ما بعد حرب غزة؟
After the Gaza war
Dr. Nadia Al-Saleh د. ناديا صالح([1])
تاريخ الإرسال:30-1-2024 تاريخ القبول 10-2-2024
ملخص البحث
تعود جذور الانقسام الفلسطيني إلى بدايات الانتفاضة الأولى ١٩٨٧وتحديدًا مع نشأة حركة المقاومة الإسلاميّة(حماس). وتعمّقت الفجوة بعد توقيع اتفاقيّة أوسلو بين منظمة التّحرير الفلسطينيّة وحكومة الكيان الصهيوني١٣ أيلول ١٩٩٣. بعد أن انتصرت حماس في الانتخابات التّشريعيّة حكمت قطاع غزة في ١٤ يونيو ٢٠٠٧ ما أدى إلى إدارتين منفصلتين – السّلطة الفلسطينيّة بقيادة فتح في الضفة الغربيّة وحكومة حماس المنافسة في قطاع غزة، إذ لم يكن البرنامج السياسي وصراع الصلاحيات هو مصدر الخلاف الدّاخلي بل كان هناك خلاف قديم جديد يتمحور حول حقّ مقاومة اعتداءات العدو الإسرائيلي المتكرره.
مثلت حركة حماس مصدرًا للثقة لدى الفلسطينين، وحالةَ وعي ويقظة لمخاطر المشروع الصهيوني وفهم مركباته فهمًا عميقًا ساعد على تحديد الهدف واختيار الوسائل المناسبة في إطار الممكن وفق منهجيّة تعكس هذا الفهم، وتترجمه سلوكًا يقول لا يمكن أن تقتل الفلسطينين في بلادهم ومساجدهم وقراهم . قامت حكومة الكيان الصهيوني بتشديد الإغلاق على غزة لجعل الحياة لا تطاق هناك، على أمل أن يتمكن السّكان الفلسطينين من إسقاط حماس بغضب، أو على الأقل أن يؤدي الإغلاق إلى احتواء التّهديد الأمني. لكن لم ينجح أي منهما، وبدلًا من ذلك، ضرب نتنياهو حماس بقوّة أكبر من أيّ رئيس وزراء في التّاريخ. وقاد أربع عمليات عسكريّة واسعة النطاق ضدها في أعوام ٢٠١٢،٢٠١٤،٢٠٢١،٢٠٢٢و٢٠٢٣ وبين تلك الحروب، ظلت الظروف نفسها التي أدت إلى كل تصعيد، عزلة غزة، وإغلاقها، وانعدام الأفق الاقتصادي أو السياسي، والحكم الاستبدادي تأسيسًا على ما تقدم، يتألف البحث من مقدمة وفصلين وخاتمة ضمن إشكاليّة تحمل عنوان ماذا بعد حرب غزة؟
الهدف منها الإضاءة على انتفاضة طَوَفان الأقصى التي كانت الفتيل الذي أشعل نار الثّورة على الظلم، واغتصاب الحقوق الفلسطينيّة على أيدي محتلين مجرمين قاتلي الأطفال؛ ثم عَرْض حلول مقترحة لما بعد الحرب على غزة من خلال فصلين يحمل الأول عنوان الأسباب التي أدّت إلى عمليّة طَوَفان الأقصى ويعالج الثاني تداعياتها والحلول المقترحة.
الكلمة المفتاح: طَوَفان الأقصى،غزة، العدو الإسرائيلي، الأسباب؛التداعيات
Search summary:
The roots of the Palestinian division go back to the beginnings of the First Intifada in 1987, specifically with the emergence of the Islamic Resistance Movement (Hamas). The gap deepened after the signing of the Oslo Accords between the Palestine Liberation Organization and the Zionist entity’s government on September 13, 1993. After Hamas’s victory in the legislative elections, it ruled the Gaza Strip on June 14, 2007, which led to It has two separate administrations – the Palestinian Authority led by Fatah in the West Bank and the rival Hamas government in the Gaza Strip. Where the political program and the conflict of powers were not the source of internal disagreement, but rather there was a new old dispute centered around the right to resist the repeated attacks of the Israeli enemy, where the Hamas movement represented a source of confidence for The Palestinians’ state of awareness and alertness to the dangers of the Zionist project and a deep understanding of its components helped define the goal and choose appropriate means within the framework of the possible according to a methodology that reflects this understanding and translates it into behavior that says you cannot kill the Palestinians in their countries, mosques and villages. The Israeli government has tightened the closure of Gaza to make life unbearable there, in the hope that the Palestinian population will be able to bring down Hamas in anger, or that the closure will at least contain the security threat. But neither succeeded, and instead, Netanyahu hit Hamas harder than any prime minister in history. He led four large-scale military operations against it in the years 2012, 2014, 2021, 2022 and 2023, and between those wars, the same conditions that led to every escalation remained: the isolation and closure of Gaza, the lack of an economic or political horizon, and authoritarian rule.
Based on the above, the research consists of an introduction, two chapters, and a conclusion within a problem bearing the title: What comes after the Gaza War?
Its aim is to shed light on the Al-Aqsa Flood Intifada, which was the fuse that ignited the fire of revolution against injustice and the usurpation of Palestinian rights at the hands of criminal occupiers who killed children. Then, it presents proposed solutions for the aftermath of the war on Gaza, through two chapters, the first of which bears the title of the reasons that led to the Al-Aqsa Flood Operation. The second addresses its repercussions and proposed solutions
Keyword: Al-Aqsa flood, Gaza, the Israeli enemy, causes, repercussion
–أهمية البحث: يساعد هذا البحث في تحديد دوافع حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” من عمليّة طَوَفان الأقصى بعد أن استمر العدو الإسرائيلي بإجرامه، وانتهاكاته اليومية للمحرمات المقدسة وأسره وقتله للفلسطنين في غزة والضفة الغربية وكل انحاء فلسطين المحتلة لفهم كم الظلم والغضب الذي يعاني منه كل من حرم ارضه وقراه ووطنه من عدو مجرم غاشم يخترق قوانين الحياة كما المقررات الدّول يّة، والوقوف على اتفاقيات الذّل والعار لدول عربيّة مع العدو الصهيوني من دون مراعاة لما يتعرض له شعب عربي مظلوم اغتصبت أرضه، وقُتِل ناسه كما نساؤه وأطفاله أمام أعين الجميع٠
–أهداف البحث: يهدف البحث الى الإضاءة على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ خمس وسبعين سنة من ظلم وعدوان وقتل بل وإبادة جماعيّة أمام أعين النّظام الدّول ي والمؤسسات الدّول يّة من دون الوقوف موقف حقّ مع صاحب الأرض ضد المحتل.
– التعرف إلى أسباب عمليّة طَوَفان الأقصى ضد الكيان الصهيوني وتداعياتها الإقليميّة والدّول يّة.
– السعي إلى فهم مواقف دول اتفاقيات إبراهيم العربيّة وغيرها من الدّول العربيّة التي كانت قد عقدت اتفاق سلام مع العدو الإسرائيلي .
– استخراج الحلول والسّيناريوهات المقترحة لوقف نزيف الدّم الفلسطيني من عدو مجرم بعد عمليّة طَوَفان الأقصى.
–مشكلة البحث: منذ احتلال دولة فلسطين العربيّة العام ١٩٤٨ والعدو الصهيوني المحتل يمارس ابشع الانتهاكات للمحرمات المقدسة، وأسِر وسحل وقتل المدنيين الذين أكثرهم أطفال، واغتصاب النّساء وممارسة شتى أنواع التعذيب فيهم من دون أن توقفهم أيّ مقررات دوليّة؛ أو مواقف عربيّة وغربية منددة الى أن قامت المقاومات الفلسطينيّة خاصة الإسلاميّة “حركة حماس” التي استطاعت في ما بعد ومن خلال انتفاضة الأقصى، خلق قوّة ردع في وجه الجيش الإسرائيلي النّظامي الذي لم يستطع القضاء عليها بل زلزلت الأرض فيه زلزالًا كأنّه غضب إلهي لما فعله سابقًا ويفعله اليوم. فتآكلت قوّة الرّدع الإسرائيلي التي اعتمدتها اسرائيل منذ وجودها، وطُويت أسطورة الجيش الذي لا يقهر. ومع تفاقم الأحداث منذ السّابع من أكتوبر من العام ١٩٢٣في غزة، تباينت المواقف الدّول يّة واختلفت الآراء منها مؤيدة للمقاومة، ومؤكدة دعمها من منطلق أنّها دفاع مشروع في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال القمعي، ومنها من يساند ويدعم إسرائيل بكل قوته كالولايات المتحدة نظرًا لكونها آلة قتل في يدها ضد كل من يخالف استراتيجيتها القمعيّة التّعسفيّة الاستبداديّة، تجاه أيّ شعب يطالب بالعدالة والحرية واسترجاع الحقوق المغتصبة. لذلك يسعى هذا البحث إلى دراسة المشكلة الآتية : ماذا بعد حرب غزة ” طَوَفان الأقصى” ؟
– تساؤلات البحث: يسعى البحث للإجابة على التساؤلات الآتية:
– ما هي أسباب عمليّة طَوَفان الأقصى؟
– ما هي تداعيات حرب غزة (عمليّة طَوَفان الأقصى )على إسرائيل؟
– ما هي تداعيات عمليّة طَوَفان الأقصى على اتفاقيات الدّول العربيّة مع الكيان الصهيوني ؟
– ما هي تداعيات حرب غزة على محور المقاومة (حزب الله)؟
–فرضيّة البحث: من خلال الإشكاليّة المطروحة وضعت الفرضيّة الآتية:
–ما هي الحلول المقترحة التي توافق عليها حركة حماس، والمجتمع الدّولي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني؟
–منهجيّة البحث: للإجابة على أسئلة هذا البحث، واختيار فرضياته سنعتمد المنهج التّاريخي التّحليلي وذلك عن طريق سرد الأحداث التي جرت في الحِقب الماضية، وتنقيحها ونقدها بحياد وبموضوعيّة؛ للتأكد من جودتها وصحتها، ثم إعادة بلورتها وربطها بما يحصل في الحاضر للتوصل إلى نتائج يقبلها العقل والمنطق مُدعمة بالقرائن والبراهين.
مقدمة: تعود جذور الانقسام الفلسطيني إلى بدايات الانتفاضة الأولى ١٩٨٧ وتحديدًا مع نشأة حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس). بدأت دائرة الخلاف بين الجانبين بالاتساع مع ازدياد القاعدة الشّعبيّة لحركة حماس على حساب بقيّة الفصائل، وتحديدًا حركة التّحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تقود فصائل منظمة التّحرير. وتعمقت الفجوة بعد توقيع اتفاقيّة أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطيني وحكومة الكيان الصهيوني١٣ أيلول ١٩٩٣.
وتنص اتفاقيّة أوسلو على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقاليّة فلسطينيّة، أصبحت في ما بعد تعرف بالسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة وقطاع غزة لمرحلة انتقاليّة لاتتجاوز الخمس سنوات. ووفقًا للاتفاقيّة تشهد السنوات الخمس مفاوضات بين الجانبين، بهدف التوصل لتسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن ٢٤٢ و ٣٣٨.
ووفقًا لاتفاقيّة أوسلو أيضًا([2])،عيّنت السّلطة الفلسطينيّة لتكون لها سيطرة حصرية على كل من القضايا الأمنية والمدنية في المناطق الحضرية الفلسطينيّة (المشار إليها باسم «المنطقة أ») والسّيطرة المدنيّة فقط على المناطق الرّيفيّة الفلسطينيّة («المنطقة ب»).
وكانت بقية الأراضي، بما فيها المستوطنات الإسرائيليّة، ومنطقة وادي الأردن والطرق الالتفافيّة بين المجتمعات الفلسطينيّة، تحت سيطرة الكيان الصهيوني(«المنطقة ج») واستُبعِدت القدس الشّرقيّة من الاتفاقات.
أسفرت المفاوضات مع العديد من الحكومات عن سيطرة السّلطة على بعض المناطق، لكن فقدت السّيطرة بعد ذلك عندما استعاد جيش العدو عدة مواقع استراتيجيّة خلال الانتفاضة الثانية («الأقصى») العام ٢٠٠٥، وانسحب الكيان المحتل من جانب واحد من مستوطناته في قطاع غزة، وبذلك وسعت سيطرة السّلطة الفلسطينيّة لتشمل القطاع بأكمله بينما استمرت في السيطرة على نقاط العبور، والمجال الجوي والمياه قبالة ساحل قطاع غزة. وكانت قد قدّمت اللجنة الرّباعيّة للشّرق الأوسط التي تضم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة خارطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول العام ٢٠٠٥ مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينيّة. ولم تكن تلك خارطة الطريق إلا صفقة مشبوهة هدفها القضاء على القضية الفلسطينيّة.
وفي الانتخابات التّشريعيّة الفلسطينيّة في ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦ خرجت حماس منتصرة، ورشّحت إسماعيل هنيّة رئيسًا للوزراء في السّلطة. على إثر ذلك انهارت الوحدة الوطنية للحكومة الفلسطينيّة بشكل فعال واندلع صراع عنيف بين حماس وفتح، لا سيما في قطاع غزة.
بعد أن استولت حماس على قطاع غزة في ١٤ يونيو ٢٠٠٧ قام رئيس السّلطة محمود عباس بفصل حكومة الوحدة التي تقودها حماس وعيّن سلام فياض رئيسًا للوزراء، وعزل هنيّة. لم تعترف حماس بهذه الخطوة، ما أدّى إلى إدارتين منفصلتين – السّلطة الفلسطينيّة بقيادة فتح في الضّفة الغربيّة وحكومة حماس المنافسة في قطاع غزة. حققت عمليّة المصالحة لتوحيد الحكومات الفلسطينيّة بعض التقدّم على مر السّنين، لكنّها فشلت في تحقيق إعادة توحيد([3]).
والحقيقة تقال إنّه لم يكن البرنامج السياسي، وصراع الصلاحيات هو مصدر الخلاف الدّاخلي بل كان هناك خلاف قديم جديد يتمحور حول حقّ مقاومة اعتداءات العدو الإسرائيلي المتكرره، إذ مثّلت حركة حماس مصدرًا للثقة لدى الفلسطينين، وحالةَ وعي ويقظة لمخاطر المشروع الصهيوني وفهم مركباته فهمًا عميقًا ساعد على تحديد الهدف، واختيار الوسائل المناسبة في إطار الممكن وفق منهجيّة تعكس هذا الفهم، وتترجمه سلوكًا يقول لا يمكن أن تقتل الفلسطينين في بلادهم ومساجدهم وقراهم في الضفة وغزة.
وفي استطلاع للرأي للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية نشرت نتائجه في ٩ يونيو ٢٠٠٨ سَجَّل تزايدًا نسبيًّا في شعبية حركة حماس في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وتأييدا لمواقفها.
أمّا الكيان الصهيوني فلقد واجه خِيارًا صعبًا، فإمّا أن يتسامح مع وجود حماس أو أن يتخذ الإجراءات اللازمة لمحاولة تقويضها واحتوائها.
الخيار الأول كان سيُعَرض الجميع للخطر، وقد اختارت الحكومة الخيار الثاني المتمثل في تشديد الإغلاق على غزة لجعل الحياة لا تطاق هناك، على أمل أن يتمكن السّكان الفلسطينين من إسقاط حماس بغضب، أو على الأقل أن يؤدي الإغلاق إلى احتواء التّهديد الأمني. لكن لم ينجح أي منهما، وبدلًا من ذلك، ضرب نتنياهو حماس بقوة أكبر من أي رئيس وزراء في التاريخ. وقاد أربع عمليات عسكريّة واسعة النطاق ضدها في أعوام ٢٠١٢، ٢٠١٤، ٢٠٢١، ٢٠٢٢ وبين تلك الحروب، ظلت الظروف نفسها التي أدت إلى كل تصعيد، عُزْلة غزة، وإغلاقها، وانعدام الأفق الاقتصادي أو السّياسي، والحكم الاستبدادي.
العام ٢٠٠٩، كان من المفترض أن تنتهي ولاية محمود عباس كرئيس، خاصة وأن بعض الخبراء والمحللين، والمختصين أدلوا بشهادات تفيد أن هناك فسادًا بالتّبادلات الماليّة ترتبط بمحمود عباس ونجليه، وصندوق الاستثمار الفلسطيني (الذي كان من المفترض أن يخدم مصالح الفلسطينيين وأن يُحاسَبُ وأن يكون مستقلًا عن القيادة السياسيّة) إلى جانب آخرين، بالإضافة إلى محدوديّة حرية الصحافة، سحق للمعارضة السياسيّة وحملات ضد المعترضين([4]). وأن تُجْرى الانتخابات كون مؤيدو حماس والكثيرون في قطاع غزة رفضوا الاعتراف برئاسته، وبدلًا من ذلك عدُّوا عزيز دويك، رئيس المجلس الفلسطيني التّشريعي، ليكون الرئيس بالنّيابة حتى يمكن إجراء انتخابات جديدة. ناهيك على أنّ السّلطة الفلسطينيّة تلقت مساعدة ماليّة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حوالي مليار دولار أمريكي مجتمعة وُجِّهت مباشرة إلى مكاتب محمود عباس في الضفة الغربية.
أبدت حماس في العام ٢٠١٦ ترحيبها بالانتخابات المحليّة، وتسلمت مذكرة من رئيس لجنة الانتخابات المركزية آنذاك، أكدّ فيها أنّ إجراء العمليّة الانتخابيّة في كلّ من غزة والضّفة، سيكون بالاعتماد على المؤسسات الأمنيّة والقضائيّة القائمة فيها، وأنّ الجهات الرّسميّة في رام الله على اطلاع بذلك.
بدأت الإجراءات الانتخابيّة في أيلول ٢٠١٦، وشاركت فيها الفصائل جميعها من دون أي ملاحظات أو اعتراضات. غير أنّ القوائم المدعومة من حركة حماس في الضّفة المحتلة تعرضت لأبشع عمليات الملاحقة، والتّضييق على أيدي الأجهزة الأمنيّة من اعتقالات واستدعاءات وإطلاق نار ومتفجرات، وممارسة الضغوط على المرشحين لسحب ترشيحاتهم، وتسببت هذه الممارسات في إلغاء عشرات القوائم المحسوبة على حركة حماس، وانسحاب مئات المرشحين، وعلى الرّغم من ذلك حرصت حماس على استمرار العمليّة الانتخابيّة.
وأسقطت لجنة الانتخابات المركزية ثم محاكم البداية عددًا من قوائم حركة فتح في غزة والضفة لعدم استيفائها لشروط الانتخابات، تبع ذلك قيام حركة فتح بتقديم طعن أمام المحكمة العليا حول إسقاط بعض قوائمهم على الرّغم من عدم اختصاصها. وبناءً على ذلك اتخذت المحكمة العليا قرارًا أوليًّا بتجميد الانتخابات، ثم عادت وأصدرت قرارًا آخر بإجراء الانتخابات في الضفة من دون قطاع غزة بحجة عدم شرعيّة المؤسسات القانونيّة في غزة، بعد أن قررت لجنة الانتخابات إلغاء العمليّة الانتخابية كليًّا([5]).
سنتطرق في هذا البحث إلى بعض السّيناريوهات، والحلول المقترحة لما بعد عمليّة طَوَفان الأقصى التي شنتها حركة حماس على دولة الاحتلال الصهيوني في السّابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ضمن إشكاليّة تحمل عنوانًا ماذا بعد حرب غزة؟
الهدف منها الإضاءة على الأحداث السّابقة التي كانت الفتيل الذي أشعل نار الثورة على الظلم، واغتصاب الحقوق الفلسطينيّة على أيدي محتلين مجرمين قاتلي الأطفال من خلال فصلين يحمل الأول عنوان الأسباب التي أدّت إلى عمليّة طَوَفان الأقصى.
ويعالج الثاني تداعياتها والحلول المقترحة. اعتمدنا في هذا البحث المنهج العلمي التاريخي والتّحليلي توخيًّا منا الدّقة والشّفافيّة التي تبرز واقع الأحداث كما هي.
الفصل الأول: عمليّة طَوَفان الأقصى
أولًا: عمليّة طَوَفان الأقصى (ميدانها – أسبابها)
قام الجناح العسكري لحركة حماس صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٣ بعمليّة طَوَفان الأقصى ضد اسرائيل. استهدفت مواقع للجيش الإسرائيلي في غلاف قطاع غزة، وتمكنت من السّيطرة على قاعدةٍ عسكرية كبيرة وعددٍ من المواقع ونقاط المراقبة الإسرائيليّة المنتشرة على حدود القطاع.
وسيطرت وحدات كوماندوس تابعة للحركة على نحو ٢٠ مستوطنة إسرائيليّة داخل ما يسمى «الخط الأخضر». وأسفرت هذه العمليّة،غير المسبوقة وفق المعطيات التي أعلنها الجيش الإسرائيلي آنذاك، عن مقتل أكثر من ١٢٠٠ عسكري ومدني إسرائيلي، وإصابة نحو ٣٠٠٠ جريح، بينهم العديد من كبار الضباط، كما أَسَرت حماس وفصائل أخرى أكثر من ١٣٠ إسرائيليًّا([6]) في مقابل هذا الهجوم أعلن رئيس وزراء العدو نتنياهو حالة الحرب، فأطلق جيش الاحتلال عمليّة السّيوف الحديديّة التي اسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من ١٧ ألفًا و٧٠٠ شهيد، و٤٨ ألفًا و٧٨٠ جريحًا وتشريد الآلاف أضف إلى تدمير أحياء كاملة في قطاع غزة([7]).
ميدان المواجهات والطرف المحدد لذلك: بالنسبة إلى ميدان المواجهات، فقد تمكنت كتائب القسام-خلال الجولة الراهنة- من نقل المعركة إلى داخل نطاق الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي بداية من اقتحام مقاتليها- برًّا وجوًّا- للسياج العازل بين قطاع غزة وما يسمى بـ”غلاف غزة” تجاه العمق الإسرائيلي، بينما أُجريت جولات المواجهات السّابقة كافة بين الطرفين داخل قطاع غزة. إذ يشكل “غلاف غزة” أهميّة استراتيجيّة لتل أبيب كونه منطقة عازلة بين القطاع وإسرائيل لتحييد التّهديدات المحتملة من غزة، ولذلك، تقدم إسرائيل امتيازات هائلة لتشجيع المستوطنين على العيش في مستوطناته، ويمثل خط الدّفاع الأول لإسرائيل من جهة غزة، ولذلك يُعدُّ الحدث اختراقًا كبيرًا لهذا الخط الدفاعي، وقد شوهد، ولأول مرة، مقاتلو كتائب القسام يتجولون بأسلحتهم داخل مستوطنات، وهو ما يضع إسرائيل أمام معضلة نزوح جماعي للمستوطنين من الغلاف، وصعوبة العودة مجددًا.
وبينما كانت إسرائيل هي الطرف المحدد لزمان المواجهات ومكانها طيلة العقود الماضية، بدت الجولة الراهنة مغايرة، إذ حددت المقاومة، زمانها ومكانها، وأعلنت انطلاق عمليّة “طَوَفان الأقصى”، التي شملت تسلّل المقاتلين إلى مستوطنات الغلاف بالتّزامن مع إطلاق آلاف الصواريخ على جنوب ووسط إسرائيل، على نحو أصاب إسرائيل بصدمة كبيرة وغير مسبوقة، لم تشهدها منذ حرب ١٩٧٣.
وتُعدُّ هذه العمليّة نوعية في توقيتها وفي حجمها، وفي قواعدها ونتائجها وآثارها، فهذه أول مرة منذ نشأة إسرائيل قبل أكثر من ٧٥ عامًا، يتسلل فيها مقاتلون فلسطينيون إلى داخل مناطق ١٩٤٨.
وسيكون هناك سيل من الأخبار عن موت الجنود الإسرائيليين في غزة وقد يتكبّد الجيش الإسرائيلي أعدادًا متزايدة من القتلى والمصابين([8]).
الأسباب التي أدت إلى عمليّة طَوَفان الأقصى:([9])
لا تختلف أسباب عمليّة “طَوَفان الأقصى” عن غيرها من العمليات السّابقة التي تكون عادة كردّ فعل عن الانتهاكات المتواصلة للاسرائيليين ضد الفلسطينين ومقدساتهم، وردًا على عربدة الاحتلال في المسجد الأقصى، وسحل النّساء في باحاته. وأيضًا لرفض الاحتلال الإسرائيلي عقد صفقة تبادل أسرى إنسانيّة. وهي لا ترتبط بحدث معين بذاته كون حجم العمليّة، وتعقدياتها يتطلب استعدادات كبيرة تستغرق مدّة زمنية طويلة نسبيًّا، ولكن توقيت العمليّة يأتي في سياق فلسطيني وإسرائيلي وإقليمي يتمثل ب:
– عدم مشاركة حركة حماس في المواجهات الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلامي، وإسرائيل عندما شنت الأخيرة في إطار عمليّة “السّهم الواقي” هجمات استهدفت قيادات عسكرية في إطار خطة خداع استراتيجي، مارستها حماس لتباغت بهجومها الجيش الإسرائيلي الذي كان يستبعد عمليّة في هذا التوقيت.
– استمرار تردي الأوضاع الاقتصاديّة في قطاع غزة؛ نتيجة الحصار المستمر منذ قرابة العقدين والذي فاقم المشكلات المعيشيّة لسكان القطاع.
– استمرار تقويض دور السّلطة الفلسطينيّة، وتهميشها من طرف الحكومة الإسرائيليّة وهو ما جعل تأثيرها محدودًا جدًا في المشهد السياسي والأمني الفلسطيني، واستمرار الاعتداءات الإسرائيليّة على المقدسات الإسلاميّة، وتمكين المستوطنين المتطرفين من انتهاكها، وهو ما شكل عامل استفزاز كبير لقوى المقاومة.
– استمرار اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى والبلدات الفلسطينيّة في الضفة الغربية، وشن حملة اعتقالات وهدم للبيوت ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وقيامه بممارسات استفزازية.
– توقيت عمليّة “طَوَفان الأقصى” يتزامن مع ذكرى حرب أكتوبر ١٩٧٣.
ثانيًا: خسائر عمليّة طَوَفان الأقصى ومكاسبها: كبداية حصلت إسرائيل على تضامن وتعاطف من بعض الدّول على الصعيد الدّولي، ووظفت ذلك مع العدد الكبير من القتلى والرهائن بعمليّة أكثر عنفًا بحثًا عن استرداد ولو جزء من هيبتها التي اهتزت في الداخل والخارج. في المقابل حققت الفصائل الفلسطينيّة مكاسب نوعية غير مسبوقة إذ تمكّن مقاتلو كتائب القسام ليس فقط من اختراق خط الدّفاع الأول لدولة العدو، ونقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي، بل في التّشكيك في مبدأ إسرائيل قوّة لا تقهر، إلى درجة أنّ وصف الكُتّابِ الإسرائيليين عمليّة طَوَفان الأقصى بـ”بالصدمة والكابوس الكبير معًا الذي أرعب بلد بأكمله».
كما وأنّ عمليّة التّسلل إلى داخل غلاف غزة يكشف فشلًا كبيرًا لحكومة نتنياهو، وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي في عدم التّوصل إلى معلومات قبل وقوع الهجوم، والفشل في حماية المستوطنين، ما يفرض ضرورة تشكيل حكومة طوارئ عاجلة، ومحاسبة نتنياهو بعد انتهاء الحرب.
– أمّا الثّمن الأكثر فداحة على الصعيد الإسرائيلي نتيجة الحرب على غزة تمثل في أرواح البشر والجرحى، سواء أكان ذلك في صفوف المستوطنين ورجال الجيش. وبناء على معلومة للصحفي الإسرائيلي جيري يوركام كانت حتى ٨٣ يوم من الحرب على الشّكل الآتي:
أيام المعركة ٨٣_عدد الآليات المدمرة ٨٢٥-عدد القتلى الإسرائيليين ٨٤٣٥-عدد القتلى الفرنسيين ٩٠٢-عدد القتلى الأميركيين ١٣٨٥-عدد القتلى البريطانيين ٧٩-عدد القتلى الإيطاليين ٤٨-عدد قتلى المرتزقة ٦٢.
وتوافق هذه الأعداد مع عدد الحاويات المبردة التي على متن الباخرة MGZ الراسية على بعد من ميناء حيفا وتحرسها البحرية الأميركيّة، ولوحظ كثرة إرسال القوارب الصغيرة منها وإليها، ما دعا هذا الصحفي للوصول إلى تلك المعلومات التي هزّت شارع العدو، وإلى اغتياله في ما بعد على يد الموساد في مدينة عكّا لنشر تلك المعلومات، وقد اختفت الباخرة عن الأنظار وشوهدت بعد ذلك في موانئ قبرص. مع العلم أنّ هناك رقابةً عسكرية مفروضة على وسائل الإعلام، لحجب الكثير من الإحصائيات المتعلقة بأعداد القتلى والجرحى، لأنّ النتيجة الطبيعيّة لنشر الأرقام كافة بكلّ تجرد وحياديّة سيؤدي لنتيجة واضحة هي: انهيار شامل في الجيش والمجتمع على حد سواء.
والتباين الكبير في الأرقام المنشورة إسرائيليًّا حول الخسائر البشريّة، يعكس حالة من التّخبط والإرباك التي عاشتها إسرائيل جراء ضربات المقاومة المتعاقبة، وفي التّعامل مع هذا الواقع الذي تعيشه. ولا يتوفر أرقام دقيقة وإحصائيّات موثقة حول أعداد القتلى والمصابين في صفوف الإسرائيليين، جنودًا ومستوطنين، ما قد يفسر اختلاف العديد من التقارير حول هذه القضية.
ولقد أعلنت الجبهة الداخلية الإسرائيليّة تجنيد جزء من جنود الاحتياط مهمتهم الاتصال بالسّلطات المحليّة في المنطقة الجنوبيّة، وتوجيه السكان([10]) كما رفعت الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة درجة التأهب، تحسبا لعمليات انتقامية لجرائمها في قطاع غزة، وأعلنت الشرطة عن رفع حالة التّأهب لدرجة «ج» الموازية لحالة الحرب وأُلغيت الإجازات لأفرادها، وانتشرت قوات مكثفة في المدن التي يتوقع فيها توترًا كالمدن المختلطة وفي محيط البلدات العربيّة. وصادقت على قطع أيّة صلة بين الجنود المشاركين في الهجوم وبين ذويهم، وقبل أن ترسلهم إلى الجبهة، صادرت منهم جميع الهواتف الجوالة. كما وحظرت الرقابة العسكرية أكثر المواقع الإلكترونيّة وصولًا للمعلومات الحساسة([11]).
الآثار النّفسيّة على المجتمع: أثرت الضربات العسكرية التي وجهتها المقاومة سواء داخل قطاع غزة، أو داخل العمق الإسرائيلي، أو من خلال استخدام الأنفاق المحفورة تحت الأرض إلى خشية الجنود الإسرائيليين أن يكونوا هدفًا دائمًا لرجالها، ما عمل على شيوع ظاهرة خطيرة في أوساط الجيش الإسرائيلي وهي التّهرب من الخدمة العسكرية، وعدم تنفيذ المهام القتاليّة التي يكلفون بها، خشيّة من قتلهم بين لحظة وأخرى برصاص المقاومين. وتحدثت تقارير أمنيّة عن حالات الضّعف المسيطرة على الجيش الإسرائيلي، وانعدام الجاهزية لدى الجيش، سواء على صعيد التّخطيط وإدارة الموارد، أو الاستعداد للحرب لمواجهة صواريخ القسام القادمة من الفلسطينيين([12]).
من جهة أخرى، فقد كان للمقاومة خلال الحرب الإسرائيليّة على غزة آثار بعيدة المدى على الداخل الإسرائيلي، وجدت ترجمتها على أرض الواقع من خلال بحث الكثيرين من الإسرائيليين عن أماكن ودول وأراض أكثر أمنًا، بعد أن تحوّل العيش في إسرائيل إلى كابوس مرعب لا يطاق، وبعد انكماش اقتصادي متفاقم.
علمًا أن ما يميز من يطلبون الاستشارة للهجرة جميعهم هو: الفزع، الخوف، الهستيريا، الإحساس بالعجز، القلق، الخوف من الغد.
ويذكر هؤلاء أسباب مغادرتهم وشراء منزل في الخارج أنّ أهمها فقدان الأمن الشّخصي، إذ يقول أحدهم: لقد وصلنا إلى وضع صرنا فيه غير قادرين على الجلوس في مقهى. وقد كشفت تقارير صحفية إسرائيليّة أنّ التّجمعات السّكنيّة التي تقع على الحدود مع غزة أصبحت «مدن أشباح»لأن الشّوارع كلّها خالية من المارة؛ ويقبع السكان كلّهم في ملاجئهم المحصنة، وبعض السكان فضَّل أن يترك المدينة، وتوجه إلى قرى الشّمال لعله يجد بعض الهدوء النّسبي والأمن.
الخسائر الاقتصاديّة: استطاعت المقاومة تكبيد الإسرائيليين أثمانًا اقتصاديّة باهظة إذ بدأ التّدهور في الاقتصاد منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الحرب، وكلفت المقاومة الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدّولارات، ومست عملياتها بنواحي الاقتصاد جميعها.
وبسبب الخوف من المقاومة حدث انخفاض في عدد الإسرائيليين الذين يتجهون إلى شبكات التّسوق الكبيرة وإلى تقلص عدد الإسرائيليين الذين يقضون إجازاتهم في المنتجعات السياحيّة في تلك المناطق. كما عانت المرافق السياحيّة، ودور التّرفيه والمطاعم من موجة صواريخ المقاومة، وقد أُلغيت الكثير من الحجوزات في الفنادق والمطاعم، وأُلغيت الكثير من الحفلات.
وهكذا جاء الخوف من صواريخ المقاومة ليتراكم فوق مشاكل الأزمات الاقتصاديّة التي تمر بها إسرائيل.
الفصل الثاني: تداعيات عمليّة طَوَفان الأقصى والحلول المقترحة لها
أعادت عمليّة طَوَفان الأقصى التي شنتها حركة حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينيّة ضد إسرائيل، القضية الفلسطينيّة إلى الواجهة، وكشّفت تآكل حادّ في قوة الرّدع الإسرائيليّة، وربما إخفاق في الحسابات التي ظنت أنّه يمكن حشر شعب بكامله في الزّاوية إلى الأبد.
أولًا :يمكن التّطرق إلى بعض التأثيرات والتّداعيات:
تآكل الردع الإسرائيلي وتغيير المشهد السياسي الدّاخلي: لقد نجحت عمليّة طَوَفان الأقصى بإلحاق هزيمة كبري بالجيش الإسرائيلي، وأكّدت فشلًا استخباراتيًّا وعسكريًّا كبيرًا، إذ لم تتوقع أجهزة الأمن الإسرائيلي التي تدعي تفوقها الفائق في التّنبؤ بالهجوم الذي غير قواعد الاشتباك بين إسرائيل وفصائل المقاومة، وتحول الفصائل من حرب الرّشقات الصّاروخيّة المحسوبة إلى الهجوم الميداني برًّا وبحرًا وجوًا. وكشفت العمليّة أيضًا أنّ قوة الرّدع الإسرائيلي باتت محلّ شكّ، فهناك انكشاف واسع للقوّة، واحتياج إسرائيل إلى قوة الرّدع الأمريكيّة، واستغلال رخصة القتل التي تمنحها إياها الولايات المتحدة تحت مقولة حقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها كي تستعيد توازنها النّفسي، وتعيد استجماع قوتها. وربما ستبقى هذه العمليّة بعد حرب أكتوبر 1973 من الهزائم الكبرى لإسرائيل – وضعت حدًّا للدّور السياسي لنتنياهو الذي يواجه صعوبات في قيادة حكومته الحاليّة منذ تشكيلها، فسياساته التي تأثرت بتشكيل أكثر حكومة تطرفًا في تاريخ إسرائيل، والادعاء أنّها الحكومة القادرة على توفير الأمن للإسرائيليين وقمع الفصائل الفلسطينيّة، وتبنّي هذه الحكومة لنهج شديد التّطرف، ثبت أنّه كان مسارًا خطرًا وفاشلًا ولن يفلت من المحاسبة؛ وغالبًا الإقصاء ومعه الكثير من القيادات السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة والاستخباراتيّة، وهذا قد يتيح المجال إلى عودة التّيارات الأكثر اعتدالًا في إسرائيل.
استعادة القضية الفلسطينيّة زخمها وتعزيز موقع حماس وتحريك ملف الأسرى:
بقدر ما تواجهه حماس من تحدٍ في ظل رغبة إسرائيل في تغيير الوضع في غزه للأبد، غير أنّ العمليّة كان لها مردود مهم بالنّسبة إليها سواء على السّاحة الفلسطينيّة أو على المستوى العربي والإسلامي، خاصة أنّها تأتي في توقيت يتحوّل الرأي العام الفلسطيني نحو معسكر المقاومة المسلحة، وهو ما ظهر خلال المدّة الأخيرة.
وقد نجحت الفصائل في أسر العديد من الإسرائيليين، كورقة ضغط مهمّة على إسرائيل من أجل تخفيف هجماتها على قطاع غزة، ومن أجل المفاوضات التي قد تعقب وقف القتال.
صعود البعد العقائدي وجاذبيّة الخطاب الدّيني وتأثيراته: ظهر البعد العقائدي للعمليّة العسكريّة منذ بدايتها بسبب التّعديات المستمرة على المسجد الأقصى واقتحامه([13]).
تداعيات إقليميّة ودوليّة: أفشلت طَوَفان الأقصى مخططاتٍ ومشاريع دوليةً كادت أن تمنح إسرائيل مكانةً؛ وقوّةً سياسيةً واقتصاديةً على منطقة الشرق الأوسط. أكثرها أهمّية: مشاريع التّطبيع، طريق الحديد بنسخته الأميركيّة والغربيّة (خطوط سكك الحديد، وانعكاساتها على قناة السويس)، فرض السّيادة على المقدسات، ما يعني الانقلاب التّدريجي على الوصاية الهاشميّة الأردنيّة، وكذلك تغيير الواقع القانوني والتّاريخي في المدينة المقدسة([14]).
الاتفاقيّات الإبراهيميّة: (التّطبيع العربي -الإسرائيلي ) الحالي: تواجه الدّول العربيّة المشاركة في اتفاقيات إبراهيم بعد الحرب على غزة وضعًا معقدًا وضغوطات داخليّة، لكنها تحافظ على علاقاتها مع إسرائيل. هذه الدّول لم تقطع علاقاتها مع إسرائيل أو تخفّض تمثيلها الدّيبلوماسي ولم تعاود تبادل السّفراء بشكل رسمي، على الرّغم أنّ سفراء دولة الإمارات والبحرين غير موجودين في إسرائيل منذ بداية الحرب لأسباب شخصيّة فقط، إذ لم يُستدعوا للعودة الى بلادهم للتّشاور كما فعلت دول أخرى. ووفقًا لبعض المحللين، تفسير ذلك أنّ دول اتفاقيات إبراهيم غير متحمسة لانتصار حماس على إسرائيل.
هذا مع العلم أن وزارة خارجيّة دولة العدو، قررت منذ بداية القتال إعادة ديبلوماسييها جميعهم من هذه الدّول، وذلك لأسباب ترتبط بالأمن، وأيضًا لاستبعاد ضغوطات على هذه الدّول بطرد السّفراء. وتقرّر هذا الأمر مع استدعاء الدّبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا، وذلك لحرمان الطرف الآخر من ورقة طرد السّفير الإسرائيلي وإذلاله، كما فعل الأتراك في السّابق([15]).
ووفقًا لبعض المحللين هناك تغيير آخر حصل في الحرب على غزة مقابل جولات سابقة منها؛ وهو أنّ صوت إسرائيل في الدّول العربيّة المعتدلة بات مسموعًا من خلال الإنصات الكبير للمواقع إلاسرائيليّة، فيظهر المتحدثون في البث التّلفزيوني بشكل يومي في اتفاقيات إبراهيم([16]).
الإدانة للحرب: على الرّغم من مكانة الدّول التي وقعت اتفاقيات إبراهيم في العالم العربي، إذ أجبرت على الأقل ظاهريًّا على إدانة إسرائيل غير أنّها من النّاحية العمليّة كانت غير مهتمة بانتصار «حماس» المقاومة الإسلاميّة لتحرير فلسطين على الصهاينة، إذ يعدُّون أنّ حركة حماس تتبع المحور الإيراني متناسين عمدًا أنّ ذلك المحور مدّ لهم يد المساعدة، كي يناضلوا في استرجاع أرضهم وهم كانوا المتفرجون.
كما وأنّ هناك فجوة كبيرة بين تصريحات الدّول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في المنتديات الكبيرة للدول العربيّة، وفي لقاءات القادة وفي الإعلانات الرّسميّة لوزارات الخارجيّة، وبين أفعالها على أرض الواقع من خلال الخلافات في الرّأي بشأن عدد من المقترحات التي طرحت خلال الاجتماع التّحضيري لوزراء الخارجيّة الذي سبق القمّة. وبحسب المصادر فقد طُرِح مقترحات مثل حظر استخدام القواعد الأمريكيّة في الدّول العربيّة لتزويد إسرائيل بالسّلاح والذّخائر، وتجميد العلاقات الدّبلوماسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والعسكريّة العربيّة مع إسرائيل، واستخدام الضغوط النّفطيّة والاقتصاديّة لوقف «العدوان على غزة»، ومنع الطيران الإسرائيلي في منطقة أجواء الدّول العربيّة، وتشكيل لجنة عربيّة تسافر حول العالم لعقد اجتماعات، من أجل «وقف العدوان» – لكن دول نافذة في الجامعة العربيّة منعت تلك الاقتراحات التي شملت ضغوطات كبيرة على إسرائيل لوقف الحرب ومنعت صدورها. بالإضافة إلى ذلك فقد طرح في الاجتماع اقتراح بكتابة فقرة تدين قتل المدنيين من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لكن العراق والجزائر وتونس عارضوا بشدة هذه الصياغة، ودار نقاش كبير في القاعة. ما أدّى إلى تعليق الجلسة لمدة ساعتين([17]).
وذكرت بعض الجهود السياسيّة الإسرائيليّة الكبيرة للحفاظ على هذه العلاقات في دول اتفاقيات إبراهيم (الإمارات، البحرين والمغرب ومصر والأردن) التي تؤمن للكيان الصهيوني مصالحه ومنافعه وقوته. كما أنّ الموساد والشّاباك ينشط في هذه الدّول حتى أنّه عرض فيلمًا عن الهجوم الدّموي في ٧أكتوبر والهدف من كل ذلك الحصول على الشّرعيّة؛ أو على الأقل التّفهم للمجازر الإسرائيليّة التي لا يمكن غضّ الطرف عنها بل يجب إدانتها وقطع أيّ علاقات مع هذا الكيان الغاصب. أمّا سماح تلك الدّول بإقامة مظاهرات كبيرة تنديدًا بالعدوان على غزة والتي جرت بشكل أساسي أيام الجمعة بعد الصلاة، فلقد كانت أقرب الى «تخفيف التوتر» بالنسبة إلى الجمهور من خلال التّعبير عن رأيهم وطبعا مع عدم تأزم العلاقات مع إسرائيل([18]).
٢–من تداعيات حرب غزة “حزب الله” اللبناني جبهة داعمة لغزة ([19]):
يشهد جنوب لبنان منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول الماضي قصفًا متبادلًا بين حزب الله اللبناني وفصائل المقاومة الفلسطينيّة من جهة، وجيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، ما سلط الضوء على دور حركة حماس في لبنان، الذي شهد تصاعدًا ملحوظًا في السّنوات الأخيرة. وفي الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت حركة حماس في لبنان تأسيس “طلائع طَوَفان الأقصى”، ودعت أبناء الشّعب الفلسطيني في لبنان للانضمام إلى “طلائع المقاومين” والمشاركة في “تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
وعلى الرّغم من أنّ حضور حماس الميداني لم يبدأ مع الإعلان عن “طلائع طَوَفان الأقصى”، فإنّه مثل تجسيدًا رسميًّا لهذا النّشاط، وأثار مخاوف من عمليّة تجنيد تستهدف أبناء المخيمات الفلسطينيّة، وتتجاوزها إلى أوساط لبنانية مؤيدة لحماس في مناطق الجنوب والشّمال والبقاع.
وقالت حماس في محاولة لتهدئة هذه المخاوف إن: “طلائع طَوَفان الأقصى” إعلان عن برنامج تعبوي ثقافي وفكري لجذب الشّباب الفلسطيني، لكنه لم يُنهِ بذلك حملة التّكهنات والتّوجسات والتّحليلات.
ووفق مراقبين، فإنّ الإعلان عن طَوَفان الأقصى يشكل قفزة نحو الأمام لا بدّ منها بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينيّة، إذ تسعى حماس من خلالها لاستحداث مسار واضح للعمل عبر جبهة لبنان الداعمة لغزة وذلك مع تزايد الحديث الإسرائيلي والغربي العمل على استئصال حماس.
ثانيًّا: الحلول المقترحة لما بعد حرب غزة: من رحم كلّ أزمة تولد فرصة. وهذا ينطبق على المأساة الحالية التي تجتاح غزة. وينطبق أيضا على الصّراع الفلسطيني- الإسرائيلي المتفاقم منذ عقود. والشرق الأوسط، وخاصة الصّراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مليء بالكثير من الفرص الضائعة.
فعلى الرّغم من أنّ حرب١٩٧٣ استطاعت تحقيق سلام بين مصر وإسرائيل، إلّا أنّها لم تنتج سلامًا شاملًا، ولم يتمكن الشّعب الفلسطيني من الحصول على حقّه الثّابت في تقرير المصير. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عدم الاهتمام من الجانب الإسرائيلي الذي حقق هدفه الاستراتيجي المتمثل في تحييد أي تهديد عسكري من أكبر وأقوى دولة عربية. وأصبح قادرًا على توجيه اهتمامه إلى احتلال الأراضي العربيّة الأخرى التي احتلها العام ١٩٧٣، وهي الأراضي الفلسطينيّة في الضّفة الغربيّة وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السّورية.
ولقد شكلت غزة عبئًا ثقيلًا على إسرائيل، بسبب كثافتها السّكانيّة العاليّة، وعدم وجود موارد طبيعيّة يمكن استغلالها كمبرر لاستمرار الاحتلال، ولذلك، كان الانسحاب هو القرار الذكي. ولكن الانسحاب بالنسبة إلى إسرائيل لا يعني التّخلّي عن السّيطرة. فالاحتلال له مظاهر مختلفة، لكن جميعها يعني في جوهره السّيطرة على شعب في منطقة محددة. وهذا ما حصل فعلًا فبعد انسحاب إسرائيل من غزة حولتها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، كما وصفته منظمة العفو الدّوليّة، من خلال سيطرتها على البحر والجو كما على إمدادات الكهرباء والمياه. لكن الأكثر أهمّيّة من ذلك هو سيطرتها على حرية حركة أهل غزة.
وما حدث في غزة يوم ٧أكتوبر/تشرين الأول مجرد صورة لسلسلة مظلمة وقبيحة من الأحداث التي شهدها الصّراع العربي الإسرائيلي في أعقاب إنشاء الكيان الصهيوني العام ١٩٤٨ على الأراضي الفلسطينيّة، وربما لمدّة أطول([20]).
هذا وبعد أن يتجاوز العالم صدمة السّابع من أكتوبر/تشرين الأول وتنتهي الحرب مع “حماس” لربما ستُنشاء لجنة تحقيق ومن المحتمل جدًا أن يضطر نتنياهو، والعديد من قادة أجهزة الاستخبارات إلى الاستقالة. وستُحرر العديدُ من التّقارير حول كيف أمكن وقوع هذا الحدث الكارثي. لكن ما نعرفه الآن بالفعل هو أنّه على غرار ما حدث في العام ١٩٧٣، فإنّ الثّقة المفرطة في تفوق التكنولوجيا الإسرائيليّة والاعتقاد أنّ “حماس” لا تريد الحرب كانا من أسباب هذا الإخفاق([21]).
وبصرف النّظر عن الأخطاء التّكتيكيّة التي ارتكبتها إسرائيل، فإنّ الخطأ الجيوسياسي الأبرز هو الافتراض بأنّ العلاقات مع العالم العربي في اتفاقيات التّطبيع ستستمر في التّحسن، وأنّ ذلك سيَحدث بسبب الوهن الذي حلّ بالأمّة العربيّة من جراء غياب القائد الذي يجمعها ويحلّ مشاكلها، خاصة وأنّ الجامعة العربيّة ليس لها وجود فعال بل تتبع لمقررات أخرى تصدر عن قوى لا يهمها اتحادها أو انفراطها وتفتيتها. كما وأيضًا اعتقاد القيادةُ السياسية الإسرائيليّة أنّه بالإمكان خفض المشكلة الفلسطينيّة إلى مستوى أدنى على سلّم الأهمية كمصدر تهديد، وذلك بسبب غياب الضغط من الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم وتعدٍ على الفلسطينين واعتقالهم يوميًّا وبلا أيّ سبب، من دون أن تسعى إلى تنفيذ القرارات الدّوليّة التي تجبرها على استئناف عمليّة السلام، سعيًّا لتحقيق «حل الدّول تين».
فما هو حل الدّولتين؟
– حل الدّولتين: هو حل مقترح للصراع العربي الإسرائيلي يقوم على تراجع العرب عن مطلب تحرير كامل فلسطين وعن حل الدّولة الواحدة، ويقوم هذا الحل على أساس دولتين في فلسطين التاريخيّة تعيشان جنبًا إلى جنب، هما دولة فلسطين إلى جانب الكيان الصهيوني المحتل، وهو ما أُقرَّ في قرار مجلس الأمن ٢٤٢ بعد ١٩٦٧ وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين التّاريخيّة. اعتمد بعض الفلسطينيين هذه المبادئ في العام ١٩٧٤ بالبرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينيّة وقتها، وقد شكلت ما يعرف بجبهة الرّفض. وأصبحت في ما بعد مرجعيّة المفاوضات في اتفاق أوسلو ١٩٩٣ بين منظمة التّحرير الفلسطينيّة وإسرائيل.
ومنذ تأسيس السّلطة الفلسطينيّة العام ١٩٩٤ وهي تفاوض على قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، وقطاع غزة (الذين يشكلان معًا ما نسبته 22% من مساحة فلسطين التّاريخيّة). تقع في هاتين المنطقتين مدن فلسطينية كبيرة مثل القدس الشّرقيّة وغزة ونابلس والخليل ورام الله. وتتخذ السّلطة من مدينتي رام الله وغزة مقرًّا مؤقتًا لمؤسساتها، ريثما تصل المفاوضات لحلّ.
أمّا في الوقت الراهن تخضع منطقتي الضفة الغربيّة وقطاع غزة لطريقة حكم مختلطة، وبينما تتمتع أجزاء معينة منها من حكم ذاتي، ما زالت أجزاء أخرى منها تخضع للاحتلال الإسرائيلي. وتعدُّ مكانة قطاع غزة السياسية معقدة بشكل خاص منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي منها العام ٢٠٠٥ من دون اتفاق بين إسرائيل والسّلطة الفلسطينيّة على طبيعة السّلطة([22]).
وفي هذا الصدد توافقت دول عربيّة؛ والاتحاد الأوروبي في ختام اجتماع قصير لمنتدى الاتحاد من أجل المتوسط في برشلونة، وهو تجمع يضم ٤٣ عضوًا من دول أوروبا وشمال أفريقيا والشّرق الأوسط على أهميّة حل الدّولتين لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد أعلن مسؤول السياسة الخارجيّة في التكتل إنّ جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين حضروا “منتدى الاتحاد من أجل المتوسط” في برشلونة، وكل الحضور تقريبًا، اتفقوا على الحاجة إلى حل الدّولتين وعلى السّلطة الفلسطينيّة(التي لا تمثل معظم الفلسطينيين )إجراء الانتخابات، وتعزيز قدراتها، مشيرًا إلى أن تجنب حدوث “فراغ في السّلطة” هو “الحلّ العملي” الوحيد في المستقبل لقيادة قطاع غزة الذي تديره حاليًّا حركة المقاومة الإسلاميّة الفلسطينيّة (حماس)([23]).
وقد علق وزير الخارجية الأردني بقوله: إنّ الشّعب الفلسطيني يجب أن يقرر من يحكمه وإنّ أي حديث عن إدارة غزة بعد الحرب يجب أن يركز على الضفة الغربيّة وغزة ككيان واحد. كما لفت إلى أن “بعض المشاركين في أعمال المنتدى اليوم ما زالوا يرفضون الدعوة إلى وقف إطلاق النّار”، وطالب بضرورة تنفيذه على الفور، وينص حلّ الدّولتين على إقامة دولة للفلسطينيين في الضّفة الغربيّة وقطاع غزة إلى جانب الدّولة العبريّة([24]).
أمّا وزير الخارجيّة الفلسطينيّة فقد قال: إن السّلطة الفلسطينيّة التي فقدت السيطرة على القطاع في اقتتال مع حماس العام ٢٠٠٧، ليست بحاجة للعودة إلى غزة، مضيفًا: “لقد كنا هناك طوال الوقت، لدينا ٦٠ ألف موظف عام هناك”. محذّرًا من أن استئناف الحرب بمجرد انتهاء الهدنة من شأنه أن يرفع عدد القتلى إلى مثليه لأنّ سكان غزة يتركزون حاليًّا في جنوب القطاع.
ولم يشارك الكيان الصهيوني في هذا المنتدى الذي ألقى وزير الخارجيّة السّعودي كلمة أمامه ممثلا لمجموعة وزراء من جامعة الدّول العربيّة ومنظمة التّعاون الإسلامي([25]).
المقترح المستحيل([26]): خطة وضعتها الحكومة الإسرائيليّة لما بعد الحرب، وتبحث الولايات المتحدة معها إمكانية حل الدّول تين (دولة فلسطينيّة مستقلّة بجانب إسرائيل) إذا استطاعت القضاء على حماس. وبناء على ذلك سيقرر الكيان الصهيوني مع الأميركيين والأمم المتحدة الترتيب الأوّلي للسيطرة على القطاع. ومن الواضح أنّ مثل هذا الترتيب يجب أن يشمل ليس فقط شمال قطاع غزة حتى وادي غزة، بل أيضًا القطاع الجنوبي بأكمله، بما في ذلك منطقة رفح ومحور فيلادلفيا.
في المرحلة الأولى، سيواصل الجيش الإسرائيلي والشّاباك (جهاز الأمن العام) السّيطرة على الأمن في قطاع غزة، لكن إسرائيل ليس لديها أي نيّة للسيطرة على القطاع، وطموحها هو الخروج من غزة في أسرع وقت ممكن، لكن بعد تحقيق الأهداف.
وستكون هناك مرحلة أخرى أو مرحلتان من التّسوية الدّائمة في قطاع غزة تستمر لعدة أشهر، إذ ستكون للسلطة الفلسطينيّة سيطرة مدنيّة على غزة، لكن «الشاباك» والجيش الإسرائيلي سيُسيطران على القطاع، ولديهما حرية العمل في مجالَي الاستخبارات والردع، كما هو الحال في منطقة (ب) في الضفة الغربية.
ويقترح الأميركيون أن تكون في هذه المرحلة قوّة شرطة دوليّة غير أميركيّة في القطاع وعلى أطراف القطاع، ستكون هناك مناطق أمنيّة يمكن للفلسطينيين أن يوجدوا فيها للعمل الزراعي، لكنهم لن يتمكّنوا من البقاء هناك لمدّة طويلة، وبالتأكيد لن يتمكّنوا من حمل السّلاح أو إقامة نقاط مراقبة.
أمّا المرحلة الأخيرة ستكون مفاوضات سياسيّة بين إسرائيل والسّلطة الفلسطينيّة، ربما في إطار مؤتمر دولي، هدفها التّوصل إلى وضع وجود دولتين لشّعبين، مع وجود ممر يربط بين غزة والضفة الغربية.
يرى بعض المحللين في مساعي دولة الاحتلال لحل الدّولتين بعد القضاء على “حماس” أنّه مقترح تشجيعي لتحصل على دعم دولي في حربها على غزة، وبعد تحقيق ما تريد تتنصل وتهرب. وحتى لو صدقت في موافقتها على حل الدّولتين، فالطريق إلى ذلك وفق خطتها المطروحة سيفرغه من مضمونه بناء على بعض النقاط منها:
- حماس ليست منظّمة يمكن حلّها أو القضاء عليها؛ فهي متوغلة بقوة داخل الشّعب الفلسطيني، وإذا رأت أنّ إسرائيل جادة في مقترح حل الدّولتين بشكل عادل فستحل حماس نفسها بنفسها.
– إسرائيل ستكون لها سيطرة أمنية، إذًا أين حلّ الدّولتين؟! الدّولة المستقلة يجب أن تكون لها سيادة، وبالسّيطرة الأمنية الخارجيّة أنت تنسف سيادة الدّولة.
–الفلسطينيون سيرفضون بالتأكيد هذا المقترح؛ فهو غير واقعي، وإذا حاولت إسرائيل فرضه بالقوّة ستتفاقم الأوضاع.
–فكرة سيطرة إسرائيل على قطاع غزة ستكون صعبة ومهمة طويلة الأمد، والتّغيّرات على الأرض ستُغيّر الأفكار بالتأكيد([27]).
المقترح المصري: دائمًا ما تكون الانتقادات الموجّهة إلى مصر لاذعة وقاسية في ما يخص التعامل مع القضية الفلسطينيّة، نظرًا للدور التّاريخي الذي أدّته منذ الحكم النّاصري ومنذ وقوع قطاع غزة تحت الإدارة المصريّة في السنوات التي تلت نكبة ١٩٤٨. فهناك الموقع الجغرافي المصري الحسّاس كونه على تماس مع الحدود الفلسطينيّة، واتفاقيّة كامب ديفيد للسّلام ما بين مصر وإسرائيل، ما يجعل الموقف المصري ملتبسًا بين الالتزام بالاتفاقيات الدّوليّة أو الانحياز إلى الشّعب الفلسطيني.
وقد تلقّى النّظام المصري اتهامات بالمشاركة مع العدو الإسرائيلي في الحصار بتضييق الخناق على معبر رفح، من خلال عدم السّماح تمرير القوافل الطبيّة، والمساعدات الإنسانيّة والمجازر التي ارتكبت بحقّ النّساء والأطفال خلال الحرب على غزة.
ويصطدم المصريّون باستبداد داخلي لا يقلّ وحشيّة وهمجيّة عن سلطة الاحتلال. تكفي الإشارة إلى قرار المحكمة العسكرية بالإسماعيليّة في ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٣، بحبس ٤ متهمين من أبناء القبائل في شمال سيناء، على ذمة القضية رقم ٨٠ لسنة ٢٠٢٣، ليرتفع بذلك عدد المتهمين إلى ٤٧ متهمًا، على خلفيّة تظاهرات “حق العودة” التي طالب فيها آلاف السّكان بالعودة إلى مناطق رفح والشّيخ زويد، بعد سنوات من تهجيرهم قسرًا من قوات الجيش، بغرض تمشيط المنطقة وتطهيرها من الإرهاب([28]) كما يدعون.
وفي ظل تضييق الخناق على أي حراك شعبي يقوم به المصريون، لم يجد الرئيس المصري لإسكات الصوت المعارض لسياسته الرافضة لمواقفه المتخاذلة الداعمة للحليف الإسرائيلي المجرم، سوى تقديم مبادرة حلّ لوفد حركة حماس الذي زار القاهرة مؤخرا لوقف إطلاق النّار في قطاع غزة، والتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل المحتجزين الإسرائيليين بالقطاع، والأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية من ٣ مراحل على النحو الآتي:
المرحلة الأولى:
١- تتضمن صفقة إنسانيّة تمتد من ٧ إلى ١٠ أيام تفرج خلالها حماس عن المدنيين جميعهم لديها من النّساء والأطفال والمرضى وكبار السّن، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد مناسب يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين لديها، وذلك على النحو الآتي:
أ- وقف كامل لإطلاق النّار بكل مناطق قطاع غزة من الجانبين، وإعادة انتشار القوات الإسرائيليّة بعيدًا من محيط التّجمعات السكانيّة، والسّماح بحرّيّة حركة المواطنين من الجنوب إلى الشمال، كذا حركة السّيارات والشّاحنات، في الوقت الذي تلتزم فيه حماس بوقف كل أشكال العمليات تجاه إسرائيل.
ب- وقف جميع أشكال النّشاط الجوي الإسرائيلي، بما في ذلك المسيّرات وطائرات الاستطلاع، بمناطق القطاع جميعها.
ج- تكثيف إدخال المساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة (الأدوية، والمستلزمات الطبيّة، والمحروقات، والأغذية) إلى كل مناطق القطاع، خاصة بين غزة وشمال القطاع.
المرحلة الثانية:
٢- تتضمن المرحلة الثانية الإفراج عن المجندات المحتجزات كلهن لدى حماس، مقابل عدد يُتفق عليه من الجانبين من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين داخل السّجون الإسرائيليّة، كذا تسليم كل الجثامين المحتجزة لدى الجانبين منذ بدء العمليات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، وتمتد هذه المرحلة لمدة ٧ أيام، وفق المعايير والإجراءات في المرحلة الأولى.
المرحلة الثالثة:
٣- يجري خلالها التفاوض لمدة تمتد لشهر حول إفراج حماس عن المجندين الإسرائيليين لديها جميعهم، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد يُتفق عليه من الجانبين من الأسرى الفلسطينيين داخل السّجون الإسرائيليّة على أن تحصل خلال هذه المرحلة إعادة انتشار القوات الإسرائيليّة خارج حدود القطاع، مع استمرار وقف النشاطات الجوية جميعها، والتزام حماس بوقف النشاطات العسكرية جميعها ضد إسرائيل.
وتأتي مساعي إسرائيل للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى خلال هدنة مؤقتة بالتزامن مع تكبّدها مزيدًا من الخسائر في الأرواح والعتاد، ومقتل عديد من أسراها في الغارات التي تشنها على القطاع([29]).
خاتمة: في ضوء ما تقدم من خطط عربيّة ودوليّة لما بعد حرب غزة وما آلت اليه الأمور في ما بعد من همجية الكيان الصهيوني وإجرامه، وعدم اكتراثه بما تسعى اليه الدّول بنية صافيّة أو لمجرد الاستعراض لغسل ماء الوجه أمام جماهيرها الرّافضة المتظاهرة ضد ما يحصل من إبادة للشّعب الفلسطيني في أرضه وعلى مرأى العالم.
ينبغي على الدّول كافة وبالأخص الدّول التي عقدت معاهدات سلام مع العدو الصهيوني، ودول اتفاقيات ابراهيم العربيّة التي قدمت الدّعم غيرَ المشروط لإسرائيل في البداية، وآثرت التّطبيع مع عدو يسفك الدماء العربيّة، ويذبح الأطفال والنّساء وما تبقى من شعب يعاني الشّتات، والظلم منذ ٧٥ سنة، تسخير كل جهودها لاقتناص فرصة التوصل إلى حل حقيقي للصراع، والتّنصل من اتفاقيات العار الملطخة بالدّم الفلسطيني، خاصة ولقد بدأ الرأي العام الدّولي بوضع ما يحدث في غزة في سياقه المناسب.
كما والمطلوب من المجتمع الدّولي([30]) إعادة تأكيد المعايير المتفق عليها بالفعل لتحقيق السّلام الشامل، وإنشاء آلية لتحقيق هذه الغاية من خلال انعقاد مؤتمر، واعتماد قرار يؤكد معايير تسوية شاملة في الشرق الأوسط. هذه المعايير معترف بها دوليًّا بالفعل، وتنعكس في مختلف وثائق مجلس الأمن، وأهمها: القراران ٢٤٢ و٣٣٨، ومبادرة السّلام العربيّة، وحلّ الدّولتين.
ومن المرجح أن تقاوم إسرائيل هذا الأمر. ولكن الوقت حان لترجمة أقوالها إلى أفعال، خاصة وأنها عبّرت علنًا عن دعمها لحل الصّراع، ولو كان كاذبا ضمن هذه المعايير مرارًا على مدى السنوات الماضية. فلا يمكننا أن نضيع الوقت بل يجب أن نغتنم هذه الفرصة التي ستختبر النيات الحقيقية لأولئك الذين يعارضون مثل هذه المبادرة. فهل سيعملون على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة حقيقيّة، أم أنّهم سيشاركون في تعديل شروط الاحتلال؟
المراجع:
١-الجزيرة
٢-الحرة
٣-سكاي نيوز عربية
٤-الشرق الأوسط
٥-العربي الجديد
٦- العربيّة
٧-قدس برس
٨-الفناة الثانية للإعلام العبري
٩-المجلة
١٠-المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، قطر
١١-المعهد الدّول ي للدراسات الإيرانية
١٢-ميغافون
١٣-وكالات
١٤-ويكبيديا
[1] – أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية-كلية الحقوق والعلوم السياسيّة والإداريّة-علاقات دوليّة
Assistant Professor at the Lebanese University – Faculty of Law, Political and Administrative Sciences – International Relations
[2]– ويكبيديا، ٥ نيسان ٢٠١٣
[3]– م. ن
[4]– في جلسة للجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي في ١٠ يوليو ٢٠١٢
[5]– ويكبيديا، م. س.
[6]– المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
[7]– موقع الحرة، واشنطن، ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٣
[8]– المعهد الدولي للدراسات الايرانية، ١٣ اكتوبر٢٠٢٣
[9]– المعهد الدولي للدراسات الايرانية، ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
[10]– القناة الثانية للإعلام العبري
[11]– قدس برس
[12]– هارتس، تشرين تاني، ٢٠٢٣
[13]– المعهد الدولي للدّراسات الإيرانيّة، م. س.
[14]– العربي الجديد، أكتوبر٢٠٢٣.
[15]– الشرق الأوسط، »رغم الحرب في غزة: دول اتفاقيات ابراهيم تحافظ على علاقاتها مع إسرائيل»، ١٣ نوفمبر ٢٠٢٣
[16]– اوفير جاندلمان، المتحدث باسم رئيس الحكومة باللغة الغربية ظهر أكثر من ٢٠ مرة بشبكتي تلفزيزن رائدات في الإمارات: سكاي نيوز عربية والمشهد وأيضًا البحرين. وباسم وزارة الخارجيّة باللغة ليئور بن دافيد يظهر هو الآخر في الشّبكات العربيّة الى جانب محلّلين آخرين من المتحدثين باللغة العربيّة.
[17]– الشّرق الأوسط، »على الرّغم من الحرب في غزة: دول اتفاقيات ابراهيم تحافظ على علاقاتها مع إسرائيل»، م س
[18]– م. ن
[19]– الجزيرة نت، ١٤ كانون أول ٢٠٢٣
[20]– المجلة، ١٦ أكتوبر٢٠٢٢
[21]– العربية، ٣ تشرين تاني٢٠٢٣
[22]– ويكيبديا، م. س
[23]– الشرق الاوسط، منتدى الاتحاد من أجل المتوسط توافق «عربي أوروبي» على أهمية حل الدولتين لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ٢٧ تشرين تاني ٢٠٢٣
[24]– وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، ٢٧ تشرين تاني ٢٠٢٣
[25]– الشرق الأوسط، م. س
[26]– سكاي نيوز عربية، ابو ظبي، نوفمبر ٢٠٢٣
[27]– سكاي نيوز عربية، م. ن
[28]– ميغافون، هل أخفقت مصر في دورهاتجاه فلسطين، ٢كانون الأول ٢٠٢٣
[29]– وكالات، ٢٨ كانون أول ٢٠٢٣
[30]– الشرق الأوسط، م س