foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

دلال عبّاس تقرأ في رواية «أيّام مولانا وقواعدُ العشقِ الأربعون»

0

دلال عبّاس تقرأ في رواية «أيّام مولانا وقواعدُ العشقِ الأربعون»

لمؤلّفها الشّاعر الدّكتور محمّد حسين بزّي

Dalal Abbas reads the novel “The Days of Our Lord and the Forty Rules of Love”

Its author is the poet Dr. Muhammad Hussein Bazzi

 Dr. Dalal Abbas أ. د. دلال عبّاس)[1](  

تاريخ الإرسال: 3-7-2024                             تاريخ القبول: 15-7-2024

أ. د. دلال عبّاس

تحميل نسخة PDF

الملخص

تصوّر لنا “رواية أيام مولانا وقواعد العشق الأربعون” حياة مولانا بتفاصيلها منذ ما قبل ولادته إلى آخر يومٍ في حياته، كذلك حياة شمس الدين التبريزي وأفكاره، وذلك من المصادر الينبوعيّة، وتربطها بالأحداث التاريخيّة والسياسيّة المحيطة التي رافقتْ تشظّي الإمبراطوريّة العبّاسيّةِ إلى دويلاتٍ صغيرةٍ، غيرِ مرهوبةِ الجانب، وغير متآلفةٍ في ما بينها، وتنتظرُ الاجتياحَ المغوليَّ من غيرِ أن تكون قادرةً على مجرّدِ التفكير في كيفيّةِ صدّه.

كما تعرفنا الروايةُ حياةَ العارف الكبير السيّد برهان الدين محقّق الترمذي وأفكارَه، وهو الأستاذ الثاني لمولانا بعد والده بشكل مُفَصّل، ولعلّها المرّة الأولى التي تزخر فيهاِ روايةٌ عن مولانا بكلّ هذه الإحاطة عن الترمذيِّ وأحواله.

الكلمات المفتاحيّة: جلال الدين الرومي – مولانا الرومي – شمس الدين التبريزي – التصوّف – العرفان – قونيّة – بلخ – الدولة السلجوقيّة – شهاب الدين السهروردي – نجم الدين كبرى – الشيخ الأكبر – ابن عربي – علاء الدين كيقباد.

Abstract

“The Novel of the Days of Mawlana and the Forty Rules of Love” depicts for us the life of Mawlana in its details from before his birth to the last day of his life, as well as the life and thoughts of Shams al-Din al-Tabrizi, from spring sources, and links it to the surrounding historical and political events that accompanied the fragmentation of the Abbasid Empire into small, insignificant states. They are terrified, unfamiliar with each other, and await the Mongol invasion without being able to even think about how to repel it.

The novel also introduces us to the life and thoughts of the great scholar, Mr. Burhan al-Din, Muhaqqiq al-Tirmidhi, who is the second teacher of our Lord after his father, in detail. Perhaps it is the first time that a novel about our Lord is filled with all this information about al-Tirmidhi and his conditions.

Keywords: Jalal al-Din al-Rumi – Mawlana al-Rumi – Shams al-Din al-Tabrizi – Sufism – Mysticism – Konya – Balkh – the Seljuk state – Shihab al-Din al-Suhrawardi – Najm al-Din Kubra – Sheikh al-Akbar – Ibn Arabi – Ala al-Din Keyqubad.

المقدمة          

في ليلةٍ من ليالي الأرقِ الملازمِ الباحثينَ عن معنى من المعاني المتواريةِ وراء حجبِ الغفلة التي عجزت عن إدراكها العقولُ القاصرةُ الملتصقةُ بالقعر المُسمّى واقعَ الحياة، تساءل محمّد حسين بزّي عن سبب قتلِ السُّهرورديّ.

أيقتُلُ الكلامُ قائلَه؟ ما هو الكلامُ الذي يستفزُّ أهلَ الظاهر ويُؤرّقُهم فيمحونه بمحوِ صاحبِه من الوجودِ ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها؟

غاص محمد حسين بزّي في دراسةِ الكلام الذي قتلَ صاحبَه، وتعرّف السُّهرورديّ، وعرّفه، وقرأ الغربةَ الغربيّةَ، فلامس نورَ الإشراق أو إشراقَ النّورِ كما يحلو له التّعبير. وعرفَ معنى الحبِّ الذي يتولّد من المعرفةِ ويجذبُ المُريدَ إلى المُراد؛ ولازمه سؤالٌ مصاحبٌ للأرق، يضربُ الرأسَ بأنغامٍ لا إيقاعَ لها؛ تتفرّعُ عنه أسئلةٌ لم تأته أجوبتها بسهولة:

كيف يصبح الإنسان متصوّفًا؟ أو على الأقل متأثّرًا بالفكر الصّوفيّ؟

أهي صدفةٌ أم تقديرٌ إلهيٌّ أنْ تسمعَ [مثلي] وأنت في آخر الدنيا اسم رجلٍ من جبل عامل فتنقدحَ في رأسك فكرةُ أن يكون موضوعًا لدراسة هي الأهمّ في حياتك؟ أو يقعَ في يدك وأنت في أوّل الشّباب كتابٌ فيه كلامٌ على رجلٍ من سُهرورد قتله قائدٌ أُمّيٌّ بناءً على نميمةِ بعضِ المتفيقهة؟…

ومن اهتمامه بهذا السُّهرورديّ الشّهيد تنبتُ لدى محمّد حسين بزّي فروع اهتمامٍ بسائر المتصوّفة، وفجأةً يجد نفسه بين يديّ مولانا، يحتار كيف يدخل عوالمه المتجاوزةَ الزّمان والمكان، ويقرّر أنْ ينقلَ هذه المعرفة إلى الآخرين، وهو يعرف أنّهم [أي الآخرون] ربّما سمعوا اسمَ مولانا أو قرؤوا بعض ما يُنسب إليه، فيقول في قرارة نفسه “زكاةُ المعرفةِ إنفاقها”، وحبّي مولانا بعد السُّهرورديّ يفرض عليّ أنْ أعرّفه للناس … ومضةٌ لمعت في كلّ عروقه دُفعةً واحدةً، تبعتْها رعشةٌ كأنّها الرعد ساعة صيف..!

يضيقُ الوقتُ وبدلًا من التَّفتيش عن جسرٍ لعُبور البحرِ اللُّجّيّ، يسير فوق الماء حافيَ القدمين حاملًا كتبًا وسفائنَ جلديّةً تساعده في اجتياز اللجّةِ كي لا يدخلَ عالمه خاليَ الوِفاض.. ويدركُ أنْ ليس في العشق علوٌ وانخفاض، ولا حَرٌّ أو برد، ولا بعيدٌ أو قريب، ولا قليلٌ أو كثير…

يحاولُ أن يُخرِجَ من قعر البحر جواهرَ، ليفتح دكّانًا في سوق المعرفةِ، متحاشيًا أنْ تزِلَّ قدمُه في بازار التكبّر؛ خائفًا أنْ يكونَ المشتري قليلَ المعرفة، لذلك يكشفُ له ما وراء الأبوابِ الستّة، والأبوابِ الأربعين.

ومنذ تلك الليلة البيضاء، حوّلت قطرةُ العشقِ ترابَ العالم وردةً تناسلت ورودًا على مدِّ العين والبصرِ، وحَصَل في الدنيا مئةُ فتنة وجذبة. وحين ضرب العقلُ والعشقُ فألًا معًا، سالتْ قطرتان منهما، اختلطتا فكان القلبُ… وهام القلب في وادي المعرفةِ يتنقّلُ بين مدن المعاني: من إشراقات السُّهروردي إلى الفيافي التي قطعتْها طيورُ فريد الدين العطّار الثلاثون قاصدةً السيمرغ.

فريد الدين العطّار الذي رأى المولويَّ طِفلًا بصحبة أبيه في نيسابور قادمَين من بلخ، فرأى في هذا الطفلِ ما لا يسعُه التصريحُ عنه، وأوصى الأبَ بقولِه: “بَجّل هذا الطفلَ، فسوف يُلقي ضَرَمةً في القلوبِ المحروقةِ في العالَم بنَفَسِه المحموم”. إلى الشاعر الصوفيّ الكبير عبدِ الرحمنِ الجاميِّ مادحًا مثنَويَّ المولويّ:

“إن كنتَ عارفًا بأسرار المعرفة، فدعِ اللفظَ واقصدِ المعنى/ إنّ المثنويّ المعنويّ للمولويِّ هو القرآنُ في اللسان الفارسيّ / ماذا أقول في وصف هذا الكتاب العظيم/ لم يكن نبيًّا ولكنّه أوتيَ الكتابَ.”

ومن العطّار والجامي انتقل محمّد حسين بزّي إلى نجم الدين كُبرى قارئًا تجلّياته، ومنها إلى قواعدِ الحكيم التِّرمذيّ التي انتظرت طويلًا من يُسلّطُ الضَّوءَ عليها بالعربيّة…

لماذا كتب محمد حسين بزي هذه الرواية؟

  لأنّ النظرةَ في حكايا سبقتها إلى شعر المولويّ لم تتجاوزْ حدودَ الظاهر، ولم تلامس ذرّةً من كنه هذا الشعر؛ فمن لم يتذوّق قطرةً من كأس العشق الإلهيّ، ولا يفهم كنهَ الخَلوةِ الأربعينيّةِ، لا يمكنه أنْ يفهمَ العَلاقة بين المريدِ وشيخه، وأنّ المريدَ السالكَ يجبُ أنْ يكونَ بين يدي مرشده كالميّتِ بينَ يَدَيْ الغاسل، وجلالُ الدين الروميُّ وشمس كان كلُّ واحدٍ منهما بالنسبةِ إلى الآخر السالكَ المُريد والشّيخَ المُراد، ولم يكن أيٌّ منهما متهاونًا بالشريعة وبأحكامها وآدابها [أنا غبار قدم محمّد (ص)، قالها المولويّ]؛ والاثنان كانا يُصرّحان دائمًا أنّهما يُحرّمان ما حرّمَ الله ولا يحيدان عن الشريعةِ قيدَ أُنمُلة؛ وتنطبق عليهما المقولةُ التي أوردها شيخي البهائيّ في مقدّمة مثنويته “نان وپنير” [الخبز والجبن] «من تفقّه ولم يتصوّف فقد تَفَيْقَه، ومن تصوّفَ ولم يتَفَقّه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقّق»…

إنّ أهمّيّةَ رواية محمد حسين بزّي هذه بعيدًا من كلام الإطراء التقليديّ الذي نقرأه في ما يُدبّجُ من كلامٍ تقديمًا لكتب الأصدقاء تكمنُ في ثلاثة أمور:

الأول: أنّ كاتب “أيّام مولانا وقواعدُ العشقِ الأربعون” يغرف من مخزونه المعرفيّ واختصاصه الأكاديميّ في الفلسفة والتصوّف. ناهيك عن شعرية لغته.

الثاني: أنّ الرواية تصوّر لنا حياة مولانا بتفاصيلها منذ ما قبل ولادته إلى آخر يومٍ في حياته من مصادرها الينبوعيّة، وتربطها بالأحداث التاريخيّة والسياسيّة المحيطة التي رافقتْ تشظّي الإمبراطوريّة العبّاسيّةِ إلى دويلاتٍ صغيرةٍ، غيرِ مرهوبةِ الجانب، وغير متآلفةٍ في ما بينها، تنتظرُ الاجتياحَ المغوليَّ من غيرِ أن تكون قادرةً على مجرّدِ التفكير في كيفيّةِ صدّه [2]  … إنّ الأدب والفكر والتديّن ظاهرًا وباطنًا، والتصوّفَ والعرفانَ والحياةَ بمجملِها غيرُ منفكّةٍ ولا منفصلةٍ عن ظروف البيئة المحبِطةِ أو الملائمة.

الثالث: تعرفنا الروايةُ حياةَ وأفكارَ العارف الكبير السيّد برهان الدين محقّق الترمذي الأستاذ الثاني لمولانا بعد والده بشكل مُفَصّل، ولعلّها المرّة الأولى التي تزخر فيها روايةٌ عن مولانا بكلّ هذه الإحاطة عن الترمذيِّ وأحواله ([3]) .

الكاتب في الرواية هو الصيّادُ؛ والسّمكات هي العبارات الممهّدة للقصّ…

“الصياد الذي يرمي قصبته، ينتظر ساعة ولا شيء يعلق، يرميها ثانية ولا يعلق شيء، يُغيّر سنارته بسنارة أكبر ولا يعلق شيء، يغيّر مكانه من جهة البحر؛ ولا يعلق شيء..! وفي المرّة السابعة تعلق السنارة؛ لكن لا يستطيع رفعها من البحر، يشدّ عليها؛ ليس من فائدة، السنّارة عالقة، والقصبة تتقوّس حدّ أنْ تنكسر، يغرس الصيّاد قبضة قصبته في اليابسة بين حجرين كبيرين وينتظر لساعة، لم ترتفع السنّارة من البحر ولم تتقوّس أكثر، السنّارة على وضعها؛ كأنّها تحنّطت على مكانها”([4]).

والصياد يتصيّدُ المعلومةَ من فمِ العرّافةِ الراوية؛ وهو العرّافةُ أيضًا تأتي بمعلوماتها من الكتب والسفائن التي بحوزتها، لذلك تستطيع الإجابةَ عن كلّ الأسئلة التي يطرحها عليها أو تظنّ هي أنّه يفكّر فيها. أمّا بَركَة الجميلة فهي صلةُ الوصل بين العالمين الأرضيِّ والعُلويّ، وعروسُ الشعر المتخيَّلَة.

أتى محمد حسين بزّي بالشواهد الشّعريّةِ من الترجمات العربيّةِ المتوافرة، غير منقوصةٍ، ولا مستلَّةٍ من داخل النّصوص من دون مراعاة السياق والظروفِ التي قيلت فيها. واللغة الشعريّةُ التي كُتبتْ بها الرواية تجعلك تتوقّف أحيانًا لتتساءل إنْ كان النصّ للمولوي وشمسِه أم لمحمّد حسين بزي، على سبيل المثال:

“أنا أيّها الصيّاد عبرت بهم من الطريق ما يحوِّلهم عن بئرين عميقين من بقايا قمصان الوقت ومراود زُليخة قبل أنْ يأخذَني النورُ اللازورديُّ على جبل الطور لألجَ بحر شمس؛ وأرى يوسُفَ في قمصانِ وقتِ الماء حينًا، وحلاوةِ ملوحةِ دموع زليخة أحيانًا، وكنت أرى مرايا ذي النون في بطن حوت المعرفة، وعصا موسى التي استقرّت عميقًا في البحر ولم تفلقْه هذه المرّة”([5]).

ويقول واصفًا بَرَكة:

“مشت بَرَكة تعلوها المهابة الممزوجة بغنج الصبا، وكأنّ الأرض تواضعت تحت قدميها فانبسطت كي لا تتعثّر بحجرٍ ولا بحصاةٍ، فلا تكاد تسمع وقع قدميها إلّا همسًا في أُذْنِ الأرض”([6])؛ ويتابعُ بزّي في لغة شعريّةٍ تردم الأضدادَ وتُشيِّد بناءً روائيًا مُبتَكَرًا، فيقول:

“إنّه صباحُ يومِ السّبت السادسِ والعشرين من جمادى الآخرة سنة 642 هـ، وصل إلى قونية، ماج الدهر، تدافع الربيع، مزّق الوقتُ ساعاتِه ونثر دقائقَه اللازوردية، حتّى كدتَ لا تعرف الفجرَ من الغسق، ولا الظهرَ من المغيب، التهب الماء في أباريق الفِضّة التي تزيّن مساجد قونية وتكاياها، بعضُ المحاريب تشقّقت شوقًا، مصابيحُ الظهر غدت من الضّوع مزهريّاتٍ تتراقص في الهواء المعشوشب بخضرة الحضرة، عمّالُ الغيب يتناوبون على إدراك الحاضر، بعضهم فَهِم، والبعض الآخر عاد إلى السّماء يسأل ويتساءل، ما هي آلام العقل؟

ما هي محنة التحقيق؟

كيف يهوي الطود الشامخ من على بغلة؟!

أيّ مقام احمرّت الأشجار حياءً منه ورهبة؟!

لِمَ الضّفاف لم تعد على أطراف الأنهار؟!

لِمَ صارت كومات من الغيم المردوم على البسيطة لكنّها تسعى، حتّى صارت تتنازعها أسئلة من يدعون علمًا، ولا جواب..؟!”([7])

شخصيّات الرواية فضلًا عن المولوي والسيّد برهان وشمس التبريزيّ، هم بهاء ولد والد المولوي وعائلته، أمّا الشخوص الذين يكملون السياق ودورهم مهمٌّ في توضيح التناقض والتضادّ بين أهل العصر من مختلِف النواحي، فسياسيًّا جلال الدين منكبرتي ابن خوارزمشاه حاكم الدولة الخوارزمية، الذي توسّم  فيه بهاء ولد منذ اللحظةِ التي رآه فيها نجابةً في النفس ونورًا في القلب؛ جلال الدين منكبرتي نقيض الحكام في عصره، وهو الوحيد الذي تصدّى للمغول؛ يوم رأى جلال الدين بهاء ولد في مجلس أبيه خوارزمشاه، كان النقاش دائرًا بين بهاء ولد، سلطان العلماء وبين الشيخ فخر الدين الرازي([8])، وانحاز الأمير الشاب([9])ـ الوحيد الذي سيتصدّى للمغول في العالم الإسلاميّ المتشظي آنذاك ـ  لبهاء ولد ممثّلًا للاتجاه الروحاني في الدين، والأب كان متحيّزًا للرازي ممثّلًا للفقهاء من أهل الظاهر؛ قِمّة التناقض الدائم والأزليّ في المجتمعات الإسلاميّة، بين أهل الظاهر وأهل الباطن؛ تختصره الحوارات التي  دارت بين بهاء الدين ولد والموبد وفخر الدين الرازي([10])؛ وبين نجم الدين كبرى والرازي… وتبقى قِصّة مولانا وشمس وقواعدُ العشقِ الأربعون روايةً معرفيّةً ذاتَ إسناد تاريخيٍّ [تواريخ المدن التي عبرها مولانا وشمس وأبطال الرواية الآخرون، والشخصيّات التي كان تأثيرها بيّنٌ في حياة مولانا وفي الحقبة التي عاش فيها]، يرويها محمد حسين بزّي بلغة صوفيّةٍ مكينةٍ، نقرأُها وتقرأُنا داخل الرواية…

لغة رواية محمد حسين بزّي قرآنيّةُ التأثّرِ كلغة المولويّ.

“بسم الله أبدأ…”

فوقعنا بغتة في “القرية الظالم أهلها”، وكان فوق البئر المعطّلة… “لا جُناح عليكم”… وكان في قعر البئر ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرجنا أيدينا لم نكد نراها… رأينا الهدهد وفي منقاره رقعة صُدّرت “من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة” وقال لنا: إنّي أحطّتُ بوجه خلاصكما وجئتكم “من سبأٍ بنبأٍ يقين”…

فلمّا قرأنا الرقعة أنّه من الهادي أبيكما وأنّه: بسم الله الرحمن الرحيم.

فإذا أتيت “وادي النمل” فانفض ذيلك، وقلْ الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني “وإليه النشور” وأهلِكْ أهلَك واقتلْ امرأتك “إنّها كانت من الغابرين”، وامضِ حيث تؤمر فـ”إنّ دابرَ هؤلاء مقطوع مصبحين” واركب في السفينة وقلْ: “باسم الله مَجراها ومَرساها”.

فركبنا السفينة وهي تجري بنا “في موج كالجبال” ونحن نروم الصعود على جبل طور سيناء… وحال بيني وبين ولدي “الموج فكان من المغرقين.” وعرفت أنّ قومي “موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟” وعلمت أنّ “القرية التي كانت تعمل الخبائث” يجعل “عاليها سافلها” ويمطر “عليها حجارةً من سجّيلٍ منضود”.

وكنّا نسير في جارية “ذات ألواح ودسر”. فخرقنا السفينة خيفة ملكٍ وراءنا “يأخذ كلّ سفينة غصبًا.” والفلك المشحون قد مرّ بنا على جزيرة يأجوج ومأجوج إلى الجانب الأيسر من الجوديّ. وكان معي من الجنّ من يعمل بين يدي، وفي حكمي عين القطر. فقلت للجنّ “انفخوا فيه حتّى صار مثل النار”. فجعلتُ سدًّا حتّى انفصلتُ عنهم.

وتحقّق “وعد ربّي حقًّا”، ورأيت في الطريق جماجم عاد وثمود، وطفت في تلك الديار “وهي خاوية على عروشها”. وأخذت الثقلين مع الأفلاك وجعلتها مع الجَنْفى قارورة صنعتها أنا مستديرة وعليها خطوط كأنّها دوائر. فقطعت الأنهار من كبد السّماء. فلمّا انقطع الماء عن الرحى، انهدم البناء، فتخلّص الهواء إلى الهواء. والقيتُ فلك الأفلاك على السماوات حتّى طحن الشمس والقمر والكواكب. فتخلّصتُ من أربعة عشر تابوتًا وعشرة قبور عنها ينبعث ظلّ الله، حتّى يقبضني إلى القدس “قبضًا يسيرًا” بعد أنْ “جعل الشمس عليه دليلًا.” ولقيت سبيل الله، ففطنت “أنّ هذا صراطي مستقيمًا”. وأختي وأهلي قد أخذتها “غاشية من عذاب الله” بياتًا. فباتت في قطع من الليل مظلمًا، وبها حمّى وكابوس يتطرّق إلى صرعٍ شديدٍ. ورأيت سراجًا فيه دهن وينبجس منه نورٌ ينتشر في أقطار البيت، ويشعل مشكاتها ويشعل سكّانها من إشراق نور الشمس عليهم. فجعلت السراج في فم تنينٍ ساكنٍ في برج دولاب تحته بحر قلزم وفوقه كواكب ما عرف مطارح أشعّتها إلّا بارئها “والراسخون في العلم.”

ورأيت الأسد والثور قد غابا، والقوس والسرطان قد طُويا في طيّ تداور الأفلاك، وبقي الميزان مستويًا إذا طلع النجم اليمانيّ من وراء غيوم رقيقة متألّقة ممّا نسجته عناكب زوايا العالم العنصريّ في عالم الكون والفساد.

وكان معنا غنمٌ، فتركناها في الصحراء. فأهلكتها الزلازل ووقعت فيها نارٌ صاعقة. ولمّا انقطعت المسافة وانقرض الطريق “وفار التنّور” من الشكل المخروط، فرأيتُ الأجرام العلويّة، اتّصلتُ بها وسمعتُ نغماتها ودستاناتها، وتعلّمت إنشادها، وأصواتُها تقرع سمعي كأنّها صوت سلسلةٍ تُجرُّ على صخرةٍ صمّاء، فتكاد تنقطع أوتاري وتنفصل مفاصلي من لذّة ما أنال. ولا يزال الأمر يتكرّر عليّ حتّى انقشع الغمام وتخرّقت المشيمة. وخرجتُ من المغارات والكهوف حتّى تقضّيت من الحجرات متوجّهًا إلى عين الحيوة. فرأيتُ الصخرة العظيمة على قمّة جبل كالطود العظيم. فسألتُ عن الحيتان المجتمعة في عين الحيوة المتنعّمة المتلذّذة بظلّ الشاهق العظيم: إنّ هذا الطود ما هو؟ وما هذه الصخرة العظيمة؟

فاتّخذ واحد من الحيتان سبيله في البحر سربًا. فقال “ذلك ما كنت تبغي. وهذا الجبل هو طور سيناء. والصخرة صومعة أبيك. “فقلتُ “وما هؤلاء الحيتان؟ “فقال “أشباهك، أنتم بنو أب واحد، وقع لهم شبيه واقعتك، فهم إخوانك.”

فلمّا سمعتُ وحقّقت، عانقتُهم. ففرحت بهم وفرحوا بي. وصعدت الجبل، ورأيت أبانا شيخًا كبيرًا تكاد السماوات والأرض تنشقّ من تجلّي نوره. فبقيتُ باهتًا متحيّرًا منه. ومشيتُ إليه. فسلّم عليّ. فسجدتُ له وكدتُ أنمحق في نوره الساطع.

فبكيتُ زمانًا وشكوتُ عنده من حبس قيروان. قال لي “نعمّا! تخلّصت. إلّا أنّك لا بدّ راجع إلى الحبس الغربيّ، وإنّ القيد بعدما خلعته تامّا. فلمّا سمعت كلامه، طار عقلي وتأوّهت صارخًا صراخ المشرف على الهلاك، وتضرّعتُ إليه.

فقال: “أمّا العود فضروريّ الآن، ولكنّي أبشّرك بشيئين: أحدهما أنّك إذا رجعت إلى الحبس، يمكنك المجيء إلينا والصعود إلى جنّتنا هينًا متى ما شئت. والثاني أنّك تتخلّص في الأخير إلى جنابنا تاركًا البلاد الغربيّة بأسرها مطلقًا.” ففرحتُ بما قال. ثمّ قال لي “اعلم أنّ هذا جبل طور سيناء. وفوق هذا جبل طور سينين مسكن والدي وجدّك، وما أنا بالإضافة إليه إلاّ مثلك بالإضافة إليّ….

“إنّه صيّادٌ استعار لغةَ الدراويش ليصحّحَ أسطورةً علقت في أذهانهم.”

الشكر والتقدير لمحمّد حسين بزّي على خدمته مولانا ثريّا الأدب العرفانيّ، الذي أنار طريقَ الحقيقة للّذين يستقصون الهدايةَ ويتوخّون الكمالَ طيلة القرون، وحقَّ له أنْ يصفَ نفسَه أنّه “صَيْقلُ الأرواح”… بعدَ أن جسّدَ عبارةَ ابن عربيّ عندما رأى الروميَّ الشاب اليافع ماشيًا خلف والده سلطان العلماء: “سبحان الله! محيطٌ يمشي خلف بحيرةٍ”.

شكرًا للمؤلّف الشاعر العارف؛ لأنّه تعب سنين في حياكة هذا الكمِّ المعرفيِّ الغنيِّ روايةً مشوّقة، لا فصل فيه بين أقوال العرفاء وأقواله حتى أنّك تخالُه أحدَهم…

  المراجع

  • دلال عباس “الغزوُ المغوليُّ وواقعُ التردّي الإسلاميّ”، مجلة المنطلق، العدد 86 – 87 ك2، شباط 1992، والموقع الإلكتروني، dalalabbas.com
  • محمد، بزي: أيّام مولانا وقواعدُ العشقِ الأربعون، دار الأمير، بيروت لبنان – 2023.

[1] – أديبة وناقدة ومترجمة، أستاذة الأدب المقارن في الجامعة اللبنانية، صدر لها عشرات الكتب والأبحاث والدراسات في اللغتين العربية والفارسية.

Writer, critic and translator, professor of comparative literature at the Lebanese University. She has published dozens of books, research and studies in the Arabic and Persian languages.Email: dalal.abbas@gmail.com

[2] – لقد استطاع المغول أولئك الغزاة المتبربرين، في مدّة قصيرة نسبيًّا غزوَ أقطار كانت قد بلغت شأوًا بعيدًا في الحضارة والمدنيّة، ولكنّها أيضًا كانت قد بلغت مدى بعيدًا من التّرف، وتاليًا الضعف والفتور والانحلال. ينطبق عليها ما قاله جنكيزخان مخاطبًا إمبراطور الصين الشماليّة: “كلّ ما تمتلكه من بلاد يعدُّ ملكًا لي، فما اصبحْتَ فيه من الضّعف يقابله ما توافر لي من القوّة”، والخلافة العباسيّة التي كانت رمزَ وحدة المسلمين سياسيًّا، فقد أضحت شجرةً نخرها السوس، ودولةُ السلاجقة شاخت… والدولة الأيّوبية تعرّضت بوفاة صلاح الدين (589ه/1193م) إلى الضعف والتفكّك؛ ولما شنَّ المغول حملتهم على العالم الإسلامي كان من الطبيعي أن يقف حكّام هذه المنطقة في حالة عجز تام عن مدِّ يد العون إلى إخوانهم في الشرق.

… وعندما شعر جلال الدين منكبرتي بالخطر المغوليّ أخذ يدعو أمراء المسلمين إلى التحالف معه للوقوف صفًّا واحداً في وجه هؤلاء الأعداء، كان يقول لهم: (إنّ جيشًا جرّاراً من عساكر التتار، كأنه النمل والثعابين من حيث الكثرة والقوة، قد تحرّك نحونا. فإذا تُرك وشأنه، فسوف لا تصمد أمامَه القلاعُ والأمصار، وقد تمكّنَ الرعبُ من قلوب الناس في هذه المنطقة. فإذا هُزِمتُ وخلا مكاني من بينكم، فلن تستطيعوا مقاومةَ هذا العدو، وإذًا فأنا لكم كمَثَلِ سدِّ الإسكندر، فلَيسارِعْ كلٌّ منكم إلى إمدادنا بفوج من الجنود، حتى إذا ما وصلَهم نبأُ اتفاقنا واتحادنا فَتَرَتْ قوّتُهم وفُّتَّ في عَضُدِهم، فيتشجّع جنودُنا وتقوى قلوبُهم…).

لقد سقطت المدن التي كانت تحت سلطة الخوارزميّ الواحدةَ تلو الأخرى في أيدي المغول، وزعماءُ المسلمين بين آسف ضعيف أو شامتٍ قالٍ، تجمعهم صفاتُ التخاذل والضعف وقصر النظر.

ويروي المؤرخون عن حصار بخارى وسمرقند ونيسابور روايات تقشعرّ لها الأبدان، في كل مرّة يستثني المغول من هذه المجازر العامَّةِ العلماءَ والزّهادَ وأربابَ الحِرفِ والصنّاع… راجع مقالة  دلال عباس “الغزوُ المغوليُّ وواقعُ التردّي الإسلاميّ”، مجلة المنطلق، العدد 86- 87 ك2، شباط 1992، والموقع الالكتروني،www.dalalabbas.com

[3] – بزّي، أيّام مولانا وقواعد العشق الأربعون، ص 196.

[4]– المصدر نفسه، ص.٣٩

[5]– المصدر نفسه، ص 38.

[6]– المصدر نفسه، ص ١٠٥.

[7]– المصدر نفسه، ص 249.

[8] – المصدر نفسه، ص 116 وما بعدها.

[9]– المصدر نفسه، ص 156.

[10]– المصدر نفسه، ص118 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website