مفارقة مهنة التمثيل
)نموذج لبنان من ٢٠٠٧ حتّى ٢٠١٩(
جورج مطر[1]
١- المقدّمة
١-١- المفارقة
في كلّ عام يتقدّم إلى الجامعات اللبنانيّة عددٌ وفيرٌ من الطلاّب الطامحين بشغف للتخصّص في مجال التمثيل سواء المسرحيّ، أو السينمائيّ، أو التلفزيزنيّ. يتمّ إخضاع هؤلاء الطلاّب لامتحانات دخول، يصار على إثرها انتقاء عددٍ محدّدٍ لاستهلال العام الدراسيّ. تتراوح مدّة الدراسة بحسب نظام الــ”LMD”[2] في مرحلة “الليسانس”، ثلاث سنوات، يمرّ خلالها الطالب بامتحانات فصليّة قد تتكوّن من تجارب أداء، وامتحانات خطّيّة، وأبحاث، وغيرها… إلخ. يحصل الطالب عند إنهاء عدد الأرصدة المحدّد لهذه المرحلة، على شهادة “الإجازة أو الليسانس” التي قد تعادل البكالوريوس “BFA”، بحسب الأنظمة الأكاديميّة الأنجلوفونيّة[3]. (وتسهيلًا للتوصيف، سنطلق على هذه الفئة من الممثّلين اسم ممثّلي الحالة الأولى) عند هذه المرحلة قد يبادر قسم من هؤلاء الطلاّب إلى محاولة الانخراط في سوق العمل، ليحاولوا كسب لقمة عيشهم من مهنة أمضوا في دراستها مدّة لا تقلّ عن ثلاث سنوات. عانوا فيها، واختبروا، وتشاركوا العديد من التجارب العمليّة التي من شأنها أن تؤدّي إلى إنضاج ذلك الشغف الفطريّ المتواجد عندهم، الذي دفعهم إلى تخطّي العقبات الاجتماعيّة، والثقافيّة، والماديّة كافّة، لانتقاء هذا الاختصاص. أمّا القسم الآخر من هؤلاء الطلاّب – الممثّلين، فقد يلجأ لاختيار متابعة دراسته الجامعيّة، والتعمّق بشكل أكبر في مجال مهنة التمثيل، أو التفرّعات، والامتدادات المرتبطة بها، محاولًا تحصيل شهادة “الماستر”، أو MFA؛ عند هذه المرحلة يكون من الملزم على هؤلاء، إنجاز عدد محدّد من الأرصدة الإضافيّة التي تتطلّب بشكل عامّ مدّة زمنيّة تتراوح بين السنتين والأربع سنوات. وكما في مرحلة الليسانس، كذلك في مرحلة الماستر يخضع الطالب لامتحانات فصليّة، تهدف لاختبار مدى جدارته وتقدّمه وتطوّره العمليّ، إنّما عند مرحلة متقدّمة أكثر يتولّى فيها مسؤوليّة إنجاز مشروع متكامل.
كلّ ذلك المسار (والمماثل من حيث النظام الأكاديميّ لمسار أيّ من الاختصاصات الأخرى) يهدف إذًا لإعداد الممثّل، وتحضيره لسوق العمل، من خلال منحه الكفاءة الفنّيّة، والتقنيّة، والأخلاقيّة، ليكون أهلًا للانخراط في هذا المجال العمليّ، البالغ في الأهمّيّة، وذات الأثر الكبير على الفرد والمجتمع، فيستحقّ بجدارة المشاركة والعمل في المسرحيّات، والأفلام، والمسلسلات، على تعدّد أنواعها.
في المقلب الآخر، وفي نوع من التجاوز لتلك المراحل كافّة، نجد العديد من الأشخاص الذين يمارسون مهنة التمثيل (والذين سنطلق عليهم اسم الحالة الثانية)، ويشاركون بكثافة في معظم الأعمال “التمثيليّة”، سواء كان في المسرحيّات، أو الأفلام السينمائيّة، أو المسلسلات التلفزيزنيّة، وذلك عن دور البطولة، أو عن دور رئيس، أو ثانويّ… إلخ، وبالتالي هم منخرطون في سوق العمل، وممتهنين للتمثيل (وبشكل “شرعيّ”)، من دون أن يكونوا قد خضعوا لذلك المسار الإعداديّ الأكاديميّ في مجال التمثيل، أي من دون أن يكونوا حائزين على شهادات معترف بها في هذا الاختصاص المذكور؛ كحيازتهم مثلًا على شهادات في إدارة الأعمال، أو الفنّ التشكيليّ، أو الهندسة، أو الإعلام، أو الطبّ، أو التصوير السينمائيّ… إلخ، أو أنّهم يحملون إفادات في التمثيل، غير أكاديميّة، وغير معادلة للدراسة الأكاديميّة، لا توازي نوعيّة القيمة الخاصّة وكمّيّتها بالمسار الإعداديّ الذي قد يخضع له ممثّلو الحالة الأولى؛ على سبيل المثال إفادات ورش العمل، أو العديد من المحترفات التي وعلى الرغم من تخصّصها في مجال التمثيل إلّا أنّها لا تكون مخوّلة لمنح الطالب شهادة معتمدة ورسميّة مرادفة للشهادة الأكاديميّة في هذا المجال، وذلك لاعتبارات عدّة مبرّرة ومنطقيّة. أكثر من ذلك كلّه، قد نجد عند بعض ممثّلي الحالة الثانية، ممّن لا يحملون في الواقع سوى مظهرهم الخارجيّ “الجميل”، وبعض الملكات الجسديّة – الخارجيّة، أو الاجتماعيّة، أو اللوجيستيّة، التي تمّ انتقاؤها من قبل الطبيعة، أو الوضع الاجتماعيّ للشخص المعنيّ. وهنا لا بدّ من الاعتراف بأنّ معظم هؤلاء الأشخاص يحظون فعلًا بالاستعداد الفطريّ المناسب، وفي بعض الأحيان المثاليّ، لأن يكونوا ممثّلين. فنجدهم حقيقة موهوبين ولديهم الإمكانيّات اللازمة، والاندفاع الضروريّ لخوض غمار هذه المهنة. إلّا أنّ هذا الاستعداد الفطريّ، وهذا الاندفاع للتمثيل، هو في الواقع المبرّر الدائم الذي يدفع بمعظم، إن لم نقل ممثّلي الحالة الأولى كافّة إلى انتقاء التخصّص أكاديميًّا في دراسة التمثيل. بالتالي قد تكون المزايدة في هذا المجال غير مجدية.
من هذا المنطلق، نجد كلّ من ممثّلي الحالة الأولى، و”ممثّلي” الحالة الثانية، يتساوون في الحقوق والواجبات المهنيّة؛ فيتسنّى لمن لا يحمل سوى الملكات الجسديّة “الجميلة” بمعايير الانتقاء الجنسيّ[4]، (أو من يحمل أي اختصاص آخر، غير التمثيل)، الذي تمكّن من تحصيل بعض الخبرة العمليّة من هنا، ومن هناك، أن ينتسب إلى نقابة الممثّلين، كعضو، ويحصل على جميع الحقوق التي يمكن أن يحصل عليها مَن تخصَّص في مهنة التمثيل، وندر وقته ومجهوده لدراسة هذه المهنة – الفنّ، والتعمّق فيها، وإثقال معرفته وتجربته بالمعارف والأبحاث العلميّة، والتجارب العالميّة السابقة. بمعنى آخر، يتسنّى له مزاولة ممارسة مهنة التمثيل، والاستفادة ماديًّا من هذه المهنة، مثله مثل أي ممثّل متخصّص آخر. هذا ويؤدّي متغيّر الشهرة دورًا أساسيًّا في هذا المجال، على الرغم من عدم اتّصاله لا من قريب، ولا من بعيد بممارسة الممثّل العمليّة، وبالتالي بفنّ التمثيل، في لعبة توزيع الأدوار من قبل المنتجين على الممثّلين. فينجح الشخص المشهور، وبغضّ النظر عن تخصّصه، أو الشخص المدعوم بملكات لا علاقة لها بكفاءته، وجدارته، وخبرته المهنيّة، باحتلال معظم الأدوار الرئيسة، لا سيّما في الأعمال السينمائيّة والتلفزيزنيّة. حيث يأتي ذلك على حساب من يستحقّ فعلًا هذا الموقع، ومن هو جدير به، وكفء له، واستثمر حياته المهنيّة بأكملها في هذا المجال. بالتالي لا يكون انتقاء الممثّلين لأدوارهم مراعٍ للمعايير الأخلاقيّة الخاصّة بالمهنة، ولا بمعايير الكفاءة والجدارة.
١-٢- أوجه المفارقة
١-٢-١- المنظور الأخلاقيّ
من المنظور الأخلاقيّ – التنظيميّ للعمل، كيف يمكننا أن نساوي بين الحالة الأولى، والحالة الثانية، من الممثّلين؟ فيتمّ سلب حقّ الممثّل الفعليّ من مهنةٍ، ناضل، وجهد، لكي يتسنّى له التخصّص فيها؟ كيف يُسمح بالتعدّي على مسار إعداد أكاديميّ طويل، ومُجهد، وبالتالي على أرزاق العديد من الممثّلين، وعلى مهنة التمثيل، بهذا الشكل السهل؟ كيف يقبل الممثّلون “الشرعيّون” بمثل هكذا تعدٍّ على مهنتهم من قبل الآخرين، ممّن ليسوا من أهل الاختصاص؟ لماذا لا نرى هذه الفوضى في اختصاصات أخرى؟ كقيام مجتهد في القانون بممارسة مهنة المحاماة أمام قاضي التحقيق حتّى ولو لم يكن حائزًا على شهادة في الحقوق، وخاضعًا للتدريب اللازم. أو قيام شخص ما مولع بقراءة “فرويد”[5]، بممارسة المعالجة النفسيّة التحليليّة[6]، وبالتالي استقبال المرضى النفسيّين، وتحصيل لقمة عيشه انطلاقًا من هذا الشغف، وتلك الثقافة المحصّنة بالقراءات والأبحاث الفرديّة؟
١-٢-٢- المنظور الاقتصاديّ
أمّا من حيث المنظور الاقتصادي لهذه المسألة فنجد بأنّ هذا الإفساح لأيّ كان لممارسة التمثيل (سواء المسرحيّ، أو أمام الكاميرا)، قد دفع بعدد العاملين في هذه المهنة إلى التزايد بشكل كبير جدًّا، ما أدّى بدوره إلى توليد نقص في فرص العمل المتاحة. حيث أتى هذا النقص على حساب الممثّل المتخصّص أكاديميًّا في مهنته، إذ بات يتخرّج من الجامعة عند نهاية كلّ سنة جامعيّة عشرات الطلاّب من تخصّص المسرح، في حين يدخل سوق العمل في كلّ سنة آلاف الأفراد الطامحين إلى الشهرة. هذا ما سيؤدّي إلى تضاؤل كبير في الطلب على الممثّل المُجاز، ويسلب منه فرص العمل التي من المفترض أن تكون مخصّصة له حصرًا (في ظلّ غياب نظام الكفاءة، والتخصّصيّة، وخضوع معظم أنظمة انتقاء الممثّلين للأدوار الدراميّة بحسب تجارب الأداء، أو ما يعرف “بالكاستينغ”[7]، للفوضى؛ إذ يتاح لأيّ شخص كان، التقدّم لتجارب الأداء، فتخلو من أيّ معيار مهنيّ، وتخصّصيّ، يحترم خبرة وكفاءة “العاملين” الشرعيّين في هذه المهنة). وما يساهم في تفاقم هذا الموضوع أيضًا، هو أنّ الهواة الطامحين إلى الشهرة الذين يقتحمون سوق العمل المخصّص للممثّل، يرضون بشروط عمل متدنّية، وفي بعض الأحيان منحطّة، ما من شأنه أن يزيد من احتمال انتقاء هؤلاء المرتزقة، مقارنة بالممثّل المتخصّص أكاديميًّا في المسرح، الذي قد لا تسوّل له نفسه القبول بتلك الشروط نفسها. هذا ما قد يؤدّي إلى تزايد أعداد الممثّلين غير المتخصّصين أكاديميًّا في مهنة التمثيل، ومع ذلك العاملين في هذه المهنة، وتضاؤل من هم فعلاً ممثّلين، الذين سيكونون عاجزين عن الانخراط في سوق عملهم الخاصّ. هذا ما سيفاقم بدوره من أزمة ازدحام عدد خريجي التمثيل العاجزين عن العمل، أو الواقعين في البطالة. فيضطرّ الممثّل إلى اللجوء للعمل في اختصاصات أخرى، أو في مجالات قد لا تتّصل مباشرة بما تخصّص فيه، وطمح إليه. وإذا ما استمرّ الوضع على هذه الحالة، فقد يتنتهي سوق عمل مهنة التمثيل بأن يصبح مجالًا مفتوحًا لغير المتخصّصين أكاديميًّا في مجال التمثيل. وهذا بالتحديد ما سيكون له نتائج وخيمة تارةً على مهنة التمثيل بشكل عامّ، وبالتالي فنّ الممثّل بشكل خاصّ، الذي سيكون حتمًا مهدّدًا بالانحطاط، وحتّى الزوال، وتارةً أخرى على المتلقّي الفرد؛ عالمه النفسيّ، والثقافيّ، وطورًا على المجتمع ككلّ، والعلاقات المتبادلة بين الأفراد. هذه النقطة بالتحديد هي التي ستقودنا إلى المنظور الثالث والأخير لهذه المسألة، والمتعلّق بالأثر الذي قد يتركه هذا الفنّ الخاصّ بالممثّل، وبالتالي مهنة التمثيل، على فنّ المسرح، والسينما، والتلفزيون (نقصد الأفلام والمسلسلات) من جهة، وعلى المتلقّي الفرديّ، والجماعيّ، من جهة أخرى.
١-٢-٣- منظور أثر مهنة التمثيل
فبالانطلاق من الأبحاث الأخيرة للعلوم العصبيّة[8]، المتعلّقة باكتشاف الخلايا العصبيّة العاكسة، أو المرآتيّة[9] عند الإنسان، وبالتالي الأهمّيّة التي تؤدّيها المحاكاة في حياة الإنسان، وفي قدرته على الاستيعاب[10]، وإدراك الذّات[11]، وفهم الآخر[12]، والتعاطف[13] مع ما يشاهده (إذ إنّ المشاهد من خلال هذه الخلايا العصبيّة العاكسة، وبالتالي من خلال تعاطفه مع ما يشاهده، سيتمكّن من فعل ما يقوم الممثّل بفعله أمامه، وبالتالي من اختبار تجارب، وأحاسيس جديدة قادرة على وضعه أمام احتمالات لا متناهية، قد تترك أثرًا كبيرًا عليه)، وبالانطلاق من أبحاث أخرى أيضًا متعلّقة بهذا المجال (العلوم العصبيّة) نفسه، والتي تظهر الأهمّيّة البالغة التي يؤديها التمثيل بالنسبة إلى الممثّل نفسه؛ من خلال قدرة هذه الممارسة على تفعيل محور اللذّة الخاصّ بالدماغ، وبالتالي نظام المكافأة، ومحاربة محور القلق، والخوف، والحزن “من شأن تزايد إحساس اللذّة أن يؤدّي إلى تضاؤل النشاط العصبيّ المسؤول عن القلق والأثار السالبة… فالتحسّس بالمتعة سيحرّر الممثّل من التدخّلات السلبيّة واللاإراديّة للتفاعلات الناجمة عن محور الخوف”[14]، ما يمكن أن ينتج عنه إمكانيّات هائلة في تعزيز عمليّة التعلّم “من شأن التعلّم أن يصبح فعّالًا أكثر عندما يرتبط بتجربة شعوريّة لطيفة (أي مشاعر ذات تكافؤ إيجابيّ)”[15]، والتأمّل “من شأن سيولة التفكير أن تتضاءل في ظلّ حالات الحزن، وتتزايد مع السعادة”[16]، كما والصحّة النفسيّة – الجسديّة الإيجابيّة، المتوازنة (كإعادة تعزيز التكامل الجسديّ – النفسيّ عند المرضى الذهانيّين[17]، وتعزيز التعلّم العاطفيّ والسلوكيّ[18]، وتطوير العفويّة من خلال إطلاق العنان لطبيعة الفرد وإعطائها حقّ التصرّف والتحكّم بالجسد)، والسليمة؛ على سبيل المثل، في معالجة مرض الباركنسون حيث تبيّن في دراسة مؤخّرة بأنّ مجموعة من مرضى الباركنسون الذين خضعوا لورشة عمل في المسرح إلى جانب المعالجة التقليديّة الطبّيّة، مقارنة مع مجموعة أخرى خضعوا فقط للمعالجة الطبّيّة التقليديّة، كانوا قد شهدوا تحسّنًا أكبر، وأسرع، وأكثر استقرارًا، في الجوانب غير الحركيّة من المرض! “بمستطاع المسرح الفعّال أن يترك أثارًا إيجابيّة، ومستقرّة في المجالات المعرفيّة، والعاطفيّة، والحركيّة، عند مرضى الباركنسون، محسّنًا بالتالي نوعيّة حياتهم بشكل عامّ”[19]، حيث يمكننا في هذا السياق عدّ فروع المعالجة بواسطة المسرح: “psychodrama”[20]، أو “drama therapy”[21]، خير دليل على قدرة التمثيل في إحداث تغيير إيجابيّ في صحّة الفرد النفسيّة، وبالتالي أداء دور كبير ومحوريّ في بناء صحّة، وتوازن الفرد النفسي – الجسديّ “… ترياقنا الأوّليّ هو هذا الساحر المتواجد فينا”[22]. هذه المقدرة العلاجيّة والتحويليّة التي لما كانت متاحة لولا ظاهرة المرونة العصبيّة [23]neuroplastiscité؛ إذ إنّ أداء الأدوار، واتّخاذ وضعيّات ووجهات نظر متعدّدة قد يساهم بشكل كبير في بناء وتشكيل ليس فقط العالم النفسيّ المؤقّت، إنّما البعد الجسديّ وتحديدًا العصبيّ؛ فتكرار الأداء وتبنّي وجهات نظر متعدّدة عن وجهة نظر الممثّل وأدائها جسديًّا ونفسيًّا بصدق، ومحاولة الإيمان بالظروف التي ولّدتها، والاستمرار في ممارسة ذلك على مدى غير قصير، من شأنه أن يمنح هذه اللّعبة الأدائيّة قدرة كبيرة على إحداث التغيير والتحويل الوجوديّ عند الممثّل، وبالتالي العصبيّ (المساهمة بشكل كبير في عمليّة اللدونة العصبيّة). كتطوير تشابكات عصبيّة جديدة. بغضّ النظر عن التقنيّة الأدائيّة المتّبعة: فالممارسة الأدائيّة من شأنها أن تثير وتشرك قدرات الفنّان كافّة، كالتركيز، والذاكرة، واللّغة، والتعبير الجسديّ والمشاعر، والعلاقات الشخصيّة المتبادلة والإدراك المكانيّ، والحركيّة والإدراك الحسّيّ…،[24]. من هنا بات من الممكن وبطريقة لا يرقى إليها الشكّ، عدّ ممارسة التمثيل “قادرة على إثارة آليّات الخلايا العصبيّة العاكسة، والمرونة العصبيّة، بطريقة مماثلة لتلك التي تحصل في مرحلة التعلّم والنموّ عند الكائن البشريّ”[25].
ما من شأنه أن يهب هذه الممارسة، وبالتالي مهنة الممثّل، إمكانيّات وقدرات هائلة، تجاوزيّة تتخطّى مجرّد الترفيه والتسلية، والفكاهة. وبالانطلاق من البحث الاستطلاعيّ الذي قمنا به في هذا السياق، الذي بيّن بأنّ الجزء الأكبر من العيّنة التي تمّ انتقاؤها، قد تمكّنت من مشاهدة الأعمال الدراميّة أن تترك أثرًا إيجابيًّا كبيرًا على حياتهم الشخصيّة[26]، فساهمت في تعزيز السعادة عندهم بشكل عامّ، وخلال مشاهدة العمل الدراميّ بشكل خاصّ[27] (ما من شأنه كما سبق أن رأينا سالفًا أن يخفّف من مستويات القلق، والخوف، والحزن، عبر تعزيزه لمحور اللذّة في الدماغ، مولّدًا بذلك حالة حيويّة إيجابيّة، وسليمة، عند المشاهد)، كما زادت أيضًا من إنتاجيّتهم المهنيّة[28].
وبالانطلاق من التجارب العمليّة الخاصّة بالعديد من الممثّلين المحترفين، الذين أعربوا عن مدى قدرة التمثيل وبالتالي لعبة الممثّل، في التأثير الإيجابيّ على العالم النفسيّ، لا بل الجسديّ أيضًا، كالتحرّر من المزاج السيّئ[29] مع حالة موريس[30]، ومساهمة حالة الأداء في تجاوز المرض وتعزيز الإبداعيّة والذكاء العاطفيّ عنده[31]. هذه القدرة الشافية للأداء التي برزت بشكل أكبر على الصعيد الجسديّ في حالة الممثّل أنطوان[32]، فأتاح له التمثيل تجاوز الوهن الجسديّ، بالإضافة إلى الخوف والقلق[33]، ما قد يمثّل نموذجًا معبّرًا عن انتصار محور اللذّة في الدماغ، على محور القلق، والخوف، والحزن، وما يمكن أن ينعكس من ذلك على الجوانب الجسديّة. هذا ما يؤكّد بدوره عليه الممثّل كميل[34]، من خلال ممارسته العمليّة[35]، معبّرًا علاوة على ذلك عن حالة الوعي الاستثنائيّ، المتضخّم، والتجاوزيّ التي يتيحها فعل الأداء (التمثيل) للممثّل[36]، والتي يجمع على اختبارها معظم الممثّلين خلال الأداء. إجماع من شأنه أن يزداد بشكل كبير بين الممثّلين حول اختبارهم لشعور اللذّة، أو المتعة خلال الأداء للأدوار الدراميّة؛ إذ تبيّن في دراسة إحصائيّة قمنا بها، لعيّنة من ١٩٠ ممثّلاً حول العالم بأنّ ٩٩٪ من هؤلاء، يختبرون شعورًا باللذّة، حتّى ولو كانوا يؤدّون حالات الحزن، أو الخوف، أو القلق. ما من شأنه أن يعبّر عن إمكانيّات هذا الأداء في تحفيز جهاز المكافأة والإثابات عند الممثّل، وبالتالي تعزيز قدراته الجسديّة، والفكريّة، والعاطفيّة.
وأخيرًا انطلاقًا من أبحاث مارسيل جوس[37]، حول الدور البالغ الأهمّيّة، الذي يؤدّيه الأسلوب الإيمائيّ – الجسديّ في اللّغة التواصليّة، وما يمكن أن يلقى تجسّده في فعل الممثّل وإيماءاته على المسرح، بات بإمكاننا القول بأنّ التمثيل ليس مجرّد “ترفيه” أو “فكاهة”، أو موضوع انحطاط، يمكن الاستخفاف فيه، ووضعه على الهامش. فهذا الأثر الكبير الذي يحظى به، سواء على من يمارس هذه اللّعبة، أو على من يتلقّاها، لا بدّ له من أن يعني شيئًا بالنسبة إلى المسؤولين عن تنظيم هذه المهنة.
من هنا تأتي أهمّيّة احترام هذه المهنة والحرص على من يقوم بممارستها، من خلال حصرها بمن جهد لدراستها، ولتطوير نفسه في هذه الممارسة، وتطويرها من خلال تجاربه وإضافاته الخاصّة. فبذلك أيضًا أثر مزدوج، إذ إنّ المتلقّي أيضًا سيتحمّل مع الممثّل ثمن نجاح الأداء أو إخفاقه. لذا قد يكون الممثّل الذي تخصّص أكاديميًّا في هذا السياق هو الممثّل الفعليّ القادر، والمتمكّن، والمتمتّع بالكفاءة والاستحقاق اللازمين لجعله العامل الأفضل، والأنسب، والأسمى، لممارسة هذه المهنة، والغوص في سوق عملها. انطلاقًا من هذه الذرائع التي تقدّمها لنا الأبعاد السالفة الثلاثة: (أخلاقيّة المهنة، البعد الاقتصاديّ، والأثر الناتج عن ممارستها)، كيف يمكن لمهنة بهذه الأهمّيّة (مهنة التمثيل) أن تمارس من قبل أشخاص لم يتخصّصوا أكاديميًّا في هذا المجال؟ بناء عليه، نفترض لكي نتمكّن من التوفيق بين كلّ تلك التناقضات، وبالتالي ضمان الكِيان الوجوديّ لمهنة التمثيل، وصون أخلاقيّة هذه المهنة، كما إفساح المجال العمليّ، وسوق العمل لأهل هذا التخصّص، علاوة على ضمان أفضل مستوى ممكن من المردود الذي يمكن أن ينتج عن أداء الممثّل، وبالتالي أفضل جودة ممكن أن يحظى بها المتلقّي، أن يتمّ حصر هذه الممارسة الخاصّة بأداء الممثّل فقط بمن هم متخصّصون أكاديميًّا في هذا المجال. أي السماح فقط لمن هو حائز على شهادة جامعيّة في المسرح (أو المجالات المرتبطة في التمثيل)، مزاولة مهنة التمثيل سواء التلفزيزنيّ، أو السينمائيّ أو المسرحيّ، الإذاعيّ، وبالتالي المشاركة في الأعمال المحترفة. وعليه منع أيّ هاوٍ، أو مرتزق متطفّل على هذا الفنّ، من المشاركة في الأعمال المحترفة التي يمكن أن تعود عليه سواء بالشهرة، أو بالمردود المادّيّ. وذلك من خلال إجراء بسيط يتضمّن حصر الممارسة بمن هم منتسبون إلى نقابة الممثّلين حصرًا.
هذا ما يتطلّب بدوره أيضًا، تفعيلًا أكبر لدور النقابات المسؤولة عن هذه المهنة، وعدم السماح لأيّ شخص من الانتساب إلى نقابة الممثّلين إذا لم يكن بحوزته الكفاءات الأكاديميّة اللازمة (إجازة كحدّ أدنى) في المسرح (أو التمثيل) أو ما يعادلها. بالإضافة إلى إعطائها حقّ منح بعض الاستثناءات للأدوار الدراميّة الاستثنائيّة. فبصون مهنة الممثّل، أو أقلّه التأسيس لمهنة التمثيل، قد نتمكّن من تصويب البوصلة على ما هو أساسيّ، وجوهريّ في هذه المهنة: فنّ التمثيل؛ أي ممارسة هذا الأنثروبوس[38] في وضعيّة الأداء على المسرح، أو أمام الكاميرا، ولعبته السامية، القادرة على ترك آثار كبيرة على العمل الفنّيّ ككلّ، وبالتالي على المتلقّي، كما على الممثّل نفسه. وبإنضاج هذه اللّعبة وتطويرها سيتمكّن الممثّل من إنضاج نفسه، وتطوير ذاته، وعليه من يشاهده ويؤدّي معه: المتلقّي. ما معناه أنّه سيتمكن من تطوير المجتمع.
٢- الصعوبات والعقبات: اقتراح حلول
قد يقف في وجه هذا الاقتراح بعض العقبات التي تتطلّب استثناءات منطقيّة لا تتناقض والطرح القائم:
٢-١- حالة العاملين الأقدمين في مجال التمثيل، الذين كوّنوا خبرة كبيرة في هذا المجال، واكتسبوا شهرة بالغة، مع ذلك هم غير حائزين على شهادات جامعيّة في تخصّص المسرح أو مجال التمثيل: هنا قد يكون التجاوز لهذه الفئة، هو الحلّ الأفضل بالنسبة إلى هذه العقبة؛ أي عدّ العاملين في هذا المجال كافّة، قبل صدور القانون الذي من شأنه أن ينظّم هذه المهنة وفق الاقتراح المقدّم في هذا المكان، هم فقط مستثنون منه، وليس من سيأتي بعد صدوره.
٢-٢- حالة الأدوار الدراميّة التي تتطلّب فئات عمريّة قد لا يمكن للممثّل أن يبلغها، لا من خلال إمكانيّاته الطبيعيّة، ولا من خلال إمكانيّاته المعزّزة بواسطة الأدوات المصطنعة، كالتخضيب، والأكسسوارات، وتكنولوجيا الواقع الافتراضيّ، أو الواقع المعزّز[39] في أداء الممثّل. على سبيل المثل أدوار الأطفال (ما دون الـ١٤ سنة). في هذه الحالة قد يكون الحلّ الأفضل، السماح في حالة الأدوار التي تتطلّب فئات عمريّة دون الخامسة عشرة، أن يتولّى أداءها ممثّلون يافعون، غير حائزين على شهادات جامعيّة بطبيعة الحال، إنّما شرط أن يكونوا قد خضعوا لإعداد ضمن محترفات متخصّصة لتدريب الممثّل، وبالتالي حائزين على إفادات منها تخوّلهم تولّي مثل هذه المسؤوليّة، وبالتالي خوض غمار التمثيل. أو (بالنسبة إلى الأدوار التي تتطلّب فئات عمريّة دون الثامنة) قد خضعوا لتدريب ممثّل متخصّص في هذا المجال، تكون وظيفته إعداد مثل هذه الفئات العمريّة للأداء التمثيليّ؛ هذا ما قد يعود على الممثّل نفسه، المتخصّص في التمثيل، بالنفع.
٢-٣- حالة الطلاّب الذين لا زالوا في طور التخصّص الأكاديميّ ضمن حقول التمثيل: قد يكون الحلّ الأمثل لهذه الفئة، هو منحهم حقًّا مؤقّتًا لمزاولة المهنة، يكون مشروطًا بمدّة العمل، وحاجة التمرّن، وغيرها من المبرّرات التي تأخذ بالحسبان حاجة هؤلاء إلى الاحتكاك بسوق العمل، واختبار تجارب احترافيّة.
٣- التراكمات التاريخيّة لمسألة مهنة التمثيل
٣-١- مدخل
قد تلقى هذه المسألة الخاصّة بمهنة التمثيل تفسيرًا لها من خلال النظرة الدونيّة التي لطالما وُسمت بها عبر العصور، وذلك في العديد من المحطّات التاريخيّة الموثِّقة لطابعها الاستثنائيّ المحاط بالعار والانحطاط. فهذا النقص في الاعتبار للعمل الذي يقوم به الممثّل في وقتنا الحاضر، الذي يتمثّل بالسماح لأيّ كان في التعدّي على هذه المهنة، وبالتالي العاملين المتخصّصين فيها، وهذا الإهمال لحقوق الممثّلين والاستخفاف بمطالبهم في الحصول مهنة منظّمة تضمن لهم تخصّصهم، وتصون حقّهم في ممارسة مهنة التمثيل بشكل حصريّ فتراعي شروط الكفاءة، والخبرة، وليس متغيّرات أخرى مسيئة لفنّ التمثيل بحدّ ذاته…، قد لا يكون كلّه سوى مجرّد امتداد مخفَّف، وملطَّف، للنظرة الدونيّة تجاه العمل الذي يقوم به الممثّل بشكل عامّ، والممثّل الكوميديّ بشكل خاصّ.
٣-٢- أثر انحطاط المحاكاة عند الإغريق متجسّد في جمهوريّة أفلاطون
هذه النظرة التي يمكن تتبّع جذورها لفترات بعيدة جدًّا في الزمن تحديدًا منذ الإغريق مع كتابات أفلاطون، الذي عدّ المحاكاة (وبالتالي عمل الفنان الذي يقوم بممارستها بشكل عامّ. استطرد ما يمكن أن يقوم به الممثّل) بأنّها مبعدة “ثلاث مرّات عن الحقيقة”[40] وعالم المُثل؛ كونها ترتكز على مظاهر الأشياء ومشابهة هذه المظاهر (محاكاة مظهر السرير)، وليس على خلق فكرة الشيء (أيّ “جوهر السرير” ما هو من شأن عمل الإله: الخالق الطبيعيّ لمفهوم السرير). أو على خلق سرير فعليّ ملموس ومحدّد (ما هو من شأن عمل النجار: محاكاة فكرة السرير)[41]. تمامًا كالمرآة التي توهم الناظر إليها بأنّها تعيد خلق كلّ ما في الوجود، في حين لا تقدّم في الواقع سوى مظهر الأشياء فقط ومن زاوية واحدة. فتهدف بالتالي المحاكاة لتضليل المتلقّي وإغراء مشاعره بهذه المظاهر، وينجح المحاكي في خداعة “الأطفال والأشخاص البسطاء”[42]، وإبعادهم عن المنطق والحقيقة. في حين لا يكون صاحب هذه المحاكاة على دراية بأيّ شيء عن حقيقة ما يقوم بمحاكاته؛ إذ ليس هو بحاكم، ولا بطبيب فعليّ، ولا بمحارب، وهو لا يعرف فعليًّا حقيقة الأمور، حتّى ولو ادّعى امتلاكه للمعرفة والأمور الحقيقيّة “لو كان الأمر كذلك، سمّي لي مريضًا تمكّنت من شفائه… سمّي لي مدينة يمكن أن يتحدّث أهلها عنك بالجيّد وعن إنجازاتك…؟”[43]. لذا هو عبارة عن تزوير، وإيهام، وابتعاد عن المعرفة والمنطق والإله، وبلوغ عالم المُثل. إنّه “فنّ سفليّ”[44]، يخاطب “الضَعف الذي يشوب العقل البشريّ”[45]. من هنا كانت أولى الصفعات في وجه من يقوم بممارسة هذه المحاكاة، لتحتقر مقامه ومكانته، وتضعه في رتبة دونيّة، منحطّة، وغير شرعيّة، ستؤسّس بشكل كبير للنظرة المستقبليّة السالبة التي سيوسم بها المحاكي؛ إذ دعا أفلاطون إلى طرد فنّان المحاكاة من جمهوريّته الفاضلة: “فالشاعر مثل الرسام، يشترك معه في نقطتين “حيث إنّ ما يصنعه يحظى بدرجة متدنّية من الحقيقة… كما أنّه يخاطب الجزء السلفيّ من الروح. وعليه يجب أن نرفض وجوده في دولة منتظمة، كونه يوقظ، ويغذّي، ويعزّز العواطف، ويعيق التفكير المنطقيّ والعقلانيّ”[46]. (كلّ ذلك وإن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على التأثير الكبير الذي كان يمكن للمحاكاة أن تُحدثه على المواطن الإغريقيّ {بغض النظر عن قطبيّتها السالبة}، ومدى الأهمّيّة البالغة التي احتلّتها في تأمّل الأقدمين، لدرجة كان لا بدّ من محاربتها وتحريمها، كمحاولة لمعالجة وجودها. هذا بحدّ ذاته ما يجب أن يشكّل عبرة لمدى القدرة التأثيريّة الكبيرة للمحاكاة بشكل عامّ، وبشكل خاصّ لعمل الممثّل، {الذي يُعدّ بحسب أفلاطون، الرديف للجانب الأقصى من المحاكاة عند الشاعر}، وعليه مهنة الممثّل، لمجرّد الفكاهة، فيدعونا للاتّعاظ وعدم الاستمرار في التهاون بهذه المهنة). بذلك كان التأسيس النظريّ الذي سيلقى له ترجمته العمليّة مع الحضارة الرومانيّة لاحقًا، وبشكل خاصّ (وغير حصريّ) في المسرح عند الرومان؛ إذ من الممكن وبالاستناد إلى التوثيقات التاريخيّة لعلاقة مكانة الممثّل بشكل عامّ، والممثّل الكوميديّ تحديدًا، مع مكانة الخطيب، أن تتوضّح ملامح تلك الفوارق بينهما، وبالتالي هذا العار اللاحق بالممثّل، وعليه الاستخفاف بما يقوم به في عصرنا الحاليّ.
٣-٣- مكانة مهنة الممثّل عند الرومان
٣-٣-١- الجانب المعاكس لمكانة مهنة الخطيب
في ذلك المجتمع الهرميّ والطبقيّ كان يُنظر دائمًا إلى الخطيب (الذي يقوم عمله على مفهوم الـactio[47]) على أنّه النقيض المعاكس لمقام الممثّل. ففي حين كان يرادف الممثّل بوجوده، الخضوع والخنوع والعار[48]، كان الخطيب يرادف الحرّيّة، والشرف، والكرامة، كونه قائد العشيرة، ومدافع عن أفرادها/ زبائنه في المجال السياسيّ، من خلال مساعداته القانونيّة أمام المحكمة التي كانت تعدّ الفضاء المخصّص لأدائه البلاغيّ، وحضوره الشخصيّ كخطيب، الذي كان يقدّر باحترام كبير من قِبل القضاة. كما يحظى باهتمام الحاضرين وإنصاتهم وتقديرهم كافّة؛ فقد كان يجعلهم يرتجفون على وقع المشاعر التي يثيرها عند إرادته الخاصّة. هذا ما قد يكون غير ممكن لولا وجود بلاغة مرهفة عنده. بلاغة قد يحتاجها أيّ شخص رفيع الشأن لإبراز هُويّته في علاقته مع الآخرين ومع نفسه. فكانت بالتالي جودة هذا الخطاب وبلاغته تشكّلان معيارًا لمكانة المواطن الرومانيّ ومدى وقاره وشرفه. بلاغة يمهّد لها (في معظم الأحيان، وليس بشكل حصريّ) الآباء الأحرار تجاه أطفالهم، وتُكتسب تدريجيًّا منذ الطفولة المبكّرة، لتلقي بأثرها على نموّ الطفل وجسده فتصمّم له سلوكه وقامته “منذ الطفولة يبدأ الطفل باكتساب الصلابة والخشونة، والحاجة إلى حماية ذكوريّته المستقبليّة من اللدونة والليونة”[49]. وعليه تكون البلاغة عند الخطيب الرومانيّ عبارة عن فنّ تقديم الذّات، والحضور الوجوديّ والجسديّ، غير اللّفظيّ، الخاصّ به (الدالّ بواسطة العلامات الجسديّة، والصوتيّة على الشرف، النغمة الأرستوقراطيّة، وصفاء اللّغة)، وليس مجرّد دهاء في الإقناع، وانتقاء الحجج والذرائع الخاصّة بمضمون الخطاب. الممارس لفنّ الخطابة هو المواطن المثاليّ، ومحور الثقافة السياسيّة، حيث من شأن بلاغته أن تعبّر عن رجولته، وتجعله يرتقي للصفّ الأوّل في المدينة، فيرمز بوجوده، وسلوكه، وإيماءاته، للشرف، والإرادة الحرّة، والمصداقيّة. مصداقيّة يستمدّها ليس من البراهين، والمفاهيم، والحجج المنطقيّة التي يدلي بها وحسب، إنّما من مقامه، أو رتبته الاجتماعيّة التي ينحدر منها، ويرمز إليها عبر لغته الصامتة، وبالتالي من تاريخ عائلته. فالمهمّ هُويّة الخطيب، والعلامات الدالّة التي تُثبت أصالة هذه الهويّة، أكثر منه مضمون الخطاب الذي يدليه. بالتالي إنّ الخطيب هو النقيض المعاكس تمامًا بمقامه ومكانته في المجتمع والثقافة والحضارة الرومانيّة، لمقام الممثّل ومكانته. هذه المسافة الفاصلة والشاسعة بينهما التي يتواجد فيها الممثّل على الحدود الخارجيّة للثقافة، والمجتمع الرومانيّ، تعبّر في الواقع عن التدرّج الهرميّ لِبِنية هذا المجتمع نفسه.
٣-٣-٢- انحطاط مهنة التمثيل الصامت، ومكانة الممثّل
كان الممثّل بشكل عامّ، وممثّل الجسد الصامت بشكل خاصّ، الذي كان يطلق عليه اسم histrion[50]، موسوم بنظرة دونيّة منحطّة. إذ إنّ العار المطارد له كان مرتبط بوجوده الخاصّ بهذه الصفة؛ فكلّما نجح بأداء دوره كممثّل، كلّما زادت سمعته السيّئة. وعليه كانت الهيستريونيا توسِم من يقوم بممارستها بالإنحطاط والحقارة. فما سبب هذه النظرة وهذا الإقصاء من الحقوق المدنيّة؟ سيّما أنّ الممثّل آنذاك في الحضارة الرومانيّة كان يشكّل عاملًا أساسيًّا لحسن سير الطقوس الدينيّة في المدينة، كما كانت الألعاب المسرحيّة، وتلك المتعلّقة بالسيرك تتواجد بشكل أساسي في التقويم المدني، وذلك منذ القرن الثالث ق. م.[51]؟ للإختصار، وردت هذه الكلمة للمرّة الأولى في مسرحيّة amphitryon، للمؤلّف الروماني [52]plaute. فقد كانت تشير أصلًا إلى الإنحطاط، إذ تمّ استخدامها للتعبير عن المعنى المعاكس تمامًا لمقام الآلهة الرومانيّة. حيث تقوم هذه الآلهة في المسرحيّة التراجي-كوميديّة، بالتحوّل لإنسان عادي، لا بل لأسفل الدرجات الإجتماعيّة، أيّ الهيستريونيون، وذلك بهدف خلق الأثر المضحك.
أمّا الإستخدام الثاني فيرجع لقرنين لاحقين لتلك الفترة التي ورد فيها للمرّة الأولى، حيث ارتبطت ممارسة ومصطلح الهيستريونيا histrionia (باللاتينيّة)، بالعالم الشهواني، والولائم الجماعيّة ومتطلّبات التسلية والمتعة التي كانت تتواجد فيها “الهيستريونيا لم تعد تعبّر عن الفنّ المسرحيّ الخاص بالراقصين، إنّما باتت تشير إلى العار المرتبط بالإغراء الشهواني خارج خشبة المسرح. نفس الكلمة باتت تتضمّن تقنيّة فنيّة[53]، وحقارة أخلاقيّة”[54]. بالتالي أصبحت تُستخدم للتعبير أيضًا عن رقصات الولائم، ومتعة الإستهلاك المفرط. فقد كان ينظر للهيستريونيون عند الرومان على أنّهم مخنّثون فقط لكونهم عبارة عن ممثّلين؛ حيث أنّ التأنيث هنا لم يكن يعبّر عن النساء بقدر ما يشير إلى الكذب، والإصطناع الهادف للإغراء ومخاطبة الشهوات والحواس وليس الفكر والمنطق. حتّى التأمّل حول عمل الممثّل الكوميدي لم يكن شيئًا محبّذًا، فقط يتمّ التفكير حول هذا العمل في علاقته مع البلاغة وفنّ البلاغة. هذا ما قد يفسّر سبب عدم ترك الرومان أيّ مؤلّفات عن الممثّل بشكل مباشر ومستقلّ. فالممثّل بالنسبة للثقافة الرومانيّة هو متطفّل، لا يمكن تبرير وجوده في المجتمع إلّا من خلال تلك العلاقة بفنّ البلاغة. في هذا المكان الثاني وفي إطار المأدبات، أصبحت الهيستريونيا تشير أيضًا للرقص الممارس في المنازل الخاصّة، والذي يهدف لإمتاع الضيوف[55]. مع فارق أنّه في المأدبات كان الممثّل يظهر بجسده وشخصه فكان الرقص المؤدّى علاوة على جمال الممثّل الجسدي، ليس سوى مجرّد حضور شهواني-إغرائي، في حين كان على المسرح يظهر بصورة الشخصيّات المتخيّلة، فكان جماله ورقصه يُسخّران لخدمة القصّة الدراميّة، وخلق الصور، والمشهديّات. ما قد يبرّر سبب تقبّل المشاهدين للممارسة نفسها، الخاصّة بالممثّل، في مكان ما وعدم تقبّلهم لها في مكان آخر.
بالتالي أصبح الخطباء يلجؤون بهدف الهجوم على أخصامهم، لتوجيه الاتّهام لهم بأنّهم راقصون. حيث كان الرقص يشكّل الترسانة الكلاسيكيّة في خطاب الاتّهامات المتبادلة، وذلك ليس مقارنة مع الراقص المتواجد في المأدبات الجماعيّة، إنّما لذلك الذي يرقص أيّنما كان، وفي كلّ مكان. للشخص الذي يحظى بنفسيّة الراقص، الذي هو أخلاقيًّا عبارة عن هيستريون، وسافل، ويستحقّ العار. عار وانحطاط يعودان لكون ممارسة الهيستريونيا تتطلّب التجرّد من الذوق، والحساسيّة “فالرقص الخاصّ بالممثّل هو عبارة عن محاكاة مدمّرة، عن انحلال للمعنى، لا يمكن له أن يتحقّق بشكل شرعيّ إلّا بعيدًا عن السياسة، في فضاء مختلف، هو الإطار الطقوسيّ للألعاب، وبواسطة أشخاص مختلفين، أي الهيستريونيّون”[56]. بالتالي إنّ الفرد القادر على خوض هذه الممارسة سيحتاج إلى أن يكون مختلفًا عن الصور النمطيّة للمواطن الرومانيّ. فالوجود الخاصّ بفنّاني المسرح آنذاك لم يكن مسموحًا له أن يتظاهر في الحياة الاجتماعيّة خارج الإطار المسرحيّ، إلّا من أجل المساهمة في إمتاع الرجال/ النساء الأثرياء، بغية جذبهم للمأدبات والولائم التي يخدمون فيها. فهذه كانت طريقة الوجود الوحيدة للممثّل في الحياة الاجتماعيّة خارج خشبة المسرح، بالنسبة إلى الشعب الرومانيّ، الذي لم يكن يرى سوى جمالهم الجسديّ المغري. ولكن يبقى السؤال الأهمّ قائمًا: ما هي هذه الغيريّة التي تجعل الممثّل يكون عديم الحساسيّة والذوق، وتوسمه بالتالي بالعار والسفالة؟ ما هو السبب التقنيّ على صعيد ممارسة التمثيل، الذي يجعل الممثّل مقصيّ من التدرّج الهرميّ الخاصّ بالمجتمع الرومانيّ؟
٣-٣-٢-١- لدونة الممثّل سبب براعته وانحطاطه
لم يكن هذا الازدراء والإقصاء للممثّل فقط بسبب الرقص الإيمائيّ الذي يمارسه الهيستريون (الذي يرتبط أداؤه بنوع دراميّ له خصوصيّته، قد يزيد من مقدار الإزدراء له من قِبل العامّة)، إنّما كان يطال الممثّلين، والمغنّين، والراقصين كافّة، “فالتراجيديّون والمغنّون كانوا أيضًا خاضعين للإقصاء نفسه، بحيث لم يكن الرقص الشهوانيّ الخاصّ بالهيستريون في المأدبات الجماعيّة سوى الشكل المرئيّ لهذا الإقصاء من الحياة الاجتماعيّة، وليس السبب الدافع له”[57]. بالتالي إنّ هذا الإقصاء كان متجذّرًا في القانون والأخلاق العامّة وحتّى اللغة[58]، وذلك على نقيض الحضارة الإغريقيّة الذين كانوا ينظرون نظرة خزي لمن يصعد على الخشبة ويقدّم نفسه في عرض مسرحيّ أمام الجمهور[59]. إقصاء شامل لفنّاني المسرح كافّة، لا مجال للتحرّر منه، ولو حتّى امتلك الممثّل المال الكافي وأصبح ثريًّا؛ إذ تكثر في هذا المجال التوثيقات التاريخيّة عن الممثّلين الذين كانوا يتلقّون الهدايا الباهظة نتيجة إعجاب أحد(ى) النبلاء بهم. فهذه الهبات التي كانت تنتفي بسرعة مماثلة للطريقة التي أعطيت بها، إذ لم تكن قادرة على وهب الممثّل حقوقه المدنيّة وكرامته، والمكانة الاجتماعيّة المحترمة: “فقد كان هذا العار مدرج في القانون[60] والأخلاق خلال كامل فترات الجمهوريّة، والإمبراطوريّة، الرومانيّة… والنصوص كافّة تؤكّد على ذلك من سيسيرون، حتّى سانت أغسطين” حيث يقول سيسيرون في هذا السياق: “… لقد أراد أسلافنا حرمان هؤلاء الناس ليس فقط من كراماتهم التي يحظى بها المواطنون الآخرون، إنّما أيضًا أن يتمّ طردهم من بين عشائرهم”[61]. كلّ ذلك من شأنه أن يعبّر عن المسافة المتواجدة بين الممثّل، والمواطنين الآخرين، كما يخفّض من مستوى، العمل وشأنه الذي يمارسه الممثّل. مستوى يظهر أنّه كان من بين المستويات المهنيّة الأكثر تدنيًّا في المجتمع الرومانيّ، وذلك انطلاقًا من محاولته التصنيفيّة للمهن، حيث عدّ بأنّ تلك التي تهدف إلى تقديم خدمات اللذّة، تكون من أكثر المهن تدنّيًا من حيث السمعة، وبشكل خاصّ الرقص الذي يأتي في المراتب الأخيرة. بالانطلاق من هذا المستوى المتدنّي والمنحطّ الخاصّ بمهنة، وشخص الممثّل، والمكرّس عبر القانون، وبالانطلاق من أنّ الممثّل مثله مثل أيّ شخص رومانيّ آخر، هو بحاجة لأن يلتحق بعشيرة ما وينتمي إليها، ويحيا في حياة اجتماعيّة لائقة، كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه لتحقيق هذه الغاية والانخراط في المجتمع، هي الإغراء الجنسيّ، والتودّد العاطفيّ الذي يرتكز على بناء العلاقات العاطفيّة الحميمة مع شخص نبيل[62]، لتحقيق تلك الغاية؛ كقيام أحد كبار النبلاء بتخصيص قبر لممثّل ما كان سبق أن أمّن له الحماية والمأوى اللازمين. في هذا السياق يمكن عدّ نموذج علاقة الممثّل روسيوس roscius (باللاتينيّة) مع الحاكم الرومانيّ lutatius catulus خير مثال على ذلك. هذه العلاقة التي هي من جهة مهينة بالنسبة إلى الحاكم، وأشبه بالمكافأة بالنسبة إلى الممثّل ولممارسته التقنيّة، التي تقوم على مرونته الجسديّة المطلقة، وسرعة حركته ودقّتها، وسيطرته عليها، كما على الإغواء الجسديّ الخاصّ به ((باللاتينيّة) venustas)[63].
لذا وانسجامًا مع حاجة الممثّل التقنيّة هذه، المرتبطة تمام الارتباط بعمله الأدائيّ، الذي يفرض عليه ألّا يأخذ هُويّة اجتماعيّة ثابتة ومحدّدة، إنّما يكون ليّن الجسد وطيّعًا، قابلًا للتحوّل لأيّ شكل، أو شخصيّة مبتغاة، أي أن يمارس غفليّته الجسديّة. كما انسجامًا مع وجوده الخاصّ في ذلك المجتمع النابذ له، الذي يسعى فيه إلى نيل اعتبار ما، انطلاقًا من علاقة غراميّة، لا يمكن إلّا لقدرته الجماليّة الإغوائيّة أن تحصّلها، يكون الممثّل بحاجة ماسّة لأن يبقى في مرحلة من “الصبا” (puer) (باللاتينيّة) الدائم، فلا يشيخ، وبالتالي لا تصبح حركته بطيئة أو خارجة عن تحكّمه، ويبقى حضوره الإغوائيّ الجسديّ موجودًا. وعليه، وفي ظلّ بقائه في مثل هكذا حالة من الصبا، سيكون من المتعذّر على الممثّل (وفي ظلّ المعايير السائدة آنذاك) بلوغ عمر الرجولة وهيبتها “لن يتمكّن أبدًا من أن يصبح مواطنًا وبالتالي شريفًا، فقط بمستطاعه أن يكون مجرّد دمية مزيّنة ومُخضّبة”[64]. لا سيّما في ظلّ تواجد التقسيم التسلسليّ الخاصّ بالمجتمع الرومانيّ الذي يرى في غياب الصرامة والحزم، سواء على البعد الأخلاقي، أو الجسديّ عند الفرد (التي كانت تشكّل ملامح الرجولة الاجتماعيّة، والأخلاقيّة في ذلك العصر)، مؤشّرًا دالًّا على الأنوثة. هذا يأتي على عكس الخطيب الذي يستمدّ جماله في ذلك المجتمع من وضعه الاجتماعيّ، الذي يحظى بامتداد جسديّ له يمثّل الرجولة، والقامة المنتصبة، والشامخة، كما بامتداد معنويّ يعود عليه بالاحترام، والشرف، والكرامة، والمواطنة. هذان البعدان يكتسبهما الخطيب بالوراثة تارة والإعداد طورًا. كذلك الممثّل يكتسب سماته الخاصّة به والواسمة لجسده وأخلاقه أيضًا تارة بواسطة الوراثة، وطورًا عبر الإعداد. حيث تتّسم هذه النقطة الأخيرة بالخصاء الأخلاقيّ للممثّل منذ مرحلة الطفولة، بغية تمكينه من اتّخاذ أيّ وضعيّة جسديّة ممكنة، والانحناء في الإلتواءات كافّة. أي منذ الطفولة يُعدّ الممثّل على الخضوع الجنسيّ، فليونته ومرونته الجسديّة والأخلاقيّة تكونان مرتبطتان بشهوانيّة جنسيّة مفرطة، بحسب الفهم الرومانيّ للشهوانيّة الجنسيّة. إذ إنّ العلامات الدالّة على هذه الشهوانيّة لا تكون تشريحيّة، إنّما حركيّة، وإيمائيّة، وسلوكيّة، وبشكل أدقّ إنّها المرونة mollitia (باللاتينيّة) نفسها بحدّ ذاتها (التي لا يمكن له أن يكتسبها إلّا عبر العمل منذ الصغر على فقدان الإحساس بالخجل، والعار بغية تمكّنه من تحرير جسده من التوافقات الاجتماعيّة، فيبقى دائمًا مجرّدًا من الحيازة على هُويّة اجتماعيّة)، بالإضافة إلى طريقة التصرّف، والاعتناء بالجسد، وطريقة تقدّمه أمام المجتمع “الرغبة في البقاء عند سن الشباب عن طريق صبغ شعر الرأس، ونزع ذلك الخاصّ بالجسد، وارتداء الملابس الفضفاضة والواسعة”[65]. ففي تلك الثقافة الرومانيّة التي تحتلّ فيها المظاهر، وصورة الذات مساحة كبيرة جدًّا، تعبّر عن حقيقة الشخص، كان كلّ تفصيل مظهريّ صغير ببالغ الأهمّيّة. من هنا إنّ ما يجعل الممثّل معروفًا في ذلك المجتمع هو هذه المرونة، واللدونة، والميوعة، والجاذبيّة الجنسيّة الجسديّة التي يحظى بها التي تعبّر عنه كممثّل، وتناقض ملامح الخطيب وتعابيره وإيماءاته، وتتعارض معها كتعارض المذكّر مع المؤنّث. فما يميّز تلك الخاصّة ويحكمها بهذا الخطيب هو الصلابة، والمجهود، الانتظام، أو الثبات constantia (باللاتينيّة)، حيث لا يتصرّف إلّا بإرادته الخاصّة وتصميمه الحرّ. فهو يجسّد بجسده وسلوكه نموذج الرجوليّة والمواطنة، والبلاغة.
لذا يعود سبب العار اللاحق بالممثّل في زمن الرومان، للإدانة الرسميّة لمرونة mollitia (باللاتينيّة) هذا الممثّل الجسديّة والأخلاقيّة، وما تقتضيه من الامتدادات النفسيّة، وأسلوب العيش اليوميّ، والسلوك الاجتماعيّ (فالممثّل يجسّد بجسده وسلوكه: الراقص الصامت، والمخنّث والخنوع). بالتالي إدانة ثقافيّة، واجتماعيّة، وقانونيّة لوجود نفسيّ – جسديّ متمثّل بهذه المرونة[66]، يعاكس القيم، والمبادئ، والاعتبارات الثقافيّة، والاجتماعيّة المعبّرة عن الاحترام، والرجولة، والحزم، والكرامة، والأخلاق، والخجل، بالتالي العار pudor (باللاتينيّة)، وعليه الشرف. هذا ما من شأنه أن يشكّل المهد الحاضن للانحطاط الذي سيلحق بمهنة الممثّل في العصور اللاحقة، كما يؤسّس لثقافة الاضطهاد، والإقصاء، والتدنيس لهذه المهنة، والشخص الممارس لها. بحيث ستتولّى السلطة الدينيّة في القرون الوسطى بتشريعاتها، مسؤوليّة الاضطهاد لمهنة الممثّل. اضطهاد سيستمرّ مع تقدّم الزمن وتحديدًا في باريس عاصمة المسرح، حتّى القرن التنويريّ. ليتحوّل إلى وقتنا الحاضر، وعلى الرغم من تحرّر الممثّل نسبيًّا من هذه الوصمة الانحطاطيّة المرتبطة بالعار، لتعدّيات وتجاوزات تطال كرامته بشكل عامّ، وحياته المهنيّة بشكل خاصّ؛ وهذا ما يلقى ترجمته العمليّة في سماح القانون، والقيّمين عليه وعلى تنفيذه، بإفساح المجال أمام الفوضى في التحكّم بممارسة التمثيل، والانتقاص من حقوق الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في مهنتهم، وعدم الاعتبار لكفاءاتهم وخبراتهم. علاوة على الاستخفاف بهؤلاء الممثّلين وبما يقومون به، من قِبل الرأي العامّ الشائع والشعبيّ.
٣-٣-٣- اضطهاد مستمرّ لمهنة الممثّل، وشخصه، مع تقدّم الزمن
ففي القرون الوسطى ستتولّى الكنسية الكاثوليكيّة مَهَمَّة إقصاء الممثّل من حياته المهنيّة، وتوجيه بوصلة الدناسة والتنغيص عليه. ففي القرن الرابع سيتولّى “مجلس ألڤيرا” في إسبانيا عام ٣٠٥ م، والمكوّن من ١٩ أسقفًا و٢٤ كاهنًا، مَهَمَّة إصدار ٨١ تشريعًا[67]، حيث خصّص التشريع رقم ٦٢ للممثّلين ولاعبي الخشبة الآخرين، ليفرض على من يريد اعتناق المسيحيّة منهم، وبالتالي ينال حقوق الزواج الكنسيّ، ومراسم الدفن، والمعموديّة، أن يتخلّى مسبقًا عن مهنته كممثّل، ويعتزل التمثيل، ويتعهّد بعدم العودة إلى تلك الممارسات الممنوعة من قِبل الكنيسة[68]. غير أنّ هذا المجلس كان محصورًا بمنطقة جغرافيّة صغيرة، وبالتالي لم يكن لمراسيمه مفعولًا كبيرًا. هذا المفعول الذي تولّت وجهة النظر العامّة الخاضعة لوطأة معايير الكبت الجنسيّ، والحشمة المفرطة، وتأليه الزعمات السياسيّة، النابعة بدورها عن رجال الدين المتشدّدين، فرضه على معظم الناس. حيث بات ينظر إلى الممثّلين على أنّهم أشبه “بأدوات للشيطان، لعنة على الكنيسة، من شأنها أن تخدع النفوس المضطربة”[69]. بالتالي إنّ انغماس الإنسان المؤمن بالملذّات التي يتيحها المسرح من شأنه أن “يتعارض مع إنجاز العمل الجدّيّ الخاصّ بالحياة اليوميّة”، فكلّ شيء ممتع ومثير لطبيعتنا الدنيا، أيّ للشهيّة الحسّيّة، كان يعدّ من قِبل الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة، إغراءً يتوجّب تجنّبه. فالتورّط بالمتعة الجسديّة وما تتيحه الحواسّ من ملذّات كان يعدّ من أخطر أنواع التجارب التي يمكن للمرء أن يقع فيها[70]. من هذا المنطلق يمكننا أن نتوقّع مدى الأثر السلبيّ الذي قد يلحق بمهنة التمثيل نتيجة هكذا توجّه أيديولوجيّ تجاهها.
كلّ ذلك سيلقي بثقله بشكل كبير، في القرون التي ستتلو العصور الوسطى، على حقوق الممثّل المدنيّة، والأخلاقيّة حتّى الإنسانيّة، ويحرمه على السواء من الحصول على مردود مادّيّ من مهنته (كون الكنيسة بتلك التشريعات والتوصيات النابعة عن الكهنة والأساقفة كانت تدمّر سوق عمل الممثّلين، إذ توقّف العديد من الناس عن مشاهدة المسرح والممثّلين التزامًا بتوصيات كنيستهم وإيمانًا منهم بها. ما انعكس على سوق عمل الممثّل بشكل سلبيّ)[71]، كما التمكّن من إيجاد المساعدة من أجل ممارسة هذه المهنة – الشغف (إذ توقّف العديد من الناس عن التعامل مع الممثّلين من أجل تأمين احتياجات العرض والأداء؛ كالمسؤولين عن تدبير فضاء للعرض، أو الديكور من نجّارين، وغيرها من المستلزمات…)[72]. علاوة على ذلك فإنّ تلك القوانين والتشريعات والتوصيات العائدة إلى القرن الرابع ستجد تعزيزها بشكل كبير في عصري النهضة، والتنويريّ؛ إذ سنجد قانون وجوب اعتزال الممثّل لمهنة التمثيل، لكي يتمكّن من نيل مراسم الدفن، وغيرها من الحقوق الدينيّة والطقوسيّة (كالزواج، المعموديّة…)، يحظى بتطبيقاته الموثّقة الأولى؛ حيث تمّ على إثره حرمان الممثّل والمؤلّف المسرحيّ موليير[73] من المراسم الجنائزيّة الرسميّة والاعتياديّة، كونه لم يعتزل مهنته كممثّل قبل وفاته[74]. غير أنّ تدخّل الملك لويس الرابع عشر في هذه المسألة تمكّن من تدبير دفنه بشكل استثنائيّ. تماثلًا تمّ حرمان الممثّلة أدريان لوكوفرور[75] (والمعروفة بالآنسة لوكوفرور)، وبسبب رفضها الامتثال لهذا القانون الجائر بحقّ الممثّل، وبالتالي تقديم اعتزالها خطّيًّا لمهنة التمثيل الفاضحة قبل وفاتها، من مراسم دفنها الكنسيّة من قِبل رئيس دير “لانجيت دو جيرجي”. ما اضطر أقرباؤها في ليلة ٢٢ أيّار ١٧٣٠، وبسريّة وصمت، خوفًا من إحداث أيّ فضيحة، إلى وضع جثّتها العارية في حفرة على ضفاف نهر “السين” في فرنسا[76].
في حين توثّق حالة الممثّل تالما[77]، الاضهاد القانونيّ – الدينيّ الذي كان يطارد حياة الممثّلين، من حيث زاويّة الحقّ في الزواج؛ بحيث رفض الكهنة إقامة شعائر الزواج له من الآنسة “جولي كارو”، كونه “بقي مصرًّا على إدراج التمثيل كمهنته الفعليّة. في زمن كانت تعدّ هذه المهنة آثمة… فلم يكن بمستطاعه العثور على كاهن يقبل تزويجه”[78]. في نهاية المطاف اضطرّ إلى أنّ يسجّل نفسه، بوصفه بورجوازيًّا، بدلًا من ممثّل، كشرط لإقامة مراسم الزواج له.
اضطهاد وانتقاص عالميّ من حقوق الممثّل المعيشيّة، والدينيّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة، سيستمرّ مع تقدّم الزمن، وسيساهم في منع الممثّل من القدرة على الانخراط في المجتمع ليس فقط بشخصه إنّما بعائلته أيضًا[79]؛ حيث يظهر في القرن التاسع عشر في أميركا أنّ العار الواسم لمهنة التمثيل قد ألقى بثقله على أولاد من يمارسون هذه المهنة حيث “تمّ رفض قَبول أحد الأطفال في المدرسة فقط لسبب كون والديه مرتبطين بالمسرح”[80]. هذه الحالات الموثّقة وغيرها تعبّر عن واقع المعاناة التي كان يعيشها الممثّلون، نتيجة النظرة التدنيسيّة المتوارثة عبر العصور لمهنتهم، وما تتطلّبه من تجاوز، للأنماط والأشكال والقيم والمبادئ المألوفة واليوميّة والاعتياديّة، فكانت تلك النظرة تنتقص نتيجة ممارستهم المتجاوزة لطريقة العيش اليوميّ المألوفة، من قيمتهم الأخلاقيّة، والاجتماعيّة، والنفسيّة (ما أعادت إليه الاعتبار أبحاث العلوم العصبيّة الأخيرة كما سبق ورأينا سالفًا: {راجع مبحث ١-٢-٣} أعلاه، حيث أظهرت الأهمّيّة البالغة التي تحظى بها مثل هكذا ممارسة على الصعيد النفسيّ – الجسديّ)، فكانت تضعهم بشكل عامّ، والممثّلات النساء بشكل خاصّ، في مستويات مماثلة تمامًا لمستوى بائعات الهوى. هذه النظرة المنتقصة من قيمتهم التي على الرغم من تضاؤلها النسبيّ مع تقدّم الزمن، إلّا أنّها بقيت مستمرّة بأشكال وأساليب متنوّعة، حتّى يومنا هذا، غير محصورة فقط بالاعتبارات الدينيّة، أو الأخلاقيّة: من حيث مفارقة ممارسة المهنة، وفوضى سوق العمل؛ كالتجاوز للكفاءات، والشهادات، والتخصّصيّة، علاوة على النظرة الاستخفافيّة الساخرة لمهنة التمثيل… إلخ.
٣-٣-٤- وصولاً إلى وقتنا الحاضر
كلّ ذلك يضعنا أمام المحطّات التاريخيّة التي كانت توثّق الانحطاط الذي يوسم عمل الممثّل وبالتالي الممثّل نفسه، وعليه مهنة التمثيل. فإزاء مثل هكذا منظور تهميشيّ وتحقيريّ لهذا العمل، والمتوارث منذ الإغريق، سواء من خلال الثقافة، أو التقاليد، والمطبّق مع الرومان عمليًّا، وإجرائيًّا، والمشرّع دينيًّا وقانونيًّا كما في القرون الوسطى وعصري النهضة والتنوير، لا عجب أن نكون في القرن الحادي والعشرين لا زلنا نعاني من منظور مشابه لذلك السالف الموروث. حتّى وإن كان في عصرنا هذا ملطّف ومحاط بالطفرات التجميليّة.
أ- فالاختراقات المفارِقة لتخصّص المسرح وبالتالي التمثيل، في المعاهد الجامعيّة، وتمكّن غير المتخصّصين من ممارسة واجتياح مهنة التمثيل تحت أعين القانون والرقابة، حتّى تحت أعين، وبموافقة، الممثّلين أنفسهم (كما سيتبيّن معنا من خلال الدراسة الإحصائيّة التالية/ راجع المبحث التالي) هي شكل من أشكال التهميش، والتدنيس لهذه المهنة، وطريقة لوسمها بالانحطاط. وعليه وجه يضاف على أوجه تلك التراكمات التاريخيّة عبر العصور، المانعة لوجود مهنة للممثّل؛ فيُسمح بالتالي لأيّ كان وبشكل شرعيّ وعالميّ، وتحت حجّة التجريّد العبثيّ لمفهوم “الفنّ”، بأن يقوم بممارسة مهنة التمثيل دون أيّ اعتبار. من هنا قد تجد المفارقة المطروحة في هذا السياق تبريرًا تاريخيًّا لها.
ب- الاستخفاف، حتّى الازدراء بما يقوم به الممثّل من قبل المجتمع بشكل عامّ، وعدّ عمله مجرّد فكاهة، وتسلية، وترفيه. هو شكل آخر من التهميش المتوارث عبر العصور لهذه المهنة الخاصّة به. ففي هذا السياق لا يمكن إحصاء وفرة الروايات التي تُسرد على ألسن المتخصّصين في مجال المسرح والتمثيل، عن معاداة المجتمع الصغير الذي يعيشون فيه، لرغبتهم في خوضهم مثل هكذا مسار تخصّصيّ. لا بل إنّ العديد منهم يقدّم أوجه عديدة من الخلافات التي كانت تنشب مع عائلاتهم كونهم اختاروا الدخول في هذا الاختصاص. ما يمكن أن يعكس بقاء وجود تلك النظرة الدونيّة المتجذّرة في المجتمع تجاه هذا النوع من العمل.
ج- لا زلنا نشهد في عصرنا هذا على حاجة ماسّة عند الممثّل لكي يتمكّن من الحصول على عمل إلى أن يعتمد ليس على كفاءته وجدارته، إنّما على معايير الانتقاء الجنسيّ؛ فتكثر في هذا المجال العلاقات الغراميّة بين المخرج أو المنتج، والممثلة، أو العكس، حتّى يتسنّى لهذا الممثّل الحصول على هذا الدور أو ذاك. أو قد يجد الممثّل نفسه مضطرًّا للخضوع لعمليّات تجميل (تتعارض وليونته ومرونته المرتبطتان بجوهر ممارسته لفنّه، وتتماشى مع معايير الذوق الجنسيّ)، حتّى يتمكّن من زيادة احتمال حصوله على عدد أكبر من الأدوار، وبالتالي زيادة فرص عمله.
هذه النقاط وغيرها المعبّرة تارة عن الانتهاكات التي تحصل في مهنة التمثيل على الصعيد الأخلاقيّ، وتارة أخرى على التعدّيات المتواجدة على الصعيد الاقتصاديّ، وطورًا عن تلك المتعلّقة بأثر المهنة على المجتمع، كلّها قد لا تكون في الواقع سوى شكل آخر من أشكال النظرة الدونيّة لمهنة التمثيل، التي باتت متوارثة عبر العصور. أي إنّها تعبّر عن الممارسات الإجرائيّة للمنظور التهميشيّ، والتحقيريّ، الذي يشوب مهنة التمثيل من وجهة النظر العامّة إلى مجتمعنا بشكل عامّ، والمجتمع اللبنانيّ بشكل خاصّ، في القرن الحادي والعشرين. من هذا المنطلق وجدنا أنّه من الضروريّ وبالانطلاق من هذا التحليل التاريخيّ، أن نقوم بإجراء بحث استطلاعيّ يتناول عيّنة من المجتمع اللبنانيّ، الذين قصدنا أن يكونوا منقسمين إلى فئتين: من الممثّلين، ومن عامّة الناس، وذلك لكي يتسنّى لنا ملاحظة نقاط الاختلاف والتشابه، وتتبّع المتغيّرات (التخصّص الأكاديميّ في التمثيل، علاقة التخصّص الأكاديميّ بمتغيّرات أخرى، كنوعيّة الإنتاج وجودة العمل الفنّيّ، وجودة الأثر المتروك على المشاهد…إلخ، أو العكس: كأثر الممارسة العشوائيّة للتمثيل على انحطاط نفسيّة المجتمع وثقافته ونضوجه ، كما مهنة التمثيل، وفنّ الممثّل بحدّ ذاته…) المنشودة بشكل أدقّ.
٤- الدراسة الاستطلاعيّة
قمنا بإجراء بحث استطلاعيّ بواسطة استبيان مكوّن من ٢٢ سؤالاً مقفلاً[81]، تمّ توزيعه بواسطة برنامج جوجل فورم الرقميّ (google forms)، على عيّنة من ٢٠٠ شخص تقريبًا من المجتمع اللبنانيّ؛ منهم من الممثّلين الحائزين على شهادات أكاديميّة في اختصاص المسرح – السينما – التلفزيون، ومنهم من الممثّلين الذين لا يحملون شهادات جامعيّة في هذا الاختصاص، والبعض الثالث من المشاهدين لأداء الممثّل ضمن وسائل عروض متعدّدة (مسرح، سينما، تلفزيون). تمّ استخدام مقياس ليكرت (likert scale) في بعض الأسئلة بهدف إفساح المجال بشكل أكبر للمجيب عن السؤال، اختيار الإجابة التي تمثّله بشكل أفضل.
٤-١- النتائج والتحاليل والاستنتاجات
٤-١-٢- نسبة الرضى عن الأعمال الدراميّة المحلّيّة، والأجنبيّة
أ- يظهر الرسم البيانيّ التالي (الرسم البيانيّ ١) نسبة الرضى عند العيّنة المختارة عن الأعمال الدراميّة المحلّيّة:
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يدلّنا الرسم البيانيّ بأنّ نسبة الرضى على الأعمال الدراميّة المحلّيّة هي منخفضة عند معظم أفراد العيّنة. إذ يظهر بأنّ ٧٧٪ يتواجدون تحت درجة الرضى عن هذه الأعمال، وحيث إنّ ٣٦٪ قد عبّروا بأنّهم غير راضين، أو غير راضين نهائيًّا عن هذه الأعمال المحلّيّة. في حين بقي ٤٢٪ في درجة متوسّطة بين الرضى وعدمه. في المقابل تواجد فقط ٢١٪ ممّن عبّروا بأنّهم راضين ١٧٪، أو راضين جدًّا ٤٪ عن الأعمال الدراميّة المحلّيّة.
ب- يظهر الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٢) نسبة الرضى عند العيّنة المختارة، عن الأعمال الدراميّة الأجنبيّة:
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يظهر بشكل جليّ بأنّ نسبة الرضى على الأعمال المحلّيّة ليست مماثلة لنسبة رضاهم على الأعمال الأجنبيّة. فقد ارتفعت نسبة الرضى بشكل كبير عند هذه العيّنة تجاه الأعمال الدراميّة الأجنبيّة إلى ٨٤٪ بين راضين، أو راضين جدًّا. بحيث أنّ غير الراضين، وغير الراضين نهائيًّا، لم تتجاوز نسبتهم الـ٤٪. في حين قدّم ١٢٪ بأنّ الأعمال الأجنبيّة تحظى عندهم بنسبة رضى متوسّطة. هذا ما قد يدلّ على أنّ الأعمال الدراميّة المحلّيّة ليست عند حسن ظنّ الجمهور المتلقّي سواء كان متخصّصًا في التمثيل أو غير ذلك. لا بل إنّ العديد من هؤلاء عبّر وبصراحة عن عدم رضاه تجاه ما يعرض من أعمال دراميّة محلّيّة لحدّ الاستياء منها. هذا ما قد يشير إلى تواجد خلل ما في صناعة هذه الأعمال التي تقدَّم إلى المشاهد اللبنانيّ بشكل خاصّ. لا سيّما عند مقارنة نسبة هذه الرضى عند العيّنة نفسها، مع نسبة رضاهم على الأعمال الدراميّة الأجنبيّة.
فما هو هذا الخلل الأساسيّ الموجود في الأعمال الدراميّة المحلّيّة، الذي يجعل هذه الأخيرة محطّ استياء وتنغيص المتلقّين لها؟ ويحرمها من أداء وظيفتها السامية والمتجاوزة لليوميّة والاعتياديّة. الأهمّ، ما علاقة هذا الخلل بمهنة التمثيل، وحال هذه المهنة في لبنان؟ ما تأثير وعلاقة كلّ ذلك بماهيّة الشخص الممارس لهذه المهنة ومكانته؟ سواء من حيث الجوانب الاجتماعيّة، الاقتصاديّة، أو الأخلاقيّة؟ هذا ما سنسعى إلى توضيحه في المحاور التالية:
٤-١-٣- محور أثر التمثيل على المتلقّي:
٤-١-٣-١- شعور اللذّة خلال مشاهدة العمل الدراميّ: المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يُظهر الرسم البيانيّ التالي (الرسم البيانيّ ٣) ما إذا كانوا أفراد العيّنة يشعرون باللذّة خلال مشاهدة العمل الدراميّ أو لا.
يتبيّن بأنّ ٣٪ فقط من العيّنة لا يشعرون باللذّة عند مشاهدة الأعمال الدراميّة، في حين أنّ ٧٩٪ هم يشعرون باللذّة عند مشاهدة الأعمال الدراميّة سواء كان ذلك في المسرح، السينما، أو التلفزيون، وبغض النظر عن النوع الدراميّ (سواء أكان كوميديًّا، تراجيديًّ، رومنسيًّ… إلخ)، علاوة على أنّ ١٨٪ ربّما يكونوا يشعرون بتلك اللذّة خلال المشاهدة لهذه الأعمال.
هذا ما يدلّ على أنّ الأعمال الدراميّة هي قادرة فعليًّا، كما بيّنت لنا أبحاث العلوم العصبيّة (راجع مبحث ١ – ٢ – ٣ سالفًا)، على تحفيز نشاط محور المكافأة عند المشاهد لهذه الأعمال، وبالتالي المشاعر الإيجابيّة، على حساب نشاط محور القلق، والحزن، والخوف، وبالتالي المشاعر الوجوديّة السالبة. أيّ على توليد حالة نفسيّة – جسديّة إيجابيّة، وتعزيز سلامة صحّة الفرد، علاوة على توفير جوّ مؤاتٍ من أجل التعلّم بواسطة المحاكاة، واكتساب المعارف الجديدة. هذا ما من شأن نتائج السؤال التالي أن توافق عليه كما سنرى.
٤-١-٣-٢- تمكّن العمل الدراميّ من ترك أثر إيجابيّ مهمّ على حياة المتلقّي، وتصرّفاته
يبيّن الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٤) نسبة الأشخاص الذين تمكّن عمل دراميّ واحد على الأقلّ، سواء كان في المسرح، أو السينما، أو التلفزيون، من ترك أثر إيجابيّ مهمّ على حياته وتصرّفاته:
يظهر من خلال الرسم البيانيّ بأنّ ٧٧٪ من أفراد العيّنة، قد تمكّن عمل دراميّ على الأقلّ من ترك أثر إيجابيّ على حياتهم الخاصّة وتصرّفاتهم، في حين تواجد ٢٣٪ من العيّنة ممّن لم يتمكّن أيّ عمل دراميّ من ترك مثل هكذا أثر مهمّ مماثل.
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم
هذا ما من شأنه أن يتوافق مع نتائج السؤال السالف حول قدرة الأعمال الدراميّة على تعزيز الحالة الصحّيّة السليمة والإيجابيّة عند الجزء الأكبر من المشاهدين. هذا يعني بالإضافة إلى ذلك، أنّ الأعمال الدراميّة القائمة بشكل أساسيّ على أداء الممثّل، وبالتالي مهنة التمثيل، تحظى عند القسم الأكبر من أفراد العيّنة، بقدرة متجاوزة لمجرّد الترفيه والتسليّة البسيطة. فهي أيضًا قادرة على ترك أثر كبير على حياة الفرد الشخصيّة، كما وعلى سلوكه وتصرّفاته وإيماءاته. ما قد يتيح لهذه الأعمال التي ترتكز في أساسها على مهنة الممثّل، أن تكون عاملًا مؤثّرًا بشكل كبير على بناء شخصيّة الفرد. لا سيّما عند الشباب والمراهقين. من هنا أهمّيّة المسؤوليّة الكبرى التي تقع على عاتق العاملين في هذه الأعمال الدراميّة وبشكل خاصّ الممثّل. لماذا؟ هذا ما سنكتشفه في المحاور التالية. حتّى الآن يهمّنا أن نشير إلى مدى أهمّيّة أثر الأعمال الدراميّة، وبما ترتكز عليه من فنّ التمثيل، على المتلقّي وحياته الشخصيّة والاجتماعيّة. هذا ما تؤكّد عليه نتائج السؤال رقم ٧ (راجع الأسئلة في الملحقات)؛ حيث تبيّن بأنّ النسبة الأكبر من العيّنة ٤٧٪ هم بحاجة، أو بحاجة ماسّة إلى مشاهدة الأعمال الدراميّة. في حين اختار ٣٣٪ الحياد، أمّا من انتقى بأنّه لا يحتاج إلى مشاهدة الأعمال الدراميّة فكانت نسبتهم ٢١٪. مرّة جديدة نحن أمام تكرار التأكيد على أهمّيّة الأثر الإيجابيّ، والوجوديّ، الخاصّ بالأعمال الدراميّة القائمة بشكل أساسيّ على مهنة التمثيل، على صحّة الفرد النفسيّة – الجسديّة، الشخصيّة، والاجتماعيّة، عند النسبة الأكبر من العيّنة، وبالتالي القدرة التأثيريّة التجاوزيّة التي تحظى بها هذه الأعمال بشكل عامّ، ومهنة التمثيل بشكل خاصّ.
٤-١-٣-٣- أثر الأعمال الدراميّة على مستوى الإنتاج المهنيّ
يعرض الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٥) مدى قدرة المشاهدة للأعمال الدراميّة على تحسين مستوى الإنتاج المهنيّ عند الفرد.
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يُظهر الرسم البيانيّ بأنّ النسبة الأكبر من العيّنة ٤٤٪ انتقت بأنّ الأعمال الدراميّة هي قادرة على تحسين مستوى إنتاجها المهنيّ، أو تحسينه بشكل كبير جدًّا. بالمقابل وَجد ٢٧٪ منهم بأنّ مثل هكذا أعمال قد لا تؤثّر على مستوى إنتاجهم المهنيّ، أو أنّها لا تؤثّر بتاتًا. في حين اختار ٣٠٪ من العيّنة موقع التوسّط.
هذا ما قد يدلّ من جديد على أنّ الجزء الأكبر من العيّنة يمنح الأعمال الدراميّة قدرة متجاوزة لتلك المرتبطة بالفكاهة والترفيه، ويعطيها فضل التأثير على مستوى إنتاجه المهنيّ، وبالتالي على حياته الاقتصاديّة، وما يترتّب على ذلك من تأثير على التواصل والارتباطات مع المجتمع، والمحيط.
٤-١-٤- محور مهنة التمثيل وأثرها على الأعمال الدراميّة:
٤-١-٤-١- دور أداء الممثّل في نجاح العمل الدراميّ:
يظهر الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٦)، أهمّيّة الدور الذي يؤدّيه أداء الممثّل في نجاح العمل الدراميّ سواء كان مسرحيًّا، تلفزيزنيًّا، أم سينمائيّ.
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
من الجدير لحظه أنّ أغلبيّة العيّنة (٣٢،٧ + ٥٤،٥ = ٨٧،٢) ٨٧٪ وجدوا بأنّ أداء الممثّل يؤدّي دورًا في نجاح العمل الدراميّ، أو أنّه يؤدّي دورًا كبيرًا في نجاحه. بالمقابل ٤٪ فقط وجدوا بأنّ هذا الأداء قد لا يؤثّر على نجاح العمل الدراميّ. ما قد يدلّ على أنّ أداء الممثّل، وبالتالي مهنة التمثيل نفسها، وبالانطلاق من قدرتها الكبيرة في التأثير على نجاح الأعمال الدراميّة، هي بالتالي تؤدّي دورًا كبيرًا في التأثير الإيجابيّ على العالم النفسيّ – الجسديّ، والاجتماعيّ، والثقافيّ، والاقتصاديّ الخاصّ بالمتلقّي. هذا يأتي بالاستناد على النتائج الإحصائيّة السالفة التي عبّرت عن قدرة هذه الأعمال في إحداث آثار إيجابيّة على صحّة المتلقّي الشخصيّة، والاجتماعيّة، وإنتاجيّته المهنيّة. من هنا تظهر أهمّيّة هذه المهنة، وقدرتها، وإمكانيّاتها، بما تحتويه من ممارسة فنّيّة، كون الأثر الناتج عن هذا المجال يتخطّى مجرّد الترفيه، والتسليّة، والفكاهة، إنّما يمتدّ كما رأينا، إلى المساس بسلامة العالم الجسديّ النفسيّ عند الفرد، وعلاقاته المتبادلة مع المحيط، وبالتالي سلامة المجتمع ككلّ. لذا قد يكون من الأفضل والأسلم، أن يتمّ تحاشي التهاون في التعامل مع هذه المهنة، كما نشر الفوضى فيها، وذلك انطلاقًا من قدرتها التأثيريّة في المشاركين فيها، والمتلقّين لثمارها. إنّما يصار للعمل على تنظيمها؛ من خلال حصر ممارسة هذه المهنة بالمتخصّصين فيها فقط، إيمانًا بمعرفتهم، وكفاءتهم، وقدرتهم المتقدّمة في التعامل بحرص مع إمكانيّات هذا الفنّ واستخدامه على أفضل نحو، وبالطرق السليمة. والأهمّ، المساهمة في إنمائه، وتطويره نحو الأسمى، وتعزيز قدراته التجاوزيّة، من خلال المساهمات، والإضافات الواعية، والمحصّنة بالعلم، والدراسات، والتجارب العمليّة، التي يمكن أن ينتجها مجتمع الممثّلين المتفرّغين لهذا العمل، نتيجة التنافس الإيجابيّ، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من أثار إيجابيّة على المهنة، والمتلقّي.
٤-١-٥- محور التخصّص الأكاديميّ في مهنة التمثيل وأثره على أداء الممثّل وبالتالي الأعمال الدراميّة
٤-١-٥-١- دراسة المسرح وأثرها على نجاح أداء الممثّل
يعرض الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٧) آراء العيّنة حول مدى قدرة الدراسة التخصّصيّة ضمن مجال المسرح، في التأثير على جودة أداء الممثّل، وبالتالي على المهنة، وعليه، على الأعمال الدراميّة بشكل عامّ.
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يَظهر بأنّ معظم العيّنة ٧٨٪ تعتقد بأنّ دراسة المسرح من شأنها أن تؤثّر إيجابيًّا، أو أن تؤثّر إيجابيًّا بشكل كبير، على نجاح أداء الممثّل ونضوجه. بالمقابل يوجد ٨٪ فقط من العيّنة ممّن يعتقد بأنّ هذه الدراسة لن تؤثّر، أو أنّها لن تؤثّر نهائيًّا، على نجاح أداء الممثّل ونضوجه. في حين بقي ١٤٪ عند مستوى توسّطيّ بين التأثير وعدمه من قبل دراسة المسرح على أداء الممثّل. هذا ما قد يدلّ على أنّ التخصّص الأكاديميّ في مجال التمثيل، هو فعلًا قادر على تمكين الممثّل من تقديم أداء أفضل. ما يعني أنّ التخصّص الأكاديميّ في مجال المسرح من شأنه أن يساهم في نجاح مهنة التمثيل وإنضاجها. وعليه إنجاح الأعمال الدراميّة وإنضاجها التي (كما سبق ورأينا) يعتمد نجاحها بشكل كبير على عمل الممثّل وممارسته الفنّيّة. وبالانطلاق من أنّ هذه الأعمال الدراميّة تحظى بقدرة تأثيريّة كبيرة على سلامة صحّة الحياة الجسديّة – النفسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة الخاصّة بالمتلقي. يمكننا القول بأنّ التخصّص الأكاديميّ في مجال المسرح من قبل العاملين في مهنة التمثيل، قد يساهم بشكل كبير جدًّا، في تعزيز وإنماء الصحّة الجسديّة – النفسيّة، وإسماء الحياة المهنيّة، والاجتماعيّة، عند المشاهدين لهذه الأعمال الدراميّة. هذا ما ستثني عليه نتائج الأسئلة التعقّبيّة الأخرى حول أثر التخصّص الأكاديميّ من قِبل الممثّلين في مهنة التمثيل، على جودة الأعمال الدراميّة، وبالتالي عالم المتلقّي وصحّته. إذ سنكتشف من خلال الفقرة التالية إحدى أوجه هذه الآثار الإيجابيّة على أداء الممثّل، ومهنة التمثيل (وبالتالي الأعمال الدراميّة، من ثَمَّ المتلقّي)، التي من شأنها أن تنتج عن تلك التخصّصيّة في مجال المسرح.
٤-١-٥-٢- أثر التخصّص الأكاديميّ في المسرح على اللّعب المتبادل بين الممثّلين
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يعرض الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ٨) آراء العيّنة حول ما إذا كان التخصّص الأكاديميّ في مهنة التمثيل من قبل العاملين في هذا المجال، من شأنه أن يؤثّر على أداء زملائهم في التمثيل، بشكل إيجابيّ أم سلبيّ.
يظهر أنّ الأغلبيّة ٩٦٪ يرون بأنّ التخصّص الأكاديميّ من قبل الممتهن لممارسة التمثيل، من شأنه أن يعود بالنفع على أداء زملاء هذا الممثّل. في المقابل يجد ٤٪ فقط بأنّ مثل هذا التخصّص من شأنه أن يؤثّر سلبًا على أداء الممثّل المزامل. هذا ما قد يدلّ على أنّ التخصّص الأكاديميّ في مهنة التمثيل من قبل الممثّلين، من شأنه أن يساهم في نموّ، اللّعب التمثيلي المتبادل بين الممثّلين وإنضاجه، وتحسينه ما سيزيد من جودة أداء الممثّلين ونضوجه سواء على الصعيد الفرديّ (إذ سيتوافر للممثّل نوعيّة حضور مسرحيّ أفضل لتظاهر ممارسته الإجرائيّة الخاصّة بالتمثيل)، أو المتبادل والجماعيّ (بحيث سيكون المردود الأدائيّ الخاصّ بالممثّلين ككلّ أفضل وأنضج). وعليه، يطوّر مهنة التمثيل نحو الأسمى، من خلال خلق فضاء مثاليّ للعب الممثّل، يكون مؤاتيًا للاجتهادات الإبداعيّة الذاتيّة كافّة، حاضنًا وقادرًا على استيعاب كافّة الاختلافات التقنيّة، تتمكّن فيه القدرات الذاتيّة الدفينة، والأحاسيس الشخصيّة الإبداعيّة من التظاهر بشكل جريء، والتواصل مع الآخر، وحمله على اختبار تجربة مماثلة. فالواقع أنّ هذه النقطة من شأنها أن تفسّر لنا العديد من النقاط الأخرى: فما يمكن أن يساهم إيجابيًّا في تحسين أداء الممثّل هو نفسه قادر على أن يساهم تمامًا بشكل إيجابيّ في تحسين أداء زميل الممثّل، الذي يقوم على التخصّص الأكاديميّ في التمثيل. وبتعزيز أداء الممثّل نفسه، وأداء الممثّل المزامل له، يكون التخصّص الأكاديميّ قادرًا على ضمان تعزيز لعبة التمثيل بحدّ ذاتها؛ إذ إنّ ما يقوم به الممثّل على الصعيد التنفيذي الإجرائيّ لممارسة التمثيل، والعلاقة المتبادلة بينه وبين الممارسة التنفيذيّة الإجرائيّة الخاصّة بالممثّل الزميل، وما لهذه العلاقة من أبعاد وقدرة في التأثير على الممثّل نفسه: أداؤه الخاصّ، وعلى المشاهد المتلقّي بالوقت نفسه، كلّ ذلك قد يختصر إلى حدّ ما هذه اللّعبة الإجرائيّة التي يطلق عليها اسم التمثيل. بالتالي من خلال ضمان هذه اللعبة وتعزيز وجودها، يتعزّز وجود الممثّل، والعمل الذي يقوم به، وبالتالي الفنّ الخاصّ بهذا العمل. فتكتسب التجربة الفريدة التي تتيحها المشاركة في العمل الدراميّ (أكان ممثّل، أم مشاهد)، بناء على ذلك، مقدرة في التأثير بشكل أكبر على الإنماء والتطوير النفسيّ – الجسديّ السليم عند الإنسان، كما على سلامة حياته المهنيّة، والاجتماعيّة. بمعنى آخر من شأن هذا التخصّص الأكاديميّ للممثّل في مجال التمثيل، أن يتيح للأعمال الدراميّة، من خلال تطويره اللّعب المتبادل بين الممثّلين نحو الأسمى، زيادة قدرة هذه الأعمال على إحداث الأثر الإيجابيّ التجاوزيّ، على حياة المتلقّي الشخصيّة، المهنيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة.
هذا ما يثني عليه السؤال التعقّبي رقم ١٩ (راجع الملحقات للاضطلاع على الأسئلة)، بشكل مباشر، حيث ظهر بأنّ ٦١٪ من العيّنة يجدون بأنّ حصر ممارسة التمثيل بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في المسرح، من شأنه أن يثمر أعمالًا فنّيّة أفضل، سواء كان في المسرح، السينما، أو التلفزيون. هذا ما يكرّر بالتالي أهمّيّة دور التخصّص الأكاديميّ في مجال التمثيل، من قبل الممارسين لهذه المهنة، بهدف إنتاج أفضل مستوى ممكن من الأعمال الدراميّة، وبالتالي ترك أكبر فائدة ممكنة على حياة المتلقّي بتنوّعاتها كافّة. وعليه، عدم ترك ممارسة هذه المهنة متاحة، ومباحة لأيّ كان، مهما كان تخصّصه.
٤-١-٥-٣- تجسّد مفارقة مهنة الممثّل في النتائج الإحصائيّة للعيّنة المختارة
تعكس هذه النتائج وجود حالة من الوعي عند العيّنة المختارة، حول أهمّيّة دور الحصريّة في ممارسة مهنة التمثيل من قبل المتخصّصين في المسرح، كون ذلك من شأنه أن يعود على الأعمال الدراميّة بالنفع والجودة الأفضل، فيمنحها قدرة تأثيريّة أجدى، ويجعلها قادرة على زيادة نسبة رضاهم عليها بشكل أكبر. بالتالي فإنّ هذه التخصّصيّة في المسرح من قِبل الممثّلين، من شأنها (على حدّ اعتقاد معظم العيّنة) أن تعود عليهم (كمتلقّين) هم أنفسهم بالنفع، واللذّة، والرضى، وعليه، بالصحّة النفسيّة – الجسديّة، والحياة الاجتماعيّة، والمهنيّة، السليمة والإيجابيّة. حتّى هذا الحين، وعلى عكس الرأي العامّ السائد في العصور القديمة (الذي لم يكن ينظر بهذا الإجلال نفسه إلى هذه المهنة، والعاملين فيها)، يظهر بأنّه يوجد احترام وتقدير كبيرين لحصريّة ممارسة التمثيل من قبل الممثّل (كما سبق ورأينا) من جهة، ولشخص الممثّل، ومهنته، ونبل هذه المهنة – الفنّ، وأخلاقيّاتها من جهة أخرى. ففي هذا المجال الأخير تعبّر الرسوم البيانيّة التالية، عن مثل هذا الاحترام، والتقدير لهذه المهنة والممارسة الخاصّة بالتمثيل:
أ- مدى الاحترام والتقدير الذي تحظى به مهنة التمثيل عند الناس
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
فنجد من خلال هذا الرسم البيانيّ أعلاه (الرسم البيانيّ ٩) بأنّ معظم العيّنة ٨٥٪ تجد أنّ مهنة التمثيل هي غير مخلّة نهائيًّا، أو غير مخلّة، في الآداب العامّة. في حين تواجد فقط ٥٪ ممّن يعدّونها غير محترمة، أو مخلّة بشكل كبير في الآداب العامّة.
ب- مدى موافقة أفراد العيّنة، على احتمال تخصّص أحد أولادهم في مجال مهنة التمثيل
نجد من خلال الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ١١) بأنّ أغلبيّة العيّنة ٧٠٪ يشجّعون أولادهم على التخصّص في مجال التمثيل، ما إذا كانوا قد أرادوا ذلك. في المقابل تواجد ٣٠٪ من العيّنة ممّن أعربوا عن معارضتهم لمثل هكذا إرادة مفترضة من قبل أولادهم.
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يمكننا القول بأنّ موافقة معظم العيّنة وتشجيعهم على مثل هكذا قرار، لمن هم أولياء عليه، قد يعبّر مجدّدًا عن وجود نوع من الوعي المعاكس لذلك الذي قد تواجد عند الرومان، حيال ممارسة، واختصاص، ومهنة التمثيل، وبالتالي وعي محترِم ومقدِّر لهذه المهنة والشخص الممارس لها.
وعي يتأكّد وجوده مرّة أخرى من خلال النتائج التي يتيحها لنا السؤال التعقّبيّ رقم ١٨، حيث يتبيّن بأنّ معظم العيّنة ٥١٪ قد فضّلت أن يكون الانتساب إلى نقابة الممثّلين مشروطًا بحيازة الممثّل على شهادة أكاديميّة مرتبطة بهذا الاختصاص. مقابل ٢٨٪ ممّن وجدوا بأنّ هذا الانتساب إلى نقابة الممثّلين لا يجب أن يكون مشروطًا بذلك. في حين لم يتمكّن حوالي ٢١٪ من حسم خِيارهم تجاه هذا الموضوع. هذا ما يعبّر من جديد عن تواجد نوع من الاعتبار، والاحترام، والتقدير، عند معظم مكوّنات العيّنة، تجاه مهنة التمثيل. احترام واعتبار يدفعهم إلى الإيمان بضرورة وجود نظام نقابيّ لهذه المهنة، يسعى إلى تنظيم سوق العمل، وضبطه بمن هم متخصّصون في هذا الحقل، أسوة بالنقابات، والمهن الحرّة الأخرى. وعي يجعلهم مطمئنين، لا بل مشجّعين لمن يرغب من أعزّ ما على قلبهم، في خوض غمار هذه المهنة، والتخصّص فيها، وبالتالي أن يصبح ممثّلاً. ما يعكس احترامهم لشخص هذا الممثّل أيضًا.
غير أنّ المفارقة تكمن في السؤال السابع عشر؛ فحتّى هذا الحين يظهر بأنّ النتائج هي متجانسة، معبّرة عن وجود لوعي معاكس للوعي الشائع في العصور القديمة، وبالتالي مقدِّر، ومحترِم لشخص الممثّل، ومهنة التمثيل بشكل عامّ، ولاستقلاليّة هذه المهنة، وضرورة انتظامها، وانتظام العاملين فيها ضمن مجتمع خاصّ بهم، يعمل على تقدير الكفاءات، والخبرات، والمجهود الأكاديميّ المبذول، لممارسي هذه المهنة، فيصون حقوقهم، ويحول دون تجاوزهم، أو التعدّي عليهم، على مهنتهم، وأرزاقهم، من قبل متطفّلين، هاوين، متعطّشين للشهرة. هذا الوعي إذًا يصبح موضع شكّ مع السؤال السابع عشر، فيمسي مهدّدًا بالزوال، وبالتالي معبِّرًا بشكل دقيق عن وجه المفارقة الأساسيّة التي يعيشها الممثّل الفعليّ في مجتمعنا اللبنانيّ بشكل خاصّ، والمجتمعات العالميّة بشكل عامّ في القرن الحادي والحشرين، والتي يتمحور حولها بحثنا.
ج- رأي العيّنة المباشر حول حصريّة ممارسة التمثيل من قبل المتخصّصين أكاديميًّا في هذا المجال
يُظهر الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ١١) آراء المشاركين في العيّنة حول ما إذا كان يتوجّب على مزاولة مهنة التمثيل أن تكون محصورة فقط بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في هذا المجال، أم أن تكون هذه المزاولة لمهنة التمثيل، مفتوحة لأيّ كان، بغضّ النظر عن تخصّصه:
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
على عكس المتوقّع، وفي نوع من التناقض مع أغلبيّة الآراء السالفة حيال موقع، ومكانة، مهنة التمثيل، والممثّل كشخص، وبالتالي مع حالة الوعي المقدِّرة لهذه المهنة، على عكس حالة الوعي التي كانت سائدة في الأزمان السابقة، يظهر هنا أنّ النصف الأكبر من أفراد العيّنة ٥٨٪ قد اختاروا أن تكون ممارسة التمثيل كمهنة، أمرًا مفتوحًا أمام أيّ كان، وغير محصورة فقط بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في هذه المهنة. في المقابل تواجد مع ذلك نسبة جيّدة ٤٢٪ ممّن بقوا على انسجام أكثر مع آرائهم السالفة حيال هذه النقطة، وعدّوا بالتالي بأنّ هذا الامتهان لهذه المهنة يجب أن يكون محصورًا فقط بمن تخصّص أكاديميًّا فيها.
الواقع أنّ هذه النتائج، مقارنة مع نتائج الأسئلة السالفة في هذا المحور، تعكس واقع المعاملة المهنيّة التي يعاني منها الممثّل في أيّامنا الحاليّة، التي يتعاطى من خلالها المجتمع اللبنانيّ معه بشكل عامّ، وبشكل خاصّ المسؤولين القيّمين على حقوقه، وحقوق مهنته، واختصاصه، وما لهذه المهنة، والاختصاص من أبعاد أكاديميّة، وأخلاقيّة، وخبراتيّة. فمن جهة، نجد النظام القانونيّ/ الأكاديميّ/ الاجتماعيّ/ النقابيّ، يحترم الممثّل ومهنته، ويؤسّس له معاهد، وتخصّصات، وتفرّعات لهذه التخصّصات، كما نقابات، وقوانين، ومشاريع قوانين، ويقيم له الاحتفالات التكريميّة، إلخ… ومن الجهة الأخرى نجده يهين، ويزلّ، وينغّص، وينتهك حقوق الممثّل، ومهنته، وفنّه، وشغفه، وأتعابه، واستثماراته الماليّة، والزمنيّة، والأخلاقيّة، وبالتالي يحتقره كشخص، ويحطّ ممّا يقوم بفعله وممارسته، من خلال الاستخفاف بهذه الممارسة، وتسخير أهمّيّتها، وحقّ العاملين المتخصّصين فيها، وذلك عبر التخاذل، والتهاون، وافساح المجال لأيّ كان في ممارسة هذه المهنة. أيّ من غير المتخصّصين في مجال المسرح، والسينما، والتلفزيون.
هذا ما تعكسه تمامًا أغلبيّة العيّنة من خلال نتائج هذا السؤال، فنجدها تلتفّ على آرائها السابقة حول أهمّيّة التخصّصيّة في مهنة التمثيل، من أجل الحصول على أفضل أثر ممكن من الأعمال الدراميّة، وما إلى ذلك من نتائج بالغة في الأهمّيّة على الحياة النفسيّة – الجسديّة، الاجتماعيّة، والمهنيّة، الخاصّة بهم. لتتبنّى رأيًا مناقضًا يتخطّى هذه التخصّصيّة، ويتجاوزها، ويتيح بالتالي لأيّ كان امتهان ممارسة التمثيل كمهنة له، على حساب من نذر حياته لهذه الغاية. والواقع أنّ هذا الرأي ينبع إمّا عن جهل، أو عن إرادة باتت متوارثة منذ القدم حتّى يومنا هذا؛ فإمّا أنّ الأغلبيّة اختارت هذا الإفساح لأيّ كان في ممارسة مهنة التمثيل، كونها كانت جاهلة لما يمكن أن يترتّب عن هكذا خِيار، من تعدٍّ على شريحة من المجتمع (نذرت جهودها كافّة لاستثمارها في دراسة هذا المجال، وتطوير نفسها فيه)، وما يمكن لمثل هكذا خِيار أن يساهم في انحطاط مستوى هذه المهنة، وبالتالي جودة الأعمال الدراميّة، وعليه السلامة النفسيّة – الجسديّة، والاجتماعيّة، والمهنيّة، الخاصّة بهم كمتلقّين. أو أنّنا مجدّدًا نتواجد أمام إحدى أوجه تظاهرات الاضطهاد التاريخيّ لمهنة الممثّل، الذي بدأ منذ جمهوريّة أفلاطون، ووجد مهده عند الرومان، وفي قوانين العصور الوسطى. فحتّى ولو أنّ هذه التظاهرات في هذا المكان، تأخذ شكلًا أخفّ عنفًا ووضوحًا، مما كانت عليه في الماضي البعيد، إلّا أنّها تبقى مع ذلك عبارة عن انتهاكات، وتعدّيات، وتجاوزات، تصبّ في المنظور الاضطهاديّ – التحقيريّ لجوهر ممارسة الممثّل، وصلب فنّه، وبالتالي مهنته. فيأخذ في هذا الزمن شكلًا مختلفًا أذكى، ومتماهٍ مع التطوّرات التي خضع لها البشر والحجر. فيسخر من جدّيّة ما يقوم به الممثّل، ويستخفّ بأثر ما يقوم به، ليبرّر هجومه عليه، ويترك الفوضى تعمّ في هذه المهنة، وعليه يحول دون تطوّرها. لا بل نجده ينجح في لبنان بحسب ما بات يعرض على التلفزيونات، وفي معظم صالات السينما، وفي العديد من المسارح، من إنتاجات دراميّة محلّيّة، وبحسب نسبة الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في المسرح العاطلين عن العمل في مهنة التمثيل منذ أكثر من عشر سنوات… نقول نجده ينجح في هجومه التدميريّ والتحقيريّ لفنّ الممثّل، ومهنة التمثيل. فقد تمكّن من فرض نفسه على الرأي العامّ، والقانون، والنقابات المعنيّة بشؤون الممثّل، فبرّر وحلّل تحت اسم الفنّ انحطاط الفنّ نفسه، وبالتالي تمكين أيّ شخص كان، تجاوُزْ مسار الإعداد الأكاديميّ والمهنيّ، الذي ترسيه، وتحتضنه الجامعات الكبرى (وبالتالي تخطّي من خاض غمار هذا المسار)، واتّخاذ التمثيل مهنة له، ومزاولتها بشكل دائم، سواء بشكل حصريّ، أو إلى جانب مهنته الأساسيّة الأخرى. أيّ من الاستفادة ماديًّا ومعنويًّا، من هذه المهنة، وتحصيل لقمة العيش والتطوّر المهنيّ، على حساب أهلها الشرعيّين. فنجح هذا المنظور الذي يجد في عمل الممثّل وممارسته الفنّيّة انحطاطًا، وعار، ومن خلال سفسطائيّيه، في الحدّ من القدرة الفعليّة التي كان من الممكن أن يحظى بها، لو أتيح له الانتظام الفعليّ. بالتالي تمكّن من إيقاف تطوّر عمل الممثّل، وممارسته الفنّيّة، ومهنته، وعليه الأعمال الدراميّة، وما لهذه الأعمال/ اللّغة الشاملة، من قدرات جبّارة في بناء المجتمعات والحضارات، وهدمها.
كلّ ذلك الانهزام لمهنة الممثّل، وبالتالي انتصار المنظور التهميشيّ التسخيفيّ لهذه المهنة، يظهر في نتائج الأسئلة التي هدفت إلى التحقّق من وضع مهنة التمثيل في لبنان، على المستوى المادّيّ، والمعنويّ:
٤-١-٦- محور حالة مهنة التمثيل في لبنان من حيث المنظور الاجتماعيّ والاقتصاديّ
٤-١-٦-١- مدى قدرة مهنة التمثيل على تأمين لقمة العيش
يعبّر الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ١٢) عن نتائج آراء العيّنة حول مدى إمكانيّة الاعتماد على مهنة التمثيل لتأمين لقمة العيش:
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يظهر بأنّ معظم الآراء ٥٢٪ قد اختارت بأنّ مهنة التمثيل في لبنان لا يمكن الاعتماد عليها ٢٧٪، أو لا يمكن الاعتماد عليها نهائيًّا ٢٥٪، لتأمين لقمة العيش. بالمقابل وجد ٢٠٪ بأنّ مهنة التمثيل يمكن الاعتماد عليها ١٣٪، أو يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير ٧٪، لتأمين لقمة العيش. في حين بقي ٢٧٪ في مكان توسّطيّ بين عدم تمكّن مهنة التمثيل من تأمين لقمة العيش، وتمكّن هذه المهنة من القيام بذلك. هذا ما قد يعكس بطبيعة الحال واقع هذه المهنة عند معظم الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في هذا المجال، فيعبّر عن عجزها في تأمين لقمة عيش معظم هؤلاء. لا سيّما عندما نجد بأنّ هذه النسبة المعبّرة عن عدم تمكّن هذه المهنة من تأمين لقمة العيش، ترتفع بشكل كبير، ما إذا قارنّا بين نسبة هؤلاء الحائزين على شهادات جامعيّة في مجال مهنة التمثيل، الذين اختاروا بالوقت نفسه هذا الخِيار.
مهنة تحظى بهذه الأهمّيّة، وهذا التأثير الإيجابيّ الكبير على حياة الأفراد والمجتمع، نجدها عاجزة عن تأمين حياة العاملين فيها، وبالتالي دفع الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا، والقادرين على تطوير هذه المهنة نحو الأسمى، وبالتالي التأثير إيجابيًّا على الأعمال الدراميّة، وعليه على حياة المتلقّي، نحو الاستمرار في هذا العمل وهذه المهنة. فنجدهم يلجؤون إلى العمل في أيّ شيء آخر هاجرين مواهبهم، وخبراتهم، وكدحهم الأكاديميّ، واستثماراتهم في هذا المجال. ما يترك هذه المهنة مباحة للمرتزقة على هذا الفنّ (الذين يرضون بأيّ شيء يقدّم لهم كون مدخولهم لا يعتمد على مردود هذه المهنة)، ويحطّ من جودة الأعمال الدراميّة، وتباعًا من المستوى الثقافيّ، والمهنيّ، والاجتماعي، والإدراكيّ، الخاصّ بالمتلقّي.
هذا في الواقع ما يعبّر عن انتصار المنظور الاضطهاديّ التحقيريّ للممثّل (والمتوارث منذ العصور القديمة) ولما يقوم به من ممارسة فنّيّة، وبالتالي لمهنة التمثيل، من خلال ضرب الحياة الاقتصاديّة لهذه المهنة، ومنع الممارسين الشغوفين لها، إمّا من التخصّص فيها، أو من المضيّ قدمًا بهذا الاختصاص. فينجح هذا المنظور في كبح إمكانيّة هذه المهنة من أداء وظيفتها الفعليّة، والأهمّ حصول تطوّر جدّي فيها، وبالتالي في الأثر الذي يمكن أن تتركه عند المتلقّي. ليتمكّن من إبقائها عند حدود الهواة، والانحطاط، والممارسات العَرضيّة. فيكون بذلك قد تمكّن من ضرب صورة الممثّل الفعليّ، ووصمه، ووصم مهنته بالعار والانحطاط، والسفاهة.
٤-١-٦-٢- مؤشّر نسبة الرضى حول الأعمال الدراميّة المحلّيّة مقارنة بتلك المتعلّقة بالأعمال الأجنبيّة
ما يعبّر أيضًا عن الانحطاط اللاحق بالممثّل وبالتالي بمهنته، ويدلّ على انتصار المنظور الهادف لاضطهاده وتهميشه، والأهمّ تهميش الممارسة التجاوزيّة التي يقوم بها، هو هذا المؤشّر الخاصّ بنسبة الرضى المنخفضة جدًّا عند معظم العيّنة وما تمثّله في المجتمع اللبنانيّ، تجاه الأعمال الدراميّة المحلّيّة (راجع الرسم البيانيّ ١). نسبة منخفضة من شأنها أن تَظهر بشكل أجلى ما إذا قارنّاها مع نسبة رضاهم حيال الأعمال الدراميّة الأجنبيّة (راجع الرسم البيانيّ ٢). فتعبّر بشكل أفضل عن الخلل اللاحق بالأعمال الدراميّة بشكل عامّ، وفي لبنان بشكل خاصّ، لتشير من خلاله إلى الخلل المتواجد فيما ترتكز عليه هذه الأعمال بشكل أساسيّ. أي إلى عمل الممثّل وممارسته الفنّيّة التي لا يمكن فهمها من خارج إطار مهنته كممثّل. بمعنى آخر هي تشير مباشرة إلى الخلل المتواجد في مهنة التمثيل بشكل عامّ. لا بل بشكل محدّد إلى الجودة المتدنّية التي وصلت إليها هذه المهنة وما تحتويه من ممارسة فنّيّة. ما يفتح بالتالي أمامنا إمكانيّة تأويل سبب هذا الانحطاط الذي تبيّن بأنّه يعود للفوضى اللاحقة بحصريّة مزاولة المهنة. أي بالجانب الأخلاقيّ والاقتصاديّ الخاصّ بالممارسة الاجرائيّة للتمثيل، وليس في الممارسين المتخصّصين أكاديميًّا فيها وممارسة هؤلاء للتمثيل. إنّما في الممارسين غير الشرعيّين الذي شوهوا الممارسة نفسها؛ فمن خلال هذه الفوضى “المبرّرة”، و”الذكيّة”، أي من خلال الإهمال العمديّ أو “العفويّ” والمنظَّم، لحصريّة مزاولة المهنة، وضرورة شرطها بالكفاءات الأكاديميّة اللازمة، وبالتالي بسبب إفساح المجال لكلٍّ وأيٍّ كان، اتّخاذ التمثيل مهنة له، نجح المنظور التهميشيّ الاضطهاديّ للممثّل، ولممارسته ولمهنته، في إبقائهم ضمن وصمة موازية ومرادفة، للعار والانحطاط الواسم للهيستريون عند الرومان. بالتالي في منع الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا من الحصول على الفضاء المؤات لتطبيق ممارستهم الفنّيّة التجاوزيّة، والدخول بواسطتها مع الجمهور في علاقة تواصليّة تهدف لإثقالها، وتحميلها الاجتهادات الشخصيّة، وإضافة الأفعال، والخبرات الارتجاعيّة التي يمكن أنّ تحصّلها الممارسة العمليّة، ضمن فضاء موائم، يصونه ويُنصفه القانون، وبالتالي يتيح للممثّل المتخصّص في هذا المجال العودة إلى هذه الممارسة، وإلى مهنة التمثيل، بالفائدة والتطوير والإنماء. وعليه، بأعمال دراميّة أنجع وأسمى تتولّى تحقيق قدراتها التجاوزيّة، ونقل المشاهد لحالة مماثلة.
وكنتيجة لهذا الإجهاض تظهر معظم الأعمال الدراميّة المحلّيّة بما هي عليه، ويتبرّر معها مستوى الرضى المتدنّي عند الجمهور المتلقّي. لا بل يتبرّر معها، ومع ما تقوم عليه من ممارسة فنّيّة، ومن مهنة للممثّل، المستوى الثقافيّ، والتواصليّ، والعلميّ، والاقتصاديّ، عند جزء كبير من الشعب اللبنانيّ، علاوة على مستوى الصحّة النفسيّة – الجسديّة الخاصّة بهم.
هذا ما قد يعبّر عنه بالأرقام الرسم البيانيّ التالي، فيشير إلى جانب أجرائيّ، أساسيّ ومهمّ، لسبب هذا الانحطاط في ممارسة التمثيل، وبالتالي في مهنة الممثّل، وعليه في الأعمال الدراميّة، وأثرها على المتلقّي.
٤-١-٦-٣- مدى إنصاف عمليّات انتقاء الممثّلين وفق تجارب الأداء، للانخراط في سوق العمل
يُظهر الرسم البيانيّ أدناه (الرسم البيانيّ ١٣) نتائج آراء العيّنة حول مدى صوابيّة وإنصاف عمليّات انتقاء الممثّلين وفق تجارب الأداء، التي يصار على أساسها اختيار ممثّل محدّد من بين مجموعة ممثّلين، لأداء دور معيّن في فيلم سينمائيّ، أو مسلسل تلفزيزنيّ، أو مسرحيّة:
المصدر: إعداد الباحث باستخدام برنامج جوجل فورم.
يدلّنا هذا الرسم البيانيّ بأنّ أغلبيّة آراء العيّنة ٩٠٪ قد وجدوا بأنّ هذا الانتقاء للممثّلين وفق تجارب الأداء، الذي يحصل في لبنان، هو دون المنصف. حيث تواجد ٣١٪ ممّن عدّوا بأنّه غير منصف نهائيًّا، و٢٧٪ ممّن وجدوا بأنّه غير منصف، و٣٢٪ ممّن اختاروا درجة التوسّط بين المنصف، وغير المنصف. في المقابل تواجد فقط ١٠٪ من العيّنة ممّن عدّوا بأنّ هذا الانتقاء يتمّ بإنصاف ٧٪، أو أنّه يتمّ بإنصاف ممتاز ٣٪.
هذا ما قد يشكّل مؤشّرًا لإحدى الأشكال الإجرائيّة للفوضى المنظّمة، وبالتالي الاضطهاد المتوارث عبر العصور لمهنة التمثيل، وشخص الممثّل، وبشكل خاصّ لتخصّصه الأكاديميّ في هذه المهنة. فيبرّر إحدى أسباب الانحطاط اللاحق في مهنة التمثيل، وعليه في الأعمال الدراميّة، وما لهذه الأعمال من أثار على المتلقّي. إذ يبرز انتصار هذا المنظور الاضطهاديّ للممثّل، ولممارسته، ولمهنته، وبالتالي للأعمال الدراميّة بشكل عامّ، على حساب القدرة التأثيريّة الفعليّة، والمتجاوزة لليوميّة، التي يمكن أنّ تتركها هذه المهنة على الفنّ، والمجتمع، والإنسان، التي يمكن أن تتيحها حصريّة الممارسة لهذه المهنة من المتخصّصين أكاديميًّا في هذا المجال. بالتالي من خلال حصر هذا الانتقاء للممثّلين وفق تجارب الأداء، بمن هم فقط من حملة الكفاءات الأكاديميّة. القادرين ليس فقط على أداء دور ما بطريقة جيّدة، ونيل إعجاب، أو استحسان شخص ما هنا، أو شخص آخر هناك (وبالتالي الممثّلين المرتزقين على مهنة التمثيل، أو العاملين المتطفّلين على هذه المهنة، أو هواة الشهرة، أو غير الكفؤين أكاديميًّا. هؤلاء الذين يتوجّب استبعادهم عن سوق العمل، وعضويّة نقابات التمثيل، كخطوة إصلاحيّة أولى لمهنة التمثيل)، إنّما القادرين على تخصيص حياتهم بشغف لهذه المهنة فقط، والأداء ليس لنيل الاستحسان، وقناعة الآخرين وحسب، إنّما الأداء بوعي لتحقيق الذات المطلقة، وتكوين تجربة واعية يمكن البناء عليها لدراسات مستقبليّة بغية فهم هذا العالم التجاوزيّ، فتعود بالنفع على الممثّلين الآخرين، كما وعلى المشاهدين. الأداء بإدراك لما يقوم به المؤدّي وفهمه، وللأثر الذي يمكن أن يتركه في ماهيّة وكيفيّة، ونوعيّة، وكميّة هذه الإيماءة، أو الحركة، أو الصوت، أو الكلمة، على المشاهد من جهة، وعلى فنّ الأداء من جهة أخرى. فيمسي كلّ أداء في هذا السياق خطوة إضافيّة، خطوة تجريبيّة، خطوة بحثيّة، تسعى إلى تسليط الضوء العلميّ على ممارسة تجاوزيّة، هي ممارسة التمثيل، وبالتالي المساهمة من خلال ذلك في محاولات إخضاعها للعلم، والوعي، فالسيطرة والتحكّم. ليعود ذلك بالنفع ليس فقط على المجتمع المتلقّي، إنّما أيضًا على المجتمع المؤدّي، أي على الممثّلين بأسرهم، وبالتالي على مهنة التمثيل. فيساهم في إنمائها، وتطويرها نحو الأسمى، ونحو فعاليّة أكبر، ومنحها إمكانيّات متقدّمة أكثر، ليجعلها مهنة مجدية أكثر، سواء في ممارستها أو في تلقّيها، وذلك من كافّة النواحي الشخصيّة، الاقتصاديّة، والاجتماعيّة… مهنة يعيد من خلالها للأعمال الدراميّة المتعدّدة قدرتها الإصلاحيّة، والعلاجيّة، والتجاوزيّة.
٤-٢- استنتاجات عامّة حول الدراسة الإحصائيّة
أ- يظهر أنّ معظم أفراد العيّنة يدركون حسّيًّا مدى أهمّيّة الأعمال الدراميّة على حياتهم الشخصيّة، والاجتماعيّة، والمهنيّة. فهذه الأعمال هي قادرة على إثارة محور اللذّة عندهم، وخلق حالات نفسيّة – جسديّة سليمة وصحيّة، وإيجابيّة، كما على صناعة سلوكيّاتهم، وتصرّفاتهم، الفرديّة، والمتبادلة بين بعضهم البعض، وترك خبرات بالغة في الأهمّيّة على طريقة معالجتهم للأمور الحياتيّة، وفهمهم لذواتهم وللمحيط الذي يعيشون فيه.
ب- تبيّن بأنّ النسبة الأكبر من العيّنة التي تعتقد بأنّ أداء الممثّل يؤدّي دورًا كبيرًا في نجاح العمل الدراميّ، تعتقد بالوقت نفسه بأنّ حصر مهنة التمثيل في الممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا من شأنه أن يجعل أداء الممثّل أفضل وأنضج، كما أن يثمر أعمالًا فنّيّة أفضل. بالتالي إنّ أداء الممثّل المتخصّص أكاديميًّا في التمثيل، سيعود بالنفع الكبير على جودة أداء الممثّل وبالتالي مهنته، وعليه تعزيز قدرة هذه الأعمال الدراميّة في التأثير بشكل إيجابيّ أكثر على صحّة الفرد والمجتمع. فيجعلها قادرة على إحداث لذّة أكبر، وبالتالي ترك أثر أكبر على ثقافة المتلقّي وحياته الفرديّة والاجتماعيّة، والاقتصادية. أي إنّ نجاح الأعمال الدراميّة يرتبط بمدى تطوّر هذه الممارسة الجوهريّة الخاصّة بالممثّل، ومدى نجاحها، ونضوجها، واللذان يعتمدان على مدى تخصّصيّة هذا الممثّل العمليّة والأكاديميّة في حقله المهنيّ. بالتالي يظهر بأنّ الأمر هو عبارة عن حلقة متتابعة، تبدأ بأهمّيّة الدراسة، والتخصّص الجدّيّ في التمثيل، الذي من شأنه في معظم الأحيان أن يُنضج أداء الممثّل، وبالتالي ممارسته الجوهريّة، ومهنته كنتيجة، وعليه يؤدّي إلى إنتاج نوعيّة أعمال دراميّة أفضل، من شأنها أن تترك آثارًا ناجعة أكثر على المتلقّي، حياته الفرديّة، ثقافته، وعلاقته المتبادلة مع الآخرين. بكلمات أخرى، من خلال هذا التخصّص الأكاديميّ في مهنة التمثيل، يتمكّن الممثّل من إنضاج ممارسته الخاصّة، وتعزيزها وإنمائها، وبالتالي لعبته الأنثروبولوجيّة الفريدة التي تقوم عليها هذه الممارسة. فيتسنى له تطوير هذا الفنّ نحو الأسمى.
ج- على الرغم من كلّ ذلك الإدراك لأهمّيّة عمل الممثّل ومهنته، والأثر الذي يمكن أن يتركه على الفرد والمجتمع، من خلال الفنّ الدراميّ الذي يؤدّي المحور الأساسيّ الخاصّ به، إلّا أنّه تبيّن مع ذلك وعلى عكس حالة الوعي السالفة، المعاكسة نسبيًّا لنظرة الشعب الرومانيّ لمكانة احترام الممثّلين آنذاك، تبيّن وجود رأيّ عامّ مشترك منتقِص ومعادٍ لمهنة التمثيل، وشخص الممثّل، وبالتالي ممارسته الفنّيّة الجوهريّة. هذا الانتقاص وجدنا أنّه نابع إمّا عن جهل في واقع مهنة الممثّل، أو عن إرادة متوارثة هادفة إلى تحقير وتنغيص ماهيّة عمل الممثّل، وممارسته المهنيّة، ومن وراء ذلك وجوده كشخص مختلف عن اليوميّ، ومتجاوز للاعتياديّ، والمبتذل، والمألوف. فوجدنا هذا التعدّي يهدف إلى الحدّ من تطوّر فنّ الممثّل ونضوجه، وعليه، من تواجد أعمال دراميّة محلّيّة قادرة على تجاوز مجرّد الابتذال، والاستهلاك المادّيّ، وتمرير الوقت. أعمال قادرة على القيام بوظيفتها الطبيعيّة، وبناء المجتمعات، وتعزيز الوعي الفرديّ، والجماعيّ، وإسمائهما.
د- هذا التعدّي والتجاوز لحقوق الممثّل، ومهنته، ومسيرته الأكاديميّة، والخبراتيّة، والمعنويّة، هو مترجم على أرض الواقع من خلال حالة الوضع المادّيّ للممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا، أو من خلال حالة معظم الأعمال المحلّيّة التي تعرض على شاشات التلفزة، وفي صالات السينما، وعلى بعض المسارح. كما من خلال نسبة الرضى عند المتلقّي لهذه الأعمال الدراميّة المحلّيّة، مقارنة مع نسبة الرضى عند المتلقّي نفسه للأعمال الأجنبيّة. بالإضافة إلى رأي معظم أفراد العيّنة حول موقع مهنة التمثيل، مقارنة مع المهن الحرّة الأخرى. كما قدرة هذه المهنة على تأمين لقمة العيش للعامل فيها. والأهمّ، من خلال آراء العيّنة حول طرق انتقاء الممثّلين وفق تجارب الأداء؛ فالأغلبيّة التي عدّت التخصّصيّة في مجال المسرح، والتمثيل هي ضروريّة لقيام الفنّ الناضج، والفعال إيجابيًّا على المتلقّي (وذلك كما تبيّن في نتائج الأسئلة ٩، ١٤، ١٨، ١٩، ٢٠)، هي تعدّ في الوقت نفسه (السؤال رقم ٢١) بأنّ انتقاء الممثّلين للأدوار الدراميّة يتمّ من دون مراعاة لحقوق الممثّل المتخصّص. بالتالي تأتي النتائج منسجمة فيما بينها، ومتواترة، حول متغيّر التخصّصيّة الأكاديميّة في مجال التمثيل، وعلاقة هذا المتغيّر بذلك الخاصّ بجودة الأداء، وجودة الأثر الفنّيّ. بالتالي بدل أن يستند هذا الانتقاء إلى الممثّلين على أساس الخبرة والكفاءة والتخصّصية الأكاديميّة، نجده يرمي تحت حجّة “الفنّ” كلّ تلك المبادئ الضروريّة لنموّ الفنّ نفسه. فينتهك بذلك ليس فقط الجانب الأخلاقيّ للمهنة؛ إذ يسمح لأيّ شخص كان الانخراط في مهنة الممثّل، إنّما أيضًا جانبها الاقتصاديّ؛ إذ يحرم العديد من الممثّلين من لقمة عيشهم، ويقلّل بذلك عليهم فرص العمل المتاحة لهم، والأهمّ أنّه ينتهك الجوهر الأساسيّ الخاصّ بلعبة التمثيل، وفنّ الممثّل؛ فيضرب بعرض الحائط لعبة التغيّر، والتحوّل المؤّقتة والمميّزة لأداء الممثّل التي عبّر عنها شيشنر[82]، من خلال مفهوم الانتقال المؤقّت [83]transportation. وذلك من خلال تخطّي تلك الحاجة لمثل هذه العمليّة التحوّليّة الفنّيّة المميّزة لعمل الممثّل، وإحلال عمليّة الانتقاء الفوضويّة مكانها؛ فعلى سبيل المثل، بدل إجبار الممثّل على بذل المجهود في ممارسته الفنّيّة لكي يتمكّن من التحوّل إلى دور محدّد، وأداءه (وما يمكن لمثل هكذا ممارسات أن تعود بالنفع على خبرة الممثّل نفسه، وعلى مهنة التمثيل بالوقت نفسه، سواء كان ذلك في حالات نجاح عمليّة التحوّل تلك: حيث من الممكن هنا أن تعزَّز الآليّة الإجرائيّة التي أدّت إلى هذا النجاح، ويصار إلى تعميمها للاستفادة منها، وإفادة الممثّلين الآخرين، ومهنة التمثيل. أو حتّى في حالات فشل عمليّات التحوّل: إذ إنّ مثل هذا الفشل من شأنه أن يدفع بالممثّل المتخصّص إلى محاولة معرفة أسبابه لمعالجته، وبالتالي تجنيب الممثّلين الآخرين الوقوع به، وعليه، تطوير مهنة التمثيل على نحو متوازٍ) يصار إلى تخطّي جوهر ممارسة الممثّل، وانتقاء أيّ شخص من الحياة اليوميّة مشابه قلبًا وقالبًا لهذا الدور من أجل القيام بأدائه: كاختيار طبيب فعليّ لأداء دور طبيب، أو نجّار لأداء دور النجّار… إلخ. ما ينسف لعبة التمثيل برمّتها، ويعود على مهنة التمثيل بالضرر، والإلغاء لخصوصيّاتها، ومميّزاتها، وجوهرها.
كلّ تلك المتغيّرات عبّرت عن الإذلال الذي لا زال يمارس بحقّ الممثّل ومهنته، والذي وجدنا بأنّه يأخذ شكلًا أقلّ عنفًا، وأكثر دهاءً في عصرنا الحاليّ عمّا كان عليه في العصور القديمة. فيبرّر بالتالي الاستخفاف بمهنة التمثيل واستسهالها، واستسخافها. وعليه، خلق رأي عام حول حقّ أيّ كان من مزاولتها كمهنة له، وبالتالي التعدّي على مسار التخصّص، والمتخصّصين فيه. ما قد يثمر إعاقة لنموّ هذه المهنة، ومن ورائها فنّ التمثيل وممارسة الممثّل الجوهريّة، ويحول دون تمكّنها من أداء وظيفتها الفعليّة، والتجاوزيّة.
٥- الخاتمة
انطلاقًا من قدرة الأعمال الدراميّة في التأثير بشكل كبير على الحياة النفسيّة – الجسديّة، الإجتماعيّة، الثقافيّة، والاقتصاديّة، للمشاركين فيها سواء من مقاعد التلقّي أو الصناعة لها، كما أثّرت هذه الأعمال على تطوّر هذه الجوانب ونموّها ونضوجها وغيرها. حيث بات يتواجد أدلّة اختباريّة تشير إلى مدى قدرة الخواصّ التحويليّة المتواجدة في اللّعب التمثيليّ على تحفيز محور اللذّة عند الإنسان، وزيادة استعداديّة التعلّم بواسطة المحاكاة، واكتساب خبرات جديدة، وبالتالي تحفيز عمليّة اللدونة العصبيّة، والمساهمة في إعادة بناء تشابكات جديدة، معزّزة، وبالتالي إنسان أفضل، وبالانطلاق من قدرة أداء الممثّل بشكل خاصّ وأساسيّ، وبالتالي مهنة التمثيل في إنجاح، أو إفشال، هذه الأعمال الدراميّة، ومنحها تلك القدرة التجاوزيّة، وتفعيل إمكانيّاتها الاستثنائيّة في التأثير على الآخر، وإحداث التأثيرات التحويليّة، والعلاجيّة، والإنمائيّة، والتثقيفيّة، والتعليميّة، والترفيهيّة…، باختصار توليد حالة من التوازن الحيويّ المحايد، والسليم، والموجب عند المشارك والمتشارك. بالتالي انطلاقًا من الحاجة الماسّة لأن تكون مهنة التمثيل خليّة نحل قادرة على تطوير الممارسة التي تقوم عليها وإثقالها، فتكون حاضنة لأداء ممثّل متقدّم، ومدروس وواعٍ ومثاليّ، من أجل التمكّن من الحصول على الأعمال الدراميّة الجيّدة القادرة على إنتاج هذا الأثر المرجوّ. وكغاية لذلك، خاضعة بموجبه لانتظام الانتقاء الأكاديميّ والعلميّ، الذي سيتولّى تحقيق هذه المَهَمَّة، من خلال حصره مزاولة المهنة لصالح الذين كرّسوا حياتهم المهنيّة والأكاديميّة، والإجتماعيّة لها. ما سيكثّف من التراكمات المتعلّقة بخبرات وتجارب الممثّلين واجتهاداتهم العمليّة، والعلميّة، والأكاديميّة. فتزداد احتمالات وجود الأداء الجيّد والناضج، وتقلّ تلك الخاصّة بالأداء السيّئ والتافه. هذا ما سيوفّر تغذية راجعة إيجابيّة، تعود بالنفع، والتطوير، والتعزيز على مجتمع الممثّلين ومهنتهم، وبالتالي ممارسة فنّ التمثيل، وعليه الأعمال الدراميّة لتصبح بدورها أنجع، وأصلح،وأجدى، وأنفع على المتلقّي.
بكلمات أخرى، انطلاقًا من قدرة التخصّصيّة الأكاديميّة في مجال التمثيل على زيادة احتمالات توافر الأداء الجيّد، والمثاليّ بشكل أكبر بكثير، منه، امتهان هذه المهنة من قِبل غير المتخصّصين فيها؛ حيث تبيّن بأنّ هذه التخصّصيّة هي قادرة على زيادة قدرة الممثّل في الأداء بشكل أنجح وأنضج. كما العودة بالنفع على زملاء الممثّل نفسه، أي على توفير فضاء لعب تمثيليّ أفضل، ومؤاتٍ بشكل أكبر للممثّلين الآخرين من أجل تقديم أداء ناجح وناضج. بالتالي إنجاح الأعمال الدراميّة ومنحها قدرتها التأثيريّة المتجاوزة للاعتياد، وما إلى ذلك من أثر على المتلقّي.
ولمّا كان الممثّلون كأشخاص، والتمثيل كمهنة، وبالتالي الممارسة التي يقوم بها هؤلاء الممثّلون، مضطهدين عبر العصور، وموصومين بالعار، والانحطاط، والفسق، وذلك منذ الإغريق مع جمهوريّة أفلاطون، مرورًا بالرومان مع القوانين والنظرة الاجتماعيّة إلى موقع الممثّل في المجتمع، واستطرادًا بالقوانين الدينيّة للعصور الوسطى، وصولًا إلى عصرنا الحاليّ؛ حيث ظهر بأنّ هذا الاضطهاد لا زال مستمرًّا حتّى هذا الحين، إنّما بعنف أقلّ، وبدهاء أكبر. فقد تبيّن أنّ الإساءة والسخرية والإهانة لموقع الممثّل ومكانته، ومهنته لا زالت متواجدة، إنّما ليس بشكل علنيّ ومباشر كما كان في السابق. إنّما باتت متجذّرة ومتماهية مع القوانين، واللاوعي الفرديّ، والجماعيّ. فمن خلال التسخيف لأهمّيّة العمل الذي يقوم به الممثّل، واستسهاله، ووضعه ضمن قوالب الفكاهة، والمزاح، والترفيه، وإخضاعه لسلطة المخرج المطلقة، لا بلّ أكثر من ذلك عدّه مضطربًا نفسيًّا، أو منحرفًا جنسيًّا، أو أخلاقيًّا. ومن خلال التبرير تحت التجريد العبثيّ لمفردة “الفنّ”، إمكانيّة امتهان أيّ شخص كان لمهنة التمثيل، دون الحاجة للحصول إلى أيّ كفاءات أكاديميّة – إعداديّة مرتبطة بهذا المجال بشكل مسبق، وبالتالي جعل هذه المهنة التجاوزيّة، والاستثنائيّة، التي تحظى بهذا القدر من الأهمّيّة على الإنسان، والمجتمع، والحضارات، مباحة في القرن الحادي والعشرين أمام كلّ هاوٍ، وعارض أزياء، وزبّال، وطبّاخ، وطبيب، وفيلسوف، وإعلاميّ، ومغنٍّ… إلخ، سواء من حيث جانبها العمليّ، أو النظريّ… يصار إلى التعدّي على الممثّل وحقوقه المهنيّة، والأخلاقيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، وكلّ ما يترتّب على ذلك من تبعات تمتدّ على حياته الشخصيّة، وصحّته النفسيّة – الجسديّة، وعليه، وجوده كإنسان – ممثّل. علاوة على ذلك يتمّ التعدّي على مسار إعداديّ – أكاديميّ عالميّ، وتسخيره من خلال تخطّيه من قِبل من لم يكلّف نفسه عناء سبر غوره، واجتياز مراحله، لاستحقاق مزاولة المهنة. فنجد الكثير من هؤلاء الذين تجاوزوا الممثّل، وسخروا من مجهوده، ليزاولوا له مهنته، ويسرقوا منه لقمة عيشه، ويساهموا عن قصد أو عن جهل، بتدنيس وتنغيص هذه المهنة (وظيفتها الفعليّة، أثرها، إمكانيّاتها)، وهذا المسار الإعداديّ، وهذا الشخص – الممثّل الحقيقيّ والفعليّ. هذا ما يعيد في الواقع إحياء الاضطهاد القديم المتوارث عبر العصور، إنّما بحلّة باردة، متخفّية بالمبرّرات السفسطائيّة. فيحطّ من قيمة وقدرات، وفاعليّة الممثّل، وبالتالي ممارسته التجاوزيّة، سواء على الأعمال الدراميّة، أو في أثر هذه الممارسة، وبالتالي تلك الأعمال، على المجتمع والآخر. كما يساهم في مراكمة الأداء السيّئ، وبالتالي الأعمال الدراميّة البسيطة والعاديّة (التي تحظى بتأثير سلبيّ على المتلقّي الفرديّ والجماعيّ، أكثر بكثير منه الأعمال السيّئة والفاشلة). ليتمكّن في نهاية المطاف من إحباط هذه المهنة، وزرع الفوضى فيها، وتشويه صورتها، ووظيفتها، وجوهرها. من هنا تتحوّر، وتتحرّف الممارسة الفعليّة لأداء الممثّل، فتسقط هذه المهنة، وتنحطّ الأعمال الدراميّة، ويُفسَد المتلقّي، والمجتمع. ما يمثّل خير تمثيل لنصرة المنظور الهادف إلى التحقير، والتعنيف، والتعدّي، ليس على الممثّل وما يرمز إليه في وظيفته، وممارسته، ومهنته وحسب، إنّما على محاولات التجاوز والتطوّر كافّة نحو الأسمى والأرقى والأنبل.
انطلاقًا من كلّ ذلك، وجدنا بأنّ اتّخاذ الخطوات الإجرائيّة القانونيّة، لحصر مزاولة مهنة التمثيل بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا فقط، من شأنه أن يعيد حقوق الممثّل الفنّيّة، والاقتصاديّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة. فيتحدّى المنظور المتعدّي عليه، والمحقّر له، ويعود بالنفع والنضج على ممارسة الممثّل الجوهريّة، وبالتالي على هذه المهنة نفسها (فيصون حقّ هذا الممثّل، من خلال تعزيزه إمكانيّة انخراطه بشكل أفضل في مجال عمله، والقيام بممارسة المحاكاة على أفضل وجه. فيعتمد الممثّل على هذا المجال لتحصيل حياة كريمة، ويعود بدوره ليسخّر جهوده من أجل إسماء ممارسته وإرقائها)، وعليه فالعمل الفنّيّ الدراميّ ككلّ، وكنتيجة المتلقّي وحياته النفسيّة – الجسديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة. فيساهم في إنضاج هذه الجوانب كافّة عند المشاركين في هذا الفنّ.
في حين أن إفساح المجال لغير المتخصّصين في ممارسة التمثيل، من شأنه أن يعزّز التعدّي على مهنة الممثّل بالدرجة الأولى (الأمر الذي قد يدفع بالعديد من الممثّلين إلى ترك مهنتهم الأساسيّة، واللجوء إلى مهنة أخرى لتحصيل لقمة عيشهم. ما يسهم في هدر القدرات الذاتيّة والإبداعيّة المتواجدة عند هذا الأخير)، ويساهم في تدهور الذوق العامّ عند المتلقّي، وخلق حالة من الانحطاط الثقافيّ، والفكريّ، والتواصليّ، في المجتمع.
لذا، نتطلّع لأن تكون هذه الدراسة خطوة مساهمة يمكن الارتكاز عليها للسير قدمًا نحو اتّخاذ هكذا قرار رياديّ من نوعه، وبناء مشروع قانون يصون حقّ الممثّل، ومهنته، وبالتالي حقّ المشاهِد وصحّته، وثقافته، وفكره، وتطوّره. عبر اتّخاذ تدابير صارمة، وجازمة في إيقاف استمرار تدفّق من هم ليسوا من حملة الكفاءات الأكاديميّة، إلى سوق عمل الممثّل، وبالتالي امتهان مهنته والتعدّي عليه، وتجاوز مجهوده وأتعابه، واستثماراته. بناء على ذلك إيقاف انهيار هذا الفنّ الدراميّ حتّى الحضيض.
مشروع قانون منقذ لهذا الفنّ من الارتزاقيّة الفتّاكة له، يقف في وجه المنظور التشويهيّ والتحقيريّ، وينتصر عليه، وينصر حقوق الممثّل وفنّه، ومهنته، وبالتالي الأعمال الدراميّة التي يمكن أن تنتجها. وكنتيجة ينقذ العديد من المواطنين اللبنانيّين، من المستوى الذي آل إليه فكرهم، وذوقهم، وأخلاقهم، وثقافتهم، وتواصلهم مع بعضهم البعض. علاوة على ذلك ومن خلال إنقاذه لمهنة التمثيل، يسهم في تعزيز سلامة صحّة الفرد والمجتمع النفسيّة – الجسديّة. فيحفظ هذه المهنة التي أثبتت الأبحاث العلميّة مدى أهمّيّتها وقدرتها التأثيريّة على الإنسان والمجتمع؛ على نضوج الفكر الفرديّ، والجماعيّ والثقافة العامّة، ونهوض الوطن.
لتحقيق ذلك، يتوجّب أيضًا تفعيل دور العمل النقابيّ الخاصّ بمهنة التمثيل بشكل أكبر، وتحديد إمكانيّة الانتساب للنقابة، وبالتالي إمكانيّة مزاولة مهنة التمثيل المسرحيّ، والإذاعيّ، والتلفزيزنيّ، والسينمائيّ، بحيازة الممثّل على شهادة أكاديميّة في هذا المجال. بالإضافة إلى وضع شروط الاستثناءات التي قد تعطى للحالات التي سبق أن تحدّثنا عنها سالفًا؛ على سبيل المثال، الطلاّب الذين هم في طور التخصّص في هذا المجال… كما ممثّلي الأدوار التي تتطلّب فئات عمريّة صغيرة جدًّا (ما دون ال١٥ سنة) … علاوة على أهمّيّة تفعيل دور التدرّج بحسب الكفاءات، والخبرات المتجاوزة للشهادة الأكاديميّة، وذلك أسوة بالمهن الحرّة الأخرى، وأنظمتها النقابيّة.
من هنا، لا بدّ من إنجاز هذه الخطوة الإجرائيّة في القانون، واستكمال هذه الدراسة بمسودّة مشروع قانون، تهدف إلى وضع الخطوات الإجرائيّة التنفيذيّة لهذا التوجّه والتوصيات، فتستند إلى القوانين اللبنانيّة المرعيّة، وتتوجّه للمعنيّين المتخصّصين في جعلها نافذة ومطبّقة على جميع الأراضي اللبنانيّة. وعليه سدّ هذه الثغرة، وتنظيم هذا الجانب الدقيق من المهنة، وحصرها بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في مجالهم. سعيًا نحو التوفيق بين النظام الأكاديميّ الخاصّ بالمسرح تارة، وسوق العمل تارة أخرى، والقدرات التجاوزيّة التي يمكن لهذه المهنة أن تتركها على المتلقّي الفرديّ، والجماعيّ طورًا. فتسهم في توفير فنّ، ومجتمع، ووطن، أفضل وأرقى وأسمى.
– المصادر والمراجع
١- من اللّغات الأجنبيّة
١-١- الدوريّات، والمقالات البحثيّة
– decety, J. chaminade T, (2003) neural correlates of feeling sympathy, neuropsychology, vol. 41/2, pp:127-138.
– Fogassi L., Ferrari P. F., Gesierich B., Rozzi. S., Chersi. F., Rizzolatti. G. (2005, APRIL 29). “Parietal Lobe: From Action Organization to Intention Understanding”. Science. Vol.308(5722). pp:662-667.
– Gallese, V. (2007). Before and below ‘theory of mind’: Embodied simulation and the neural correlates of social cognition. Philosophical Transactions of the Royal Society B, 362, pp:659-669
– IDRI N. (2005). The LMD System Experience as a Struggle between the Educational Development and Reform: An Analytical Study of the Endeavour of the Academic Year 2004/2005 in Bejaia University with Suggested Solutions. Rencontres Internationales sur le Dispositif LMD –Problèmes et Perspectives 4-5 Dec, 2005, Université de Bejaia
– modugno, N. iaconelli, S. fiorlli, M. lena, F. kushc, I. Mirabella, G. (2010). Active theatre as a complementary therapy for parkinson’s disease rehabilitation: a pilot study. The scientific world journal, vol:10, pp:2301-2313.
– Rizzolati G, craighero L, (2004). the mirror neurons system, annual review of neuroscience, 2004, 27, pp:169-192
– Taladoire, B. A. (2017). “Plaute (env. 254-184 av. J.-C.)”, Encyclopædia Universalis 2017
١-٢- المقالات والمدوّنات والمعاجم الإلكترونيّة:
– Adam. A, Simon. A. (2017). ‘molière” in Encyclopædia Universalis. retrieved from: http://www.universalis.fr/encyclopedie/moliere/)
– Australian Council of Tertiary Education Skills and Employment. (2013). Australian qualifications framework. 2nd edition. South Australia
– Cambridge university press, 2019, audition, Cambridge online dictionary, consulted on 11-10-2019. retrieved from url: https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/audition
– camil salameh. [n.d]. in facebook [fan page]. Retrieved December 1, 2019, from https://www.facebook.com/pg/camil.salameh.page/about/?ref=page_internal
– Council of Elvira (2019 oct 12). In encyclopædia Britannica. Retrieved from: https://www.britannica.com/event/Council-of-Elvira
– Huffman, T. what is a master’s degree? Retrieved oct 10, 2019. From: https://www.geteducated.com
– Lamure. P. (2019 dec. 3). “XVIIIE siècle, Adrienne lecouvreur, splendeur et misère d’une tragédienne”. In wordpress: Savoirs d’Histoire. Retrieved from: https://savoirsdhistoire.wordpress.com/2019/02/23/adrienne-lecouvreur-splendeur-et-misere-d-une-tragedienne/
– Pop, A. (2017, mar, 15). What Are Academic Credit Systems? Benefits for International Students. retrieved nov 19, 2019, from: https://www.mastersportal.com
– Ramachandran. V. (2009 jan 1) self-awareness: the last frontier. Retrieved from: https://www.edge.org/conversation/self-awareness-the-last-frontier
– stagemilk team, (2017): what is casting, consulted on 18 nov 2019. Retrieved from: https://www.stagemilk.com/what-is-casting
– Staskiewicz, K. (2014, May 20). “‘Dawn of the Planet of the Apes’: watch Andy Serkis and others go ape”. Retrieved from: https://ew.com/article/2014/05/20/dawn-of-the-planet-of-the-apes-see-andy-serkis-and-others-go-ape-in-this-side-by-side-special-effects-exclusive
– wakwabubi, paul, psychoanalytic theory, academia, consulted on: 17 nov 2019, retrieved from: https://www.academia.edu/29951834/PSYCHOANALYTIC_THEORY.docx
– Walton. G. (oct. 19. 2018). “The Famous French Actor François Joseph Talma”. Retrieved from: https://www.geriwalton.com/famous-french-actor-francois-joseph-talma/
– weta digital. (2019, sept 9). “About weta digital”. Retrieved from: https://www.wetafx.co.nz/about
١-٣- الموسوعات والكتب والمعاجم
– Attigui, P. (1993). de l’illusion theatrale à l’espace théraprutique. paris: denoël
– Buckley, J. (1875). christians and the theater. new york: nelson & phillips
– calvert, D. (2016). Théatre et neuroscience des émotions. Paris: l’harmattan.
– calvert, D. (2016). Théatre et neuroscience des émotions. Paris: l’harmattan
– Dale. A. W. W. (1882). the synod of elvira and Christian life in the fourth century. London: macmillan and co. canon LXII.
– damasio, A. (2005). spinoza avait raison. Joie et tristesse le cerveau des emotions. Paris. Odile Jacob.
– Darwin, C. (1909). the origin of species. New York, NY: P F collier & son.
– dupont, F. (2000), l’orateur sans visage, 1ere édition, paris: presses universitaires de france
– Johnson C. D. (2007). Church and stage: The Theatre as Target of Religious Condemnation in Nineteenth Century America. Jefferson: Mcfarland and company inc. publishers
– Jousse, m. (2008). l’anthropologie du geste, paris: gallimard
– jouvent, R. (2013). Le cerveau magician. De la réalité au plaisire psychique. Paris. Odile jacobe.
– meirieu, M. (2002) se re-connaître par le théatre. École education spécialisée, formation, lyon chronique sociale
– meldrum, B. (1994). “Historical background and overview of dramatherapy”, in Handbook of dramatherapy, New York. Routledge.
– Pavis, P, dictionnaire du théatre, armand colin, paris, 2002
– plato, (1888), the republic book X, tr. Jowett, Benjamin, 3rd edition, London: oxford clarendon press
– schechner. R., (1985). between theatre and anthropology. Philadelphia: university of pensylvania press
– Walker. C, Wise. J, (2003). the broadview anthology of drama: plays from the western theatre. canada: broadview press.
٢- من اللّغة العربيّة
٢-١- الكتب والمعاجم والموسوعات
– أبو مراد. ن. (٢٠٠٢). المسرح اللبنانيّ في القرن العشرين. بيروت: شركة الطبع للتوزيع والنشر.
– بافي، ب. (٢٠١٥). معجم المسرح، تر. ميشال خطّار، الطبعة الأولى، بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة.
٢-٢- المقالات والمدوّنات الإلكترونيّة
كميل سلامة [غ.م]. في فيلموجرافيا. تم العثور عليه في ك١. ٢. ٢٠١٩. من:
https://elcinema.com/person/1990866/
٢-٣- المقابلات
– سلامة، ك. (٢٦ حزيران ٢٠١٨). مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل، بيروت، جورج مطر.
– معلوف، م. (٢٩ حزيران ٢٠١٨). مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل. بيروت. جورج مطر.
– ملتقى، أ. (٢١ حزيران ٢٠١٨) مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل، بيروت، جورج مطر.
– الملحقات
ملحق – أ- : الاستبيان
- ما هي الوسيلة المحبّذة أكثر بالنسبة لك لمشاهدة الأعمال الدراميّة؟
المسرح الأفلام السينمائيّة المسلسلات التلفزيزنيّة
- ما هو معدّل مشاهدتك للأعمال الدراميّة (مسرح/سينما/تلفزيون) في الأسبوع؟
٠ ١ ٢ ٣ أكثر من ٣
- إلى أيّ مدى أنت راضٍ عن الأعمال الدراميّة المحلّيّة (مسرحيّات/أفلام سينمائيّة/مسلسلات تلفزيزنيّة) التي شاهدتها؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥ - إلى أيّ مدى أنت راضٍ عن الأعمال الدراميّة الأجنبيّة (مسرحيّات/أفلام سينمائيّة/مسلسلات تلفزيزنيّة) التي شاهدتها؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
——– - هل تشعر باللذّة عند مشاهدة الأعمال الدراميّة الجيّدة (المسرحيّات، الأفلام السينمائيّة، المسلسلات…)؟
نعم كلا - هل يوجد عمل دراميّ (سواء كان في المسرح، أو السينما، أو التلفزيون)، تمكّن من ترك أثر إيجابيّ هامّ، على حياتك الشخصيّة، وتصرّفاتك؟
نعم كلا
- ما مدى حاجتك لمشاهدة المسرح، أو السينما، أو المسلسلات والأفلام التلفزيزنيّة؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
- ما مدى قدرة مشاهدتك لمسرحيّة جيّدة، أو فيلم سينمائيّ، أو مسلسل تلفزيزنيّ، على تحسين مستوى إنتاجيّتك المهنيّة؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥ - إلى أيّ مدى بالنسبة لك يلعب أداء الممثّل دورًا في نجاح العمل الدراميّ (سواء كان مسرحيّ، سينمائيّ، تلفزيزنيّ)؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
—–
- هل سبق أن شاركت/عملت كممثّل ضمن عمل دراميّ محترف (سواء في المسرح، السينما، أو التلفزيون)؟
نعم كلا
- إلى أيّ مدى تعتبر مهنة التمثيل مهنة غير محترمة، ومخلّة بالآداب العامّة؟
٠ ١ ٢ ٣ ٤
- إلى أيّ مدى تعتبر بأنّه يمكن الإعتماد على مهنة التمثيل، لكسب لقمة العيش؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
- هل أنت حائز على شهادة أكاديميّة مرتبطة بمجال التمثيل؟
نعم كلا
——
- إلى أيّ مدى تعتقد أنّ دراسة المسرح من شأنها أن تؤثّر إيجابيًّا، على نجاح ونضوج أداء الممثّل؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
- ما مدى أهمّيّة مهنة التمثيل بالنسبة لك، مقارنة مع المهن الحرّة الأخرى كالطبّ، والهندسة، والمحاماة…؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
- إذا اختار أحد أولادك التخصّص في مجال التمثيل، هل تشجّعهم على ذلك أم لا؟
أشجعهم كلا
- هل أنّ ممارسة مهنة التمثيل يجب أن تكون محصورة فقط بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في المسرح، أم يجب إفساح المجال لأيّ شخص كان، للعمل في هذه المهنة؟
محصورة فقط بالممثّلين إفساح المجال لأيّ شخص كان
- هل تعتقد أنّ الإنتساب لنقابة الممثّلين يجب أن يكون مشروطًا بحيازة الممثّل على شهادة أكاديميّة مرتبطة بهذا التخصّص؟
نعم كلا - هل تعتقد أنّ حصر مهنة التمثيل بالممثّلين المتخصّصين أكاديميًّا في مجالهم، من شأنه أن يثمر أعمالًا فنيّة أفضل (سواء كان في المسرح، أو السينما، أو التلفزيون)؟
نعم كلا
- هل تعتقد أنّ تخصّص الممثّل الأكاديميّ في المسرح، من شأنه أن يؤثّر على أداء زميله في التمثيل، بشكل إيجابيّ، أم سلبي؟ٌ
سيؤثّر بشكل إيجابيّ سيؤثّر بشكل سلبي - إلى أيّ مدى تعتبر عمليّة اختيار الممثّلين لأداء الأدوار الدراميّة في المسرحيّات/ أفلام السينما/ المسلسلات التلفزيزنيّة، تحصل في لبنان بشكل منصف وعادل بالنسبة لحقوق الممثّل المتخصّص في مهنته؟
١ ٢ ٣ ٤ ٥
- أذكر ممثّل تقدّر أداءه بشكل كبير؟ ولماذا (باختصار شديد)؟
[1] جورج خ. مطر (١٩٨٨- …): طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعية في الجامعة اللبنانيّة، في قسم الفنّ وعلوم الفنّ: فنون بصريّة. حائز على شهادة في الماستر من الجامعة اللبنانيّة في اختصاص إعداد الممثّل.
[2] LMD: هو النظام الأوروبيّ للتعليم العالي، نتج عن سلسلة من الاجتماعات، والاتفاقات الوزاريّة التي عقدت بين ٢٩ دولة أوروبيّة عام ١٩٩٩ عرفت باسم مشروع بولونيا. يهدف هذا النظام لتوحيد معايير التعليم العالي بين الجامعات الأوروبيّة، بهدف خلق انسحام في قوانين الدراسة، والمناهج، والمقرّرات، بين الجامعات المتعدّدة. يعتمد هذا التصنيف الأوروبيّ على نظام الأرصدة المتراكمة (European credit transfer accumulation system: ECTS)، ويتألّف من ثلاث مراحل دراسيّة، ترتهن بعدد معيّن من الأرصدة التي تحدّد وفق المدّة الزمنيّة، والمحصول التربويّ الخاصّ بالمقرّر، ومدى تعقيد وتطوّر هذا المقرّر: مرحلة الليسانس: تتألّف بدورها من ٦ فصول دراسيّة، أي ثلاث سنوات دراسيّة. مرحلة الماستر: تتألّف من ٤ فصول دراسيّة، وبالتالي ما يعادل سنتين دراسيّتين. مرحلة الدكتوراه: هذه المرحلة الأخيرة تتكوّن من ٦ فصول دراسيّة، وبالتالي ما يعادل ٣ سنوات دراسيّة. يتألّف كلّ فصل من ٤٠٠ ساعة يتوجّب على الطالب إتمامها في مدّة ١٦ أسبوعًا (أي ما يعادل ٢٥ ساعة في الأسبوع)، يحظى كلّ مقرّر دراسيّ بعدد محدّد من الأرصدة، حيث يكون مجموع عدد الأرصدة لكلّ فصل هو ٣٠، بالتالي ١٨٠ رصيدًا لمرحلة الليسانس، و١٢٠ لمرحلة الماستر.
(IDRI N. (2005). The LMD System Experience as a Struggle between the Educational Development and Reform: An Analytical Study of the Endeavour of the Academic Year 2004/2005 in Bejaia University with Suggested Solutions. Rencontres Internationales sur le Dispositif LMD –Problèmes et Perspectives 4-5 Dec, 2005, Université de Bejaia)
[3] التصنيف أكاديميّالأكاديميّ الأنجلوفونيّ: الذي يعتمد نظام الأرصدة الفصليّة semester credit hours, SCH، وينقسم إلى مراحل ثلاثة قد تعادل تلك الخاصّة بنظام ال LMD (كما قد يرادف بدوره النظام التعليميّ الأستراليّ Australian qualification framework: AQF)، التي تتمثّل بال: bachelor’s أو البكالوريوس، حيث تتوزّع هذه الدرجة إلى فروع هي البكالوريوس العلميّة B.S، وبكالوريوس الفنّ B.A، وبكالوريوس الفنون الجميلة BFA (بكالوريوس متخصّصة تهدف لإعداد الطالب ليصبح محترفًا في العالم الفنّيّ الإبداعيّ). تعدّ مرحلة البكالوريوس في أميركا الشماليّة أنّها مرحلة ما قبل التخرّج undergraduate وتمتدّ غالبًا لأربع سنوات. يكون المطلوب من الطالب استكمال عدد محدّد من الأرصدة، ١٢٠ رصيدًا، أيّ حوالي ١٥ رصيدًا في كلّ فصل (٣ أرصدة توزّع على خمسة مقرّرات/ الفصل). بعد هذه المرحلة الأولى تأتي مرحلة الماستر masters التي تتفرّع إلى فروع عدّة منها الماستر العلميّة MS، كما الماستر الفنّيّة MA، أو ماستر الفنون الجميلة MFA (درجة متخصّصة في ماستر الفنون تهدف لإعداد الطالب نحو الممارسة الاحترافيّة) تمتدّ مدّة الدراسة فيها بين سنة وسنتين جامعيّتين حيث تعدّ هذه المرحلة المتعلّقة بالماستر مرحلة ما بعد التخرّج. يجتازها الطالب بعد أن يكون قد أنهى ما يتراوح بين ٣٥ و٥٤ رصيدًاًا ًافصليًّا.
Pop, A. (2017, mar, 15). What Are Academic Credit Systems? Benefits for International Students. retrieved nov 19, 2019, from: https://www.mastersportal.com).
(Huffman, T. what is a master’s degree? Retrieved oct 10, 2019. From: https://www.geteducated.com)
(Australian Council of Tertiary Education Skills and Employment. (2013). Australian qualifications framework. 2nd edition. South Australia, pp.11-18
[4] الانتقاء الجنسيّ: قد يعود التمايز في البنية، واللون، والشكل الخاصّ بالحيوانات التي تحظى بعادات سلوكيّة مشتركة فيما بينها، ليس للكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة، إنّما للكفاح بين أفراد الجنس نفسه للفوز بأفراد الجنس الآخر. فلا يؤدّي هذا التنافس لموت المنهزم، إنّما يحدّ له نسله أو يحرمه منه. في حين يحظى المنتصر على حظوظ أكبر لترك ذراريّ له، ونقل السمات الناجعة والمسؤولة عن فوزه هذا، إلى أحفاده. لذا فإنّ هذا الانتقاء سيتمكّن من تعديل أحد الجنسين في علاقته الوظيفيّة مع الجنس الآخر، أو في علاقته مع اختلاف كامل من العادات الحياتيّة لأحد الجنسين. بالتالي إنّ الانتقاء الجنسيّ هو شكل من أشكال الانتقاء الطبيعيّ، القادر على إحداث تمايز على المستوى العضويّ عند أحد الجنسين، سواء في السلوك أو المظهر، وذلك للحصول على أفضل إمكانيّة للفوز بالجنس الآخر، وعليه البقاء والاستمرار.
(Darwin, C. (1909). the origin of species. New York, NY: P F collier & son. pp.101-103)
[5] Sigmund freud (١٨٥٦-١٩٣٩): عالم أعصاب نمساويّ. مؤسّس التحليل النفسيّ، وصاحب نظريّات عديدة في علم النفس الفرديّ والجماعيّ. اشتهر بمفهوم “عقدة أوديب”، و”الليبيدو”. لديه العديد من الأبحاث منها: “three essays on the theory of sexuality (١٩٠٥)”، “the ego and the id (١٩٢٣)، “civilization and its discontents (١٩٣٠).
[6] Psychoanalysis: منهج إكلينيكيّ لمعالجة الأمراض النفسيّة، يرتكز على أبحاث فرويد حول النفس البشريّة ومنظوره الخاصّ لهذه النفس التي تخضع في معظم الأحيان لتحكّم قوى لا واعية تتولّى قيادتها وتوجيهها. كما يعتمد على تقنيّات معيّنة منها: التداعي الحرّ (التحدّث بحرّيّة للمعالج النفسيّ حول أيّ شيء يخطر على البال دون أيّ رقابة)، وتحليل الأحلام (تفحّص الأحلام حول وجود معلومات مُهِمّة عن اللاوعي)، وظاهرة التحويل (حيث يصار إلى تحويل أحاسيس المريض الماضية-المبكرة ونقلها، تجاه بعض الأشخاص في حياته الخاصّة، إلى شخص المعالج الحاضر). تهدف هذه المعالجة إلى إعادة إحضار اللاوعي، أو الأفكار والمشاعر المدفونة بشكل عميق، التي غالبًا ما تعود إلى فترة الطفولة، إلى الوعي، وتسليط الضوء عليها وتفحّصها. وبالتعاون مع المعالج النفسيّ سيتاح للمريض تعرّف كيفيّة تمكّن هذه الذكريات المبكّرة المكبوتة من التأثير على فكره، وسلوكه، وعلاقاته بالآخرين.
(wakwabubi, paul, psychoanalytic theory, academia, consulted on: 17 nov 2019, retrieved from: https://www.academia.edu/29951834/PSYCHOANALYTIC_THEORY.docx)
[7] casting call: هي عبارة عن عمليّة البحث والانتقاء لممثّل مناسب لأداء دور معيّن ومحدّد، في مسرحيّة ما، أو فيلم سينمائيّ أو مسلسل تلفزيونيّ. تقوم على سلسلة من تجارب الأداء التي يمرّ بها عدد من الممثّلين أمام مجموعة من القيّمين على عمليّة الانتقاء هذه، ومنهم مدير العمليّة نفسها، والذي يعرف بال”casting director”، كما أنّ مخرج العمل، وربما المنتج… وغيرهم. حيث يلجأ الممثّل في هذه التجارب لأداء مشهد قصير، إمّا محضّر أو مرتجل، أو قد يطلب منه أداء مونولوج من مسرحيّة ما، أو تمثيل جزء من المراد تقديمه يوم العرض، وذلك من أجل إبراز موهبته وبراعته في هذا المجال وما إذا كان قادر على إعطاء المبتغى، وبالتالي موائمة الدور المطلوب منه. حيث يتمّ تسجيل هذا الأداء بالصوت والصورة، لكلّ ممثّل، بالإضافة لصور فوتوجرافيّة أخرى له تهدف لتفحّص ملامحه الخارجيّة وتسجيله. حتّى يتمّ بعد كلّ ذلك مراجعة المعطيات واتّخاذ القرار المناسب. من الدول المتطوّرة يوجد جمعيّات خاصّة بالعاملين في هذا المجال على سبيل المثل “معيّة الكاستينغ الأميريكية” في الولايات المتّحدة الأميريكيّة.
stagemilk team, (2017): what is casting, consulted on 18 nov 2019.
Retrieved from: https://www.stagemilk.com/what-is-casting)
Cambridge university press, 2019, audition, Cambridge online dictionary, consulted on 11-10-2019)
retrieved from url: https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/audition)
[8] هي “مجموعة الممارسات الاختباريّة التي تنطلق من المستوى الجزيئيّ (الكيمياء العصبيّة، البيولوجيا العصبيّة، علم الغدد العصبيّة…) إلى المستوى الكلّيّ (التشريح العصبيّ، العلاقات الإنسانيّة، السلوك الإدمانيّ…) التي تدرس الجوانب الهيكليّة والوظيفيّة للجهاز العصبيّ، حيث تكرّس كلّ واحدة من هذه الممارسات لدراسة بعض الجوانب الخاصّة بوظائف الدماغ، أو الجهاز العصبيّ المحيطيّ، ما يجعل من العلوم العصبيّة مفهومًا عامًّا يضمّ حقولًا فرعيّة متخصّصة للغاية، بمعنى أنّها تتمتّع بموضوع محدّد جدًّا للدراسة، وبوسائل خاصّة بها لإنجاز هذه الدراسة”.
calvert, D. (2016). Théatre et neuroscience des émotions. Paris: l’harmattan. pp:14-15
[9] هي الشبكة العصبيّة التي تتفعّل عندما يلجأ الإنسان إلى تنفيذ سلوك هادف، وبالوقت نفسه عندما يشاهد سلوك مماثل ينفَّذ من قبل إنسان آخر
Rizzolati G, craighero L, (2004). the mirror neurons system, annual review of neuroscience, 2004, 27, 169-192
[10] Fogassi L., Ferrari P. F., Gesierich B., Rozzi. S., Chersi. F., Rizzolatti. G. (2005, april 29). “parietal lobe: from action organization to intention understanding”. science. vol.308(5722). 662-667. p.662
[11] Ramachandran. V. (2009 jan 1) self-awareness: the last frontier. Retrieved from: https://www.edge.org/conversation/self-awareness-the-last-frontier
[12] Gallese, V. (2007). Before and below ‘theory of mind’: Embodied simulation and the neural correlates of social cognition. Philosophical Transactions of the Royal Society B, 362, 659-669
[13] “ظاهرة سيكولوجيّة تُشغّل العديد من العناصر، أهمّها: القدرة على التحسّس وعلى تمثّل المشاعر والأحاسيس، القدرة على تبنّي المنظور الخاصّ بالآخر، وفي النهاية التمييز بين الذات، والآخر”.
decety, J. chaminade T, (2003) neural correlates of feeling sympathy, neuropsychology, vol. 41/2, 127-138. p.85
[14] calvert, D. (2016). op. cites. p.290-291
[15] ibid, p.277
[16] damasio, A. (2005). spinoza avait raison. Joie et tristesse le cerveau des emotions. Paris. Odile Jacob. p110
[17] “إنّ الأثر المحرّر للمتعة الذي يولّده أداء الممثّلين هو ما يساهم في عمليّة توحيد شخصيّاتهم”
Attigui, P. (1993). de l’illusion theatrale à l’espace théraprutique. paris: denoël. p.82-83
[18] “يتواجد في فعل الخلق رحلة فعليّة نحو طريقة عيش متعدّدة ووجود مختلف، يحرّرنا من اليوميّ الذي غالبًا ما تلتصق فيه خطواتنا”
(meirieu, M. (2002) se re-connaître par le théatre. École education spécialisée, formation, lyon chronique sociale, p.21)
[19] modugno, N., iaconelli, S., fiorlli, M., lena, F., kushc, I., Mirabella, G. (2010). Active theatre as a complementary therapy for parkinson’s disease rehabilitation: a pilot study. The scientific world journal, vol:10, 2301-2313, p.2312
[20] السيكودراما: “تقنيّة وسّع آفاقها مورينو j. l. Moreno (١٨٩٢ – ١٩٧٤)، في العشرينيّات انطلاقًا من الارتجال المسرحيّ. إنّها علم الغوص في الحقيقة، وذلك بالطرق الدراميّة. إنّها تقنيّة الملاصقة، وسبر الأغوار النفسيّة، التي تبحث في تحليل الصراعات الداخليّة عبر أداء لسيناريو مرتجل انطلاقًا من بعض المعطيات. وتكون الفرضيّة في الفعل والأداء أكثر منها في الكلام، حيث إنّ الصراعات المطرودة، وصعوبات العلاقات الشخصيّة المتداخلة والأخطاء المسبقة الأحكام تصبح قابلة للكشف بوضوح أكبر. فالسيكودراما تسمح للطفل خصوصًا بإعادة عيش الصراعات، وذلك بإعطائه الإمكانيّة، داخل مجموعة مؤّلفة من طبيبين نفسيّين أو ثلاثة بأداء الكوميديا، وتوزيع الأدوار، وارتجال القصص. فالسيكودراما هي تقنيّة علاجيّة تتميّز عن الكاثارثيس، أي عن عمليّة التطهير الأرسطيّة… حيث لا يحتاج الممثّل إلى محاكاة الفعل كون أهمّيّةالأهمّيّة تكمن في العلاقة الإنسانيّة المتبادلة أكثر منه في المحاكاة.” (بافي، ب. (٢٠١٥). معجم المسرح، تر. ميشال خطّار، الطبعة الأولى، بيروت: المنظّمة العربيّة للترجمة).
[21] المعالجة بواسطة الدراما: تمّ تأسيس هذا الانضباط في بريطانيا، من قبل المعالجة النفسيّة، وفنّانة المسرح، sue Jennings (١٩٣٨-). وبحسب جمعيّة المعالجين النفسيّين البريطانيّين بواسطة الدراما (BADth)، فإنّ المعالجة بواسطة الدراما هي: “… الاستخدام العمديّ (المخطّط له) لجوانب الدراما القادرة على إحداث الشفاء، في عمليّة المعالجة”.
(meldrum, B. (1994). “Historical background and overview of dramatherapy”, in Handbook of dramatherapy, new York. Routledge. P.17)
[22] jouvent, R. (2013). Le cerveau magician. De la réalité au plaisire psychique. Paris. Odile jacobe. p.80
[23] المرونة العصبيّة: هي عمليّة تغيّر وتحوّل بيولوجيّة تحصل على مستوى الخلايا العصبيّة الدماغيّة وتشابكاتها مع بعضها البعض (وبالتالي على الامتداد السيكولوجيّ لهذه التشابكات)، يسبّبها تفاعل الفرد مع محيطه (كتأثير المثيرات المحيطة بالفرد)، ومع ديناميّته العقليّة الخاصّة. تحدث تحت تأثير التكرار والاستخدام (التفعيل) المستمرّ، كما الجوّ إيجابيّالإيجابيّ الذي يثير جهاز المكافئة عند الفرد، علاوة على النشاط الجسديّ.
(calvert, D. (2016). Op. cites. pp.235-239)
[24] ibid. pp.245-248
[25] Modugno, N. (2011). in Calvert, D. op. cites. p.359
[26] فقد قدّم حوالي ٧٧٪ من العيّنة بأنّه يوجد عمل دراميّدراميّ تمكّن من ترك أثر إيجابيّإيجابيّ مهمّ مهمّ على حياتهم الشخصيّة. (راجع المبحث الرابع/ السؤال رقم ٦).
[27] حيث قدّم ٩٧٪ من العيّنة المختارة بأنّهم يشعرون (٧٩٪) باللذّة خلال مشاهدة العمل دراميّالدراميّ، أو أنّهم ربّما يشعرون بها (١٨٪). في حين ٣٪ فقط من العيّنة أعربوا بأنّ المشاهدة للأعمال الدراميّة لا تترافق بإحساس باللذّة. (راجع المبحث الرابع/ السؤال رقم ٥).
[28] حيث أعرب جزء كبير من العيّنة عن أنّ المشاهدة للأعمال الدراميّة ساهمت في تحسين مستوى إنتاجهم مهنيّالمهنيّ (راجع المبحث الرابع/ السؤال رقم ٨).
[29] “كنت أمثّل مسرحيّة في الكازينو اسمها “أماريس”، وقد شهدت في اليوم الذي سأمثل فيه، أحداثًا سيّئة ومشاكل قبل التمثيل. كما أنّ زحمة السير جعلتني أتأخّر تقريبًا نصف ساعة عن العرض، وكان المخرج، ومدير الإنتاج على وشك اتّخاذ قرار بإلغاء العرض، ولكن عدلا لاحقًا عن هذا القرار وطلبا منّي أن أدخل إلى المسرح بعد وضع القليل من المكياج. وبالفعل لحظة دخولي المسرح بدأت أشعر تدريجيًّا بالهدوء، ولم أعد أحسّ بشيء، لا توتر ولا غضب، أي إنّني أصبحت الشخص الآخر الذي أمثّله على المسرح… لم أعد أنا”. معلوف، م. (٢٩ حزيران ٢٠١٨). مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل. بيروت. جورج مطر.
[30] موريس معلوف (١٩٤١-): ممثّل ومخرج لبنانيّ، من روّاد المسرح الإيمائيّ، بوصفه تجربة متكاملة، في لبنان. تخصّص في التمثيل والإخراج ضمن منح دراسيّة في فرنسا، إيطاليا، الولايات المتّحدة الأميريكيّة وبريطانيا. عاد إلى لبنان عام ١٩٧١ ليلتحق كأستاذ بمعهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة، والجامعة الأميريكيّة LAU، ويبدأ نشاطه في المسرح كممثل ومخرج. فقد شارك في أدوار مسرحيّة مُهمّة عدّة، وقدّم أوّل عمل إيمائيّ له سنة ١٩٧٢ بعنوان “فدعوس يكتشف بيروت”. (أبو مراد. ن. (٢٠٠٢). المسرح اللبنانيّ في القرن العشرين. بيروت: شركة الطبع للتوزيع والنشر. ص: ٥٥٤ – ٥٥٨).
[31] “…كنّا نمثّل مسرحيّة وكانت حرارتي 40 درجة، وكان عليّ الدخول للخشبة، فحصل أن نسيت بسبب ذلك، كلّ ما له علاقة بالحوار الذي يتوجّب عليّ أداءه… وبدأت بالتكلّم حينها… لم أقل أيّ كلمة من النصّ! ولكن كلّ ما قلته كان بالمعنى نفسه الوارد في النصّ! يمكن القول بأنّ هذه اللحظات هي لحظات إلهام، أو وحي… هذا هو الممثّل. وهنا يكمن الارتجال بمعناه الحقيقيّ.
(معلوف، م، مرجع سابق.)
[32] أنطوان ملتقى (١٩٣٣-)، ممثّل ومخرج مسرحيّ، وأستاذ جامعيّ، من روّاد المسرح اللبنانيّ، ومن مؤسّسي معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة، لديه أعمال متعدّدة بين المسرح، والتلفزيون، والإذاعة، والسينما. حاز على شهادة دكتوراه فخريّة من الجامعة اللبنانيّة عام ٢٠١٨.
[33] “دائمًا الخوف موجود قبل الصعود على المسرح. وهناك سرّ في المسرح؛ عندما كنت أؤدّي دور “أوديب” في مسرحيّة “أوديب ملكًا” لسوفوكليس في مراكش، كنت أسعل بشكل كبير جدًّا، والجميع من حولي كان يسألني كيف ستتمكّن من التمثيل الآن! ولكن عندما صعدت على المسرح، توقّف السعال بشكل نهائيّ، إلى أن انتهى العرض المسرحيّ! نزلت عن خشبة المسرح، وعاد السعال من جديد! لذلك يوجد سرّ مهمّ في المسرح”. (ملتقى، أ. (٢١ حزيران ٢٠١٨) مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل، بيروت، جورج مطر.).
[34] كميل سلامة (١٩٥٠-): ممثّل ومخرج ومؤلّف مسرحيّ، لبنانيّ. شارك في أدوار بارزة في العديد من المسرحيّات، والأفلام السينمائيّة، والمسلسلات التلفزيزنيّة، وبرع في أدائها بشكل كبير. من المسرحيّات التي كتبها وأخرجها “ضهر الشير١٩٨١”، “لعبة قمّورة، ١٩٨١ “، “حكاية يويو، ١٩٨٧”، “طرّة نقشة ١٩٨٥”، “كيف هالتمثيل معك ٢٠٠٨”. حائز على جوائز عديدة من بينها شهادة تقدير من مهرجانات دبي على أدائه في فيلم “عكر”.
(camil salameh. [n.d]. in facebook [fan page]. Retrieved December 1, 2019, from https://www.facebook.com/pg/camil.salameh.page/about/?ref=page_internal)
(كميل سلامة [غ.م]. في فيلموجرافيا. تمّ العثور عليه في ك١. ٢. ٢٠١٩. من: https://elcinema.com/person/1990866/)
[35] “الباحث: هل تشعر باللذّة خلال أدائك على المسرح؟ كميل: بالطبع! حتّى إن كنت مريضًا، وكنت أشعر بألم جسديّ، وحرارتي أربعين، ما أن تصعد على الخشبة حتّى يختفي كلّ شيء!” (سلامة، ك. (٢٦ حزيران ٢٠١٨). مقابلة خاصّة حول أداء الممثّل، بيروت، جورج مطر).
[36] “الباحث: عندما تؤدّي على المسرح، هل تكون مدركًا لنفسك؟ كميل: أكون واعيًا لنفسي بشكل كبير. فظيع الوعي خلال الأداء! إذا قمت بشيء خاطئ فورًا تدرك بأنّك أخطأت، فيجعلك تتنبّه فورًا لهذا الخطأ… كما تكون مدركًا أيضًا لأفعال زملائك الممثّلين…” (المرجع نفسه).
[37] marcel jousse (١٨٨٦-١٩٦١): باحث، أستاذ جامعيّ، وكاهن فرنسيّ، تلميذ مارسيل موس. مؤسّس أنثروبولوجيا الإيماءة، العلم الذي يدرس سلوك الأنثروبوس في الحياة، وعلاقة الإيماءة مع آليّات المعرفة، والذاكرة، والتعبير. لديه العديد من المنشورات البحثيّة، من بينها ” Du mimisme à la musique chez l’enfant (١٩٣٥)”، ” L’Anthropologie du Geste (١٩٧٤)”.
[38] الأنثروبوس ليس عبارة عن هيكل عظميّ كامل ومنتهي، إنّما هو عبارة عن مجموعة إيماءات غير منتهية. إنّ الهيكل العظميّ ليس سوى مشجب للإنسان، أو مسند للإيماءات. فقبل أن يقوم بصنع أدواته، التي هي عبارة عن الإسقاطات الخاصّة لهذه الإيماءات، قام الأنثروبوس بتشكيل إيماءاته الخاصّة به”.
Jousse, m. (2008). l’anthropologie du geste, paris: gallimard, p.50
[39] ففي هذا المجال قد يتمّ استخدام تقنيّات متعدّدة ومتطوّرة، توضع على تعابير وجه الممثّل وجسده ومفاصله لتخلق الكائن دراميّالدراميّ على شاشة يستطيع الممثّل بنفسه أن يراها ويرى بالتالي الأثر الذي قد تكون حركاته وتعابيره وإيماءاته قادرة على إنتاجه. ما يفتح أمامه إمكانيّات هائلة للتلاعب بهذه الأدوات والخلق منها. على سبيل المثل تقنيّة صناعة شخصيّة “قيصر” في الفيلم السينمائيّ “war of the planet of the apes ٢٠١٧”، أو شخصيّة “جولوم” في “the lord of the rings ٢٠٠٣”، من قبل شركة “weta digital”.
(weta digital. (2019, sept 9). “About weta digital”. Retrieved from: https://www.wetafx.co.nz/about/)
(Staskiewicz, K. (2014, May 20). “‘Dawn of the Planet of the Apes’: watch Andy Serkis and others go ape”. Retrieved from: https://ew.com/article/2014/05/20/dawn-of-the-planet-of-the-apes-see-andy-serkis-and-others-go-ape-in-this-side-by-side-special-effects-exclusive)
[40] plato, (1888), the republic book X, tr. Jowett, Benjamin, 3rd edition, London: oxford clarendon press, p.310
[41] ibid. pp.309-310
[42] ibid. p.311
[43] ibid, p.312
[44] ibid, p.317
[45] ibid. p.316
[46] plato, (1888), the republic book X, op. cites. P.320
[47] actio: تشير كلمة الأكسيو إلى فعل الخطاب الشفهيّ برمّته، سواء من حيث المضمون، أو من حيث طريقة إلقاء هذا المضمون. ففعل الأكسيو يتيح للخطباء بأنّ يظهروا تمامًا كما هم يريدون ويبتغون ذلك.
(dupont, F. (2000), l’orateur sans visage, 1ere édition, paris: presses universitaires de france. pp.19-21)
[48] ibid. p.79
[49] ibid. p.102
[50] histrion: “مصطلح فرنسيّ ذو معنى إزدرائيّ، يأتي من اللاتينيّة histrio، حيث لم يكن يحمل فيها هذا المعنى السلبيّ. فهو في الواقع يشير إلى فنّان الخشبة الذي هو الممثّل والراقص. يرتبط تاريخ الكلمة بتاريخ المسرح اللاتينيّ ذلك أنّ الألعاب المسرحيّة الأولى قد تمّ استيرادها من أتروريا عام ٣٦٤م. بالتالي فإنّ الممثّل الرومانيّ هو منذ الأصل عبارة عن راقص – إيمائيّ محترف، وعليه موسوم بالعار السياسيّ والاجتماعيّ. أمّا بالنسبة إلى مصطلح histrio الذي يشتقّ في الأصل من hister في اللّغة الإترويّة، فسرعان ما أفسح المجال أمام آخر ذات جبلة لاتينيّة؛ فقد كان يطلق على الممثّل بشكل عامّ اسم ludius أي رجل الألعاب كون المسرح في روما هو عبارة عن شكل من أشكال اللّعب ludi، أو نادرًا ما يطلق عليه اسم actor عندما كان المسرح يتضمّن نصًّا”. باختصار إنّ ممارسة الهيستريون هي عبارة عن فنّ الجسد الصامت، والمُغري.
Pavis, P, dictionnaire du théatre, armand colin, paris, 2002, p.800))
[51] Dupont, F. op. cites, p.51
[52] titus maccius Plautus (٢٥٤ ق. م – ١٨٤ ق. م): مؤلّف كوميديّ لاتينيّ. يعدّ من أوائل المؤلّفين الكبار في الأدب اللاتينيّ.
(Taladoire, B. A. (2017). “Plaute (env. 254-184 av. J.-C.)”, in Encyclopædia Universalis 2017.)
[53] “فنّ السرد الجسديّ الكوميديّ الرومانيّ” dupont, F. p.53، علاوة على ذلك إنّ العمل الجوهريّ الخاصّ بالهيستريون هو المحاكاة؛ فما كان يتيح تحويل جوبيتير إلى هيستريون كانت المحاكاة التي كانت تصاغ انطلاقا من مفردات مسرحيّة بواسطة الأفعال التالية “لودر” و”لوديفاسر”. فهذه المحاكاة هي عبارة عن مسرح داخل المسرح، بحيث تصبح عمليّة التنفيذ للسلوك هي مادّة العرض بحدّ ذاتها. (ibid. p.57)، هذا المعنى الخاصّ بالمحاكاة، يتوافق مع ذلك الذي طرحه أفلاطون سواء من حيث الجانب التقنيّ. أو من حيث البعد الأخلاقيّ له. إذ يبدو أنّ الأثر اضطهادالاضطهاديّ للمحاكاة الذي دعى إليه الفيلسوف الإغريقيّ لقي ترجمته بشكل كبير عن الرومان في حالة الهيستريون.
[54] Dupont, F. op. cites. p.57
[55] Dupont, F. op. cites. p.58
[56] ibid. p.65
[57] ibid, p.67
[58] حيث كانت كلمة mollicia اللاتينيّة تعبّر على السواء عن مرونة وليونة الممثّل الجسديّة المطلقة، كما عن الانحلال الأخلاقيّ الخاصّ به، “فتعبّر عن الرابط الثقافيّ المتواجد آنذاك بين الممثّل، والعاهر”، وبالتالي تجمع على السواء بين تقنيّة التحوّل والتغيّر، وبين الخضوع الجنسيّ. (ibid. p.75)
[59] ibid. p.68
[60] على سبيل المثل: “كان ممنوع على الممثّل:
– اللجوء إلى القضاء، إلّا في حالة تعرّض ابنه للقتل…
– الاستفادة من الحماية التي يقدّمها القانون.
– الالتحاق بالجيش، أو المشاركة في الحياة السياسيّة.
من جانب آخر وعلى عكس المواطنين الآخرين، كان يسمح بمعاقبة الممثل جسديًّا على غرار العبيد. كما كان يحقّ للزوج المخدوع من قبل ممثّل ما، أن يلجأ إلى قتله. هذا وقد كان الديجيستا ينصّ على إنزال عقوبة الإعدام بالجنديّ الذي يظهر على خشبة المسرح. (ibid)
[61] cicéron, in dupont. F. ibid
[62] dupont, F., op. cites, p.67
[63] ibid. p.71
[64] ibid.
[65] dupont, F., op. cites. p.75
[66] هذا ما قد تعبّر عنه الجملة التالية التي تشير إلى طريقة معاملة الرومانيّين للممثلين: “كانوا يعشقون أولئك الذين يدينونهم، يصفّقون لمن يلجؤون لنبذهم، يحتفلون بالفنّ، ويهينون الفنّانين” ( tertullien. de spectaculis, in dupont. F. p.85)
[67] Council of Elvira (2019 oct 12). In encyclopædia Britannica. Retrieved from: https://www.britannica.com/event/Council-of-Elvira
[68] Dale. A. W. W. (1882). the synod of elvira and Christian life in the fourth century. London: macmillan and co. p.334. canon LXII.
[69] Buckley, J. (1875). christians and the theater. new york: nelson & phillips. p.11
[70] ibid. p.35
[71] Johnson C. D. (2007). Church and stage: The Theatre as Target of Religious Condemnation in Nineteenth Century America. Jefferson: Mcfarland and company inc. publishers. P.55
[72] ibid. p58
[73] jean-baptiste poquelin (١٦٢٢-١٦٧٣): رجل مسرح فرنسيّ عرف باسمه الفنّيّ “موليير”. يعدّ من كبار المؤلّفين المسرحيّين في العالم. اشتهر بمسرحيّاته الكوميديّة.
(Adam. A, Simon. A. (2017). ‘molière” in Encyclopædia Universalis. retrieved from: http://www.universalis.fr/encyclopedie/moliere/)
[74] Walker. C, Wise. J, (2003). the broadview anthology of drama: plays from the western theatre. canada: broadview press. p.437
[75] Adrienne Lecouvreur (1692-1730): ممثّلة فرنسيّة بدأت مسيرتها في فرقة صغيرة للتمثيل، لتنتقل بعد إتمامها لبعض دروس الإلقاء إلى الكوميديّ فرانسيس لأداء أدوار عديدة في مسرحيّات راسين، كورناي، وڤولتير. تمكّنت من كسر الإلقاء الغنائيّ المعتمد والتقليديّ في أداء المسرحيّات التراجيديّة واعتمدت خطابًا وأداءً بسيطًا وطبيعيًّا، وأنيقًا، حيث سعت في هذا المجال مع صديقها ومعلّمها الممثّل ميشال بارون إلى البحث عن أسلوب جديد في الأداء أقرب إلى الواقع. بعد وفاتها رُفض دفنها كونها لم تلتزم بالاعتبارات القانونيّة/ الدينيّة السائدة يومها، وبالتالي تلجأ إلى اعتزال التمثيل.
[76] Lamure. P. (2019 dec. 3). “XVIIIE siècle, Adrienne lecouvreur, splendeur et misère d’une tragédienne”. In wordpress: Savoirs d’Histoire. Retrieved from: https://savoirsdhistoire.wordpress.com/2019/02/23/adrienne-lecouvreur-splendeur-et-misere-d-une-tragedienne/
talma [77] -josephFrançois (1763-1826): ممثّل فرنسيّ، استهلّ بداياته على مسرح الكوميديّ فرانسيس. كما عمل مع ممثّلين إنجليز في إنجلترا وعرّفهم على “الأسلوب الفرنسيّ” في الأداء الذي كان سائدًا آنذاك. انتقل من ممثّل البلاط ليصبح ممثلًا بورجوازيًّا بعد رفض الكاهن إقامة مراسم الزواج له، ليصبح عند انتهاء الثورة الممثّل المفضّل من قِبل الشعب.
[78] Walton. G. (oct. 19. 2018). “The Famous French Actor François Joseph Talma”. Retrieved from: https://www.geriwalton.com/famous-french-actor-francois-joseph-talma/
[79] Johnson, Claudia Durst (2007). Church and stage: The Theatre as Target of Religious Condemnation in Nineteenth Century America. Jefferson: Mcfarland. P.51
[80] ibid. p.52
[81] راجع الاستبيان في الملحقات (ملحق أ).
[82] richard schechner (١٩٣٤-): مؤلّف ومخرج مسرحيّ، أستاذ فخريّ في معهد تيش العليا للفنون في جامعة نيويورك. من روّاد الباحثين في مجال الأداء. لديه العديد من الأبحاث والكتب، من أهمّها “نظريّة الأداء” ٢٠٠٤، “المخيّل المؤدّى” ٢٠١٥، “بين المسرح والأنثروبولوجيا” ١٩٨٥.
[83] عندما ينتقل المؤدّي من العالم اليومي إلى عالم العرض، وبالتالي من زمان/ مكان إلى آخر، ومن شخصيّته إلى شخصيّة، أو مجموع شخصيّات أخرى، ويتمكّن من العودة بعد انتهاء العرض أو خلاله حتّى إلى العالم اليوميّ، وشخصيته الخاصّة به، فحينها نكون في مجال الانتقال المؤقّت المميّز للمسرح.
(schechner. R., (1985). between theatre and anthropology. Philadelphia: university of pensylvania press. p.125)