foxy chick pleasures twat and gets licked and plowed in pov.sex kamerki
sampling a tough cock. fsiblog
free porn

دراسة مكانة التفكير الإيجابي في العلاقات بين الأشخاص من وجهة نظر مفسري القرآن الکريم وعلماء النّفس

0

عنوان البحث: دراسة مكانة التفكير الإيجابي في العلاقات بين الأشخاص من وجهة نظر مفسري القرآن الکريم وعلماء النّفس

اسم الكاتب: د. إحسان علي‌أكبري بابوكاني، د. إبراهيم رضائي

تاريخ النشر: 20/12/2024

اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية

عدد المجلة: 34

تحميل البحث بصيغة PDF

دراسة مكانة التفكير الإيجابي في العلاقات بين الأشخاص من وجهة نظر مفسري القرآن الکريم وعلماء النّفس

Significance of Positive Thinking in Effective Interrelations based on the Quran and Psychology

د. إحسان علي‌أكبري بابوكاني([1]) Dr. Ehsan aliakbari babookani

Dr. Ibrahim rezaee د. إبراهيم رضائي([2])

تاريخ الإرسال: 2-9-2024                          تاريخ القبول: 14-9-2024

الملخص

يتميز البشر دائمًا عن بعضهم البعض بطريقة تفكيرهم وموقفهم تجاه العالم. لا تتمتع الإيجابيّة بمكانة عالية في الحياة الفرديّة للشخص فحسب، بل تؤدي أيضًا دورًا حيويًا في تحقيق التّواصل الفعال بين الأشخاص؛ وهذا موضوع تناوله علماء النّفس وهو موضع اهتمام وتأكيد في الآيات القرآنية. وتناقش هذه المقالة أهميتها ومكانتها في التّواصل الفعال بين الأشخاص وتعبّر عن وجهة نظر القرآن الکریم في هذا الصدد، فضلًا عن آثارها المهمة في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة، مثل تطوير العلاقات بين الأشخاص وتوفير الصّحة الجسديّة والنّفسيّة، والوقاية من الذّنوب والخطايا. ومن ثم يحاول دراسة طرائق تعزيزها من وجهة نظر المفسرين وعلماء النّفس، وفي هذا المجال يشير إلى شؤون مثل إعادة النظر في الأفكار السّلبيّة، والبحث عن أسباب للصفح عن الآخرين، وما إلى ذلك. ونتيجة هذا المقال هي أنّه على الرّغم من أن علماء النّفس قد قدموا معلومات مفيدة وفعالة حول الإيجابيّة، إلّا أنّ تعاليم القرآن الكريم في هذا الصدد أعمق بكثير وأکثر تفصيلًا وإثمارًا في هذا الصدد، وأحيانًا تعطي آيات القرآن الكريم تفاصيل في هذا المجال كانت قد أُهمِلت في علم النّفس.

الكلمات المفتاحية: القرآن الكريم، الإيجابيّة، علم النّفس، التّواصل الفعال، العلاقة بين الأشخاص، تفسير القرآن الكريم.

Abstract

The unique perspective and thought processes of humans set them apart from other creatures in the world. A key element in human life is the importance of positive thinking, which plays a crucial role in fostering positive relationships with others. This concept is not only emphasized in psychological theories but also in the teachings of the Quran. This study delves into the significance of positive thinking in interpersonal relationships and sheds light on the perspective of the Quran. It emphasizes the importance of positive thinking in personal and social interactions, as well as in the overall well-being of an individual, both mentally and physically. Additionally, the study explores how positive thinking can help prevent individuals from committing sins. Examining the insights of exegetical writers and psychologists, the study suggests various ways to cultivate positive thinking, such as reevaluating negative thoughts and practicing forgiveness. While psychologists provide valuable insights on the topic, the teachings of the Quran offer a more profound and intricate understanding of positive thinking. The Quran presents certain aspects of positive thinking that are not addressed in psychological theories, making it a valuable resource for individuals striving to enhance their interpersonal relationships through positive thinking.

Keywords: The Quran, Positive Thinking, Psychology, Effective Communication, Interrelations, Exegesis.

 

د. إحسان علي‌أكبري بابوكاني

المقدمة

لا بد للإنسان من التّواصل مع الآخرين، ومن خصائص الإنسان السليم، والنّاجح مهارته وقدرته على التّواصل بشكل فعال وبناء مع الآخرين. مهارة التّواصل الفعال هي القدرة على إقامة العلاقة مع الآخرين بطريقة مفيدة وفعالة لقضاء الحاجات وتحقيق الأهداف. ويعتمد تحقيق هذه المهارة على التعرف إلى التّقنيات وتطبيقها، وكذلك معرفة التّحديات الموجودة في عمليّة الاتصال وتجنبها، ما يعني أنّ التّعرف إلى العناصر التي تسهّل وتثبت مثل هذه العلاقات وتعلمها ضرورة حتميّة. ومن العوامل الفعالة للتّواصل هي الإيجابيّة؛ بمعنی أنّ الإنسان في علاقاته مع الآخرين یجعل ظنه علی صحّة أفراد المجتمع وصدقهم، ويحمل تصرفاتهم وسلوكهم وكلامهم على الصّواب، ویرکز علی الخير والجمال بدلًا من التّركيز على السّوء والمكروه. وهذا موضوع اهتم به علماء النّفس، وأكده رجال الدّين، وأشیر إليه في التّعاليم الدّينيّة بـ “حسن الظن”. وهذه المقالة تحاول مقارنة هذا العامل في إقامة تواصل فعال من وجهة نظر المفسرين وعلماء النّفس.

1- تعریف الإيجابيّة

الإيجابيّة تعني امتلاك مواقف وأفكار وسلوك وأفعال متفائلة في الحياة. الإيجابيّة تشمل التفكير الإيجابي والعمل الإيجابي (خالقي ثمرين وشيخ ‌بور، 1387، الطبعة الأولى، ص 9) وبعبارة أخرى، فهي لا تقتصر على امتلاك أفكار محددة، بل هي نوع من الاتجاه العام بشأن الحياة.

د. إبراهيم رضائي

الإيجابيّة تعني الاهتمام بالأشياء الإيجابيّة في الحياة وعدم الاهتمام بالجوانب السّلبيّة (كويليام، 1386، الطبعة الأولى، ص 16؛ بسنديده، 1388، الطبعة السادسة، ص 147) والشّخص ذو التّفكير الإيجابي هو الذي لا یعترف رسمیًّا بالقضايا السّلبيّة أبدًا، بل تواجهها، فالإيجابيّة هي عملية مقصودة وانتقائيّة، “يمكن تعريف الإيجابيّة أنّها استخدام القدرات العقلية الإيجابيّة والباعثة على التفاؤل والأمل كافة في الحياة، من أجل عدم الاستسلام للعوامل السّلبيّة التي يخلقها الذّهن والمشاعر اليائسة النّاجمة عن صعوبة التّواصل مع الناس ومواجهة الطبيعة. وبعبارة أخرى، يمكن عدُّ الإيجابيّة التفاؤل تجاه العالم والإنسان والنّفس”. (عبادي وفقيهي، 1389، رقم 2، ص 61)

التفاؤل وبشكل عام الإيجابيّة، كأحد العوامل المتدخلة في إقامة علاقة فعالة بين الأشخاص، موضوع اهتم به علماء النّفس، وأكده رجال الدين، وأشیر إليه في التّعاليم الدّينيّة بـ “حسن الظن”. وانطلاقًا من هذا المبدأ، ينبغي للإنسان أن يتمتع بحسن الظن تجاه الآخرين، ویجعل ظنه على صحة أفراد المجتمع وصدقهم في علاقاته مع الآخرين لکي يكون شخصًا مفيدًا في التّواصل معهم فینفعهم وینتفع بهم. کما قال الإمام علي (علیه السلام): «ضع أمر أخيك علی أحسنه حتی يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بکلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملًا.» (العروسي الحويزي، 1415، الطبعة الرابعة، ج ‏5، ص 91)

1-1- أهمية الإيجابيّة ومكانتها في التّواصل بين الأشخاص

للإيجابية مكانة وأهمية خاصة في عملية تواصل الناس مع بعضهم البعض، وأهمية هذا المبدأ عظيمة لدرجة أنّه إذا تُجُهِل فستضيع الثقة بين الناس وتتزعزع الشؤون الاجتماعيّة وتضطرب؛ لأنّ الإنسان كائن اجتماعي والحياة الاجتماعيّة تتطلب التعاون، وأول ركائز التّعاون هي الإيجابيّة والثقة بالآخرين. وطبعًا فإنّ الإسلام لا يقبل التفاؤل التّبسيطي ويعدُّه خداعًا للإنسان، ومن هذه الحالات بحسب کلام أميرالمؤمنين الإمام علي (عليه السّلام) أن يعم الفساد المجتمع: «وإذا استولی الفساد علی الزّمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر.» (الشّریف الرضي، 1431، الطبعة الرابعة، ص 621-622) ولكن عندما لا يكون هناك سبب واضح للشك في الآخرين، فإنّ وصیة الإسلام هو التّفاؤل وحسن الظن. وكما قال الإمام علي (عليه السلام): «إذا استولی الصّلاح علی الزّمان، وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه حوبة فقد ظلم.» (المصدر نفسه)

قد ورد في كتاب معراج السّعادة في باب حسن الظن وسوء الظن أنّه لا یجوز اتهام المسلم بشرب الخمر ولو فاحت من فمه رائحة الخمر. فقد يحتمل أن يكون قد تذوقها فسكبها أو أنّ أحدًا أجبره على شرب الخمر و… (النراقي، 1379، الطبعة السابعة، ص 221) فلذلك في رأي الإسلام على المسلم أن یحمل عمل الآخرين علی الصحة، وهذا يؤدي إلى تطور العلاقات الإنسانيّة وإقامة علاقات أكثر حميميّة.

تزداد أهمية هذا الموضوع في التّواصل مع الآخرين عندما يقوم الطرفان بتفسير بعضهما البعض؛ وبما أنّ رموزًا مثل الكلمات لا تحمل المعنى اللازم في حدِّ ذاتها بل تحتاج إلى التّفسير؛ وفي عمليّة التّفسير التي تؤدي عوامل مختلفة مثل سياق الكلام وظروفه دورًا بارزا، فإنّ المستمع یقوم بإنشاء مفاهيم مختلفة أو تحویلها في سياق المحادثة في هذه الاتصالات. (ت. وود، 1379، الطبعة الأولى، ص 73) ويمكنه أن يخلق في نفسه مواقف إيجابيّة أو سلبيّة وأحيانًا معاكسة. لذلك تؤدي الإيجابيّة دورًا مهمًّا في استمرار قضیّة التّواصل.

إنّ تأثير موقف الشخص تجاه الآخرين على سلوكه كبير لدرجة أنّه وفقًا لنظریة البعض، عندما نريد أن نحب شخصًا ما يمكننا أن نتحلى بالصبر والحلم، وعندما نقرر أن ننزعج من الآخرین فإنّنا ندقق في أخطائهم. بعبارة أخری، إنّ شعورنا تجاه الآخرين لا يعتمد دائمًا على سلوكهم، ولكنه يرتبط أيضًا بوجهة نظرنا. (متيوز، 1378، الطبعة السادسة، ص 96) ومن ثم فإنّ الإيجابيّة هي أمر اختياري ويمكن للإنسان أنّ یحصل علیها بالمحافظة علی أفكاره والتركيز على الخير والجمال بدلاً من التركيز على السّوء والكراهيّة والنواقص وغيرها.

1-2- نظرة إلى الإيجابيّة في بعض آيات القرآن الكريم

1-2-1- الأمر بحسن الظن

من أوضح الأوامر التي تعكس التفكير الإيجابي في آيات القرآن الكريم الأمر بـ”حسن الظن”: ﴿لَولَا إِذ سَمِعتُمُوهُ ظَنَّ المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتِ بِأَنفُسِهِم خَیرًا﴾ (النور/12) هذه الآية توبيخ للذين لم یرفضوا قصة الإفك عندما سمعوها ولم يُعدُّوا متهميها أعف وأجل شأنًا من مثل هذه التّهمة ولم يقولوا هذا إفك مبین. عبارة “ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خیرًا تدل على سبب الحكم؛ لأنّ صفة الإيمان بطبيعة الحال تمنع المؤمن من الفواحش والمنكرات من الأفعال والأقوال؛ فينبغي لمن يتصف بالإيمان أن يكون حَسَن الظن بالذين يتصفون بالإيمان مثله، ولا يتكلم عنهم بغير علم؛ لأن المؤمنين كلهم ​​كإنسان واحد يتصف بالإيمان وآثاره.

رُوي سبب نزول هذه الآیة نقلًا عن عائشة في تفسیر الدّر المنثور أنه: «‏كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه ثلاثًا. فمن أصابته القرعة خرج بها معه. فلما غزا بنى المصطلق أقرع بينهن فأصابت عائشة وأم سلمة فخرج بهما معه. فلما كانوا في بعض الطريق مال رَحْل أم سلمة فأناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها وكانت عائشة تريد قضاء حاجة. فلما أبركوا إبلهم قالت عائشة: فقلت في نفسي إلى ما يصلح رَحْل أم سلمة أقضي حاجتي. قالت فنزلت من الهودج ولم يعلموا بنزولي فأتيت خربة فانقطعت قلادتي فاحتسبت في جمعها ونظامها؛ وبعث القوم إبلهم ومضوا وظنوا أني في الهودج. فخرجت ولم أر أحدًا فأتبعتهم حتى أعييت؛ فقلت في نفسي: إنّ القوم سيفقدوني ويرجعون في طلبي. فقمت على بعض الطريق فمرّ بي صفوان بن المعطل وكان سأل النّبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجعله على السّاقة فجعله. وكان إذا رحل النّاس قام يصلي ثم أتبعهم فما سقط منهم من شيء حمله حتى يأتي به أصحابه. قالت عائشة فلما مر بي ظن أنّي رجل فقال: يا نومان قم فإن النّاس قد مضوا. فقلت: إنّي لست رجلا، أنا عائشة. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.‏‏ ثم أناخ بعيره فعقل يديه ثم ولى عني فقال: يا أمة قومي فاركبي. فإذا ركبت فآذنيني. قالت: فركبت فجاء حتى حل العقال ثم بعث جمله فأخذ بخطام الجمل. قال عمر: فما كلمها كلامًا حتى أتى بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال عبد الله بن أُبي ابن سلول للناس: فجر بها ورب الكعبة؛ وأعانه على ذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة. وشاع ذلك في العسكر فبلغ ذلك النّبي (صلى الله عليه وسلم) فكان في قلب النّبي (صلى الله عليه وسلم) مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة، وأشاع عبد الله بن أُبي هذا الحديث في المدينة واشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قالت عائشة: فدخلت ذات يوم أم مسطح فرأتني وأنا أريد المذهب فحملت معي السطل وفيه ماء. فوقع السطل منها فقالت: تعس مسطح؛ قالت لها عائشة: سبحان الله! تسبين رجلًا من أهل بدر وهو ابنك؟ قالت لها أم مسطح: إنّه سال بك السيل وأنت لا تدرين. وأخبرتها بالخبر قالت: فلما أخبرتني أخذتني الحمى بنافض مما كان ولم أجد المذهب. قالت عائشة: وقد كنت أرى من النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل ذلك جفوة ولم أدر من أي شيء هو. فلما حدّثتني أم مسطح علمت أنّ جفوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ذاك. فلما دخل علي قلت: أتأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟ قال: اذهبي. فخرجت عائشة حتى أتت أباها؛ فقال لها: ما لك؟ قلت: أخرجني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بيته. قال لها أبو بكر: فأخرجك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بيته وآويك أنا؟! والله لا آويك حتى يأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فأمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يؤويها. فقال لها أبو بكر: والله ما قيل لنا هذا في الجاهليّة قط؛ فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام؟ فبكت عائشة وأمها أم رومان وأبو بكر وعبد الرحمن وبكى معهم أهل الدار. وبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: أيّها الناس من يعذرني ممن يؤذيني؟ فقام إليه سعد بن معاذ فسل سيفه وقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه؛ إن يكن من الأوس أتيتك برأسه، وإن يكن من الخزرج أمرتنا بأمرك فيه. فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت؛ والله ما تقدر على قتله. إنما طلبتنا بذحول كانت بيننا وبينكم في الجاهلية. فقال هذا: يا للأوس! وقال هذا: يا للخزرج! فاضطربوا بالنّعال والحجارة فتلاطموا. فقام أسيد بن حضير فقال: فيم الكلام؟ هذا رسول الله يأمرنا بأمره فنفعله عن رغم أنف من رغم. ونزل جبريل وهو على المنبر. فلما سرى عنه تلا عليهم ما نزل به جبريل:‏ ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَینَهُمَا… إلى آخر الآيات﴾ (الحجرات/9) فصاح الناس: رضينا بما أنزل الله. وقام بعضهم إلى بعض وتلازموا وتصايحوا؛ فنزل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن المنبر. وأبطأ الوحي في عائشة. فبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وبريرة. وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد عليا وأسامة بن زيد بعد موت أبيه زيد. فقال لعلي: ما تقول في عائشة؟ فقد أهمني ما قال الناس. قال: يا رسول الله قد قال الناس وقد حل لك طلاقها. وقال لأسامة: ما تقول أنت؟ قال: سبحان الله! ما يحل لنا أن نتکلم بهذا؛ سبحانك هذا بهتان عظیم.‏ فقال لبريرة: ما تقولين يا بريرة؟ قالت: والله يا رسول الله ما علمت على أهلك إلّا خيرًا؛ إلّا أنّها امرأة نؤوم؛ تنام حتى تجيء الدّاجن فتأكل عجينها. وإن كان شيء من هذا ليخبرنك الله. فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى منزل أبي بكر فدخل عليها فقال: يا عائشة إن كنتِ فعلت هذا الأمر فقولي لي حتى أستغفر الله. فقالت: والله لا أستغفر الله منه أبدًا؛ إن كنت قد فعلته فلا غفر الله لي؛ وما أجد مثلي ومثلكم إلّا مثل أبي يوسف. أذهب اسم يعقوب من الأسف؟‏ ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشكُوا بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعلَمُونَ﴾ (یوسف/86) فبينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكلمها إذ نزل جبريل بالوحي؛ فأخذت النّبي (صلى الله عليه وسلم) نعسة؛ فسرى وهو يبتسم فقال: يا عائشة إن الله قد أنزل عذرك. فقالت: بحمد الله لا بحمدك. فتلا عليها سورة النور إلى الموضع الذي انتهى إليه عذرها وبراءتها.» (السیوطي، 1404، الطبعة الأولی، ج ‏5، ص 28-29)

ونقلت الشيعة: «إنها (المقذوفة في قصة الإفك) مارية القبطيّة أم إبراهيم التي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وكل من الحديثين لا يخلو عن شي‏ء.» (الطباطبائي، 1393، الطبعة الثالثة، ج ‏15، ص 89)

وعلى كل حال فمعنى الآية أنّه عندما سمعتم الإفك لم أحسنتم ظنکم بمفتري الإفك من دون المؤمنين المتهمين؟ ولم تحدثتم عن أهل الإیمان بغير علم؟ ففي سورة الحجرات نهى الله تعالی المؤمنين عن سوء الظن صراحة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ﴾ (الحجرات/12)

وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ﴾ (الحجرات/12) المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء؛ فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: ﴿لَولَا إِذ سَمِعتُمُوهُ ظَنَّ المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتِ بِأَنفُسِهِم خَیرًا﴾ (النور/12) والمراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه. كأن يظن بأخيه المؤمن سوءا فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره. وأما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النّفساني فهو أمر يفاجئ النّفس لا عن اختيار؛ فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريًّا. وعلى هذا فكون بعض الظن إثمًا من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة. والمراد بكثير من الظن -وقد جي‏ء به نكرة ليدل على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن- هو بعض الظن الذي هو إثم. فهو كثير في نفسه وبعض من مطلق الظن. ولو أريد بكثير من الظن أعم من ذلك كأن يراد ما يعلم أن فيه إثمًا وما لا يعلم منه ذلك كان الأمر بالاجتناب عنه أمرًا احتياطيًّا توقيًّا من الوقوع في الإثم. (الطباطبائي، 1393، الطبعة الثالثة، ج ‏18، ص 323)

ويعد هذا الأمر الإسلامي من أشمل الأوامر، وأدقها في مجال العلاقات الاجتماعيّة الإنسانيّة والذي يضمن مسألة الأمن في المجتمع بشكل كامل. يريد الإسلام أن یسیطر الأمن الكامل في المجتمع الإسلامي، وليس فقط أن لا يعتدي الناس على بعضهم البعض بأيديهم وألسنتهم ولكن أن يكونوا آمنين في أفكارهم أيضًا، وأن يشعر کلّ أحد بأنّه لا یُجعل هدفًا لأضراب من التّهم حتى في الأفكار. (مكارم الشيرازي، 1374، الطبعة الأولى، ج 22، ص 186)

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في ذلك: «إن الله تعالى حرّم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظنّ السّوء.» (الشهید الثاني، 1390، الطبعة الثالثة، ص 21) فقد جعل هذا الحديث سوء الظن بالمؤمن وقتله والتّعدي على ماله علی السّواء؛ لأنّه إذا أساء أحد ظنه بأحد فإنّه ينظر إليه بعین الاحتقار ولا يحترمه كما ينبغي، بل یغتابه في بعض الأحيان، ویسبب كل هذا هلاك الشخص الآخر. (النراقي، 1379، الطبعة السابعة، ص 222)

إنّ ظنّ السوء لا يضر بعرض الشّخص الآخر فحسب بل إنّه بلاء عظيم لصاحبه أيضًا؛ لأنّه یتسبب في عزله عن المجتمع والتّعاون مع الناس. كما جاء في حديث عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) إذ قال: «من لم يحسن ظنه استوحش من كل أحد.» (التميمي الآمدي، 1366، الطبعة الأولى، ص 254)

لذلك يجب أن یکون المبدأ في العلاقات الشّخصيّة على الثّقة والتفاؤل والبراءة الإنسانيّة. إنّ قصة النّبي يوسف (عليه السلام) في القرآن الکریم هي أحسن نموذج للموقف الإيجابي تجاه عباد الله المؤمنين. لأن يوسف (عليه السلام) الذي انفصل عن أهله سنين طويلة بسبب اضطهاد إخوته، وعانى في السجن وتحمل أحزان المنفى لم يتكلم عن قليل مما عاناه من الحزن واضطهاد إخوته عندما التقى بأبيه بعد خمسة وعشرين عامًا؛ بل قال: ﴿وَقَد أَحسَنَ بِي إِذ أَخرَجَنِي مِنَ السِّجنِ وَجَاءَ بِکُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّیطَانُ بَینِي وَبَینَ إِخوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ﴾ (یوسف/100) وهذه هي ذروة ثقافة التفكير الإيجابي إذ إنّ يوسف (عليه السلام) لم يذكر إلّا نعم الله، ولم يُشر إلی البئر ومشقة السّجن، بل عدّ الشيطان سبب اضطهاد إخوته.

1-2-2- نهى الملائكة عن الاعتراض على خلق آدم

لا يدعو الله الناس إلى حسن الظن فحسب بل يخاطب الملائكة الذين عدُّوا الإنسان مخلوقًا مفسدًا وسفّاکًا منتقدًا السّلبيّة قائلًا: ﴿إِنِّي أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ کُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَی المَلَائِکَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسمَاءِ هَــٰــؤُلَاءِ إِن کُنتُم صَادِقِینَ﴾ (البقرة/30-31) «ويكون معنى تعليم الأسماء إيداع هذا العلم في الإنسان فيظهر من آثاره تدريجًا دائمًا ولو اهتدى إلى السّبيل أمكنه أن يخرجه من القوة إلى الفعل‏.» (الطباطبائي، 1393، الطبعة الثالثة، ج ‏1، ص 116)

1-2-3- التعبير عن أمثلة أخرى لوجهة النظر الإيجابيّة

بإمعان النظر في آيات القرآن الكريم ربما يمكن القول إن حسن الظن هو أحد مصادیق الإيجابيّة؛ لأنّ هناك أوامر كثيرة أخرى في آيات القرآن تدعو النّاس إلى الإيجابيّة وتنهى عن السّلبيّة. اجتناب الاستهزاء (الحجرات/11، الهمزة/1، التوبة/79 و…)، وتجنب الغيبة (الحجرات/12)، واحتراز الاتهام (النور/4، الممتحنة/12، النساء/112، الأحزاب/58 و…)، والامتناع عن بیان عيوب الآخرين وإفشاءها (النساء/148، الهمزة/1، القلم/11، التوبة/79)، والابتعاد من إطلاق الألقاب القبیحة على الناس (الحجرات/11)، والتحدث عن نعم الله ( الضحی/11)، والسرور بنعم الله (يونس/58) وغيرها مما تحذر الإنسان من النّظرة السّلبيّة إلى الآخرين وإلی عالم الخلق؛ لأنّه في الحالات المذكورة أعلاه جميعها، يجب أن ينتبه الإنسان أولًا إلى الصّفات السّلبيّة في الآخرين ثم يتعامل معهم بناءً عليها. وبعبارة أخرى یتجذر كل ذلك في السّلبيّة. وهذا الأمر شائع في جوانب حياة الإنسان جميعها. نحن نعلم أنّ الدّنيا هي دار الابتلاء وفيها صعوبات ومتاعب، ولكن فيها أيضًا أفراح وبركات وجمالات وسرورات. فالشّخص الذي ينظر إلى الفئة الأولى فقط ولا يلتفت إلى النّوع الثاني سيكون إنسانًا سلبيًّا ومكتئبًا وغير ناجح؛ وعلى العكس من ذلك، الشّخص الذي يركز اهتمامه على النّعم والجمالات ویفسر الأحداث، والمؤثرات الخارجيّة بناء علی عقائده ورؤيته الإيجابيّة فتكون نتيجتها مجموعة من الرغبات المبنية على الرضا والتّفاؤل والأمل والثقة والاطمئنان.

1-3- آثار الإيجابيّة

الآن وبعد أن تعرفنا على مفهوم الإيجابيّة وأهميتها ومكانتها في العلاقات بين الأشخاص من وجهة نظر علم النّفس والقرآن الكريم، سنتحدث بإيجاز عن آثارها في الحياة:

1-3-1- تطویر العلاقات بين الأشخاص

من الآثار الإيجابيّة المهمّة إنشاء الثّقة بين الأشخاص وتطوير العلاقات وتعميق الصداقة بينهم. وفي حديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أيضًا: «من حَسُن ظنه بالناس حاز منهم المحبة.» (التميمي الآمدي، 1366، الطبعة الأولى، ص 253) لأنّه لا يجعل الشّخص يظهر بأحسن وجه في عيون الآخرين فحسب بل يساعد الحواشي أيضًا لیصوروا أنفسهم بصورة جيدة ویشعروا بأنفسهم شعورًا حسنًا. (كويليام، 1386، الطبعة الأولى، ص 96) بینما تسبب السّلبيّة التشاؤم وتجعل الإنسان ينظر بعين الشّك حتى إلى أقربائه فيشعر بالقلق دومًا. وبتوسع هذا الجو يتوصل المرء إلى أنّه لا يوجد شخص أو شيء إيجابي على الإطلاق، وباطن كل شيء وكل شخص سلبي. (خالقي ثمرين وشيخ‌بور، 1387، الطبعة الأولى، ص 65). ومن سمات المنافقين في القرآن الکریم هذا الموقف السّلبي مع الشّعور بالخوف؛ إذ يقول: ﴿یَحسَبُونَ کُلَّ صَیحَةٍ عَلَیهِم﴾ (المنافقون/4)

تجعل هذه الأفكار التشاؤميّة الإنسان يمتنع عن الحضور في المواقف الاجتماعيّة، ومخالطة الناس التي هي من عوامل الحيويّة الرّوحيّة فيصبح منعزلًا ومكتئبًا؛ لأنّه يخاف دائمًا من تهديد یُخیّل إلیه من الآخرين. إن ظهور وجهة النظر هذه في الفرد سيؤدي في النّهاية إلى التشاؤم المرضي والانفصال عن الآخرين وفي بعض الأحيان إلی الحقد والعداوة. (فريمان، 2010، ص 23-24 و121) لأنّ التشاؤم تجاه الآخرين أمر ذو اتجاهين کالحب فيشعر الناس بالكراهية والعداوة تجاه الشخص المتشائم؛ (حسيني، 1387، الطبعة الأولى، ص 203) كما قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «لا تطلب الصفا ممن کدرت علیه، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إلیه فإنما قلب غیرك لك کقلبك له.» (المجلسي، 1404، ج 75، ص 380)

1-3-2- توفیر الصحة الجسديّة والعقليّة

من الآثار الأخرى للإيجابية هو توفير الصحة الجسديّة والعقليّة للشخص. إذا كان الأشخاص متفائلين وإيجابيين في تعاملاتهم فإنّهم يفسرون كلام الآخرين، وسلوكهم بشكل جيد وقلما یتعرضون لسوء الفهم الذي یسبب النّزاع والتوتر. فیقعون في بيئة نفسيّة إيجابيّة وینالون الهدوء النّفسي في ضوء الشّعور الإيجابي النّاجم عن سلوك الآخرين. (سبحاني‌نیا، 1385، رقم 63، ص 55)

تبيّن دراسات عديدة من الأبحاث النّفسية أنّ للتفاؤل علاقة إيجابيّة مع عديد من المتغيرات کالصحة الجسدية، والصحة النّفسية، والرضا عن الحياة، والدّافع للتقدم، والأمل في الحياة، والتكيف مع الأمراض الجسدية المزمنة، واستراتيجيات مواجهة الضغوط وغيرها. (حسني، أحمدي وميرداریكوندي، 2013، العدد 4، ص 90) ومن ناحية أخرى فإنّ الاهتمام بالأفكار السّلبيّة وتكرارها یتسببان في أن تسیطر هذه الأفكار علی قسم الإنتاج الفكري للشخص وتضفي علی أفکاره جمیعها طابعًا سلبيًّا. فتؤدي هذه الأفكار إلى تعجیز جزء كبير من قدرات الشّخص وتسبب له أمراضًا نفسيّة وجسديّة.

ولذلك يمكن القول إنّ التّمتع بالتفكير الإيجابي هو عامل مهمّ للبقاء والعيشة الفضلی؛ وهذا العامل المهم يسوق الإنسان إلى موطن السّلام وراحة الجسد والرّوح. كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «حُسْن الظن أصله من حسن إيمان المرء وسلامة صدره؛ وعلامته أن يرى كل ما نظر إليه بعين الطهارة والفضل.» (الإمام الصادق (عليه السلام)، 1400، الطبعة الأولى، ص 173) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أحسنوا ظنونكم بإخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب وإثاء الطب.» (المصدر نفسه) وقال الإمام علي (عليه السلام) عن دور الإيجابيّة والتفاؤل في حلاوة الحياة: «من حسن ظنه حسنت نيته ومن حسنت نيته طابت عيشته». (التميمي الآمدي، 1366، الطبعة الأولى، ص 92)

وربما يمكن القول إن المرض الأخلاقي الحسد الذي یتورط الشخص الحاسد بسببه في الانزعاج، والکآبة ینشأ من ظن السوء بالآخرين وبما قدّر الله؛ وعلى العكس من ذلك، الشعور بالفرح من نعمة أعطاها الله الآخرين فهو من حسن الظن بالآخرين وبخالق العالم وتقدیراته.

1-3-3- الوقاية من المعاصي

من الآثار الأخرى للإيجابية التي تناولتها آيات القرآن الكريم هي الوقایة من الذنوب والمعاصي. التشاؤم والسّلبيّة هما ذنبان في حد ذاتهما وأيضًا سببان لبعض الذنوب مثل الغيبة والبهتان والتجسس وغيرها. ولذلك نهی الله تعالی عن هذه المعاصي في سورة الحجرات بعد تحريم الظن على أنّها حصیلته. وعلى خلاف ذلك، التفاؤل یصون صاحبه من الذّنوب والمعاصي. كما قال الإمام علي (عليه السلام): «حسن الظن ینجي من تقلد الإثم.» (المصدر نفسه، ص 253).

1-3-4- الظفر في مشاهد القتال

مما یحظی بمکانة عالية في فكر الإمام علي (عليه السلام) حسن الظن بالنصر؛ فقد قال الإمام(عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الرّایة یوم الجمل: «…ارم ببصرك أقصی القوم وغضّ بصرك واعلم أنّ النّصر من عند الله سبحانه.» (الشریف الرضي، 1431، الطبعة الرابعة، ص 40) أيّ أهلك أعداءك المجاورين بالتفكير الإيجابي واستهدف الأشخاص البعيدين عنك.

2- طرائق تعزيز الإيجابيّة

هناك طرائق لإنشاء الإيجابيّة وتعزيزها، ومن أهمها ما يلي:

2-1- إعادة النظر في الأفكار السّلبيّة

«إنّ الأفكار السّلبيّة والمخاوف والتي هي الاتجاه المعاكس للإيجابيّة هي ظهور لتفسيرات المرء للأحداث الخارجية.» (فريمان، 2010، ص 32) لذلك فإنّ أفضل طريقة للتّخلص من الأفكار السّلبيّة هي إعادة النّظر في الأفكار وقبول حقيقة أن هذه الأفكار ليست صحيحة وواقعة دائمًا ولكنها نوع من الواقع المحرف في بعض الأحيان. (كويليام، 1386، الطبعة الأولى، ص 28) وبما أن للإدراكات الحسية وخاصة للمرئيات والمسموعات مساهمة كبيرة في أفكارنا، وخيالنا فمن أفضل الطرائق للسيطرة علی الأفكار والتغلب على هوی النّفس والوساوس الشیطانيّة في اتهام الآخرين تحکم الإدراكات ولا سیما تحکم العيون والآذان. مثل تجنب الاستماع إلى أسرار الآخرين والحفاظ على خصوصياتهم؛ كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ کُلُّ أُوْلَـٰـئِكَ کَانَ عَنهُ مَسؤُولًا﴾ (الإسراء/36) وإذا آمن الإنسان حقًّا بتحذير الله هذا فحسبه ذلك للالتزام بمبدأ الإيجابيّة.

«على الشخص السلبي تحليل أفكاره لیدرك أين أخطأ في تفسير الأمور ولا يعدُّ

أفكاره هي الواقع المسلم دائمًا؛ بل يفحص الواقع ويفتح ذهنه على أشياء أخرى أيضًا. وبعبارة أخری لایفکر بشكل أحادي البعد. وإذا کانت هذه الأفكار السّلبيّة بالنسبة إلى الآخرين فلا ينتبه في تصرفاته مع الآخرين إلی هذه الأفكار.» (فريمان، 2010، ص 163-168) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا: «ثلاث في المؤمن لایستحسن وله منهن مخرج؛ فمخرجه من سوء الظن أن لایتحققه.» (المجلسي، 1404، ج 72، ص 201)

لذلك فإنّ السّلبيّة قد تكون نتيجة إصدار الحکم سبقيًّا والاعتماد على الظن؛ بينما إذا كان معيار الحكم هو العلم واليقين فإنّ وجهة نظر الإنسان ستتغير. لذلك علی الإنسان أن لا یتشاءم ما لم يلاحظ سوء تصرفات من أحد؛ لأن الظن لا ينبغي له أن يكون معیارًا لحسن المرء وسوئه.

2-2- التّركيز على الخیور

من الطرائق الأخرى لتعزيز التّفكير الإيجابي التّركيز على الممتلکات والخیور. على الشّخص السّلبي أن يحاول العثور على شيء يشعر بالامتنان له في كل موقف سلبي، وأن ینشئ في نفسه عادة الثّناء على الآخرين، والامتناع عن انتقادهم ولومهم والتّحدث عنهم بالسوء قدر الإمكان والذي هو نتيجة السّلبيّة. (روبنز، 1384، الطبعة الثالثة، ص 164؛ داني، 1391، الطبعة الخامسة، ص 35)

إن شكر الآخرين وتقديرهم من سمات الإيجابيّة؛ لأنّه يتطلب الاهتمام بالصفات الإيجابيّة في الآخرين. وكما يبيّن الخوض في آيات القرآن الکریم أنّه كلما طُرح موضوع الشّكر سبقه الحديث عن نعم الله. فمعرفة النعم والاهتمام بالجمالات والخيور مقدمة للشكر والتّقدیر. والشّكر علامة الإيجابيّة.

ومن الآيات التي تناولت مسألة الاهتمام بالنِّعم آية سورة الضحی: ﴿وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (الضحی/11) فذكر نعم الله يسبب أن يشعر الإنسان بالنّواقص قلیلًا؛ وألّا يشكو من الأمراض؛ لأنّه شاکر علی صحة أعضائه الأخرى، وألّا يجزع لفقد شيء؛ لأنّه یحدث عن سائر إمکانیاته.

هؤلاء الأشخاص لا يُصابون باليأس والقلق والانزعاج في مصاعب الحياة وعواصفها؛ فهم يتمتعون بروح هادئة وقلب مطمئن، وقدرتهم على مکافحة المشاكل كبيرة.

قال الإمام الصادق (ع) في هذا الصدد: «إذا أنعم الله علی عبده بنعمة فظهرت علیه سمّي حبیب الله محدّثًا بنعمة الله؛ وإذا أنعم الله علی عبد بنعمة فلم تظهر علیه سمّي بغیض الله مکذبًا بنعمة الله.» (الکلیني، 1365، الطبعة الرابعة، ج 6، ص 438)

وفي هذا المجال أیضًا: ﴿قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْیَفرَحُوا هُوَ خَیرٌ مِمَّا یَجمَعُونَ﴾ (یونس/58) «كلمة “الفضل” تعني الكثرة، ومعنى الفضل في هذه الآية هي النِّعم التي أنعم الله تعالى على عباده.» (الطباطبائي، 1393، الطبعة الثالثة، ج 10، ص 119). وفي هذه الآية بعد أن عبر الله تعالى عن فضله ورحمته یأمر الناس بألا يسعدوا إلا بهذه النِّعم التي أنعمها عليهم. وذلك قوله تعالی: ﴿فَبِذٰلِكَ فَلْیَفرَحُوا﴾

2-3- البحث عن أسباب للعفو عن الآخرين

إن محاولة البحث عن سبب لتجاوز المشكلة والعفو عن الطرف المقابل یسوق الإنسان نحو الإيجابيّة. لذلك كلما حدث خطأ من جانب الآخرين، ینبغي للإنسان أن ینتبه إلی أسباب تجاوز المشكلة والصفح. (كويليام، 1386، الطبعة الأولى، ص 91)

أوصی الله تعالی في مواضع مختلفة من القرآن الكريم بالعفو عن الآخرين والمغفرة لأخطائهم. فمنها: ﴿وَلْیَعفُوا وَلْیَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغفِرَ اللهُ لَکُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ﴾ (النور/22) و﴿إِن تُبدُوا خَیرًا أَو تُخفُوهُ أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ کَانَ عَفُوًّا قَدِیرًا﴾ (النساء/149) وكذلك نبي الله يوسف (عليه السلام) بعد أن عرّف نفسه لإخوته تحدث عن الصفح عنهم قائلا: ﴿لَا تَثرِیبَ عَلَیکُمُ الیَومَ یَغفِرُ اللهُ لَکُم وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِینَ﴾ (یوسف/92)

وقال الإمام علي (عليه السلام) في هذا: «ضع أمر علی أحسنه حتی يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بکلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملًا.» (العروسي الحويزي، 1415، الطبعة الرابعة، ج‏5، ص91) ولهذه المسألة من الأهمية مکانة عظيمة حتی قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اطلب لأخيك عذرًا؛ فإن لم تجد له عذرًا فالتمس له عذرًا.» (المجلسي، 1404، ج 72، ص 197)

2-4- الاتصال مع الأشخاص الإيجابيين

يعزز الاتصال مع الأشخاص الإيجابيين روح الإيجابيّة لدى الشخص، لذلك ینبغي للإنسان أن ینظم برامج حیاته بشکل یکون علی اتصال دائم مع الأشخاص الإيجابيين. (خالقي وشيخ ‌بور، 1387، الطبعة الأولى، ص 63) لأنّ الإنسان يتأثر بأخلاق الذین یعاشرهم. وهذه قضية تناولها عدید من آيات القرآن الکریم منها: الآيات 40-45 في سورة المدثر، والآية 25 في سورة فصلت، والآیات 51-56 في سورة الصافات. ومنها هذه الآیة في سورة النساء: ﴿وَقَد نَزَّلَ عَلَیکُم فِي الکِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آیَاتِ اللهِ یُکفَرُ بِهَا وَیُستَهزَأُ بِهَا فَلَا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّیٰ یَخُوضُوا فِي حَدِیثٍ غَیرِهِ إِنَّکُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنافِقِینَ وَالکَافِرِینَ فِي جَهَنَّمَ جَمِیعًا﴾ (النساء/140)

لذلك على الإنسان أن يتجنب قدر الإمكان مخالطة الأشخاص السّلبيين والمتشائمين. كما قال الإمام علي (عليه السلام): «مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخیار.» (المحدث النوري، 1408، الطبعة الأولى، ج 8، ص 328) وقال آیة الله مرتضی مطهري (رحمة الله عليه): «وهذه حقيقة؛ إذا جالس الإنسان الأشرار دائمًا فإنّه يرى كل الناس سيئين؛ وهذا يعني أنّه لا يستطيع أن يرى حتی الأخیار أخیارًا. وعلى العكس من ذلك، فالذي يجالس الأخیار دائمًا فإنّه يرى كل الناس أخیارًا؛ ولا يمكنه أن يرى حتی الأشرار أشرارًا.» (مطهري، 1389، الطبعة السابعة عشرة، ج 1، ص 183)

الخاتمة

إنّ تأثير الإيجابيّة على العلاقات بین الأشخاص أمر مؤكد، وتؤدي الغفلة عن هذا المبدأ إلى زوال أسس الثقة بینهم، وضعف العلاقات والأواصر الإنسانيّة. فإذا لم ينتبه الإنسان في تواصله مع الآخرين إلی هذا الأمر المهم جدًا، فإنّه لن یضر الآخرين فحسب بل سيُصاب نفسه أيضًا بانعزاله عن المجتمع بالاكتئاب، والتشاؤم وغيرهما من الأمراض الأخلاقيّة التي تنبع من سوء الظن. لذلك من الضروري تعزيز الإيجابيّة من خلال ما یؤدي إلی اتخاذ خطوات نحو هذا الاتجاه مثل إعادة النّظر في الأفكار السّلبيّة، والتركيز على الخیور، ومخالطة الأشخاص الإيجابيين.

المصادر

1- القرآن الكريم

2- الإمام الصادق(ع) جعفر بن محمد، مصباح الشريعة، بلا مکان، مؤسسه الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1400هـ.ق

3- بسنديده عباس، فن الرضا عن الحياة، قم، دار المعارف، الطبعة السادسة، 1388هـ.ش

4- ت. وود جوليا، التّواصل بين الأشخاص، سيكولوجية التّواصل الاجتماعي، ترجمه إلی الفارسیة مهرداد فيروزبخت، طهران، منشورات مهتاب، الطبعة الأولى، 1379هـ.ش

5- التمیمي الآمدي، عبدالواحد بن محمد، غرر الحکم ودرر الكلم، قم، منشورات مکتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1366هـ.ش

6- حسني رمضان‌علي وأحمدي محمدرضا ومير داريكوندي رحيم، دراسة العلاقة بين التفاؤل الإسلامي والتفاؤل المتعلَّم لسليجمان والأمن النّفسي، مجلة علم النّفس والدين، السنة 4، الرقم 4، 1390هـ.ش

  1. حسيني أعظم، سوء الظن وحسن الظن بالله والمخلوقات في الآيات والأحاديث، قم، جامعة القرآن الكريم، الطبعة الأولى، 1387هـ.ش
  2. خالقي ثمرين عادل وشيخ‌بور محمود، مناهج التّواصل المؤثر مع الأولاد والمخاطبین والمراجعین، طهران، منشورات تنديس علم، الطبعة الأولى، ١٣٨٧هـ.ش

9- داني ريتشارد، فن التّواصل الناجح، ترجمه إلی الفارسیة جواد شافعي مقدم، طهران، منشورات آزاد مهر، الطبعة الخامسة، 1391هـ.ش

10- روبنز أنطوني، المهارة في لعبة الحياة، ترجمه إلی الفارسیة وحيد أمين، طهران، منشورات نسل نو انديش، الطبعة الثالثة، 1384هـ.ش

11- سبحاني‌نيا محمد، منهج الحياة (1) الإیجابیة، المعارف الإسلامية، العدد 63، ربیع 1385هـ.ش

12- السیوطي جلال الدین عبدالرحمن، الدر المنثور في التفسیر بالمأثور، قم، مکتبة آیة ‌الله المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1404 ه.ق

13- الشریف الرضي أبوالحسن محمد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة، تحقیق الدکتور صبحي الصالح، قم، منشورات أنوار الهدی، الطبعة الرابعة، 1431 هـ.ق

14 – الشهيد الثاني زین‌الدین بن علي بن الجبعي العاملي، كشف الریبة في أحكام الغیبة، بلا مکان، منشورات مرتضوي، الطبعة الثالثة، 1390هـ.ق

15- الطباطبائي محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثالثة، ١٣93هـ.ق

١6 – الطبرسي فضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، منشورات فراهاني، الطبعة الأولى، 1360ه.ش

١7 – العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاریخ

18- عبادي نداء وفقيهي علي‌نقي، دراسة تأثیر تعلیم الإيجابيّة في زيادة الأمل في حياة النساء بلا أزواج في مدينة الأهواز في ضوء القرآن الكريم، علم النّفس والدين، السنة الثالثة، الرقم الثاني، 1389هـ.ش

19 – العروسي الحويزي عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، تحقيق هاشم رسولي محلاتي، قم، منشورات إسماعيلية، الطبعة الرابعة، 1415هـ.ق

20 – فريمان دانيال، التغلب على الأفكار المتشائمة وسوء الظن، ترجمه إلی الفارسیة سياوش جمالفر، طهران، منشورات أرسباران، 1390هـ.ش

21 – الكليني محمد بن يعقوب، أصول الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، ١٣٦٥هـ.ش

22 – كويليام سوزان، التفكير الإيجابي والإيجابيّة التطبيقية، ترجمته إلی الفارسیة فريدة براتي وأفسانة صادقي، طهران، منشورات جوانه رشد، الطبعة الأولى، ١٣٨٦هـ.ش

23 – متيوز أندرو، السر الأخير للعیشة السعيدة، ترجمه إلی الفارسیة وحيد أفضلي‌راد، طهران، منشورات نيريز، الطبعة السادسة، 1378ه.ش

٢4 – المجلسي محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، ۱۴۰۴ ه.ق

٢5 – المحدث النوري میرزا حسین، مستدرك الوسائل، قم، مؤسسه آل البيت (علیهم السلام)، الطبعة الأولى، ۱۴۰۸ ه.ق

26- مطهري مرتضى، فلسفة التاريخ، طهران، منشورات صدرا، الطبعة السابعة عشرة، 1389هـ.ش

27 – مكارم الشيرازي ناصر، نمونه في تفسير القرآن الکریم، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى، ١٣٧٤هـ.ش

28 – النراقي ملا أحمد، معراج السعادة، قم، منشورات هجرت، الطبعة السابعة، 1379هـ.ش

 

 

[1] – أستاذ مشارك  في جامعة أصفهان، كلية الشّریعة ومعارف أهل البيت، قسم معارف أهل البيت- أصفهان- إيران.

Associated professor in university of Isfahan, faculty of theology and ah-al-bait studies email: e.aliakbari@ahl.ui.ac.ir

– أستاذ مساعد  في جامعة أصفهان، كلية الشریعة ومعارف أهل البيت، قسم معارف أهل البيت [2]

Assistant professor in university of Isfahan, faculty of theology and ah-al-bait studies . email: e.rezaei@ahl.ui.ac.ir

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

free porn https://evvivaporno.com/ website