراء يتمّ من بين من يتوافر عنده الكفاية اللّازمة لهذا المنصب حتّى ولو اضطرّوا إلى تولية شخص من غير ملّتهم (المقريزي، 1996م، ج2، ص167و 180).
ومن وزراء هذا العصر: جعفر بن الفرات (السنّي) ويعقوب بن كلس (اليهودي) وعيسى بن نسطورس (النصراني). أمّا أشهرهم على التوالي: أبو الحسن علي بن جعفر بن فلاح، أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي وأبو منصور بن يوسف الفلاني (ابن الصيرفي، 1996م، ص21و 39).
وخلاصة القول إن سلطة الوزير في هذا العصر كانت محدودة الصلاحيّات، إذ كان بقاؤه في منصبه يتوقّف على رضا الخليفة وكسب ثقته وودّه.
المرحلة الثانية – مرحلة التحوّل من قوّة الخلافة والخلفاء إلى قوّة الوزراء في عهد أسرة آل جمالي (466-526هــ/ 1030 – 1131م):
أصبحت الوزارة في هذا العصر وزارة تفويض بعد أن تقلّدها أرباب السيف والقلم، وأصبح الخلفاء في حماية الوزراء الّذين استفحلت قوّتهم وازدادت ثروتهم، وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم. ومن وزراء هذا العصر أبو علي الحسن بن أبي سعيد بن سهل التستري وأصله يهودي ثمّ أسلم، وأبي منصور بن أبي اليمن وكان نصرانيًّا (ابن ميسر، 1980م، ص36).
ويأخذ بيت آل الجمالي ذوي الأصول الأرمنيّة أهميته في التاريخ الإسلامي بصورة عامّة والتاريخ الفاطمي بصورة خاصّة من خلال أنّ عهد هذه الأسرة ودورها يُعتبر بمثابة فاتحة لمرحلة جديدة من تاريخ الخلافة الفاطميّة في مرحلتها المصريّة نظرًا للدور الكبير الّذي لعبه أفراد هذه الأسرة الثلاث كلّ من بدر الجمالي (466 – 487هــ/ 1073 – 1094م) وولده الأفضل بن بدر الجمالي (487 – 515هــ/ 1094 – 1122م) وحفيده الأكمل أبو علي أحمد (524 – 526هــ/ 1129 – 1131م) أيام كل من الخليفة المستنصر وولده المستعلي وحفيده الآمر بالله، إلّا أن الفضل في وجود هذه الأسرة وشهرتها يعود لرئيس البيت وسيّده بدر الجمالي (ابن كثير، 1981م، ص305).
المرحلة الثالثة – مرحلة استلام صلاح الدين الأيوبي الوزارة وسعيه لإسقاط الخلافة الفاطميّة (564 – 567هــ/ 1168 – 1171م):
بوفاة أسد الدين شيركوه في (22 جمادي الآخرة 564هــ/ آذار – مارس 1169م) أي بعد شهرين وخمسة أيام من تقلّده الوزارة، أصرّ الخليفة العاضد لدين الله الفاطمي على اختيار صلاح الدين للوزارة ظنًّا منه أنّه سيكون أداة طيعة لصغر سنّه (ابن الأثير، 1993م، ص142)، فخلع الخليفة العاضد الوزارة لصلاح الدين وهو في الثانية والثلاثين من عمره، وأمر القاضي الفاضل بإنشاء سجل[6] بتوليته الوزارة، ولقّبه بــ “الملك الناصر” (البنداري، 1971م، ص81).
ج – قضاء صلاح الدين الأيوبي على الخلافة الفاطميّة (567هــ/ 1171م).
أجمعت كلمة أمراء نور الدين محمود زنكي على صلاح الدين، وقيل بأنّهم ألزموا الخليفة العاضد بتوليته الوزارة (ابن الفرات، 1967م، ص56) ثمّ قيل إنّ صلاح الدين هو الّذي سيطر على الوزارة بعد أن كسب الأمراء إلى جانبه (Elisseef, 1967, T2, P. 724).
ومهما يكن فقد خيّب صلاح الدين ظنّ الخليفة الفاطمي، فقد كان يُخطّط لإقامة دولة أيوبيّة مستقلّة في مصر، فأخذ يُساير سيّده نور الدين في بلاد الشام، وأمر بالدعاء للخليفة العباسي في مساجد القاهرة في (7 محرم 567هــ/ أيلول – سبتمبر 1171م) (ابن الأثير، 1966م، ج9، ص365)، وما لبث العاضد لدين الله آخر الخلفاء الفاطميّين أن مات مريضًا بعد ثلاثة أيام في (10 محرم 567هــ/ 13 أيلول – سبتمبر 1171م) دون أن يخبره أحد من أهله أو أصحابه بما حدث. فكان قدره أن يموت في يوم عاشوراء (10 محرم)، وهو اليوم الّذي استشهد فيه حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الإمام الحسين (رضي الله عنه).
وهكذا قضى صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطميّة في مصر، فاتّسعت دولة سيّده نور الدين محمود لتمتدّ من الفرات إلى النيل، بعد أن شملت: الموصل، ديار بكر، الجزيرة، بلاد الشام، مصر واليمن، وخطب على منابر مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وكان توحيد مصر وبلاد الشام والعراق، قد تمّ في عهد نور الدين محمود بن زنكي (ابن الأثير، 1993م، ص162و 172).
وتجمهر المصريّون من أهل السنّة تعبيرًا عن فرحتهم بالإنقلاب، “واستطالوا على الفاطميّين، وتتبّعوهم وأذلّوهم وصاروا لا يقدرون على الظهور من دورهم (أبو شامة، 2002م، ص197)، وبذلك يمكن القول بأنّه رغم المدّة الطويلة الّتي حكم فيها الفاطميّون مصر، إلّا أن حكمهم كان شكليًّا، وأنهم لم يُؤثّروا على نفوس المصريّين، ولم يتمكّنوا من كسب ولائهم الحقيقي.
وكان لسقوط الخلافة الفاطميّة صدى بالغ الأثر في نفوس المصريّين خاصّة والعالم الإسلامي عامّة. صحبتها هزّة فرح عمّت أوساط المذهب السنّي، وكانت البشائر الّتي كتبها العماد الأصفهاني (1987م، ص203) تقرأ في كل مدينة وقرية حتّى وصل حاملها إلى بغداد. ولمّا انتهى الخبر إلى نور الدين أرسل إلى الخليفة العباسي يعلمه بذلك مع ابن عصرون “فزيّنت بغداد وغلقت الأسواق، وعملت القباب وفرح المسلمون فرحًا شديدًا (ابن كثير، 1981م، ج12، ص264). وأرسل الخليفة العباسي الخِلع الثمينة إلى كل من نور الدين وصلاح الدين، كان من بينها سيفان أحدهما قلّد المستضيء به الشام لنور الدين والثاني مصر لصلاح الدين على أن يكون هذا الأخير نائبه فيها (المقريزي، 1997م، ج1، ص44).
ومن جهة ثانية فقد نصب صلاح الدين الأعلام السود على منابر الجوامع المصريّة وقرأ من عليها نسخة سجل بإسقاط المكوس وبشارات أخرى. أعلن فيها صلاح الدين بأن عهد الظلم انتهى وأن عهد دولته هو عهد البشارات الّتي سوف يتبع بعضها بعضًا، بعد أن أعلن رفع المكوس الديوانيّة بمصر والقاهرة، وعدم استلام أيّة ضريبة من الشعب المصري أو التجّار الأجانب ثوابًا للإنتصار، وتكون التجارة حرّة (ابن تعري بردى، 1992م، ج6، ص64).
وعلى ما يبدو، يمكن القول إن صلاح الدين الأيوبي كان ينتظر الفرصة السانحة لتأسيس الدولة الأيوبيّة في مصر، فإذا بهذه الفرصة سنحت بوفاة سيّده نور الدين محمود، ليؤسّس هذه الدولة ويُوحّد مصر وبلاد الشام تحت رايته قبل مواجهة الفرنج الصليبيّين واسترداد بيت المقدس.
د – دور النساء في إضعاف الحكم الفاطمي في مصر.
تبوأت المرأة في العصور الإسلاميّة منزلة عالية، ولعبت أدوارًا مهمّة في المجتمع المصري، وزاولت العديد من المهن والمناصب، وعلى الرغم من القيود الاجتماعيّة فقد نالت كامل حقوقها الشرعيّة، وقد حازت على الكثير من الألقاب الّتي تدلّ على التقدير. ففي العصر الفاطمي أطلقوا على زوجات الخلفاء لقب “الجهة” وكانت أحيانًا تُقرن بــ “الجهة العالية والمعظّمة” ويسبقها كلمة ” مولاتنا”[7]، كما أطلق ألقابًا كثيرة على أميرات قصر الخلافة مثل السيّدة الرحيمة[8]، الطاهرة[9]، الكريمة[10] والملكة[11]. فكانت أول النساء الّتي حظيت بمكانة عالية السيدة تغريد زوجة الخليفة المعز لدين الله وكانت تُلقّب بــ “أم الأمراء”، وهي سيّدة أعمال ذات عقليّة تجاريّة فذّة لها نشاط تجاري كبير تبعث بالجواري والعبيد من المغرب ويتمّ بيعهن في مصر على يد وكيلها (عبد الكريم أحمد، 1993م، ص51). لم يكن للسيدة تغريد أي دور سياسي لكن الخليفة كان يطلب مشاورتها في بعض أمور الدولة (تامر، 1991م، ج3، ص248).
فزوجة الخليفة المعز لدين الله (341 – 365هــ/ 953 – 975م) وأم الخليفة العزيز بالله (365 – 386هــ/ 975 – 996م) الّتي كانت تشتهر بلقب السيّدة المعزوبة، وأم الأمراء كانت جارية في المغرب كان لها شأنًا في السّياسة والتجارة والمجتمع (سرور، 1963م، ص109).
أشارت المصادر التاريخيّة بأن زوجة الخليفة العزيز بالله كانت جارية روميّة حازت على مكانة مؤثّرة لدى الخليفة، كما أنها كانت مسيحيّة (الزركلي، 1980م، ص213). كان لها أخوان أرسيانيوس أرساني وأرسيتس، رفعهما العزيز إلى قمّة السلّم الكنسي. أصبح أرسيتس بطريكًا للملكانيّين الكاثوليك أتباع الملك أو الإمبراطور في بيت المقدس عام (375هــ/985م)، وأرسيانيوس مطرانًا للقاهرة نفس العام، ثمّ بالإسكندريّة عام (390هــ/ 999م) (الإنطاكي، 1999م، ص164) وكانت السيّدة العزيزيّة تكبرهما خمسة عشر عامًا وهي حازمة العقل بصيرة بالأمور (ابن تغري بردى، 1992م، ج5، ص195). وكان لها أثر كبير في توجيه سياساته نحو النصارى، فهي كانت تختار الوزراء المناسبين للدولة الفاطميّة وكان أكثرهم نصرانيّين (عنان، 1964م، ص44).
وبعدها تأتي ابنة الخليفة العزيز الّتي لُقّبت بــ “ست الملك” وتُشير المصادر التاريخيّة أن والدها كان يقدّرها ولا يرد لها طلبًا. كما أنّها تمتّعت بثروة كبيرة حتّى أن الإقطاعات الّتي مُنحت لها كانت تشغل مئة ألف دينار في السنة، ولمّا توفيَ والدها وتولّى أخوها الصغير الخلافة وهو في الحادية عشر من عمره ولُقّب بــ “الحاكم بأمر الله” وكانت هي في الأربعين من العمر وتوصف بكونها مدبّرة غزيرة العقل ونظرًا لصغر سنّه، فقد اتّخذ الحاكم بأمر الله سلسلة إجراءات أغضبت المصريّين منها تخريبه للأتراك والبربر واشتدّت يده على النساء حتّى أنه أمر بعدم خروجهن من البيوت سوى في النهار أم في الليل (تامر، 1982م، ص56)، وأدّت هذه القرارات إلى خلاف بينه وبين أخته ست الملك وربّما كانت سببًا للخلاف وقيام الحاكم بنقل ولاية العهد من ابن شقيقها الصغير علي إلى ابن عمّه عبد الرحيم في سنة (404هــ/ 1013م) وقد وصل هذا الخلاف إلى مصادرة عقاراتها وحتّى اتهامها بالفجور ممّا دفعها إلى التخلّص منه بواسطة عبدين ثمّ أخفت الأمر لأيام لتتخلّص من ولي العهد عبد الرحيم أيضًا وترتّب لابن أخيها الصغير علي تولّي الخلافة وهو في السادسة عشر من عمره والّذي لقّب بــ”الظاهر” (411 – 427هــ/ 1021 – 1036م) (سيّد، 1992م، ص78).
عندما تولّى الظاهر الحكم كان في السادسة من عمره، ولذلك كانت عمّته ست الملك هي القائمة بأمور دولته، وقد قامت بالوصاية عليه في الفترة الأولى من حكمه وتدخّلت في شؤون البلاد (حسن، 1970م، ص167). واعتمدت في أول الأمر على رئيس الرؤساء خطير الملك أبي الحسن بن عمار بن محمد ثمّ أمرت بقتله في سنة (412هــ/ 1021م) وباشرت بتدبير الخلافة، فكان لا يُنفّذ أمرًا جلًّا أو أقل إلّا بتوقيع يخرج عنها بخط عبدها أبي البيان الصيقلي. كما وأنها مارست السلطة على نحو غير مسبوق حتّى وفاتها في سنة (415هــ/ 1024م)، وتعتبر ست الملك من أشهر وأقوى نساء العصر الفاطمي (الباشا، 1960م، ص79)
نستدل من هذه الأحداث على أن ست الملك هي الحاكم الفعلي في القصر لها الأمر والنهي في شؤون الخلافة من خلال أمرها لقتل أخيها الخليفة وتعيّين بدلًا منه واختيار له جهاز الحكم ليعاونوه في إدارة الخلافة، ومن المؤكّد إن هذه الأمور قد تُسهم في إضعاف سدّة الخلافة بل ويؤدّي إلى انهيارها وزوالها وهذا ما حصل بالفعل.
وفي عهد الخليفة المستنصر بالله، كان الوزير أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي، طوال تسع سنوات الأولى من خلافة المستنصر هو صاحب السلطة في مصر ولكن بعد وفاة هذا الوزير سنة (436هــ/ 1045م) تغيّرت الأحوال والنظام السّياسي والإداري في الدولة حيث تحكّمت السيّدة والدة الخليفة المستنصر بالله – السيّدة رصد[12] – في أمور الدولة بسبب صغر سنّ الخليفة (سيّد، 1992م، ص197). وكانت رصد جارية سوداء أسرت قلب الخليفة الظاهر فولدت له المستنصر بالله وجمعت في عهد ولدها الطويل الثروة والقوّة بعد أن جلبت العبيد السود السودان لتواجه بهم عسكر الأتراك، ممّا أدّى إلى صراع متواصل على السلطة (مشرفة، 1994م، ص145). كانت من أوائل النساء اللّاتي اتّخذن لأنفسهن علامة التوقيع على الأوراق الرسميّة وكانت علامتها “الحمد لله ولي كلّ نعمة” (المقريزي، 1996م، ج2، ص334)، لكنّها لم تتّسم بالحكمة، فكانت سياستها خرقاء، تستبدّ برأيها ولو أضر ذلك مصلحة البلاد. كما أنها لعبت دورًا هامًّا في إفشاء الفتنة بين طوائف العسكر المختلفة وهي الفتنة الّتي أدّت إلى خراب البلاد على حدّ تعبير المؤرّخين المصريّين (ابن ميسر، 1980م، ص24و 26).
وأمام هذه التطوّرات والأحداث نجد بأن الخلافة الفاطميّة ما زالت محافظة على سياسة التسامح مع ما يسمّى أهل الذمّة، ولا عجب أن نجد اليهود يعتلون أعلى المناصب في الإدارة والحياة السّياسيّة (العبادي، 1971م، ص305).
وبعد موت الجرجرائي عملت السيّدة رصد على تقريب أبي سعد التستري وجعلته متولي ديوانها فبسط كلمته بحيث لم يبق الوزير معه أمر ولائها سوى الاسم فقط وبعض المتنفّذين (حسين، 1963م، ص81و 84) ممّا أدّى إلى حقد الوزير الفلاحي وعمل التستري على استمالة المغاربة والزيادة في واجباتهم، وأنقص من أوراق الأتراك ممّا أدّى إلى نشوب قتال بين الفريقين أكثر من مرّة كذلك أخذ في تقريب اليهود وإيثارهم بالكثير من المناصب العامّة ممّا قلّب مشاعر المسلمين المصريّين عليهم وكثر عدائهم لهم (سيّد، 1992م، ص188). فاستغلّ الوزير الفلاحي رغم أنّه يهودي تحوّله إلى الإسلام وميوله إلى طائفة الأتراك، تحريضهم على قتل التستري وفعلًا قاموا به سنة (439هــ/ 1047م) (خسرو، 1970م، ص108).
لم تقبل السيّدة رصد بما فعله الأتراك ولا بتصرّف ولدها وعملت على التخلّص من الوزير الفلاحي، ولم يهدأ لها البال حتّى عزله الخليفة وأمر بقتله في سنة (440هــ/ 1048م) (سيّد، 1992م، ص199). وشرعت رصد في شراء العبيد السود من أهل جنسها واستكثرت منهم حتّى يُقال إنّهم بلغوا خمسين ألف أسوَد وجعلتهم طائفة خاصّة بها وزادت كراهيتها للأتراك لقتلهم التستري (المقريزي، 1991م، ج2، ص325). وعملت على ضربهم بالعبيد السود وأغرت الوزراء الواحد تلو الآخر لتحقيق ذلك فكانوا يتعلّلون لها ويخشون عاقبتها على الدولة حتّى نجحت في إغراق الوزير أبي الفرج البابلي بذلك، واشتعلت الفتنة بين الجند السودان والأتراك (ابن الأثير، 1966م، ج10، ص81). فاختلّت الأحوال ولم تنجح مساعي الوزير أبي الفرج في التقريب بين الأتراك والسودان، وأدّت هزيمة الجند السودان على زيادة السيّدة رصد من إشعال الموقف وأمدّت السودان بالسلاح والمال، فلم يقبل ذلك الأتراك، فتوجّهوا إلى السودان حتّى فرّقوهم في صعيد مصر (ابن الصيرفي، 1996م، ص78)، وتعتبر هذه الفترة في الدولة الفاطميّة بفترة الأزمة الإداريّة والسّياسيّة والحرب الأهليّة وكلّها بسبب تدخّل السيّدة رصد في شؤون الدولة وإدارتها.
وبناء على ذلك، فقد كان لدى نساء الدولة الفاطميّة تدخّل كبير في شؤون الدولة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وهذا الأمر الّذي ساهم في تفكيك وتحطيم هذه الدولة من الداخل. وفي هذه الفترة الأخيرة من عمر الدولة الفاطميّة لاحظنا بأن الخلافة كانت تمرّ بالأزمات الإداريّة والحروب الأهليّة، وكان لتدخّل النساء في شؤون الدولة المساهمة في إشعال الحروب وتبذير أموال الخزينة لمصالحهم الخاصّة، حتّى رأينا كيف كانوا يتمتّعن بالأمر والنهي في شؤون الحكم. وبعد أن تحدّثنا عن السيّدة رصد أم الخليفة المستنصر، ورأينا الإختلاف بينها وبين ستّ الملك أخت الخليفة الحاكم بأمر الله. إذ كانت متهوّرة، لم تفكّر في مصلحة الخلافة والدّولة الفاطميّة، وكان هوسها فقط السيطرة والتسلّط على الحكم والخليفة، فلم تراعِ مصلحة الخلافة واستمراريتها في قراراتها، إذ كانت نابعة من مصلحة شخصيّة فقط لا أكثر، على عكس ستّ الملك الّتي كان همّها الأوّل الحفاظ على هيبة الدولة والبيت الفاطمي. والدّليل في سوء قرارات وتصرّفات السيّدة رصد، أنّها أعطت الكثير من الصّلاحيّات لمن تولّى شؤون ديوانها أو الوزارة عندها. ما جعل الّذين تعاقبوا على الوزارة وعلى خدمتها، يتصرّفون بناءً على مصالحهم ومطامعهم ما أدّى إلى إضعاف الخليفة، فلم تكن سلطته تتعدّى الاسم. فالحكم بيد والدته ورجالها، وكان أكثر قرار سيّء اتّخذته هو مؤازرتها للجند السّودان من بني جنسها وتقويتهم وتحريضهم على الجند الأتراك، ممّا أدّى إلى الفتنة أو الشدّة المستنصريّة، الّتي استنفذت البلاد وجعلت الخليفة في وضع لا يُحسد عليه، ممّا اضطرّه للإستنجاد بأمير الجيوش بدر الجمالي لتخليص البلاد من الفتنة الّتي حلّت بها. وسرعان ما استأثر بالحكم وسيطر على الخليفة وجعل الوزارة بالوراثة، وبذلك انتقلت الخلافة الفاطميّة من عصر النفوذ والقوّة للخلفاء إلى عصر تسلّط الوزراء.
المبحث الثاني – التحوّلات السّياسيّة في مصر في عهد الوزراء الفاطميّين (489-565هـ/ 1096-1169م).
قامت الخلافة الفاطميّة أساسًا على الدعوة الإسماعيليّة الشيعيّة، ومع سيطرتها على مصر، وانتقال الخليفة المعز إليها، كان لابدّ من مركز سياسي عسكري ينعزل فيه الخليفة مع أعوانه وقواده لحماية الدعوة، لذلك تمّ بناء القاهرة. كما كان لابدّ من مركز ديني لنشر الدعوة، فتمّ بناء الجامع الأزهر. ولحماية هذين المركزين كان الاهتمام بتقوية الجيش والبحريّة. ولإضفاء هالة الحكم، ابتدع الفاطميّون عادات وتقاليد جديدة تبعث الفرح، وتقبّلها المجتمع المصري على ما يبدو ولكن دون أن يتقبّل معها المذهب الإسماعيلي الفاطمي، وبخاصّة بدعة الإحتفالات والأعياد الدينيّة الجديدة الّتي لم تكن معروفة من قبل، دون أن يتورّعوا عن مسايرة النصارى، وفي طليعتهم “القبط” بالإحتفال بأعيادهم.
ونظرًا لكون العوامل السّياسيّة والعسكرية من العوامل الّتي لها دور رئيسي في نشأة المدن وتطوّرها (ابن خلدون، 1979م، ص352)، فلقد كانت لهذه العوامل تأثيرًا كبيرًا على التطوّر العمراني للقاهرة في عهد الوزراء الفاطميّين ثمّ في عهد الوزير صلاح الدين الأيوبي. ففي هذه الفترة أخذ دور هذه المدينة في المجالين السّياسي والعسكري يبرز بشكل كبير، ممّا أدّى إلى تطوّر بعض نواحيها العمرانيّة، كنوع من التكيّف مع وظيفتها السّياسيّة والعسكريّة المستجدّة.
ومن أبرز مظاهر التأثير السّياسي والعسكري على القاهرة حينئذ يمكن ملاحظته في جانبين إثنين هما: أهميّة القاهرة سيّاسيًا وموقف الصليبيّين منها.
1 – أهميّة القاهرة سياسيًّا
إنّ الأهميّة السّياسيّة لأي مدينة ترتبط بعدد من العناصر الّتي تظهر من خلالها وتعمل على ترسيخ الدور الّذي تقوم به هذه المدينة كوظيفة وبالتالي كقيمة موضوعيّة. ومن أبرز هذه العناصر وأشدّها تأثيرًا، الناحية الجغرافيّة. فالموقع أحد أهم العناصر الّتي تكسب المدينة صفة من الصفات، سواء سياسيّة أو عسكريّة أو تجاريّة… إلخ. لذلك فإن دراسة موقع القاهرة والبُعد الجغرافي لها، يُعدّ من الأمور الضروريّة لاكتشاف أهميّة هذه المدينة (حمدان، 1986م، ص282).
والحقيقة فإنّ أهميّة القاهرة جغرافيًّا لا تكمن فيما يمتلكه موقعها من أهميّة أو خصائص معيّنة. فهذه السمات الجغرافيّة – لموقع القاهرة – لا يوجد لها أي بُعد جغرافي يمكن الاستفادة منه هنا، بيد أنّ ذلك لا ينفي عن القاهرة أي سمات جغرافيّة ذات دلالات مُفيدة للناحيّة السّياسيّة. ونظرًا لكون القاهرة عاصمة للإقليم المصري أكسبها صفة سياسيّة مهمّة نبعت من موقع مصر الجغرافي.
فمصر تقع على الطرف الشمالي الشرقي من القارّة الأفريقيّة، وتتّصل في الوقت نفسه مع الطرف الجنوبي لآسيا لتكون جزءًا من المنطقة الّتي يتداخل فيها الماء واليابس بشكل كبير، حيث يوجد البحر المتوسط، والبحر الأحمر، وخليج السويس، والخليج العربي (حمدان، 1980م، ص691).
ولقد تميّزت هذه المنطقة على الدوام بأنّها أهم مركز لحركة التجارة العالميّة منذ أقدم العصور[13]. الأمر الّذي جعل مصر مُهيأة للاتّصال ببقيّة العالم القديم. ولقد أكسب هذا الموقع مصر أهميّة سياسيّة كبرى، إذ يعتبر بعض المُتخصّصين بدراسة الجغرافيا السّياسيّة أنّ مصر هي المركز الأساسي في التأثير السّياسي في المنطقة. وهو تأثير يتّسع ويضيق بسبب الأوضاع السّياسيّة المختلفة الّتي مرّت بها هذه البلاد عبر تاريخها الطويل (وهبة، 1980م، ص224).
وتوجّهت أنظار الفاطميّين إلى مصر منذ فترة مبكّرة لأهميتها من الناحيتين السّياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة (حسن، 1970م، ص113)، وكونها تتفوّق على بلاد المغرب من حيث ثروتها وموقعها الجغرافي بالقرب من المراكز العربيّة الإسلاميّة المتمثّلة بالحجاز والشّام والعراق، وأهليتها لأن تكون مقرًّا للدولة الفاطميّة، كما يمكن اتّخاذها قاعدة لتهديد الخلافة العبّاسيّة في بغداد ومحاولة مدّ نفوذهم على حساب أملاكها في بلاد الشام (سرور، 1963م، ص27).
فإن كلّ الاعتبارات الجغرافيّة – الموضع، الاقتصاد والسكان – أدّت إلى أن تكسب هذه البلاد أهميّة سياسيّة على مستوى المنطقة على أقل تقدير، الأمر الّذي دفع بأحد قادة فرنسا لويس الرابع عشر إلى القول: “بأنّه لا يوجد بين أجزاء المعمورة جميعًا بلد يمكن السيطرة من خلاله على العالم وبحاره سوى مصر” (لين بول، 2011م، ص145).
ولا شكّ في أن مثل هذه الخصائص الّتي تتمتّع بها هذه البلاد، ستكون مُجسّدة بشكل أو بآخر في العاصمة الّتي تُدير شؤونها، وبالتالي فإن مصر من ناحية – الجغرافيا السّياسيّة – هي القاهرة أيضًا.
لذلك فإنّ الظروف التاريخيّة هي إحدى أهم الجوانب الّتي يمكن من خلالها التعرّف على أهميّة القاهرة في فترة من الفترات. فالظروف التاريخيّة الّتي مرّت بهذه المدينة في عهد صلاح الدين الأيوبي، تُعتبر من الجوانب الهامّة الّتي يمكن من خلالها التعرّف على أهميّة القاهرة في تلك الفترة.
ولقد أدرك بنو أيوب أهميّة مصر خاصّة بعدما تعرّفوا على هذه البلاد ومقدّراتها من خلال الحملات المتعاقبة عليها كقادة لجيش نور الدين محمود بن زنكي. حيث تنقل المصادر التاريخيّة عن أن أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين الأيوبي، ما يُفيد بأنّه “كان راغبًا في الإستيلاء على هذه البلاد والتمكّن منها” (ابن شدّاد، 1964م، ص38) لما تمتلكه من خصائص جغرافيّة وعسكريّة في آن معًا، إذ قال أسد الدين لأصحابه: “قد علمتم رغبتي في هذه البلاد ومحبّتي لها وحرصي عليها ولا سيّما وقد تحقّقت أن عند الفرنج منها ما عندي” (أبو شامة، 2002م، ص435). ممّا يدلّ عن رغبة أسد الدين في الإستيلاء على مصر نظرًا لأهميتها الإستراتيجيّة العسكريّة بعد أن استطاع هو وصلاح الدين من صدّ الفرنج عن كثير من مواقعها ولا سيّما عن القاهرة العاصمة والإسكندريّة المتحصّنة بأهلها الّذين وقفوا صفًّا منيعًا مع صلاح الدين في وجه الغزاة الفرنج.
ومن المؤكّد أن هذا الوضوح في الرؤيا حيال مصر يعني الكثير بالنسبة للدولة الأيوبيّة، هذه الدولة يعتبر بعض المؤرّخين أن بداية ظهورها كان منذ أن تولّى صلاح الدين منصب الوزارة في عام (564هــ/ 1168م) في عهد الخليفة العاضد (ابن واصل، 1957م، ص171).
فلقد كان ميلاد هذه الدولة إذانًا بتحوّل تاريخي للموقف السّياسي للقاهرة الّتي بدأت بالدخول في مرحلة سياسيّة جديدة، تختلف عمّا كانت عليه في أواخر العصر الفاطمي. ففي أواخر هذا العصر تدهورت قيمة هذه المدينة بشكل كبير، يدلّ ذلك حريق الفسطاط، الّذي لم يجد الفاطميّون بدًّا منه لهدم قدرتهم في الدفاع عنها، ضدّ المحاولة الّتي قام بها الصليبيّون للإستيلاء عليها، وهذه الحادثة ذات دلالة واضحة على مدى التردّي السّياسي الّذي كانت المدينة تُعاني منه، إذ تطوّر الموقف السّياسي للمدينة من خلال تغيّر الدّولة وظهور موقف جديد يقوم على أساس ديني أخلاقي، يهدف إلى توحيد العالم الإسلامي (عاشور، 1972م، ص47) في ظلّ سيادة واحدة هي الخلافة العبّاسيّة الّتي كان صلاح الدين يكنّ لها الولاء الشّديد (جب هاملتون، 1088م، ص192)، وهذا التوحيد يستهدف إيجاد جبهة قويّة موحّدة قادرة على مقاومة الوجود الصليبي في بلاد الشام والقضاء عليه. وهذه السّياسة ورثها صلاح الدين الأيوبي عن سيّده نور الدين محمود الّذي كان يعمل جاهدًا على تحقيق أهدافها (الشيّال، 1967م، ص11). فصلاح الدين كان رجلًا مؤمنًا بالله وبعقيدة الإسلام متمسّكًا بمبادئه الّتي حرص على أن يُمارس سياسته من خلالها (حلاق، 1997م، ص98 – 99).
وتذكر الروايات التّاريخيّة أنّه عندما آلت إليه الأمور في البلاد المصريّة بتولية منصب الوزارة، وقع في صدره ما يدفعه نحو مجاهدة الصليبيّين، فشعر بأنّه أصبح مُلزمًا بمهمّة تحرير الأراضي الإسلاميّة وإنقاذها من أيديهم (ابن شداد، 1964م، ص41)، بعد أن فشلت سياسة الوزراء الفاطميّين في مواجهة الصليبيّين (489- 565هــ/ 1069 – 1169م). فأقبل على الجهاد وأخذ يعدّ العدّة نحو تحقيق هذا الهدف الّذي سيطر على توجهاته وسلوكه (حلاق، 1997م، ص100).
لذلك قام صلاح الدين الأيوبي منذ البداية بتحركاته السّياسيّة والعسكريّة حيث أدرك مدى أهميّة ربط مصر ببلاد الشام. ولأن توتّر الحياة السّياسيّة والعسكريّة في المنطقة كان يحدو بكل إنسان التفكير بالقوّة والقيادة لإنقاذ الأوضاع. وكان صلاح الدين أيضًا من أولئك الشّباب الّذين فكّروا بإنقاذ الأمّة وكان إنقاذ الأمّة مرتبطًا بوحدتها. ومعنى وحدتها أن تكون – مصر – في كل الأحوال – تابعة للشام. وبدأت أبعاد هذه التحرّكات تتّضح بعد أن قضى صلاح الدين على الخلافة الفاطميّة (567هــ/ 1171م).
وبشكل عام فإنّ هذه التطوّرات علاوة على الإمكانيّات الّتي تمتّع بها الإقليم المصري، أدّت إلى أن تتبوأ القاهرة مركز الصدارة كعاصمة لدولة من أكبر دول العالم الإسلامي في ذلك الوقت. ومن أهمّها على الإطلاق نظرًا لما قامت به من دور يهدف إلى توحيد العالم الإسلامي، وطرد الصليبيّين من معظم الأراضي الّتي احتلّوها، حيث لم يبق للصليبيّين في عهد صلاح الدين سوى شريط ساحلي ضيّق.
ومن أبرز الدلائل على ذلك هو أنّ سلطان هذه الدولة قد خصّ بعناية الكثير من مؤرّخي السِيَرِ في عصر الحروب الصّليبيّة الّذين افاضوا بالحديث عن أهدافه السامية وبشخصيّته العظيمة وأخلاقه الكريمة. وبطبيعة الحال فإنّ ذلك سينعكس على وضع القاهرة نفسها، الّتي تحوّلت ابتداء من هذا التاريخ إلى عاصمة الصمود والمواجهة، ومقر قيادة حركة الجهاد الإسلامي ضدّ هجمات أعداء هذا الدين وهذه الأمّة. ولذلك كان لابدّ أن تكسب السمات العمرانيّة الّتي تعبّر عن هذا الوضع، فأخذ صلاح الدين بتحويل القاهرة إلى عاصمة جديرة بدولة عظيمة فقام بتحصينها حيث بنى لها سورًا كبيرًا يُوفّر الحماية لمساحة شاسعة من المدينة الكبرى. علاوة على قلعة حصينة تُبنى في هذه المدينة لأوّل مرّة، كذلك زوّدها بمنشآت دينيّة تعليميّة ضخمة، فمدرسته الواقعة بجوار قبر الإمام الشافعي، كانت أشبه ما تكون ببلد مستقلّ بذاته (بدوي، 1976م، ص253).
2 – موقف الصليبيّين من القاهرة
تُمثّل الحروب الصليبيّة منعطفًا خطيرًا في التاريخ الإسلامي، لما ترتّب عليها من نتائج سياسيّة واجتماعيّة في حياة المسلمين، إذ أنّ دخول الصّليبيّين إلى بلاد الشام وانتصارهم على المسلمين وتأسيسهم لمجموعة من الإمارات فيها أوجد ردود فعل مُختلفة عند المسلمين أخذت في نهاية الأمر تتطوّر في شكل مواجهة للعدوان الصليبي، ترتّب عنها تغيّرات في الخارطة السّياسيّة للمنطقة بشكل عام.
وعلى أيّة حال فإنّ دراسة موقف الصليبيّين من القاهرة يمكن فهمه من الموقف العام لهم تجاه الإقليم المصري، حيث أن القاهرة تُمثّل مركز القيادة الّذي يُدار منه أمر البلاد وبالتالي فإنّ الموقف الصليبي العام تجاه مصر يتبلور فيه ذات الموقف تجاه عاصمتها القاهرة.
ويمكن القول بأنّ الموقف الصليبي تجاه مصر خلال تلك الفترة قد مرّ بثلاث مراحل تاريخيّة كانت تنصبّ جميعها في هدف واحد وهو الإستيلاء على ارض الكنانة. إذ أنّ الصليبيّين أدركوا منذ أن وطئت أقدامهم أرض بلاد الشام، أهميّة مصر من الناحيتين الجغرافيّة والاقتصاديّة وإن كان هذا الإدراك أخذ يتطوّر بشكل عميق بمرور الأيّام، ويدلّ على ذلك المراحل التّاريخيّة الثلاث الّتي مرّ بها الموقف الصليبي تجاه مصر.
وأولى هذه المراحل التّاريخيّة تبدأ بدخول الصليبيّين بلاد الشام وتنتهي بدخول القوات الزنكيّة إلى مصر وتمكّنها من بسط سيطرتها الزنكيّة عليها عام (564هــ/ 1168م)، فلقد تزامن الدخول الصليبي إلى بلاد الشام، مع سوء الأوضاع الدّاخليّة للدّولة الفاطميّة حيث كانت الدولة الفاطميّة تُعاني من الضعف في ذلك الوقت، ولذلك لم تكن قادرة على مواجهة الهجمة الصليبيّة على بلاد الشّام ممّا أدّى إلى أن يوصف الموقف الفاطمي تجاه هذه الهجمة بالسلبيّة وعدم المُبالاة (عاشور، 1972م، ص9).
أمّا المرحلة الثانية من الموقف الصليبي تجاه القاهرة، فإنّها تبدأ بنهاية المرحلة الأولى، وتتميّز بأنّها أشدّ خطورة من الأولى، نظرًا لما ترتّب عنها من تطوّر في الموقف الصليبي تجاه مصر، نظرًا لتغيّر الأوضاع فيها. فبعدما كانت مصر لعبة في يد الصليبيّين، يفرضون عليها الجزية ويشنّون عليها الحملات بهدف الإستيلاء عليها وهم أكثر اطمئنانًا بقدرتهم في تحقيق هذا الغرض، فإنّ بسط النفوذ الزنكي على هذه البلاد، قد أربك الصّليبيّين في الشّام حيث أنّهم خافوا وأيقنوا بأنّ في ذلك هلاكهم (ابن الأثير، 1966م، ص105)، ممّا دفعهم إلى طلب العون من أوروبا “فبعثوا جماعة من الرهبان يُحرّضون الناس على الحركة” (أبو شامة، 2002م، ص456) لنجدة إخوانهم الصّليبيّين في المشرق مستغلّين المشاعر الدّينيّة لتهييج مشاعر النّاس بالتباكي على مصير بيت المقدس الّذي أصبح قاب قوسين من أن يؤول إلى أيدي أصحابه المسلمين (Champdor, 1956, P246).
إنّ هذا التحوّل يعني بأنّ الموقف الصّليبي تحوّل من طمع ورغبة في الإستيلاء على مصر، إلى خوف من التطوّرات الّتي حدثت في مصر لما ترتّب على ذلك نتائج تُهدّد مستقبل وجودهم.
أمّا المرحلة الثالثة والأخيرة، فإنّها تبدأ بعد نهاية المرحلة الثانية. وفي هذه المرحلة أصبحت الهجمات ضدّ مصر تأتي من أوروبا مُباشرة، ممّا يعكس مدى أهميتها في خطط الأوروبيّين، خاصّة بعدما تمكّن صلاح الدين الأيوبي من القضاء على الخلافة الفاطميّة في سنة (567هــ/ 1171م)، وبعد أن داوم على مناوشة الصّليبيّين من الجبهة الجنوبيّة الغربيّة، فشنّ عليهم عددًا من الحملات المتعاقبة (جب هاملتون، 1988م، ص120).
ولقد أدّى ذلك لأن يُدرك الأوروبيّون مدى خطورة وضع الدّولة الأيوبيّة في ذلك الوقت على بني جلدتهم في الشام. فعمدوا إلى مهاجمته من أوروبا مُباشرة، ففي أوائل سنة (570هــ/ 1174م) قام أسطول صقليي ضخم بمهاجمة ميناء الإسكندريّة في موعد تواطؤوا فيه مع بعض أتباع الفاطميّين الّذين قاموا في أواخر سنة (569هــ/ 1173م) بثورة في صعيد مصر تمكّن صلاح الدين من القضاء عليها (ابن واصل، 1957م، ص222).
ولقد آل مصير الحملة البحرية الصقليّة على الإسكندريّة إلى الفشل الذريع، فغنم المسلمون من أعدائهم مغانم كثيرة (ابن شدّاد، 1964م، ص50)، واستمرّت هذه المرحلة إلى ما بعد عهد صلاح الدين الأيوبي، إذ شهدت مصر بعد عهد صلاح الدين توجّه الحملات الصّليبيّة نحو مصر مباشرة من أوروبا ويعكس هذا الأمر مدى تطوّر النظرة الصليبيّة نحو مصر، كما أنّه يعكس أهميّة مصر، والّتي أضحت بفضل الناصر صلاح الدين مركز المقاومة الأولى ضدّ الوجود الصّليبي في العالم الإسلامي وفشل الوزراء الفاطميّين على التوالي في مجابهة ومقاومة الوجود الصّليبي، بل أبعد من ذلك راحوا يتعاونون معهم من أجل مصالحهم ومراكزهم (عاشور، 1973م، ص920).
ولا شكّ بأنّ هذا الخطر الصليبي كان من العوامل الرئيسة الّتي دفعت بصلاح الدين نحو تشجيع الهجرة إلى مصر، إذ أنّ زيادة الكثافة السكّانيّة في هذه البلاد سيُساعد إلى حدّ بعيد على زيادة قدرتها نحو مقاومة الهجمات الصّليبيّة. وبطبيعة الحال فإنّ مثل هذه الهجرات ستنعكس على المدينة بشكل أو بآخر في ازدياد سكّانها، وبالتالي زيادة في نشاطهم العمراني الّذي يمكن ملاحظته في جانب من جوانب تلك السّاحات الخالية من البناء الّتي جرى تعميرها في القاهرة في عهد الناصر صلاح الدين. وكان للحوادث الدّاخليّة في مصر دورًا في إحداث التغيّر السكّاني في القاهرة، إذ قام صلاح الدين بتهجير الكثير من أتباع الشّيعة إلى خارج القاهرة عقب هذه الثورات والفتن الدّاخليّة.
3 – تحوّل الوزارة من وزارة التنفيذ إلى وزارة التفويض:
كانت الوزارة في العهد الفاطمي الأوّل – عهد الخلفاء – وزارة تنفيذ بمعنى أن سلطة الوزير كانت محدودة، لأنّ الوزير في تلك الفترة من العصر الفاطمي رغم تمتّعه بالقوّة والنفوذ، كان بقاؤه في مركزه متوقّفًا على تمتّعه برضى الخليفة وتعضيده. ومن أشهر هؤلاء الوزراء: يعقوب بن كلس وعسلوج بن الحسن.
غير أنّ تلك الحال لم تلبث أن تبدّلت لا سيّما في العهد الأخير من أيام الفاطميّين. بمعنى أن الوزارة أصبحت وزارة تفويض، أي أنّ الخلفاء تنازلوا عن سلطانهم للوزراء، ففي عهد الخليفة المستنصر الفاطمي، قامت وزارة التفويض حين استدعى هذا الخليفة بدر الجمالي والي عكا لإصلاح أمور مصر بعد الشدّة المستنصريّة العظمى. وكان المستنصر ومن جاء بعده من الخلفاء الضعفاء حيث لم يبق لهم من النفوذ شيء، حتّى أُطلق على هذا العصر “عصر الوزراء العظام”. فقد تلاشت شخصيّة الخليفة وعظُم سلطان الوزراء وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم وكانوا يختارون أضعفهم إرادة حتّى يكون ألعوبة في أيدهم.
والجدير بالذكر أن بعض وزراء الدولة الفاطميّة أطلقوا على أنفسهم لقب “ملك” وكان أوّل من تلقّب بهذا اللّقب رضوان بن ولخشي وزير الخليفة الحافظ لدين الله (525 – 544هــ/ 1131 – 1149م)، فقد كان يُطلق عليه الملك الأفضل، كما تلقّب الوزير طلائع بن رزيك بالملك المنصور، وتلقّب ابنه رزيك كما تلقّب شاور وزير الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميّين (حسن، 1970م، ص370).
إلّا أن سلطان الوزراء الفاطميّين ظهر واضحًا في عهد الوزير الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي وفي عهد الوزير علي بن الأفضل، فقد تمتّع كلّ منهما بسلطة مُطلقة وأصبحت موارد الدّولة الفاطميّة الواسعة في قبضة أيديهما. وغدت دار كلّ منهما المحور الّذي تدور عليه الأعمال الحكوميّة في الدّولة.
ولا بدّ من الإشارة هنا ان صلاح الدين عندما ولّي الوزارة من قبل الخليفة العاضد الفاطمي هو نفسه أي الخليفة الّذي أطلق عليه تسمية السلطان الناصر، وأن صلاح الدين لم يكن يكترث بالألقاب بقدر ما كان يطمح إلى تحقيق مشروعه السّياسي والعسكري في مصر وبلاد الشام.
الخاتمة
حاول هذا البحث أن يوضح أثر العوامل السّياسيّة في تحوّل مصر من الحكم الفاطمي إلى الحكم الأيوبي (362 – 567هــ/ 972 – 1171م). وسُجّل في ختام هذا البحث ما تبلور بين أيدينا من نتائج تُعدّ جديرة بالاهتمام.
– أنّه بناء على ما تقدّم أعلن الفاطميّون الشيعة عن قيام الخلافة الفاطميّة وأضحت دولتهم أكبر دولة استقلّت عن الدولة العبّاسيّة والمنافس الرئيسي لها على زعامة الأراضي المقدّسة، وزعامة المسلمين.
– فضلًا عن ذلك، كان أمل الفاطميّين التوسّع شرقًا ومجابهة الخلافة العبّاسيّة للقضاء عليها، وإن كانت دعوتهم قد أقاموها في أطراف العالم الإسلامي بعيدة عن العبّاسيّين، فإنّ ذلك لم يعد مقبولًا عندهم، بعد أن قويت شوكتهم واتّسع نفوذهم، وأصبحت الفرصة مواتية لتحقيق الحلم المنشود، والتواجد في قلب العالم الإسلامي، لذلك تمّ لهم الاستيلاء على مصر وبعدها مدّوا نفوذهم إلى بلاد الشام ولكن الظروف تبدّلت هناك حيث استغل الفرنج الإنقسام في العالم الإسلامي وتوغلوا مسرعين بتسيير حملاتهم الصليبيّة نحو بلاد الشام.
– تجدر الإشارة إلى تناول أحداث مصر في مرحلة دقيقة من تاريخها تاريخ الدولة الفاطميّة، تركت آثارًا كبيرة على حياة أهلها إلى يومنا هذا، فالإنتقال التاريخي الّذي حصل في مصر منذ سيطرة الفاطميّين عليها واتّخاذهم القاهرة مركزًا للدعوة الفاطميّة حتّى عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي عهد الإنقلاب المُعاكس عمل على إرجاع مصر إلى الحاضنة الّتي كان شعب مصر تابعًا لها سياسيًّا ودينيًّا، بالإضافة إلى الحديث عن تأثّر أهل الديار المصريّة في تلك الحِقبة بالعديد من العادات والتقاليد الفاطميّة الأيوبيّة إلى اليوم.
– من زاوية أخرى نجد أنّ المتغيّرات السّياسيّة بدأت مع الدّولة النوريّة الّتي أقامها نور الدين محمود بن زنكي في بلاد الشام ومصر لمقاومة الصليبيّين.
– اتّضح لنا أن السلطان الناصر صلاح الدين أحدث تغيّرًا سياسيًّا كبيرًا، مع قضائه على الخلافة الفاطميّة في مصر (567هــ/ 1171م)، وأمر بالدعاء للخليفة العبّاسي على منابر مساجد القاهرة.
– تجدر الإشارة إلى أنّه استمرتّ التغيرات السّياسيّة والعسكريّة بعد وفاة نور الدين محمود، فأقام صلاح الدين الدولة الأيوبيّة في مصر، ووحّد مصر وبلاد الشام تحت رايته. كما وأنّه أقدم على مقاومة الفرنج في موقعة حطين في عام (583هــ/ 1187م)، في حين فشل الوزراء الفاطميّون عن مجابهة أعداء المسلمين.
– تبيّن لنا أن أول المتغيّرات السّياسيّة في مصر حصل في عهد الوزراء الفاطميّين (489 – 565هــ/ 1096 – 1169م)، وهو تحوّل الوزارة الفاطميّة من وزارة تنفيذ إلى وزارة تفويض أي أصبح الوزير صاحب السلطة الفعليّة في الحكم الفاطمي وهذا ما سرّع في نهاية هذه الدولة الّتي حكمت قرابة قرنين من الزمن في مصر وبلاد الشام.
قائمة المصادر والمراجع
أوّلًا – المصادر العربيّة
- ابن الأثير، عز الدين علي محمد بن عبد الكريم الجزري، (ت630هــ/ 1233م)
1 – (1966م)، الكامل في التاريخ، تح: أبو الفداء عبد الله القاضي، ج3و9، دار الكتب العلمية، بيروت.
2 – (1993م)، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكيّة، تح: عبد القادر أحمد، دار المكتبة المصريّة، القاهرة.
- ابن تغري بردى، أبو المحاسن جمال الدين يوسف، (ت875هــ/ 1470م)
3 – (1992م)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر، ج5و6، مكتبة دار العلم، بيروت.
- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، (ت597هــ/ 1200م)
4 – (1986م)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج9، مكتبة الرسالة، القاهرة.
- ابن خلدون، عبد الرحمن محمد، (ت808هــ/ 1405م)
5 – (1979م)، تاريخ ابن خلدون المسمّى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، مؤسّسة جمّال، بيروت.
- ابن خلكان، أبو العبّاس شمس الدين أحمد، (ت681هــ/ 1281م)
6 – (1978م)، وفيات الأعيان، تح: إحسان عبّاس، ج2، دار صادر، بيروت.
- ابن شدّاد، بهاء الدين يوسف بن رافع، (ت632هــ/ 1234م)
7 – (1964م)، النوادر السلطانيّة والمحاسن اليوسفيّة، تح: جمال الدين الشيال، الدار المصريّة، القاهرة.
- ابن الصيرفي، أبو القاسم علي بن منجب، (ت542هــ/ 1147م)
8 – (1996م)، القانون في ديوان الرسائل والإشارة إلى من نال الوزارة، تح: أيمن فؤاد سيّد، الدار المصريّة، القاهرة.
- ابن الفرات، ناصر الدين محمد، (ت807هــ/ 1405م)
9 – (1967م)، تاريخ ابن الفرات، تح: حسن الشمّاع، دار العلم للملايين، بيروت.
- ابن كثير، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي، (ت774هــ/ 1373م)
10 – (1981م)، البداية والنهاية، تح: عبد الله بن عبد المحسن التركي، ج12، ط4، دار المعارف، بيروت.
- ابن منقذ، أسامة مؤيّد الدولة أبو المظفّر بن مرشد الكناني الشيزري، (ت584هــ/ 1188م)
11 – (1981م)، الإعتبار، تح: فيليب حتّي، ط1، الدار المتّحدة للنشر، بيروت.
- ابن ميسر، محمد بن علي، (ت677هــ/ 1278م)
12 – (1980م)، المنتقى من أخبار مصر، تح: أيمن فؤاد سيّد، ط1، المعهد العلمي الفرنسي للآثار، القاهرة.
- ابن واصل، جمال الدين محمد بن سالم الشافعي، (ت697هــ/ 1298م)
13 – (1957م)، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تح: جمال الدين الشيّال، الجامعة المصريّة، القاهرة.
- أبو شامة، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي، (ت665هــ/ 1267م)
14 – (2002م)، الروضتين في أخبار الدولتين النوريّة والصلاحيّة، تح: إبراهيم شمس الدين، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت.
- الأصفهاني، عماد الدين أبو عبد الله محمد الفتح بن علي، (ت597هــ/ 1201م)
15 – (1987م)، خريدة القصر وجريدة العصر، تح: أحمد أمين وآخرون، الدار المصريّة، القاهرة.
- الإنطاكي، يحيى بن سعيد بن يحيى، (ت458هــ/ 1069م)
16 – (1999م)، تاريخ الإنطاكي، تح: عمر عبد السلام تدمري، الناشر جروس برس، طرابلس.
- البنداري، الفتح بن علي بن محمد، (ت622هـ/ 1225م)
17 – (1971م)، سنا البرق الشامي، تح: فتحية النبراوي، مكتبة الخانجي، القاهرة.
- خسرو، ناصر، (ت481هــ/ 1088م)
18 – (1970م)، سفر نامة، تح: يحيى خشّاب، ط1، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة.
- عمارة اليمني، أبو الحسن نجم الدين، (ت569هــ/ 1174م)
19 – (1987م)، النكت العصريّة في أخبار الوزارة المصريّة، تح: هرتويخ دربنرغ، دار النهضة المصريّة، القاهرة.
- القلقشندي، أبو العبّاس أحمد بن علي، (ت821هــ/ 1418م)
20 – (1971م)، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج10، دار العلم، بيروت.
- المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، (ت845هــ/ 1441م)
21 – (1991م)، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار(الخطط)، تح: خليل منصور، دار الكتب العلميّة، بيروت.
22 – (1996م)، اتّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطميّين، تح: جمال الدين الشيّال وآخرون، ج2، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة.
23 – (1997م)، السلوك لمعرفة دول الملوك، تح: محمد عبد القادر العطار، ج1، دار الكتب العلميّة، بيروت.
ثانيًا – المراجع العربيّة
- الأيوبي، الياس
24 – (1978م)، الفاطميّون، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة.
- الباشا، حسن
25 – (1960م)، الألقاب الإسلاميّة في الوثائق والتّاريخ، الفنون والوظائف على الآثار العربيّة، القاهرة.
- بدوي، أحمد
26 – (1976م)، الحياة العقليّة في عصر الحروب الصّليبيّة بمصر والشام، نهضة مصر للطباعة، القاهرة.
- تامر، عارف
27 – (1982م)، الحاكم بأمر الله خليفة وإمام مُصلح، ط1، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
28 – (1991م)، تاريخ الإسماعيليّة، ج3، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة.
- حسن، حسن إبراهيم
29 – (1970م)، الفاطميّون في مصر وأعمالهم السّياسيّة والدّينيّة، المطبعة الأميريّة، القاهرة.
- حسين، محمد كامل
30 – (1963م)، في أدب مصر الفاطميّة، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة.
- حلاق، حسان
31 – (1986م)، العلاقات الحضاريّة بين الشرق والغرب في العصور الوسطى، الدار الجامعيّة، بيروت.
32 – (1997م)، الإمام والسلطان، الدار الجامعيّة، بيروت.
- حمدان، جمال
33 – (1980م)، شخصيّة مصر، ط1، الدار الجامعيّة، القاهرة.
34 – (1986م)، جغرافيّة المُدُن، ط2، دار الفكر، بيروت.
- الزركلي، خير الدين
35 – (1980م)، الأعلام، ط5، دار العلم للملايين، بيروت.
- سرور، محمد جمال الدين
36 – (1963م)، مصر في عصر الدولة الفاطميّة، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة.
- سيّد، أيمن فؤاد
37 – (11992م)، الدولة الفاطميّة في مصر تفسير جديد، ط1، الدار المصريّة – اللبنانيّة، القاهرة.
- الشيّال، جمال الدين
38 – (1967م)، تاريخ مصر الإسلاميّة، ط2، دار النهضة المصريّة، القاهرة.
- عاشور، سعيد عبد الفتاح
39 – (1972م)، مصر والشام في عصر الأيوبيّين والمماليك، دار النهضة العربيّة، القاهرة.
40 – (1973م)، الحركة الصليبيّة صفحة مشرّفة في تاريخ الجهاد العربي في العصور الوسطى، ط1، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة.
- العبادي، أحمد مختار
41 – (1971م)، في التاريخ العبّاسي الفاطمي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة.
- عبد الباقي، نهلة
42 – (2010م)، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دار المعارف، القاهرة.
- عبد الكريم، ناريمان
43 – (1993م)، المرأة في مصر في العصر الفاطمي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة.
- عنان، محمد عبد الله
44 – (1964م)، الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطميّة، مطبعة لجنة التأليف، القاهرة.
- ماجد، عبد المنعم
45 – (1963م)، نظم الفاطميّين ورسومهم في مصر، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة.
46 – (1998م)، السجلّات المستنصريّة، سجل رقم 52، دار الفكر، بيروت.
- محمود، محمود عرفة
47 – (2002م)، الدولة الفاطميّة في مصر، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة.
- مشرفة، عطية مصطفى
48 – (1994م)، نظم الحكم في مصر في عصر الفاطميّين، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة.
- وهبة، عبد الفتاح
49 – (1980م)، الجغرافيا التّاريخيّة بين النظريّة والتطبيق، دار العلم للملايين، بيروت.
ثالثًا – المراجع الأجنبيّة المعرّبة:
- بروكلمان، كارل
50 – (1968م)، تاريخ الشعوب الإسلاميّة، تعريب: نبيه فارس وآخرون، ط5، دار العلم للملايين، بيروت.
- بول، إميل
51 – (1970م)، تاريخ أرمينيا، تر: شكري علاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت.
- جب هاملتون، أ. ر
52 – (1988م)، صلاح الدين الأيوبي، تعريب: يوسف أبيش، المؤسّسة العامّة للدراسات، بيروت.
- لين بول، ستانلي
53 – (2011)، سيرة القاهرة، تر: حسن إبراهيم حسن وآخرون، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة.
رابعًا – الأبحاث المنشورة في الدوريّات العلميّة
- زيادة، نقولا
54 – (1983م)، الطُرُق التجاريّة في العصور الوسطى، مجلة تاريخ العرب والعالم، العددان 59 – 60، القاهرة.
خامسًا – المصادر والمراجع الأجنبيّة
- Champdor, Albert 55 – (1956), Saladine le plus parheros de L’Islam, Editions Albin Micher, Paris.
- Elisseef, N 56 – (1967), Nour Ad – Din un grand Prince Musulman de Syrie au temps des croissades, Damas.
ياسر عبد الحسين داغر
د. عليّ حلاّق
[1] – باحث دكتوراه في التاريخ الإسلامي – كليّة الآداب – جامعة بيروت العربيّة.
Doctoral researcher in Islamic History – Faculty of Arts – Beirut Arab University
[2] – أستاذ التاريخ الإسلاميّ – كلّيّة الآداب، جامعة بيروت العربيّة، مُشرفًا رئيسًا.
P.r of Islamic History, Faculty Of Arts, Beirut Arab University, As Chef Supervisor.
[3] – أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر – كلّيّة الآداب، جامعة بيروت العربيّة، مُشرفًا مُشاركًا.
Modern and Contemporary History, Faculty of Arts, Beirut Arab University as co-Supervisor.
[4] – بدر الجمالي: تعود أصول الأسرة الجماليّة إلى الأرمن، وأرمينية هي المنطقة الجبليّة الواقعة غرب آسيا. كان المسلمون قد نجحوا في فتح أرمينيا في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، إلّا أن المسلمين فشلوا في جعل أرمينيا تابعة لممتلكاتهم بصفة دائمة مقارنة بما حصل في الشام ومصر. بول، إميل، (1970م)، تاريخ أرمينيا، تر: شكري علاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت، ص23 – 24. أما بدر الجمالي: هو أبو النجم بدر بن عبد الله الجمالي، ولد عام 405هــ/ 1015م، وكان مملوكًا لجمال الدولة أبي الحسن علي بن عمار (424 – 464هــ/ 1032 – 1071م) صاحب طرابلس الشام. تربّى عنده وتقدّم بنسبه ونسب إليه =فعرف بالجمالي نسبة إليه وكان من ذوي الآراء، وقوة العزم والشهامة، ووطّن نفسه على الجدّ، وظهرت عليه ملامح الصفات القياديّة، وتدرّج وترقّى في الوظائف. فعيّن واليًا على دمشق عام 455هــ/ 1063م، ثمّ واليًا على الشام بأسره عام 458هــ/ 1066م، ولمّا ثار عليه أهلها سنة 460هــ/ 1068م رحل عنها إلى عكا وقيل صور، فتولّى ولاية عكا عام 462هــ/ 1070م، وبقي واليًا عليها حتّى استدعاه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وقد وصف بدر الجمالي بأنّه كان “عزيز النفس، شديد البطش، عالي الهمّة، عظيم الهيبة، مخوّف السطوة”. ابن الصيرفي، أبو القاسم علي بن منجب، (ت542هــ/ 1147م)، (1990م)، القانون في ديوان الرسائل والإشارة إلى من نال الوزارة، تح: أيمن فؤاد سيّد، الدار المصريّة، القاهرة، ص57.
[5] – ست الملك: هي شقيقة الحاكم بأمر الله ولها دور مهمّ في قصر الخلافة الفاطميّة. وتذكر بعض المصادر أن ست الملك ولدت في المغرب قبل سنة (362هــ/ 972م) وأمّها نصرانيّة، وهي بهذا أكبر من شقيقها الحاكم. انتقلت إلى القاهرة برفقة جدّها الخليفة المعز لدين الله. المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، (ت845هــ/ 1441م)، (1996م)، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطميّين، تح: جمال الدين الشيّال وآخرون، ج2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص90.
[6] – نص سجل تولية صلاح الدين الوزارة، القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي، (ت821هــ/ 1418م)، (1971م)، صبح الأعشى في صناعة الأنشاء، ج10، دار العلم، بيروت، ص80.
[7] – مولاتنا: هذا اللّقب مؤنث لقب “مولانا” الّذي استعمل للخلفاء العبّاسيّين، وكذلك الفاطميّون، كما أطلق على الوزراء. وكانت ست الملك تُخاطب بــ “مولاتنا”. كما أن أم المستنصر – السيدة رصد – كان يُخاطبها الرجال في حضرة ابنها بــ “مولاتنا”. الباشا، حسن، (1960م)، الألقاب الإسلاميّة في الوثائق والتاريخ، الفنون والوظائف على الآثار العربيّة، القاهرة، ص506و 520.
[8] – الرحيمة: هو من ألقاب كل من ابنة الخليفة الظاهر وأخت الخليفة المستنصر وكذلك أم الخليفة المستعلي. عمارة اليمني، أبو الحسن نجم الدين، (ت569هــ/ 1174م)، (1987م)، النكت العصريّة في أخبار الوزارة المصريّة، تح: هرتويخ دربنرغ، دار النهضة المصريّة، القاهرة، ص37.
[9] – الطاهرة: من ألقاب ابنة الخليفة الظاهر، كما وجد على مشاهد القبور الخاصّة ببعض النساء العلويات. ماجد، عبد المنعم، (1998م)، السجلات المستنصريّة، سجل رقم 52، دار الفكر، بيروت، ص171.
[10] – الكريمة: من ألقاب زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله الّتي تُدعى “علم الآمريّة”. ماجد، عبد المنعم، السجلات المستنصريّة، المرجع نفسه، سجل 35، ص109.
[11] – الملكة: وهي صفة مؤنث الملك، وهو من ألقاب النساء، وهذا اللقب لا يُشير إلى الرئاسة العليا الّتي يُعبّر عنها لقب الملك بالنسبة للرجال، بل كان يُعبّر عن الجليلات من النساء من أفراد البيوت المالكة. عبد الكريم أحمد، ناريمان، (1993م)، المرأة في مصر في العصر الفاطمي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، ص53.
[12] – السيّدة رصد: هي والدة الخليفة المستنصر بالله زوجة الخليفة الظاهر (ت427هــ/ 1036م)، وهي أمَةٌ سوداء، سودانيّة الأصل، كانت جارية التاجر أبي سعد التستري أخذها منه الظاهر فأنجبت له المستنصر (420هــ/ 1029م). برزت شخصيتها بشكل واضح إثر تولّي ولدها المستنصر بالله الخلافة، واستولت على مقاليد الأمور بسبب صغر سنّ الخليفة، وذلك عبر تعيين الوزراء وإقالتهم واتّخاذ القرارات والتحكّم بالخليفة. عبد الباقي، نهلة، (2010م)، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دار المعارف، القاهرة، ص93.
[13] – كانت ترتكز الطُرُق التجاريّة في العصور الوسطى حينئذ في هذه المنطقة أو على أطرافها. زيادة، نقولا، (1983م)، الطُرُق التجاريّة في العصور الوسطى، مجلّة تاريخ العرب والعالم، العددان 59 – 60، القاهرة، ص12و 22.