تاريخ الجمعيّات والحركات القوميّة في لبنان وبلاد الشام وأوضاع المشرق العربي قبل تأليف الحكومة العربيّة في دمشق1908 ـ 1918
تاريخ الجمعيّات والحركات القوميّة في لبنان وبلاد الشام وأوضاع المشرق العربي
قبل تأليف الحكومة العربيّة في دمشق1908 ـ 1918
History of national associations and movements
In Lebanon, the Levant, and the situation in the Arab Levant
Before the formation of the Arab government in Damascus
1908 – 1918
د. حسن شقور([1]) Dr.Hasan chaccour
تاريخ الإرسال:23-1-2024 تاريخ القبول:2-2-2024
ملخّص البحث
إن موضوع البحث جدير بالعناية إذ إنّه يتصل بأوضاع المشرق العربي وبقضاياه المصيريّة والقوميّة والتحرّرية.
ولا شك في أنّ دول المشرق العربي خضعت لظروف سياسيّة متشابهة في وقت واحد إبان حكم السلطنة العثمانيّة. فتاريخ هذا الشرق يعدُّ تاريخًا عثمانيًّا في العصر الحديث، وقد أدّى ذلك إلى ارتباط مصير سوريا ومصر والعراق وفلسطين وتاريخها، وخضوعها لحكم ونظام واحد.
إن ما أؤمل أن ينجزه بحثي هو أن يلقي الضوء على ممارسات القوات العسكريّة العثمانيّة في الولايات السّورية كما في مصر. وأمام هذا الواقع شهدت سوريا في أواخر القرن التاسع عشر حركة عنيفة هي رد فعل ضد الحكم التّركي من خلال الجمعيات العربيّة التي كان لها الدّور في تسهيل القضاء على الحكم التركي إبان الحرب العالميّة الأولى.
كما إنّ ما أتطلع إليه في بحثي هو بيان الأسباب التّاريخيّة للثورة العربيّة التي قامت إبان الحرب العالميّة الأولى ضد الحكم العثماني، فكانت أول حركة ذات صبغة قوميّة عربيّة تقوم في المشرق العربي وتهدف إلى التّحرر والتّفرقة بين العرب والأتراك.
في لبنان أولى الجمعيات كانت جمعيّة بيروت السّريّة، وروادها في الغالب من المفكرين السّوريين وبنوع خاص من نصارى لبنان، وكانت بيروت مركزًا لنشاط الجمعيّة، وكانت أهدافها إظهار الحقوق العربيّة ومساوئ الحكم التركي والمهمّ الذّي جاء في برنامجها وحدة سوريا ولبنان واستقلالهما، والاعتراف باللغة العربيّة لغة رسميّة.
استمر في هذا السّياق النّضال العربي ضد التتريك مع جمعيّة الإخاء العربي العثماني التي نشأت في القسطنطينيّة العام 1908 وكانت تهدف إلى تحسين الأحوال في الولايات العربيّة على أساس المساواة والعدالة الاجتماعيّة.
كما يقدم البحث الجمعيّات السّريّة العربيّة الأخرى السياسيّة والتي عملت تحت ستار الأدب كـ«المنتدى الأدبي»، وقد مارست هذه الجمعيّة بعض النّفوذ السياسي وقامت بدور الوساطة لحسم الخلافات بين العرب وجمعيّة الاتحاد والتّرقي.
تعددت في هذا الإطار الجمعيات السّريّة من 1909 حتى 1914 كنتيجة لموقف الأتراك إزاء ممارساتهم فتكونت عدة جمعيات، وظهرت الجمعيّة القحطانيّة التي قادها الضابط عزيز المصري، والجمعيّة العربيّة الفتاة التي أسسها بعض الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون في باريس، كذلك تكوّن حزب اللامركزية الإدارية العثمانيّة في القاهرة أواخر العام 1912 وجمعيّة العهد التي كان غالبيّة أعضاؤها من الضباط العرب في الجيش التركي، وكانت أهداف كل هذه الجمعيّات تحقيق تكوين دولة عربية، ذات حكومة ذاتية، وبرلمان وتتخذ لها اللغة العربيّة لغة رسمية وذلك في نطاق الامبراطورية العثمانيّة.
كما لم يغفل البحث استغلال بريطانيا أجواء التوتر بين الأتراك والعرب وأحسنوا استغلالها، فإنجلترا تريد إبعاد تركيا عن ألمانيا وإبقاءها على الحياد في النزاع الذي بدأ يظهر في أوروبا، وقامت بالاتصال بالشّريف حسين شريف مكة في محاولة لتحريك الأمور في المنطقة لصالحهم، كما كانت تجرى محاولات من شريف مكة للاستعانة بالسلطات البريطانيّة في مصر لتوطيد حكمه في شبه الجزيرة العربيّة ضد السيطرة التّركيّة.
كما شمل البحث أبرز المعطيات المتاحة بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وتكشف الوجه الحقيقي لبريطانيا ونكسها وعودها للشريف حسين وابنه الملك فيصل حول مصير العالم العربي؟
الكلمات المفاتيح: اتصالات- الأحزاب-أعضاء- إنكلترا- التّحرريّة- التّركيّة–الثورة-جمعيّة- الحرب-رئيس-السرية-سوريا-سياسة-السياسيّة-الصّراع-العثمانيّة-العراق-العربيّة–فرنسا- فلسطين- القضايا-
القومية-لبنان-اللغة-اللغة-المشرق-مصر-ممارسات-مؤتمر-نهضة-الأوضاع-وقائع-الولايات
Research Summary
The topic of research deserves attention as it relates to the conditions of the Arab East and its crucial, national and liberation issues.
There is no doubt that the countries of the Arab Levant were subject to similar political conditions at the same time during the rule of the Ottoman Sultanate. The history of this East is considered Ottoman history in the modern era, and this has led to link the fate and history of Syria, Egypt, Iraq, and Palestine and their subjection to one rule and system.
What I hope my research will accomplish is to shed light on the practices of the Ottoman military forces in the Syrian provinces as well as in Egypt. In the face of this reality, in the late nineteenth century, Syria witnessed a violent movement that represented a reaction against Turkish rule through Arab associations that had a role in facilitating the elimination of Turkish rule during World War I.
Also, what I aspire to accomplish in my research is to explain the historical reasons for the Arab Revolt, which occurred during the First World War against the Ottoman rule. It was the first movement with an Arab nationalist character to arise in the Arab East and aim for liberation and division between Arabs and Turks.
In Lebanon, the first association was the Beirut Secret Society, and its pioneers were mostly Syrian thinkers. Beirut was a center for the association’s activity, and its goals were to demonstrate Arab rights and the disadvantages of Turkish rule. The most important of its program was the unity and independence of Syria and Lebanon, and the recognition of the Arabic language as an official language.
In this context, the Arab struggle against Turkification continued with the Ottoman Arab Fraternity Association, which arose in Constantinople in 1908 and aimed to improve conditions in the Arab states on the basis of equality and social justice.
The research also presents other Arab political secret societies that operated under the guise of literature, such as the “Literary Forum.” This society exercised some political influence and played a mediating role to resolve disputes between the Arabs and the Society for Union and Progress.
In this context, secret societies multiplied from 1909 to 1914 as a result of the position of the Turks regarding their practices, so several societies were formed, and the Qahtaniya Society appeared, which was led by the officer Aziz Al-Masry, and the Young Arab Society, which was founded by some Arab students who were studying in Paris, and the Ottoman Administrative Decentralization Party was also formed in Cairo in the end of the year 1912, and the Covenant Society which the majority of its members were Arab officers in the Turkish army. The goals of all these societies were to achieve the formation of an Arab state, with a self-government and a parliament, with the Arabic language as its official language, within the scope of the Ottoman Empire.
Speech keys: Telecom- Parties- Members- England- Libertarianism- Turkish- Revolution- Association- The War- President- Secretive- Syria- Politics- Conflict- Ottoman- Iraq- Arabic –France- Palestine- Issues- Nationalism- Lebanon- Language- Orient –Egypt- Practices –Conference- Renaissance- The Situation- Facts – The States.
مقدمة: تعدُّ القضية اللبنانيّة من القضايا المهمّة والمعقّدة في التّاريخ العربي الحديث والمعاصر، وقد تداخلت مع قضايا المنطقة في الشرق العربي، فتدخّلت فيها القوى الأجنبيّة التي أثّرت في اتجاهات الفرقاء اللبنانيّة والطوائف، وتجلّى ذلك واضحًا بعد انتهاء الحكم المصري من بلاد الشّام 1831 – 1840، وتقسيم جبل لبنان إلى قائمقاميتين: درزية ومارونيّة العام 1842 ثم المجازر الطائفيّة في الجبل، ومحاولات توحيده في إصدار بروتوكول 1861. وقد استمرت التّيارات الطائفيّة، والسياسيّة المتناحرة ردحًا من الزّمن إلى أن قام بعض القادة بمحاولات لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين.
ولقد أظهرت التّطورات الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة أنّ الدّولة العثمانيّة باتت تعاني من أوضاع صعبة وسيئة تهدّد تماسكها ووجودها وتهدد باستقلال ولاياتها عنها تباعًا، كما حدث فعلًا في بعض الولايات الأوروبيّة. ورأى بعض أبناء الجبل وبيروت أنّ التّدخّل الأجنبي ازداد في ولايتهم (ولاية بیروت) وفي متصرفيّة جبل لبنان”، وما زاد في هذا التّدخل الوهن والضعف في الوضع العثماني لا سيما في عهد جمعيّة “الاتحاد والترقي” العثمانيّة التي أظهرت عصبيتها وكراهيتها لكل ما هو غير ترکي.
وفي العام ۱۹۱۲ بدأت القوى اللبنانيّة تطالب بالاستقلال عن الدولة العثمانيّة، وانضمام البلاد السّوريّة إلى مصر تحت الراية البريطانيّة بينما طالبت قوى أخرى بالاستقلال تحت الحماية الفرنسيّة. وقد أسفرت “الإرهاصات الاستقلاليّة الأولى” عن ولادة جمعيّة غير طائفيّة في بيروت هي (جمعيّة بيروت الإصلاحيّة) وانتهت إلى وضع لائحة إصلاحية طالبت الدولة العثمانيّة بتحقيقها مؤكدة ومطالبة بالحكم اللامركزي مع استمرار الارتباط بالدولة العثمانيّة(1).
اليقظة القوميّة الحديثة: إنّ الجمعيات العربيّة التي كانت تنادي باللامركزيّة لم تواجه في البدء معارضة من إدارة الحكم العثماني في اسطنبول، ولكن مع وصول جماعات حزب الاتحاد والترقّي يوم الخميس الواقع فيه 23 كانون الثاني 1913 إلى الإمساك الفعلي بمقاليد السّلطة في الدولة العثمانيّة وهم المعارضون لمبدأ «اللامركزيّة» والمتمسكون بخضوع شعوب الدولة العثمانيّة جميعهم لمبدأ تتريك السّلطة قاطبة. فإنّ مساعٍ عديدة ومتنوعة للحد من انتشار الدعوة إلى اللامركزيّة بدأت تتنامى بسرعة.
في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه حركة اليقظة القوميّة والإصلاحيّة كانت بعض القوی الطائفيّة تستغل فكرة العروبة والخلافات مع الدولة العثمانيّة وتستغل الثغرات والأخطاء المرتكبة في ولاية بيروت وبقية الولايات. ولما عقد المؤتمر العربي الأول في باريس ۱۹۱۳ أظهر المجتمعون حرصهم على الاستقلال على أساس اللامركزية وعلى تحقيق الإصلاحات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بينما كانت بعض القوي تتصل بفرنسا سرًّا للاتفاق مع المسؤولين الفرنسيين على السبل الآيلة لاحتلال فرنسا للبلاد السوريّة وللتّخلص من الدولة العثمانيّة.
وكان تأسيس الحكومة العربيّة في دمشق أول تحقيق عملي لليقظة القوميّة الحديثة التي بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر بعد قرون طويلة من الحكم التركي والتي كانت أسسها أدبية وثقافيّة، وهي مرتبطة بهذه الأسس ارتباطًا وثيقًا ما يعزّز وحدة العرب الروحيّة ويقيها من التفتت والانهيار. وللدلالة على ذلك فقد كتب الشيخ إبراهيم اليازجي قصيدته الميمية المشهورة ومطلعها:
سلام أيها العرب الكرام وجاد ربوع قطركم الغمام
وكذلك قصيدته البائيّة التي حثّ فيها العرب على النّهوض:
وهاجم الأتراك:
الله أكبر ما هذا المنام فقد
شكاكم المهد واشتاقتكم الترب
وكان الدّاعون إلى البعث العربي في غالبيتهم من النّصارى ولولا قصائدهم، وجمعياتهم لبقيت الفكرة القوميّة والوطنيّة بعيدة من العرب إلى حد كبير “لقد غرس هؤلاء بذرة القوميّة والوطنية وبعثوا حركة مستوحاة من تاريخ العرب ومآثرهم تستهدف مثلًا قومية بدلًا من المثل الدّينيّة والطائفيّة”(2).
إنّ القصائد والخطب الثوريّة والوطنيّة أذكت الروح القوميّة، وأدت إلى جمعيات وتكتلات منظمة تعبّر عن أحلام العرب وخوالجهم القوميّة وقامت هذه الجمعيات في السرّ والعلن تطالب بحقوق العرب والحض على النّهضة ومن أشهرها “جمعيّة حفظ حقوق الملّة العربيّة” التي تأسست العام ۱۸۸۱ ونشرت نداء إلى العرب مسيحيين ومسلمين تدعوهم إلى الاتحاد والمطالبة بالحقوق القوميّة.
الجمعيات والأحزاب السياسيّة: وانتقلت النّهضة العربيّة من حيزها الأدبي إلى حيزها السياسي على شكل جمعيات وأحزاب سياسية سرية بين الأوساط المثقفة في سورية ولبنان، من أوّلها الجمعيّة العلمية السورية في بيروت (العام 1857) ومنها انطلق أول صوت لحركة العرب القوميّة.
وكانت جمعيّة بيروت السّريّة العام 1875، أول جهد منظّم في حركة العرب القوميّة حين ألّف خمسة شبان من الذين درسوا في الكليّة البروتستانتينيّة السوريّة ببيروت جمعيّة سريّة وكانوا جميعًا من النّصارى، وكلّهم أدركوا قيمة انضمام المسلمين والدّروز إليهم فاستطاعوا أن يضموا إلى الجمعيّة نحو اثنين وعشرين شخصًا من مختلف الطوائف يمثّلون لجنة مستنيرة في البلاد، وكان مركز منظمتهم في بيروت وأنشأوا لها فروعًا في طرابلس وصيدا ودمشق وكان عملهم في البداية مقصورًا على الاجتماعات ثم لاحقًا لصق المنشورات في الشّوارع. وكانت هذه المنشورات تتضمن تنديدًا عنيفًا بمساوئ الحكم التركي، وتهيب بالسكان العرب أن يثوروا عليه ويطيحوا به(3). وأحدثت منشورات جمعيّة بيروت السّريّة اضطرابات بالغة الأثر وقد أذهلت هذه المنشورات السّلطات العثمانيّة في بلاد الشام، إلّا أنّ هذه الجمعيّة قد توقف نشاطها بسبب الرّقابة الحميديّة المتشددة، وتعدُّ منشورات هذه الجمعيّة اللبنة الأولى للقومية العربيّة واتجاهاتها التي كانت تقوم على برنامج قيام دولة مستقلة استقلالًا سياسيًّا، وإن أول مبدأ في ذلك البرنامج يرمي إلى نيل الاستقلال على أساس وحدة سورية مع جبل لبنان”(4).
كما ظهرت في دمشق نهضة مماثلة في حلقة الشّيخ طاهر الجزائري العام ۱۸۷۸ الثقافيّة الأدبيّة التي تكوّنت إلى جانبها حلقة سياسيّة سريّة سميت بحلقة دمشق الصغيرة، انتقل كثير من أعضائها إلى استانبول حيث كونوا جمعيّة النهضة العربيّة 1906 التي كان لها أكبر تأثير في بث الشعّور القومي، وقد توقفت عن العمل قبل إعلان الدستور(5).
وظهرت أعمال متفرقة كان لبعضها تأثير كبير في اليقظة القوميّة من أهمها عبد الرحمان الكواكبي الذي طالب بالخلافة للعرب ثم خاطب العرب غير المسلمين فيقول “يا قوم.. وأعني لكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما خباه الأباء والأجداد. فقد کفی ما فعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون فهذه أمم أستراليا وأميركا قد هداهم العلم لطريق الاتحاد الوطني دون الدّيني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري، فما بالنا نحن لا نتبع تلك الطرائق أو شبهها، فيقول عقلاؤنا لمثيري الشحناء من الأعاجم، دعونا یا هؤلاء نحن ندبر شأننا نتفاهم ونتراحم بالإخاء ونتوأس في الضراء ونتساوى في السّراء، دعونا ندبر حياتنا ونجعل الأديان تحكم في الآخرة فقط. دعونا نجتمع على كلمة سواء، إلا وهي: فلتحيا الأمة، فليحيا الوطن فلنحيا طلقاء أعزاء”(6).
وقام نجيب عازوري اللبناني الذي عاش في فرنسا، بنشاط قومي في الخارج في كتاباته التي تدعو إلى تحرير الشام من الترك والتحريض على الثورة ورفع شعار: أرض العرب للعرب(7).
سياسة الاتحاديين وتأثيرها في الحالة السياسيّة العربيّة: بدأ تعاون أغلبيّة العاملين في حقل السياسة من العرب مع المعارضين للعهد الحميدي من الأتراك أنفسهم، وكان لكليهما هدف مباشر هو التّخلص من ديكتاتوريّة عبد الحميد والسّعي إلى حكم ذاتي ضمن الأمبراطوريّة العثمانيّة.
وتحركت جمعيّة تركيا الفتاة للعمل على تجديد الإمبراطوريّة بإقامة حكومة دستوريّة ووضع حدّ لتدخل القوي الأوروبيّة. وأدّى العرب دورًا فعالًا في ثورة ۱۹۰۸؛ وانضم كثير منهم وخاصة الضباط إلى جمعيّة تركيا الفتاة ولجنتها التّنفيذيّة (الاتحاد والتّرقي) وهي منظمة سريّة أنشأها الشّبان الأتراك في سالونيك وهدفها القضاء على استبداد السلطان، ولم يكن توجد أي رابطة بين أهداف هذا الحزب وأهداف الحركة العربيّة سوى اشتراكهما في كراهيّة الاستبداد الحميدي”(8) مع أنّ بعض العرب ومعظمهم من ضباط الجيش، قد انضموا إلى هذا الحزب بوصفهم مواطنين عثمانيين وليس بوصفهم عربًا قوميين، وكانت جمعيّة الاتحاد والترقي خليطًا من جنسيات وأديان مختلفة ومع أنّ الدّوافع التي وجهت هذه الجمعيّة وسيّرتها كانت متعدّدة كتعدّد عناصر تكوينها غير أن هدفها الرئيس كان القضاء على حكم عبد الحميد وإقامة حكومة صالحة للدّولة على أساس انصهار الأجناس جميعها، وهو ما يرمي إليه دستور ۱۹۰۸.
دستور ۱۹۰۸: لم يكن هذا الدستور سوى المشروع الذي قدمه مدحت باشا سنة 1876 بكل ما فيه من النّقائص، لكن إحياء هذا المشروع الدّستور قوبل بحماسة وخصوصًا في أوساط العرب أكثر من غيرهم لأنّ الفورة الأولى من شعورهم بالخلاص دفعهم إلى فهمه أنّه الحريّة الحقيقية، وعم الابتهاج بلاد الدولة، وتآخي الأتراك والعرب، والمسلمين والمسيحيين، وهم يعتقدون أنّ هذا الدستور سيسد حاجات كل فئة منهم ولكنّهم تفاجئوا بتناقضه لأهدافهم الفكريّة وخصوصًا من ناحية صهر الأجناس جميعهم في ظل حكم عثماني واحد تكون اللغة التّركيّة هي اللغة الرسميّة والمميزة فيه(9). وذلك بسبب جوهري في نقض مبدأ تحقيق الشّخصيّة الفكريّة والسياسيّة، ونتيجة لذلك لم تدم مدّة التّعاون والتّفاهم بين العرب والاتحاديين على الرّغم ما بذله العرب من جهود لإظهار إخلاصهم للعهد الجديد. واستغل الاتحاديون السّلطة لمصلحة العرق التركي باحتكار الوظائف، ونقل الضباط والتحكم في الانتخابات وتشجيع الصحافة التي تمجّد النصرة الطورانيّة وكان لهم تعنتهم القومي الخاص الذي خدم الشّعور القومي العربي بطريق غير مباشر(10).
وعلى الرّغم من هذه البداية المبشرة لحركة العرب القوميّة؛ فقد توقفت عن القيام بأعمال ظاهرة بسبب السياسة التي اتبعها السّلطان عبد الحميد في البلاد العربيّة: الرّقابة والإرهاب والتّقريب وسياسة الجامعة الإسلامية- وكان العهد الحميدي شديدًا على الأحرار أيًّا كان مذهبهم- إذ اضطر السّلطان أن يقف مكتوف اليدين ويری سلطانه على الممتلكات الأوروبيّة يتلاشی، فولّی وجهه شطر ممتلكاته الآسيوية ومضى في سياسة القضاء على الفكرة القوميّة الطالعة والحيلولة دون تسرّبها إلى أيّ من الأقطار العربيّة الواقعة تحت الحكم العثماني، فبطش بالأحرار تركًا وعربًا على السّواء، وقرّب عددًا من رجلات العرب البارزين إلى عرشه مؤملًا أن يصرفهم عن الفكرة القوميّة إلى الإسلاميّة، إلّا أنّ الفكرة القوميّة التي غرست في أواسط القرن التّاسع عشر بقيت حيّة في قلوب فئة من العرب آمنت بالقوميّة العربيّة للعربي المسلم والمسيحي على السواء(11).
جمعيّة الاتحاد والتّرقي: وهي منظّمة ثورية تأسست في اسطنبول يوم 6 شباط/ فبراير 1889، أنشأها مجموعة من طلبة الطب وتحوّلت في ما بعد إلى منظّمة سياسيّة.
وكانت “جمعيّة الاتحاد والتّرقي” التّركيّة من أكثر الجمعيات نشاطًا، وسرية تعمل بإيحاء من الدّول الأجنبيّة تبعًا لأن أكثر أعضائها كانوا من أصول غير تركيّة وغير إسلامية أيضًا، ولما تولّت هذه الجمعيّة الحكم بعد تآمرها على السلطان عبد الحميد الثاني ۱۹۰۹، بدأت الولايات العثمانيّة تعلن استقلالها تباعًا(12) ففي هذه المدّة أعلنت بلغاريا استقلالها ثم أعلنت النّمسا إلحاق مقاطعتي البوسنة والهرسك بإمبراطوريتها ثم انضمت جزيرة كريت إلى اليونان. وفي العام 1912 تخلّت الدولة العثمانيّة عن طرابلس الغرب وبنغازي لإيطاليا بعد حروب دامية معها، وفي العام نفسه أعلنت دول البلقان (بلغاريا واليونان والصرب والجبل الأسود) الحرب على الدّولة العثمانيّة مستغلة حصار الأسطول الإيطالي لسواحل ليبيا وتولى حزب الاتحاد والتّرقي تسيير دفة الحكم ابتداءً من نيسان ۱۹۰۹ وحتى تشرين الأول ۱۹۱۸ باستثناء مدّة ستة أشهر (۲۱ تموز ۱۹۱۲ – ۲۳ كانون الثاني ۱۹۱۳) التي تولى فيها الائتلافيون مسؤولية الحكم(13).
جمعيّة الإخاء العربي العثماني: أنشئت خلال شهر العسل التّركي – العربي أول جمعيّة عربية باسم “جميعة الإخاء العربي العثماني” وتشكّلت هذه الجمعيّة في الخامس من شهر آب/أغسطس سنة 1908 في الأستانة وافتتحت مركزها في اسطنبول في 2 أيلول، وعلى الرغم من أنّ اسمها كان «الأخاء العربي العثماني» إلّا أنّ مؤسسيها وأعضاؤها لم يكن فيها أحد من أبناء القوميات العثمانيّة غير العربيّة، وانتُخبت هيأتها الإداريّة من وجهاء العرب في جميع الولايات العربيّة وهم: شبيب بك الأسعد ومحمد باشا المخزومي من بيروت (سورية) وصادق باشا المؤيد وندرة مطران، وشفيق بك المؤيّد وعارف المارديني وشكري باشا الأيوبي (من دمشق ـ سورية) وشاكر أفندي الألوسي، وعبدالله أفندي الحيدري من العراق، والشّريف جعفر باشا من الحجاز وشكري الحسيني من القدس. وقد أُنشدت الأشعار وأمنيات الاستقلال والحماسة في القسطنيطينيّة، وكانت أهدافها الرئيسة المحافظة على الدستور وتحسين أوضاع المقاطعات العربيّة، ونشر التعليم باللغة العربيّة وتنمية الشّعور بالمحافظة على العادات والتقاليد العربيّة(14)، وكانت عضويتها مباحة للعرب على اختلاف أديانهم وتقرر إنشاء فروع لها في المناطق العربيّة جميعها. ومع سقوط السّلطان عبد الحميد وتنصيب أخاه السّلطان رشاد وعودة جمعيّة الاتحاد والترقي إلى سلطتها ونفوذها، وأقامت حكمًا استبداديًّا مطلقًا كان لا يقل طغيانًا عن سلطة عبد الحميد، وأول ما قامت به هذه الجمعيّة حلّ الجمعيات جميعها التي لا تنتمي إلى الجنس التركي ومن بينها جميعة الإخاء العربي العتماني.
المنتدى الأدبي: كان على الاتحاديين “لجمعيّة الإخاء العربي العثماني” دور في نشوء عدة جمعيات تعمل في السرّ، والعلن وأصبح نشر أفكار العرب القوميّة يحصل في السّرّ والعلن أيضًا، وقد مارست هذه الجمعيات أعمالها بين سنتي 1909 – 1914 وكانت هذه الجمعيات تكمل بعضها بعضًا وكان “المنتدى الأدبي” أقدمها تأسيسًا وهذه الجمعيّة أنشأها جماعة من الموظفين والأدباء والنواب والطلاب في اسطنبول العام 1909 وكان من أعضائها عبد الكريم قاسم الخليل من لبنان – صالح حيدر من لبنان – رفيق سلوم من حمص – جميل الحسيني من دمشق – يوسف مخيبر من بعلبك وسيف الدين الخطيب من دمشق(15)، وأصبح لهذا المنتدى في ما بعد دور كبير وخصوصًا هيئته الإدارية التي أدارت المفاوضات رسميًّا لتسوية الخلافات بين العرب والاتحاديين، وكان أعضاؤه يبلغون ألوفًا جلّهم من الطلاب. وكان هذا المنتدى “الجمعيّة التي أحييت الرّوح القوميّة وبثّت المبادئ السّامية بين طبقات الشّبيبة العربيّة في الأستانة وخارجها، وكان خطته الوحيدة نشر الدّعوة للقضية القوميّة الوطنية(16). وقيل فيه أيضًا أنّه كان عباءة العروبة في عاصمة الدولة، ففيه كان الطلاب الجدد يتلقّون ممن تقدموهم في الدّراسة مبادئ القوميّة ومراميها، وفيه كانت تدرس وتناقش خطط الأتراك الاتحاديين الرّامية إلى تسييد القوميّة التّركيّة والقضاء على القوميات السائدة في الدولة(17) وظل هذا المنتدى يواصل أعماله حتى 1915 عندما بطش الاتحاديون برجال العرب وأرسل جمال باشا رئيسه عبد الكريم الخليل إلى المشنقة.
الأوضاع السياسيّة والحركات والجمعيات السياسيّة من ۱۹۰۸ – ۱۹۱۸:
بدأ العرب بالتفكير في مستقبل بلادهم كرد فعل لهذا التحدي التركي وبدأت حركة التململ والتذمر تتخذ طابعًا عربيًّا أكثر تحديدًا(18)، فتشكلت جمعيات وأحزاب عربيّة من الشّباب المثقف للدفاع عن القضية العربيّة وحماية حقوق العرب، ووضعت مناهج محدّدة واضحة دلّت على قوة وجدية الحركة القوميّة، واتخذ بعضها تنظيمًا سرّيًّا في حين عملت الأخرى في برامج مفتوحة معتدلة. وأشهر هذه الجمعيات:
“الجمعيّة القحطانيّة” 1909 ـ 1914: وهي جمعيّة سرّية تأسست في اسطنبول في كانون الأول سنة 1909 وكانت تضم عددًا من الشّخصيات السّورية واللبنانيّة والعربيّة من ذوي الجرأة، والإقدام مثل: عادل وشكيب إرسلان ومحمد كرد علي ويعود لها الفضل في بثّ الفكر القومي العربي بين الطلاب والضباط العرب قبل الحرب العالمية الأولى.
ومن أبرز رجالاتها سليم الجزائري وهو ضابط سوري وعزيز علي المصري، وهو ضابط مصري من قادة الثورة العربيّة الكبرى وعبد الكريم الخليل رئيس المنتدى الأدبي، وعبد الحميد الزهراوي والأمير عارف الشهابي من ذوي الجرأة والإقدام.
وكان هدفها تحقيق مشروع جريء وهو: تحويل الدولة العثمانيّة إلى مملكة ذات تاجين وذلك بأن تؤلف الولايات العربيّة مملكة واحدة لها برلماناتها، وحكومتها المحليّة وتكون اللغة العربيّة لغة مؤسساتها ومعاهدها وأن تصبح هذه المملكة جزءًا من امبراطورية تركيّة – عربيّة، ويكون السّلطان العثماني على رأسه تاج المملكة العربيّة، بالإضافة إلى تاجه التركي وهكذا يصبح مصير الأتراك والعرب أوثق التحامًا على أسس ثابتة لأنّها أسس أقرب إلى تمثيل الواقع. وكان أعضاء الجمعيّة القحطانيّة يختارون بعناية، فلم يكن يسمح لأحد بالانتماء إليها إلّا إذا كانت وطنيته فوق الشّبهات وكان من أعضائها عدد من الضباط العرب من ذوي الرّتب العاليّة “وعلى رأسهم عزيز علي المصري”(19). وأسست الجمعيّة خمس فروع بالإضافة إلى القسطنطينيّة، وتمثل قيمة هذه الجمعيّة أنّها حاولت أول محاولة لضم الضباط العرب في الجيش التركي ليزداد التعاون في ميدان الحركة القوميّة، وكان نشاط الجمعيّة كبيرًا جدًا في السّنة الأولى من إنشائها لكن نشاطها توقف بسبب خوف أعضائها من كشف أمرها وتحولت في ما بعد إلى جمعيّة العهد.
“جمعيّة العهد” و”جمعيّة العربيّة الفتاة”: وكانت هاتان الجمعيّتان من الجمعيات المهمّة التي أدّت دورًا مهمًّا وفعليًّا في النّهضة القوميّة العربيّة وهما جمعیتان سریتان كانت الأولى مقتصرة على العسكريين، والثانية على المدنيين وقد أنشئت جمعيّة العربيّة الفتاة في باريس سنة ۱۹۱۱ وكان مؤسسوها ثلاثة من الشّبان العرب الذين أتموا دراستهم العالية في استانبول، ثم انتقلوا إلى باريس لإتمام دراستهم الجامعيّة وهم: عوني عبد الهادي من نابلس، وأحمد قدري دمشقي من سوريا ومحمد رستم حيدر من لبنان(20). وقد اشتركوا مع زملاء آخرين لهم في تأليف الجمعيّة. ولم يزد عدد الأعضاء حتى نهاية الحرب على 60 عضوًا وكان أكثرهم من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وكان مبدأ الجمعيّة “تحرير الأمّة العربيّة حسب الأحوال والظروف خطوة فخطوة بكل الوسائل الشّرعيّة وغير الشّرعيّة”(21)، وقد قامت الجمعيّة على مبادئ قوميّة تقدميّة ودخل مسيحيون في عضويتها(22). أمّا جمعيّة العهد فقد أنشأها البكباشي عزيز علي المصري في استانبول سنة ۱۹۱۳ بعد عودته من طرابلس الغرب مع عدد من ضباط العرب الشبان في الجيش. أما اسم العهد فقد أطلق على الجمعيّة على أساس أنّ دخول أي عضو فيها يشكل (عهدًا) بينه وبين الله على خدمة الوطن. وكان هدف الجمعيّة الحصول على الاستقلال الدّاخلي للأقطار العربيّة ضمن الامبراطوريّة العثمانيّة. وكان أكثر الجمعيّة من العراقيين والسوريين، وقد أنشئ لها فرعان في بغداد والموصل وانضم إلى الجمعيّة 315 ضابطًا من جملة 490 ضابطًا عربيًّا كانوا يخدمون في العاصمة(23)، وربما قد تسرّب إلى الاتحاديين فكرة عن تأسيس هذه الجمعيّة فاعتقل عزيز علي المصري بعد أن وجّهت له تهم عديدة، وقد تدخّلت السّلطات البريطانيّة للعفو عنه(24).
حزب اللامركزية الإدارية العثماني: وهناك حزب عربي آخر أدّى دورًا مهمًّا في الحركة القوميّة ألا وهو “حزب اللامركزية الإدارية العثماني” وقد تأسس في القاهرة في العام ۱۹۱۲ من عدد من المثقفين السوريين، وهدفه السّعي إلى تطوير أسلوب الحكم في أقطار الدّولة العثمانيّة على أساس اللامركزية، أي منح كل ولاية قسطًا كبيرًا من الاستقلال الإداري.
وقد نشأ هذا الحزب أثر ضياع طرابلس الغرب، وبعد أن أيقن العرب الشّاميون المقيمين في القاهارة، أن السلطنة العثمانيّة غير قادرة على حماية حدودها. ويقول رشيد رضا أحد مؤسسي الحزب:
«إنّ حزب اللامركزيّة كان يراد به خدمة الدّول والبلاد العربيّة معًا، وكان سبب تأسيسه الحصول على الاستقلال الداخلي للأقطار العربيّة ضمن السلطنة العثمانيّة، وقد تشكّلت أول هيئة إدارية للحزب على الشكل الآتي:
1 ـ الرئيس رفيق العظم من دمشق.
2 ـ نائب الرئيس اسكندر عمّون من لبنان.
3 ـ أمين السر حقي العظم من دمشق.
4 ـ أمين السر الثاني رشيد رضا من طرابلس لبنان.
أعضاء: دكتور شبلي شميل من لبنان ـ سامي جريديني من لبنان ـ وداوود بركات رئيس تحرير جريدة الأهرام بمصر.
وطالب هذا الحزب أن تكون في كل ولاية لغتان رسميتان: اللغة التّركيّة واللغة المحليّة، وأن يؤدي شبان كل ولاية الخدمة العسكرية داخل ولايتهم في زمن السّلم، وقد أنشأت للحزب فروع في بلاد العرب(25) وفي ما بعد أدين أشخاص وحكم عليهم بالإعدام لأنهم كانوا أعضاء فيه.
وقد ساعد هذا الحزب في بداية نشاطه سیاسة وزارة کامل باشا التي كانت تقوم على الانفتاح وعلى الرّغبة في تطبيق الإصلاحات في سورية، والعراق على مبادئ اللامركزية وعلى الأثر تألفت جمعيات إصلاحيّة في بيروت وحلب ودمشق والبصرة والقدس، وأخذت تعقد الاجتماعات لدراسة أوضاع البلاد ضمن الخطوط العامة لمبادئ اللامركزيّة.
ولكن وزارة محمود شوکت باشا عمدت إلى خنق حركة اللامركزية، وكان أول أعمالها أنّها أغلقت الجمعيات الإصلاحيّة فظهرت الصحف في بيروت يوم 9 نيسان ۱۹۱۲، وهي لا تحمل إلّا قرار الإلغاء على الصفحات الأولى محاطًا بإطار أسود، بينما تركت الصفحات الثلاث الأخرى بيضاء(26) ومع أنّ الحكومة استطاعت أن تقمع الحركة الإصلاحيّة في بيروت ودمشق والمدن الأخرى بالقوة، إلّا أنّها لم تستطع أن تفعل ذلك في البصرة التي كان يتزعمها يومذاك السّيد طالب النّقيب أبرز شخصيّة عراقيّة في تلك الحقبة والذي عارض قانون الولايات الجديد الذي أصدره الاتحاديون؛ لأنّه لم يكن يتضمن إصلاحات جوهرية. واشتد الخلاف بينه وبينهم فقرروا اغتياله وعهدوا بهذه المهمة إلى الأميرالي فريد بك قائد حامية البصرة إلّا أنّ طالب النّقيب عرف بالمؤامرة فانتدب بعض رجاله فكمنوا للضابط التركي وصرعوه؛ وبعد ذلك لم يستطع الاتحاديون الانتقام منه فآثروا مجاملته وبقي الموقف مائعًا في البصرة حتى نشوب الحرب العالميّة الأولى.
جمعيّة بيروت الإصلاحيّة: في ظل الظروف السياسيّة والعسكريّة التي أحاطت بالدّولة العثمانيّة دعا المستنيرين من أبناء بيروت لاجتماع في مقر بلديّة بيروت، شارك فيه ثمانيّة وأربعون من أعيان المدينة من مسلمين ومسيحيين ويهود. انبثقت عن هذا الاجتماع جمعيّة بيروت الإصلاحيّة وحدّدت مهامها البحث في أوضاع ولايتهم وبقية الولايات العربيّة تخوفًا على مصيرهم ومصير دولتهم، وبدأ البعض يطالب بالتخلّص من الدولة العثمانيّة، ويطالب بالانضمام إلى مصر تحت الحماية البريطانيّة، وأكد كولوندر Coulondre مدير القنصلية الفرنسيّة في بيروت في تقرير رفعه إلى بوانكاريه Poincaré رئيس الوزراء الفرنسي العام ۱۹۱۲ أن سليم سلام كان مصرًّا للعمل على وحدة البلاد السّورية مع مصر(27)، ورجح أن يكون تأليف لجنة سرية مؤيدة للإنكليز تعمل في القاهرة للوحدة قد حصل أثناء إقامة سلام في القاهرة(28) مع العلم أن سليم سلام لم يشر في مذكراته إلى مساعيه للوحدة مع مصر إنما ذكر أن البعض فاتحه بهذا الموضوع، وأشار أيضًا بأنّ البعض قال له: “إنّه راجع قنصل فرنسا وأنه وعده بالمساعدة وأنّ حكومته مستعدة أن تمدنا بعشرين ألف جندي عند الاقتضاء إذا أعلنا الثورة ولكن على الرغم من هذا كنا نحرص قلبًا وقالبًا على البقاء في حظيرة الدّولة(29).
وعلى أثر هذه الاتجاهات السياسيّة البيروتيّة المتناقضة توجّه سليم علي سلام لمقابلة الوالي الجديد أدهم بك، وأطلعه على حقيقة الآراء وميول السّكان وذكر له أنّ “الحلّ الأمثل للخروج من هذه الحال هو بإجراء الإصلاحات في ولاية بيروت وفي الولايات جميعها، واتُفِق سريعًا بينهما على ضرورة تنظيم لائحة إصلاحيّة تقدم إلى مجلس المبعوثان، وتحت إشراف الدّولة وألفت هيئة إصلاحيّة مكونة من كامل أحمد باشا الصلح وأحمد مختار بك بيهم وابراهيم أفندي ثابت وبترو أفندي طراد(30). وحُددت مهامها بالعمل في سبيل إصلاح أوضاع الولاية والمطالبة باعتماد اللامركزية في تسيير أمور الولايات العثمانيّة ضمن الحكم العثماني وعدّ اللغة العربيّة اللغة الرّسميّة داخل الولايات العربيّة، على أن تبقى اللغة التّركيّة قائمة في ما يخص المراسلات الرّسميّة في اسطنبول. وكانت هذه الجمعيّة بقيادة نخبة من أعيان بيروت ومثقفيها منهم: سليم سلام ومختار بيهم والشيخ أحمد طباره.
الهيئة الإصلاحيّة في بيروت: وفي الوقت نفسه جرت مساعٍ لتكوين هيئة إصلاحيّة غير رسميّة، فاجتمع عدد من البيروتيين من مختلف الطوائف الإسلاميّة والمسيحيّة، وفي 14 كانون الثاني ۱۹۱۳ اجتمع في دار المجلس البلدي أفراد الهيئة الإصلاحيّة وقد تكونت من (42) عضوًا من الطائفة الإسلاميّة و(42) عضوًا من الطائفة المسيحيّة، ويلاحظ بأن الجمعيّة كانت تعدُّ أول جمعيّة غير طائفية وبعد عدد من الاجتماعات وضعت اللائحة الإصلاحيّة في كيفيّة إصلاح ولاية بيروت وبقية الولايات العربيّة.
وفي الوقت الذي صُدِّقت اللائحة الإصلاحيّة من الأعضاء فإذا بالتّطورات السياسيّة والعسكريّة تتلاحق في الأستانة، ففي ۲۳ كانون الثاني ۱۹۱۳ أسقط الاتحاديون حكومة کامل باشا الإئتلافية ثم جرى تغيير والي بيروت أدهم بك؛ وقام الاتحاديون بحلّ الجمعيّة في ۸ نیسان ۱۹۱۳ واعتقال زعمائها(31)، وعلى أثر ذلك عمّت الاضطرابات والاضرابات والإقفال مدينة بيروت احتجاجًا على ذلك وفي 13 نيسان ۱۹۱۳ عقد ديوان الحرب العرفي جلسة وقرر فيها تبرئة الموقوفين على أن يُصار إلى فكّ الإضراب وعودة مدينة بيروت إلى وضعها الطبيعي(32) وأطلق سراح الموقوفين.
وبالفعل يعدُّ تاريخ الحركة الإصلاحيّة في بيروت هو تاريخ الحركة الإصلاحيّة في جميع الولايات العربيّة نظراً لأثرها السياسي في مختلف الولايات العربيّة.
المؤتمر العربي الأول في باريس ۱۹۱۳: وبالإضافة إلى هذه الجمعيات قامت موجة جديدة من الحركة العربيّة – العربيّة لمقاومة الأتراك وعنادهم وبدأت هذه الموجة في بيروت في أواخر سنة ۱۹۱۲ حيث شهدت ولاية بيروت العربيّة والولايات العربيّة الأخرى حركة سياسية لا سيما بعد قرار والي بيروت والحكومة العثمانيّة حل “جمعيّة بيروت الإصلاحيّة” واعتقال بعض أعضائها(۳3) وتزايدت حركة المعارضة العربيّة للسياسة العثمانيّة خاصة في عهد جماعة وحكومة الاتحاد والترقي التي عملت على أساس عنصري طوراني وقومي تركي، وقضت على المظاهر العربيّة وعلى الشخصيات العربيّة العاملة في الإدارة العثمانيّة والتي سبق للسلطان عبد الحميد الثاني أن قرّبها إليه واستعان بها.
وفي بيروت بدأت “المنشورات السّريّة” توزّع سرًّا على بعض الأشخاص وفي بعض الشّوارع لا سيما في المدّة ۱۹۱۲ – ۱۹۱۳ وكان مضمون هذه المنشورات إثارة الروح القوميّة العربيّة وحثهم للنضال ضد التعسف العثماني.
والحقيقة فإنّ الأوضاع العربيّة سهّلت الدعوة لعقد أول مؤتمر عربي في باريس للبحث في الشّؤون العربيّة وأوضاع الولايات الخاضعة للدولة العثمانيّة، وهو مؤتمر سياسي عقد في مقر الجمعيّة الجغرافية في العاصمة الفرنسية باريس من 18 إلى 23 حزيران 1913، وكان برئاسة الشيخ عبد الحميد الزهراوي أحد أعضاء مدينة حمص، وضم عدد من السياسيين الذين لمع نجمعهم في العالم العربي في سنوات لاحقة من القرن العشرين.
طالب أعضاء المؤتمر بتوسيع صلاحيات الأقضية العربيّة، وتقوية التمثيل العربي في مفاصل الحكم العثماني مع صون اللغة العربيّة في المدارس وجعلها لغة رسمية تضاف إلى اللغة التّركيّة. وكانت الثغرة المتمثلة في هذا المؤتمر تنقسم إلى عقدتين: أولًا: كون المؤتمر يعقد في عاصمة أجنبيّة هي باريس لها مطامع قديمة في بلاد الشام. ثانيًّا: إنّ بعض المشاركين في المؤتمر كانوا ممن لهم ارتباطات سابقة مع فرنسا وإنجلترا(34).
وكانت الدعوة لعقد المؤتمر العربي الأول العام ۱۹۱۳ قد وجّهت من بعض الجمعيات العربيّة والطلاب العرب الذين يتلقون علومهم في باريس وبين هؤلاء عبد الغني العريس، محمد المحمصاني، شارل دباس، أيوب تابت، ندره مطران، جميل معلوف، توفيق فايد، شكري غانم، عوني عبد الهادي وجميل مردم بك؛ وتكونت من هؤلاء لجنة تنفيذيّة للاتصال بالجمعيّات العربيّة في دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد ونابلس وسواها وبالجمعيّات والهيئات الاغترابيّة في الأميركيتين وعقد المؤتمر جلسته الافتتاحيّة في 18حزيران 1913 في قاعة سان جرمان، وقد حضر 24 شخصًا من أصل 25 شخصًا معتمدًا، وكانت العضويّة مقسومة قسمة متساويّة بين المسلمين والمسيحيين والكثرة الغالبيّة للأعضاء من بلاد الشّام(35). وحضر المؤتمر نحو مائتين من العرب المستمعين واستمر المؤتمر ستة أيام عقد فيها أربع جلسات رسمية، وانتهى إلى مجموعة من القرارات بالإجماع وكانت القرارات ترديدًا للمبادئ التي أعلنها “حزب اللامركزية” وللاقتراحات المقدمة من “لجنة الإصلاح” في بيروت مع تأكيد مطالب العرب بالحقوق السياسيّة الكاملة ونصيبهم في الاشتراك اشتراكًا فعّالًا في إدارة شؤون الدّولة؛ والتأكيد على المطالبة باللامركزية وحقوق العرب في الدولة العثمانيّة، وموضوع الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال وضرورة الإصلاح والبحث في موضوع الهجرة اليهوديّة إلى البلاد السورية، والهجرة من سوريا إلى الخارج وأن تكون الخدمة العسكريّة محليّة في الولايات العربيّة؛ إلّا في الظروف والأحيان التي تدعو للاستثناء الأقصى وأن تكون اللغة العربيّة معتبرة في مجلس النواب العثماني.
واتخذ المؤتمر قرارات أخرى بشأن تبليغ الحكومة العثمانيّة، وحكومات الدول الصديقة للدولة هذه القرارات(36) واشترط على الأعضاء المنتمين إلى لجان الإصلاح أن يمتنعوا عن قبول أي منصب في الحكومة، وأن تكون القرارات المتخذة “برنامجًا سياسيًّا للعرب العثمانيين” وخلاصة القول إنّ المؤتمر طالب بالإصلاح وإعادة تنظيم علاقة الحكومة المركزيّة بالولايات من أجل تقوية الدّولة العثمانيّة لا من أجل الانفصال عن الأتراك(37).
توجّه في 30 حزيران ۱۹۱۳ رئيس المؤتمر عبد الحميد الزهراوي، ووفد من أعضاء المؤتمر الى وزارة الخارجيّة الفرنسيّة وقابلوا هناك وزير الخارجيّة “بيشون” وقدّموا له نسخة عن قرارات المؤتمر وشكروا لحكومة الفرنسية حسن ضيافته، وطلبوا منه تبعًا لصداقة فرنسا مع الدّولة العثمانيّة أن تساعدهم لإقناع دولتهم لإعطاء دولهم الإصلاحات المطلوبة، وبعد مجاملات وعدهم بالمساعدة(38) وبعد ذلك توجّه الوفد إلى السفارة العثمانيّة في باريس وقدّموا للسّفير رفعت باشه نسخة من القرارات وتمنّوا وجوب تنفيذها.
وتوجّه في أوائل تموز ۱۹۱۳ وفد بيروت الإسلامي إلى وزارة الخارجيّة الفرنسيّة لبحث بعض الأمور الخاصة بالمؤتمر والدولة العثمانيّة وتكوّن الوفد من أحمد مختار بيهم، سليم علي سلام، الشيخ أحمد طباره، الدكتور أيوب ثابت وخليل زينيه وكان أحمد مختار بيهم صريحًا في هذا الدّاء ومما قاله لمدير الأمور الشّرقيّة: “بلغنا أنه يوجد البعض مما لا صفة رسميّة لهم يحضرون لعندكم لجر مغنم لهم ويقولون إنهم يتمنون إلحاق سوريا بالحكومة الفرنسيّة، ونحن لا نرضى عن دولتنا بديلاً(39)، فأجاب المسؤول الفرنسي: “إننا قطعيًّا ليس لنا أقل مطمع بسوريا وجل ما نتمناه أن تعيشوا مع دولتكم بسلام”، فقال لهم بيهم: “هل تسمح لي أن أصرّح بذلك علنًا عن لسانك فقال: “من كلّ بد، أرجوك أن تصرح عن لساننا”(40). وما إنّ خرج الوفد من وزارة الخارجيّة حتى أظهر أيوب ثابت وخلیل زينيه اعتراضهما على موقف أحمد بيهم لأنهما كانا يؤیدان احتلال فرنسا للبلاد السّورية، وقد ذكر أسعد داغر في مذكراته بأن نقطة الضعف في مؤتمر باريس كانت الجمعيّة الإصلاحيّة التي اندس فيها “فريق من عملاء الفرنسين وصنائعهم فتمكنوا من إفساد غايتها وتشويه سمعة بعض رجالها في نظر شعبهم وفي نظر الترك أيضاً”(41).
هذا وأرسل المؤتمر العربي وفدًا إلى الأستانة لملاحقة المقررات والتّفاوض مع الحكومة العثمانيّة؛ وتكوّن الوفد من مختار بيهم والشّيخ أحمد طباره وسليم علي سلام ووصل الوفد في 16 آب ۱۹۱۳ وانضم إليه هناك عبد الكريم الخليل؛ فما كان من الحكومة العثمانيّة إلّا أن أوعزت للمسؤولين الأتراك في ولايتي بيروت وسوريا بارسال وفود مؤيدة للدولة، ومعارضة لمطالب المؤتمر العربي ومقرراته، وبالفعل وصلت بعد أيام قليلة شخصيات مؤيدة للدولة وهي عبد الرحمن باشا اليوسف، محمد فوزي باشا العظم، الشيخ أسعد الشقيري، أمين أفندي التّرزي والأمير شكيب إرسلان ومن بين هؤلاء ذكر الأمير شكيب إرسلان(42) رأيه بمؤتمر باريس فأبدی معارضته لأنه كان مؤمنًا بفكرة الجامعة الإسلاميّة، ويعمل من أجل تحقيقها وما قاله “فكنت ساخطًا على عقد هذا المؤتمر”. وقابل الوفد الإصلاحي كل من السّلطان محمد رشاد الخامس وولي العهد يوسف عز الدين أفندي، والصّدر الأعظم سعيد حليم باشا(43)، وفي المقابل التقى الوفد المعادي للإصلاحيين عددًا من المسؤولين بينهم السّلطان محمد رشاد وأوصى له بضرورة عدم تنفيذ مطالب المؤتمرين العرب في باريس، وأنّ الشّعوب العربيّة تؤيد الدّولة وهي تخلص لها(44).
لو نظرنا إلى هذه المرحلة الأولى في الحركة القوميّة، لوجدنا أنّه على الرّغم من تعدد الشّكاوى لم تراود العاملين فيها فكرة الانفصال إلّا في نداءات متفرقة(45). والحقيقة فإنّ الصراعات والمنافسات المحليّة، ساهمت إلى حد كبير في عدم تنفيذ مقررات المؤتمر العربي الأول ومن ثم نشوب الحرب العالميّة الأولى في صيف 1914 التي دخلت الدولة العثمانيّة فيها.
الصراع الدولي في الشرق الأوسط وتقسيم العالم العربي مناطق نفوذ:
على الرّغم من أنّ الدّول الأوروبية الكبرى كانت تتنافس على النّفوذ، والامتيازات في أقطار الدولة العثمانيّة، فإنّها عمدت خلال ۱۹۱۳ – 1914 إلى تنسيق مصالحها في تلك الأقطار وذلك بعد انهزام الأتراك أمام دول البلقان. هكذا دخلت تلك الدول في مباحثات بعضها مع بعض لتنسيق تلك المصالح وتعيينها. واتُفِق أن تحصل روسيا على منطقة نفوذ اقتصاديّة تشمل الولايات الشّرقيّة، وأن تكون سورية منطقة نفوذ لفرنسا، والعراق ومنطقة الخليج منطقة نفوذ لبريطانيا، وآسيا الصغرى وولاية حلب منطقة نفوذ لألمانيا. وقد عقدت الحكومة العثمانيّة اتفاقيات مع الدول المذكورة كان آخرها بتاريخ 15 حزيران ۱۹14 مع بريطانيا (أيّ قبل مقتل ولي عهد النّمسا بأسبوعين) وقد تنازلت الحكومة العثمانيّة بموجب تلك الاتفاقيّة عن حقوقها في قطر، والبحرين وحضرموت وعدن والمشيخات العربيّة واعترفت باتفاقيّة بريطانيا مع شيخ الكويت.
ومما يثير الدّهشة أن حزب الاتحاد والتّرقي الذي عقد هذه الاتفاقيات مع دول أوروبا الكبرى، لم يوافق على منح سكان الولايات العربيّة الإصلاحات التي كانوا يطالبون بها من أجل تقوية أنفسهم لمقاومة المطامع الأجنبية(46).
الحرب العالمية وتأثيراتها على القضية العربيّة والاتفاقات السّريّة:
كان من أثر نشوب الحرب العالمية الأولى واشتراك الدولة العثمانيّة (تشرين الأول) 1914أن توقفت المفاوضات مع الترك ودخلت القضية في مرحلة جديدة؛ جرت أحداثها في منطقتي الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربيّة.
وقبل اندلاع الحرب بعدة أشهر جرت اتصالات مع بريطانيا بواسطة الأمير عبدالله لتقديم العون للشريف حسين أمير مكة؛ وكان الأمير عبدالله ثاني أنجال الشّريف حسين عضو في مجلس المبعوثان العثماني عن مكة، وقد احتفظ بمقعده النيابي منذ انعقاد المجلس الأول ۱۹۰۹ حتى إعلان الثورة العربيّة في العام 1916. ولما كان الأمير قد عقد أواصر الصداقة مع الخديوي عباس حلمي عندما قام الأخير بأداء فريضة الحج العام ۱۹۰۹ ورافقه الأمير أثناء إقامته في الحجاز؛ فقد اعتاد أن يمرّ بالقاهرة في ذهابه إلى استانبول وأيابه منها فيقضي فيها أيامًا وينزل أثناء ذلك ضيفًا على الخديوي.
وفي إحدى الزّيارات أوائل العام 1914 التقى اللورد كتشنر بالأمير عبدالله في سراي القبة بينما كان الأمير يزور الخديوي وفي اليوم نفسه قام كوتشنير بزيارة الأمير عبدالله في قصر عابدين برفقة سكرتيره الشرقي رونالد ستورز وأعربا له عن رضا الحكومة البريطانية عن الوضع في الحجاز(47).
وفي زيارة قام بها الأمير عبدالله إلى اللورد كوتشنير ليعرف منه موقف الحكومة البريطانيّة إذًا ما نشب نزاع سافر بين الأتراك، والعرب وكان جواب کتشنير أن الصّداقة التّقليديّة بين تركيا وبريطانيا العظمی تمنع بريطانيا من التّدخل في الشّؤون الدّاخليّة التّركيّة(48).
وفي زيارتين تاليتين للقاهرة، بينما كان الأمير في طريقه لاستانبول أيضًا تحدث في اجتماع سري(49) مع رونالد ستورز عن الوضع في الحجاز وعن إمكانيّة القيام بعمل ضد الأتراك من أجل استقلال هذه الولاية، وحمايتها بسبب الخلاف الذي نشب بين الشّريف حسين والاتحاديين، لكن من الطبيعي في ذلك الحين أن ترفض بريطانيا تقديم المساعدات لتستخدم ضد دولة صديقة.
وعلى الرّغم من أن هذه المحادثات بين الأمير عبدالله وكوتشنير لم تنته إلى نتيجة عمليّة، غير أنّها كانت ذات أثر فعال في سير الحوادث، فقد نبهت كوتشنير إلى العداء بين الأتراك والعرب وإن رغبة العرب بالاستقلال رغبة صادقة، وكان كوتشنير يتابع بقلق نمو النّفوذ الألماني ويدرك ما ينذر به امتداد سكة حديد بغداد من شؤم، يشغل باله وما يتضمن ذلك من تهديد لمركز بريطانيا العظمى في الخليج العربي وفي الهند. وأصبح شغله الشّاغل التفكير في الطريقة المناسبة التي يقاوم فيها هذا الخطر، وحين نشبت الحرب في شهر آب استدعى رئيس الوزراء البريطاني كوتشنير وعيّنه وزيرًا للدّفاع، وبدأ يعمل على تكوين جيش بريطاني تكوينًا جديدًا ويضع نصب عينيه مخاطر النّفوذ الألماني في السياسة التّركيّة(50) وأدرك ستورز بذهنه الوقاد ضرورة الاستفادة من كره العرب للأتراك فكتب إلى كوتشنير رسالة شخصيّة ذكر فيها ما معناه “هل لك أن تفوضني في التأكد من عبدالله عن الاتجاه الذي سيسير فيه العرب إذا دخلت تركية الحرب إذ إنّه من الواضح انحيازهم إلى جانبنا سيقوي من موقعنا العسكري”(51).
اتصالات الأمير عبدالله واللورد ستورز: وقد تبنی کوتشنير هذا الاقتراح وأبرق إلى ستورز بتعليمات أكثر تحديدًا إذ طلب منه أن يستفهم من عبدالله موقف شريف مكة، إذا ما استطاعت ألمانيا أن تحمل تركيا على دخول الحرب في صفّها.. وهل سیناصر الشّريف حسين في هذه الحالة قضية تركيا أو يناصر بريطانيا العظمى عليها(52)، وقد صدرت هذه التعليمات قبل إعلان الحرب على تركيا بستة أسابيع أي في الأسبوع الأخير من أيلول.
وأرسل كوتشنير رسول أمين يعتمد عليه وهو علي أفندي مصري ووصل الرّسول إلى مكة في منتصف شهر تشرين الأول وقد بلغ الرسالة وعاد إلى القاهرة قبل نهاية الشهر يحمل معه جوابًا مكتوبًا من عبدالله يتضمّن ردًّا وديًّا وأنه يريد صلة أمتن “مع بريطانيا العظمى ولكنه يتوقع “وينتظر وعدًا مكتوبًا أنّ بريطانيا العظمی ستمتنع عن التّدخل في الشّؤون الدّاخليّة للجزيرة العربيّة وستضمن حمايّة الأمير من أي اعتداء أجنبي أو عثماني”.
وقد عبّر الشّريف في محادثة سرّية مع الرّسول عن آرائه بكل صراحة ووضوح حين قال: “مدّوا لنا يد العون فإنّنا لن نساعد هؤلاء الظالمين”. وتجدر الإشارة إلى أن الشّريف عبدالله كان يكرر دائمًا المقترحات لدار صاحب الجلالة دون زيادة(53).
وفي اليوم نفسه أرسلت البرقيّة الجوابيّة الآتية من وزارة الخارجيّة البريطانيّة إلى الشّريف حسين “يبعث اللورد كوتشنير بسلامه إلى الشّريف عبدالله. لقد تمكنت إلمانيا من شراء الحكومة التّركيّة بالذّهب مع أن انكلترا وفرنسا وروسيا، قد تكفلت بالحفاظ على سلامة الامبراطورية العثمانيّة إذا بقيت تركيا على الحياد في هذه الحرب. لقد قامت الحكومة التّركيّة، على غير رغبة السّلطان وبسبب الضغط الألماني بارتكاب أعمال حربية بغزوها حدود مصر بعصابات مسلّحة يتبعها جنود أتراك يتجمعون الآن في العقبة لغزو مصر. وإذا ساعدت الأمة العربيّة انكلترا في هذه الحرب التي فرضتها تركيا علينا فرضًا، فإن انكلترا ستضمن عدم وقوع تدخل في الشّؤون الدّاخليّة لجزيرة العرب، وستقدم للعرب كل مساعدة ضد أي عدوان أجنبي خارجي. “من الممكن أن يتولّى الخلافة في مكة أو المدينة شخص من العنصر العربي العريق ويمكن أن يحدث خیر بإذن الله من هذه الشّرور الواقعة الآن(54)“.
كانت البرقيات التي أوردناها بداية العروض الرّسميّة على شريف مكة، ويمكن عدّها فاتحة اهتمام البريطانيين بقيام ثورة على الحكومة التّركيّة بقيادة الشّريف حسين. وكان إعلان بريطانيا الحرب على تركيا ضرب الحصار البحري على ميناء جدة ومنع الرّعايا المسلمين من الحج إلى مكة والمدينة؛ والأماكن المقدسة التي كانت تحت السيطرة التّركيّة ما شكّل ذلك مخاوف لدى ستورز لأنّ غالبيّة سكان الامبراطوريّة البريطانيّة وخصوصًا في الهند ومصر والسّودان هم من المسلمين؛ وكان الألمان يعلّقون أهمية كبرى أن هذا الحصار سيحدث العداء بين العرب والبريطانيين خصوصًا؛ وأنّ الخليفة العثماني يتمتع بزعامة روحيّة إسلاميّة معترفًا فيها في أنحاء العالم الإسلامي السّني جميعها. وهو بسبب هذه الزّعامة يعدُّ خادمًا للحرمين الشّريفين وحارسهما والمدافع عنهما.
وكانت الحكومة البريطانية تحرص على أن لا تؤدي الحرب مع تركيا – مركز السّلطنة والخلافة – إلى تأثيرات سلبية بالنسبة إلى السّكان المسلمين في امبراطوريتها خصوصًا في الهند والسودان، وكان يتحتم عليها تطمين السكان المسلمين أنّه لن يحدث تغيير في السياسة البريطانيّة تجاه الإسلام وحماية الأماكن المقدسة وتحسين التّسهيلات اللازمة لأداء فريضة الحج بكل سهولة أو تأدية شعائرهم الدّينيّة(55) فكان همّ نائب الملك في الهند كما همّ الموظفين البريطانيين في مصر والسّودان أن يطمئنوا رعاياهم من المسلمين(56).
مراسلات حسين- مكماهون: وللغاية ذاتها باشرت وزارة الخارجية البريطانيّة اتصالاتها ومراسلاتها مع الشّريف حسين بوساطة السّير أرثر هنري مكماهون الذي كان قد عيّن معتمدًا ساميًا في مصر في شهر شباط 1914. وقد كتبت رسائل مكماهون باللغة الإنكليزيّة، وكانت تترجم إلى العربيّة في دار المعتمد البريطاني في القاهرة ثم ترسل سرًّا إلى الشّريف حسين بواسطة رسول خاص، أمّا رسائل الشّريف حسين إلى مكماهون فكانت بالعربيّة جميعها، وكانت تنقل إلى الإنكليزيّة في القاهرة وكان مجموع هذه الرّسائل عشرًا منها خمس كتبها مكماهون وخمس كتبها الحسين. وأصرّ الحسين في مراسلاته على قضية الحدود التي يعتبرها جوهرية(57) كما يبدو في رسالته إلى مكماهون المؤرخة في 14 تموز 1915 وأتاه جواب من السير مكماهون المؤرخ في 24 تشرين الأول جاء فيه: “إنّ بريطانيا العظمی مستعدة أن تعترف باستقلال العرب، وأن تؤيد ذلك الاستقلال في جميع الأقاليم الداخلة في الحدود التي يطلبها شريف مكة”، ولكن هذه الحدود عرضة لبعض التعديلات خصوصًا في أجزاء من بلاد الشّام الواقعة في الجهة الغربيّة لولايات دمشق، الشّام وحمص وحماه وحلب وباستثناء بعض المناطق الدّاخلة في الحدود التي تشعر بريطانيا أنّها ليست حرة التّصرف فيها “من دون أن تمس مصالح حليفتها فرنسا فيها، وأيضًا استثناء ولايتي مرسين واسكندرونة”(58).
وفي رسالة بعث فيها الشريف حسين في 5 تشرين الثاني 1915 “قال نترك الإلحاح في إدخال ولايتي مرسين وأضنه في أقسام المملكة العربيّة، وأما ولايتا حلب وبيروت وساحلهما فهي ولايات عربيّة محضة” وفي 14 كانون 1915 أشار مكماهون في رسالة ثالثة بعث بها إلى الشّريف حسين إلى أن ولايتي حلب وبيروت “تحتاج إلى نظر دقيق”(59) ذلك لأنّ المصالح حليفتها فرنسا داخلة فيها” فأجاب الشّريف حسين في رسالة مؤرخة في أول كانون الثاني 1916 أنّه في الوقت الحاضر سيعمل على مجانبة ما من شأنه أن يؤثر في التحالف القائم بين فرنسا وبريطانيا، ولكن “عند أول فرصة تضع فيها هذه الحروب أوزارها سنطالبكم بما نصرف عنه الطرف اليوم لفرنسا في بيروت وسواحلها”. وأضاف قوله “إن البيروتيين بصورة قطعية لا يقبلون هذا الانفصال، وعليه يستحيل إمكان أي تساهل يكسب فرنسا أو سواها شبر من أراضي تلك الجهات”(60). وأسفرت المفاوضات مع الشّريف حسين عن قيام الثورة العربيّة.
الثورة العربيّة: لعل وزير الدّفاع البريطاني كوتشنير كان أكثر ساسة الحلفاء إدراكًا للأخطار النّاجمة عن الموقف في البلاد العربيّة، وسيبقى له ولرونالد ستورز الفضل في أنهما أول من فكّر في مواجهة هذه الأخطار بخطوتهما الجريئة بعقد حلف مع مكة، إذ إنّ العون الكبير الذي قدّمه الشريف حسين للحلفاء في موقفه من الدعوة إلى الجهاد كان عونًا لا يستطيع أحد سواه تقديمه نظرًا لمكانته الفريدة التي لا تعادلها مكانة شخص آخر في العالم الإسلامي. “فنسبه إلى الرسول وموقع بلاده الاستراتيجي البعيد من مراكز احتشاد الجيوش وطرق المواصلات، ومركزه كشريف مكة، وما له من قيمة كبرى في حماية الأماكن المقدسة الحجازيّة مع اتصالاته عن طريق أبنائه بالمراكز المدنيّة جعله أحسن مرشح لقيادة الحركة النّاشئة في تلك المدّة التي لم يتمكن فيها التّخلص من التّقاليد السّائدة التي تسيطر عليها الزّعامات القبليّة والدّينيّة(61).
وكانت لكوتشنير لضمان تأييد الشّريف “ضربة معلم” تدل على الذكاء وبُعد النّظر لأنه لم يكن ثمة شخص آخر غير الشريف حسين أن يجرّد دعوة السلطان إلى الجهاد من قوتها الأساسية حينما يمتنع عن تأييدها(62).
بدأت الثورة في العاشر من شهر حزيران 1916 بقيادة الشريف حسين وبمعاونة بريطانيا العظمی عسكريًّا وماليًّا(63). أمّا من الجانب العربي فقد كان أبرز المشاركين في الثورة أبناء الشّريف حسين الأربعة، الأمير علي والأمير عبدالله والأمير فيصل والأمير زيد وعدد كبير من الضباط العرب الذين نظّموا القبائل العربيّة والبدوية وقادوها، وقوات حجازية انضمت إلى الثورة لمناصرة الشّريف حسين. “وكان أبرز الضباط العرب ينتمون إلى الجمعيّة العربيّة السّريّة التي كانت تعرف (بالعهد)(64)، كان بين هؤلاء الضباط العرب نوري السّعيد وجعفر العسكري وعلي جودت الأيوبي، وجميل المدفعي ومولود مخلص ومحمد شريف الفاروقي “ويبدو أنّ طبيعة المعلومات التي أدلى بها الفاروقي إلى السلطات البريطانية في القاهرة والمتعلقة بالقضية العربيّة، وما يصبو إليه العرب من مطمع الاستقلال تركت أثرًا كبيرًا في نفس الإنكليز. وفي رسالته الأولى إلى الشريف حسين من القاهرة والمؤرخة في ۲۷ محرم 1334 هجرية (6 كانون الثاني 1916) يكشف الفاروقي عن حقيقة اتصالاته بالسّلطة البريطانية وبحثه معهم قضية العرب، ومطلبهم للاستقلال في سوريا وعن “استحالة التّخلي عن شبر من الأرض لفرنسا” وعيّن الشّريف حسين الفاروقي ممثلًا له في القاهرة(65). وقد انتخب الأمير فيصل ليقود القوات العربيّة الزاحفة من مكة شمالًا إلى العقبة(66). وفي هذه الأثناء برزت شخصيّة شاب بريطاني عالم بالآثار ودبلوماسي وكاتب اشتهر بدوره في مساعدة القوّات العربيّة خلال الثورة العربيّة 1916 ـ 1918 وحملة سيناء وفلسطين ضد الدولة العثمانيّة 1915 ـ 1918 خلال اسمه توماس إدوارد لورنس، عند بدء الحرب العالمية الأولى كان لورنس يعمل كضابط في دائرة الاستخبارات في القاهرة تحت أمرة السير کلايتون (Clayton) والتحق لورنس بجيش القبائل تحت إمرة فيصل إذ اكتسب شهرة عالمية وأصبح يعرف بلورنس العرب.
الخطوات التّمهيديّة للثورة: وجد العرب أن بلادهم قد جرّت إلى حرب لا يرغبون فيها، وأصبح من الواضح أن الإمبراطوريّة العثمانيّة على وشك الانهيار، فكان لا بد من التفكير في مصير بلادهم. وانقسمت آراء القوميين العرب السياسيّة في هذا المجال: إذ بينما رغب البعض في تأسيس دولة مستقلة معتمدين على جهودهم الخاصة، رغب البعض الآخر في تحقيق هذا الهدف بمساعدة خارجية، وبقيت فئة أخرى على تمسكها بالدولة العثمانيّة خوفاً من الأطماع الأوروبيّة(67).
ولكن الظروف التي اكتنفت سني الحرب دفعت بالحركة العربيّة إلى أن تأخذ اتجاهًا آخر يبعدها من الدّولة العثمانيّة. فقد عيّن جمال باشا أحد أقطاب الاتحاديين قائدًا للفيلق الرابع في الشّام مع صلاحية مطلقة في حكم سورية الطبيعيّة، للبدء بهجوم معاكس على قناة السويس.
واتبع سياسة قمع وإرهاب ضد الزعماء العرب في سورية ولبنان بعد فشل هجومه علی القناة فبراير (شباط) 1915 فأصدر أحكام إعدام متتالية تتهم المحكومين بالخيانة للدولة والوطن وتسليم البلاد إلى إدارة أجنبية(68)، وكانت قد وقعت في يده وثائق القنصلية الفرنسيّة في بيروت التي تدين بعض الشّخصيات العربيّة الكبری(69)، “والواقع أنّ التّدقيق في هذه الوثائق يدل على أنّ أصحابها لم يرغبوا في الانفصال الكلي عن الإمبراطورية العثمانيّة بل كانوا يعملون من أجل الحكم الذاتي”(70).
ورافق هذا الإرهاب مصادرة المحاصيل وفرض الإعانات للجيش باسم التكاليف الحربيّة، ونقل الكتائب العربيّة من بلاد الشّام إلى مناطق بعيدة من الجبهة، ونفى العائلات العربيّة إلى أقاصي الأناضول مع مصادرة أملاكها وأراضيها. وزاد الأمر سوءًا انتشار المرض والمجاعة(71).
وكان لهذه الإجراءات التّعسفيّة أثرها الكبير في ابتعاد العرب عن القضية التّركيّة. وكما يذكر الجنرال الألماني فون ساندرز “إن تأثير حكم جمال باشا الإرهابي لم يحرم سورية من زعامة الثورة بل زاد في الشعب روح الثورة”(72).
اتصالات الجمعيات العربيّة بالشريف حسین 1915- 1916:
جاء الحسين عرض آخر للثورة من الجمعيات العربيّة السّريّة برسالة شفوية حملها فوزي البكري في كانون الثاني 1915 بعد أن حالت الأوضاع الجديّة في الحرب دون القيام بعمل ذي شأن في سوريا، وتحول اتجاه الحركة نحو الحجاز لتكون منطلق الثورة وإلى الشريف حسین بالذات ليتولى قيادتها.
ولم يلبّ الحسین الدعوة مباشرة وأرسل نجله الأمير فيصل في مارس (آذار) في مهمة رسميّة إلى استانبول مع تعليمات باستشارة الزعماء القوميين في دمشق لمعرفة مدى قوة الحركة العربيّة وموقفهم من العروض البريطانيّة.
وتشاور فیصل مع الأعضاء البارزين في جمعيتي الفتاة والعهد، وأطلعوه على قرار اتخذته الجمعيّة قبل أشهر وفحواه: “إنّ غاية العرب هو الاستقلال حفاظًا على كيان البلاد العربيّة لأعداء للترك، أمّا إذا كانت البلاد عرّضة لخطر الاستعمار الأوروبي فالجمعيّة تعمل مع أحرار العرب للدفاع عن البلاد العربيّة جنبًا إلى جنب مع الترك”(73).
وأطلعهم فيصل على عروض إنجلترا، وسألهم عن المساعدة التي تحتاجها سوريا لتشترك بالحركة التّحريرية عند الاقتضاء فأجاب ياسين الهاشمي (من كبار ضباط العهد وعلى علم بقوى الجيش المرابط في سوريا): “إن سوريا لا تحتاج إلا إلى عزم الحسین علی ترؤس الحركة التّحريريّة”(74).
میثاق دمشق: وبعد عودة فيصل من استانبول في أيار سلّمه زعماء العربيّة الفتاة، والعهد میثاقًا يتضمن الشروط التي يطالب الزعماء العرب بتحقيقها كي يقوموا بثورة يعلنها الشريف ويؤازروا بريطانيا العظمى على تركيا. واتفقوا أن يحمل فيصل هذا الميثاق إلى مكّة الذي سمي بميثاق دمشق ويطلب من والده أن يعرف من الحكومة البريطانيّة هل تقبل هذه الشروط أساسًا للعمل المشترك. ولأهميّة هذا الميثاق أورده جورج أنطونيوس في كتابه يقظة العرب كاملًا. وهو: اعتراف بريطانيا العظمى باستقلال البلاد العربيّة الواقعة ضمن الحدود الآتية: شمالًا خط مرسين – أضنه إلى ما يوازي خط العرض ۳۷ شمالًا، ثم على امتداد خط بیربجبك – أورفه – ماردین – مدیات – جزيرة ابن عمرو – العمادية على حدود إيران شرقًا على امتداد حدود إيران إلى خليج العرب جنوبًا. جنوبًا – المحيط الهندي باستثناء عدن التي يبقى وضعها الحالي كما هو. غربًا على امتداد البحر الأحمر ثم البحر الأبيض المتوسط إلى مرسين.
إلغاء الامتيازات الاستثنائيّة جميعها والتي مُنحت للأجانب بمقتضى الامتيازات الأجنبية. عقد معاهدة دفاعيّة بين بريطانيا العظمى وهذه الدّول العربيّة المستقلة. تقديم بريطانيا العظمى وتفضيلها على غيرها من الدّول في المشروعات الاقتصادية(75) تلك هي الشّروط التي كان يتمسك بها الزعماء العرب لكي يقوموا بثورة عربية يعلنها شريف مكة.
وأصر الحسين على تحديد المنطقة لأنّها للشعب بأسره، وليست صادرة عن شخصه” فجاءت مذكرة مكماهون 24 أكتوبر (تشرين الأول) وثيقة دوليّة مهمّة، اشتملت على العهود التي دعت العرب إلى إعلان اشتراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء، والواقع أن مكماهون لم يحدد منطقة الاستقلال العربي التي تتعهد بريطانيا بالاعتراف بها، ودعمها بل قَبِل بالحدود التي وضعها الحسين عدا بعض التّحفظات التي استثنت المناطق التّركيّة، والمناطق التي عقدت بريطانيا مع زعمائها معاهدات في الجزيرة الهرميّة، والمناطق التي لفرنسا مصالح خاصة غربي مناطق دمشق وحمص وحماه وحلب واحتفظت بريطانيا لنفسها بحق إقامة نظام إداري خاص في ولايتي البصرة وبغداد.
إن ميثاق دمشق ذو قيمة كبيرة جدًا، ولا تقتصر قيمته على أهمية ما تضمنه من شروط فحسب، وإنما في أن الشريف حسين قد استخدم نصوصه في شهر تموز 1915 حينما استأنف مباحثاته مع بريطانيا العظمی، وربما كانت قيمته الكبرى من حيث هو وثيقة تاريخيّة، تتمثل في أنّها توضح موقف العرب تجاه الدّول الغربيّة الكبرى. وكان الهدف هو الاستقلال استقلالًا مضمونًا محصنًا عن أي تدخل أجنبي حتى ما كان يعرف باسم الامتيازات الأجنبيّة، ولقد أعرب فيصل أثناء محادثاته في دمشق عن شكوكه في أن يقبل البريطانيون هذه الشروط(76) ومع ذلك كان يرى أن هذه الشروط هي أقل ما يمكن المطالبة به في سبل قيام العرب بالثورة، ووعد أن يسارع إلى مكة ليعرضها على والده.
عاد فيصل إلى مكة بعد أن استأذن جمال باشا ووصلها في العشرين من حزيران 1915 وقدم لوالده تقريرًا مفصّلًا عن مهمته، وشرح له الأوضاع والموافقة على الثورة في بلاد الشام إذا وافقت بريطانيا على هذه الشروط، ودارت المباحثات مع بريطانيا بين الشريف حسين وكوتشنير حول مطالب العرب، والرّسائل التي بعث بها كوتشنير إلى الشّريف حسين لكن هذه المباحثات لم تصل إلى اتفاق لأنّ الزعماء العرب طالبوا بضمانات تكفل الاستقلال. وكان جواب مكماهون تكرارًا لتعهدات عامّة وأن تحديد المنطقة التي ستمنح الاستقلال في رأيه سابق لأوانه(77).
وقائع الثورة وأحداثها: حينما استأنف الشريف حسين المفاوضات في تموز 1915، لم تكن الحرب في الشّرق الأدنى تسير وفق مصلحة الحلفاء، فقد كلّفتهم الحرب في غاليبولي كثيرًا ولم تكلل بالنّصر، ومع أنّ الخطر على مصر قد صدّ إلّا أن الخطر لا يزال قائمًا. ومواقف زعيم السنوسيين لا تزال غير واضحة وهو ميال للأتراك ومواقفه تدعو للقلق، وزحفت القوات التّركيّة المرابضة في اليمن على محميّة عدن. وطردت القوات البريطانيّة واستطاعت أن تقترب من عدن نفسها وباستثناء الحملة البريطانية على البصرة التي كانت تتقدم ببطء هناك، فإنّ القوات البريطانيّة في البلاد العربيّة كانت تقف في جميع الميادين موقف الدفاع.
هذا الموقف العسكري الحرج للإنكليز، وإعدام المناضلين في سوريا ولبنان من المسلمين والمسيحيين، وتفاقم الاستياء ضد الترك مع وصول الحملة التّركيّة المتجهة نحو اليمن إلى المدينة، قد أقنعت الأطراف المعنية أن الوقت قد حان لإعلان الثورة.
نشبت الثورة العربيّة في اليوم نفسه الذي توفّى فيه كوتشنير، وذلك يوم الاثنين الخامس من شهر حزيران 1916 وبدأت بإعلان الثورة في الحجاز تمهيداً للهجوم على المواقع التّركيّة في بلاد الشام.
وكان منشور الحسين الأول للثورة(78) قد ركز على الناحية الدّينيّة، وجعل عداوته لفئة الاتحاديين الذين تسلطوا على الدولة وحرفوها عن سبيل الحق والدين، لا للشعب التركي ولا للدولة العثمانيّة، فحطم بذلك فكرة الجهاد الإسلامي. واختلف رد الفعل للثورة حسب المناطق المختلفة: ففي الجزيرة العربيّة لاقت تأييد بعض الحكام، وفي مصر استقبلتها الدوائر الموالية لتركيا بامتعاض، في حين استقبلتها الجاليات السورية والعراقية بحماس(79). وحاولت السلطات البريطانيّة في العراق التقليل من شأنها على الرّغم من تسرّب بعض أخبارها عن طريق الصحافة المصريّة، والأخبار الشّفويّة عبر الصحراء(80). وظل الرأي العام في العالم الإسلامي في الخارج يعتقد أنّ ثورة الحسين في إضعافها تركيا قد خانت قضية الإسلام.
وأطلق الشريف إشارة الهجوم في الفجر، فتعرّضت الثكنات ومراكز الحامية التّركيّة في وقت واحد للهجوم بإطلاق نيران البنادق. “واحتدم القتال العنيف ثلاثة أيام استسلمت بعدها المواقع التّركيّة الصّغيرة. أما المواقع الرئيسة والثكنات فقد استمرت مقاومتها ثلاثة أسابيع لأنّها كانت مجهزة بمدفعيّة ثقيلة. وفي تلك الأثناء أرسل السير الجنرال ريجنالد ونجت وهو قائد عسكري بريطاني كان حاكم السودان 1899 ـ 1916 ومندوب سامي لبريطانيا في مصر سريتي مدفعيّة من سرايا الجيش المصري في السودان، فأخذ منهما مدفعان إلى مكة وكان لهما الأثر الحاسم في اضطرار القوات التّركيّة إلى الاستسلام.
نتائج الثورة الفوريّة: وسببت أنباء الثورة ذهولًا لدى الحكومة العثمانيّة وألمانيا، وحجبت أخبارها عن الجماهير عدة أسابيع وظلّت البلاغات حتى السّادس والعشرين من حزيران تصدر منكرة قيام ثورة في الحجاز حتى كان التاسع والعشرين من ذلك الشهر، إذ نشرت صحيفة الشّرق الرّسميّة يومئذٍ بيانًا أقرّت فيه أنّ “بعض الفئات القبليّة هاجمت بضعة مراكز في جوار المدينة إلّا أنّها لم تذكر شيئًا عن الشّريف أو احتلال مكة وجدة، وكانت أول إشارة إلى الشّريف في الثاني من تموز يوم صدرت إرادة سنيّة تعلن طرده وتعيين الشريف علي حيدر أميرًا على مكة بدلًا منه”(81) وبقي أمر الثورة في طيّ الكتمان حتى السّادس والعشرين من تموز حين سمحت الحكومة لجريدة “طنين” بالقسطنطينيّة أن تنشر على النّاس صورة مشوهة للحقائق مع محاولة الإقلال من قيمتها، ورافق ذلك ازدياد الإرهاب في سوريا.
وثار غضب جمال باشا متجاوزًا كلّ حدّ، وصبّ غضبه بشراسة على القادة العرب القليلين الذين نجوا حتى ذلك الحين من غضبه، وقسوته وأصدر أوامره بالقبض على النّاس بالجملة وألقى القبض في دمشق وحدها على أربعين وساقهم إلى السّجن، وأنزل بهم ضروب التّعذيب”. فكان الشّيخ شكري باشا الأيوبي يجلد كل يوم حتى يشرف على الموت، وهو ضابط سوري في الجيش العثماني كان مناصرًا للثورة العربيّة الكبرى ووُلّي حاكمًا على كل من دمشق وبيروت وحلب في عهد الملك فيصل العام 1918. أمّا عبد الحميد باشا القلطقجي وهو ضابط سوري وكان أمير لواء في الجيش التركي وكان أول وزير حربية في سوريا من 9 آذار إلى 3 أيار 1920. وزكي بك العظمة وكان ضابطًا، وفارس الخوري أحد النّواب المسيحيين في المجلس العثماني (مجلس المبعوثان) وهو رجل دولة سوري مسيحي ووزير ورئيس وزراء ورئيس برلمان، والأبّ الرّوحي للسياسة السّوريّة وُلد في قرية الكفير التابعة حاليًّا لقضاء حاصبيا التي كانت آنذاك جزءًا من سورية. فقد حبسوا في زنزانات وضربوا وأجيعوا فلم يعترف أحد منهم بسرّ من أسرار الحركة العربيّة، بل أنّ شكري القوتلي وهو من أشد أعضاء (سورية الفتاة) حماسة حاول أن ينتحر بعد أن مزّقوا جلده بالسّياط خشية أن يبوح وهو فاقد الوعي بسر من أسرار الجمعيّة. وفي الوقت نفسه زوّر جمال باشا أحكامًا بالإعدام بحقّ العرب، لكن تدخّل فيصل في الوقت المناسب بقتل الضباط الأتراك الذين في الأسر وقتل عشرة ضباط مقابل كل عربي يروح ضحية جمال باشا”(82) وكان لهذا الوعيد أثره فأطلق سراح المتهمين ووضعوا تحت رقابة مشددة.
وبعد النّجاح الأول نودي بالحسين ملكًا على البلاد العربيّة في الثاني من تشرين الثاني 1916 وأحدث الخبرُ موجة من الاضطراب لدى الدوائر الفرنسيّة والبريطانيّة وعدّت ذلك سابقًا لأوانه وعملًا خاليًا من بُعد النّظر. وكان الحلفاء ذوي حكمة ولم يعترفوا له بذلك اللقب غير أنّهم في النهاية، وجدوا لأنفسهم مخرجًا من ذلك المأزق وسموا الشريف (ملك الحجاز) وأبلغوه ذلك رسميًّا في الثالث من كانون الثاني ۱۹۱۷ في مذكرتين متماثلتين: فرنسية وإنكليزية(83).
مرحلة حرجة: إلّا أنّ الثورة بدأت تتعثر بعد أن فقدت عنصر المفاجأة، وتوالت المساعدات العسكريّة والماليّة من الحكومة البريطانيّة(84)، على الرّغم من أنّها كانت تجري طوال الوقت بتردد وحذر. وعهد بالمسؤوليّة المترتبة على الشؤون العسكرية والسيطرة الفعليّة على العمليات الحربيّة إلى عزيز علي المصري الذي بدأ بتكوين جيش مدرب نظامي، ولكنّه ما لبث أن ترك القيادة لجعفر العسكري ونائبه نوري السعيد وهما من كبار الضباط العراقيين(85) ومن المؤسف أنّ الثورة خسرت خدمات عزيز علي وأنّه لم يستطع أن يبني مستقبله معها كما فعل كثيرون من الضباط الآخرين، وأسباب انفصال عزيز علي المصري عديدة منها: أنّه كان مثل الشريف حسين رجلًا شديد المراس متصلّب الرأي قوي الشّكيمة لذلك لم يتوافر بينهما الانسجام الشّخصي؛ وأنّ عزیز طَالَب أن يحصل على (قيادة عسكريّة مستقلة) وقد كتب الكولونيل ولسون الذي أرسل إلى جدة ليدرس احتياجات العرب، وتقديم المساعدة لهم إلى الشّريف يقترح عليه منح عزیز صلاحيات لإنشاء قوة نظاميّة، وأن تخصص له موازنة خاصة (15 ألف جنيه شهرياً) لكن الشّريف لم يوافق خوفًا من انقلابات العسكريين(86) عليه. وكان قد انضم للثورة العديد من الضباط الموجودين في معسكرات الأسر في مصر والهند، وشكّلوا نواة الجيش النّظامي إلى جانب القوات غير النّظاميّة، كما التحق بجيش الثورة عدد كبير من الضباط الإنجليز المدربين كخبراء على تعليم فنون القتال الحديث واستعمال المتفجرات. وقد ركّزت الأضواء على لورانس أحد ضباط الاستخبارات في الدائرة العسكريّة التابعة للجنرال موراي القائد العام البريطاني في مصر. والتحق لورانس بالثورة في تشرين الأول 1916 يحدوه حب الاستطلاع، والمغامرة وعمل كمستشار لفيصل الذي تولّى قيادة أحد جيوش الثورة الثلاثة (إلى جانب أخويه عبدالله وعلي)، وعرف باسم الجيش الشّمالي وكان أكثر جيوش الثورة فعاليّة. وقد أصبح موضع ثقة اللنبي وهمزة الوصل مع فيصل وصاحب الحظوة لديه. على الرّغم من أنّ صداقته للعرب كانت نابعة من صمیم نظرته إلى مصلحة بريطانيا، واعترف أنّه كان يعرف أن بلاده لن تنفذ وعودها للعرب بعد الحرب، ولكنّه كان يستغل أثمن ما عند العرب وهو حبهم للحرية كأداة من أجل نصرة بريطانيا(87).
ودبّت الحياة في الثورة من جديد وبدأت العمليات العسكرية تسير وفق خطة منظمة موضوعة، وتوسعت أعمال الجيش الشّمالي نحو ميناء الوجه أقصى موانئ الحجاز الشّماليّة في كانون ثاني ۱۹۱۷ وعقد التحّالف مع زعماء القبائل التي تقطن أطراف بلاد الشّام (عوده أبو تايه شيخ الحويطات ونوري الشعلان شيخ الرولا) ومنطقة حلهم وترحالهم هي الزاوية الجنوبيّة الشّرقيّة من سورية، وقد وصف الواصفون عوده أبو تايه أنّه … قبيلة في رجل مقدامًا في ميدان القتال وكان لحضوره وقعًا خاصًا لدى فيصل لأنّه كان يعلم أي جهود “بذلها الأتراك ليغروا عوده”(88) بموالاتهم. وحصل بين فيصل وعوده اتفاقًا سریعًا اقترحه عوده في معرض التّباهي أن يهاجم العقبة، وأنّه يستطيع احتلالها من دون مساعدة ووجد فيصل ذلك الاقتراح يتوافق مع خطته فوافق عليه، وعاد عوده ليحشد قواته ويجتاح المواقع التّركيّة التي تحمي العقبة. وبدأ بعدها الزحف نحو العقبة على رأس 500 مقاتل من قبيلته، ولحق به الشّريف ناصر ولورنس في الثلاثين من حزيران. اتجهت هذه القوة نحو الجنوب مارة بالجفر(89) ثم توجهت نحو الغرب فاجتازت سكة حديد الحجاز ونسفت بضعة جسور. وفي ۲ تموز هاجمت القوة التّركيّة التي تحمي مركز أبو الإثل على الطريق الممتد من معان والعقبة، فهزمت الحامية المؤلفة من 6۰۰ جندي، وقتل بعضها ووقع الباقي في الأسر وكان النّصر نموذجًا لأساليب عوده في الحرب.
وكان احتلال العقبة في السادس من تموز ۱۹۱۷ نقطة تحول في الثورة العربيّة، إذ تحولت إلى حرب متحركة كي تستولي على دمشق البعيدة 600 ميل شمالًا. وأصبحت بذلك جزءًا من الحرب العالميّة الأولى إذ كوّنت الجناح الأيمن للقوات البريطانيّة الزّاحفة على فلسطين بقيادة اللنبي.
في ذلك الوقت كان فيصل يعمل على إرسال بعثة إلى سورية تدعو إلى الثورة، وتضع أسس العمل المشترك في المستقبل فاختار الشّريف ناصر أحد أبناء عمومته ليقود البعثة، وعهد إلى نسيب البكري ليكون ضابطها السياسي.
وتوجهت البعثة إلى سوريا تدعو للثورة وتضع أسس العمل المشترك(90)، ورافق لورانس هذه البعثة ويقال إنه وصل في مغامرة عبر الخطوط التّركيّة إلى دمشق حيث التقى برضا الرّكابي وطلب منه تشجيع الفرق العربيّة للانضمام إلى قوات الثورة(91). وتكاثر التحاق العرب المجندين في الجيش العثماني إلى صفوف الجيش العربي، وباقتراب صيف ۱۹۱۸ أصبحت معظم القوات في جيش فيصل من السوريين يحاربون في بلادهم.
ووضع اللنبي في أيلول ۱۹۱۸ خطة هجوم نهائي على طول الجبهة ينتهي بالاستيلاء على دمشق، وعهد إلى القوات العربيّة بمهمة قطع المواصلات بين دمشق والجنوب باحتلال درعا النقطة الحيوية للمواصلات، فيحمي بذلك جناح القوات البريطانيّة الأيمن ويشغل القوات التّركيّة في شرق الأردن ويمنعها من إرسال الإمدادات إلى فلسطين(92). وبعد احتلال درعا بدأ تراجع الجيش الرابع التركي تتعقبه القوات العربيّة النّظاميّة ورجال القبائل. وبمرور الشّهور وازدياد المعدات وإرسال الحلفاء ضباط أكفياء للتّدريب أصبح العرب يضيقون الخناق على الأتراك وتعددت غاراتهم على سكّة حديد الحجاز وتعلّموا على نسف القطارات والجسور، وأصبحوا يهاجمون القوافل العابرة ويصادرون مؤنها ويأسرون حاميتها. وانهارت الجبهة التّركيّة في نهاية أيلول ولم يتمكن الترك من تأليف جبهة حربيّة في حوران، كما لم يتمكنوا من تأليف جبهة جديدة في دمشق. وفات الزّمن الذي كان الترك يستطيعون القيام به بهجمات مضادة وكان عبدالله قد انتقل إلى وادي عيص، إلى الشّمال الغربي من المدينة. وكان علي غادر مركزه في (رابغ) وهي إحدى محافظات مكّة المكرّمة تقع على ساحل البحر الأحمر في إقليم تهامة. وشقّ طريقه بنجاح ضد مواقع الأتراك إلى المدينة وعسكر على بعد ستين ميلًا إلى الجنوب الغربي منها وشلّ الأخوان حركة القائد التركي.
وشارك الابن الأصغر للشّريف حسين الأمير زيد بقواته الخاصة في حصار المدينة بعض الوقت “وفي ما كان فيصل في (الوجه) التّابعة لمنطقة تبوك شمال غرب السّعوديّة على ساحل البحر الأحمر منهمكًا في إعداد العرب للتّقدم إلى بلاد الشّام حاصر الأخوة الثلاث المدينة المقدسة، واكتفوا بحصارها إذ كانت قداستها تحول دون قصفها بالمدافع وظلت كذلك حتى انتهاء الحرب(93). وأخذت القوات البريطانيّة القادمة من جبال الجليل والقوات العربيّة إلى الشّرق منها في خطين متوازيين تزحفان في عملية سباق تشكل دمشق نقطته النهائية(94). بدأ اللنبي هجومه الكبير في الصباح من يوم 19 أيلول وسرعان ما اخترق رجاله خطوط الجيش السابع والثامن التركيين وأخذوا يتقدمون شمالًا. وأرسل اللنبي في ۲۰ أيلول رسالة إلى فيصل أنبأه فيها أنه نتيجة “لجهودنا المشتركة” فقد ألحقت الهزيمة بجيش العدو” وهنأه فيها “على الإنجاز العظيم لقواتك الباسلة حوالي درعا، والتي أثرت عملياتها في بعث الارتباك في خطوط مواصلات العدو تأثيرًا مهمًّا على نجاح عملياتي”(95) وكان اللنبي قبل بدء هجومه قد بعث برسالة إلى فيصل يحذره فيها من توسيع نطاق عملياته، والتّوغل بعيداً داخل المناطق التي كانت القوات التّركيّة ما تزال مسيطرة عليها خشية أن لا يتمكّن – اللنبي – من تقديم العون له إذا ما اصطدم بقوات معادية كبيرة. ولكن فيصل – يؤيده لورنس – كان يرى أن هذه هي الفرصة السّانحة التي كان جيش الثورة ينتظرها كي يبرهن أكثر فعاليته القوية في تحرير المزيد من الأراضي العربيّة. لهذا بعث الرّسل إلى حوران وجبل الدروز وقبائل البدو يدعوهم إلى الاشتراك في شرف القتال(96).
وهكذا عادت الحملة العربيّة إلى الزحف ثانية يوم 25 أيلول فهاجمت خط سكة الحديد بين درعا ودمشق وخربت التي كانت الأتراك قد انتهوا من إصلاحها قبل يوم واحد فقط، وكانت الحملة قد تضخمت بمن انضم إليها من البدو والدروز والحوارنة. فبادر النظاميون إلى الاصطدام بالقوات التّركيّة والإلمانيّة المتراجعة بينما أخذت أمثال أخرى بمهاجمة محطات السّكة. وفي مساء ۲۷ أيلول استولى العرب على بلدة درعا ورفعوا العلم العربي عليها بينما كانت القوات البريطانيّة ما تزال تزحف باتجاهها من الغرب. واستمرت الاشتباكات مع القوات التّركيّة والألمانية المتراجعة على طول المسافة من درعا إلى دمشق خلال ۲۸ – ۳۰ أيلول وكانت القوات العربيّة تسير على ميمنة القوات البريطانية وتتعاون معها. وبلغ العرب ضواحي دمشق يوم 30 أيلول فبادر البدو والدروز إلى دخول المدينة في الليل، أمّا الشّريف ناصر فقد دخلها على رأس القوات النّظاميّة في السّاعة السادسة من صباح ۱ تشرين الأول، ودخلت فرق من القوات العربيّة غير النّظاميّة إلى دمشق لنقل الأخبار إلى السكان والدّعوة إلى إقامة حكومة عربيّة وكان ذلك قد حصل قبل وصول الرسل، كما دخلت في الليلة نفسها فرقة من الخيالة الأستراليّة عبر شوارع المدينة وهي تتعقب الترك المنسحبين عن طريق حلب شمالاً(97) لكن ما لبثت هذه الفرقة أن انسحبت بعدما وجد قائد الفرقة الميجر جنرال آرثر أدلون أن الأمن مستتب في المدينة ولا داعي لبقائه.
وكان الدّخول الرّسمي للقوات العربيّة والبريطانيّة في صباح أول تشرين أول حيث استقبلت بمشاعر البهجة والفرح وبلغ السرور ذروته بوصول فيصل إلى دمشق بعد يومين(98). لقد كان دخول الجيش العربي الفاتح إلى دمشق مناسبة تاريخية حقًا. فقد كانت دمشق هدفًا ظل العرب يتطلعون للوصول إليها منذ إعلان الثورة في حزيران 1916 وتمثل أمل العرب بالحرية والوحدة والاستقلال.
وكانت معركة دمشق ذروة المعارك التي خاض العرب غمارها خلال ۲۸ شهرًا. والدخول إليها يمثل خاتمة عهد طويل مظلم من الحكم الأجنبي وبداية عهد مشرق جديد يصبح العرب فيه سادة أنفسهم، وتتوافر لهم فيه إمكانية المشاركة في الحضارة العالمية. وبهذه المعاني يمكننا النّظر إلى دخول فيصل إلى دمشق ظهر يوم 3 تشرين الأول وللاستقبال الحافل الذي استقبله السكان به. إنّها المرة الأولى منذ قرون تستقبل دمشق فاتحًا من أبنائها. وفي اليوم ذاته دخل اللنبي إليها فاستقبلته كصديق وحليف، وأثناء الاجتماع الطويل الذي عقده اللنبي وفيصل بحضور عدد من كبار قادة الطرفين جرى البحث في الترتيبات العسكريّة لمواصلة الزحف وراء القوات التّركيّة المنسحبة.
وقد أثيرت خلافات كثيرة في ما بعد حول من احتل دمشق أولًا: الجيش العربي أو البريطاني، وادّعى كثير من الضباط في خدمة اللنبي، أنّهم قد ارتكبوا خطأ كبيرًا حين أوقفوا القوات البريطانيّة بتعليمات من اللنبي (وربما بتأثير من لورانس وزملائه في المكتب العربي) ومكّنوا العرب من دخول دمشق لأن ذلك قد أقنع العرب أكثر من أي تصريح آخر أن إنجلترا تساند فيصلًا وجيشه ودفعتهم في ما بعد إلى رفض فكرة المصالحة مع فرنسا(99).
كان احتلال دمشق ينبئ بقرب نهاية حرب طويلة، إذ تبين أنّه لم تبق معركة كبرى في سوريا وكان هناك شك في إمكان الترك استبدال جيوشهم المهزومة(100) وانتهى احتلال سوريا قبل نهاية تشرين أول بحركتين حربيتين الأولى سارت على طول السّاحل مارة بصور وصيدا إلى بيروت وطرابلس دون مقاومة، والثانية اتبعت طريقًا داخليًّا نحو حمص وحماه وحلب، ولم يقم العرب بدور في الأولى وإنما كان لهم نصيب وافر في الثانية. وكانت المقاومة الوحيدة عند ضواحي حلب التي احتلت في 25 تشرين أول، وصد هجوم تركي قام به مصطفی کمال شمال المدينة في سهل مرج دابق نفسه حيث انتصرت قوات سليم الأول قبل 400 عام بنصر حاسم جعل من الترك أسيادًا على سوريا(101).
وكانت آخر نقطة وصلها العرب شمالًا هي محطة المسلمية قبل هدنة مودرس Mudros في 30 تشرين أول ۱۹۱۸.
وعلى الرّغم من أنّ قسمًا كبيرًا من حوادث الثورة قد جرى وراء الحدود السّورية، إلّا أنّ السوريين قد أدُّوا دورًا كبيرًا في أحداث الثورة، فشارك الضباط والجنود ووجهاء البلاد والموظفون والمثقفون في حملات الجيش العربي، وجرت اتصالات مع شيوخ القبائل في الصحراء لضمان موالاتهم للثورة والمشاركة فيها بعد أن حالت موانع كثيرة من قيام ثورة فعلية في سوريا.
ومع ذلك فقد وجد عدد لا بأس به في سوريا ظل على ولائه للدولة العثمانيّة على الرّغم من قسوة المشانق وانتشار المجاعة، بدافع الخضوع للخليفة عادّين الثورة عليه كفرًا حتى ولو باسم الوطنيّة، وكان هذا تفكير الطبقات البسيطة، وبعض شخصيات معروفة حملت لواء تيار إسلامي قوي يطالب بالبقاء تحت الحكم العثماني ويهاجم الثورة، كما بقي الكثيرون في الجيش العثماني حتى الانسحاب من دمشق أو إلى حين وقوعهم في الأسر وظلت عواطف بعضهم عثمانيّة(102).
ووجد في لبنان أقليّة مسيحيّة تعارض فكرة الدولة الواحدة التي تدعو إليها الثورة. وبينما كان مؤيدو الثورة يتطلعون إلى مساعدة بريطانيا، كان دعاة الانفصال في لبنان يتطلعون إلى دعم فرنسا حاميتهم التقليدية(103).
ولكن الرأي الغالب كان مع الثورة؛ رأوا فيها بارقة أمل هي الأولى من نوعها لتخليص أرضهم من حكم دام أربعة قرون، كما أن إعلان الثورة لمبدأي الوحدة والاستقلال كانت دافعًا قويًّا وتعبيرًا عن إحساس العرب بشخصيتهم المتميزة.
وجرت محاولات للاستخفاف بقيمة الثورة العسكريّة من بعض الكتاب للإنقاص من قيمتها وخدماتها في أثناء الحرب لدوافع خاصة(104)، إلّا أنّ البريطانيين أنفسهم قد اعترفوا بقيمتها العسكريّة وقد وجدت القوات البريطانيّة الزاحفة نحو المقدس أنها تقاتل في بلاد صديقة، بينما وجد التّرك الذين كانوا يدافعون عن ولاية من ولاياتهم أنّهم يحاربون وسط شعب مرير العداوة(105). وصرّح لوید جورج في رسالة إلى كليمنصو في ۱۸ تشرين أول ۱۹۱۹ “أنّ هدف تعهداتهم إلى الحسين كان جعل الثورة ممكنة ضد الترك في مرحلة حرجة من سنوات الحرب لاختراق الجدار التركي الذي يمنع الاتصال الحيوي بين الحلفاء في الغرب والجيوش الرّوسيّة في الشرق”(106). مهمة هي النتائج السياسيّة لهذا الجانب من التّعاون الإنجليزي العربي لا من الزاوية التّاريخيّة فحسب بل من أجل علاقتها بالمناقشات والمنازعات التي جرت في أعقاب الحرب. وهذه المنازعات أثرت في مصير كل المقاطعات العربيّة التي تقع خارج حدود الجزيرة العربيّة، حيث في كل مكان من تلك المقاطعات ثارت الاحتجاجات المصحوبة بالعنف وفي شكل ثورات مسلحة ضد كل تسوية اقترحها الحلفاء غير عادلة.
خاتمة: إنّ العوامل المتعلّقة بقيام وتأسيس الجمعيات في المشرق العربي والتي أدّت إلى قيام الثورة متعددة، فهناك المشاعر القوميّة العربيّة تغذّيها وتلهبها أفكار وبرامج وأهداف هذه الجمعيات، وهناك يقظة الإنكليز التّامة في استغلال الظروف لمصلحتهم، وهناك الشريف حسين بآماله ومطامحه ووعود اتفاق سيكس ـ بيكو حول مصير الوطن العربي، وتفاهمه التام مع افنكليز حول هذه الثورة.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها تكشّف الوجه الحقيقي لبريطانيا، وحاول الشّريف حسين وابنه الملك فيصل الاعتراض بشدّة على نكس وعودها حول مصير العالم العربي بشأن تقسيم الإدارة الدولية في فلسطين وتصريح وعد بلفور ص1917 واحتلال الإنكليز للعراق وفلسطين وشرق الأردن وفرنسا لسورية ولبنان.
الهوامش
1- د. حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1943، من جمعيّة بيروت الإصلاحيّة إلى الميثاق الوطني اللبناني، ص 6.
2- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ترجمة ناصر الدين الأسدي، إحسان عباس – دار العلم للملايين، بيروت 1966، ص 16.
3- انطونيوس، جورج، يقظة العرب، صفحة 149 – 150.
4- أنطونيوس، جورج، المرجع نفسه – ص 158.
5- مجلة الفتح عدد ۷۹۲ عام 16، 1361هـ (1945م) ص 8.
6- طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد القاهرة، بدون تاریخ ص ۱۰۷.
7- Azouri, Ligue de la patrie arabe, London 1905, p.239.
8- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 1976.
9- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة في دمشق، ص ۱۷.
10- Zeine, arabe-Turkish Relation, op, cit.p.93.
11- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص ۳۰.
12- د.حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر، 1913 – 1943 من جمعيّة بيروت الإصلاحيّة إلى الميثاق الوطني اللبناني، ص ۱۳.
13- موسى، سليمان، الحركة العربيّة – المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة 1908 – 1924، دار النهار للنشر، صفحة 30.
14- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 177.
15- انطونيوس، جورج، المرجع نفسه، ص 184.
16- الأعظمي، أحمد عزت القضية العربيّة، بغداد (1931 – 1934)، جزء ۳، ص 3.
17- الشهابي، الأمير مصطفى، القوميّة العربيّة، القاهرة 1965، ص ۷۱.
18- يذكر أحمد حلمي العلاف في مخطوطه “دمشق في مطلع القرن العشرين” ص 92، ۹۲، أن الاجتماعات السّريّة بدأت تعقد في دمشق منذ ۱۹۰۸، وكانت المنشورات تطبع وتوزع في الأحياء في الخفاء وبعض ما كان ينشر ما معناه “یا أبناء العرب إن حاويد سيصل إلى بلادكم فيمكنكم أن تستقبلوه بالديناميت والرصاص والدم”.
19- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة، ص۱۹.
20- موسی، سليمان، الحركة العربيّة – المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة، 1908 – 1924، ص ۳۳.
21- أوراق محب الدين الخطيب، القاهرة – عن رسالة بتاريخ ٢ كانون الثاني ۱۹۱۳ أرسلها عبد الغني العريس من باريس إلى محب الدين الخطيب.
22- موسی، سليمان، الحركة العربيّة، المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة، 1908 – 1934، ص 33.
23- مذكرات جمال باشا، ص 90.
24- أنظر أنطونيوس، جورج، ص ۱۹۷ – ۱۹۸ – حول تفاصيل اعتقال عزيز علي المصري.
25- موسی، سليمان، الحركة العربيّة المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة، 1908 – 1924، ص 35.
26- زين، نور الدين زين، نشوء القوميّة العربيّة، دار النهار للنشر، بيروت 1969، ص 60.
27- د. حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر، 1913 – 1943… ص 15.
28- د. كوثراني، وجيه، بلاد الشام، ص 256، بيروت 1980.
29- د. حلاق، حسان، مذكرات سليم علي سلام، 1868 – 1938، ص 128 – 129.
30- د. حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر، 1913 – 1943، ص 15.
31- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص ۱۹۱.
32- د. حلاق، حسان، مذكرات سليم علي سلام، ص 162 – 164.
33- د. حلاق، حسان، مجلة الموقف، تموز ۱۹۸۳ – العدد الثاني -.
34- د. حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر، ۱۹۱۳ – 1943من جمعيّة بيروت الإصلاحيّة إلى الميثاق الوطني اللبناني، ص 27.
35- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 191.
36- نص القرارات وملاحقها في كتاب المؤتمر العربي الأول، ص ۱۱۳ – ۱۲۰. فاخوري، عمر، كيف ينهض العرب، ص ۱۷۱ – ۱۷۲، بیروت ۱۹۸۱. زین، نور الدين زين، نشوء القوميّة العربيّة، ص 153 – 154، بيروت 1979. حلاق، حسان، مذكرات سليم علي سلام، ص ۱۷۱ – ۱۷۳.
Zeine, Arab-Turkish Relations, p.110.
37- اللجنة العليا لحزب المركزية، المؤتمر العربي الأول، القاهرة ۱۹۱۳، ص ۱۱۳ – ۱۲۱.
38- A. Ismail: documents diplomatiques, vol.20.p.280.
39- حسان حلاق، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر، 1917 – 1943، ص 38.
40- حسان حلاق، المرجع نفسه، ص 38.
41- أسعد داغر، مذكراتي على هامش القضية العربيّة، ص 60، القاهرة 1960.
42- ارسلان، الأمير شكيب، سيرة ذاتية، ص ۱۰۸، ۱۱۰، بيروت 1979.
43- “المفيد” 7 أيلول ۱۹۱۳، أنظر حول بعض هذه اللقاءات.
44- د.حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1917 – 1943، ص 40.
45- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة في دمشق، ص ۲۲.
46- الحصري، ساطع، البلاد العربيّة والدولة العثمانيّة، بيروت، الطبعة الثالثة 1965، ص 193 – 227 تفصيلات هذه الاتفاقيات.
47- زین، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، ص 61.
48- موسی، سليمان، الحركة العربيّة، المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة 1908 – 1924، دار النهار للنشر، ص 68 – 69.
49- نقلًا عن زين نور الدين زين أن صاحب جريدة المقطم ومحررها فارس نمر باشا أطلعه على المكان الذي كانت تعقد فيه بعض هذه الاجتماعات السّريّة في مكتبه في غرفة خلفية لبناية المقطم في القاهرة.
50- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 209.
51- المرجع نفسه، ص ۲۱۰.
52- المرجع نفسه، ص ۲۱۱.
53- النص الإنكليزي لهذه البرقية في فصل الملاحق، الصراع الدولي:
F.o.371/2139 Turkey, October 31 st (1914).
54- راجع النص الإنكليزي لهذه البرقية في فصل الملاحق:
Fo. 371/2139-Turkey, October 31 st (1914).
55- Ronald wingate of the sudan (London, 1955), p168.
56- Wingate, p180.
57- زین، نور الدين زين، الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سورية ولبنان، ص 66 – 67.
58- وهبه، حافظ، جزيرة العرب في القرن العشرين، ص 178 – 186.
59- زین، نور الدين زين، الصرع الدولي في الشرق الأوسط، وولادة دولتي سوريا ولبنان، ص 67.
60- أمين الريحاني، ملوك العرب، مجلد أول، ص 66 – 67.
61- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة في دمشق، ص 24.
62- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 221.
63- Stores, 153-155 and 159.
64- Howard, Horry N.the partition of Turkey, p.p. 187-193.
65- نوري السعيد، مذكرات عن الحركة العسكرية للجيش العربي، ص 18 – 19 – 53، الموصلي، العمري، تاريخ مقررات العراق السياسيّة، المجلد الأول، ص 219 – 234 والمجلد الثاني ص 53 – 151.
66- Lansing, Robert, The big Four p.p 161-167.
67- الريحاني، أمين، فيصل الأول، ص 24 – 26 و 164 – 167.
68- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة في دمشق، ص 23.
69- ملحق جريدة الشرق 6 مايو (أيار) 1916، دار الوثائق التاريخية في دمشق”.
70- Yale, The Near East, A modern history, Michigan 1958, p.254.
71- Zeine, Arab-Turkish Relations, op. cit, pp.129 ff.
72- أنطونيوس، جورج، ص 345. ويقدر ما أسهمت به سوريا في أثناء الحرب بما لا يقل عن نصف مليون نسمة من أصل 4 ملايين نسمة بسبب المجاعة والاعتقال والنفي والخدمة العسكرية والإعدام.
73- Zeine, Arabe-Turkish Relations, p.132.
74- قدري، أحمد، مذكراتي عن الثورة العربيّة، دمشق 1956، ص 38.
75- المصدر نفسه، ص 46..
76- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 224.
77- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص ۲44.
78- قاسمية، خيرية، نقلا عن داغر، مذكراتي على هامش القضية العربيّة، القاهرة 1959، ص 83.
79- موسی، سليمان، الثورة العربيّة الكبرى وثائق وأسانيد. عمان 1966، ص 67 – 76.
80- Storrs, op. cit, 163.
81- كانت وزارة الخارجية والحربية البريطانية مسؤولتين عن الأمور السياسيّة والعسكرية في مصر وفلسطين بينما حكومة الهند مسؤولة عن الأمور السياسيّة والعسكرية في العراق وكان هناك خلاف في الرأي بينهما حول الإجراءات الإدارية والسياسيّة في كلا المنطقتين برغم اتفاقهما على أهمية العرب للإنجليز خلال الحرب.
82- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 297.
83- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 299.
84- موسی، سليمان، الحركة العربيّة، المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة 1908 – 1924، ص 294.
85- قدر Storrs أن الثورة قد كلفت دافعي الضرائب البريطانيين 11 مليون جنيه منها مليون إلى الحسين بشكل معونة شهرية وكانت كلها بالذهب.
86- اختلفت الآراء حول أسباب تخلى عزيز علي المصري عن القيادة إذ يذكر أنطونيوس أن شغفه بالكفاءة عرضه للاحتكاك بالشريف. بينما يروي محب الخطيب، في مذكراته، أن السبب هو سوء ظن الحسين به وخوفه من أن القوة التي يريد أن يكون على رأسها قد يستعملها سلطة له يزاحم بها سلطة الحسين وأولاده.
87- موسی، سليمان، الحركة العربيّة، المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة 1908، 1924، ص 294.
88- لورنس، أعمدة الحكمة السبعة معرّب (بيروت 1963) ص 385.
89- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 320.
90- بئر في الصحراء إلى الشرق من سكة حديد الحجاز بين عمان ومعان.
91- قاسمية، خيرية، الحكومة العربيّة في دمشق، ص 320.
92- كذّب أكرم رضا الركابي في مقابلة خاصة هذا الإدعاء بأن والده لم يلتق بلورانس بعد لقائه الأول في جرابلس۱۹۱۳ (حين كان لورانس عضو بعثة حفريات) إلا في دار البلديّة في دمشق يوم أعلنت الحكومة العربيّة في أكتوبر (تشرين أول4) ۱۹۱۸، وقد ذكره لورانس بنفسه قائلًا “ألا تذكرني يا باشا”؟ فقال له رضا الركابي “أظن أنك عضو بعثة الحفريات” وكان ذلك أمام عدد كبير من الحضور، ومعنى ذلك أنهما لم يلتقيا منذ خمس سنوات.
93- كان للترك ثلاثة جيوش تقابل الجيش العربي والبريطاني على جانبي الأردن الثامن والسابع في الغرب والرابع في الشرق ومقره عمان.
94- أنطونيوس، جورج، يقظة العرب، ص 317.
95- ذكر لورانس في أعمدة الحكمة ص 425 أنه كان يحث فيصل للإسراع نحو دمشق حتى لا يتيح إلى اللنبي فرصة التفرد بالالتحام الأخير.
96- قاسمية، خيرية، نقلاً عن .Major sir H. Young The Independent Arab. P238.
97- موسی، سليمان، الحركة العربيّة، ص 320.
98- Times, History of the War, vol. XVIII pp.251-52.
99- أنظر: Robinson, Lawrence the Rebel, London, 1946, pp.374-77.
100- Kedourie, op.cit, pp. 121-22.
وكان الماجور Huber Young أحد الضباط الإنجليز الذي رافق الثورة ومؤلف كتابه The Independent Arab يجيب على من يسأله من احتل دمشق أولاً “بأنه طالما كان لدي فيصل ما لا يقل عن 600 رجل والجنرال شوفيل القائد الاسترالي ما لا يزيد عن 15,000 لا يبقى مجال للشك”.
101- Falls, History of the Great War, London 1930, part II, p.596.
102- Zeine, Arab – Turkish Relations, op. cit.
103- Rasheed -Duddin Khan, The Arab Revolt, op. cit, p.251.
104- Salibi, The Modern History of Lebanon, London 1959, p.159.
105- Kedourie, p.118.
106- أنطونيوس، جورج، ص 329.
107- Documents on British Foreign Policy (1919-1939), Ist, Series, Vol, IV, 1919, London
pp: 479-80.
المراجع
1-حلاق، حسان: مذكرات سليم علي سلام، 1868 – 1938.
2-………….: دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1943، من جمعيّة بيروت الإصلاحيّة إلى الميثاق الوطني اللبناني، ص 6.
3-أنطونيوس، جورج: يقظة العرب، ترجمة ناصر الدين الأسدي، إحسان عباس – دار العلم للملايين، بيروت 1966، ص 16.
4-طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد – القاهرة، بدون تاريخ.
5-قاسمية خيرية: الحكومة العربيّة في دمشق 1918 – 1920 – المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر 1982.
6-موسى، سليمان: الحركة العربيّة، المرحلة الأولى للنهضة العربيّة الحديثة 1908 – 1924، دار النهار للنشر.
7-الأعظمي، أحمد عزت: القضية العربيّة، بغداد (1931 – 1934) جزء 3.
8-الشهابي، الأمير مصطفى: القوميّة العربيّة، القاهرة 1965.
9- الخطيب، محي الدين: رزاق محي الدين الخطيب، القاهرة 1913.
10-مذكرات جمال باشا
11-زين نور الدين زين: الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان، دار النهار للنشر، 1977.
12-……………..: نشوء القوميّة العربيّة، دار النهار للنشر، بيروت 1969.
13- د. كوثراني وجيه: بلاد الشام، بيروت 1980.
14-فاخوري، عمر: كيف ينهض العرب، بيروت 1981.
15-داغر، أسعد: مذكراتي على هامش القضية العربيّة، القاهرة 1960.
16-إرسلان، الأمير شكيب: سيرة ذاتية، بيروت 1979.
17-الحصري، ساطع: البلاد العربيّة والدولة العثمانيّة: بيروت، الطبعة الثانية، 1965.
18-وهبة، حافظ: جزيرة العرب في القرن العشرين، القاهرة 1935.
19-الريحاني، أمين: ملوك العرب، مجلد أول، بيروت 1924.
20-الموصلي، العمري: تاريخ مقررات العراق السياسيّة، المجلد الأول والمجلد الثاني.
21-الريحاني أمين: الفصل الأول، دار صادر، بيروت 1934.
22-قدري، أحمد: مذكراتي عن الثورة العربيّة، دمشق 1956.
32-موسى، سليمان: الثورة العربيّة الكبرى: وثائق وأسانيد، عمان 1966.
24-لورنس، أعمدة الحكم السبعة، معرّب، بيروت 1963.
المطبوعات
25-ملحق جريدة الشرق: 6 أيار 1916، دار الوثائ التاريخية في دمشق.
26-مجلة الفتح، عدد 792، عام 1945.
27-مجلة الموقف، تموز 1983.
28-المفيد، أيلول 1913.
-29Lansing Robert: the big four and other of the peace conference, London 1912.
-30N. Azouri, Ligue de la patrie arabe, London, 1905.
-31F. Ronald wingab of the Sudan London, 1955.
-32Stores, R: orientation, London 1937.
-33Howard, Horry N. The partition of Turkey of the peace 1913 – 1923.
-34Yale, N: The Near East, A modern history, Michigan 1958.
-35Zeine, N: Arab- Turkish Relations and The Emergence of Arab Nationalism, Beirut 1958.
-36Times, History of the war, vol, XVIII
-37Robinson, E, Lawrence The Rebel, London 1946.
-38Kedourie E, England and the Middle East , The destruction of the ottoman Empire (1914 – 1921), London 1956.
-39Fall, Cyril ???: History of the great war: Military operation Egypt and Palestine, part I, part II, London 1930.
-40Rasheed – Dadderkhan, The Arab Revolt.
-41Salibi,The Modern History of Lebanon, London 1959.
[1]– أستاذ مساعد في التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانيّة
Assistant Professor of modern and contemporary history at the Lebanese University
E-mail: chaccour@yahoo.com