التنمية المحلّيّة المستدامة ودور البلديات في ظل التّحوّلات الرّقمية (دراسة مقارنة بين بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك)
عنوان البحث: التنمية المحلّيّة المستدامة ودور البلديات في ظل التّحوّلات الرّقمية (دراسة مقارنة بين بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك)
اسم الكاتب: حنان محمد عزالدين
تاريخ النشر: 18/07/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 32
تحميل البحث بصيغة PDFالتنمية المحلّيّة المستدامة ودور البلديات في ظل التّحوّلات الرّقمية
(دراسة مقارنة بين بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك)
Sustainable local development and the role of municipalities in light of digital transformations
(A comparative study between the municipality of Ghobeiry and the municipality of Baalbek)
حنان محمد عزالدين([1]) Hanan Mouhammad Ezddina
تاريخ الإرسال: 20-6-2024 تاريخ القبول: 2-7-2024
الملخص
تهدف هذه الدّراسة إلى التعرف بالدور الأساسي والجوهري الذي تؤديه المجالس البلديّة والمجتمع المحلي في تحريك عجلة التنمية المحلّيّة المستدامة في بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك في ظل التّحوّلات الرّقمية التي يشهدها العالم، وكيف استطاعت هذه البلديات اتباع مخططات استراتيجيّة منظمة، وأنشأت نماذج أعمال جديدة لقطاعات العمل المدعومة بالتقنيّة. ولتحقيق هذا الهدف اعتُمِد على تقنية المقابلة كأداة لجمع المعلومات، والبيانات مع رؤساء هذه البلديات وموظفين إداريين فيها. وكشفت نتائج الدّراسة إلى أن هذه البلديات لا تزال في بداية تحولها الرّقمي، وتحتاج إلى وضع خطط استراتيجية علميّة تساهم في تحولها إلى البلديات الإلكترونيّة.
الكلمات المفتاحيّة: التنمية، التنمية المحلّيّة المستدامة، البلديات، التّحوّل الرّقمي.
Abstract
This study aims to identify the basic and essential role played by the municipal councils and the local community in moving the wheel of sustainable local development in the municipality of Ghobeiry and the municipality of Baalbek in light of the digital transformations that the world is witnessing, and how these municipalities were able to follow organized strategic plans, and established new business models for work sectors supported by technology. To achieve this goal, the interview technique was relied upon as a tool for collecting information and data with the heads of these municipalities and their administrative staff. The results of the study revealed that these municipalities are still at the beginning of their digital transformation and need to develop scientific strategic plans that contribute to their transformation into electronic municipalities.Keywords: development, sustainable local development, municipalities, digital transformation
المقدمة: تقدمت التنكولوجيات الرّقمية بسرعة تفوق أي ابتكار في تاريخنا، فهي تشهد في العصر الحالي تطورًا هائلًا فأصبح من الصعب مواكبة ذلك بسبب كثرة الاختراعات، والابتكارات
والإبداعات التي يشتهر بها هذا المجال المعرفي الغني والتي انعكست في الحياة اليوميّة للأفراد والمجتمعات.
نتج عن هذا التقدم التكنولوجي تغييرات في النّظم الإداريّة، وقد أثر على طبيعتها وشكل عملها، فأصبحت تركز على البعد التكنولوجي والمعلوماتي في صياغة الخدّمات العموميّة وبالتالي التّحوّل نحو الإدارة الإلكترونية كمفهوم يعبّر عن السّرعة والتّفاعل الآلي واختراق الحدود.
ولقد أدى التّحوّل نحو الإدارة الإلكترونيّة إلى تراجع الإدارة التّقليديّة، فإدخال تكنولوجيا
المعلومات والحاسوب الآلي، والاتصالات في عالم الإدارة أدى إلى تحويل الأعمال والخدمات
الإدارية التقليدية إلى أعمال، وخدمات الكترونيّة تسهم في تبسيط الإجراءات الإداريّة، وتسهل
عملية صنع القرار وتمكن الإدارة من التّخطيط بكفاءة وفاعليّة.
وبعد أن تغلغلت التكنولوجيا في مفاصل الحياة جميعها، بدأ التّحوّل الرّقمي يفرض نفسه على المجالات الخاصة والعامة كافة. وبما أن البلديّة تتصدر الأجهزة الحكوميّة في علاقتها مع المواطنين وتقديم الخدمات الواجب تقديمها لهم، لم يعد بإمكانها الوقوف موقف المتفرج على التطورات الإدارية والمعلوماتيّة الحاصلة من حولها، فلم يعد التّحوّل الرّقمي لإتمام معاملات
المواطنين مجرد خيار، بل حاجة ملحة لتسهيل وتلبية حاجات المواطن وهو الهدف الذي تسعى اليه الدول جميعها.
من هنا يبرز دور الجماعات المحلّيّة وعلى رأسها البلديّة في تحقيق التنمية المحلّيّة المستدامة إنطلاقا من الخطط الاستراتيجيّة التي تضعها البلديات في ظل التّحوّلات الرّقمية، والثورة العلمية التكنولوجيّة التي أحدثت تغييرات جذرية في حياة الأفراد والمجتمعات. فالتّحوّل الرّقمي داخل البلديات لا يتعلق بالتّقنية فحسب، بل بإعادة تعريف إستراتيجيّة عملها .
وكون البلديّة تعكس فهم الدولة القانوني لمسألة التنمية المحلّيّة المستدامة، كان لا بد من البحث في الدور الذي تؤديه هذه المجالس في تنمية المدن والبلدات في لبنان، وكشف قدرة بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك في تحقيق أهداف التنمية المحلّيّة المستدامة من خلال تحولها من النّظام الإداري التقليدي إلى النّظام الإلكتروني.
أولأ: أهمية البحث
قمنا باختيار الموضوع الذي يحمل العنوان “ التنمية المحلّيّة ودور البلديات في ظل التّحوّلات الرّقمية(دراسة مقارنة بين بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك)”، للبحث في الدور الذي تؤديه بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك في تنمية المناطق التابعة لها في العام 2022، فمن المفترض أن يكون هذا الدور ذا أفق أوسع من أي تحديد قانوني، ويسعى لتحقيق التنمية المحلّيّة المستدامة، والتغيير المنشود نحو الأفضل باتباع منهجيّات سليمة، ووضع خطط استراتيجيّة علميّة ومنظمة تحتاج للعناصر البشرية المتخصصة التي تمتلك الخبرات التقنيّة، والقدرات العلمية المطلوبة للوصول إلى النتائج المرجوة متزامنًا مع التّحوّلات الرّقمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم.
لذا تتمثل أهمية البحث في الآتي:
- البحث في أهمية دور البلديات وكيفيّة تحويلها إلى الكترونية لما يمثله هذا الدور من أهمية قصوى في ضرورة التّحوّل من العمل الإداري التقليدي فيها إلى العمل الإداري الإلكتروني الذي يسعى لتمكين المواطن من إنجاز معاملاته بيسر وسهولة.
- البحث في دور التّطبيقات الإلكترونيّة في هذه البلديات، وأثرها في تحسين جودة المشاريع والخدمات المقدمة إلى المواطنين.
ثانيًا: أهداف الدّراسة
تتمثل أهداف الدّراسة في الآتي:
- القاء الضوء على إتجاهات ومعوقات المجالس البلديّة في الغبيري و بعلبك (السياسات والإجراءات والممارسات) التي تتبعها لتحقيق التنمية المحلّيّة المستدامة، والتعرف على دور تطبيق وإدخال التكنولوجيا الحديثة فيها وأثرها في تحسين جودة المشاريع والخدمات.
- القاء الضوء على أهمية تحويل بلديّة الغبيري إلى بلديّة الكترونيّة.
- التعرف إلى معوقات تحول بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك إلى الكترونيّة.
- إلقاء الضوء على أبرز المشاريع التي أُنجِزت بعد التّحوّل إلى بلديات الكترونيّة، وكيف أثر هذا التّحوّل في تسريع عجلة التنمية فيها.
- تبيان التفاوت في تحقيق أهداف التنمية المحلّيّة في هذه البلديات بعد اتباعها استراتيجيات التّحوّل الرّقمي والقاء الضوء على أبرز المعوقات.
ثالثّا: الدراسات السّابقة سنعرض بعض الدراسات السّابقة المهمّة، بهدف تبيان الفروقات بين دراستي وهذه الدراسات السابقة.
- طروحة منير سعيد مهنا (2012-2013)، وهي أطروحة دكتوراه في العلوم الاجتماعية مؤلفة من 416 صفحة، الجامعة اللبنانيّة، كلية العلوم الاجتماعية- العمادة، بإشراف الدكتور أنطوان ساروفيم، بعنوان “فاعليّة المؤسسات الحكومية ودورها في التنمية المحلّيّة، حالة مراكز الخدمات الإنمائية في لبنان”
تناولت الأطروحة موضوع المؤسسات الحكومية ودورها في التنمية المحلّيّة،إذ قدّم الباحث خلال الأطروحة مقاربة نقديّة للنصوص التنظيميّة من جهة، وللفهم السّائد من جهة أخرى حول معنى التنمية والعمل الاجتماعي، من خلال دراسته لحالة مراكز الخدمات الإنمائيّة في لبنان.
وأظهرت نتائج الدّراسة أنّ من شروط التنمية هو أن تبنى على الوعي المجتمعي، فتكون جزءًا من هموم الإنسان وتطلعاته، فلا تنمية من دون التزام، ولا التزام من دون وعي، لأنّ التنمية في تحققها المجتمعي هي الوعي الفاعل بإرادة ملتزمة لقضايا الإنسان والمجتمع.
- أطروحة مايز مصطفى يونس (2014)، وهي أطروحة دكتوراه في العلوم الاجتماعيّة مؤلفة من 440 صفحة، الجامعة اللبنانيّة، كلية العلوم الاجتماعيّة- العمادة، بإشراف الدكتور علي الموسوي، بعنوان “منظمات المجتمع المدني ودورها في التنمية المحلّيّة (قراءة في تجارب 3 منظمات مدنية لبنانية)”.
سعى الباحث من خلال أطروحته إلى رصد مستويات حضور عامل الالتزام بمعايير العمل المدني والمحافظة عليها، كما رصدت في عمل المؤسسات الثلاث تحقيق استقلالية قرارها في انتاج سياساتها وخططها وبرامجها ومشاريعها، وطبيعة العلاقات التي تنسجها مع الأطراف التي تتحالف معها وتتعاون، حزبيّة وسياسيّة ومجتمعيّة والتي تمدها بعناصر الدعم والمساندة، وما يميزها من غيرها من منظمات وجمعيّات أهليّة مذهبيّة وطائفيّة وتقليديّة على هذا الصعيد، وكذلك سعى الباحث إلى رصد عوامل القوة والدّفع التي تيتند إليها في تحقيق تقدمها، وتطورها وتأمين عوامل صمودها واستمرارها، وسط التناقضات المحتدمة التي يعيشها المجتمع اللبناني في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد. وكذلك درس الباحث بشكل أساسي الدور الذي تؤديه هذه المنظمات على صعيد التنمية المحلّيّة لأفراد المجتمع جميعهم (صحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا…).
- دراسة بعنوان: “أثر التّغيير التّنظيمي في نجاح التّحوّل الرّقمي بالمؤسسات العموميّة الجزائريّة، دراسة استطلاعيّة لعينة من بلديات ولاية سكيكدة”. للكاتبين : يوب أمال وبودبزة إكرام.
هدفت هذه الدّراسة إلى معرفة أثر التّغيير التنظيمي في نجاح التّحوّل الرّقمي في المؤسسات `
- وما يميز دراستي عن هذه الدراسات، هو أنني سوف أتناول موضوع التنمية المحلّيّة ودور كل من بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك في ظل التّحوّلات الرّقمية، في العام 2022 .
رابعًا: الإشكالية
دخلت المؤسسات الرّسميّة والخاصة ومنها المجالس البلديّة في لبنان مرحلة النشاط بالاستعانة بالرقمنة، وأدخلت في مجال عملها التنموي الخدمات التقنيّة والتكنولوجيّة الحديثة. ففي المرحلة الرّاهنة يتطلب من بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك أن تتخطى عملها التقليدي في نطاق الخدمات إلى مجال أوسع نحو العمل التنموي والذي يتطلب تطوير البلديات إلى الكترونيّة، وتأهيل القيادات المحلّيّة في مجالات الإدارة التنموية المعاصرة.
من هنا نطرح السؤال الإشكالي الآتي:
ما الدّور الأساسي والجوهري الذي تؤديه المجالس البلديّة، والمجتمع المحلي في تحريك عجلة التنمية المحلّيّة المستدامة في بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك في ظل التّحوّلات الرّقمية التي يشهدها العالم؟ وهل استطاعت هذه البلديات اتباع مخططات استراتيجيّة منظمة، وأنشأت نماذج أعمال جديدة لقطاعات العمل المدعومة بالتقنية؟ وكيف برز التفاوت في تحويل هذه البلديات من الإدارة التقليدية إلى الإدارة الإلكترونيّة؟
خامسًا: فرضيات الدّراسة
- هناك علاقة ارتباط بين ما تطرحه بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك من خطط تنموية معتمدة على التّحوّلات الرّقمية وبين واقع هذا الدور الذي تقوم به، فكل ما تطرحه هذه البلديات لا يمتّ إلى مفهوم التنمية بصلة وهو مجرد إنفاق على بنى تحتية.
- إنّ النطاق البلدي الحالي في الغبيري وبعلبك ليس نطاقًا رقميًّا، فهذه البلديات تقدم خدماتها عبر الوسائل التّقليديّة بزيارة مركز خدمة الجمهور والتنقل من دائرة إلى أخرى.
سادسًا: تقنيات الدّراسة
- الملاحظة: وهي الأداة المرنة التي سأقوم بإستخدامها للتحقيق في سلوك الأفراد الظاهري، ولجمع المعلومات التي ستوصلني إلى المعرفة العلمية حول موضوع البحث.
- المقابلة الموجهة: استخدمنا في هذه الدّراسة تقنية المقابلة الموجهة لجمع المعلومات والبيانات والحقائق حول موضوع الدّراسة، فهي تعد من أدوات الدّراسة المهمّة التي يعتمد عليها الباحث العلمي في جمع المعلومات حول موضوع البحث الخاص به متمتعا بالمصداقيّة التامة وستكون على مراحل مع:
- بلديّة الغبيري
أ- رئيس بلديّة الغبيري: الأستاذ معن الخليل.
ب- المستشارة الإعلاميّة لبلديّة الغبيري: الأستاذة سوزان الخليل.
- بلديّة بعلبك
أ- رئيس بلديّة بعلبك: الأستاذ فؤاد بلوق.
ب- مدير مكتب رئيس البلديّة: الأستاذ صبحي بلوك.
سابعًا: أطر الدّراسة
- الإطار البشري: المسؤولين في كلٍّ من بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك.
- الإطار الجغرافي:
أ- بلديّة الغبيري (محافظة بيروت-لبنان).
ب- بلديّة بعلبك (محافظة بعلبك – الهرمل – البقاع – لبنان).
- الإطار الزّمني: قمنا بدراسة دور المجالس البلديّة في الغبيري، وبعلبك في التنمية المحلّيّة المستدامة في العام 2022، وقد استغرقت هذه الدّراسة مدة الشهرين لإنجازها.
ثامنًا: مناهج الدّراسة
نظرًا لطبيعة موضوع الدّراسة فقد استخدم الباحث المنهج الاستقرائي التّحليلي من خلال مراجعة عدد من الدراسات السّابقة، والخطط التنموية المستخدمة في البلديات وذلك نظرًا لطبيعة الدّراسة ومدى ملائمة هذا المنهج لها. إذ ستسعى هذه الدّراسة إلى التعرف إلى دور تحول البلديات من الإدارات التقليدية إلى الأدارات الإلكترونيّة ومدى مساهمة هذا الحول في تحقيق التنمية المحلّيّة المستدامة من خلال الخطط التي تضعها. ومن أهم ما يميز هذا المنهج أنّه يدرس واقع الظاهرة ويصف خصائصها بدقة.
تحديد المفاهيم: يتكرر استخدام عدّة مفاهيم على امتداد هذه الدّراسة، من هذا المنطلق سنعرض فيما يلي التعريفات العلميّة والإجرائيّة للمفاهيم المهمّة المستخدمة فيها.
أ- التنمية المحلّيّة: التنمية المحلّيّة ليست مجرد مجموعة متغيرات اقتصاديّة، اجتماعيّة، سياسيّة، إداريّة، ثقافيّة… إلخ، بل إنّها محطة تفاعلات متعاطفة مستمرة بين بنى هذه العوامل ضمن إطار جغرافي محدد، فتصبح التنمية عمليّة مجتمعيّة واحدة ودائمًا وموجهة وفق إدارة وطنيّة مستقلة من أجل إيجاد تحولات هيكلية، وإحداث تغييرات سياسية تسمح لنا وللدّول بتحقيق تصاعد مضطرد بالقدرات للمجتمع، ولتحسين مستمر لنوعية الحياة. (أبو ضرغم، عاطف، التنمية المحلّيّة، محاضرات سنة 2013-2014)
ويرى البعض، “أن تنمية المجتمع هي منهج علمي وواقعي لدراسة وتوجيه المجتمع من النواحي المختلفة، مع التركيز على الجانب الإنساني منه، وذلك بهدف إحداث التكامل والترابط بين مكونات المجتمع، وتعني التنمية من النّاحية الحضاريّة تغيرًا أساسيًّا في كل أنماط الحياة السّائدة، ويتبع هذا تغيير نوعي وكمي في صور العلاقات الاجتماعيّة في مجالات النشاط البشري كافة في المجتمع. (العبد، نهى عاطف وعاطف عدلى، الإعلام التنموي والتغيير الاجتماعي، القاهرة، دار الفكر العربي، العام 2007، ص 9-10)
2- البلديّة: البلديّة هي إدارة محليّة، تقوم ضمن نطاقها بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون، تتمتع البلديّة بالشّخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي والإداري في نطاق هذا القانون. (المهندس الجردي، هشام، السّلطات والبلديات، المركز الوطني للدّراسات وللطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1998، ص 19)
البلديّة كيان إداري حديث العهد، تكونت من هيئة أهليّة محليّة عن طريق التّعيين والانتخاب، وتميزت بالشّخصيّة المعنويّة ذات الصفة العامة، اقتبسها أرباب التّنظيمات العثمانيّة في الأساس من النّموذج الأوروبي: (رزق الله، شارل، مؤتمر البلديّات والتنمية المحلّيّة، الدّافع والآفاق، بيت عين، حريصا، السبت 29 شباط 2010).
- التّحوّل الرّقمي
يعرف التّحوّل الرّقمي “أنّه العمليّة التي يجري فيها تحويل المواد غير الرّقميّة (الكتب – المخطوطات – الجرائد – المواد السّمعيّة والبصريّة) إلى شكل ملفات رقميّة يمكن التّعامل معها من خلال تكنولوجيا الحاسبات عن طريق استخدام الماسحات الضوئيّة، أو أي معدات أو أجهزة أخرى”.(الخثمعي،2011،ص21). فالتّحوّل الرّقمي بالنسبة إلى المؤسسات هو عملية الاستفادة من التقنيات الحديثة لتكون أكثر إدراكًا ومرونة في العمل، وقدرة على التّنبؤ والتخطيط للمستقبل وبهذه السّمات نتمكّن من الابتكار، والموائمة بشكل أسرع لتحقيق النتائج المرجوة من أعمالها والسّير نحو النجاح(الصمع،2018).
وعليه يمكن تعريف التّحوّل الرّقمي أنّه عمليّة انتقال المؤسسة من الشّكل التّقليدي إلى الشّكل الرّقمي، أي التّحوّل من المعاملات الورقية إلى المعاملات الرّقمية، القائم على التغيير المرتبط بتطبيق التكنولوجيا الحديثة في مختلف مجالات عمل المؤسسة لأجل تحقيق أهدافها في الوقت المناسب وبأقل تكلفة ممكنة.
البلديّة الإلكترونيّة (البلديّة الذكيّة): البلديّة الإلكترونية هي الممارسة العملية لتحويل الخدمات الحكومية من الوسائل التّقليديّة إلى الوسائل الالكترونية باستخدام تقنيات إتصالات المعلومات الحديثة (ICT)لتوفير سهولة الوصول إلى الخدمات الحكوميّة للمستخدمين جميعهم مثل المواطنين والشّركات والهيئات الحكوميّة.(Hanum et al.,2020)
كما وتعرف البلديّة الإلكترونيّة أنّها سعي الدّولة إلى إعادة ابتكار نفسها من أجل تأدية مهامها بشكل فعّال في الاقتصاد العالمي المتصل بشبكة الإنترنت، والحكومة الإلكترونيّة ليست سوى تحول جذري في الطرق التي تتبعها الحكومات لمباشرة إعمالها على نطاق لم تشهده منذ بداية العصر الصناعي.(الشريف،2009).
أقسام الدّراسة
- المبحث الأول: متطلبات التّحوّل الرّقمي في البلديات وفوائده.
- المبحث الثاني: دور التّحوّل الرّقمي في تحسين خدمات الإدارة المحلّيّة
- المبحث الثالث: معوقات تطبيق البلديّة الإلكترونيّة
- المبحث الرابع: مشروع رقمنة بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك بين الواقع والتطبيق والتحديات.
- النتائج والتوصيات
تمهيد
تبتغي البلديات بشكل عام ضمن الصلاحيات المعطاة لها، وحدود مناطقها إلى تقديم الخدمات للمواطنين وتوفير متطلباتهم واحتياجاتهم، إذ تُقدّم الخدمات مباشرة بواسطة موظفيها ومستخدميها، أو تعهد بها أو ببعضها إلى متعهدين، أو مقاولين كما يحقّ لها أن تعطي امتيازات لأشخاص أو شركات لتقوم ببعض هذه الخدمات وتوفيرها للمواطنين.
فأهمية هيئات الحكم المحلي تنبع من الخدمات المتعددة التي تقدمها بأشكالها كافة، من مهام في البنية التّحتيّة والكهرباء ومياه، وصرف صحي، وطرق، وأرصفة، وإنشاء شبكات، وحدائق… إضافة إلى الأدوار التي تهمّ التّخطيط والبناء، والتّنظيم فتقوم بدور أساسي في إعداد مخططات هيكلية تخدم الأهداف الوطنية مع مراعاة القوانين المحلّيّة، وهذه الأمور كلّها تقوم بها البلديات سواء أكانت بلديّة تقليديّة أم بلديّة استطاعت استخدام الأنظمة التّكنولوجيّة الحديثة.
لذا يتطلب من البلديات في المرحلة الرّاهنة أن تتخطى عملها التقليدي في نطاق الخدمات إلى مجال أوسع نحو العمل التنموي، من خلال تطوير عملها الكترونيًّا وتأهيل القيادات المحلّيّة في مجالات الإدارة التنموية المعاصرة، والتّخطيط التنموي والعمل على استخدام آليات جديدة تحول البلديات من التركيز على تقديم الخدمات إلى بلديات قادرة على إحداث تنمية حقيقيّة.
من هذا المنطلق سنسعى من خلال هذه الدّراسة إلى القاء الضوء على آليات تحول كلّ من بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك من البلديات التقليدية إلى الإلكترونيّة. فهل استطاعت هذه البلديات التّحوّل بشكل كامل إلى الكترونيّة؟ وهل كان هذا التّحوّل بالمستوى نفسه في هذه البلديات؟ وما كانت أبرز معوقات هذا التّحوّل؟
المبحث الأول: متطلبات التّحوّل الرّقمي في البلديات وفوائده
نعيش اليوم متغيرات متواترة ومتتالية في العالم الرّقمي، وللإستفادة من هذا التغير نحن بحاجة إلى رؤية شاملة لما ينبغي على البلديّة أن تركز جهودها عليه لتحسين وتطوير ممارسات التّحوّل إلى البلديّة الرّقمية مبنية على أسس علميّة، وعمليّة تتضمن التّحوّل السلس من الهياكل البيروقراطية الحاليّة إلى هياكل مرنة تتسم بالشّفافيّة وتركز على المواطن واحتياجاته.
لكن المؤسسات الحكوميّة ومنها البلديات تواجه العديد من التحّديات للتحول الرّقمي، وتبني أنظمته فهذا يتطلب منها توافر عدد من العناصر الأساسيّة .
أولًا: متطلبات التّحوّل الرّقمي
- أن يتوفر لديها أجهزة حاسبات وبرامج تطبيقات متطورة، تضمن تصميم النّظام بصورة تحقق الكفاءة في أداء الخدمة في ظل بنية تحتيّة متكاملة للإتصالات وأنظمة معلومات متكاملة، ووضع برامج تدريبيّة للعاملين في البلديّة. (الخوري علي محمد، الحكومة الرّقمية، ص 20 – 21).
- توفير الإنترنت بشكل سريع وفعال، التّنسيق، الإشراف والمتابعة للخطط الموضوعيّة، وتقييم نتائج التنفيذ أولًا بأول في ظل إطار من الشّفافيّة. (حجازي، الإدارة الإلكترونية ونظامها، ص 50).
- تطوير البلديات يتطلب نجاح تطبيق إستراتيجية التّحوّل الرّقمي فيها إلى إجراء التّغييرات التنظيميّة داخلها. فأساليب الإدارة التقليديّة لا تتناسب مع تطبيقات التّحوّل الرّقمي للمؤسسات الحكوميّة التي تتطلب المرونة والسّرعة في إتخاذ القرارات، إذ تتطلب تغيّر الهياكل بالتّحوّل إلى الهياكل الشّبكيّة ما يقلل من التوجّه نحو دمج الوظائف، وتقليل المستويات الإدارية. (إيمان زكي، الحكومة الإلكترونية مدخل إداري متكامل، ص 72).
- تمكين المواطنين من التّعامل مع البلديّة الرّقميّة، فيكون المواطن على دراية ومعرفة بطرق التعامل مع الحكومة الرّقمية، ما يترتب على المؤسسات التعليميّة مسؤوليّة تطوير مناهج وتقنيات التعليم بما يتفق ومعطيات العصر الرّقمي، وتقبلهم لاستخدام البلديّة الرّقمية. (محمد سمير عبدالوهاب، المعاصرة للحكم المحلي والبلديات…، ص 27)
- تنظيم تعاملات البلديّة مع المواطنين من خلال وضع إطار قانوني ينظم هذه التعاملات مع حماية حقوق ومصالح الطرفين، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها تطبيق النظام الرّقمي(علا الخواجة، الفرص والتحديات أمام تطبيق نموذج الحكومة الإلكترونيّة في مصر).
ثانيًا: فوائد التّحوّل الرّقمي في البلديات
يجب أن نأخذ بالحسبان أن البلديّة الإلكترونيّة ليست الحلّ السّحري لمشاكلنا، ولن تغير طبيعة العمل البلدي وأداءه بشكل فوري، بل هي عملية تطوير إداري ثقافي شاملة تحتاج لوقت ومراحل عديدة.
وهنا لا بد من ذكر بعض الفوائد المهمّة لتّحوّل إلى البلديّة الإلكترونيّة التي ستطال جوانب الحياة كافة منها: الاقتصادية والإداريّة والاجتماعيّة.
- الفوائد الاقتصادية (عبد القادر موفق، “البلديّة الإلكترونيّة” كآلية لتعزيز الشّفافيّة الإداريّة والماليّة في البلديات الجزائريّة، مجلة العلوم الإنسانيّة، العدد 40، جامعة محمد خيضر- بسكرة، 2015، ص:177)
- – توفير المال والوقت والجهد على الأطراف جميعها التي تتعامل من خلال البلديّة الإلكترونيّة مقارنة بالطريقة التّقليديّة.
- – ذهاب الخدمة إلى العميل أو الجهة المعنية وليس العكس.
- – إتاحة فرص وظيفيّة جديدة في مجالات عديدة مثل إدخال البيانات، وتشغيل البنية التحتية للبلديّة الإلكترونية وأمن المعلومات وصيانتها.
- – فتح قنوات استثماريّة جديدة من خلال التّكامل بين البلديّة الإلكترونية محليًّا، والحكومة الإلكترونيّة مركزيًّا وذلك عن طريق استخدام التّطبيقات والتّقنيات نفسها، والتّبادل الداخلي للبيانات.
- الفوائد الإدارية (عبد القادر موفق، “البلديّة الإلكترونية”، مرجع سبق ذكره، ص 178).
- إن التّحوّل إلى البلديّة الإلكترونيّة يساهم في تنظيم العمليات، وتحسين الأداء الوظيفي والعمل بروح الفريق الواحد وتوحيد الجهود.
- زيادة الشّفافيّة في التّعامل فتلغى المحسوبيّة والمجاملة والقضاء على البيروقراطيّة.
- الفوائد الاجتماعيّة (عبد القادر موفق، “البلديّة الإلكترونية”، مرجع سبق ذكره، ص 179).
- تسهيل التواصل الاجتماعي وتسريعه من خلال التّطبيقات الإلكترونيّة.
- خلق مجتمع معلوماتي ذي كفاءة قادر على التعامل مع المعطيات التقنيّة ومواكبة التطورات التكنولوجيّة.
- الاقتراب من المواطن المحلّيّ عبر بناء بوابة إلكترونيّة شاملة عن البلديّة.
- تسليط الضوء على مشاريع البلديّة وحدائقها ومنتزهاتها.
- تخفبف الأعباء على المواطن من خلال توزيع الإستمارات الإلكترونية.
المبحث الثاني: دور التّحوّل الرّقمي في تحسين خدمات الإدارة المحلي
يُعد التّحوّل الرّقمي أو تطبيق الحكومة الإلكترونيّة الخيار الأفضل للبلديات لتحقيق التحسين المستمر في الخمات المقدمة وبلوغ هدف الخدمة المتميزة. فهذا التّحوّل يؤدي إلى زيادة الإنتاجيّة وتحسين جودة الخدمات وتخفيض التّكاليف، وهذا هو الهدف والطلب الرئيس للبلديات.
فتحسين الأداء داخل المؤسسات الحكومية بشكل عام والبلديات بشكل خاص وليصبح هذا الأداء أكثر كفاءة وفاعليّة لا بد من تطبيق تقنيات الحكومة الإلكترونيّة. من هنا فإنّ تحسين إدارة المشاريع والخدمات داخل البلديات مرتبط بالآتي: (نجوى جبران، تطبيق تقنيات الحكومة الإلكترونية، 2022)
- سرعة الاستجابة والتّكيف مع متطلبات البيئة المحيطة من خلال مواكبة عصر المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات الملائمة.
- التّسارع في الثورة التكنولوجيّة والمعرفيّة.
- تحسين مستوى إدارة المشاريع والخدمات داخل البلديات، وتفعيل الرّقابة على أعمال الحكومة.
- ترسيخ مبدأ الثقافة والمساءلة والعدالة وغيرها داخل البلديات.
المبحث الثالث: معوقات التّحوّل إلى البلديّة الإلكترونيّة (بن عياش اسيا، 2020، ص268)
تواجه البلديّة الإلكترونيّة مجموعة من العقبات التي تحول من دون التّطبيق الناجح لها أبرزها:
- معوقات إدارية: وتتمثل بالإجراءات الإدارية وإنعدام مرونة الهياكل التنظيمية، وإنعدام التّخطيط لبرامج الحكومة الإدارية، وكذلك وجود مخاوف على مستوى القيادات الإدارية العليا إضافة إلى غياب التنسيق بين الإدارات المختلفة.
- معوقات بشريّة: تتمثل في العراقيل الإدارية التي تجعل تطور الحكومة الإلكترونيّة عمليّة متعثرة، ومن هذه المعوقات المّهمة:
– تعقيد الإجراءات وإنعدام مرونة الهياكل التنظيميّة.
– إنعدام التخطيط لبرامج البلديّة الإلكترونيّة وخاصة في الجانب الإستراتيجي.
– وجود مخاوف على مستوى الإدارة العليا في بعض الدول من تنفيذ مشروع البلديّة الإلكترونية نظرًا لعناصر مهمة كالشّفافيّة وتكافؤ الفرص والمشاركة.
- معوقات مالية: وهي تشكل العقبة الحاسمة إذا لم تُوفَّر المخصصات الكافية لتمويل البنية الأساسية لهذا المشروع.
- معوقات تكنولوجيّة وقانونيّة: وتتمثل في عدم متابعة التقدم التقني في مجال الحاسب الآلي، وقد ارتفعت معدلات التغيير في تكنولوجيا الاتصالات، والمعلومات بصورة كبيرة في الوقت الذي يبحث فيه الأفراد عن الاستقرار، وكذلك عدم وجود مواصفات ومعايير ثابتة لأجهزة الحاسب الآلي المستخدمة في إنجاز الخدمات، وعدم اعتماد الوثائق الإلكترونيّة كبديل عن الوثائق التقليديّة في إجراء المعاملات سواء ما تعلق منها بالعقود أو التوثيق، الحقوق والإلتزامات، وازدياد حجم المخالفات والجرائم الواقعة على المعلومات منها ما يتعلق بسرقة البريد الإلكتروني أو سرقة الإتمنان وكذلك سرعة التّوقع الإلكتروني.
المبحث الرابع: مشروع رقمنة بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك بين الواقع والتطبيق والتحديات.
تسعى كل من بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك إلى بناء بلدياتهما الرّقمية من أجل الوصول إلى إدارات محلية تتعامل رقميا في كافة مناحي الحياة، لذا تعمل كل من هذه البلديات على تعزيز تنمية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات وتحسين الخدمات الرّقمية فيها، وذلك لتحسين أدائها ورفع جودة الخدمات وكفاءتها من خلال تحسين بنية العمل، وتوفير الدّعم العملي لتحقيق التنمية المستدامة.
وسنحاول من خلال هذا البحث إلقاء الضوء على تجربة كل من بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك في التّحوّل الرّقمي، وذلك من خلال عرض الاستراتيجيّة التي اتبعتها هذه البلديات عن طريق عرض، وتحليل نتائج المقابلات الموجهة التي أُجريت مع رؤوساء البلديات وعدد من المسؤولين فيها.
الجدول رقم:1 معلومات عامة عن بلدة الغبيري وبلدة بعلبك
وحدة القياس |
الغبيري |
بعلبك |
المحافظة |
جبل لبنان |
بعلبك – الهرمل |
المساحة |
7 كلم مربع |
7 كلم مربع |
عدد السكان |
250 ألف نسمة |
200 ألف نسمة |
المصدر: إالجدول عداد الباحث- مصدر المعلومات: المستشارة الإعلامية لبلديّة الغبيري الأستاذة سوزان الخليل ومديرمكتب رئيس بلديّة بعلبك الأستاذ صبحي بلوق
- وضع هذا الجدول لنبين التشابه بين البلديتين في المساحة وعدد السكان.
الجدول رقم 2: الجهاز البلدي في الغبيري وبعلبك
البلديّة |
الغبيري |
بعلبك |
رئيس البلديّة |
الأستاذ معن الخليل |
الأستاذ فؤاد بلوق |
عدد أعضاء المجلس البلدي |
21 عضوًا |
21 عضوًا |
عدد الناخبين |
24 ألف |
20 ألف |
عدد الموظفين الإداريين |
260 |
16 |
عدد أجهزة الكمبيوتر |
35 |
13 |
المبلغ الذي خصص لشراء أجهزة الكمبيوتر |
500 مليون ليرة لبنانية |
100 مليون ليرة لبنانية |
المبلغ المخصص لصيانة الأجهزة |
700 مليون ليرة لبنانية |
300 مليون ليرة لبنانية |
المصدر: إالجدول عداد الباحث- مصدر المعلومات: المستشارة الإعلاميّة لبلديّة الغبيري الأستاذة سوزان الخليل ومديرمكتب رئيس بلديّة بعلبك الأستاذ صبحي بلوق- مصدر المعلومات، وزارة الداخلية والبلديات، جداول قطع حساب الخاص ببلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك 2022.
- يتبين لنا من خلال الجدول رقم 2 تشابه من كل من بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك في أعداد المجلس البلدي والنّاخبين، بينما تختلف كلّ من البلديتين في عدد الموظفين بين 260 موظف إداري في بلديّة الغبيري و16 موظف أداري في بلديّة بعلبك، كما بلغ عدد أجهزة الكمبيوتر في الغبيري 35 جهازًا و16 جهاز في بلديّة بعلبك. أمّا بالنسبة إلى موازنة البلديتين في العام 2022 ، فإنّ موازنة الغبيري بلغت 39 مليار ليرة لبنانية، وانخفضت مقابلها موازنة بلديّة الغبيري إلى 13 مليار ليرة لبنانيّة. أمّا بالنسبة إلى التجهيزات فقد خصص مبلغ 500 مليون ليرة لشراء الأجهزة في بلديّة الغبيري، وانخفض إلى 100 مليون في بلديّة بعلبك.أما بالنسبة إلى النّفاقات على صيانة الأجهزة فقد بلغت 700 مليون في بلديّة الغبيري و300 مليون في بلديّة بعلبك.
- تجدر الإشارة هنا أن شراء أجهزة الكمبيوتر تأتي تحت مسمى التجهيزات، ولا يُخصّص مبلغ خاص لها، وقد لاحظنا الفارق بين عدد الموظفين وعدد أجهزة الكمبيوتر فلا يمكن احتساب أنّ لكل موظف إداري جهاز خاص به في كل من البلديتين,
- من خلال هذه المعطيات يتبين لنا أنّه لا يوجد مؤشر على وضع خطة استراتيجيّة للتحول الرّقمي في كلتا البلديتين، وأن المبالغ الضخمة تنفق على الصيانة من دون وضع خطط مدروسة، كما يتبين لنا الفارق بين عدد الموظفين وعدد أجهزة الكمبيوتر لذا لا يمكن أن يكون لكل موظف إداري جهاز خاص به، وهذا مؤشر آخر على عدم المضي في عملية التّحوّل الرّقمي في هذه البلديات .
أولًا: الخطوات المهمّة التي قامت بها بلديّة الغبيري للتحول إلى بلديّة الكترونيّة
سعت بلديّة الغبيري منذ العام 2018 إلى وضع خطة للمضي في عملية التّحوّل إلى البلديّة الإلكترونية ومن المنجزات المهمّة لهذه البلديّة حتى العام 2022 :
- جُهِّز المبنى ب 35 جهاز كمبيوتر.
- عمدت البلديّة إلى إجراء دورات تدريبيّة دوريّة للموظفين لمواكبة التّطور التكنولوجي.
- جرت رقمنة الأرشيف الخاص بالبلديّة.
- تأمّن الإنترنت بشكل دائم في البلديّة خاصة بعد أزمة كورونا.
- أصبح للبلديّة موقع الكتروني خاص بها وهو: http://m.ghobeiry.gov.lb
من خلاله يستطيع المواطن الاطلاع على نشاطات البلديّة، والإعلانات ومواعيد الدّورات التي تقيمها…
- أنشأت الحساب الخاص بها على تطبيق facebook.
- أنشأت البلديّة البطاقة الإلكترونيّة الخاصة بالموظفين.
- أُنشئت المكتبة الخاصة بها وهي مجهزة بعدد كبير من أجهزة الكمبيوتر.
ثانيًا: الخطوات المهمّة التي قامت بها بلديّة بعلبك للتحول إلى بلديّة الكترونية
الخطوات المهمّة التي قامت بها بلديّة بعلبك للمضي في عملية التّحوّل الرّقمي:
- تجهيز البلديّة ب 16 جهازكمبيوتر
- رُقْمِن الأرشيف بشكل كامل.
- أنشأت البلديّة الموقع الإلكتروني الخاص بها: baalbeckmunicipality@hotmail.com
- أُنشئت صفحة خاصة بالبلديّة على تطبيق facebook .
ثالثًا: المعوقات التي تواجه هذه البلديات نحو التّحوّل الرّقمي
على الرّغم من محاولات كل من بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك المضي في عملية التّحوّل الرّقمي، إلّا أنّه لا يجب أن نغض الطرف عن بعض المعوقات التي تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، ومن المعوقات المهمّة:(مقابلة مع رئيس بلديّة الغبيري الأستاذ معن الخليل ورئيس بلديّة بعلبك الاستاذ فؤاد بلوق)
- ضعف الموارد المالية المخصصة لمشاريع الإدارة الرّقمية، وكذلك ضعف البنية التحتية بسبب ارتفاع تكاليف التجهيز.
- الإجراءات الإداريّة الرّوتينيّة التّقليديّة في المؤسسات الحكوميّة.
- الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، فالبلديات تواجه اليوم معضلة الفروقات في سعر صرف الدولار، فصحيح أن جميع مشتريات البلديات وتعهداتها بالليرة اللبنانية، ولكنها حتما ستخضع لفروقات الأسعار، ما يعني أنه ستحصل زيادة في مصاريفها نتيجة لفوضى “الدولاريّة”، كما ستتقلص خدماتها ما سينعكس على الواردات وعلى القيمة الفعليّة للمال الذي تملكه هذه البلديات في مصرف لبنان.
- الأميّة الإلكترونيّة لدى العديد من المواطنين وصعوبة التواصل عبرالتقنية الحديثة.
حقيقة إن التّحوّل الرّقمي في بلديّة الغبيري، وبلديّة بعلبك وكغيرها من البلديات في لبنان يعد جزءًا أساسيًّا من خططها القائمة، ولكن سرعان ما تتبدد هذه الرؤية عند استشارة بعض الخبراء المعنيين بالملف منذ بدء مساعي لبنان للحكومة الإلكترونيّة في التسعينيات، والاطلاع على نتائج أحدث مسح عالمي لتنمية الحكومة الإلكترونيّة، أجرته في 2020 إدارة الشّؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة لدى الامم المتحدة، وقد حلّ لبنان في المرتبة 127 من أصل 193 دولة عالميًّا وبمؤشر 0.495 لتنمية الحكومة الإلكترونيّة، وقد حلّ في المرتبة 148 عالميًّا وبمؤشر 0.333 بالنسبة إلى المشاركة الإلكترونيّة، أي أدنى من المعدل العالمي ومعدل منطقة غرب آسيا التي ينتمي اليها في كلتا الحالتين.(جيسيكا الشمالي، بحث أين نحن من الكومة الالكترونية، النتائج).
الخاتمة: خلص هذا البحث إلى العديد من النتائج والتوصيات، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: النتائج
- إنّ الخطط التنموية التي طرحتها بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك، المعتمدة على تطبيق الحكومة الإلكترونية، ما هي إلّا مشاريع إنفاق على بنى تحتية ولا تمت للتنمية بصلة.
- ما زالت بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك تقدمان خدماتهما بالطريقة التقليديّة ، من خلال زيارة المواطن مركز البلديّة، والتنقل من دائرة إلى أخرى لتخليص المعاملات.
- لم يُستغن عن المعاملات الورقيّة في البلديات.
- تواجه بلديّة الغبيري وبلديّة بعلبك العديد من المشاكل نتيجة التدهور الاقتصادي الذي يواجه لبنان.
- وجود العديد من المعوقات التي تحول دون تحقيق اهداف التنمية المستدامة في هذه البلديات في ظل التّحوّلات الرّقميّة ومنها الإجراءات الإداريّة الرّوتينيّة التّقليديّة.
- ضعف الموارد المالية المخصصة لمشاريع الإدارة الرّقميّة.
ثانيًا: التوصيات
انتهت الدّراسة إلى عدة توصيات وهي:
- العمل على الحكومة الإلكترونيّة والتمويل المنهجي للعمليات الإداريّة كافة إلى شكل رقمي، ووجود دليل إجراءات بها وهو نص يحدد العمليات الإداريّة والمعلومات المرتبطة بها: المستندات المطلوبة، مهل إنجاز الرسوم المطلوبة، مسارها داخل الإدارة، هوية الوحدات الإداريّة والموظفين ومهامهم في كل مرحلة. لمنع تفشي الفساد. فالتحدي الأساسي يكمن في كيفيّة العمل داخل الإدارات فلا يمكن أن نتكلم بلديّة الكترونيّة أو حكومة الكترونيّة عندما يتطلب إجراء إداري واحد مئة توقيع.
- إعادة تعريف خطط واستراتيجيات عمل البلديات بالكامل، فالتّحوّل الرّقمي لا يتعلق بالتقنيّة فحسب.
- اتباع الجديّة السياسيّة في تنفيذ مشاريع المكننة، فمن اللافت وخلال أكثر من عقدين من العمل وإنجاز الاستراتيجيات، عدم إقرار الحكومة لأي واحد منها كي تشكل الرؤية الجامعة للمؤسسات كافة المنخرطة في تنفيذ مشاريع المكننة على الرّغم من الأموال العامةالضخمة التي صرفت تحت هذا العنوان، وإن دل ذلك على شيء فعلى انعدام النّية السياسيّة الجديّة للسير في ذلك.
- تعزيز القدرات التعليمية المحلّيّة.
- تحسين جودة الخدمات البلديّة المقدمة.
المراجع
- أبو ضرغم، عاطف، التنمية المحلّيّة، محاضرات سنة 2013-2014
- أيمان زكي، الحكومة الإلكترونية مدخل إداري متكامل، ص 72
- العبد، نهى عاطف وعاطف عدلى، الإعلام التنموي والتغيير الاجتماعي، القاهرة، دار الفكر العربي، العام 2007، ص 9-10)
- المهندس الجردي، هشام، السلطات والبلديات، المركز الوطني للدراسات وللطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1998، ص 19
- رزق الله، شارل، مؤتمر البلديات والتنمية المحلّيّة، الدافع والآفاق، بيت عين، حريصا، السبت 29 شباط 2010).
- الخثمعي، مسفرة بنت دخيل الله الخثمعي، مشاريع وتجارب التّحوّل الرّقمي في مؤسسات المعلومات.
- آل صمع، علي بن صالح آل صمع(2018)، التّحوّل الرّقمي كمركز استراتيجي لقيادة التّحوّل الإقتصادي.
- الخوري علي محمد، الحكومة الرّقمية،ص 20-21.
- الشريف، عبده (2009)، دور الحكومة الإلكترونية في تحسين جودة الخدمات الحكومية بالتطبيق على ورشة حكومة دبي- مجلة النهضة:جامعة القاهرة-كلية الإقتصاد والعلوم السياسية10(4).
- حجازي، الإدارة الإلكترونية ونظامها،ص 50.
- محمد سمير عبدالوهاب، المعاصرة للحكم المحلي والبلديات…،ص 27
- علا الخواجة، الفرص والتحديات أمام تطبيق نموذج الحكومة الإلكترونية في مصر).
- عبد القادر موفق، “البلديّة الإلكترونية”كآلية لتعزيز الشفافيةالإدارية والمالية في البلديات الجزائرية،مجلة العلوم الإنسانية، العدد 40، جامعة محمد خيضر-بسكرة، 2015، ص:177
- نجوى جبران، تطبيق تقنيات الحكومة الإلكترونية، 2022)
- بن عياش آسيا، أوكحيل محمد أمين” رقمنة المرفق العام كآلية لترشيد الخدمة العمومية في الجزائر “، مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية، المجلد4، العدد 2، السنة 2020،ص 268.
- جيسيكا الشمالي، بحث أين نحن من الكومة الالكترونية، النتائج
المراجع الأجنبيّة
1-Hanum,S.,Al Adawiyah, R., Sensuse,D.I., Lusa, J.S.,Arief,A.,& Prima, P.(2020).Factors Influencing e-Government Adoption( Case study of information system adoption in PPATK) ,22(1),19-30.
1– طالبة في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة- قسم العلوم الإجتماعيّة-
Student at the Higher Doctoral Institute at the Lebanese University of Arts, Humanities and Social Sciences – Department of Social Sciences. Email: hanan_ezzeddine@yahoo.com