التّعايش السّلمي في المنظور الإسلامي وأثره في تحقيق السّلم والسّلام
Peaceful coexistence in the Islamic perspective and its impact on achieving peace and safety
Hamid Chfat Thajeel حامد جفات ثجيل([1])
Dr. Mohammadreza Sotoudehnia د. محمدرضا ستوده نيا (الكاتب المسؤول)(*[2])
تاريخ الاستلام :17-3-2024 تاريخ القبول 27-3-2024
الملخص
إن موضوع التّعايش كما هو معلوم من الموضوعات المهمة، التي يكثر تناولها في وسائل الإعلام ، وقد شعر بأهميته المسلمون وغير المسلمين فعقدت له العديد من النّدوات العلميّة، والمؤتمرات العالميّة، والملتقيات الفكريّة، وهو من الموضوعات التي مازالت تشغل بال المجتمعات الإنسانيّة اليوم بسبب الحروب، والصراعات، ومحاولات الهيمنة التي جعلت التّعايش بين أفراد المجتمعات أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا في بعض البلاد، ومنذ اللحظة الأولى فإنّ القرآن الكريم أرسى مبادئ التّعايش السلمي بين النّاس، فجعل الحكم على صحة العقيدة لله وليس لغيره، وجعل الفاصل في قبول العبادة أن يأمر بها الله، وأن تكون خالصة له، فليس لإنسان أن يحتقر إنسانًا بسبب دينه أو عرقه أو لونه، وبذلك أحيا القرآن مبدأ الأخوة الإنسانيّة، فعمّ السّلام مشارق الأرض ومغاربها، وتعاون النّاس في خدمة الإنسانيّة، وظهرت نماذج الحضارة الإسلاميّة، فكانت نتاجًا لتعاون البشر وفق منهج الله، وسوف تتبع هذه الدّراسة المبادئ التي أرساها القرآن الكريم للتّعايش السّلمي، فتقف على النّصوص القرآنية المتعلقة بذلك، ثمّ تستقصي أُمّات التّفسير، وتعرج على الدّراسات الحديثة في هذا الإطار، وستعتمد هذه الدّراسة المنهج الاستقرائي التحليلي، إذ سنقوم بجمع الأدلة والمقدمات ، ثم نقوم بتحليلها للوصول إلى النتائج العلميّة .
الكلمات المفتاحية: التّعايش السلمي، المنظور الإسلامي، السّلم والسّلام
Abstract
The issue of coexistence, as is known, is one of the important topics that is frequently discussed in the media. Muslims and non-Muslims felt its importance, so many scientific symposiums, international conferences, and intellectual forums were held for it. It is one of the topics that still preoccupies the minds of human societies today due to wars and conflicts. And attempts at hegemony, which made coexistence between members of societies difficult, if not impossible, in some countries from the first moment, the Holy Qur’an established the principles of peaceful coexistence among people. It is not permissible for a person to despise another person because of his religion, race, or, this study will follow the principles established by the Holy Qur’an for peaceful coexistence, examining the Qur’anic texts related to that, then investigating the sources of interpretation, and reviewing modern studies in this context. This study will adopt the inductive and analytical approach, where we will collect Evidence and introductions, then we analyze them to reach scientific results.
Keywords: peaceful coexistence, Islamic perspective, peace and safety
المقدمة
إن موضوع التّعايش كما هو معلوم من الموضوعات المهمة، التي يكثر تناولها في وسائل الإعلام، وقد شعر بأهميته المسلمون وغير المسلمين فعقدت له العديد من النّدوات العلميّة، والمؤتمرات العالمية، والملتقيات الفكرية، وهو من الموضوعات التي مازالت تشغل بال المجتمعات الإنسانيّة اليوم بسبب الحروب، والصراعات، ومحاولات الهيمنة، التي جعلت التّعايش بين أفراد المجتمعات أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا في بعض البلاد.
وجاء القرآن الكريم على فترة من الرسل، وقد كان العرب قبل نزول القرآن قبائل متحاربة، يقتل القوي الضعيف، وتهاجم القبيلة غيرها من القبائل لأتفه الأسباب، بل لم يكن يحتاج الأمر إلى سبب؛ فقد كان يعد من المفاخر أنّ القبيلة قوية تستطيع الهجوم على من تريد، وكان المجتمع القبلي ينقسم إلى طبقات، فكانت طبقة السّادة والزعماء هي أعلاها، ثم تحلّ طبقة الفقراء والضّعفاء، وتأتي طبقة العبيد والجواري في ذيل القائمة، وكانت طبقة السّادة مسلطة على باقي الطبقات، تأمر فتطاع، وتنهي فلا يجرؤ أحد على مخالفتها، وإن تجرّأ على ذلك أحد فله الويل والطرد من حماية القبيلة التي لا يستطيع الحياة من دونها.
فجاء القرآن يعلن عصرًا جديدًا في حياة الإنسانيّة، عصر يجعل النّاس سواسية كأسنان المشط، وإذا كان لا بدّ من المفاضلة بين النّاس فعلى أساس التّقوى وليس غيرها، كما يربط النّاس كل النّاس بربهم، فهو رب النّاس، بل هو رب العالمين، والمؤمن يلقنه القرآن أنّ كل مخلوق هو عبد لله، وكل شيء يسبّح لله، وهو مأمور بالتّسبيح والعبادة لله، فهو يرى الكون من زاوية التربية القرآنيّة صديقًا له، يتعاون معه ويشترك في أعمال العبادة لله، وبهذه النّظرة تكون نظرته للكون كلّه على أنّه صديق وشريك، وأنّه مع كل المخلوقات ملك للخالق، فتنتهي أسباب العداوة، وتنتفي أسباب الخصومة.
إنّ من الصعوبات المهمّة التي واجهت الباحث هي كثرة المصادر، وتشعّبها ما أدى الى إرباك الباحث، وتشتت الأفكار والتي تُجُوُزت بفضل الله جلّ شأنه وبتوجيهات الأستاذ المشرف.
ويروم هذا البحث الوقوف على مبادئ التّعايش السِّلميِّ المهمّة في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، وأثرها في تحقيق الوحدة المجتمعيَّة وبناء المجتمع على أُسس الألفة والمحبَّة ونبذ التّفرقة والطَّائفيَّة والعنصريَّة والتَّطرُّف بكلِّ أشكاله وأنواعه.
أمّا الكتب المهمّة التي اعتُمِد عليها فكان تفسير الميزان للطباطبائي، وتفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشّيرازي، وتفسير البرهان للبحراني من المصادر المهمّة التي أعانت الباحث في بحثه.
المبحث الأول: الآيات والأحاديث الواردة في التّعايش السّلمي
إنّ المسلم يستطيع أن يعيش في أي بقعة من الأرض ومع أي شعب من الشّعوب، وفي ظل أي نوع من أنواع الحكم، إذا أتيحت له حرية العقيدة وممارسة واجباته الدّينيّة، وطالما أنه يتمتع بحقوقه بوصفه إنسانًا ومواطنًا.
المطلب الأول: الآيات الواردة في التّعايش السّلمي
وبناء على ما سبق فإنّ التّعايش بين المسلمين وغير المسلمين المسالمين مشروع، والنصوص التي تدل على ذلك كثيرة منها:
1ـ قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾([3]).
دلت الآية على “مشروعية الإحسان إلى غير المسلمين الذين لم يعادوا المسلمين ولم يقاتلوهم في الدين”([4]).
والإحسان المذكور في هذه الآية يكون بالرّفق بضعيفهم، وسدّ خلّة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم، والدّعاء لهم بالهداية، ونصيحتهم في أمورهم جميعها في دينهم ودنياهم، وصون أموالهم، وعيالهم، وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يُعانوا على دفع الظلم عنهم، وهذا يدل على مشروعية التّعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم([5]).
- قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾([6]).
إنّ المهمة التي كّلف الله تعالى الإنسان ﺑﻬا منذ أنزله إلى الأرض هي عمارة الأرض، وهي منوطة بالإنسان بوصفه إنسانًا، سواء أكان مؤمنًا أو كافرًا، فهو يمتاز عن المخلوقات جميعها بالعقل الذي أكرمه الله به، وبتسخير ما في السّماوات والأرض جميعه لخدمته؛ ولذلك فقد استطاع بالعقل أن يكتشف نواميس الموجودات كلها ويستفيد منها، وانتقلت هذه الاكتشافات بين النّاس، فكانت المجتمعات تأخذ عن بعضها حتى تراكمت علوم الإنسان في رحاب الحضارة المعاصرة ووصلت إلى نتائج لا تخطر على بال.
إنّ عمارة الأرض مهمة يشترك فيها النّاس جميعهم، مسلمين وغير مسلمين، إنّهم يعيشون على أرض واحدة، ويتمتعون بإمكانات واحدة، فالعيش المشترك والتّواصل قدرهم جميعًا، حتى يتمكنوا من القيام بالمهمة التي كلفوا ﺑﻬا.([7]).
- قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ([8]).
الآية فيها الدعوة للتّعارف، وهو يستلزم التّعايش بين جميع النّاس بعيدًا من العصبية للجنس، أو اللون، أو العرق، وأنّه لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى ([9]).
- قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([10]).
الآية أحلّت طعام أهل الكتاب ونساءهم، وهما أمران يستلزمان التّعايش والتساكن.
- قوله تعالى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([11]).
وجه الدّلالة: بين الله التّعامل مع الوالدين إذا كانا كافرين، وكان الولد مسلمًا، أي: صاحبهما صحبة إحسان إليهما بالمعروف، والبعد من الإساءة إليهما بالقول، أو الفعل، والحرص على طاعتهما، وتقديمهما على كل شيء إلّا على طاعة الله، ورسوله فإنهما مقدمتان على كل شيء([12]).
- قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾([13]). إنّ الله تعالى حثّ على العفو والصفح عن جميع النّاس دون تمييز بين مسلم وغيره. ([14])
ينطلق مفهوم التّعايش الدّيني بين المسلم والآخر على مبدأ عظيم، وهو الحرّية والتّسامح الذي يعترف بحقوق وحرية الآخر في اعتقاد الدين الذي يراه ، وهذا ما قرره القرآن الكريم قال تعالى : ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ ([15])، وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾([16]) ، ولعل سورة الكافرون كانت نبراسًا لتأصيل التّعايش وخاصة الآية الكريمة ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾([17])، فهذا اعتراف من القرآن الكريم بوجود أديان أخرى، ولذا لا بدّ من وجود علاقة تربطنا مع أهل الأديان مبنيّة على التّسامح.([18])
هذا النوع من التّعايش له أثر كبير في العلاقة بين الإسلام والآخر، فالعلاقة الاجتماعيّة بين الإسلام ربطت من خلال عدة أسس اجتماعيّة تواصليّة ومن أبرز هذه الصور، صورة الزواج بنساء أهل الكتاب، وهذا له دور كبير في ربط ومتانة العلاقة، حيث يكون المسلم صهراً لأهل الكتاب، والأبناء يكونون أكبر امتداد بينه وبين الآخرين، ومن خلال التكافل الاجتماعي الذي لا يفرق بين مسلم وغيره، وكذلك العمل من أجل حياة اجتماعية عالية لجميع أفراد المجتمع([19]).
المطلب الثاني: الأحاديث الواردة في التّعايش السّلمي
تطرح اليوم قضية التسامح الاجتماعي والتّعايش السّلمي بوصفه حلًّا حضاريًّا للخروج من الأزمات والفتن الطائفيّة، “في حال أنّ روآيات أئمة أهل البيت عليهم السّلام ترسم بدقةٍ عاليةٍ خارطة الطريق لتعامل وتعايش أتباعهم مع أتباع بقية المذاهب الإسلامية”. ([20])
هذا النّموذج التّعايشي الذي قدمه أئمة أهل البيت عليهم السلام مبنيٌ على أسس تتوافق مع نظرة الدين للإنسان وعبودية الله وتوحيده سبحانه وتعالى، بمعنى أنهم قدموا للمجتمع مناهج التّعامل العقلاني وسبل الخروج من الفتن السياسيّة والاجتماعيّة على أساس النّظام التّوحيدي والفكر الإسلامي في الأبعاد الاجتماعية ([21]).
لقد أكدوا مرارًا أن الذي يروجونه ويقدمونه للأمة الإسلاميّة هو سنة، وسيرة جدهم محمد صلى الله عليه وآله. ومنها: عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله قول الله عز وجل”.([22])
إنّ هذه هي نفس السّلسلة الذّهبيّة التي قالها الإمام علي الرّضا عليه السّلام في نيسابور، ونقل بهذا السند الحديث القدسي الشّريف: “كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني آمن من عذابي” ([23]).
ونحن اليوم علينا اتباع مدرسة أهل البيت عليهم السّلام في تعاملنا مع النّاس أنّ نمثل هذا المنهج. علينا أن نعمل في البعديين نفسهما، إذا أردنا أن نلفت انتباه النّاس بتراث أهل البيت وننشر محاسن كلامهم التي هي في الحقيقة سنة جدهم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، فينبغي أن نعمل بالأبعاد التي عمل بها أئمة أهل البيت عليهم السّلام.
وأمير المؤمنين هنا يؤكد على ذلك من خلال رسالته لمالك الأشتر والتي ذكرت في نهج البلاغة فيقول: “النّاس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق” ([24]).
إنّ المعنى الواضح من هذه العبارة هو أن أمير المؤمنين يقسم النّاس إلى قسمين: إمّا داخلٌ في دائرة الإسلام سواء أكان سنيًّا أو شيعيًّا أو خارجًا من الأمة الإسلاميّة فهو نظير لنا في الخلق، والإمام عليه السّلام لم يشترط الالتزام بمذهب معين لتحقق الأخوة بل أنّه عدّ الإسلام معيارًا لإثبات ذلك ([25]).
وبالإسناد عن صفوان بن يحيى عن أبي أسامة زيد الشّحام قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) “اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجّل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السّجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله) أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برًّا أو فاجرًا، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع النّاس قيل هذا جعفري، فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السّرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر، والله، لحدثني أبي (عليه السلام) أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (عليه السلام ) فيكون زينها آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه آدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث) ([26]).
أوصى الإمام الصّادق في هذا الحديث أتباعه بهذه الوصايا الأخلاقيّة التي إذا تحققت في حياتنا الفردية، والاجتماعية لتنعم بالجنة في الدّنيا قبل أن نرحل إلى الآخرة، ويؤكد أنّ هذه الوصايا الأخلاقيّة جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله فمثلاً كان يركز كثيرًا على مسألة الأمانة وكان يوصي المسلمين أن يؤدوا الأمانة في أصغر الأمور لمن ائتمنهم برًا كان أو فاجرًا، ومن خلال ذلك اُشتهر بمحمد الأمين صلى الله عليه وآله. ([27])
المبحث الثاني: أسس ومبادئ التّعايش السلمي في الإسلام
إن موضوع التعايش كما هو معلوم من الموضوعات المهمة، التي يكثر تنأولها في وسائل الإعلام ، وقد شعر بأهميته المسلمون وغير المسلمين فعقدت له العديد من الندوات العلمية، والمؤتمرات العالمية، والملتقيات الفكرية، وهو من الموضوعات التي ما زالت تشغل بال المجتمعات الإنسانية اليوم بسبب الحروب، والصراعات، ومحأولات الهيمنة، التي جعلت التعايش بين أفراد المجتمعات أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً في بعض البلاد.
المطلب الأول: وحدة التكوين والأصل الإنساني وأصل الأديان السّماوية
لم يكن معنى التّسامح سائدًا، إذ كان قانون الغلبة والقوّة هو الذي يحكم العالم ويقسمه على أساس الغالب والمغلوب، يقول البعض: “إنّ العالم كان يسير على قانون الغابة في علاقات الدّول والقبائل بعضها مع البعض، فكل دولة تبغي على الأخرى ولا مانع يمنعها إلّا إن تكون ضعيفة لا تقوى على الاعتداء أو يكون ثمة ميثاق يحترم ما بقيت القوتان متعادلتين، فإن أحست إحداهما بضعف الأخرى انتهزتها فرصة سانحة، وانقضت عليها لا ترقب فيها إلّا ولا ذمة ولعل هذا هو الأمر اليوم” ([28]).
في حينها نزل القرآن الكريم متضمنًا القيم السّماوية التي ترتفع بالإنسان من المستويات الهابطة والغرائز الحيوانيّة، وتسمو به نحو مكانة مرموقة ومقام يليق بكرامة الإنسان ومنزلته عند الله، فانتقل به فعلاً من روح الأنانية والجشع وسوء الاستغلال الأخوة الإنسان والظلم والطغيان إلى روح العدالة والأخوة والإيثار والمحبة والتّسامح، فكان الإسلام بحق ثورة على كل ما يهبط بمستوى الإنسان، وهذا ما دفع بالصّحابي ربعي بن عامر إلى القول في مجلس يزجر قائد الفرس: “إن الله بعثنا لنخرج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدّنيا إلى سعة الدّنيا والآخرة” ([29])، وهذه القيم والمبادئ هي التي صاغت شخصيّة الرّسول، وهي التي جعلت منه مثلا أعلى يقتدي به مثل افعاله واخلاقه وثباته في الحرب والشدائد وعند الليونة([30]). قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾([31])، وهي التي أصبحت فيما بعد سمة من سماته التي تخلق بها وتعامل مع محيطه على ضوء تلك المبادئ والقيم، فكان بها يأسر القلوب والعقول وبها أيضًا اجتمع له النّاس رجالًا ونساء، عرب وعجم، مشركين وأهل كتاب، ولولا تلك المباديء والقيم الأخلاقيّة ما كان لدعوة الإسلام أن تنمو وتقوی وتنتشر، قال تعالى: ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾([32]) حتى قيل إن رسول الله كان يختم ويهتم، ويشاورهم في أمور الحرب والمدينة على الرّغم من مخالفتهم له وكذلك فقد سار أهل البيت على النّهج والسّلوك نفسه كالإمام علي والحسن والحسين، والسّجاد والباقر والصادق وصولًا الى الإمام المهدي، وهذه المبادئ والقيم التي صاغت شخصيّة الرّسول ألم تكن لمرحلة مؤقتة، أو تكتيكة مرحليّة، بل نجده يدعو إلى الرّحمة والشفقة والعدالة والأُخوة والعفو والتّسامح، وهو في مكة ملاحق مبتليه بشتى أنواع الاستهزاء والسّخرية، ويدعو إلى القيم نفسها وهو يدخل مكة فاتح ومعه عشرة آلاف من الصحابة لا يصدّه عنها أية قوة في الجزيرة العربية فينادي في أهل مكة: “أذهبوا فأنتم الطلقاء”([33]).
وقد تكرر الخطاب القرآني مذكرة النّاس بانتسابهم إلى أب واحد هو آدم لقوله تعالى:﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ ([34])، وقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَم لَا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّة﴾ ([35]).وقد ورد عن الرسول الله (ص)، في وسط أيام التشريق فقال: “يا أيها النّاس ألّا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلّا بالتّقوى…”([36])، ومن ثم خلق الله سبحانه وتعالى النّاس شعوبًا وقبائل وجعل التواصل والتعارف قاعدة للتعامل فيما بينهم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ([37]).ويرى الباحث أنّه تترتب على هذه الوحدة مبادئ مهمة منها مبدأ الأخوة الإنسانيّة، والعدالة ومبدأ التّعارف والتّواصل والتّعاون على البرّ، والتقوى وأهمها مبدأ التّسامح لذا فالإسلام ينظم العلاقات الإنسانيّة على أساس الوحدة الإنسانيّة الجامعة لا على أساس المظاهر المفرقة، من تعصب للقبيلة أو اللغة أو الوطن، ولا على أساس الغني والفقر أو العلم والجهل، ولا يمكن إقامة علاقات إنسانيّة صالحة للبقاء إلّا على أساس الوحدة الإنسانيّة والعدالة.
واعترف الإسلام بالأخوة الإنسانيّة النسبيّة المشتركة بين بني آدم بجانب إقراره بالإخوة الخاصة بين المؤمنين، وهذه الأخوة الإيمانيّة لا تنفي وجود علاقات وروابط بین المسلمين وغيرهم. لتشكل قاعدة للحياة المشتركة، فهناك ألوان من الإخوة يعترف بها الإسلام غير الأخوة الدّينيّة كالأخوة الوطنية والأخوة القوميّة والأخوة الإنسانيّة. ويستعمل القرآن الكريم مصطلح الأخ في خطاب الأنبياء مع أقوامهم المشركين. لقوله تعالى: ﴿إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون﴾([38])، وكذلك ﴿إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون﴾([39])، وكذلك قوله: ﴿إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون﴾([40])، و﴿إذ قال لهم أخوهم هو ألّا تتقون﴾([41])، والمقصود بها الأخوة الإنسانيّة المبنيّة على الود والحبّ والعطف والرحّمة. كما لقوله تعالى: ﴿إنّك لا تهدي من أتيت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين﴾ ([42]) أي أحببت هدايته. وقد أكد الإسلام أيضًا على تساوي النّوع الإنساني في الخلق بصرف النّظر عن الجنس أو العرق أو اللون وتجب مراعاة المساواة التامة بين البشر دون تمييز أو تفريق بين طائفة وأخرى، أو بين فرد وآخر، استنادًا إلى بعض المعايير الخارجة عن إرادة البشر كالنوع “ذكر أو انثی”، أو اللون “أبيض وأسود”، أو العنصر واللغة (عربی وأعجمي). وإنما التفاضل والتمايز يكون بالتقوى والعمل الصالح. لقوله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾([43]). واختلاف الأجناس والألوان والألسنة يجب أن يكون مدعاة لتحقيق الاتصال، والتّعارف والتآلف بين البشر، والتّعاون في مجال القضايا المشتركة، وتبادل الاحتياجات وليس سبيلًا للتناكر والتنافر والتقاتل التنازع. كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ﴾([44]). ومن المعلوم أنّ أحكام الدنيا تختلف عن أحكام الآخرة. ففي الدنيا وانطلاقًا من مبدأ وحدة الأصل الإنساني وتكريم الإنسان وحرمة الإكراه والظلم عليه، تجب مراعاة المساواة في الكثير من الحقوق والواجبات، والمسلمون غير مكلفين بمحاسبة الكافرين على كفرهم، لأنّ الحساب على ضلال الضالين وكفر الكافرين ليس في هذه الدنيا، ولكن في الآخرة وليس موكولًا إلى المسلمين ولكن إلى الله الحكم العدل سبحانه وتعالى([45]). قال الله تعالى مخاطبة رسوله: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير﴾ ([46]).ويبدو أنّ مبدأ العدل والمساواة الذي تقرره الشّريعة الإسلاميّة للناس كافة ليس خاضعة لأي استثناء ذلك إنّ أساس هذا المبدأ وعلته هي وحدة الأصل الإنساني، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([47])، أمّا التقوى التي تشير النّصوص إلى تفاضل النّاس بها فلا تأثير لها على تطبيق مبدأ المساواة في حياة النّاس. ذلك إنّ محلّ التّفاضل بالتقوى في الآخرة، لا في الدنيا، أمام الله، لا بين النّاس، ولكن لا شك إنّ المساواة ليس على إطلاقه فهناك تمايز بين المسلمين والآخر في المسائل الداخلة في أمور الدين، أمّا الأمور الدّنيويّة الصرفة فهو المقصود به من مراعاة المساواة التّامة. وتقرر مبادئ حقوق الإنسان مساواة النّاس كلهم أمام الشّرع والقانون، أي من ناحية الحقوق والواجبات والمشاركة في الامتيازات والحماية دون تفضيل العرق أو جنس أو طبقة أو دين فالنّاس أمام الشرع والقانون سواء ([48]).أمّا في نظر الشّريعة الإسلاميّة فلا تختلف حقوق الآخر، وواجباته إلّا فيما يقتضي اختلاف العقائد لأنّه كما إن التّسوية بين المتساوين عدل فإنّ التّسوية في الأوضاع غير المتساوية ظلم وفي ذلك تأكيد لمبدأ المساواة، فحمل المسلمين على ما يخالف عقيدتهم أو الذميين كذلك هو طعن في مبدأ العدالة والمساواة كأن يحمل الذمي على ترك الخمر أو المسلم على منع الطلاق([49]).
المطلب الثاني: صيانة كرامة الإنسان وتنظيم الاختلاف بين البشر
يصور القرآن الكريم الإنسان على أنه خليفة الله في الأرض قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾([50])، وهو الذي اختاره الله سبحانه وتعالى من بين سائر خلقه وفضله على غيره من المخلوقات كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا([51])، وشرفه بالنفخ فيه من روحه كما بين في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾([52])، وأمر ملائكته بالسجود لآدم كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([53])، وسخر له ما في الكون و أورثه الأرض وكلفه بعمارتها كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾([54])، وخيره بين الإيمان والكفر، فأرسل له الرسل مبشرين ومنذرين ومن عليه بنعمة العقل”أقبل فأقبل”([55]) فهو المقصود غاية وهدفة من انبعاث الرسل، وإنزال الكتب والصحف بما يحقق سعادته في الدنيا والآخرة ويرشده إلى الخير والهداية، ويحذّره من الشر والغواية ويحرر عقله من الشرك والأوهام ونفسه من الجشع والحرام ويلزمه بأحكام الشريعة التي تجلب المصالح وتدرأ المفاسد في العاجل والأجل لأ الشريعة الإسلامية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد”. وتتجلی مظاهر التكريم الإلهي للإنسان في أمور شتى منها:
إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأعطاه حرية الاختيار، قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾([56])، ولم يجبره على اعتناق دين أو عقيدة دون رضاه واختياره وخلق آلة السمع والبصر والفؤاد ليسمع ويرى ويفكر بما هو الأصلح والأحسن له. ونهي عن الإكراه على اعتناق الدين. قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾([57])، مع الإقرار بأنّ الإسلام هو الدّين الحقّ والذي يقبله الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ([58]).وتتجلى أيضًا في حماية الإنسان من كلّ اعتداء، وظلم من دون تفريق بين مسلم وكافر فحقّ الحياة الكريمة مكفول للجميع، فيجب على الأفراد والمجتمع والدولة حماية هذا الحقّ من كل اعتداء واتخاذ الوسائل اللازمة لتأمين الغذاء والطعام والدواء والأمن له. فيحرم قتل الإنسان مسلمًا كان أم كافرًا إلّا لأسباب معينة ومحددة. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾([59]). ومنه حرمة الإنسان الميت فنهى الرسول عن التمثيل ولو كان من الأعداء والمحاربين، وحتى الحيوانات فقد حرم الرسول الاكرم التمثيل بها كما قال: “المثلة حرام ولو بالكلب العقور”. ([60])فكان رسول الله إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرة ثم قال: “أغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا…”([61]). ودعا إلى احترام الجنائز عامة فقد ورد عنه: “إنّ النّبي مرت به جنازة فقام. فقيل له يا رسول الله إنّها جنازة يهودي فقال: أليست نفسًا”([62]). أي ما دام إنسانًا فلا بدّ إن يكرم. ونهى الرسول عن كل ما من شأنه امتهان حرمة الإنسان، وانتقاص مكانته من استعباد وإذلال وظلم ويبدو أنّ الإسلام حفظ الحياة المعنويّة للإنسان فحرّم سوء الظن والتّجسس والغيبة، وجعل للمسكن حرمة ونهي عن القذف وتتبع العورات وحرم كل أنواع الإيذاء والاعتداء والتّعذيب الحسي والنّفسي. وروى إنّ هشام بن حكيم مرّ على أناس من الأسباط قد أقيموا في الشّمس فقال ما شأنهم؟ قال حبسوا في الجزية. فقال هشام: أشهد أني لسمعت رسول يقول: “إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون النّاس في الدنيا”([63]). ومنع رسول الله ضرب الرقيق، وقد ورد إن رسول الله، قال: “من ضرب غلامًا له حدا لم يأته” أي: جزاء وعقوبة فهو مفعول من أجله، وقوله: لم يأته صفة له، أي: لم يفعله، يعني: لم يفعل موجبه” أو لطمه فإنّ كفارته أن يعتقه”([64])، بل بلغ تكريم الرسول للإنسان أنّه نهى عن التلفظ بكلمة العبد والأمة. فقد ورد أنه قال رسول الله: “لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي” ([65]).
المبحث الثالث: أثر التّعايش السلمي على الفرد والمجتمع
من المعروف والثابت أنّ الاختلاف حقيقة فطريّة وحالة طبيعيّة عند الإنسان وأنّ التّعددية والاختلاف بين البشر في العقائد والأديان والأمم، والشّعوب واللغات والألوان في التصور الإسلامي سنة إلهية ثابتة لا يمكن تبديلها ولا تحويلها، وأنّها واقعة بمشيئة الله تعالی المرتبطة بحكمته.
المطلب الأول: أثر التّعايش السّلمي على الفرد
لقد بين القرآن الكريم أن التنوع والاختلاف بصيغ مختلفة منها إرسال الرسل، والأنبياء بشرائع مختلفة قال الله تعالى: ﴿كَانَ النّاس أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاس فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([66])، يقول العلامة الطبطبائي: “كان النّاس أمة واحدة يعيشون بعيدًا من الخلافات وبعد الخلاف أرسل الله الرسل مصحوبين بالقوانين السماوية من اجل حل خلافاتهم”([67]).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([68])، وقد بيّن الطبطبائي “أنّ الأصل في إنسانيّة الانسان هو التقوى وليس الانتماء وقد تكون باطنية أو خارجية بصرف النظر عن استخدامها ماديا أو معنويًّا” ([69]).
وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.([70]) وقد بين الطبري في تفسيره: “ولو شاء ربكم لجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل لكل أمّة شريعة ومنهاجًا غير شرائع الأمم الأخرى ومنهاجهم فكنتم تكونون أمّة واحدة لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم، ولكنه تعالى خالف بين شرائعكم ليختبركم فيعرف المطيع منكم من العاصي والعامل بما أمره الله في الكتاب الذي انزله على نبيه من المخالف” ([71]).
فبيّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية إنّ اختلاف الشرائع والمناهج واقع بمشيئة الله لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى وقد بين العلة وهي استباق الخيرات وهذا الاستباق قد يشمل البعد الروحي الإيمانية، كما قال بن كثير: “وهي طاعة الله والتصديق بكتابه القرآن”([72])، وقد يشمل جوانب الحياة المختلفة فكل ما يتحقق به الخير للأمة والمجتمع فهو مطلوب شرعًا.
وفي السياق نفسه أيضأ قال تعالى:﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاس أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاس أَجْمَعِينَ﴾ ([73])، أي كلهم مسلمون على مذهب واحد ولا يزالون مختلفين على حق وباطل ([74]).
يقول بن كثير في قوله تعالى: “إلّا من رحم ربك ولذلك خلقهم” أي: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة، وقال الحسن البصري: “خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره وكذا قال عطاء والأعمش ومالك”([75]).
ورجح الطبري قول من قال بالقولين أي خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره فقال: “وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال وللاختلاف بالشّقاء والسعادة خلقهم لأنّ الله جلّ ذكره ذكر صنفين من خلقه أحدهما أهل اختلاف وباطل والآخر أهل حقّ، ثم عقب ذلك بقوله: ولذلك خلقهم فعم بقوله وبذلك خلقهم صفة الصنفين فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له”([76]).
ويشير القرآن الكريم إلى أنّ قضية الإيمان والكفر لا تخرج عن مشيئة الله سبحانه وتعالى، ولكنّه تعالى على الرّغم من ذلك أعطى للإنسان حرية الاختيار، لحكمه يعلمها هو وحده، لذا فلا يجوز إكراه النّاس على الاعتناق، لأنها قضية خاصة بين الخالق وعبده، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾([77])، ولا يعني ذلك إن الله سبحانه وتعالى يرضى بالكفر، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ([78]).
واختلاف النّاس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع، والمسلم يوقن إن مشيئة الله لا راد لها ولا معقب كما أنّه لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة علم النّاس ذلك أو جهلوه، ولهذا لا يفكر المسلم يومًا إن يجبر النّاس ليصيروا كلهم مسلمين ([79]).
ويبدو أنّ الإقرار بالتّنوع والاختلاف لا يعني قطعًا الرضى به ولسنا هنا بصدد مناقشة مشروعيّة الاختلاف، فمعروف إنّ الاختلاف في الدين ولاسيما في أصوله والأمور القطعية مرفوض تمامًا وأنّ أهل الاختلاف والتفرق هم أهل الشّقاء لذا نهى الله سبحانه وتعالى عن هذا النوع من الاختلاف بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾([80])، أي من بعد ما “جاءتهم البينات والحجج من قبلكم اليهود والنصارى اختلفوا في توحيد الله وأحوال يوم القيامة”([81])، وقد ورد إن رسول الله قال:”لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا”([82]). أمّا الاختلاف في الفروع والجزئيات بين المسلمين فمسموح به، بل هو ضرورة ورحمة اللامة وتوسعة عليها ([83]).وذكر عبد الكريم زيدان: “أمّا اختلاف الفقهاء فيما يجتهدون فيه فهذا لا يدخل في مفهوم الاختلاف المذموم المهلك للأمة وإنّما هو من الاختلاف السائغ غير المذموم” ([84]).وقد فصل طه جابر ذلك هذا النوع من الاختلاف جائز من عصر النّبوة والصحابة، والتّابعين والاختلاف الواقع بين الفقهاء إنما هو توسعة ورحمة بالأمة وعلل ذلك بأن الله سبحانه وتعالى خلق النّاس بعقول ومدارك متباينة إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتّصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام. وأن الاختلاف الذي وقع في سلف هذه الأمة جزء من هذه الظاهرة الطبيعية، فإذا لم يتجاوز حدود الاختلاف بل التزمت آدابه كان ظاهرة ايجابية كثيرة الفوائد ([85]).
المطلب الثاني: أثر التّعايش السلمي على المجتمع
عندما يكون العيش المشترك بين المسلم وغير المسلم أمرًا واقعًا، فإنّه يخضع لمجموعة من القواعد الشرعية التي يلتزم بها المسلم مع غير المسلمين، سواء في مجتمع إسلامي يخضع لأحكام الشريعة، أو مجتمع غير إسلامي كما هو الحال في المجتمعات الغربية، ومن هذه الآثار المهمّة ما يلي.
1ـ الاعتراف بالآخر وكرامته
من المعلوم لدى القاصي والداني أن الإسلام دين يقوم على الاعتراف الإيجابي بالآخر وبكرامته بوصفه إنسانًا بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو عقيدته أو لغته، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُو﴾([86])، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾([87]).
ولئن تضافرت النصوص المؤصلة لمبدأ الاعتراف بالآخر دينًا وثقافة ومنهج حياة، فإنّ ثمة منهجية موازية سلكها الإسلام في تثبيت هذا المبدأ وإقراره، وتتمثل تلك المنهجيّة في النّهي الصريح المأثور عن الشّرع الحكيم عن جميع الممارسات والتصرفات التي تؤدي إلى نفي الآخر، أو إقصائه، أو إكراهه ؛ ذلك لأنّ الاعتراف اللفظي بالآخر لا ثبات له إذا لم يقترن بالاعتراف الفعلي والعملي به، وإمعانًا في هذا، فقد وردت نصوص صريحة تنهى عن نفي الآخر، وتحرّم إكراهه على تغيير دينه وعقيدته، ومن تلك النصوص، قوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾([88])، وقوله جل شأنه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ([89]).وصفوة القول، إنّ التّعايش مع الآخر لا تحقيق له ما لم يكن ثمة اعتراف به وبدينه، وثقافته وأسلوبه ومنهجه في الحياة، فالاعتراف المتبادل هو أسّ التّعايش بجميع صوره وأشكاله.
- 2. الاعتراف بالاختلاف والتعدد والتنوع
إن من سنن الله عز وجل في كونه أنه خلق النّاس مختلفين في الأديان والأعراق والألوان والأفكار، وهذا الاختلاف من إرادة الله تعالى ومشيئته، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آياتهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾([90])، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النّاس وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾([91]).
فالتّعايش مع الآخر يتوقف منطقيًّا على ضرورة قبول الآخر، وقبول التنوع والتّعدد، والإيمان بتعذر إمكانيّة رفع الخلاف والاختلاف معًا نزولًا عند الإرادة الإلهيّة التي اقتضت أن يكون النّاس مختلفين لهذا يكون توهم إمكان تنميط النّاس وجعلهم على موقف واحد أمرًا يخالف المشيئة والحكمة الإلهية، وإن كان لا هذا لا يمنع من محاولة تقليل مساحة الاختلاف، ولأجله يظل التّعارف والحوار والتّفاهم فعلًا مطلوبًا من الإنسان، وهو على كل الأحوال لا يلغي إرادة الله في الاختلاف البشري([92]).
إنّ قيام الحضارات ودوامها وثباتها يتوقف توقف وجود على قبول الاختلاف وضرورة الانفتاح على الآخر والتّعايش معه تعايشًا إيجابيًّا رصينًا، وفي هذا يقول أحد الباحثين المعاصرين: “إن من مقومات الحضارة الإسلاميّة احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله، أو إلغاؤه، أو تذويبه؛ ويشهد تعدد الأقليات الدّينيّة في العالم الإسلامي ومحافظتها على خصائصها العنصرية وعلى تراثها العقدي والدّيني على هذه الحقيقة وأصالتها، إنّ اعتراف الإسلام بالآخر ومحاورته بالتي هي أحسن وقبوله كما هو، لا يعود بالضرورة إلى سماحة المسلمين، إنما يعود في الأساس إلى جوهر الشريعة الإسلامية عقيدة وقيمًا”([93]).
- التّدافع بين الخير والشر، والحق والباطل
تعدُّ سنّة التّدافع بين الخيرّ والشر من السُنن المهمّة التي خلق الله عليها الكون، وجعل كثيرًا من الأمور تسير على نهجها، وأمر الإنسان بالإيمان بها، والسير على وفقها، متمثلًا عبرها ودروسها في سلوكه ومعاملاته، خاصة في التعامل مع الأخر المختلف عنه.
والملاحظ أن القرآن الكريم عبر عن هذه السنة الكونيّة “بالتّدافع” ولم يستعمل كلمة “الصراع” التي يتخذها البعض منهجًا في الحياة، وسلوكًا في التصرفات. فشتان بين التّدافع والصّراع، فالتّدافع مصطلح قرآني له دلالات عظيمة، ترسخ قيم العيش المشترك مع الآخر، وتدعو النّاس إلى التسامح فيما بينهم، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾([94]).
إنّ التّدافع بين المسلمين وغيرهم بوصفه سنة من سنن الله الكونية، لا ترسخ أبدًا لفكرة الصّراع في قلوب المسلمين، بل تدفعهم إلى حتمية القبول بالآخر والعيش معه، والصبر على آذاه، ودفعه بالتي هي أحسن([95])، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ ([96]).
- 4. التعامل الأخلاقي
الأخلاق في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا يتأثر باختلاف الدين، ولا بأيّ شكل آخر، الأخلاق ليست فقط أسلوب تعامل المسلم مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أو قوميته أو دينه، أنها أسلوب التعامل مع النّاس جميعًا، وهكذا كان الرسول يتعامل مع المشركين في مكة، ومع اليهود في المدينة، وكانت أعظم صفة مدحه بها ربه قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾([97])، لذلك أمر الله المسلمين ببر مخالفيهم في الدين، الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتال فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ﴾([98])، يقول المفسرون في تفسير هذه الآية: “عُنِي بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم وقوله: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” يقول: إن الله يحبّ المنصفين الذين ينصفون النّاس، ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم، ويُحْسنون إلى من أحسن إليهم”.[99]
إنّ العيش المشترك في مجتمع واحد لا يمكن أن يقوم ويثبت ويترسخ بدون أخلاق، والأخلاق في الغالب تنبثق من الدين، ومن رسالاته السماوية.
- التعاون
لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون النّاس فيه لتحقيق المصالح المشتركة، وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتى مع المشركين مع وجود الكره لهم بسبب صدهم المسلمين عن المسجد الحرام، إلّا أنّ الله عز وجل بين للمسلمين أنّ هذا الكره لا يجوز أن يدفعهم إلى الاعتداء، وإذا وجدوا مجالًا للتعاون مع هؤلاء المشركين فهو جائز بشرط أن يكون تعاونًا على البر والتقوى، وليس تعاوناً على الإثم والعدوان فقال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.[100] فالجميع في المجتمع الواحد شركاء ومواطنون، وأي عمل يقوم به البعض قد يؤثر على الجميع؛ لذلك لا بد من التّعايش والتعاون؛ لأن الفساد يرجع ضرره على المجتمع، والإصلاح عندما يقوم يعود خيره على الجميع.
الخاتمة
نستنتج مما تقدم أمورًا عدة أكثرها أهمّيّة:
1- إنّ المسلم يستطيع أن يعيش في أيّ بقعة من الأرض، ومع أيّ شعب من الشّعوب وفي ظل أيّ نوع من أنواع الحكم، إذا أتيحت له حرية العقيدة وممارسة واجباته الدّينيّة، وطالما أنّه يتمتع بحقوقه بوصفه إنسانًا ومواطنًا.
2- إنّ المهمة التي كّلف الله تعالى الإنسان ﺑﻬا منذ أنْ أنزله إلى الأرض هي عمارة الأرض، وهي منوطة بالإنسان بوصفه إنسانًا، سواء أكان مؤمنًا أو كافرًا، فهو يمتاز عن المخلوقات جميعها بالعقل الذي أكرمه الله به
3- ينطلق مفهوم التّعايش الدّيني بين المسلم والآخر على مبدأ عظيم، وهو الحرية والتّسامح الذي يعترف بحقوق وحرية الآخر في اعتقاد الدين الذي يراه.
4- المجال المهم الذي ركّز عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان تنظيم التّعامل الاجتماعي، والثقافي والسياسي لاتباعهم مع أتباع المذاهب الإسلاميّة الأخرى. ولقد جمعوا عليهم السّلام بين هذين البعدين بشكل جيدٍ، ولم يروا أي تناقضٍ أو تضادٍ بين حفظ هوية الذات والتّعامل الاجتماعي الصحيح مع الآخر، وفي الحقيقة أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا روادًا وحملة الراية في ترسيخ الحياة الاجتماعية والتعايش السلمي بين المسلمين.
5- إنّ تطبيق منهجية أهل البيت عليهم السّلام في العلاقات مع الناس معجزة بحق ذاتها، ويوجد الكثير من النماذج على ذلك، والتي توجب علينا سمعها ورؤيتها وتجربتها بأنفسنا.
المصادر والمراجع
القران الكريم
- أخلاق الأنبياء في القرآن والسنة – دراسة تطبيقية، د. أحمد عبد الكريم قاسم جواد، دار الغرب العربي، بيروت، ط1، 2007.
- أخلاق أهل البيت، محمد أمين زين الدين، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط2، 2008.
- الأخلاق من منظور التعايش، محمد تقي فلسفـي، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر، بيروت، ط5، 1992م.
- أدب الاختلاف في الإسلام، طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2013م.
- الإسلام والمسيحية بين ذهنية الصراع وحركية اللقاء، محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت، ط5، 1997.
- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، مؤسسة البعثة، بيروت، ط1، 1413هـ – 1992م.
- بحار الأنوار الجامعة لدرر الائمة الاطهار، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت: 1111هـ)، تح: لفيف من العلماء، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ط1، 2004.
- بحوث في القرآن الحكيم، محمد تقي المدرسي، دار محبي الحسين، طهران ـ إيران، ط1، 2000م، 1420هـ.
- بحوث في تفسير القرآن، جمال الدين عياد، دار الحمامي، مصر، ط6، 2010.
- البرهان في تفسير القرآن، هاشم سليمان التوبلي البحراني (ت: 1107 هـ)، مؤسسة البعثة، إيران، ط3، 1415هـ.
- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205هـ)، تحقيق: عبد العليم الطحاوي، مطبعة حكومة الكويت، ط1، 1968م.
- تحف العقول عن آل الرسول(ص)، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ط4، 2012م.
- التعايش مع غير المسلمين وأثره في الفكر الإسلامي، أحمد عباس، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ط7، 2009.
- تفسير القرآن العظيم، عماد الدين أبو الفداء ابن كثير (ت: 774هـ)، دار الاندلس للطباعة والنشر، بيروت، ط4، 2002 م.
- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، مطبعة أسوة، ط1، 2003م.
- خطاب الهويات الحضارية من الصدام إلى التسامح، د. علي عبود المحمداوي، دار ابن النديم، بيروت، ط6، 2006.
- دراسات في العقيدة الإسلامية، محسن الموسوي، دار الباقر، بيروت، ط2، 2013م.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الثناء السيد محمود بن عبد الله الآلوسي (ت 1270هـ)، دار الفكر، بيروت، ط5، 1978م.
- السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة البلاغ، دار سلوني، بيروت – لبنان، ط4، 2012.
- الصافي، الفيض الكاشاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 2016.
- الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتاب – مصر، ط4، 1987م.
- صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت 256هـ/869م)، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1401هـ.
- العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، دار الجيل، بيروت، ط3، 2012.
- القيم والمصالح أساس العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، محمد علي التسخيري، مجلة ثقافتنا، مج1 , ع1 , 2003.
- لسان العرب، محمد بن مكرم ابن منظور (711هـ)، تح: عامر أحمد حيدر، ط5، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 2005م.
- المبادئ العامة والقواعد الكلية للتعايش السلمي والتعاون الإنساني، د. علي القرة داغي، دار المحجة، بيروت، ط4، 2009.
- وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104هـ)، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت، ط2، 2007.
محمد رضا ستوده نيا
حامد جفات ثجيل
[1] – طالب دكتوراه علوم القران والحديث، كلية الالهيات ومعارف أهل البيت عليهم السّلام، جامعة أصفهان. إيران
PhD student in Quranic and Hadith Sciences, Faculty of Theology and Ahl al-Bayt Studies, University of Isfahan, Iran -Email: hamidthajeel@gmail.com
[2] – الأستاذ المشارك، قسم علوم القران والحديث، كلية الإلهيات ومعارف أهل البيت عليهم السلام. جامعة أصفهان، إيران
Associate Professor, Department of Quranic sciences and hadith, Faculty of Theology and Ahl al-Bayt Studies, University of Isfahan, Iran. (Responsible author)- Email: m.sotudeh@ltr.ui.ac.ir
2- البرهان في تفسير القرآن، هاشم سليمان التوبلي البحراني (ت: 1107 هـ)، مؤسسة البعثة، إيران، ط3، 1415هـ: 7 \ 187.
3- ينظر: المصدر نفسه :7 \ 187.
5- ينظر: تفسير القرآن العظيم، عماد الدين أبو الفداء ابن كثير (ت: 774هـ)، دار الاندلس للطباعة والنشر، بيروت، ط4، 2002م: 5 \ 211.
7- ينظر: التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، مطبعة أسوة، ط1، 2003م :4 \ 131.
10- ينظر: الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطبطبائي، مؤسسة العالمي للمطبوعات، بيروت- لبنان، ط4،1997م: 11 \ 78.
12- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، مؤسسة البعثة، بيروت، ط1، 1413هـ – 1992م :9 \ 102.
16- ينظر: مختصر الميزان في تفسير القرآن، كالنتري، دار الأسوة للطباعة والنشر، ط3، 1408: 145.
17- ينظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الثناء السيد محمود بن عبد الله الألوسي (ت 1270هـ)، دار الفكر، بيروت، ط5، 1978م :11 \ 117.
[20]– أخلاق الأنبياء في القرآن والسنة – دراسة تطبيقية، د. أحمد عبد الكريم قاسم جواد، دار الغرب العربي، بيروت، ط1، 2007: 76.
[21]– ينظر: المجتمعات الإنسانية، سليم محمد كريم، دار الصفوة، بيروت، ط2، 1999: 177.
[22]– تحف العقول عن آل الرسول(ص)، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، مؤسسة العالمي، بيروت، ط4، 2012م: 195.
[23]– مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري (ت1320هـ)، التحقيق والطباعة والنشر: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، إيران، ط2، 1412هـ: 43.
[24]– بحار الأنوار، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط3، 1403هـ :59 \80.
[25]– ينظر: اخلاق اهل البيت، محمد امين زين الدين، بيروت، مؤسسة الاعلمي، ط2، 2008 :243.
[26]– مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت1111)، تصحيح هاشم رسولي، دار الكتاب الإسلامي، طهران، ط1، 1421هـ:5 \ 100.
[27]– ينظر: الأخلاق من منظور التعايش، محمد تقي فلسفـي، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر، بيروت، ط5، 1992م :1\17.
[28]– العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، دار الجيل، بيروت، ط3، 2012: ۸.
[29]– تاریخ ابن خلدون ، ابن خلدون: ۲ \ ۹۰.
[30]– الصافي، الفيض الكاشاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 2016: ۳ \ ۱۳۹.
[31]– ( الأحزاب: ۲۱).
[32]– (آل عمران: 159).
[33]– بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت: 1111هـ)، تح: لفيف من العلماء، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ط1، 2004: ۹\ ۱۱۸.
[34]– ( الأعراف، 26).
[35] – (الأعراف، 27).
[36]– ميزان الحكمة، الريشهري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط2، 1432ه: 4\ 3629. تاریخ ابن خلدون، ابن خلدون: ۲\ ۹۰.
[37]– (الحجرات الآية: ۱۳).
[38]-( الشعراء: 106).
[39] -(الشعراء: 142).
[40]– (الشعراء: 161).
[41]_ (الشعراء، 124).
[42]_ (القصص: 56).
[43]_ (الحجرات: 13).
[44]-(الحجرات: 11).
[45]– بحوث في القرآن الحكيم، محمد تقي المدرسي، دار محبي الحسين، طهران ـ إيران، ط1، 2000م، 1420هـ: 224.
[46]– (الشورى: 15).
[47]– (الحجرات: 13).
[48]– المجتمع المدني في الفكر الإسلامي، حسن السيد عز الدين بحر العلوم ، مركز النجف للثقافة والبحوث، ط5، 2008م: 151.
[49] – ينظر: بحوث في تفسير القرآن، جمال الدين عياد، دار الحمامي، مصر، ط6، 2010: ۹۳.
[50]– (الأنعام: 165).
[51]– (الإسراء: 70).
[52]– (الحجر: 29).
[53]– (البقرة: 34).
[54]– (هود: 61).
[55]– بحار الأنوار، العلامة المجلسي، باب حقيقة العقل وكيفيته خلقه: 6\ 76.
[56]– (الكهف: 29).
[57]– (البقرة: 256).
[58]– (آل عمران: 85).
[59]– (الاسراء:33).
[60]– وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104هـ) ، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث، بيروت ،ط2، 2007 : ۱۹ \ ۹۷.
[61] – صحيح مسلم، کتاب الجهاد والسير، رقم الحديث 321.
[62]– صحيح البخاري، البخاري : 394.
[63]– ميزان الحكمة ، الري شهري :3 \ 1755.
[64] –سنن أبي داود، كتاب الأدب، رقم الحديث. 4۸۰۷.
[65] –مسند احمد، احمد بن حنبل ، رقم الحديث 785.
[66]– (البقرة: 213).
[67]– الميزان في تفسير القرآن، الطبطبائي: ۲\۱۱۳.
[68]– (الحجرات: 13).
[69] – الميزان في تفسير القرآن، الطبطبائي: 5\ ۳۸۰.
[70] – (المائدة: 48).
[71] – جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري: ۱۰ \ ۳۸۹.
[72]– تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ، ابن کثیر: ۲ \ 58.
[73]– (هود: 118 – 119).
[74]– تفسير الصافي، الكاشاني : ۲ \ ۲۱۹.
[75]– تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن کثیر: ۲ \ 468.
[76]–جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري : 15\ 537.
[77]_ ( يونس: 99).
[78]-( الزمر: 7).
[79]–ينظر: من هدى القرآن ، محمد تقي المدرسي ، دار الهدى، بيروت،ط1، 2015: 49.
[80]– (آل عمران: 105).
[81] – الصافي، الفيض الكاشاني: ۱ \ ۲۷۱.
[82]– مسند احمد، احمد بن حنبل ، رقم الكتاب ۳۰۳۸.
[83]– ينظر: مطارحات في قضايا إسلامية ، محمد الحسيني ، دار الملاك، بيروت – لبنان،ط2، 2013: 4۷.
[84]– السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة البلاغ، دار سلوني، بيروت – لبنان، ط4، 2012: ۱۳۹.
[85]– ينظر: أدب الاختلاف في الإسلام، طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بيرروت، ط1، 2013م: 24.
[86]– (الحجرات: 13).
[87]– (الإسراء : 70).
[88]– (البقرة : 256).
[89]– (يونس : 99).
[90]– (الروم : 22).
[91]– (فاطر : 27، 28).
[92]– ينظر: القيم والمصالح أساس العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، محمد علي التسخيري، مجلة ثقافتنا، مج1 , ع1 , 2003 :40.
[93]– الإسلام والمسيحية بين ذهنية الصراع وحركية اللقاء، محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت، ط5، 1997: 21.
[94]– (البقرة: 251).
[95]– المبادئ العامة والقواعد الكلية للتعايش السلمي والتعاون الإنساني، د. علي القرة داغي، دار المحجة، بيروت، ط4، 2009: 211.
[96]– (فصلت: 34، 35).
[97]– (القلم: 4).
[98]– (الممتحنة: 8).
[99] – محاضرات في تفسير القرآن الكريم، اسماعيل الصدر، تح: سامي الخفاجي، دار الكتاب الإسلامي، ط7، 2004م: 323.
[100] – (المائدة: 2).