عنوان البحث: الهجرة اللبنانيّة والثقافة: علاقة تناغم أم تعارض؟
اسم الكاتب: دة. ماري أبو جوده
تاريخ النشر: 18/07/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 32
تحميل البحث بصيغة PDFالهجرة اللبنانيّة والثقافة: علاقة تناغم أم تعارض؟
Lebanese immigration and culture: a relationship of harmony or conflict?
Dr. Marie Abou Jaoudé دة. ماري أبو جوده[1]
تاريخ الإرسال: 25-5- 2024 تاريخ القبول: 6-6-2024
الملخص
شهد لبنان، وبسبب موقعه الجغرافي، مدًّا وجزرًا بين مختلف البلدان التي تفاعلت معه عبر الإبحار؛ فعمل اللبنانيون الأوائل في التّجارة حيث أسسوا المستعمرات، والمحطات التجارية بدءًا من الدول المجاورة وأوروبا وصولًا إلى شمال القارة الأفريقيّة. وكان الانتشار اللبناني مذ وجد لبنان.
أدّى هذا المد والجزر إلى خلط أوراق الثقافة اللبنانيّة بثقافات متعددة ومتنوعة ما ساهم في وشم هذا البلد بطابع خاص وفريد يتأثّر ويؤثّر بمحيطه العربي والأجنبي. فظهرت نتائج العوامل الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة كلها… واضحة بالتكوين الثقافي، الفني والموسيقي اللبناني.
ما هي اليوم، وبظلّ كل المتغيرات، التّطور، العولمة، والثورة الرابعة، العلاقة بين الهجرة والثّقافة ؟ أيمكننا عدُّها علاقة تناغم أم تصارع ؟
اعتمدنا في هذا البحث على المنهج التّاريخي / التّوثيقي والتّحليلي الذي بيّن وبشكل واضح أثر الهجرة اللبنانيّة على الثقافة عامة والفنيّة الموسيقيّة خاصة ؛ تفاعلت الموسيقى العربيّة مع نسيبتها الغربية لإنتاج ثقافة موسيقيّة خاصة وفريدة، وهي الموسيقى اللبنانيّة التي أطلقت العنان لهويتها وانتشرت محلّقة مثل طير الفنيق في العالم أجمع.
مهما تبدلت الظروف وتغيّرت أحوال المجتمع اللبناني أو أيّ مجتمع آخر يسود فيه ظاهرة الهجرة، تبقى العلاقة بين الهجرة والثّقافة علاقة معقدة تجمع بين التّناغم والتّعارض، فتُساهم في نشر هذه الثقافة من جهة، وتسبب في تغييرات وتحديات في الحفاظ على الهُويّة الثقافيّة ومن جهة أخرى.
الكلمات المفتاحيّة: الهجرة اللبنانيّة – الانتشار – المستعمرات – العولمة – الثقافة – الفنّ – الموسيقى.
Abstract
En raison de sa situation géographique, le Liban a connu des flux et reflux entre les différents pays qui interagissaient avec lui à travers la voile. Les premiers Libanais travaillèrent dans le commerce, établissant des colonies et des stations commerciales depuis les pays voisins et l’Europe jusqu’au nord du continent africain. L’expansion libanaise existe depuis que le Liban existe.
Ce flux et reflux a conduit au mélange de la culture libanaise avec des cultures multiples et diverses, ce qui a contribué à imprégner ce pays d’un caractère particulier et unique affecté et influencé par son environnement arabe et étranger. Les résultats de tous les facteurs sociaux, politiques et économiques sont devenus évidents dans la formation culturelle, artistique et musicale libanaise.
Quelle est aujourd’hui, et à la lumière de tous les changements, du développement, de la mondialisation et de la quatrième révolution, la relation entre immigration et culture ? Peut-on considérer cela comme une relation d’harmonie ou de conflit ?
Dans cette recherche, nous nous sommes appuyés sur l’approche historique/documentaire et analytique qui a clairement démontré l’impact de l’immigration libanaise sur la culture en général et l’art musical en particulier. La musique arabe a interagi avec sa cousine occidentale pour produire une culture musicale particulière et unique, la musique libanaise, qui a libéré son identité et s’est répandue comme un phénix à travers le monde.
Peu importe l’évolution des circonstances ou des conditions de la société libanaise ou de toute autre société dans laquelle prévaut le phénomène de l’immigration, la relation entre l’immigration et la culture reste une relation complexe qui allie harmonie et contradiction. Elle contribue à diffuser cette culture d’une part, et provoque d’autre part des changements et des défis dans la préservation de l’identité culturelle.
Mots clés : immigration libanaise – expansion – colonies – mondialisation – culture – art – musique.
مقدمة
لعله من المفيد أن نستشهد بقول أحد المفكرين اللبنانيين الكبار وقد قال:”أسألكم أن تذكروا على الدوام أنّ هناك على شاطئ البحر المتوسّط وطنًا يستحقّ أن يكون من خيرة أوطان الناس، وأنّ في إمكانكم أن تساعدوا ليكون كذلك” (الجمهورية اللبنانيّة، وزارة الاعلام، 2010). بهذه العبارات أشار المفكّر، الأديب، الروائي، المؤرخ، الرحّالة والرّسام اللبناني أمين الريحاني إلى أهمّيّة لبنان الوطن في عالم المهجر.
تاريخ لبنان قديم قِدم البشرية على غرار كل بلاد المشرق العربي، وذُكر اسمه في أقدم الآثار المكتشفة في المنطقة، ولقد شكّل موقعه على ساحل البحر المتوسط وسط تقاطعات العديد من الطرقات التّجاريّة التي تربط أوروبا بآسيا وأفريقيا ملتقى للحضارات المختلفة ومرتعًا لثقافات عديدة أكسبته أهمية إنسانيّة وتاريخيّة.
تشكل الهجرة اللبنانيّة وتأثيرها على الثقافة موضوعًا شائكًا ومعقدًا يستحق النّظر بعناية. فتاريخ الهجرة اللبنانيّة يعود إلى قرون عديدة، حيث تجسدت رحلات الهجرة كوسيلة للبحث عن الحياة الأفضل وفرص جديدة. وبفضل هذه الهجرة، امتد تأثير الثقافة اللبنانيّة عبر العديد من البلدان، مما أثر على التّنوع الثقافي في تلك المناطق.
أثّرت الثقافة اللبنانيّة وتأثّرت بالهجرة من لبنان وإليه، فولّد هذا التّلاقح الفكري ثقافة لبنانيّة خاصة ظهرت جليًّا في ستينيات القرن الماضي ومازلنا نتفاعل مع مختلف تداعياتها حتى يومنا الحالي. تطرقنا في هذا البحث إلى العلاقة بين الهجرة والثقافة وبخاصّة الفنيّة منها من خلال نهج تاريخي / توثيقي وتحليلي يحدد المتغيرات والأسباب في بناء الثقافة اللبنانيّة وخصخصتها والوصول إلى هذا النتاج الثقافي اللبناني الفريد في المنطقة العربيّة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي تداعيات الهجرة من لبنان وإليه ابتداءً من منتصف القرن العشرين على رسم خريطة طريق الثقافة اللبنانيّة بخاصّة الموسيقيّة؟ وكيف استطاعت هذه الهجرة بلورة هذه الثقافة؟
أين نحن اليوم من الثقافة في لبنان ؟ هل ما زال باستطاعتنا إعطاؤها الهُوية اللبنانيّة، أم أنّ التخالط والذكاء الاصطناعي والعولمة قد أذابتها وبدّدت ملامحها التاريخيّة، وهجّنتها قبل أن تعمل على تقويضها والسير بها نحو امِّحاءٍ تدريجي محتوم؟
للإجابة على هذه التساؤلات سنبدأ أولًا بلمحة تاريخية عن الهجرة اللبنانيّة، ثم العلاقة بين العاصمة بيروت، الهجرة والفنون الموسيقيّة لنتوقف بعدها عند التّفاعل الثقافي والهُويّة الفنيّة.
تاريخيّة الهجرة اللبنانيّة
تاريخ لبنان قديم قِدم البشرية على غرار بلاد المشرق العربيّ كلّها، وذُكر اسمه في أقدم الآثار المكتشفة في المنطقة، ولقد شكّل موقعه على ساحل البحر المتوسّط وسط تقاطعات عدد من الطرقات التجاريّة التي تربط أوروبّا بآسيا، وأفريقيا ملتقى للحضارات المختلفة ومرتعًا لثقافات متعدّدة أكسبته أهمّيّة إنسانيّة وتاريخيّة.
عرفت الهجرة اللبنانيّة مراحل عدّة عبر التاريخ الحديث، امتدّت من العام 1860 حتى يومنا هذا، ومن أبرز أسبابها الظروف السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة المعيشيّة وتضاؤل فرص العمل للشباب اللبنانيّ. أسهمت هذه الهجرة بشكل فعّال في النّهضة الأدبيّة والفكريّة والثقافيّة والفنّيّة والموسيقيّة من خلال التّبادل الثقافيّ والتّمازج الحضاريّ مع شعوب دول المتوسّط وكذلك بلاد الغرب. بدّلت هذه التّفاعلات الفكريّة والجيو-سياسية بمعالم الثقافة المحلّيّة على مختلف أنواعها الفنّيّة والموسيقيّة والمسرحيّة والأدبيّة، وأسّست لحقبة تحمل في طيّاتها مزيجًا حضاريًّا هجينًا تتفاعل معه الأجيال المتعاقبة.
يُعدُّ أدب الرحلة في القرنين التّاسع عشر والعشرين “من أهمّ الفنون التي صوّرت الاحتكاك العربيّ بالغرب، وما نجم عن هذا الاحتكاك من مؤثّرات صدمت الذّهنيّة العربيّة والمجتمع الغربيّ، وأدّت إلى صراع سياسيّ واقتصاديّ وفكريّ وحضاريّ لا يزال من الأسباب التي تُقلق الهويّة العربيّة منذ ذلك الزمن وحتى اليوم” (سابا يارد، 1992).
ظلّ اتّصال المثقفين العرب بالحضارة الغربيّة محدودًا حتّى أواخر القرن الثالث عشر، ثمّ قوي بعد حملة بونابرت على مصر سنة 1791، ويعدُّ الأمير حيدر أحمد الشّهابي من أبرز المؤرّخين العرب الذين دوّنوا وقائع حملة نابوليون (الشهابي، 1900). عدا عن ذلك، تضاعف وجود الحضارة الغربيّة مع انتشار المدارس والإرساليّات الأجنبيّة في سوريا ولبنان. أدّى هذا إلى احتكاك العرب بالحضارة الغربيّة عن طريق التعليم والكتب والصحف التي قرؤوها في لغاتها الأصليّة أو المترجمة. ولا بدّ كذلك من ذكر إقامة الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني في أوروبا في القرن السابع عشر (1613 – 1618) التي سمحت له بالاطّلاع على الحضارة الأوروبّيّة وخاصّة الفنّ والعمارة، وقد حمل معه إلى أرض الوطن المهندسين والعلماء. بالإضافة إلى ذلك، نذكر دور مدرسة روما المارونيّة في إعداد الطلاّب اللبنانيّين الذين عادوا إلى لبنان بأفكار غربيّة وجديدة ودوّنوا انطباعاتهم عن الغرب، انطباعات اطّلع عليها المواطنون المحلّيّون.
نجمت عن الاحتكاك بالحضارة الغربيّة أفكار ونظمٌ جديدة أدّت إلى التأثير على المجتمع العربيّ عامّةً، واللبنانيّ خاصّة. برز في هذه المرحلة القلق عند الفرد العربيّ والانشقاق بين التمسّك بالموروث أو الاقتباس عن الحضارة الغربيّة التي عدَّها عنوان القوة والتّطوّر مع الخوف من أن يكون اقتباسها سبب الضياع وفقدان الهويّة.
لا بدّ من التمييز بين الرحّالة والمفكّرين الذين نشأوا في الشّرق وتعرّفوا إلى الغرب في ما بعد، أمثال شكيب إرسلان (1869 – 1946) الذي ظهر الصّراع في فكره مؤيدًا لموقف المسلمين المحافظين إزاء الحضارة الغربيّة خاصة ما يتعلّق بفصل الدّين عن الدولة ؛ وبيّن الذين تعرّفوا إلى الشرق بعد تكوبنهم الثقافيّ في الغرب، أمثال أمين الريحاني (1876 – 1940) الذي اتّخذ الصراع في تفكيره مظهرًا مختلفًا وأيّد قيام دولة علمانية معتبرًا أن ربط الدين بالدولة من أهم أسباب انحطاط الدّول الإسلاميّة (سابا يارد، 1992).
كل هذه المعطيات وغيرها رسالة واضحة على دور الهجرة وأهميتها في حياكة الثقافة عامة والفنيّة الموسيقية خاصة، التي تتغيّر وتتفاعل مع مختلف المعايير الاقتصاديّة، السياسيّة، الاجتماعيّة …
ما هي المراحل التي مرّت بها الهجرة اللبنانيّة ؟
حدّد هيثم جمعة (جمعة، 2004) مسار الهجرة اللبنانيّة وفق خمس مراحل زمنيّة مرتبطة بأحداث مهمّة أثرت على لبنان داخليًّا وخارجيًّا وعلى الثقافة اللبنانيّة، العربيّة والأجنبيّة :
المرحلة الأولى: من منتصف القرن التاسع عشر، إلى بداية نشوب الحرب العالميّة الأولى 1914.
المرحلة الثانية: من نهاية الحرب العالميّة الأولى 1918، إلى نهاية الحرب العالميّة الثانية 1945.
المرحلة الثالثة: من تاريخ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، حتّى بداية الحرب اللبنانيّة 1975.
المرحلة الرابعة: من بداية الحرب اللبنانيّة، حتّى نهايتها سنة 1990.
المرحلة الخامسة: من تاريخ انتهاء الحرب اللبنانيّة سنة 1990 حتّى يومنا هذا.
لهذه المراحل تأثير واضح على دور لبنان في تطوّر الثقافة، وتطوّر الفنون على أنواعها في الوطن العربي وذلك بسبب موقعه الجغرافي ودور بيروت الرائد في هذا المجال. وبما أنّ الفن اجمالًا، والموسيقى والغناء خاصة، هم من أصدق المعبرين عن المجتمع، عن حاجاته، تغيّراته … وهم الداعمين للغة بحسب جبران خليل جبران، لذلك سنحاول إظهار هذا الدّور وهذه الأهميّة وتأثيرها على الثقافة خاصة اللبنانيّة.
الهجرة، بيروت والفنون الموسيقيّة
يبدو جليًّا أنّ بيروت رائدة في تطوّر الموسيقى في الوطن العربيّ، إن من خلال الدّراسات أو التأليف أو التّلحين ما جعل من المدرسة اللبنانيّة الأكثر شمولًا في العالم العربيّ. وقد أدّت بيروت بعد القاهرة دورًا مهمًّا في حقل الموسيقى والأدب والفنّ نظرًا لما قدّمه أدباء النّهضة اللبنانيّة انطلاقًا من أرضها أو في بلاد المهجر. وقد قسّم الأب إيلي كسرواني (كسرواني، 2000) تاريخ بيروت الموسيقيّ إلى حقبتين: “الحقبة الأولى: من القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وقد امتازت هذه الحقبة بالصّراع ضدّ المحتلّ العثمانيّ والمحتلّ الفرنسيّ. ظهر في هذه المرحلة طابع المارش العسكريّ (marche) في التأليف الموسيقيّ وفي الألحان الدّينيّة أو المدنيّة. امتازت هذه الحقبة كذلك بهجرة الأدمغة اللبنانيّة، ومنها الموسيقيّة، ونشأت في الوقت نفسه المؤسّسات الفنّيّة الأجنبيّة.
من نتائج هذه الحقبة دخول العنصر الغربيّ في الكتابة الموسيقيّة. وبرز دور بيروت عبر مجهود البحّاثة والعلماء الموسيقيّين، أمثال: مخايل مشّاقة البيروتيّ (1800-1888) صاحب كتاب الرسالة الموسيقيّة في صنع الموسيقى، 1896؛ وإسكندر الشلفون (1881- 1934) أوّل عالم موسيقيّ في العصر الحديث؛ والأب بولس الأشقر (1881- 1962) الذي لحّن المزامير المنثورة وتتلمذ على يديه الأخوين رحباني (عاصي الرحباني، 1923- 1986؛ منصور الرحباني، 1925- 2009).
كذلك برز دور بيروت في حقل مؤسّسات الإنتاج:
- إذاعة الشّرق الأدنى: تأسّست هذه الإذاعة في فلسطين ثم انتقلت إلى بيروت التي غدت “المسرح الأوّل للموسيقى في العالم العربيّ” (الكك، 2000) ونشأ فيها الأخوان رحباني وفيروز وزكي ناصيف ووديع الصافي، وغيرهم.
- الإذاعة اللبنانيّة: تأسّست سنة 1937 على يد الفرنسيّين وكان لها شأن كبير في الحركة الموسيقيّة اللبنانيّة وهي تحتوي على أكبر أرشيف في الشرق الأوسط.
- استوديو بعلبكّ: كان يُعدُّ مركزًا حضاريًّا للمشرق العربيّ حتّى الحرب اللبنانيّة.
- مهرجانات بعلبكّ الدوليّة: كانت المراسيم الدّينيّة والشعائر الاحتفاليّة تعمّ هياكل بعلبكّ ومعابدها، ثمّ في منتصف القرن العشرين أصبحت هذه القلعة مركزًا فنّيًّا تقام فيه الحفلات والمسرحيّات العالميّة، ما أدّى إلى جذب معظم الفنّانين العالميّين الكبار في مجالات الفنون المختلفة، فكانت مهرجانات بعلبكّ انطلاقة لنهضة جمعت تحت لوائها المبدعين.
أمّا الحقبة الثاني: من منتصف القرن العشرين إلى يومنا الحالي، امتازت بنهجها الجديد وبرز خلالها عدد كبير من المؤلّفين الذين تغنّوا بالحرّيّة في التجديد وأوجدوا نهجًا موسيقيًّا خاصًّا بهم، على سبيل المثال: عبد الغني شعبان (1927- 1977)؛ توفيق الباشا (1924- 2005)؛ وديع الصافي (1921- 2013)؛ الأخوان الرحباني؛ فيلمون وهبي (سيّد الأغنية الشّعبيّة، 1916- 1985)؛ زكي ناصيف (1918- 2004، تأثّر بالموسيقى السريانيّة والبيزنطيّة)؛ حليم الرومي (1919- 1983، تأثّر بالأسلوب المصريّ)؛ إلياس الرحباني (1938- 2021، تأثّر بالموسيقى الغربيّة)؛ بشارة الخوري (1890 – 1964 مؤلّف عالميّ)، مارسال خليفة بالإضافة إلى جيل الرّحابنة الجديد: زياد الرحباني؛ أسامة الرحباني؛ غدي الرحباني ….
أكمل الحقل الموسيقيّ ازدهاره في بيروت وعُدَّ لبنان لسنوات طويلة نقطة التقاء الحضارات وأرضًا خصبة للتفاعل الحضاريّ العالميّ والعربيّ. وشجّع انفتاح اللبنانيّين على قدوم فنّانين أجانب وعرب لإقامة الحفلات والنشاطات الموسيقيّة والفنّيّة، وعرف اللبنانيّون آنذاك الآلات الغربيّة مثل الكمان (violon) والبيانو (piano) والفلوت (flute). أدّى هذا الاتّصال المباشر ببلدان ما وراء المتوسّط إلى اكتساب المواهب والخبرات الغربيّة من ينابيعها الأساسيّة، وأغنى ذلك الذوق الفنّيّ لدى اللبنانيّين المهاجرين والمقيمين كما شجّع على التعليم الموسيقيّ على المستويات كافّة. نشأت كذلك معاهد ساهمت في تطوير التعليم الموسيقيّ، من هذه المعاهد المهمّة: المعهد الموسيقيّ الوطنيّ؛ دار المعلّمين؛ الجامعة الأميركيّة في بيروت، وغيرها.
عدا عن كلّ ما سبق من دور الإذاعة ومهرجانات بعلبكّ، جاء التلفزيون ومعه المجلاّت والأسطوانات والجرائد لتعميم المعرفة الموسيقيّة بين عامّة الشعب.
أدّت هذه الوسائل المرئيّة والمسموعة والمعاهد والجامعات دورًا مهمًّا في التبادل الحضاريّ والموسيقيّ والفنّيّ بين الشعب اللبنانيّ والشعوب الأخرى، ما عزّز المعرفة الموسيقيّة في لبنان وساهم في نقل التراث الموسيقيّ اللبنانيّ إلى الخارج.
يشكّل هذا التراث نقطة انطلاق وترسيخ للهُويّة والثقافة. “استعمل ابن خلدون مفهوم الثّقافة بالمعنى المتداول أوروبيًّا اليوم (Culture) على أنّه مجموعة الأشكال والمظاهر لمجتمع معيّن، وتشمل عادات وممارسات وقواعد، ومعايير كيفية العيش والوجود، وهو التعريف الشعبي (pop culture). أمّا على المستوى الأعلى (high culture)، فالثقافة هي المعلومات والمهارات التي يملكها البشر والتي تنتج فنًّا راقيًا من المطبخ، والرقص إلى الغناء والموسيقى والآداب والمسرح” (ديب، 2016). وشبّه الانثروبولوجي تايلور، في كتابه Primitive Culture سنة 1871، الثقافة بذلك المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والأخلاق، والقانون، والعرف، والعادات، وسائر الممكنات التي يحصل عليها الفرد وصفه عضوًا في مجتمع (Welsch & Vivanco, 2018). وبناءً على تعريف كيلباترك، التربوي الأميركي، فالثّقافة هي كل ما صنعته يد الإنسان أو اكتشفه، وكان له دور في العملية الاجتماعيّة. وبما أنه يجدر على المركب الإبحار إلى مواقع جديدة، وهو دائم الحركة (لأنّ ركنه على الشاطئ يعني موته وإلغاء دوره) وينقل معه كل هذه الموروثات وينسجها مع معطيات جديدة بوتيرة مختلفة ومتنوعة في كل مرة وبحسب الظروف، فيتنج عن ذلك ثقافة متميّزة، فريدة تظهر تناغمًا وإنسجامًا أحيانًا بين الماضي والحاضر، وأحيانًا أخرى تعيش صراع البقاء والاستمرارية.
ولبنان، هذا البلد الصغير، الذي تعايش مع الهجرة منذ تكوينه، تفاعل وتصاهر معها حتى أصبحت هذه الأخيرة حجر أساس في بناء كيانه، هويته، ديناميكيته الاجتماعيّة والإنسانيّة والتكوينيّة، خلّف ثقافة متميّزة، فريدة بغناها وتعددها، جمعت بين العناصر الشّرقية والغربيّة، بين السّرياني والبيزنطي والإسلامي، بين الفرنسي والرّوسي والأميركي والمصري والأرمني … جاءت الهجرة لتؤدّي دورًا مهمًا في تعزيز هذا التنوع وإثراء الثقافات التي تتفاعل معها، وتساهم في بلورة هذه الثّقافة اللبنانيّة ونشرها في العالم أجمع، لكنّها قد تفضي إلى تحديات، توترات وصراعات ثقافيّة خاصةً فيما يتعلّق بالفنون والموسيقى.
ما هي المعطيات التي ميّزت الثقافة اللبنانيّة من غيرها وخاصة الثقافة الفنيّة ؟ وما هو موقع أو دور الهجرة في هوية وشخصنة هذه الثقافة اللبنانيّة الخاصة ؟ هل تتفاعل الهجرة اللبنانيّة مع الثقافات الأخرى بتناغم وتعاون، أم تثير تلك الثقافات تعارضًا وتوترًا؟
التّفاعل الثقافي والهوية الفنيّة: قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في اللبنانيين:
“ما عابهم أنّهم في الأرض قد نُثروا فالشهبُ منثورة مذ كانت الشُهُبُ
رادوا المناهِلَ في الدنيا ولو وَجَدوا إلى المجرّة رَكبًا صاعِدًا رَكِبوا” (Maghames, 2012)
استخدم الشاعر حافظ ابراهيم صورًا بلاغيّة رائعة واستعارة الركوب للسير والمضي، ليعبّر عن إعجابه بهذه الجماعة الباسلة، فيمجد شجاعة اللبنانيين وعزيمتهم وطموحهم وشغفهم بالسّمو والارتقاء، فلو وجدوا طريقًا إلى المجرة لركبوه بكل شجاعة من دون تردد. وما أصدق من هذا البيت الشعري الذي رسم صورة واضحة عن الشّعب اللبناني، عن نضاله، عن أسلوب حياته المرتكز على الهجرة هربًا من الظروف الصعبة التي عاشها ومازال أو سعيًا إلى مساحة جديدة تضمن له حرية التّعبير والإبداع. فكان التلاقح الثقافي بين المغتربين والوافدين إليه الميناء الذي ينطلق منه هذا المركب لبناء هويته الخاصة، وثقافته الفريدة التي تعكس تنوعًا ثقافيًا غنيًا وتاريخًا عريقًا تمتزج فيه مختلف العناصر الثقافيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة، والتربويّة، والدّينيّة، فيكون الفنّ وخاصة الموسيقى خير دليل عن فرادة هذه الثقافة اللبنانيّة.
هاجر العديد من العائلات اللبنانيّة إلى بلدان مختلفة حاملين معهم هويتهم، ثقافتهم، فنونهم، لغتهم … حافظوا عليها وطوّروها، فشكّلوا جسرًا ثقافيًا بين لبنان والعالم الخارجي، ما ساهم في إثراء المشهد الثقافي العالمي بتنوعه وثراءه.
لا ينحصر مصطلح “الهجرة” في الانتقال الجسدي للأشخاص من بلدهم الأم إلى بلد جديد، بل يتخطى هذا الأمر لينقل مع الجسد الفكر والرّوح والنفس، بمعنى آخر ينقل الثّقافة والهُويّة والفن والأدب وكل ما ينسج هيكليّة وإنسانيّة الانسان. فجرى، ولتثبيت كل هذه المعايير، إنشاء المدارس والصحف والمجلات … والتّفاعل مع الفن ومن خلاله وخاصة الموسيقى لتطبيع البلد المستقبِل للمهاجر ببصمته الوطنية الخاصة والفريدة. نقل مثلًا الشّاعر، الكاتب، الفيلسوف، الرسّام، النحّات والفنان التشكيلي اللبناني جبران خليل جبران (1883 – 1931) من بشري في شمال لبنان إلى الولايات المتحدة الأدب العربي، وتعرّف من خلاله الغرب إليه وخاصة إلى بلد الارز. أمّا المطران يوسف الدبس (1833 – 1907) فاهتم بتأسيس العديد من المدارس في لبنان على الطراز الحديث بعد عودته من الهجرة في أميركا، ما ساهم في نشر التعليم.
أشار أفلاطون في كتابه الرمّزي “الجمهورية” إلى أهمّية الموسيقى كمرآة صادقة للروح المجتمعيّة الجماعيّة قائلًا إذا أردت السيطرة على الجماهير فسيطر على موسيقاهم (Andrea, 2023). ومن هذا المنطلق بدأت رحلة تأسيس المعاهد الفنية. العام 1910 حصل الملحن وديع صبرا على مرسوم من السّلطان العثماني عبد الحميد الثاني لافتتاح مدرسته الموسيقيّة (ضمن مدرسة الصنائع والفنون الجميلة). لكن بعد انتشار القوات الفرنسيّة بقيادة الجنرال غورو في لبنان في 21 تشرين الثاني 1919 وفرض الانتداب الفرنسي، سُميت المدرسة بـ”الكونسرفتوار” العام 1925، قبل أن تعيد السلطات الفرنسيّة تسميتها بالمعهد الوطني اللبناني للموسيقى العام 1929، وهو المعهد الذي أداره صبرا حتى وفاته العام 1952، وكان التّدريس في المعهد يركّز بشكل أساسي على الموسيقى الغربية.
أمّا المدير المؤسِّس للمعهد الموسيقي في الجامعة الأميركيّة في بيروت فكان عازف البيانو والموسيقار أركادي كوغل (1896 – 1985)، وهو خريج المعهد العالي الموسيقي في سان بطرسبورغ. اتسمتْ مدة إقامته في لبنان بالإنتاج الموسيقي الغزير، ومما لا شك فيه أن أعماله كانت مثالًا يحتذى لدى الموسيقيين اللبنانيين الشباب.
وأدّى أليكس بطرس دورًا مهمًا في نشر الموسيقى الكلاسيكيّة، وكان عضوًا في الأوركسترا السيمفونيّة لدى الجامعة الأميركية في بيروت، تلقى دروسًا في التشيلو على يدي رودولف كوغل. وبمساعدة قوية من الموسيقيين الروس ورابطة الموسيقيين الهواة، نمت “المدرسة الموسيقيّة”، وهي أولى “كليات الأكاديمية اللبنانيّة للفنون” (ألبا). كان ألكسي كورنأوكوف أوّل قائد لجوقة هذه الرابطة، التي حظيت بشهرة عالمية فيما بعد. وكان نيقولاي نيقولايفيتش دال (1891- 1964) أول مدير لمدرسة “ألبا” الموسيقيّة، ثم تولى إدارة الكونسرفتوار بين العامين 1961 و1964 وكان طلاب هؤلاء الأساتذة في طليعة الملحنين والمؤدين ذوي التوجه الوطني اللبناني (عماد الدين، 2023). تتلمذ كل من المؤلفين الموسيقيين بوغوص جلاليان (1927 – 2011) وجورج باز (1926 – 2012) على يد البارون إيراست بيلينغ تلميذ ريمسكي كورساكوف، فاستفادت الموسيقى الكلاسيكية اللبنانيّة من هذا الأمر.
ساهم الأساتذة الوافدون من روسيا إسهامًا كبيرًا في تشكيل وتطوير المعهد العالي للموسيقى “الكونسرفتوار”، الذي حصل على مكانة وطنية أواخر عشرينيات القرن العشرين، جنبًا إلى جنب مع زملائهم الأساتذة الفرنسيين والأرمن.
تتلمذ زكي ناصيف (1916- 2004) على يد أساتذة روسيين في المعهد الموسيقي التابع للجامعة الأميركية، هاجروا إلى لبنان في عشرينيات القرن الماضي، وأسس “عصبة الخمسة” في عدادها زميله في المعهد نفسه توفيق الباشا. شكّلت هذه العصبة فريقًا متجانسًا لصناعة موسيقى لبنانية جديدة، استمدت اسمها من النظير الروسي “القبضة الجبارة” (أو حسب التقليد الفرنسي “الخماسيّة الروسيّة”)، وهي رابطة من الملحّنين، ضمّت كذلك الأخوين رحباني وحليم الرومي وفيليمون وهبة، وهدفت إلى الخروج من الغناء الشّائع إلى محاولة اكتشاف لون من الغناء المحلي الذي يستمد من الفولكلور جمله اللحنيّة، وتلك سمة ظاهرة في أثر الأساتذة الروس، الذين لم يدرّسوا تلامذتهم العزف على الآلات الموسيقية فحسب، بل اتباع المُثل الجماليّة ذات الأصول المحلية وغرسوا فيهم احترام الفولكلور الذي يضم خامات فنية قابلة للصقل والتطوير لإنتاج موسيقى حديثة (عماد الدين، 2023). شدّد زكي ناصيف على أهمّية الفولكلور في غرس الهُوية الموسيقيّة والوطنيّة (القوميّة) وتأثيرها على الانخراط الوطني لأيّ بلد كان وخاصة للبنان الذي يتمتّع بتنوّع ثقافي، ديني، لغوي … كبير، كما تأثرت موسيقاه بالموسيقيتين السّريانيّة والبيزنطيّة فتحولت عطاءاته الفنيّة إلى إبداع طاف العالم أجمع ورسّخ الهوية اللبنانيّة من خلال اللحن، الايقاع، اللغة والتوزيع.
أمّا الأخوين رحباني، وديع الصافي وغيرهم الكثير، فكانت مساهمتهم كبيرة وجبّارة في نقل التراث الموسيقي اللبناني إلى المهجر، نشر الثقافة والفكر اللبناني وطرح قضايا الهوية في الخارج. فكلما غنّت السيدة فيروز “يا حبيبي كلما هب الهوى” من كلمات وألحان الأخوين رحباني، أو السّيدة صباح “عالضيعة” من ألحان محمد عبد الوهاب وكلمات ميشال طعمه، كان التّفاعل من الجاليات اللبنانيّة والعربية قويًا وصاخبًا يعبّر عن تعلّقهم وشوقهم إلى وطنهم لبنان. وأنتج التّفاعل بين جبران خليل جبران (كلامًا) ومحمد عبد الوهاب (تلحينًا) وأداء السيدة فيروز، أغنية “سكن الليل” سنة 1967 على مقام الكرد، دليل واضح على أهمية الهجرة وعلى دورها الإيجابي في إنتاج تناغم ثقافي فنيّ ما زالت أصداؤه تعلو في سماء مجتمعاتنا الحالية وفي اقطار العالم أجمع. كما أهدى الملحن السّوري محمد محسن للسّيدة فيروز العديد من الأغاني، نذكر منها “سيد الهوى قمري” سنة 1971، و”ولو تعلمين” سنة 1996 … وفي تسعينيات القرن الماضي، غنّى وديع الصافي مع خوسيه فرنانديز أغنية “عندك بحرية يا ريس” (كلمات: ميشال طعمه، ألحان: محمد عبد الوهاب) على مقام بياتي حسيني، ويُعد وديع الصافي أول لبناني تُغنى أغنياته باللغة الإسبانيّة. الأمر الذي يؤكد دور الهجرة في نقل الثقافة والمعرفة والإبداع الفني إلى العالم، وأهمية التّبادل الفني والموسيقي في إغناء الهوية الثقافيّة وترسيخها.
عند سماع الأغنية اللبنانيّة يشعر كلّ لبناني مهاجر أو مهجّر أنّها موجهة إليه وللمكان الذي ينتمي إليه، الأمر الذي يحرّك مخيلة المتلقي ويجعله يشعر بالحنين و/أو الألم على حاله وعلى مكان يرتبط به عاطفيًا ونفسيًا واجتماعيًا. تؤدي العلاقة الثنائيّة بين الموسيقى والإنسان دورًا بارزًا في تثبيت هويته الفرديّة والوطنيّة. والتّمسك بالهوية اللبنانيّة الفنية وخاصة الموسيقيّة في لبنان وفي المهجر دليل واضح على انتماء هؤلاء المبدعين، وتعلقهم بوطنهم ورغبتهم بجعل هذه البصمة اللبنانيّة خالدة مع مواكبة التطور الذي هو دليل حياة واستمرارية.
عالج الأخوين رحباني الأغنية الشّعبيّة والقصيدة، وجعلا العمل الغنائي أوركستراليًّا يتساوى فيه دور التفريد (solo) مع دور المجموعة (chorale) مع دور الموسيقى الآلية، تمثلًا ببعض القوالب الكلاسيكيّة العالميّة، بالأوراتوريو (oratorio) … مثال “زهرة المدائن” (1967) و”المحبة” (1969).
لم “يعتمد عاصي ومنصور على الزجل والمواويل وغيرها من الأغاني الشّعبية اللبنانيّة فحسب بل حاولا التفتيش عن موسيقى شعوب العالم وتقديمها إلى جانب الغناء اللبناني والعربي بصورة مقبولة ومتناغمة، ولم يعتمدا على الهارموني الغربي فحسب بل حاولا تقريبها إلى الأصول الموسيقيّة الشرقيّة، ولم يعتمدا على الألحان المحليّة فحسب بل حاولا إدخال الأوركسترا الغربية في تنفيذها” (كاي، 2003). إنّما تمكنا من تقريب العديد من الألحان العالمية إلى المجتمع اللبناني، فكانت مثلًا أغنية “يا أنا يا أنا” العام 1970 اقتباس فنيّ ساحر من أروع الألحان العالميّة “السينفونيّة 40” لموزارت (1788). أمّا أغنية “كانوا يا حبيبي” (1974) فهي من الفولكلور الروسي (Polyushka Polye) (1933) غنتها السّيدة فيروز في مسرحية “لولو”، وما زلنا إلى يومنا هذا نردّدها لدرجة أن أعطاها البعض الهُوية اللبنانيّة لسهولة تغلغلها بالثقافة المحلية اللبنانيّة وتطبيعها بالطابع اللبناني الصرف. نجد بأغنية “بكتب اسمك يا حبيبي” كلمات وألحان الأخوين رحباني على مقام النّهاوند، وحدة متكاملة بين مجموعة آلات الكمان التي عُزِفت بتوافق زمني موحد بين بداية السّلم الموسيقي من الأسفل أو من الأعلى، ويعدُّ مقام النّهاوند من المقامات الشّرقية الرئيسة الأصليّة، سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة نهاوند الكردية؛ هذه دلالات واضحة على دور الهجرة والبيئة الجغرافيّة في التكوين الموسيقي اللبناني، تمازج وتناغم بين مختلف الحضارات، تلاقح وتثاقف وتقارب بين الثقافات الدّاخليّة والخارجيّة أدّى إلى إنتاج الهوية اللبنانيّة.
تميّز توفيق الباشا بالكتابة الأوركسترالية، المستوحاة والمستنتجة من مقاماتها العربية، وليس من المقامات الغربية المشابهة وله أعمال غنائيّة وموسيقيّة آلية. وكتب توفيق سكر للكورال في الأسلوب الهارموني على مقامات أرباع الصوت، في الموشحات والألحان الدّينيّة؛ بقي تأليف حليم الرومي متأثرًا بالأسلوب المصري. أمّا الدكتور وليد غلمية وتوفيق الباشا وسليم سحاب فاشتهروا بسمفونياتهم العربيّة الضخمة. إضافة إلى ذلك، ذاع صيت الأخوين فليفل في لبنان في تأليف الموسيقى الوطنية فكانا من رواد تأليف الأناشيد الوطنية العربية والموسيقى العسكرية” (كاي، 2003). وتألّق بوغوز جلاليان، عازف بيانو مرموق ومرافق مميز، بتأليف موسيقى كلاسيكيّة نتيجة لتجربته في الموسيقتين الأرمنيّة واللبنانيّة، في إطار كلاسيكي حديث للبيانو. وبرع المؤلف العالمي بشارة الخوري في حقل الموسيقى الكلاسيكيّة الصّرفة، وقد أثبت قدرته في هذا المجال وأقر له به المؤلفون الأوروبيون والنّقاد والمحللون العالميون. امتاز الياس الرحباني في حسن اقتباس الأساليب الأوروبية ووضعها في إطار محلي، يظهر تمايز الموسيقى اللبنانيّة الحديثة في ظلّ هذا التناغم اللبناني الغربي. الأمثلة عديدة والمبدعين كثر، إنّما مساحة الكتابة ضيقة، لذلك سنكتفي بهذا القدر.
استطاع المؤلف الموسيقي، المغني وعازف العود مارسيل خليفة، المولود في عمشيت – لبنان العام 1950، إدخال الساكسفون إلى الموسيقى العربية في واحدة من أغانيه المهمّة “يعبرون الجسر” للشاعر خليل حاوي، كما أبدع، من خلال السّمات المشتركة، في بناء حوار بين التخت الشرقي والأوركسترا السّيمفونيّة في “كونشيرتو الأندلس” (2002) فتفاعلت “تقاسيم حجازكار” و”لونغا نهواند” مع المقامات الغربيّة، وتحدّث الناي والعود والقانون مع الفلوت، والكمان وآلات غربية أخرى ليصل الحوار إلى بر الأمان مظهرًا تناغمًا وانسجامًا ملموسين بين مختلف الثقافات.
ومن آثار الهجرة والتّفاعل الغربي، توحيد قوس الكمان، وهي تقنية غربية استُعمِلت في الفرق الشّرقيّة وأصبحت من قواعد العزف على هذه الآلة ؛ تطوير الكتابة الموسيقيّة النّغميّة والتّوافقيّة، وهي مزيج من اللغتين الشّرقية والغربيّة على السّواء، كما في اسكتش “ابن هند” المسجل مع فرقة سمفونيّة، ومثلها الأسلوب التّوافقي الذي تميزت به أغنية “شاطئ السندس” وقد عالج الرحبانيان تأليف الهارموني على المقانات الشّرقيّة ذات ربع الصوت (الكك، 2000). صنع عبد الله شاهين في مصانع هوفمن (Hoffmann) في فيينا سنة 1954، بيانو شرقي (ربع تون)، انطلاقًا من آلة بيانو قد سبق وصنعها عبدالله شاهين نفسه سنة 1931، وكان من أوائل مستوردي الآلات الموسيقية الغربية، ما أغنى الساحة اللبنانيّة بهذه الآلات وجعلها في متناول الجميع.
هذا المدّ والجزر في المجتمع اللبناني بين المقمين، الوافدين والمهاجرين أدّى إلى بناء جسر بين الموسيقى الكلاسيكية الأوروبيّة والموسيقى العربية، وأثبتت المدرسة اللبنانيّة أنّها الوحيدة التي فرضت نفسها كصلة الوصل، والمقصود في المدرسة اللبنانيّة الأخوين رحباني، توفيق الباشا، زكي ناصيف، فليمون وهبي، وليد غلمية، وديع الصافي … الذين طبعوا الموسيقى اللبنانيّة بطابع فولكلوري لبناني متطوّر. ظهرت الألحان والتأليفات الموسيقيّة الجديدة التي جلبها المهاجرون من بلدانهم، فأثر ذلك على الموسيقى والأغاني اللبنانيّة التقليديّة وأحدث نوعًا من الانصهار بين هذه الألحان. انتشرت آلات موسيقيّة جديدة مثل الكمان، البيانو، الفلوت والكلارينيت مع الموسيقيين والفنانين القادمين من الخارج، وأصبح لها وجود في الفرق الموسيقيّة اللبنانيّة. عاد بعض الملحنين اللبنانيين إلى لبنان بعد تلقيهم تعليمًا موسيقيًّا راقيًّا في المهجر، فأسسوا مدارس وجمعيات موسيقيّة نقلت الموسيقى الأوروبية الكلاسيكيّة. كما ظهرت أنماط غنائيّة جديدة مستوحاة من الثقافات الأجنبيّة مثل الأوبريت بفضل هجرة الفنانين وتفاعلهم مع الموسيقى العالميّة. وبفضل هذا التّثاقف، والتّعاون بينه وبين والده نسيم معلوف، استطاع المبدع اللبناني إبراهيم معلوف (المولود العام 1980) إضافة ثلاثة أرباع الصوت إلى آلة غربيّة وهي التّرومبيت (trumpet) وتشريقها واعطائها الهوية العربيّة. كما تعاون العازف والملحن اللبناني رامي معلوف مع والده الدكتور منير على إضافة هذه اللمسة الشّرقيّة على آلة الفلوت (flute).
صُنّفت ليديا كنعان (مغنيّة وكاتبة أغانٍ وناشطة إنسانيّة لبنانيّة) الشّخصيّة التّاريخية والرائدة الموسيقيّة اللبنانيّة كأول نجمة روك في الشّرق الأوسط مدرجة في كتالوج قاعة مشاهير موسيقى الروك آند رول ومكتبة ومحفوظات المتحف في كليفلاند، أوهايو، الولايات المتحدة الأميركيّة؛ وهي ليست اللبنانيّة الوحيدة التي أثبتت جدارتها وقدرتها على التّفاعل الفني في مختلف اللغات والانماط الموسيقيّة حول العالم، إنّما كونها أولى نجمات الرّوك في الشّرق (النّوع الذي كان غريبًا على الثّقافة العربيّة واللبنانيّة) والتي استطاعت فرض نفسها بجدارة في مجال الموسيقى الصاخبة.
ساهم مارون نقاش، سليمان قرداحي، يوسف خياط، أبي خليل القباني … وصولًا إلى عاصي ومنصور الرحباني في بناء المسرح الغنائي العربي. قال جورج هيغل: “ينتسب كل فن مهما كان نوعه إلى عصره وأمته ليعكس الظروف الخاصة ويتعايش مع الأهداف التاريخيّة الخاصة” (كاي، 2003).
لم يتوقّف نجاح الحضور اللبنانيّ في العالم عند هذا الحدود، بل أصبح لبنان يمتلك اليوم في بلاد الانتشار الواسعة طاقات بشريّة هائلة تشكّل ثروته ومخزونه الاستراتيجيّ الذي يعتزّ به ويفتخر ، طاقات تطال مختلف القطاعات الاقتصاديّة والماليّة والاعلاميّة والسياسيّة والفكريّة والعلميّة، أدّت دورًا رئيسًا في خدمة لبنان ودعم قضاياه في المحافل الدوليّة ومراكز القرار والمساهمة البنّاءة في إنمائه وإعماره (Maghames، 2012).
كانت السّاحة الفنيّة (مسرح، أغان، لوحات فنية … ) مرآة المجتمع اللبناني المنفتح والذي يتغنى بحرية الكلمة، وحرية التعبير، لذلك تحوّل لبنان إلى ساحة مفتوحة للتفاعلات الاجتماعيّة والفنيّة والثقافيّة والتزاوج الثقافي … لينتج عن ذلك كله هوية لبنانية فنية انعكست تداعياتها على المحاور الفنيّة والثقافيّة واللغويّة جميعها… “تجربة منى حاطوم (1952) اللبنانيّة الهوية والفلسطينيّة الجذور المهاجرة قد تكون خير مثال على ذلك، فقد تحوّل عملها من كونه حالة لبنانيّة عربية إلى حالة عالمية”، ولا تزال “حاطوم” تقيم بين برلين ولندن، محتفظة بالمكتسبات التي حققتها على الصعيد الفني، ومؤكدة كونها عالمية وعربية على حد سواء” (فاضل، 2021).
أمّا “تجربة دوريس بيطار (1959) المهاجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي تمكنت من أن تترجم هويتها الشّرقية الغربيّة في نتاجاتها الفنية”، مشيرة إلى أنّها “منذ البداية لم تتخلَ عن التّعبير عن الحرب الأهليّة في مجموعتها “الكتانة اللبنانيّة” القائمة على صور فوتوغرافية للعائلة في بيروت هي انعكاس للذاكرة والأثر، ذكرى العنف أو خيال الواقع الغائب، وهي محاولة في البحث عن الانتماء الثّقافي، وعن الذاكرة الجماعيّة. فقد استخدمت في لوحاتها تقنيات ووسائط متعددة بهدف زيادة الوعي للبعد الذاتي في التاريخ”. وقالت: “يمكن القول إنّ هذه العلاقة بين الفن والتّوثيق كانت أحد الأدوار التي يؤديها الفن بعلاقته مع المجتمع” (فاضل، 2021). هذا ما أعطته الهجرة للمبدعين، مساحة من الحرية اللامتناهية للتّعبير عن كل ما يجول في خاطرهم، عن أفكارهم، أحلامهم، شغفهم، هويتهم التي بدت حائرة بين التّقاليد والحداثة، بين رفضهم أو قبولهم للتدخلات الخارجية، بين الاندماج والانخراط الكامل في البلد المستقبِل لهم أم تمسكهم بلغتهم وفنّ وطنهم الأم الذي هو جواز سفر يجوبون العالم من خلاله، يدعمهم ويقوي عزيمتهم متغاضيًا عن بعد المسافات الجغرافيّة بينهم ومثبتًا تجذرهم بهمويتهم الوطنيّة والثقافيّة.
استنادًا إلى قول الفيلسوف اليوناني هرقليطس “إنّ التغيّر قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم” (عبد الباسط، 1982) وبناءً على معطيات كل مرحلة تاريخيّة والتّغيير الذي يحدد مساراتها، نعيش اليوم في حقبة الثورة الرابعة أو الثورة التكنولوجيّة التي توّجت الذكاء الاصطناعي ملكًا عليها، وأعطته مساحة من الحرية للتفاعل بمختلف المجالات من دون حسيب أو رقيب، نطرح سؤالًا بديهيًّا: أين نحن اليوم موسيقيًّا وفنيًّا في ظلّ هذا التأثير الهائل للذكاء الاصطناعي ؟ هل العلاقة بين المبدع والذكاء الاصطناعي علاقة تكامل وتناغم أم صراع وجودي؟
لا يزال المجتمع اللبناني يتسم بما يسميه عالم الاجتماع حليم بركات “النّمط الاجتماعي المزدوج” الذي يجمع بين التّقاليد والحداثة. لقد شهد لبنان غليانًا فكريًّا وثقافيًّا شكّل بوتقة تنصهر فيها الثقافات العربية والغربية، تتبادل فيها الفنون في مختلف المجالات، تتراقص فيها الأنغام المتنوعة والمتجددة، تتشارك اللغات في جملة واحدة مفهومة وواضحة، تتحاور الآلات الموسيقيّة تحت شعار التنوع والانفتاح متمسكة ببعض الأحيان بالتّقاليد والتّراث اللبناني فارضة الهوية اللبنانيّة على الابداع الفني.
الخاتمة
يمكننا القول إنّ لبنان قبل الاستقلال لم تكن له هويّة موسيقيّة وغنائيّة مميّزة، ولا فنون فولكلوريّة يتميّز بها عن دول الجوار. كانت الموسيقى المصريّة هي المنتشرة بفضل الأفلام السينمائيّة والأسطوانات، كذلك كانت حال الموسيقى العراقيّة الذائعة الصيت والقدود الحلبيّة. ورويدًا رويدًا، يطلّ علينا فنّانون مطّلعون على الحضارة الغربيّة الأوروبّيّة وتنطلق نهضة كبرى في الميادين الفنّيّة كلّها.
وكما كان مقال جبران “لكم لغتكم ولي لغتي” بمثابة دستور الرابطة القلمية في النهج الكتابي، وقد جاء فيها: “لكم من اللغة العربيّة ما شئتم ولي منها ما يوافق أفكاري وعواطفي، لكم منها الألفاظ وترتيبها، ولي منها ما تومئ اليه الألفاظ ولا تلمسه ويصبو اليه الترتيب ولا يبلغه. … لي منها ما غربلته الأذن، وحفظته الذاكرة من كلام مانوس مألوف تتداوله ألسنة الناس في أفراحهم وأحزانهم … الأمر ذاته يُقال عن الفنّ وخاصة الموسيقى التي تشكّل صلة الوصل بين الإنسان ومجتمعه، بين المقيم والمهاجر وبين الأجيال. وبما أن الثقافة عمليّة إنسانيّة، مكتسبة، متغيّرة، تكامليّة، قابلة للانتقال وتحدد أسلوب الحياة، والفنّ خاصة الموسيقي هو نتاج جملة من العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة التي تتداخل فيها العادات والتّقاليد والوعي الجمعي، لتشكل هوية ثقافية خاصة بهذا المجتمع، يقترن بها الزّمان والمكان وظيفيًا من خلال مركب متجانس من الذكريات والتّصورات والقيم والرموز والتّغييرات والإبداعات والتّطلعات التي تحتفظ لهذه الجماعة البشرية، بهويتها الحضارية، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الدّاخلية وقابليتها للتوصل والأخذ والعطاء، تقف الهجرة عند مفترق طرق لتطرح النقاشات والتّساؤلات حول دورها، تأثيرها وعلاقتها بالثقافة والهوية لتترك للزمان تحديد المسار إن كان تناغمًا أم صراعًا. لكن الأمر المحتم والأكيد استمرار الإبداع خاصة الفني على الرّغم من كلّ المتغيرات الاجتماعيّة.
المراجع
- أندريا، أ. (ايلول 2023). الموسيقى الفنية في لبنان وتصورها الحالي، بيروت، https://www.thisislebanon.com/foreign-press/252431/
- أبي فاضل، د. (2020). الهجرة بالمكان، إشكاليّات وتحديّات، علاقة الهجرة بالمكان – دراسة لخمس قرى في قضائي جبيل والبترون، الجامعة اللبنانيّة – كلية الأداب والعلوم الانسانية – الفرع الاول، بيروت.
- الكك، ف. (2000). بيروت ملتقى حضاري، منشورات المجمع الثقافي العربي، بيروت.
- كسروانة، ا. (2000). “دور بيروت الرائد في تطور الفن في الوطن العربي”: بيروت ملتقى حضاري، منشورات المجمع الثقافي العربي، بيروت، ص 369 – 393.
- ديب، ك. (2016). تاريخ لبنان الثقافي – من عصر النهضة إلى القرن الحادي والعشرين، المكتبة الشرقية، بيروت.
- عبد الباسط، م. ح. (1982). التنمية الاجتماعية، مكتبة وهبة للطباعة والنشر، القاهرة.
- عماد الدين، ر. (نيسان، 2023). عن الأثر الموسيقي الروسي في لبنان، السفير، لبنان. https://shorturl.at/ahlzX
- فاضل، ر. (اذار 2021). تأثيرات الهجرة على النتاجات التشكيلية للمرأة اللبنانيّة: التحدي وإثبات الانخراط في الذاكرة الجديدة، النهار العربي، بيروت. https://shorturl.at/qstU4
- كاي، م. (2003). الموسيقى اللبنانيّة في وجهة نظر باحث صيني – الاخوان رحباني نموذجًا، الصين بعيون عربية، الملتقى الاكاديمي اللبناني. https://www.chinainarabic.org/?page_id=1978
10-الجمهورية اللبنانيّة، وزارة الاعلام. (2010). “الانتشار اللبناني: الاغتراب“، مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانيّة، بيروت
11-حتي، ف. (1959). “لبنان في التاريخ : منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصرنا الحاضر“، دار الثقافة، بيروت
12-حمية ه. (2004). “الهجرة اللبنانيّة: واقع وآفاق“، الناشر: خاص – هيثم حمية، بيروت.
13- لبكي، ب. (2019). “هجرة اللبنانيين (1850 – 2018) مسارات عولمة مبكرة“: المهاجرون ثلاثة أرباع اللبنانيين والتنمية تتطلب أبحاثًا مستمرة عنهم، دار سائر المشرق، بيروت
14- الشهابي، ح. أ. (1900). ” تاريخ الأمير حيدر الشهابي”، مطبعة دار السلام، مصر.
15- سابا يارد، ن. (1992). “الرحّالون العرب وحضارة الغرب، في النهضة العربية الحديثة“، نوفل، الطبعة 2، بيروت.
Références
-16Bajoit, G. (2006). « Le changement social. Approche sociologique des sociétés occidentales contemporaines », Cursus, Armand Colin, paris.
-17Blacking, J. (2012). « Music, Culture & Experience », University of Chicago Press, London.
-18Clayton M., Herbert T., Middleton R. (2012). “The Cultural Study of Music, a critical introduction”, second edition, Routledge, New York.
-19Laffanour, A. (2002). « Territoires de musiques et cultures urbaines », L’Harmattan, Paris.
-20Maalouf A. (1998). « Les Identités Meurtrières », Grasset, Paris.
-21Maghames, J.M. (2012). La présence libanaise dans le monde, universalité du multiculturalisme libanais, acte du colloque international, USEK, (Tome 1), Presses de l’Université Saint-Esprit de Kaslik, Liban.
-22Welsh, R.L., & Vivanco, L. A. (2018). Cultural Anthropology, Asking Questions About Humanity, Oxford University Press, USA.
[1] – دكتوراه في العلوم الاجتماعيّة من الجامعة اللبنانيّة، أستاذة محاضرة في علم الاجتماع والموسيقى في كلية التربية في الجامعة اللّبنانيّة، لديها العديد من الأبحاث وكتابين، شاركت في العديد من الحفلات الموسيقية (عزفًا وقيادة)، عضو في مركز الدراسات والأبحاث التربوية في كلية التربية، محكمة في أوسكار مبدعي العرب وأفريقيا.
Assistant Professor in Social Sciences from the Lebanese University, lecturer in sociology and music at the Faculty of Education at the Lebanese University, has many research papers and two books, participated in many concerts (playing and conducting), is a member of the Center for Educational Studies and Research in Faculty of Education – Lebanese University, jury in the Oscars of Arab and African Creators. Email:drmarieaboujaoude@gmail.com