كورونا أكذوبة النّظام الدّولي الجديد
Corona is a lie of the new international order
د. ناديا مصطفى الصالح([1])Dr. Nadia Al-Saleh
تاريخ الإرسال:3-2-2024 تاريخ القبول:15-2-2024
ملخص البحث:
يعالج البحث وباءَ انتشر في جميع أنّحاء العالم سببه سلالة جديدة من الفيروسات التّاجيّة، وقد كان التّعرف إليه لأول مرة العام ٢٠١٩ في مقاطعة ووهان في الصين، ثمَّ انتشر إلى جميع أنحاء العالم ،عرف باسم فيروس المتلازمة التّنفّسيّة الحادّة الوخيمة كورونا.
قامت على الأثر مجموعات مختصة بالصّحة العامّة، مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC) ومنظمة الصّحة العالميّة بمراقبة هذا الفيروس منذ ولادته، واختراعه ثم تطوره ونشر التّحديثات المصنعة على مواقع الإنترنت، وإصدار توصيات حول الوقاية من المرض وعلاجه.
كان لهذا الفيروس آثار عديدة صحيّة واقتصاديّة واجتماعيّة غيرت مفاهيم عديدة للإنسانيّة والعطاء والواجبات وكشرت الأنانيّة عن أنيابها غير مكترثة لأحد حتى أقرب المقربين اللهم إلّا نفسها. وتراجع مفهوم التّضامن الدّولي والمسؤوليّة الجماعيّة، والعمل المشترك الذي من المفترض أن يكون الأساس لمواجهة وباء عالمي يهدد السّلم والأمن الدّوليين، لصالح مفهوم الأنانيّة الدّولية ومن جانب الدّول الكبرى التي دخلت في سباق لاختطاف شُحنات الأدّوية والمعدات الطبّيّة، وتبادل الاتهامات حول مسؤوليّة كلٍّ منها استنادًا الى ما سبق يقسم هذا البحث إلى ثلاثة أقسام:القسم الأول يتضمن تعريف فيروس كورونا وانتشاره في العالم، والقسم الثاني يُعنى بآثار فيروس كورونا على العلاقات الدّولية للولوج إلى ما بعد كورونا، ضمن إشكاليّة تحمل عنوان البحث ألا وهي:هل كورونا أكذوبة النّظام العالمي الجديد؟ القسم الثالث الّذي يحمل عنوان أزمة كورونا والدول الكبرى
وخاتمة أتت كصرخة في مدى مبهم لعوالم غريبة.
الكلمة المفاتيح: كورونا، فيروس، منظمة الصّحة العالميّة، انتشار،أبحاث.
Search summary:
The research addresses an epidemic that has spread throughout the world caused by a new strain of coronavirus. It was first identified in 2019 in Wuhan Province in China and then spread to all parts of the world، known as the Severe Acute Respiratory Syndrome Coronavirus.
As a result، public health groups، such as the Centers for Disease Control and Prevention in the United States (CDC) and the World Health Organization، monitored this virus since its birth، invention، and then development، published manufactured updates on websites، and issued recommendations about preventing and treating the disease.
This virus had many health، economic، and social effects that changed many concepts of humanity، giving، and love، and revealed selfishness without caring for anyone، even the closest ones، except for oneself. The concept of international solidarity has declined
And collective responsibility and joint action، which is supposed to be the basis for confronting a global epidemic that threatens international peace and security، in favor of the concept of international selfishness، and on the part of the major countries، which entered into a race to hijack shipments of medicines and medical equipment and exchange accusations about the responsibility of each of them.
Based on the above، this research is divided into two chapters: the first chapter includes the definition and spread of the Corona virus in the world، and the second chapter is concerned with the effects of the Corona virus on international relations in terms of reaching beyond Corona، within a problem bearing the title of the research، which is: Is Corona a lie of the global order? the new?
And a conclusion that came as a cry in the vague extent of strange worlds.
Keyword:
Corona، virus، World Health Organization، spread
أهمية البحث: تظهر أهمية البحث في التّعريف عن فيروس كورونا، وسرعة انتشاره في العالم وأهمّيّة البحوث المتعلقة بمتحورات فيروس كورونا الجديدة في الخطة العالميّة للبحث والابتكار، والإضاءة على آثار الوباء على التّعليم والاقتصاد، والعلاقات بين الدّول في تغيّر النّسق العالمي من آحادي القطب الى نظام تحكمه قوى أخرى تنافس الولايات المتحدة.
هدف البحث: يهدف البحث الى الوصف الدّقيق والشّامل لما سببته أزمة كورونا من تغيّر في حياة البّشر والانتقال إلى العمل في المنزل، والتّعليم من بعد، والخوف من التواصل والوجود ضمن مجموعات. وإغلاق المجالات الجويّة لكلّ دولة، وعدم استقبال رعايا الدّول الأخرى، وإيقاف الرّحلات السياحيّة خوفًا من انتقال العدوى من خلال انتقال رعايا الدول التي بها حالات إصابة.
والتّعرف إلى الدّراسات والأبحاث الطبّيّة، والاكتشافات العلميّة الحديثة لظاهرة كورونا وتطورها وانتشارها.
الوصول الى النّتائج المرتبطة بالأبحاث الطبّيّة؛ وكيفيّة العلاج للقضاء على الفيروس. وتأكيد ضرورة إعطاء التّعاون الدّولي أهمّية قصوى لتبادل الخبرات في مجال مكافحة الأمراض، والفيروسات وما يستجد من وسائل للمكافحة والعلاج.
منهجيّة البحث: اعتمد في هذا البحث على المنهج العلمي في إدارة الأزمات، وهو منهج علمي يستند على الثوابث ولا يهمل أو يتجاهل المتغيّرات المرتبطة بالأزمة، كماهو منهج تفاعلي ابتكاري. ويدرس هذا المنهج كلَّ أزمة على حدة، لكونها حالة مستقلة، تتفرّد بخواص محدَّدة؛ فيَسْبُرها سبْرًا متكاملًا، يشمل أسباب نشأتها، والعوامل المؤثرة فيها، والنتائج التي أفرزتها.
وقد أثبتت الأحداث أنّ إدارة الأزمات مثل جائحة فيروس كورونا ليست عملية اختياريّة، بل أمرٌ حتمي لا يمكن تجاهله لبعده الاستراتيجي وأهمّيته العالية التي تفرضها إدارة الواقع الرّاهن، وما يمكن أن ينتج عن إهمال ذلك من معضلات، وآثار سلبيّة بعيدة المدى قد تكون أكبر من الأزمة الأصليّة، وتكمن أهمّيّة سرعة إدارة الأزمة في طبيعة دورة حياة الأزمة السّريعة، ابتداءً من ميلادها، وتصاعدها إلى القمة وحتى نهايتها وفرضها الأمر الواقع الجديد.
تساؤلات البحث: من مجموعة تساؤلات البحث اعتمدنا على بعض منها بغية التوضيح والفهم منها:
-هل بلد المنشأ لوباء كورونا هو الصين أم أنّه افتراض لم يُحسم بعد؟
-هل الابتكارات والأبحاث العلميّة الطبّيّة ومن ثمَّ العلاج في ما بعد كان شروعًا في مؤامرة دوليّة هدفها قتل ما أمكن من العالم بغية الخلاص من تعداد بشري زائد عن حساباتهم؟
-هل تحاسب منظمة الصّحة العالميّة للأخطاء الطبّيّة والأبحاث العلميّة عن الوباء، والأدوية التي اعتمدتها وشرّعتها في الأسواق العالميّة وكيفيّة العلاج الذي يقضي على حياة المريض عند البدء به؟
-هل كورونا كانت أكذوبة النّظام العالمي؟
فرضيات البحث: كثرت الشّائعات والفرضيّات حول ظهور فيروس كورونا منها:
كورونا فيروس مصنع من عدة فيروسات من حاكمي نظام البؤس العالمي، للتّخلص من الزّيادة البشريّة في العالم.
العلاج الذي اعتمد للفيروس(كورونا) كان شروعًا في مؤامرة دوليّة للتّخلص من ضحايا الوباء.
كورونا نزلة صدريّة ليس كما شاع عنها، وذلك لبثّ الخوف لدى العالم كي يتسنى لشياطين النّظام حياكة نظام آخر يختلف عن بقيّة الأنظمة التي سبقته،همَّه التّباعد الاجتماعي هدفه القضاء على اليد العاملة وإحلال الآلة محلها… هو نظام ما بعد كورونا.
مقدمة
عادة ما يكون التّطور التّاريخي تراكميًّا عبر الزّمن، والانتقال من مرحلة تاريخيّة الى أخرى،لا يكون مفاجئًا بل يأتي كنتيجة إشارات تساعد في الإسراع. وقد اختفت قوى عظمى مثلت طيلة قرون عديدة تعدديّة قطبيّة، وهنت من حمل مجريات إحداثيّات منها يشبه العصور القديمة وعالم الغاب، وكان الأقوى يحكم القوي والآخر يستفرد بالأضعف، وباتت تحت قيادة قطبين هما الولايات المتحدة والاتحاد، حجة النّظام العالمي الجديد التّخلّص من التّعدديّة القطبيّة ليحكم قطبين فقط يمين يسار… الهدف تقوقع بقية الدّول ضمن محورين للتفرد بالنّظام العالمي. وكما الدّيوك تصارع القطبان كلّ منهما يريد التّغلب على الآخر، من خلال الأحلاف وغزو الفضاء والتّسلح والسّيطرة.ّ
انهار الاتحاد السوفياتي العام ١٩٩٠ من دون مقدمات أو طلقة رصاص، ولم يكن انهياره يعني مجرد سقوط نظام حكم، بل كان يعني بالدّرجة الأولى سقوط نظام اجتماعي اقتصادي وفكري، وانهارت معه المحددات الإيديولجيّة والسياسيّة كلّها والتي قام على أساسها النّظام العالمي الثنائي القطب؛ ما دفع الباحثين الى محاولات تلمس شكل نظام جديد مرتقب الى أكثر العوامل ثباتًا وديمومة. فكان شكل النّظام آحادي القطب بزعامة الولايات المتحده كقطب أوحد وبإمبراطورية عظمى من الهياكل البشريّة، والآبار النّفطيّة والمدن المدمرة والدّول المستعمرة والملوك والرؤوساء والحكام العرب وغيرهم الخانعين المذلولين يقبلون النّعال والأيدي.
ثم كانت أحداث الحادي عشر من أيلول كذريعة الحرب على الإرهاب المزعوم، وتقسيم العالم ضمن محورين أطلق عليها محوري الشّر والخير. فمن يقف مع محور الشّر ستعلن الولايات المتحدة وحلفائها الحرب عليه، والفتك بمدخراته وموارده الطبيعيّة وجره ضمن أذيال امبرطورية الغدر المتراميّة الأطراف.
وهنت الآحادية القطبيّة لكنها لم تنته بقيت في منتصف الطريق أيّ لا سبيل للعودة إلى الثنائيّة القطبيّة كما أنّها لم تعد تملك قوة تخولها السّيطرة على النّظام العالمي منفردة، وكان على من يمتلك خيوط لعبة صراع الأمم صنع حجة، ذريعة، فرقعة لخلق نظام عالمي لا يشبه التّعددي القطب ولا يصل لثنائي قطبي، وطبعًا لا إمكانيّة لآحادي القطب الذي يبدو عليه ملامح الرّحيل أن يبقى.
وأكثر ما يدعو للاستغراب والدّهشة ولادة جنين من رحم شيطاني بعد مخاض فكري طويل؛ لصانعي بؤس النّظام العالمي والذي لا يشبه الأجنة الأخرى المختلف عنها..الأكثر أبلسة ودهاء من شياطين عقولهم وأفعالهم، هو فيروس كورونا.
يقسم هذا البحث إلى قسمين الأول: يالقسم الأول يتضمن تعريف فيروس كورونا وانتشاره في العالم، والقسم الثاني: يُعنى بآثار فيروس كورونا على العلاقات الدّوليّة في الولوج إلى ما بعد كورونا ضمن إشكاليّة تحمل عنوان البحث ألا وهي:هل فيروس كورونا أكذوبة النّظام العالمي ؟ وخاتمة أتت كصرخة في مدى مبهم لعوالم غريبة.
القسم الأول: يتضمن تعريف فيروس كورونا وانتشار في العالم
أولًا:تعريف الجنين الكوروني المبتكر كوفيد-١٩؟
يشير مصطلح كوفيد-١٩ إلى المرض الذي يسببه الفيروس التّاجي المستجد لعام ٢٠١٩، وقد صيغ الاسم بالشّكل الآتي: “كو” من كلمة كورونا (تاجي)، و “فيـ” من فيروس، و “د” من كلمة مرض disease بالإنجليزية. وهذا المرض تسببه سلالة جديدة من الفيروسات التّاجيّة تُعرُّف إليها لأول مرة العام ٢٠١٩ في مقاطعة ووهان في الصين، ثم انتشرت إلى أنحاء العالم جميعه، عرفت باسم فيروس المتلازمة التّنفّسيّة الحادّة الوخيمة كورونا 2 (سارز كوف 2). وسمي الزّكام والالتّهاب التّنفسي الحادّ الوخيم (السّارز) ومتلازمة الشّرق الأوسط التّنفّسيّة.
وعلى الأثر قامت مجموعات مختصة بالصّحة العامة، مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC) ومنظمة الصّحة العالميّة بمراقبة هذا الفيروس منذ ولادته، واختراعه ثم تطوّره ونشر التّحديثات المصنعة على مواقع الإنترنت، وإصدار توصيات حول الوقاية من المرض وعلاجه. وصُنِّف مرض فيروس كورونا كوفيد-19 على أنّه جائحة، وهذا ليس مؤشرًا على أنّ أصبح أكثر فتكًا، بل هو اعتراف باتساع مدى انتشاره الجغرافي([2]).
ولقد أظهرت دراسة حديثة لعلماء جامعة كامبريدج من قسم علم الحيوان، إنّ تغيّر المناخ قد يكون العامل المسبب لظهور وباء كورونا المستجد، وقد وجدوا أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري خلال القرن الماضي، دفعت إلى نمو موائل الغابات التي تفضلها الخفافيش، ما جعل مقاطعة يونان في جنوب الصين مقصدًا لها من أنحاء العالم جميعه، وهذه بدورها نقلت الفيروسات التي تحملها حوالى ١٠٠ نوع آخر من الفيروسات.
- السّلالات الجديدة أقل مقاومة للجهاز المناعي والفيروس سينتهي من دون لقاح:
اظهرت دراسات حديثة حول سلالات فيروس كورونا المُستجد الجديدة الناتجة عن حدوث طفرات في تكوينه، وأرعبت العالم خاصة مع سرعة انتشاره، أنّ إحدى تلك الطفرات أضعفت الفيروس في مواجهة الجهاز المناعي للإنسان، وستؤدي إلى نهاية الفيروس خلال شهور. وكان من بين تلك الدّراسات، دراسة منشورة بتاريخ ١٢ يناير ٢٠٢١، أجراها قسم البيولوجيا الجزيئيّة والخلويّة بجامعة كاليفورنيا، ومعهد كاليفورنيا للعلوم البيولوجيّة الكميّة بكاليفورنيا، وقسم الفيزياء الحيوية الجزيئيّة والتّصوير الحيوي المتكامل، ومختبر لورانس بيركلي الوطني. وقال القائمون على الدّراسة: إنّ فيروس كورونا مُتبقٍ من عمره شهرين، اعتمادًا على فرضيّة أن هناك مؤشرات تقنية داخل الخلايا البشريّة التي تسلل إليها فيروس كورونا في أجساد المصابين توضح ذلك، وفق معدل طفرات الحذف في الشريط الوراثي للفيروس([3])
ثانيًا: انتشاره
ترى أغلبيّة الشّعوب في النّظام العالمي فيروس كورونا أو كوفيد ١٩ كتسونامي اجتاحها من دون سابق أنذار وبشكل لا يتقبله عقل، ومن دون تمييز بين دول عظمى ودول صغيرة، متحضّرة أو متخلّفة، إمبرياليّة أو ديمقراطيّة …أشبه بشبح الموت الذي لا يفرق بين ضحاياه، فيخطف أرواحهم ويردمهم في حفرة متساوية تحت التّراب. هو كابوس مخيف أو لنقل فيلم سينمائي من أفلام الرّعب التي تنتهي بالقتل بلا رحمة . …واذا سألنا لما؟ وهناك أمراض عديدة خطيرة ومميتة تقضي على الإنسان من دونه وإمكانيّة الشّفاء ..نقول لأنّه تركيبة شيطانيّة صنعت من خلال عقول غير بشرية، أبلسة هدفها تدمير النّظام الحالي لخلق نظام عالمي آخر لا يشبه الأنظمة التي حكمت العالم منذ أمدّ التّاريخ…نظام شمولي ذو قرار واحد تسيّره تكنولوجيا حديثة لوسائل التّواصل الاجتماعي، إذ إنّ العالم بات آلة تنظم عمله وتحركاته، وعلاقاته وتنقلاته ثم مشترياته ولربما تعدّ أنفاسه…
هس..هس..بات صوت اللامكان واللازمان. ..العالم الافتراضي والرّقمي والقابض على أرواحنا وألوان بشراتنا وأنواعها، فئات دمائنا، كرياتنا الحمراء والبيضاء،عقولنا أرقام تلفوناتنا بيوتنا وأيضًا مساماتنا، ولو أمكن لهم لجعلونا جميعا عراة. هو اللاحياة، يشبه يوم القيامة المفترضة بعد أن تنتهي الحياة على الأرض. .إذ لم يعد النّاس يسرعون للانتهاء من مشاغل أيامهم، ولم تعد هناك سيارات كثيرة تخنق الطرقات، ولا التّسوق هو الأكثر أهمّيّة، فلقد تغيّرت أنماط كثيرة للحياة، لتتحول الإنترنت إلى المنقذ لأرباب العمل وللعائلات.
ولقد اثبت “فيروس كورونا سرعة انتشار هائلة مستفيدًا من نظام العولمة الذي حوّل الكرة الأرضيّة إلى “قرية كونيّة” فسهّل انتقال الأشخاص، وهي الحرية التي سهّلت بدورها انتشار الوباء من دون حاجة إلى الحصول على إذن ، فلا فرق بين القارات اليوم سوى في نسب الإصابات، بدليل أنّ الوباء بدأ في منطقة محددة من الصين، ثم انتقل خلال أيام إلى باقي أنحاء العالم عابرًا للقارات إذ إنّ البشريّة “تواجه عدوًّا واحدًا مشتركًا، لا يفرّق بين أبيض أو أسود، أحمر أو أصفر، غني أو فقير، متعلم أو جاهلُ وأن بعد زوال كورونا، ستتغير معالم وخطط وسياسات واستراتيجيات ورؤى، بل وربما تتغير موازين القوى في العالم، وبالمثل ربما التّحالفات والتّكتلات والاتحادت. والمفارقة هنا هي أنّ العولمة بأبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة كانت تخدم أنظمة رأسماليّة دوليّة، وتُوظَّف لخدمة مآرب، ومشاريع تصب بشكل خاص في مصلحتها على حساب الفقراء من دول وشعوب. ولكن مع فيروس كورونا انتفت أيّ فروقات طبقيّة وساد ما يمكن تسميته “اشتراكيّة المرض” وقد أصبح الفقير والغني ليسا بمنأى عن هذا الوباء، ولم تكن الأنظمة ومن يمثلها في هرميّة السلطة بعيدة من مخاطره، وبذلك أصبح الوباء عابرًا للطبقات الاجتماعيّة بكل متدرجاتها وتصنيفاتها([4]). وسيكون هناك متغيرات كبرى ستلحق بعالم ما بعد كورونا وقد تفضي إلى زعزعة ركائز النّظام الدّولي الراهن، وسيتعاظم قلق هذا النّظام مع اتساع وتيرة انتشار الوباء إلى الدّول جميعها التي سيكون العديد منها غير قادر على مواجهة تداعيًا إذ العالم بات آلة تنظم عمله وتحركاته وعلاقاته وتنقلاته ثم مشترياته ولربما تعد أنفاسه.
القسم الثاني: أثر أزمة وباء كورونا في النّظام العالمي
أولًا :الأثر الأكاديمي
- كوفيد-19 والتعليم العالي: إنّ فيروس كورونا لا يميز بين حدود، ولا جنس، ولا حالة الفرد الاجتماعيّة، ويحتاج إلى تجاوب عالمي من أجل العمل لإيجاد حلول تساعد في مواجهته. ففي العام ٢٠٢٠ توقف ٩٤% من الطلاب أو ١٠٦ مليار طفل- عن الذّهاب إلى المدارس على مستوى العالم، جراء فيروس كورونا التي أجبرت الهيئات الأكاديميّة حول العالم على اكتشاف أنماط جديدة للتعلم والتّعليم، ومنها التّعليم الإلكتروني، والتّعليم من بعد إذ لا يمكن للجهود أن تكون فرديّة. كما أنّ مهارات التّكاتف والتّعاون التي يتعلمها الطلاب في التّعليم العالي، والجامعات ستساعد بتشارك المعارف من خلال المواد والصّفوف المفتوحة، والبحوثات المشتركة. وهذه التّجربة هي تحدي للطلاب، والمعلمين الذين صاروا مضطرين للتّعامل مع الصعوبات العاطفيّة، والجسديّة، والاقتصاديّة، التي فرضها الوباء. ومازال نحو ٧٠٠ مليون طفل يدرسون اليوم في المنزل في أجواء يلفّها عدم اليقين والضبابيّة، بينما تنظر الأسر والمدارس في عدد من الخيارات المتنوعة من التعليم من بُعد، أو الابتعاد من المدرسة من أساسه. وفي الغالبيّة العظمى من البلدان وفي ذروة الأزمة، تأثر ٢٢٠ مليون طالب في التّعليم العالي بإغلاق الجامعات. وتحظى منظومة التّعليم العالي بأهمّيّة كبيرة لنمو البلدان. وتشير التّقارير إلى أنّ هناك انقطاعًا غير مسبوق في التّعليم والتّدريب في المجالين المهني والفني. ووفقًا للمسح المشترك الذي أجرته منظمة العمل الدّولية-اليونسكو- والبنك الدّولي، أشار ٩٠% وأكثر الى أنّ هناك إغلاقًا تامًّا لمراكز التّعليم والتّدريب المهني والفني في بلدانهم، بينما تلقت استمرارية التّدريب على المهارات الفنيّة، وتقييم المهارات العمليّة وتوثيقها ضربة قويّة ناجمة بشكل خاص عن إجراءات التّباعد الاجتماعي.
ونتيجة لذلك، فقد لا يتمكن هذا الجيل من الطلاب، لاسيما المحرومين منهم، من بلوغ غاياتهم التّعليميّة. ويبقى المستقبل غير واضح أمام الجميع، وخاصة لملايين الطلاب الذين تخرجوا في ما ينتظرهم من عالم شُلت حركته اقتصاديًّا([5]).
تتواصل ضمن سلسلة فيروس كورونا والتعليم العالي، “الأمم المتحدة للأثر الأكاديمي” مع الطلاب، والمعلمين، والباحثين، في مختلف أنحاء العالم لمعرفة الإثار المستجدة عليهم، وكيفيّة تأقلمهم مع التّغيرات التي طرأت على العالم. حيث تسلط الضوء أيضًا على الدّروس المستنبطة والنتائج الإيجابيّة المحتملة للحظر العالمي على التّعليم العالي. وعلى الرّغم من محاولة المؤسسات التّعليميّة متابعة مسؤولياتهم في التّعليم، إلّا أنّ ثلث الطلاب والمعلمين لم تتوفر لديهم شبكة الإنترنت، ما عرقل نجاح النّقلة المؤقتة للتّعليم الالكتروني، ضرورة تلقي الجامعات الدّعم التّكنولوجي، والماديّ، والمعنوي للطلاب والهيئة التّعليميّة، وإمكانيّة الاستفادة من الأزمة الحاليّة لبناء الجامعات على أسس الجودة. والمساواة وعلى الرّغم من أنّ الحدود بين الدول مغلقة، إلّا أنّ أفق المعرفة وحدودها ستظل مفتوحة، ويجب على الجامعات حتى في ظل هذه الظروف، إقامة مبادرات عالميّة في ما يتعلق بالتّعليم والبحوث.
-“اليونسكو” في أمريكا اللاتينية
- مساندة البنك الدّولي للبلدان([6])
استجاب البنك الدّولي للفيروس وزاد من دعمه للبلدان بشتى الطرق، وبناء على أولويات تدخل مختلفة. وبشكل عام، يعمل البنك الدّولي في ٦٢ بلدًا من خلال مشروعات جديدة أعيدت هيكلتها، وتغطي دورة التّعليم بأكملها من مرحلة الطفولة المبكرة إلى التّعليم العالي. وحتى الآن، استفاد من جهود البّنك الدّولي أكثر من ٤٠٠ مليون طالب وهو ما يقرب من ثلث إجمالي الطلاب.
تعمل فرق البنك الدّولي المعنية بالتّعليم مع البلدان على ثلاث مراحل للاستجابة لفيروس كورونا، وهي: التّكيف؛ وإدارة الاستمراريّة؛ والتحسين. كما يقدم البنك الدّولي دعمًا استشاريًّا فوريًّا على صعيد السياسات في ٦٥ بلدًا، ويعزز الشّراكات (مع اليونيسف، ووزارة التّنمية الدّوليّة البريطانيّة، وجامعة هارفارد، وجامعة أوكسفورد، وجامعة جونز هوبكنز، ومنظمة التّعاون والتّنميّة في الميدان الاقتصادي، واليونسكو وغيرها) لمواصلة دعم استجابات البلدان للفيروس الذي يقدمه على صعيد العمليّات والسياسات للأزمة فحسب، بل أيضًا، يعيد البناء بشكل أفضل حتى لا تُفاقم الأنظمة من المشاكل التي أفضت إلى أزمة التعلّم قبل فيروس كورونا، لكنها تستخدم هذه الفرصة السّانحة لبلورة نظام أكثر قدرة على الصمود، واستعدادًا على نحو أفضل لمواجهة صدمات المستقبل، فضلًا عن بناء أنظمة متكافئة تكفل الفرص للجميع.
وعلى وجه التّحديد، هناك ١٠ إجراءات تستطيع البلدان، أن تتخذ قرارات بشأنها من أجل التّعافي وتسريع عمليّة التعلّم.
تقييم خسائر التّعلّم ومراقبة التقدم فيه عندما يعود الأطفال إلى المدرسة وأثناء التعلّم عن بُعد؛ تقديم دروس للتقويّة والدّعم العاطفي والاجتماعي لمساعدة الطلاب على المواكبة والانتظام الدراسي؛ إعادة هيكلة الدراسة الأكاديميّة لتعويض المدّة المفقودة بسبب الجائحة؛ تطويع المنهج فتعطى الأولوية للتعلّم التأسيسي (بما فيه التعلّم الاجتماعي المعنوي) الذي يعوض عن المدة المفقودة.
إعداد المدرسين ودعمهم لإدارة الإجهاد، وتحسين المهارات الرّقميّة، وتحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى المساندة، وتعديل الإرشادات إذ تتلاءم معهم أينما كانوا؛ إعداد الإدارة المدرسيّة ودعمها لوضع وتنفيذ الخطط التي تكفل توافر الظروف الآمنة؛ والصّحيّة لعودة الأطفال إلى المدارس واستمرارية عملية التعلّم؛ التّواصل مع المعنيين لبناء الإحساس بالملكيّة، وحشد الدّعم والمساندة من الآباء وأولياء الأمور والمدرسين والعاملين في المدارس فضلًا عن المجتمع المحلي بأسره وراء خطط إعادة فتح المدارس.
تشجيع الانتظام من جديد مع التأكيد بشكل خاص على الفئات المعرضة لخطر التّسرب من التّعليم؛ الحدّ من تفشي المرض في المدارس، ودعم حملات البدء في التّطعيم واتباع الإرشادات الوبائيّة في الصّحة والنّظافة الشّخصيّة لمنع تفشي الأمراض، وتفعيل التعلّم عن بُعد؛ دعم التعلّم المنزلي من خلال توزيع الكتب، والأدوات الرّقميّة حيثما أمكن، والمجموعات المرجعيّة الخاصة بالتعليم من بُعد لكل من الأطفال والآباء.
ويمكن أن تكون التكنولوجيا التّعليميّة أداة قوية لتطبيق الإجراءات العشرة السّالفة بدعم المدرسين والأطفال ومديري المدارس والآباء، وتوسيع منصات التعلّم الرقمي المتاحة التي تشمل وسائل التعلّم عبر الإذاعة والتّلفزيون والإنترنت (التي ستظل موجودة)؛ واستخدام البيانات لرصد ومساعدة الأطفال المعرضين للمخاطر، وتكييف التعلّم حسب الاحتياجات الشّخصيّة.
ثانيًّا: الآثار الاقتصاديّة والماليّة لأزمة كورونا والحدّ منها:
يبدو الأثر الاقتصادي واضحًا في البلدان الأَشدّ إصابة بوباء كورونا، وقد انخفض العرض والطلب في العالم على أسهم بورصات شحن المواد الجافة كمواد البناء والسلع الأولية على غرار ما شهدته أكثر مراحل الأزمة المالية العالميّة حدّة، بسبب تراجع النّشاط الاقتصادي المقترن ببذل جهود غير مسبوقة لاحتواء المرض، وليس لهذا الانخفاض مثيلًا في حِقب انتشار الأوبئة السابقة. وعلى جانب الطلب، تراجع مستوى الإنفاق نتيجة لخسائر الدّخل، والخوف من انتقال العدوى، وتصاعد أجواء عدم اليقين. وقد أقدمت الشّركات على تسريح العمالة لأنّها غير قادرة على دفع رواتبها ما كان له آثار حادّة بصفة خاصة في بعض القطاعات كالسياحة والضيافة. ونظرًا لتشكّك البنوك في قدرة المستهلكين والشّركات على سداد القروض في الوقت المحدد لها، ارتفعت تكاليف الاقتراض مع تشديد الأوضاع الماليّة التي كشفت مواطن الضعف المالي المتراكم خلال سنوات انخفاض سعر الفائدة، المؤدي إلى تصاعد المخاطر من عدم إمكانيّة تمديد الدّيون. كما وأنّ انخفاض الائتمان ساهم في تباطؤ النّشاط النّاجم عن صدمات العرض والطلب.
وعندما تأتي الصّدمات متزامنة عبر عدد كبير من البلدان، تزداد الآثار عمقًا من خلال الرّوابط التّجاريّة والماليّة الدّولية، وتُضعف النّشاط الاقتصادي العالمي، وتدفع أسعار السّلع الأوليّة نحو الانخفاض. وكذلك فإنّ البلدان التي اعتمدت على التّمويل الخارجي اضطربت أسواقها، الأمر الذي دفع للتّدخل في سوق النّقد الأجنبي واتخاذ إجراءات مؤقتة تتعلق بالتّدفقات الرّأسماليّة كي لا تستهدف الأسر، ومنشآت الأعمال المتضررة من اضطراب العرض وهبوط الطلب لكي تحصل على تحويلات نقديّة، ودعم على الأجور، وتخفيف ضريبي، إذ تُقَدَّم المساعدة للناس على تلبية احتياجاتهم ولمؤسسات الأعمال لكي تحافظ على سلامة أوضاعها. فعلى سبيل المثال، اتخذت إيطاليا إجراءات مختلفة منها مد المواعيد النّهائيّة المحددة لسداد ضرائب الشّركات في المجالات المتضررة ووسعت نطاق تغطية صندوق تكملة الأجور ليقدم دعمًا لدخل العمالة التي تُسرَّح، وقدمت كوريا دعمًا على الأجور لصغار التّجار ورفعت إعانات الرّعاية المنزلية والباحثين عن عمل.
وألغت الصين مساهمات الضمان الاجتماعي من مؤسسات الأعمال بصفة مؤقتة. وبالنسبة إلى من سُرِحوا، يمكن زيادة تأمينات البطالة مؤقتًا،أو زيادة الإعانات، أو تخفيف شروط الأهليّة للاستفادة منها. وفي حالة عدم إدراج الإجازات لأسباب مرضيّة، أو عائليّة ضمن المزايا الاعتياديّة على الحكومات أن تنظر في تمويلها والسّماح للعاملين الذين يصابون بوعكة صحيّة، أو لمن يتولوا رعايتهم المكوث في منازلهم من دون خوف من فقدان وظائفهم أثناء مدّة الوباء. وأن تظل البنوك المركزيّة مستعدة لتقديم سيولة وفيرة للبنوك والشّركات الماليّة غير المصرفيّة، ولا سيما لتلك التي تُقرض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي ربما كانت أقل استعدادًا لمواجهة اضطراب حاد. ويمكن أن تقدم الحكومات ضمانات ائتمانيّة موقتة وموجهة لتلبيّة احتياجات هذه الشركات إلى السّيولة على المدى القصير. على سبيل المثال، توسعت كوريا في الإقراض لأغراض عمليات مؤسسات الأعمال وتقديم ضمانات على قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتضررة. ومن شأن أجهزة التّنظيم والرقابة على الأسواق المالية كذلك أن تشجع على تمديد آجال استحقاق القروض مؤقتا وعلى أساس إطار زمني محدد.
ومن خلال التنشيط النقدي الأوسع نطاقًا كتخفيض أسعار الفائدة الأساسيّة أو شراء الأصول يُرفّع مستوى الثقة لدعم الأسواق الماليّة إذا واجهت السّوق مخاطر من تشديد الأوضاع الماليّة بشكل كبير (بينما الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية الكبيرة، تُولّد هي كذلك تداعيات موآتية على البلدان المعرضة للخطر). والدّفعة الماليّة التّنشيطيّة واسعة النطاق التي تتسق مع الحيز المتاح للتصرف في الماليّة العامة يمكن أن تساعد على زيادة الطلب الكلّي لكنّها ستزداد فعاليّة على الأرجح عندما تبدأ عمليات الشّركات في العودة إلى الوضع الطّبيعي.
وبالنّظر إلى الانتشار الواسع لهذا الوباء على مستوى عدد كبير من البلدان، والروابط الاقتصاديّة الواسعة العابرة للحدود، وكذلك الآثار الكبيرة على الثّقة والتي تحدّ من النّشاط الاقتصادي وتؤثر على الأسواق الماليّة وأسواق السّلع الأوليّة، يجب أن يكون التّنسيق على المستوى الدّولي.
بمساعدة البلدان التي لديها قدرات محدودة في مجال الصّحة لتتجنب وقوع كارثة إنسانيّة. وصندوق النّقد الدّولي يكون على أهبة الاستعداد لدعم البلدان المعرضة للخطر من خلال تسهيلات الإقراض المختلفة، بما فيها تلك التي تتيح صرف الموارد على أساس عاجل في حالة الطوارئ والتي يمكن أن تصل إلى ٥٠ مليار دولار لبلدان الأسواق الصاعدة ومنخفضة .الحدّ من التّداعيات الاقتصاديّة لفيروس كورونا، (international monetary fund،2021)
القسم الثاني : أزمة كورونا والدول الكبرى.. أي مسارات جديدة للنظام؟
أولًا- تراجع السيطرة الأمريكيّة الدّوليّة: يرى العديد من الكتاب والباحثين إلى أنّ العالم لكي يشهد تسارعًا في تغيير النّظام، يتعين على القادم الجديد أن يحصل على مصادر أكبر مما لدى الدولة المتفردة. وهنا يتبادر إلى الذّهن التّساؤل إن كانت الصين تمتلك حقًا القدرة الحقيقيّة على مزاحمة مكانة الولايات، مع العلم إنّ بنية النّظام الحالي قد أصابه الخلل، وأنّ النّظم الرّأسماليّة الكبرى تهتم بالجوانب العسكريّة، وتتجاهل الأبعاد الإنسانيّة كمرتكزات أساسية، كما فعلت الولايات المتحدة الذي أدى إلى إحجامهاعن مكافحة وباء كورونا الى إنكفاء هيمنتها وتراجع تفرُّدها وهو الأمر الذي أفسح في المجال لقوى أخرى في المنافسة لقيادة النّظام العالمي خاصة وأنّ السّنوات العشر الأخيرة مليئة بالشّواهد على الانكفائيّة الأمريكيّة التي جعلت ترمب الذي قلّل من شأن الفيروس في بداية الأمر، يواجه تحديات كبيرة أمام أزمة تفشّي الوباء داخليًّا، فتعذر عليه إرسال مساعدات فيدراليّة داخليّة إلى الولايات لمواجهة الوباء ومعالجة المصابين. وهو ما يدلّل به البعض على مظهر من مظاهر تراجع السّيطرة الأمريكية الدّولية الناجم عن تراجع القدرات الاقتصاديّة والماليّة ونوعيّة النّخبة وليس فقط تغييرًا في استراتيجيتها.
ثانيًّا- قوة موازنة غير صديقة بمواجهة الولايات المتحدة: عملت الصين بشكل سريع على إرسال مساعدات لعديد من الدول في أوروبا وإفريقيا، ما أعطى انطباعًا أنّ لها قدرات تقنيّة وصناعيّة وبنية تحتيّة، قد استُثمرت في مواجهة أزمة وُصفت بالعالميّة.الأمر الذي يجعل من التساؤل حول حتميّة الصعود الصيني كقوّة دوليّة منافسة للولايات المتحدة من خلال انهيار تحالف الدّول الخمس المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية، بل وتصاعد الخلافات في داخل المعسكر الغربي بين أمريكا، والاتحاد خلال استعادة قوتها وتأثيرها كفاعل رئيس في تأثير آخرين مثل شركات تمتلك ميزانيات تتجاوز ميزانيات بعض الدّول، وكان لها الدور الرّئيس في تقرير كورونا ورسمها، وهو ما عكسه نجاح النّموذج الصّيني، بعد أن أدركت أوروبا ودول أخرى حليفة لأمريكا حقيقة المواقف والسياسات الأمريكيّة([7]).
وإذ ربطنا قوة الصّين الاقتصاديّة مع تعاظم القُدرات العسكرية الرّوسيّة التي يدعمها اقتصاد خرج من عثرته ليشغل المرتبة الحادية عشر من بين اقتصادات العالم، وذلك حسب تقدير البنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي لعام ٢٠١٩، والتّحالف الاستراتيجي بين البلدين، فإنّهما يمثلان قوة موازنة “غير صديقة” في مواجهة الولايات المتحدة. أمّا المسار الثاني الآخذ في التّعمق هو تراجع دور التّكتلات الدّولية الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي، والذي أثبت عجزه عن مواجهة الوباء، خاصة بعد اتهام العديد من الدّول الأوروبيّة مثل إيطاليا وإسبانيا الأكثر تضررًا ، الاتحاد بالفشل في مساعدتها، وغياب وجود سياسة تضامن جماعيّة لمواجهة التّداعيات الاقتصاديّة. ورفضت بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وهولندا مفهوم المسؤوليّة الجماعيّة في تحمل أعباء إصدار سندات كورونا، لتكون آلية ديون متبادلة من شأنها تقليل التّداعيات الاقتصادية للأزمة، ولمساعدة إسبانيا، ورفض وجود سندات تستفيد منها الدول الأكثر تضررا من معظم عائداتها([8]).
فشعرت أنّها بدأت تفقد سيادتها وقراراتها في ظل استمرارها في الاتحاد الأوروبي. وتراجع دور الفاعلين من غير الدّول والتي تصاعد دورها بشكل كبير خلال العقد الماضي بسبب التّغيرات السياسيّة التي شهدها العالم العربي منذ العام ٢٠١١، مثل داعش والقاعدة والتّنظيمات المسلحة في العراق وسوريا والتي شكّلت تحديًّا للدولة الوطنيّة وإضعاف قوتها ومؤسساتها، ما كان له أثر سلبي خطير في التّعامل مع التحديات، ووقفت عاجزة عن مواجهة خطر الفيروس وتوارت لصالح دور الدولة في اتخاذ إجراءات الحجر الصّحي وفرض حظر التجوال، وهو ما يؤكد دائمًا أهمية دور الدولة وجيشها الذي بات يؤدي أدوارًا مهمة في احتواء خطر انتشار وتمدد الفيروس([9]).
كما تراجع مفهوم التّضامن الدّولي والمسؤولية الجماعيّة، والعمل المشترك والذي من المفترض أن يكون الأساس لمواجهة وباء عالمي يهدد السّلم والأمن الدّوليين، لصالح مفهوم الأنانيّة الدّولية، ومن جانب الدّول الكبرى التي دخلت في تسابق لاختطاف شحنات الأدويّة والمعدات الطبّيّة وتبادل الاتهامات حول المسؤوليّة عن الفيروس، وقد اختلفت مواقف الدّول التي أصابها الوباء في بداية الأمر، فلقد وصل الخُبراء الصينيّون تطوّعًا إلى إيران وإيطاليا وكلّ بلد منكوبة بهذا الفيروس تطلب المُساعدة، ومجّانًا، بعيدًا من البروباغندا الدّعائيّة، ولم نسمع أنّ خبيرًا أمريكيًّا واحدًا فعل ذلك([10]) وتشير الأوضاع في روسيا إلى أنّ دخولها على وتيرة تصاعد حجم الإصابات قد بدأ متأخرًا نسبيًّا مقارنة مع غيرها من الدّول.
وعلى صعيد دورها الدّولي، فمن غير المتوقع أن تحدث الأزمة تحوّلًا في توجهاتها القائمة على تعزيز نفوذها في المجال الحيوي.
إلّا أنّ ذلك يجب أن لا يشغل قادة العالم عن مهمة أخرى ملحة؛ تتمثل في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا كما أنّه لا يمكن لأي دولة حتى لو كانت الولايات أن تتغلب على الفيروس بجهد وطني محض، إذ إنّ التّعاطي مع الضرورات المستجدة ينبغي أن يصاحبه وضع رؤية، وبرنامج لتعاون دولي لمواجهة الأزمة؛ فالإخفاق في العمل على المحورين في آن واحد قد تترتب عليه نتائج سيئة. لذا يجب التّركيز على مجالات رئيسة لمواجهة تداعيات الوباء محليًّا وعالميًّا منها تعزيز قدرة العالم على مقاومة الأمراض المعدية، وذلك من خلال تطوير البحث العلمي؛ والسّعي الحثيث لمعالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي([11]).
الخاتمة
كنت قد قرأت منذ مدة طويلة للكاتب الجزائري المتميز محمد بجاوي عن النّظام العالمي أو بالحرّي عن النّظام الاقتصادي العالمي، ولفتني في بداية الولوج الى القراءة أسلوب هذا الكاتب الكبير، وطريقة عرضه لمجريات الأحداث بل حتى وطريقة الوصول إلى مغزى كل موضوع والتّعليق عليه ..وكان يردد دائمًا كلمات ثلاث لا غير حتى لتخال أنّها باتت تدمغه كختم لها فحوى أفكاره.. إذ كانت تلك الكلمات تلخص فكره النّير عن معنى النّظام العالمي، ومدى تحكمه بالدّول كلّ الدول كبيرها وصغيرها المحيطة به ومن خلاله الخانعة والصّامدة المتقبلة والرّافضة الممانعة والمطبعة تلك الكلمات كانت “بؤس النّظام العالمي “.هو أصاب طبعًا في التّعبير وإنّي اليوم لأفهمه أكثر وأؤيده أكثر وأضع يدي فوق يده قائلة “وبؤسنا” نعم بؤسنا نحن الشّعوب المقهورة المطحونة التي ترفض ما يُفعل بها، المتحكمون بمسارها من خلال عقل شيطاني، فإبليس يَسْجد لهم عجبًا من أفعالهم صاغرًا مطيعًا، وقد عجز أن يقوم بما يقومونبه . ومن هم ..هم مجموعة من البشر يشبهوننا جسديًّا في الأشكال البشرية، لكنّهم يختلفون عنا من دواخل ذواتهم الحسيّة، إذ يحركوننا كأحجار الشّطرنج كيفما أرتاوا..يقررون التّخلّص من أعداد فاقت ما يتحمله نظامهم العالمي بخطط جهنميّة، وأفكار يعجز ملك الجنّ عنها..تساعدهم في ذلك اختراعات ابتكروها لهكذا مواقف. كأن مثلًا يبيدون ألوفًا بل ملايين ولنقل أكثر في حروب عالميّة بغية الإمساك بمقاليد التّحكم الثّنائي القطب لا غير ومن خلفهم الطوفان، ثم يملون أو تتحكم بأحداهما نزعة التّربص بالآخر الشّريك معها في حكم بؤسنا وخنوعنا وقبولنا بنعم دائمًا من دون لآءات.. فترتائي، وقد عماها تيهها بقوة مقتطعة من مدخراتنا ودمائنا وعزّنا التّراثي منذ أمد التاريخ أراضينا وأملاكنا، فتغزو وتسيطر وتنهب لتحكم متفردة ضمن قطب آحادي القرار والتّوجه والتّعسف حتى الإجرام …وتبرز هنا أمام الأعين مواهبها وآكاذيبها وفبركاتها إذ تؤلف أحداثًا تراجيديّة مؤلمة لمن يسمعها تتهم بها من تريد السّطو على مواردهم، وأموالهم ومعادنهم الغنيّة بالنفط والغاز والبترول..
ثم تقرر وهي تسود فلا حكم بعدها ولن…فتُطاطىء رؤوس المحافل الدّوليّة التّابعة تلك التي تدّعي الحفاظ على السّلم الأهلي، والعدل والمساواة و السّلام وعدم التّعدي على آراضي الغير، من دون أن ترفع الصوت معترضة خوفًا من أن تُلجم، و..المجالس الأخرى المنوطة بالعدل هي أداة تُسَيّر وفق أهواء القطب الأوحد…
ثلاثون سنة من الغبن والظلم والتفرد بالقرار…
أو ثلاثون سنة فوق السّنين التي كانت تسوقنا كالأغنام، صاغرون منقاضون لا حول لنا ولا قوة ..أوطاننا تستباح وشبابنا تهاجر … وحكّامنا يتمسكون بذيلها يطلبون نيل الرضا..
هوذا بؤس النّظام العالمي… وإذ أراد أن يغيّر من مجرى توجهانه قليلًا …أن يتبرج ليخفي بشاعته (يتمكيج!)
ولكن كيف؟ فلقد صُعق بالزّيادة البشريّة والأزمة الاقتصاديّة المرافقة لتلك الزيادة التي تغيّر وجه نظام بات من مخلفات الماضي! فماذا تفعل الرؤوس المختفيّة في دياجير شرورها إلّا ما يثيرها ويطيب العيش لها حيث رائحة الموت هي كالنّسيم العليل تنسمه بخياشيمها…نادت على رجال الجنّ وأشباح الظلام فلبوا النّداء بسرعة عزرائيل وقرروا كما كانوا يقررون دائمًا ابتداع أو صنع وباء يرمون به إلى البشريّة جمعاء، إذ سيقتل الكثيرين لتتحرك عجلات مصانع السّلاح الدّمويّة المرسل لبلاد العالم الثالث خاصة الدّول العربيّة. ومع قتل الأرواح بوساطة ذلك الوباء أسال سؤالًا يحيّرني منذ أن بدأت أفهم ..منذ أن بدأت أقرأ أكثر عن بؤس النّظام العالمي..
لماذا هم يتحكمون بالقرار أيّ قرار؟ ومن أعطاهم الإذن، ومن أطلق مصطلح العالم الأول؟
المراجع:
١- باراك خانا،كتاب المُستقبل آسيوي، تقدير البنك الدّولي وصندوق النقد ٢٠٢١
٢- بي بي سي، فيروس كورونا: هل يؤدي تفشي الوباء ..،٢٠اذار
٣- دراسة”فيروس كورونا يقتل نفسه بالطفرة الجديدة وسينتهي خلال شهرين مثل نهاية سارز”أجراها قسم البيولوجيا الجزيئية والخلوية بجامعة كاليفورنيا ومعهد كاليفورنيا للعلوم البيولوجية وقسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والتصوير الحيوي المتكامل، ومختبر لورانس بيركلي الوطني؛ ١٢ يناير ٢٠٢١،
٤- الدستور الأردنية،٢٠اذار٢٠٢٠
٥- الرأي،التحولات المحتملة للعلاقات الدّولية بعد جائحة«كورونا»١٤حزيران،٢٠٢٠
٦- منظمة الأمم المتحدة للتربية، والعلم، والثقافة، “اليونسكو”
٧- وول ستريت جورنال، سياسة|العالم،؛ هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق
٨- اليونيسف، تم تصنيف مرض فيروس كورونا كوفيد-19 على أنه جائحة.
٩- البنك الدّولي ٢٠٢٠،”٦٢بلد من خلال مشروعات جديدة أعيدت هيكلتها وتغطي دورة التعليم بأكملها”
١٠- الحد من التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا -international monetary fund،2021
[1]– أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة- كلية الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة-علاقات دولية- كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة.
Assistant Professor at the Lebanese University – Faculty of Law, Political and Administrative Sciences International Relations-Faculty of Arts and Human Sciences Email: vbcv5g5@mail.ru
-2جامعة كاليفورنيا: فيروس كورونا يقتل نفسه بالطفرة الجديدة وسينتهي خلال شهرين مثل نهاية سارز
-1بي بي سي فيروس كورونا: هل يؤدي تفشي الوباء ٢٠ اذار
-1منظمة الأمم المتحدة للتربية، والعلم، والثقافة، “اليونسكو”
1- الرأي،التحولات المحتملة للعلاقات الدولية بعد جائحة «كورونا»١٤حزيران،٢٠٢٠
2- باراك خانا، كتاب المُستقبل آسيوي، تقدير البنك الدولي وصندوق النقد ٢٠٢١
-3وول ستريت جورنال ،سياسة|العالم،؛هنري كيسنجر زير الخارجية الأميركي الأسبق.