المعلم ومهارات القرن الحادي والعشرين
Teachers and 21st-century skills
Hanadi Ahmad AlShafee هنادي أحمد الشّافعي([1])
تاريخ الإرسال:17-4- 2024 تاريخ القبول:29-4-2024
تحميل نسخة PDF
المستخلص
يهدف هذا البحث إلى معرفة مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى عيّنة من المعلمين في مجموعة من المدارس الخاصّة والرسميّة في لبنان، وذلك من وجهة نظر المعلم نفسه ومن وجهة نظر المشرفين والمشرفات التربويين أيضًا. وقد تمثلت عيّنة البحث من 355 معلمًا ومعلمةً ومن سبعة مشرفًا ومشرفة للمواد التّعليميّة المختلفة، وذلك خلال الفصل الأول من العام الدراسي 2023-2024. ولتحقيق أهداف البحث، اعتُمِد على المنهج الوصفي التّحليلي، واستُخدِمت الاستبانة والمقابلة لقياس مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين والمعلمات، وكان التأكد من صدق أدوات البحث وثباتها قبل تطبيقها، واستخدم برنامج الحزمة الإحصائيّة للعلوم الاجتماعيّة (SPSS) لتحليل النتائج. وتظهر نتائج البحث أنّ الدرجة الكليّة لمتوسطات تقدير أفراد عيّنة الدراسة لمهارات القرن الحادي والعشرين، أتت بدرجة كبيرة جدًا بمتوسط حسابي (3.4313) وبانحراف معياري (0.33). وأتت المهارات الحياتيّة والمهنيّة في المرتبة الأولى بمتوسط حسابي (833.49) وانحراف معياري (0.37)، وأتت مهارات التعلّم والإبداع والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.4654) وانحراف معياري (0.36) بمستوى مرتفع وفي المرتبة الثانية، وفي المرتبة الثالثة أتت المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.3302) وانحراف معياري (0.43). ويشير المشرفون إلى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين بنسبة متوسطة لدى المعلمين، وأتى ترتيب المهارات بحسب توافرها لدى المعلمين: مهارات التعلم والإبداع ثم المهارات التكنولوجية والإعلاميّة ثم المهارات الحياتيّة والمهنيّة. ويؤكد المشرفون على أهمية العمل على صقل هذه المهارات وذلك عبر التدريب المستمر والتوجيه والإشراف أثناء الخدمة. وتوصي الباحثة بمقترحات تتعلق بالإعداد التربوي للمعلم قبل الخدمة، والتدريب والتقويم أثناء الخدمة على مهارات القرن الحادي والعشرين، وقدم البحث بعض المقترحات البحثية أيضًا.
الكلمات المفتاحيّة: الإعداد التربوي، مهارات القرن الحادي والعشرين، المشرف التّربوي.
Abstract
The current study aims to identify the level of 21st-century skills among a group of teachers in private and public schools in Lebanon from both teachers’ perspectives and the perspective of educational supervisors. To achieve the study objectives, the researcher used a descriptive-analytical approach and designed a questionnaire that was distributed and analyzed using the Statistical Package for the Social Sciences (SPSS). The researcher applied the questionnaire during the first semester of the academic year 2023-2024, to a random sample consisting of 355 teachers. Moreover, interviews were conducted with seven supervisors for different subjects to collect their perspectives.
The study results showed that the total averages estimated by teachers for 21st-century skills came out to be very high with a mean (3.4313) and a standard deviation (0.33). Life and career skills ranked first with a mean of (3.8349) and a standard deviation (0.37) among all skills, while learning and creativity came in second place with a mean of (3.4654) and a standard deviation (0.36). Information media and technology skills came in third place with an arithmetic mean (3.3302) and a standard deviation (0.43).
On the other hand, the supervisors indicated a moderate level of 21st-century skills among teachers, ranking these skills as follows: learning and creativity skills, followed by Information media and technology skills, then life and career skills. Supervisors emphasized refining these skills through continuous training, guidance, and supervision. The study opened perspectives related to pre-service educational preparation and in-service training and evaluation of 21st-century skills for teachers. Additionally, the study provided some suggestions for upcoming research.
Keywords: teacher preparation, 21st-century skills, educational supervisor . المقدّمة
يشهد عالمنا الحالي سلسلةً من التغيّرات، والتّطوّرات كالتّغيرات المناخيّة وظهور الأوبئة الجديدة إضافةً إلى التّغيرات الاقتصادية، ما فرض مسؤولياتٍ كبيرةٍ وجديدةٍ على صعيد تنمية الموارد البشرية، وهنا أتى التعليم ليؤدب دورًا أساسيًا في بناء المجتمع وإعداد رأس المال البشري، فهو الذي يعمل على إعداد الأفراد وتسليحهم بالمعارف والمهارات، والقيم لمواجهة الحياة وتحمل مسؤولياتها وتحقيق طموحات مجتمعاتهم. فكان لا بُدّ لهذه التغيّرات والتطوّرات من الإلقاء بظلالها على النّظم التّربويّة، فإعداد الإنسان القادر على مواجهة تحديّات القرن الحادي والعشرين يتطلّب إعادة النّظر في تلك النّظم بشكلٍ عامٍ، ونظام إعداد المعلّم بشكلٍ خاصٍ (المفرج، المطيري، و حمادة، 2007)، إذ يعتمد مدى قدرة النّظام التّعليمي على التّعامل مع تحديات المجتمع المتزايدة على كفاءة معلّميه (Jacobsen & Thorslund, 2003). وهذا كلّه يعتمد على وجود معلمٍ قادرٍ على استيعاب الكمّ الهائل من المعلومات، والمتغيرات الجديدة المتسارعة لإعداد جيلٍ يمتلك المهارات اللازمة لمتطلبات القرن الحالي (القواس و المنصوري ، 2020).
فإعداد الإنسان القادر على المواجهة تلك التحديات ومواكبة التطورات لن يكون إلّا بتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين. لذا يُعد اتجاه تنمية مهارات القرن الحادي والعشرين من الاتجاهات المهمة نحو الإصلاح التربوي ورفع جودة التعليم. وقد ظهرت عدّة أطر لتحديد مهارات القرن الحادي والعشرين وتصنيفها، وأجمعت المنظمات العالميّة إجماعًا قويًا على نوعية مهارات، أو كفاءات القرن الحادي والعشرين لتتضمن مهارات التّعاون والشّراكة، التّواصل، الاتصال والمعلومات، الإبداع، التّفكير الناقد وحل المشكلات، ولكن اختلفت تلك المنظمات في تنظيم المهارات وتفصيلها ووزنها وأهميتها (خُميّس، 2018).
وأتت الثورة المعلوماتيّة والتطوّر في مجال التطبيقات التكنولوجية، والحاسب الآلي والبرامج الذكيّة والذكاء الاصطناعي لتفرض تحدياتٍ جديدةٍ على النّظم التّعليميّة، إذ ألزمت تلك النّظم على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عدد من المحاور ومنها تنمية مهارات المعلم، والمتعلم المعرفيّة والاجتماعيّة والحياتيّة (أحمد ع.، 2022). وهنا جاء هذا البحث لينسجم مع التوجهات العالمية في الاهتمام بتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين، والوقوف على مستوى توافر تلك المهارات لدى المعلم المسؤول عن إعداد الشباب للحياة والعمل.
مشكلة البحث وأسئلته: أتت جائحة كورونا لتبرز مدى استعداد المعلم لمواجهة التحديّات ومدى امتلاكه لمهارات القرن الحادي والعشرين، وهنا تبيّن التّفاوت الكبير بين أداء المعلمين، فلقد أبرزت الجائحة أن كُلاًّ من الإعداد الأولي قبل الخدمة، والتدريب أثناء الخدمة بحاجة إلى إصلاحٍ بهدف تطبيق المعلمين لأساليبٍ جديدةٍ خلال العمليّة التّعليميّة (United Nations, 2020)، وأشارت الدّراسات أنّ العديد من المعلمين يفتقرون إلى مهارات تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات الأساسية ما أثر على أدائهم المهني، وظهرت حاجةٌ عالميةٌ لبناء فهم للجاهزية الإلكترونيّة للمعلمين والمدارس، ولتحديث تعليم المعلمين من خلال المناهج والابتكار التّربوي لتلبية احتياجات مجتمعٍ عالمي قائمٍ على المعرفة (UNESCO، 2020). قبل جائحة كورونا، كان العالم يواجه نقصًا في المعلمين المؤهلين والمدربين، فقد كان هناك ما يقدر بنحو 69 مليون معلمٍ جديدٍ بحاجة إلى تلبية الطلب المتزايد لتحقيق التعليم الابتدائي، والثانوي الشامل بحلول العام 2030، وبعد الأزمة، ضُخ الآف المعلمين بكفايات متدنيّة أو بإعداد وتدريب سريعين، فيكون هناك أثرٌ قصيرٌ وطويل الأمد للأزمات على المعلمين، فالقدرة على توفير تعليمٍ جيّدٍ وتحسين نتائج التعلّم ستكون مهمةً صعبةً، ما لم تتم تلبية احتياجات التطوير المهني للمعلمين الحاليين والمستقبليين (UNESCO، 2020). فهل يمتلك المعلم مهارات، القرن الحادي والعشرين وكفاياته التي تخوله إعداد أجيال القرن؟
وفي ظل هذه التحديات والتطورات برزت تساؤلات حول مدى توافر المهارات والمعارف لدى المعلم للتصديّ لهذه الأزمات ولجني ثمار التعليم في عالم اليوم والغد. لذا جاءت هذه الدراسة للتّعرّف على أبرز المهارات التي يمتلكها المعلمين ومدى ملاءمتها مع حاجات المؤسسات التّعليميّة وسوق العمل.
أسئلة البحث: وفي ضوء ما سبق يمكن صياغة مشكلة البحث في السؤال الرئيسي الآتي:
ما درجة توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى معلمي المدارس الخاصّة في لبنان من وجهة نظر المعلمين أنفسهم ومشرفي المواد التّعليميّة؟
ويتفرع من هذا السؤال الأسئلة الفرعية التالية:
- ما هي أبرز مهارات القرن الحادي والعشرين التي يمتلكها المعلمين؟ وما هي المهارات التي يجب اكتسابها؟
- ما أثر متغيّر الجنس، والمؤهل العلمي، وسنوات الخبرة على درجة توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين؟
- إلى أي مدى تتناسب مهارات المعلّم مع ما تتطلبه المؤسسات التّعليميّة وسوق العمل؟
وفي هذا المقال سنكتفي بعرض نتائج ومناقشة السؤال الأوّل من البحث، على أنّ يتبع ذلك نشر باقي نتائج البحث في مقالاتٍ أخرى.
أهداف البحث : يسعى هذا البحث إلى التّعرّف على مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم من وجهة نظر المعلم نفسه ومن وجهة نظر مشرفي المواد التّعليميّة في مجموعة من المدارس الخاصّة. ويهدف إلى التّعرّف إلى أثر متغيّر العمر والجنس وسنوات الخبرة والجامعة، والتّخصص الجامعي على مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم. إضافةً إلى التّعرّف إلى مُتطلبات سوق العمل أو المؤسسات التّربويّة من المهارات لدى المعلم.
أهمية البحث: يكتسب البحث أهميته من أهمية مهارات القرن الحادي والعشرين في مجال التربية والتعليم، إضافةً إلى قلّة الدّراسات التي تناولت تلك المهارات في لبنان، حسب علم الباحثة، وذلك بعد الاطلاع على المقالات والأبحاث المنشورة في المجالات المحكمة، والمواقع المختلقة كموقع شمعة وgoogle Scholar وبعض مواقع الجامعات كجامعة القديس يوسف، إضافةً إلى المؤتمرات ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه المنشورة وغير المنشورة خلال السنوات الخمس الماضية، ويُؤمل أن يساهم البحث في سد ثغرة في مجال البحث التربوي. ويحدد البحث درجة توافر تلك المهارات لدى المعلمين من وجهة نظر المعلم نفسه، والمشرف التربوي للمواد التّعليميّة ما قد يساهم في التّعرّف إلى احتياجات المؤسسات التّربويّة، وقد يُساهم أيضًا في توجيه اهتمام القائمين على برامج الإعداد الجامعي للمعلم إلى أهمية امتلاك المعلم لمهارات القرن الحادي والعشرين. ويمكن أن تساهم نتائج البحث في ضرورة تضمين تلك المهارات في برامج التدريب والتطوير المهني أثناء الخدمة، ويُؤمل أن يساهم البحث في حث المعلمين والمشرفين، والقيادات التّربويّة على ضرورة الاهتمام بمهارات القرن الحادي والعشرين وتوظيفها في العمليّة التّعليميّة التّعلميّة، ويفتح البحث المجال أمام الباحثين لإجراء بحوث ودراسات أخرى متعلقة بموضوع الدراسة.
حدود البحث : يقتصر البحث على الحدود الآتية:
الحدود الموضوعية: اقتصر البحث على التّعرّف إلى مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرون لدى المعلم من وجهة نظر مجموعة من المعلمين، ومن مشرفي المواد التّعليميّة المختلفة.
الحدود البشريّة: اقتصر البحث على عيّنة عشوائية من 355 معلم/ة من مختلف المناطق اللبنانيّة، إضافةً إلى سبعة مشرفي لمواد تعليمية في مجموعة من المدارس الخاصّة، والرسميّة من مختلف المحافظات اللبنانية.
الحدود الزمانيّة: طُبِّق البحث خلال الفصل الأول من العام الدراسي 2023-2024.
الحدود الجغرافيّة (المكانيّة): طُبِّق البحث على مجموعة من المدارس الخاصّة في لبنان.
التعريفات الاصطلاحيّة: عُرفت مصطلحات البحث تعريفًا اصطلاحيًا وإجرائيًا على النحو الآتي:
مهارات القرن الحادي والعشرين: مهارات القرن الحادي والعشرين هي ثلاث مجموعات من المهارات المطلوبة في القرن الحادي والعشرين وهي: مهارات التعلّم والابتكار، ومهارات تقنية المعلومات والاتصالات والمهارات المطلوبة للعمل ومُتطلبات الحياة (Trilling & Fadel, 2009, p. 48). وتعرّف مهارات القرن الحادي والعشرين إجرائيًّا أنّها مجموعة من المهارات التي تساهم في إعداد المعلم القادر، وتكوينه على مواكبة متغيرات القرن الحادي والعشرين، وتحدياته من أجل النجاح في العمليّة التّعليميّة التّعلميّة.
المشرف التّربوي: هو المعلم الذي يشرف على مجموعة من المعلمين، والمعلمات وفاقًا لاختصاصهم العلمي وذلك بهدف مساعدة المعلمين على تطوير أدائهم المهني ومهاراتهن التّعليميّة والتّربويّة.
الإطار النّظري والدّراسات السابقة: يتسم العصر الحالي بالعديد من التّغيرات التي أثرت على مختلف نواحي الحياة، فلا شك أنّ التطوّر السريع أدّى إلى إحداث التغييرات في العمليّة التّعليميّة في جوانبها كافة. فالعولمة والتكنولوجيات الجديدة والتّحديّات البيئية والسياسية تقود عملية اكتساب المهارات، والمعرفة للعيش والنجاح في القرن الحالي، وكانت قد وضحت اليونيسكو في مذكرة بشأن أهداف التعليم لمرحلة ما بعد 2015 التّغير في نوعية ومستوى المعارف والمهارات، والكفايات المطلوبة لرفع مستويات التعلّم. وجاء مفهوم مهارات القرن الحادي والعشرين ليؤكد أهمية بناء قدرات المتعلمين، وتعليمهم المهارات الأكثر فائدة والمطلوبة عالميًّا (المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، 2021)، فالاهتمام بتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين من الاتجاهات الحديثة التي نالت اهتمام الباحثين بهدف إعداد أفراد قادرين على النجاح في العمل والحياة. وخلال العقدين الماضيين وضعت العديد من الأطر حول الكفايات اللازمة للتصدّي لتحديات القرن، ولا تتوفر مقاربة واحدة يُوصى بها ولكن كل إطار مفيد في سياقٍ محدّدٍ. وكان قد أكّد التقرير الذي قدمته اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والذي بعنوان “التعليم ذلك الكنز المكنون” أنّ التعليم مدى الحياة هو مفتاح الدخول إلى القرن الحادي والعشرين. ويعدُّ هذا التّقرير أول أُطر العمل لتحديد الكفايات اللازمة في القرن المقبل. إذ أشار إلى أنّ التعليم يجب أن يرتكز على أربعة محاور أساسيّة وهي التعلم للمعرفة، والتعلم للعمل والتعلم للعيش مع الآخرين، والتعلم لنكون (إثبات الذات) (اليونيسكو، 1996). ومن هنا، فإنّ متطلبات القرن تفرض على النّظم التّعليميّة تزويد الطلاب بمهارات القرن الحادي والعشرين، ولكي نتمكن من تنمية هذه المهارات بفاعلية لدى المتعلمين، فلا بد أن يمتلك المعلم المهارات التي تلبي طبيعة التعليم من جهة وتكسب الطالب مهارات القرن من جهةٍ أخرى (زامل، 2016).
وكانت قد صدرت مرجعيّة دعم جودة التّعليم في لبنان العام 2017 التي وضع من خلالها أطر مرجعيّة تنسجم مع النظام التّعليميّ وتوجّهات السّياسة التّربويّة في لبنان، وتواكب هذه الأطر الاتّجاهات التّربويّة الحديثة، والتّطورات العالميّة وتتماشى مع الأطر المرجعية العالميّة والدّراسات المحليّة التي سبق أن أعدّها المركز التّربويّ للبحوث والإنماء وبإشراف وزارة التّربية والتّعليم العالي. واعتُمِد على المقاربة بالكفايات في بناء الأطر المرجعيّة، وتحديد الملامح المهنيّة للمعلم والتي يمكن توظيفها في عمليّة الإعداد أو آليّة التّوظيف، أو في عمليّة تقييم الأداء أو في التّطوير المهني المستمر. وتلحظ هذه الوثيقة الكفايات المطلوبة لمواجهة تحدّيات القرن الحادي والعشرين وأولوياته وذلك في ضوء الحاجات التّربويّة والاجتماعيّة، والاقتصاديّة للسياق اللبناني. واعتمدت الأطر على مجالات أربع وهي: 1- الممارسات المهنيّة المتخصّصة، 2- العلاقات المهنيّة، 3- التّطوير المهني المستمر، 4- الأخلاقيّات المهنّية. وحدّدت الكفايات التي تشكل مجموعة معارف وقدرات ومهارات متداخلة في كل مجالٍ من المجالات الأربع (الإطار المرجعيّ، دعم جودة التّعليم في لبنان، 2017). ومن هنا لا بُد من التساؤل عن تناسب كفايات الأطر المرجعيّة مع متطلبات المؤسسات التّربويّة، وعن مدى تضمين الأطر المرجعية في برامج إعداد المعلم في مختلف الجامعات الخاصّة والجامعة اللبنانية في لبنان.
فما هي المهارات التي يجب توافرها في معلم الجيل؟ ومن يضمن توفر هذه المهارات لدى المعلم؟ وهل يكون هناك إعداد برامج تدريب مستمر بناءً على تلك المهارات؟ وهل تُقيَّم هذه المهارات ومراجعتها بشكلٍ دوريّ خاصّة بعد الأزمات المتلاحقة على لبنان؟ وإلى أيّ مدى تتناسب كفايات المعلم الخريج مع احتياجات المؤسسات التّربويّة المحلية وتحديّات القرن الحالي؟
ثانيًا: مهارات القرن الحادي والعشرون
تُعد تنمية مهارات القرن الحادي والعشرين مسألةً في غاية الأهمية كونها الحل الأمثل لإعداد الأفراد، إذ إنّ مخرجات التعليم هي عبء إضافي على سوق العمل بسبب الخلل الواضح بين المهارات المطلوبة والمهارات المتوفرة. ونتيجةً لذلك نادت الآراء بضرورة مواءمة مخرجات التعليم، واحتياجات سوق العمل بالإضافة إلى أهمية تزويد المتعلمين بالمهارات اللازمة للنجاح في مجتمعاتهم (زيتون ، 2023). فقد أكّدت الدّراسات أنّ الطلبة يحتاجون إلى مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومهارات العمل والحياة، والمهارات الاجتماعيّة (Ahonen & Kinnunen, 2015). وهنا ظهرت مجموعة من المهارات التي سميت بمهارات القرن الحادي والعشرين لضمان استعداد الفرد للتعلم والحياة والعمل. فما هي هذه المهارات وما أهميتها؟
ظهرت العديد من التعريفات لمفهوم مهارات القرن الحادي والعشرين، ولكن وعلى الرغم من كثرة التعريفات إلّا أنّها تتنفق على المضمون. فقد عُرِّفت مهارات القرن الواحد والعشرين أنّها “مجموعة من المهارات التي يحتاجها العاملون في مختلف بيئات العمل ليكونوا أعضاءً فاعلين ومنتجين، بل ومبدعين إلى جانب إتقانهم المحتوى المعرفي اللازم لتحقيق النجاح، تمشيًا مع المتطلبات التنموية والاقتصاديّة للقرن الواحد والعشرين” (خُميّس، 2018، صفحة 152). كما و”يقصد بها التّعامل مع المعارف الجديدة والاستفادة منها لمواجهة تحديات المستقبل، ومتطلبات العولمة والانفتاح والتّطور والنّماء والإسهام بإيجابيّة وفعاليّة بدلًا من كوننا متلقيين للأحداث والتّحولات، وكيفيّة الاستجابة للتّغيير والتخطيط للمستقبل” (فريج، 2018، صفحة 266). وعرفها القواص والمنصوري على أنّها مجموعة من القدرات العقليّة العليا والأفعال، والسّلوكيات والخبرات الحياتيّة، والوظيفيّة متمثلة بمجموعة من المهارات وهي التّفكير النّاقد، والإبداعي وحلّ المشكلات ومهارات الاتصال، والتواصل الفعال والمهارات التكنولوجيّة وتقنية وثقافة الحوسبة، والمهارات الحياتيّة، والوظيفيّة والمهنيّة (القواس و المنصوري ، 2020).
تصنيفات مهارات القرن الحادي والعشرين: وفي مطلع القرن الجديد، ومع تنوّع التّصنيفات حول مهارات القرن، استُخدِمت مصطلحات مختلفة لوصف الأهداف التي سعت إليها هذه المنظمات والكيانات الاقتصادية، فقد استخدمت منظمة الشّراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين في الولايات المتحدة، مصطلح مهارات القرن الحادي والعشرين، وكفاءات القرن الحادي والعشرين من منظمة التّعاون الاقتصادي والتنميّة في سنغافورة، والكفاءات الأساسيّة من الاتحاد الأوروبي (جيان، وآخرون، 2019). وتظهر الدّراسات استخدام كلّ إطار لمصطلحاته، ومفاهيمه الخاصّة في تصنيف المهارات إّلا أنّ المهارات والكفايات تتكرر في معظم الأطر العالميّة، وتتكرر هذه الكفايات ضمن عدة تصنيفات (Chalkiadaki, 2018).
وقد ظهرت العديد من المبادرات العالميّة لتصنيف مهارات القرن الحادي والعشرين ومنها (Voogt & Roblin,2012): تقويم وتعليم مهارات القرن الحادي والعشرون (Assessment and Teaching of 21st Century skills ATCS) وهو مشروع عالمي برعاية سيسكو وإنتل ومايكروسوفت، مهارات وكفايات القرن الحادي والعشرون للمتعلمين في الألفيّة الجديدة (21st Century Skills Competences for New Millennium Learners)، الكفايات المفتاحية للتعلم مدى الحياة (Key Competencies for Lifelong Learning) وهو مشروع أقرّه المجلس والبرلمان الأوروبي، والشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين (Partnership for 21st Century Skills) وهي تحالف بين تربويين وقادة قطاع الأعمال والمجتمع والحكومة الأميركية. كما أنّ هناك عدّة أطر أخرى لتصنيف المهارات منها تصنيف منظمة اليونيسف، ومنظمة اليونيسكو العالمية، ومنظمة التّعاون الاقتصادي والتنمية وغيرها. ومن خلال الاطلاع على الدّراسات السّابقة، والأدبيات التي تناولت مهارات القرن الحادي والعشرين، اتفق معظم التربويين على أنّ تصنيف الشّراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين هو الأوسع انتشارًا والأكثر تفصيلًا وقابليةً للتطبيق بين الأطر كافّةً. وفي إطار هذه الشراكة، صُنِّفت المهارات كما يلي ((P21), 2017): مهارات التّعلم والابتكارInnovative Skills، مهارات المعلومات والمهارات التكنولوجيّة والإعلاميّة Information Media and Technology Skills، المهارات الحياتيّة والمهنيّة Life and Career Skills، والمحتوى المعرفي.
أهمية مهارات القرن الحادي والعشرين في التعليم: أشارت العديد من الدّراسات إلى أنّ مهارات القرن الحادي والعشرين هي مفتاح النجاح في التعليم والعمل. توفر مهارات القرن إطارًا يضمن انخراط المتعلمين في العمليّة التّعليميّة، وتساعدهم على بناء الثقة بأنفسهم والإبداع والابتكار والقيادة، إضافةً إلى تعزيز التّعاون والعمل مع الآخرين باحترام وفاعليّة (زامل، 2016). فأصبح من الأولوية لدى حكومات الدول، والأمم بناء النّظم التّربويّة على مستوى عالٍ من الجودة لتتوافق مع الواقع الاجتماعي، والاقتصادي وتحديات القرن الحادي والعشرين، فكل التحديّات فرضت من التربية النظر في المهارات التي يحتاج المتعلمون لإعدادهم إعدادًا يتلاءم مع الحياة والعمل (العازمي، 2020).
الدّراسات السّابقة: نظرًا لأهمية مهارات القرن الحادي والعشرين فقد أجريت العديد من الدّراسات التي اهتمت بتلك المهارات لدى المعلمين، ومن خلال الاطلاع على هذه الدّراسات تبيّن أنّها تمحورت حول مرحلة الإعداد الجامعيّ للمعلم في ظل مهارات القرن الحادي والعشرين، ودور كليات التربية في تنمية هذه المهارات ومدى امتلاك المعلمين الطلبة لتلك المهارات كدراسة المقيميّة وآخرون (2022) ودراسة البحراوي (2015) ودراسة الحارثي (2022). وتركزت دراسات أخرى حول تقويم أداء المعلم في ضوء مهارات القرن كدراسة العبدالله (2021). وهناك العديد من الدّراسات التي اهتمت بقياس مدى امتلاك المعلمين لمهارات القرن منها دراسة الحويان وآخرون (2023)، ودراسة الرواضيّة (2021) ودراسة الجابرية وشحات (2021) ودراسة الفيفي (2020) وغيرها. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ هناك العديد من الدّراسات التي تناولت درجة تضمين مهارات القرن الحادي والعشرين في المناهج، والمقررات الجامعيّة كدراسة الحارثي (2020)، أو المناهج المدرسيّة كدراسة المحيميد وآخرون (2021). هذا التنوّع في الدّراسات يشير إلى أهمية مهارات القرن الحادي والعشرين، ولكن في هذا البحث اقتصر على الدّراسات التي تناولت امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم، في ما يلي بعضٌ من هذه الدّراسات.
دراسات حول امتلاك المعلمين لمهارات القرن الحادي والعشرين: في لبنان، أجريت دراسة حيدر (2022) التي هدفت إلى معرفة مدى ممارسة معلّمي مادة الكيمياء في المرحلة الثانوية، لمهارات القرن الحادي والعشرين في محافظة جبل لبنان، واستخدمت الباحثة الاستمارة كأداة للدراسة وتكوّنت عيّنة البحث من 155 معلّمًا ومعلّمة من الثانويات الرسمية. كما استخدمت الباحثة أداة المشاهدة الصفيّة لعيّنة من 9 معلمين للوقوف على دور الطرق التّعليميّة في تنمية مهارات التفكير الناقد لدى المتعلمين، ثمّ أُجري اختبار واطسون العالمي لقياس التفكير النقدي لدى 299 من المتعلمين. وقد أشارت النتائج إلى ممارسة المعلمين لمهارات القرن الحادي والعشرين بدرجة متوسطة (حيدر، 2022).
وفي الأردن، أتت دراسة الحويان وآخرون التي هدفت إلى قياس مدى امتلاك معلمي، ومعلمات اللغة العربية والرياضيات لمهارات القرن الحادي والعشرين في لواء ذبيان، وتكوّنت عيّنة الدراسة من 250 معلمًا ومعلمة وجرى تطوير مقياس لمهارات القرن تكوّن من 33 فقرة. وأتت نتائج الدراسة لتشير إلى أنّ درجة امتلاك مهارات القرن متوسطة، وظهرت فروق دالة إحصائيًا لصالح المعلمات الإناث ولصالح معلمي مادة اللغة العربية (الحويان، الحجوج ، و العميريين، 2023). وأتت دراسة أبوهلال ومنصور (2023) لقياس درجة ممارسة المعلمات لمهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظر المعلمات أنفسهم. واستخدم الباحثون المنهج الوصفي المسحي وطُوِّرت استبانة وزعت على 242 معلمة من معلمات الصفوف الأولى في محافظة عمان. وأتت النتائج لتبيّن أنّ مهارات القرن الحادي والعشرين بدرجة مرتفعة، وأتت المهارات الحياتيّة في المرتبة الأولى وفي المرتبة الثانية التعليم وإدارة الصف، والثالثة مهارات التفكير وحلّ المشكلات وفي المرتبة الرابعة والأخيرة المهارات الرقميّة والتكنولوجيّة (أبوهلال و منصور، 2023). وأشارت دراسة الرواضية )2021) التي هدفت إلى التعرف إلى مدى امتلاك المعلمين لمهارات القرن الحادي والعشرين، وعلاقتها بمدى اكتساب الطلبة لهذه المهارات في محافظة معان. وتكونت عيّنة الدراسة من 296 معلمًا ومعلمة، وطوّر الباحث مقياس لقياس درجة امتلاك المعلمين لمهارات القرن الواحد والعشرين، ومقياس آخر لقياس درجة اكتساب الطلبة لمهارات القرن الحادي والعشرين. وأكدّت النتائج أنّ المعلمين يمتلكون مهارات القرن الحادي والعشرون بدرجة مرتفعة، وتبيّن أنّ المعلمين يمتلكون مهارات الحياة والمهنة بالمرتبة الأولى، ومهارات التّعلم والابتكار بالمرتبة الثانية، ومهارات المعلومات والوسائط والتكنولوجيا بالمرتبة الثالثة. وقد أكّدت النتائج وجود علاقة موجبة بين امتلاك المعلم للمهارات ودرجة اكتساب الطلبة لها.
أمّا في المملكة العربية السعودية، فهدفت دراسة الحربي والتونسي (2021) إلى معرفة مدى ممارسة المعلمات لمهارات القرن الحادي والعشرين وذلك عبر تطبيق استبانة على عيّنة من 183 معلمة ومشرفة على مقرر اللغة العربية. وقد أتت النتائج لتؤكد وجود مهارات القرن بدرجة مرتفعة لدى المعلمات، وأتت المهارات الحياتية بالمرتبة الأولى تلتها مهارات الإبداع والتعلم، ثم المهارات التكنولوجية. وتبيّن من النتائج وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة تُعزى لمتغيّر المسمى الوظيفي لصالح المعلمات على المشرفين في تقدير مهارات القرن الحادي والعشرين ككل(الحربي والتونسي، 2021). بينما هدفت دراسة الفيفي وآخرون (2019) إلى التعرف إلى مدى امتلاك معلم الصفوف الأولية لمهارات القرن والتي استخدم فيها المنهج الوصفي التحليلي، والاستبانة كأداة للدراسة والتي طبقت على عينة من 50 معلمًا. وقد أتت نتائج الدراسة لتبين درجة امتلاك عالية إلى عالية جدًا لمهارات القرن الحادي والعشرين.
وأتت دراسة الجابرية وشحات (2021) في سلطنة عمان لمعرفة مدى ممارسة معلمي العلوم في الحلقة الثانية لمهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظرهم، واستخدم الباحثون المنهج الوصفي الكميّ والاستبانة لقياس تلك المهارات لدى عيّنة البحث والتي تضمنت 79 معلمًا ومعلمة في سلطنة عمان. وأتت نتائج البحث لتظهر ارتفاع مستوى ممارسة المهارات (الجابرية و شحات ، 2021).
التعقيب على الدّراسات: في الاتفاق:
-الهدف: يتفق البحث الحالي بصورةٍ كبيرةٍ مع دراسة الحويان وآخرون (2023)، ودراسة أبوهلال ومنصور (2023)، ودراسة الرواضية (2021)، ودراسة الجابرية وشحات (2021)، ودراسة الحربي والتونسي (2021)، ودراسة الفيفي (2020)، وذلك في تحديد مدى امتلاك المعلمين لمهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظرهم أنفسهم.
-المنهج: يتفق البحث الحالي مع دراسة الرواضية (2021) في اتباع المنهج الوصفي التّحليلي.
– الأدوات: يتفق البحث الحالي مع غالبية الدّراسات السّابقة في استخدام الاستبانة كأداة للبحث.
في الاختلاف:
– الهدف: اختلفت الدراسة الحاليّة عن الدّراسات الواردة سابقًا، وقد رصدت مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظر المعلم نفسه، ومن وجهة نظر المشرف التّربويّ.
– المنهج: فقد اعتمدت دراسة حيدر (2022) على المنهج التّجريبي، ودراسة الحويان وآخرون (2023) ودراسة أبوهلال ومنصور (2023) على المنهج الوصفي المسحي.
– الأدوات: اختلفت الدراسة عن دراسة حيدر (2022) التي استخدمت فيها الباحثة الاستبانة، والمشاهدة الصّفيّة إضافة إلى اختبار للمتعلمين. وأنّ الدّراسات السابقة جميعها التي وردت استخدمت الاستبانة فقط كأداة للبحث، بينما استُخدِمت المقابلة شبه الموجهة في بحثنا الحالي إضافةً إلى الاستبانة.
– مجتمع البحث وعيّنته: يتفق البحث الحالي مع دراسة الحربي والتونسي (2021) والتي شملت معلمي ومشرفي المواد التّعليميّة، ولكن اقتصرت الدراسة على معلمات ومشرفات مادة اللغة العربية. بينما تركزت الدّراسات الأخرى على المعلمين والمعلمات لحلقات تعليميّة معينة أو لمواد معيّنة، كدراسة الرواضية (2021) ودراسة الفيفي (2020) ودراسة الحويان وآخرون (2023) الذين استخدموا عيّنة من المعلمين والمعلمات لتحقيق أهداف بحوثهم، ولكن لفئة معيّنة من المعلمين وذلك حسب المادة التّعليميّة، أو حسب مرحلة التدريس كدراسة الحويان وآخرون (2023) التي تكوّنت عينتها من معلمي مادتي اللغة العربية والرياضيات أو ودراسة الفيفي (2020) من معلمي الصفوف الأولى ودراسة أبوهلال ومنصور (2023) من معلمي الحلقة الأولى وغيرهم.
واقع الدراسة الحاليّة من الدّراسات السّابقة: شمل مجتمع البحث المعلمين والمعلمات من الحلقات التّعليميّة والمواد التدريسيّة جميعها، ومن مختلف المناطق اللبنانيّة إضافةً إلى مشرفي المواد التّعليميّة المختلفة. وتفرد البحث باستخدام أداة المقابلة مع المشرفين إضافةً إلى الاستبانة مع المعلمين. ويُعد هذا البحث في حدود علم الباحثة، من البحوث التي تفردت في تناول مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم من وجهة نظر المعلم نفسه، ومن وجهة نظر مشرفي المواد التّعليميّة معًا في ظلّ الأزمات المتلاحقة على القطاع التّربويّ في لبنان.
منهج البحث: اعتُمِد المنهج الوصفي التّحليلي في البحث من أجل التّعرّف إلى مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم من وجهة نظر المعلم نفسه، ومن وجهة نظر مشرفي المواد التّعليميّة.
مجتمع البحث وعينته: تكوّن مجتمع البحث من معلمي ومعلمات المواد التّعليميّة المختلفة جميعهم في مجموعة من المدارس الخاصّة والرسمية في لبنان، وبلغ مجتمع البحث 600 معلمًا ومعلمة في المراحل التّعليميّة كافةً، إضافةً إلى 60 مشرف ومشرفة تعليميّة في هذه المدارس. وتألفت عيّنة البحث من 355 معلمًا ومعلمة ومن سبعة مشرفين مواد تعليميّة مختلفة في مجموعة من المدارس الخاصّة، والرسميّة في لبنان خلال الفصل الأول من العام الدراسي 2023-2024.
أدوات البحث: لتحقيق أهداف هذا البحث والإجابة على تساؤلاته، وبعد الاطلاع على الأدبيّات، والدّراسات السابقة، كان لا بُدّ من تحديد قائمة بمهارات القرن الحادي والعشرين ليتم استخدامها لاحقاً في أدوات البحث. وتمّ اعتماد الإطار الذي أعدته منظمة الشّراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين (Partnership for 21st century skills) وذلك لأنه الإطار الأكثر انتشارًا وتنظيمًا وتفصيلًا، والأكثر استخداماً في الدارسات، فقد استخدم في العديد من الدّراسات التّربويّة ومنها وليس على سبيل الحصر، ودراسة الرواضية (2021)، ودراسة العدواني (2022). ويجب الإشارة إلى أنّ هذا الإطار استخدمته العديد من المنظمات، والمشروعات في تحديد المهارات في المجالات الدّارسيّة وفي تقييم درجة تضمين المناهج الدّارسيّة لمهارات القرن الحادي والعشرين (رحيم، 2020)، كما أن هذا الإطار اهتم بكيفيّة دمج المهارات في المناهج التّعليميّة (Dede, 2010). وُضِعت قائمة بالمهارات مكونة من ثلاث مجموعات أساسيّة لضمان استعداد المتعلّمين للتعلّم والحياة والعمل وهي:
- المجموعة الأولى مهارات التعلّم والإبداع وتشمل: التفكير الناقد وحلّ المشكلات، والإبداع والابتكار، والتواصل والتّعاون.
- المجموعة الثانية مهارات تكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام والثقافة الرّقميّة وتشمل: الثقافة المعلوماتية، وثقافة وسائل الإعلام، وثقافة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- المجموعة الثالث مهارات الحياة والمهنة وتشمل: المرونة والتّكيف، والمبادرة والتوجيه الذاتي، والمهارات الاجتماعيّة والثقافية والإنتاجية والمساءلة، والقيادة والمسؤولية.
فيما يلي وصف أدوات جمع المعلومات:
1. المقابلات: تهدف إلى التعرّف إلى مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين من وجهة نظر المشرفين التربويين. وقد أجرت الباحثة مقابلات فردية شبه مفتوحة مع سبعة من مُشرفي المواد التّعليميّة المُختلفة، ولمراحل تعليميّة مختلفة في مجموعة من المدارس الخاصّة والرسمية في لبنان. وقد تألفت المقابلة من ثلاثة محاور رئيسة، وبلغ عدد الفقرات والأسئلة (27). وتكونت المقابلة من معلومات عن المشارك في المحور الأول (8 فقرات)، وتضمن المحور الثاني (13) سؤالًا عن مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم، بينما تضمن المحور الثالث التدريب ومُتطلّبات سوق العمل التّربويّ.
2. الاستبانة: لأجل تحقيق أهداف البحث في التّعرّف إلى درجة توافر مهارات القرن لدى المعلّم من وجهة نظر المعلّمات والمعلّمين أنفسهم، قامت الباحثة بصياغة استبانة مؤلفة من عدّة فقرات مُوزعة على محورين، فتضمن المحور الأوّل معلومات عن المشاركين (6 فقرات)، بينما تضمن المحور الثاني درجة توافر مهارات القرن لدى المعلّم (42 فقرة). ولحساب مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلّم، استُخدِم سلّم ليكرت الرباعي، وذلك بإعطاء كل فقرة من فقرات الاستبانة درجة واحدة من بين درجاته الأربعة (أوافق بشّدة، أوافق، لا أوافق، لا أوافق أبدًا) وهي تمثّل رقمياً (4، 3، 2، 1) بالتوالي.
صدق وثبات الأدوات: للتحقق من صدق الأدوات، عرضت الباحثة دليل المقابلة والاستبانة بصورتهما الأولية على اثنين من الباحثين التربويين من ذوي الاختصاص والخبرة في مجال العلوم التّربويّة، وقد أبديا رأييهما في محتوى دليل المقابلة ومدى انتماء كل فقرة من فقرات الاستبانة لمجالها، وتحديد مدى وضوح والسّلامة اللغوية لبنود الاستبانة، وقد أخذت الباحثة بملاحظاتهم وأجرت التعديلات اللازمة.
وتُحُرّي صدق المقابلة، من خلال تدوين الملاحظات، وتسجيل الإجابات آليًا والتعامل مع الإجابات كافةً بشفافية وموضوعيّة. وتُحقِّق من الثبات من خلال طرح الأسئلة بصيغٍ مختلفة للتّحقق من مدى اتساق إجابات المبحوثين وتمثيلها للواقع الحقيقي. وقد أجريت المقابلة تجريبيًا مع أحد التّربويين للتأكد من صيغة الأسئلة ووضوحها.
وللتأكد من ثبات الاستبانة، وُزِّعت الأداة على 5 معلمين كعينة استطلاعيّة، من خارج عيّنة البحث، احتُسِب تجانس المقياس باستعمال معامل ألفا كرونباخ، تراوحت معامل ألفا كرونباخ لكل محاور الاستبانة بين 0.782 و0.892 وهي معاملات مرتفعة، وكذلك معامل ألفا لجميع عبارات الاستبانة معًا بلغت 0.94 وهذا يدل على أنّ ثبات الأداة مرتفع مما يؤكد صحة الاستبانة وصلاحيتها لتحليل وتفسير النتائج.
نتائج البحث ومناقشتها: في هذا الفصل ستُعرض النتائج لبيانات عيّنة البحث ومن ثم مناقشتها في ضوء أهداف البحث ومتغيّراته.
عرض البيانات الديمغرافية للمعلمين والمعلمات من عيّنة البحث
رسم بياني1 توزيع عيّنة البحث حسب الفئات العمرية. | رسم بياني 2 توزيع عيّنة البحث حسب الجنس. |
تبيّن أنّ النسبة الأعلى من المعلمين المستطلعين (35.2%) هي بين 20 و30 سنة و0.8% فقط هم فوق 61 سنة، وتوزعت باقي العيّنة كما يلي: (32.4%) بين 31 و40 سنة، (22.8%) بين 41 و50 سنة، و(8.7%) بين 51 إلى 60 سنة. ونلاحظ أنّ (89.6%) من عيّنة البحث من المعلمات الإناث، بينما بلغت نسبة المعلمين الذكور 10.4%.
رسم بياني 3 توزيع عيّنة البحث حسب أعلى مؤهل علمي. | رسم بياني 4 توزيع عيّنة البحث عدد سنوات الخبرة في التعليم. |
أمّا بالنسبة إلى أعلى مؤهل علمي لعيّنة البحث، فتبيّن أنّ 34.9% من حملة الإجازة الجامعيّة و31.3% من حملة الماجستير و15.2% من حملة الإجازة التّعليميّة، و9.3% من حملة الدبلوم التعليمي و3.7% من حملة الدكتوراه. أمّا بقية العيّنة (5.64%) فهم من حملة الثانوية العامّة أو خريجي دار المعلمين، والمعلمات أو من التعليم المهني المتوسط أو الثانوي. وتبيّن أنّ غالبية العيّنة (50.1%) من المعلمين والمعلمات لديهم خبرة أكثر من 10 سنوات في مجال التعليم والتربية، و27.3% لديهم خبرة أقل من خمسة سنوات و22.5% بين 6 و10 سنوات.
عرض البيانات المتعلقة بالمدرسة
وأظهرت النتائج أنّ 64.2% من العيّنة هم معلمو مدارس خاصّة و26.5% من معلمي المدارس الرسمية، و7.6% من معلمي المدارس الخاصّة والرسمية، أمّا معلمي مدارس الأنروا فقد بلغت نسبتهم من العيّنة 0.6% فقط. وتوزعت العيّنة حسب المحافظات، إذ كان 29.6% من عيّنة البحث هم من محافظة بيروت، و17.5% من لبنان الجنوبيّ، 14.1% من عكّار، 13.5% من البقاع و12.1% من جبل لبنان، وباقي النسب تتوزع بين لبنان الشماليّ وبعلبك الهرمل، ولا يوجد أيّة معلم أو معلمة يعملون في مدرسة ضمن كسروان جبيل. أمّا بالنسبة إلى المنهج المعتمد، فتبيّن أنّ 87.6% من عيّنة البحث يعلمون في مدارس تعتمد المنهج اللبناني و2.5% من الذين يعتمدون منهج البكالوريا الدولية، وتتوزع باقي العيّنة بين المنهج الفرنسي والمنهج اللبناني والبكالوريا الدولية أو المنهج اللبناني والأميركي.
عرض البيانات الديمغرافية لمشرفي المواد التّعليميّة من عيّنة البحث: وبالنسبة إلى المشرفين على المواد التّعليميّة الذين أجريت معهم المقابلات، فقد تبيّن أنّ (28.5%) أيّ 2 من أصل 7 أعمارهم بين 41 و50 سنة، و(71%) أعمارهم بين 31 و40 سنة. وكان هناك (14.3%) من المشاركين من الذكور و(85.7%) من المشرفين الإناث. أمّا بالنسبة إلى المؤهل العلمي، فهناك (14.3%) من المشاركين من حملة الإجازة التّعليميّة و(85.7%) من المشرفين حاملين شهادة الماجستير في تعليم المادة. وتبيّن أنّ (42.8%) لديهم خبرة أقل من 5 سنوات في مجال الإشراف التّربوي و(28.6%) من 6 إلى 10 سنوات و(28.6%) أكثر من 10 سنوات خبرةً في الإشراف التربوي. كما وكان 71.4% منهم من معلمي المدارس الخاصّة و28.6% من معلمي المدارس الخاصّة والرسميّة معًا في بيروت وجبل لبنان. وكان هناك 42.8% منهم تعتمد مدارسهم منهج البكالوريا الدّوليّة والباقي المنهج اللبناني.
نتائج السؤال الأول ومناقشته: ما هي أبرز مهارات القرن الحادي والعشرين التي يمتلكها المعلمين؟ وما هي المهارات التي يجب اكتسابها؟
النتائج من وجهة نظر المعلمين والمعلمات من عيّنة البحث: اتفق هذا البحث مع العديد من الدّراسات في إعداد قائمة مهارات القرن الحادي والعشرين، وأقسامها الفرعية التي تضمنت مهارات التعلّم والإبداع ومهارات التكنولوجية والمعلومات، والمهارات الحياتية والمهنية كدراسة الفيفي (2019) ودراسة الرواضية (2021) ودراسة الجابري وشحات (2021) والحربي والتونسي (2021)، ودراسة الحويان وآخرون (2023) ودراسة أبو هلال ومنصور (2023). وللتعرف إلى مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين والمعلمات من وجهة نظرهم، استخدمت الباحثة المتوسطات الحسابيّة والانحرافات المعياريّة لكل مجالٍ من مجالات الاستبانة وحسب مستوى الرتبة، وقد أظهرت النتائج أنّ مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين والمعلمات، كان بدرجة كبيرة جدًا.
جدول 1 المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية والرتب لمهارات القرن الحادي والعشرين.
الترتيب | المجال | المتوسط الحسابي | الانحراف المعياري | الدلالة اللفظية | الترتيب حسب المتوسط الحسابي |
1 | مهارات التعلّم والإبداع | 3.4654 | 0.36910 | كبيرة جدًا | 2 |
2 | المهارات التكنولوجية والمعلوماتية | 3.3302 | 0.43835 | كبيرة جدًا | 3 |
3 | المهارات الحياتيّة والمهنية | 3.4983 | 0.37024 | كبيرة جدًا | 1 |
المتوسط الحسابي العام لمجالات الاستبانة | 3.4313 | 0.33777 | كبيرة جدًا |
يتضح من الجدول أعلاه، أنّ نسبة مهارات القرن الحادي والعشرين متوافرة بدرجةٍ كبيرةٍ جدًا لدى المعلم من وجهة نظر المعلم نفسه، بمتوسط حسابي (3.4313) وانحراف معياري (0.33). وتعزو الباحثة ارتفاع نسبة امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلمين من وجهة نظرهم أنفسهم إلى مواكبة المعلمين، والمعلمات والإدارات المدرسيّة لمتطلبات العصر عبر برامج الإعداد التربوي ما قبل الخدمة أو عبر برامج التدريب التي يخضع لها المعلمين أثناء الخدمة أو حتى التطوير الذاتي وصقل المهارات بشكل فردي.
ويتضح من النتائج، أنّ المهارات الحياتيّة والمهنية بلغت بمتوسط حسابي (833.49) وانحراف معياري (0.37) وهي في الترتيب الأول من بين المهارات جميعها. وأتت مهارات التعلّم والإبداع والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.4654) وانحراف معياري (0.36) وهو بمستوى مرتفع وفي المرتبة الثانية والتي تشمل مهارات التفكير النقدي وحلّ المشكلات والتّواصل والتّعاون والإبداع والابتكار. وفي المرتبة الثالثة من بين المهارات أتت المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.3302) وانحراف معياري (0.43).
وقد جاءت المهارات الحياتيّة والمهنيّة في المرتبة الأولى من وجهة نظر المعلمين، لتدلّ على المرونة والتكيّف لدى المعلمين والقدرة على إدارة الوقت وتحديد أهدافهم وأولوياتهم، ومهارات المبادة والتعلّم الذاتي، والإنتاجيّة والمساءلة والقيادة المساءلة، إضافةً إلى القدرة على التّفاعل مع الآخرين بمهنية. وجاء مجال المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة في المرتبة الأخيرة، وقد يرجع ذلك إلى الإعداد التربوي للمعلم إذ إنّ بعض كليّات الإعداد أو حتى أعضاء هيئات التدريس، قد لا يملكون هذه المهارات لإكسابهم إلى الطلاب المعلمين، أو يمكن أنّ يعود سبب تدني درجة ممارسة هذه المهارة إلى عدم توافر الوسائل التكنولوجية المناسبة في المؤسسات التّربويّة التي يعمل بها المعلم.
وقد اتفقت نتائج الدراسة الحالية مع دراسة أبوهلال ومنصور (2023) ودراسة الرواضية (2021) ودراسة الحربي والتونسي (2021) ودراسة الجابري وشحات (2021) ودراسة الفيفي (2019) وقد أتت المهارات ككل بدرجة مرتفعة، واختلفت نتائج البحث عن دراسة الحويان وآخرون (2023) ودراسة الحربي والتونسي (2021) وقد أتت درجة محاور توافر مهارات القرن الحادي والعشرين بدرجة متوسطة. أمّا بالنسبة إلى ترتيب هذه المهارات فقد اتفق البحث الحالي مع دراسة الرواضية (2021) ودراسة الحربي والتونسي (2021) ودراسة أبوهلال ومنصور (2023) إذ أتت المهارات الحياتية والمهنية المرتبة الأولى، ومهارات التعلّم والابتكار في المرتبة الثانية وفي المرتبة الأخيرة مهارات المعلومات والوسائط التكنولوجيّة. بينما اختلفت مع دراسة الفيفي (2019) نفسها في ترتيب هذه المهارات، فقد أتت مهارات التعلّم والإبداع في المرتبة الأولى، ومهارات المعلومات والتكنولوجيا في المرتبة الثانية والمهارات الحياتيّة في المرتبة الأخيرة. وفي دراسة الحويان وآخرون (2023)، أتت المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة في المرتبة الأولى، والمهارات الشّخصيّة والحياتية في المرتبة الثانية ومهارات التعلّم والإبداع في المرتبة الأخيرة. بينما أتت مهارات التعلّم والإبداع ثم المهارات الحياتيّة والمهنيّة، وبعدها المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة في دراسة الجابري وشحات (2021).
النتائج من وجهة نظر المشرفين والمشرفات من عيّنة البحث
أمّا بالنسبة لمشرفي المواد التّعليميّة، فقد أجمعوا أنّ نسبة توافر مهارات القرن الحادي والعشرين هي متوسطة لدى المعلمين والمعلمات. وأشار المشرفون إلى أنّ ترتيب المهارات بحسب توافرها لدى المعلمين هو كما يلي: مهارات التّعلم والإبداع ثم المهارات التكنولوجيّة والإعلاميّة ثم المهارات الحياتيّة والمهنيّة. وقد أشار اثنين من مشرفي المواد التّعليميّة أنّ نسبة امتلاك المهارات تغيرت كثيرًا بعد جائحة فيروس كورونا، فمن المعلمين من أثقل مهاراته للمتابعة في المهنة، فارتفعت المهارات التكنولوجية والمعلوماتية لدى المعلمين والمعلمات، بينما قلت نسبة توافر المهارات الحياتيّة والمهنيّة لديهم أيضًا. وأشار المشرفون إلى أنّ المعلمين ليس لديهم القدرة على التعلّم الذاتي أو تنظيم الوقت وتحديد الأولويات. وأكّد المشرفون أهمية دور المشرف في صقل مهارات المعلمين وتدريبهم وتوجيهم أثناء الخدمة، وهذا من شأنه رفع مستوى أداء المعلم.
ومن هنا نلحظ اختلاف في نسبة تقدير مدى امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين بين المعلمين أنفسهم وبين تقديرات المشرفين. وقد اتفقت دراستنا مع دراسة الحربي والتونسي (2021) إذ أظهرت النتائج وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة، تُعزى لمتغيّر المسمى الوظيفي (معلم أو مشرف) لصالح المعلمات في مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين ككل. وقد يُعزى اختلاف التقديرات لمدى امتلاك المهارات بين المعلمين أنفسهم ومشرفي المواد التّعليميّة إلى ضعف قدرة المعلمين على تقييم مهاراتهم ذاتيًا أو إلى عدم قدرة المشرف على تقدير مهارات معلميهم، وقد يُعزى أيضًا إلى عدم إدراج تلك المهارات في عمليّة تقويم الأداء أو حتى التدريب المستمر. وأنّ الاختلاف في ترتيب المهارات بين المعلمين والمشرفين، قد يُعزى ذلك إلى اختلاف الأهداف والأولويات بين المعلمين، والمشرفين أو إلى ضعف مهارات المشرف في قيادة المعلمين والإشراف عليهم.
خلاصة النتائج: توصل البحث الحالي إلى النتائج الآتية:
تتوافر مهارات القرن الحادي وللعشرين بدرجة كبيرة جدًا بمتوسط حسابي (3.4313) وبانحراف معياري (0.33)، وأتت في المرتبة الأولى المهارات الحياتيّة والمهنيّة بمتوسط حسابي (833.49) وانحراف معياري (0.37) من بين المهارات جميعها، وتشمل مهارات المهنة، والتعلّم الذاتيّ، والمهارات الاجتماعيّة والثقافية. وأتت مهارات التعلّم والإبداع والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.4654) وانحراف معياري (0.36) وهو بمستوى مرتفع في المرتبة الثانية والتي تشمل مهارات التفكير النقدي، وحلّ المشكلات والتّواصل والتّعاون والإبداع والابتكار. وفي المرتبة الثالثة من بين المهارات أتت المهارات التكنولوجيّة والمعلوماتيّة والتي بلغ متوسطها الحسابي (3.3302) وانحراف معياري (0.43). وأظهرت النتائج وجود فروق بين إجابات المعلمين والمشرفين بالنسبة إلى مدى توافر المهارات، فالمشرفين أكدوا توافر المهارات بدرجة متوسطة لدى المعلمين وخاصّة المهارات الحياتية.
التّوصيات والمقترحات: لقد حقّق البحث الأهداف المرجوة في التّعرّف على مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المعلم من وجهات نظر المعلمين والمشرفين التّربويين. وبناءً على نتائج البحث، يوصي البحث في الإعداد التربوي، تشير النتائج إلى أهمية التخطيط والتّنسيق والشّراكة بين المؤسسات التّعليميّة (المدارس) من القطاعين الرسميّ والخاصّ، ومؤسسات الإعداد التربوي لتطوير برامج الإعداد بما يتناسب مع حاجات سوق العمل، والتّحديّات والتطوّرات المستجدة في القطاع التّربوي في لبنان. فالتّعاون بين المؤسسات التّربويّة ومؤسسات الإعداد قد يرفع من مستوى المهارات المطلوبة لدى المعلم الخريج ويرفع من مستوى أداءه. وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى أهمية العمل على تطوير مقررات التدريب العملي في مؤسسات الإعداد فتتشارك المؤسسات التّربويّة، ومؤسسات الإعداد في تدريب المعلم المُتدرب، وهذا قد يساعده على الاستعداد لمهنة التعليم ويمنحه فرصةً للتأقلم مع البيئة المدرسيّة، ويكسبه خبرةً ميدانيةً في حل المشكلات ويفسح له المجال للتعلم والتّفاعل مع المتعلمين، والحصول على التغذية الراجعة من المعلمين الخبراء. أمّا أثناء الخدمة، فتنصح الباحثة بإدراج مهارات القرن الحادي والعشرين ضمن أدوات تقويم أداء المعلمين والمشرفين، والعمل على قياس مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين عن طريق الملاحظة الميدانيّة أو المشاهدة الصّفيّة. وهذا ما قد يسلط الضوء على أهميّة هذه المهارات، كما قد يؤدي إلى وضع خطط علاجيّة لرفع مستوى تلك المهارات بالتّعاون مع الإدارة المدرسيّة. وينبغي على المؤسسات التّعليميّة تطوير برامج الإعداد المهني أثناء الخدمة بما يتوافق مع احتياجات المعلمين ورؤية المؤسسات التّعليميّة.
أمّا على مستوى الأبحاث التّربويّة، تقترح الباحثة إجراء دراسات حول مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين لدى المشرفين التربويين، لأنّهم المسؤولون المباشرون عن المتابعة اليوميّة للمعلمين وعن صقل مهاراتهم بما يتناسب مع احتياجاتهم واحتياجات المؤسسات التّربويّة. ويجب إجراء دراسات مشابهة وتناول متغيرات متنوعة ومنها المناهج الدّارسيّة المعتمدة في المدارس، إذ لم يُتمَعَّن فيها بأثر المناهج المعتمدة على توافر مهارات القرن الحادي والعشرين بسبب أنّ عيّنة المعلمين التي تعمل في مدارس لا تعتمد المنهج اللبناني هي عيّنة غير ممثلة. وهنا لا بُد من التساؤل ما إذا كان مدى توافر مهارات القرن الحادي والعشرين يختلف بحسب عدد سنوات الخبرة، أو الجنس، أو المؤهل العلمي أو حتى المنهج الدراسي المعتمد في المدرسة؟ وهل من طرق لتقويم هذه المهارات لدى المعلمين بشكلٍ مستمر؟ ومن يضمن توفر هذه المهارات لدى المعلم؟ وإلى أي مدى تتناسب كفايات المعلم الخريج مع احتياجات المؤسسات التّربويّة المحلية وتحديّات القرن الحالي؟
المراجع
المراجع العربيّة
- ابتسام المحيميد، ورقية الدعيس. (2021). درجة تضمين مهارات القرن الحادي والعشرين في مقرر الحديث للمرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية. المجلة الدولية لنشر الدّراسات العلمية، 59-78.
- أحمد رحيم. (2020). تقويم أداء مدرسي مادة علم الأحياء في ضوء مهارات القرن الحادي والعشرين. المجلة الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعيّة، 148-161.
- وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء. (2017). الإطار المرجعي، دعم جودة التعليم في لبنان.
- الأمم المتحدة. (2020). موجز سياساتي: التعليم أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها.المركز الإقليمي للجودة والتميّز في التعليم . (2017). تقرير برامج إعداد المعلمين في العالم العربي. اليونيسكو.
- المركز الإقليمي للجودة والتميّز في التعليم. (2017). تقرير برامج إعداد المعلمين في العالم العربي. اليونيسكو.
- المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم. (2021). دمج مهارات القرن الحادي والعشرين في المناهج الدّارسيّة بالتعليم العام في الدول العربية. المملكة العربية السعودية: المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم.
- اليونيسكو. (1996). التعليم ذلك الكنز المكنون. فرنسا: اليونيسكو.
- أماني فريج. (2018). رؤية مقترحة لكفايات طالب كلية التربية الفنية في ضوء مهارات القرن ال21. مجلة أمسيا، 262-291.
- آمنة الفيفي، وكاذية الفيفي. (2019). مهارات جيل القرن الحادي والعشرون. رواد الإبداع العلمي، 55-83.
- إيمان الجابرية، ومحمد علي شحات . (2021). ممارسة معلمي العلوم بالحلقة الثانية لمهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظرهم. مجلة رسالة الخليج العربي، 13-35.
- إيمان الحويان، عنود الحجوج، ونسيبه العميريين. (2023). درجة امتلاك معلمي ومعلمات لواء ذيبان لمهارات معلم القرن الحادي والعشرين من وجهة نظرهم . المجلة الدولية للعلوم التّربويّة والنفسية IJEPS، 290-314.
- بدرية المفرج، عفاف المطيري، و محمد حمادة. (2007). الاتجاهات المعاصرة في إعداد المعلم وتنميته مهنياً. الكويت: وزارة التربية، قطاع البحوث التّربويّة والمناهج.
- خالد الرواضية. (2021). درجة امتلاك المعلمين في محافظة معان مهارات القرن الحادي والعشرين وعلاقتها بمدى اكتساب الطلبة لها من وجهة نظر المعلمين. مجلة جامعة الحسين بن طلال للبحوث ، 360-393.
- خالد العدواني، عبدالسلام الصلاحي، و نجاة الفقيه. (2022). مهارات القرن الحادي والعشرين اللازمة لمعلمي الجغرافيا في المرحلة الثانوية بالجمهورية اليمنية من وجهة نظرهم. مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعيّة، 162-194.
- زقاوة أحمد. (2017). البرامج الجامعيّة ومدى استجابتها لاحتياجات سوق العمل. مجلة التنمية البشرية، 159-189.
- زينب حيدر. (2022). علاقة الطرق التّعليميّة لمعلمي الكيمياء بمهارات القرن الواحد والعشرين . بيروت، لبنان: أطروحة دكتوراه في العلوم التّربويّة، جامعة القديس يوسف.
- سارة العازمي. (2020). المعلم ومهارات القرن الحادي والعشرين. مجلة بحوث.
- ساما خُميّس. (كانون الثاني, 2018). مهارات القرن ال21: إطار عمل للتعليم من أجل المستقبل. مجلة الطفولة والتنمية، الصفحات 149-163.
- سوسن أبوهلال، وعثمان منصور. (2023). درجة ممارسة معلمات الصفوفو الثلاثة الأولى لمهارات القرن الحادي والعشرين من وجهة نظرهن. مجلة العلوم التّربويّة والنفسية، 59-76.
- عبد الرحمن الحارثي. (2020). آليات تضمين مهارات القرن الحادي والعشرين في برامج الإعداد التربوي للمعلم من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس. كلية التربية بجاكعة الملك خالد بأبها، المجلة التّربويّة، 10-50.
- عبدالمنعم العبدالله. (2022). تقويم الأداء التدريسي لمعلمي الرياضيات بالمرحلة الثانوية في ضوء مهارات القرن الحادي والعشرين. المجلة الدولية للبحوث في العلوم التّربويّة، 185-208.
- عدنان الأمين. (2009). تثمين مهنة التعليم. تمهين التعليم في لبنان (الصفحات 47-78). بيروت: كليّة العلوم التّربويّة.
- فاطمة الزهراء زهرة، و عبد الرحمن تلي. (2020). صفات وأدوار معلم القرن الحادي والعشرين. حوليات جامعة الجزائر، 687-707.
- فاطمة المقيمية، يسرى المغيرية، وأحمد البوسعيدي. (2022). مستوى اكتساب طلبة مؤسسات التعليم العالي بسلطنة عمان لمهارات القرن الحادي والعشرين في ظل جائحة كورونا. مجلة جاكعة فلسطين التقنية للأبحاث، 199-215.
- فتحي مبروك البحراوي. (2015). معايير الأداء المهني اللازمة للطلاب المعلمين في ضوء مهارات القرن الحادي والعشرين. دراسات عربية في التربية وعلم النفس (ASEP)، 435-484.
- فيولا مخزوم، و زينب عجمي. (2022). الدور الذي يؤديه المُعلم في إكساب الطالب مهارات القرن 21 من خلال أسلوبه في التعلم عن بُعد. دور مؤسسات التعليم في بناء رأس مال بشري وفقًل لمتطلبات القرن الحادي والعشرين (الصفحات 82-112). برلين : المركز الديمقراطي العربي.
- ليو جيان، ووي روي، وليو تشنغ، وشي مان، وزو بينيان، وكريس تان، و وليو خيا. (2019). التعليم من أجل المستقبل: التجرية العالمية لتطوير مهارات وكفاءات القرن الحادي والعشرين. دولة قطر: مؤسسة القمة العالمي للابتكار في التعليم ومؤسسة قطر.
- مجدي زامل. (2016). الأدوار التي يمارسها المعلم الفلسطيني في ضوء متطلبات القرن الحادي والعشرين وسُبل تفعيلها في محافظة نابلس. مجلة جامعة الخليل ، 124-156.
- محمد القواس، وسيناء المنصوري . (2020). دور كليات التربية في الجامعات اليمنية في إكساب الطلبة المعلمين مهارات القرن الحادي والعشرين. مجلة العلوم التّربويّة والنفسية، 1-24.
- مكتب التربية العربي لدول الخليج. (2016). التكوين المهني للمعلم الإطار النظري. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- منى زيتون . (2023). نموذج تدريسي قائم على استراتيجية REACT وفاعليته في تنمية مهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطالب المعلم. مجلة البحوث في مجالات التربية النوعية، جمهورية مصر العربية.
- نادية الحربي، ونبيلة التونسي. (2021). مدى ممارسة المعلمات لمهارات القرن الحادي والعشرين في تدريس مقرر لغتي الخالدة من وجهة نظر معلمات المقرر ومشرفاته. مجلة التربية، جامعة الأزهر، 560-605.
المراجع الأجنبيّة
- Areti Chalkiadaki. (2018). A systematic Literature Review of 21st Century Skills and Competencies in Primary Education. International Journal of Instruction, 1-16.
- Arto Ahonen, Paivi Kinnunen. (2015). How Do Students Value the Importance of Twenty-First Century Skills? Scandinavian Journal of Educational Research, 395-412.
- Berine Trilling, Charles Fadel. (2009) 21st century skills “learning for Life in Our Times” . San Francisco: Jossey- Bass.
- Chris Dede. (2010). 21st Century skills: Rethinking How Students Learn. Solution Tree Press,51-75.
- Jens Christian Jacobsen, Jorgen Thorslund. (2003). Attraction, Developing and Retaining Effective Teachers. Denmark: OECD.
- Joke Voogt , Natalie Robin. (2012). A comparative analysis of international frameworks for 21st-century competences: Implications for national curriculum policies. Journal of Curriculum Studies, 299-321.
- Partnership for 21st Century Learning (P21). (2017). P21 Framework for 21st century learning. P21 Framework for 21st century learning: Retrieved from http://www.p21.org/storage/documents/docs/P21_framework_0816.pdf
- (2020). Supporting teachers and education personnel during times of crisis. UNESCO Education Sector.
- United Nations. (2020). Policy Brief: Education during COVID-19 and beyond.
[1] – باحثة في العلوم التربوية، طالبة دكتوراه في الجامعة اللبنانية- بيروت، لبنان
Researcher in educational sciences, doctoral student at the Lebanese University – Beirut, Lebanon-Email: hanadishafee@gmail.com