الاختلاف والخلاف ليسا وجهين لمعنى واحد
د. محمّد أمين الضنّاويّ[1]
كانت ولا تزال الحياة في هذه الدنيا مليئة بالصعاب والحزن، لكن لولا فسحة الأمل والصبر اللذين يخفّفان عن الإنسان آلامه، والصبر الذي يصبره على المصائب لكانت هذه الحياة أصعب بكثير ممّا نعيشها اليوم.
على الرغم من ذلك فالحياة لم يحلو مُرُّها ولم تسهل أساليبها، لا بل إنّها تزداد صعوبة ويشتدّ الألم منها، إذ يكفي المرء أن يشاهد نشرة واحدة للأخبار ليعرف معنى الألم، ليعرف الكمّ الهائل من التناقضات بين الناس، كلّ له من يدور في فلكه، مع أو ضدّ. لا اتّفاق على أمر واحد سوى الاختلاف الذي يصبّ في خانة الخلاف.
يقول المهاتما غاندي: “لو كان كلّ اختلاف في الرأي بمعنى الخلاف لكنت أنا وزوجتي ألدّ الأعداء”، في واقع الحال لا اختلاف بمعنى التنوّع وإغناء الرأي وتعدّده بحثًا عن الأفضل، لا بل فقد صار للمعنى انزياح تامّ فأصبح خلاف خلاف خلاف حتّى انقطاع النفَس.
لن أتحدّث عن الشذوذ الجنسيّ الذي يجهد الغرب في جعله موضع توافق لدى الشعوب، ويسنّ القوانين العجيبة الغريبة، ويفرض على العالم أجمع تقبّل الفكرة وكأنّها قدر ولا رادّ له. كلّ ذلك من دون الأخذ بالحسبان أنّ العالم فيه معتقدات وديانات تحرّم هذا لأمر.
إذ إنّ من أهمّ آداب الحديث هو حُسن الاستماع أو الإصغاء باهتمام، فالإصغاء فعل مُركب يقتضي السمع الجيّد والفهم الدقيق. من هنا لا بدّ من الاصغاء إلى من يتحدّث معنا أثناء تبادل الحديث، ولكن هناك بعض النقاشات لا يستطيع الشخص فيها من تمييز الفرق بين الخلاف والاختلاف في الرأي.
إن أفضل طريقة يمكن اتّباعها هي الأصغاء أثناء الحوار، والاستماع إلى الرأي الآخر بكلّ احترام ولو كان مختلفًا معنا في أفكاره. ومن أهمّ الأمور في اختلاف الرأي هو تعدّد وجهات النظر، وعلى الرغم من أنّه من الممكن انتهاء ذلك الحوار من دون اتّفاق في وجهات النظر، إلاّ أنّ تعدّد الأراء من الأشياء المفيدة للغاية.
إنّ الاختلاف سواء أكان كبيرًا أو صغيرًا فهو في الأصل جزء من العلاقات المجتمعيّة، والاختلاف لا يفسد الودّ ولا العلاقات الإنسانيّة، لا بل قد يساهم في تقريب وجهات النظر وتضييق فجوة عدم الاتّفاق في بعض الأحيان، من هنا فإنّ تقبل الرأي الآخر ما لم يتعارض مع ثوابتنا ومبادئنا الإنسانيّة أمر في غاية الأهمّيّة.
أمّا الخلاف فهو عدم الاتّفاق على مسألة معيّنة، ما قد يؤدّي التباعد، وأخذ طريق نقيض بعيد عن الشخص المتحاور. إنّ الخلاف سلوك مذموم للغاية.
إنّ الخلاف من دون أيّ شكّ يؤدّي عادة إلى الفرقة بين الناس، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾[2].
كم نحن اليوم في حاجة ماسّة إلى التوافق بعيدًا عن الخلاف، وإلى التنوّع والتعدّد بعيدًا الاختلاف، إنّ الأمّة تعاني من الاختلاف الذي يفضي إلى الخلاف، وذلك نتيجة لعدم الاتّفاق على أيّ أمر يصبّ في مصلحة الأمّة.
[1] – أستاذ جامعيّ سابق، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة، مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، ومدير تحريرها، له العديد من المؤلَّفات.
[2] – سورة آل عمران، الآية: 103.