موازنة بين “العبّاس بن الأحنف” و”بشّار بن برد” خللٌ في الشخصيّتين ومصير مأساويّ
د. ريتّا يوسف حدّاد([1])
مقدمة
هل التطرّف في العفّة، أو الانغماس في المحرّمات، يؤدّيان إلى المصير الأسود نفسه؟
هل من ملك كلّ شيء، وتمنّع عليه قلب جارية، يصل إلى تخلخل الشخصيّة وتزعزع الكيان؟ كما حصل مع “العباس بن الأحنف” صاحب الرفعة والثراء والأصدقاء والمعجبات الكثيرات؟ هل رهن الحياة كاملةً بالحصول على شيء واحد يقزّم القامة العملاقة ويبرّر انهيارها الكلّي؟ أم يعدّ هذا مرضًا نفسيًّا انعكس على جسد أوهنه وأذابه.
وهل المنزلة المتواضعة وإشغال المساحة القلبيّة بالضغينة والحقد، عند شخصيّة فذّة، يؤدّيان بها إلى الاستعلاء على شعب كامل بعاداته وأخلاقه وعبادته وقادته؟ ويعملقان القامة الصغيرة لتواجه خليفةً متشدّدًا يذود عن الدين والأخلاق ويلاحق الكفّار ويقضي عليهم، كما حصل مع “بشّار بن برد” الّذي دمّر نفسه باستفزازه الخليفة والإطاحة بالممنوعات، ما أدّى إلى قتله أبشع القتل؟
قد يكون جديد الدراسة تسليط الضوء على رجلين مختلفين، على الرغم من تميّزهما الشعريّ ومشاركتهما عصرًا واحدًا ووطنًا واحدًا. والموت المؤلم المحتّم كان نصيبهما، فالرجل العفيف المنزّه، والرجل الضارب الأخلاقيّات والروحانيّات عرض الحائط، وصلا إلى المصير المأساويّ نفسه. وموت كليهما لم يكن خاليًا من الألم؛ فالأوّل رافقه السقم حتّى استبدّ بجسمه وبراه حتى الرمق الأخير، والثاني أهلكه الجَلد المبرّح فسلخ الجِلد والروح عن الجسد. يشكّل الشاعران: “العبّاس بن الأحنف”([2]) و”بشّار بن برد”([3]) أنموذجًا للتناقض الّذي كان سائدًا في العصر العبّاسيّ. ولم يلق اختلاف هذين الشاعرين اهتمام الدارسين، إلّا أنّه لفتني كمرآة تعكس التمايز الحاصل في عصرهما، فبحثت في هذا الموضوع علّه يحمل إفادةً بين طيّاته. “إنّ الحقبة الّتي حكم فيها بنو العبّاس من أبهى العصور والأيّام في تاريخ أمّتنا.”([4])
كما “إنّ تقارب الأمم واختلاطها وامتزاجها تؤدّي دائمًا إلى تبادل الآراء والأفكار والخبرات، وتساعد على تطوير الحياة الفكريّة ورقيّها وتقدّمها، وقد فتحت الدولة العبّاسيّة منذ أيّامها الأولى الأبواب لجميع الأقوام والأجناس بالاشتراك في عمليّة تطوير الفكر وتنشيطه. متّخذةً اللغة العربيّة أساسًا في التّعبير والتّدوين ونقل المعرفة.”( [5])
فبين حلو الحياة ومرّها، وبين الإيمان والإلحاد، والصلاة والانفلات، والثراء والفقر، والزهد والخمر، والتوبة والخطيئة، والمسجد والحان، والحاكم والمحكوم، والعرب والغرباء، زخر العصر العبّاسيّ بالاختلافات المنفتحة على الأصعدة جميعها، وفي صخب هذا العصر، ترتسم، بين نقيض ونقيض، ملامح شاعرين، جمعهما التاريخ والجغرافية وفرّق بينهما الكثير.
أبدأ هذه الدراسة، بالموازنة بين الشخصيّتين الشاعريّتين؛ من العصر العبّاسيّ الأوّل، تظهر نقاط التباعد الأساسيّة ونقاط الالتقاء القليلة، وتبلور أهمّيّة الحبّ العفيف في شعر كلّ منهما، وتتوقّف مع محطّة نفسيّة تلقي الضوء على حياة كلٍّ منهما، ثمّ تتناول كيفيّة النظر إلى المرأة العربيّة في ذلك العصر، مقارنةً بين الشاعرين موضوع الدراسة وبين الشاعر الحديث “نزار قبّانيّ”([6]) الّذي يشبههما، بشخصه وشعره، في نقاطٍ كثيرةٍ، ويتجاوزهما، وتنتهي باستخلاص مغزًى من الخلل في حياة الشاعرين يمكن جعله درسًا لمن اعتبر. ولن أعتمد في دراستي هذه منجهًا واحدًا، بل سيكون منهجي مركّبًا للإحاطة بالجوانب المنويّ التوقّف عندها وبلورتها بالشكل المناسب: فقد أفيد من المنهج العلميّ في عرض المقابلات الضدّيّة أو التشابه بين الطرفين، وقد أستخدم المنهج التحليليّ في مكان والنفسيّ في آخر، (وقد يرى بعض الدارسين أنّي اتّبعت المنهج الموضوعاتيّ لشموليّته، ولانفتاحه على مناهج عديدة.) وذلك خدمةً لإظهار التناقض والتشابه بين الشاعرين: “العبّاس بن الأحنف” و”بشّار بن برد”، والخلل في شخصيّتيهما.
أـ وجوه الاختلاف
أولاً – النسب
أبصر “العبّاس بن الأحنف” النور في كنف عربيّ، أمّا “بشّار بن برد” ففي أسرة أعجميّة.”العبّاس بن الأحنف” “من بني حنيفة ويكنّى أبا الفضل وكان منشؤه بغداد،”([7]) وهو “شاعرٌ عربيٌّ شريف النسب عاش في القرن الثاني للهجرة.”( [8])
أمّا “بشّار بن برد” فلم يكن عربيًّا، “وجدّه يرجوخ من طخارستان ممّن سباهم المهلّب بن أبي صفرة والي خراسان (79 – 81ه). ومن أجل ذلك نشأ ابنه “برد” على الرقّ. وكان أوّلاً في عداد رقيق “خيرة” القشيريّة امرأة “المهلّب”، ثمّ وهبته لامرأة من بني عقيل، وفي ملكها ولد له “بشّار” على الرقّ، ولم تلبث العقيليّة أن أعتقت “بردًا”. وبذلك عدّ هو وابنه من موالي بني عقيل. وقد نسب نفسه من جهة أمّه إلى الروم. وإن صحّ ذلك كان فارسيّ الأب روميّ الأمّ.”([9]) “بشّار بن برد” “مولى لبني عقيل. ويلقّب المرعّث والمرعّث الّذي جعل في أذنيه الرعاث وهي القرطة ويرمى بالزندقة.” ([10])
ثانيًّاً- المكانة الاجتماعيّة
كان “بشّار بن برد” شديد الفقر، فتح عينيه على الدنيا في عائلة تكتنفها الحاجة والعوز، “وكان أبوه طيّانًا يعيش من ضرب اللبن معيشةً تقوم على الشظف، ويقال إنّه كان له أخوان: بشر وبشير، ولم يكونا سويّين إذ كان أحدهما أعرج والآخر أبتر.”([11]) و”كانا قصّابين، وكان بشّار بارًّا بهما.”([12])
أمّا “العبّاس بن الأحنف” فقد “نشأ في نعمة وثراء”([13]) في أسرة رفيعة الشأن، وأفراد عائلته من عليّة القوم، “ولمع منهم عمّه حاجب إذ انتظم بين رجال الدولة”([14])، وكان له دور في إدارة البلاد والعباد.
ثالثًا – الشكل الخارجيّ
ولد “بشّار بن برد” “أعمى فما نظر إلى الدنيا قط”([15])، و”كان قبيح المنظر مجدور الوجه جاحظ العينين قد تغشّاهما لحم أحمر، ولعلّ هذا القبح ونفور النساء منه هو الذي كان يستثير عنده الغريزة النوعيّة ويدفعه إلى الإفراط في غزله المكشوف” ([16]).
أمّا العبّاس “الشاعر الرقيق الظريف”([17])، فقد كان شابًّا وسيمًا ومحطّ الأنظار، “وكان حلوًا مقبولًا غزلًا غزير الفكر واسع الكلام. وكان يتعاطى الفتوّة على ستر وعفّة وله مع ذلك كرم ومحاسن أخلاق وفضل من نفسه، وكان جوادًا لا يحبس ما يملك. وكان مثال العربيّ البغداديّ المهذّب.” ([18])
رابعًا – الدين
لقد درس “العبّاس بن الأحنف” القرآن الكريم دراسة “ظهر أثرها بيّنًا واضحًا في شعره.”([19])، و”الشاعر لم يكن فاسقًا. والديوان كلّه شاهد على عفافه. وكيف لا يكون عفيفًا من يرى في حبّه آية يتقرّب بها إلى ربّه يوم الحساب”([20])
“أَسْتَغْفِرُ اللهَ إلّا مِنْ مَوَدّتِكُمْ فَإِنّهَا حَسَنَاتِي يَوْمَ أَلْقَاهُ
فإنْ زَعمْتِ بِأنَّ الحُبَّ مَعْصِيَةٌ فَالحُبُّ أَحْسَنُ مَا يُعْصَى بِهِ اللهُ!”([21])
في حين كان “بشّار” “يدين بالرجعة أو عودة الإيمان المختفي ويكفّر جميع الأمّة. ومضى يعلن زندقته لا يزدجر مصرّحًا بأنّه لا يؤمن إلاّ بالعيان وما شهده الحسّ. فهو لا يؤمن بجنّة ولا نار ولا ببعث ولا حساب.”([22])
وقد نسب بعضهم إلى “بشّار” قوله:
“إِبْليسُ أَفْضَلُ منْ أَبيكُمْ آدَمٍ فَتَنَبَّهوا يا مَعْشَرَ الفُجّارِ
النارُ عُنْصُرُهُ وَآدَمُ طينَةٌ وَالطينُ لا يَسْمُو سُمُوَّ النارِ”([23])
وللأمانة العلميّة نقرأ قولاً مغايرًا يبرّئ “بشّارًا” ممّا نسب إليه من تفضيل “إبليس” على “آدم”: “لا يكاد الذكيّ الفطنة السليم الذوق يقرّ ذلك وتروج عنده صحّة نسبة هذا الشعر إلى بشّار معنًى ولا لفظًا.”( [24])
خامساً – مجالس الأنس والشراب والطرب
حضر كلٌّ من الشاعرين مجالس الأنس في المجتمع العبّاسيّ، مع فارق أنّ “العبّاس” كان مترفّعًا و”بشّار” كان منغمسًّا في اللذّات الجسديّة.
كان “العبّاس بن الأحنف” “يعيش حياة مترفة، يختلط فيها بالشعراء من أمثال أبي نواس وغير أبي نواس، ولكن من دون أن يتردّى في خلاعتهم ومجونهم. وقد يحضر مجالس الأنس والشراب ولكن من دون تعمّق ومن دون إثم. وكان يتعاطى الفتوّة على ستر وعفّة وله مع ذلك كرم ومحاسن أخلاق وفضل من نفسه، وكان جوادًا لا يحبس ما يملك. وكأنّه كان مثال العربيّ البغداديّ المهذّب في عصره الّذي أخذ بأسباب الترف والنعيم أخذًا كان له أثره في ذوقه المصفّى المهذّب وشعوره الرقيق المرهف.”([25])
ويظهر لنا ديوان “العبّاس بن الأحنف” “ميل الشاعر للمجتمع وحضوره مجالس الأنس والطرب.” ([26])
أمّا “بشّار بن برد” “فكانت بيئته تكتظّ بالجواري والقيان ممّن لا يعصمهنّ من الغواية دين ولا عرف، فاختلط بهنّ، وتغزّل فيهنّ غزلًا حسّيًّا وربّما دفعه فَقْدُ بصره إلى ذلك من بعض الوجوه، إذ الضرير لا يرى الجمال ببصره، إنّما يحسّه بلمسه ويده، ويتّسع جشعه الجسديّ، حتّى ليصبح غزله، في بعض جوانبه ضربًا من صياح الغريزة النوعيّة الّذي ينبو عن الذوق.”([27])
سادساً – موت كلٍّ منهما
اختلف موت كلّ منهما عن الآخر.
انتهت “حياة بشّار بن برد” عن سبعين عامًا، بالقتل جلدًا على ما اقترفه لسانه السليط من آثام، في حين مات “العبّاس” ولم يبلغ الستّين من عمره لما فعل الوله فيه، ما انعكس على جسد أسقمه حتّى زهقت منه الروح.
وحقيقة الأمر أن كانت في “المهديّ”([28]) شدّة في الدين، وعلم من مصادر عديدة أنّ “بشّارًا كان يفسد الشبيبة بغزله الفاضح وسوء خلقه، بالإضافة إلى زندقته وتهجّمه المتواصل على الخليفة الّذي لاحق الزنادقة وقضى عليهم، وبينهم كثيرٌ من صحب الشاعر، فما كان منه إلا أن هجاه مع وزيره هجاءً مقذعًا ما دفع “المهديّ” إلى أن يأمر بجلده حتى التلف فيضرب سبعين جلدة يموت على إثرها.” ويلقى به، ويجيء بعض أهله فيحملونه ويدفنونه”([29])، قال أحد الدارسين: “وكان بشّار هجا المهديّ وذكر شغله بالشراب واللهو فأمر به تغريقًا في الماء.”( [30]) “وما تبع جنازته أحدٌ غير أمةٍ سوداء سنديّة تصيح واسيّداه ! واسيّداه! وتباشر عامّة أهل البصرة بموته. وهنّأ بعضهم بعضًا، وتصدّقوا.”([31])
و”روي أنّه لم يبق أحدٌ من أشراف البصرة إلاّ مني بشيء من هجاء بشّار أو اتّقى هجاءه، فكانت حياته أثقل شيء على الناس، ولم يكن له بها صديق، ودفن في قبر حمّاد عجرد([32]) الّذي قتل على تهمة الزندقة سنة 166 م، وكتب على قبرهما:
قَدْ تبِعَ الأعْمَى قَفَا عَجْرَد فَأَصْبَحا جارَيْنِ في دار
تجاوَرا بَعْدَ تَنائيهِما ما أَبْغَضَ الجارَ إلى الجار…
قالَتْ بِقاعُ الأَرضِ: لا مَرْحَبا بِقُرْبِ حَمّاد وَبَشّار…”([33])
وإن كان الفساد، مقرونًا بالتّطاول على العرب وعلى دينهم الحنيف، سبب ملاقاة “بشّار” حتفه، فالترفّع والإخلاص كانا الدافع في موت “العبّاس” إذ كان الإخلاص لحبيبة واحدة، تدعى “فوز”، وعدم احتمال هذا الحبّ، الّذي أضحى من طرفٍ واحد، الدافع إلى السقم وعلّة الجسد، ما أدّى إلى مفارقته الحياة تاركًا وراءه طيب الذكر. ويقال إنّ “العبّاس” عانى بسبب عشقه وتعذّب “كما لم يتعذّب أحد، وقد ظلّ يهتف باسمها وحبّها حتّى وافته منيّته، ويقال إنّه خرج مع غلام له إلى بعض الرياض، وقد اعتراه ضعف شديد، فاستلقى تحت شجرة ورفع طرفه، وهو لا يكاد يرفعه ضعفًا، ثمّ أغمي عليه، ثمّ تنفّس تنفّسًا مديدًا فاضت فيه نفسه”. ([34])
ب ـ وجوه الائتلاف
أولاً – جودة شعرهما
وبعد ما ذكرنا من الاختلاف بين الشاعرين، إلّا أنّ الاثنين حين شعرا أجادا، ويشهد كثيرون على ذلك؛ أمّا “العبّاس بن الأحنف” فقد قيل عنه: “لديباجة شعره رونق ولمعانيه عذوبة ولطف. وقدّمه أبو العبّاس المبرّد على نظرائه وأطنب في وصفه.”([35])
“ويعدّ العبّاس بن الأحنف أبرز شعراء الغزل العفيف والعشق الشريف في العصر العبّاسيّ، وقد قصر جلّ شعره على صاحبته “فوز”. إنّ شعر العبّاس بن الأحنف يمتاز بالعفّة والودّ والصفاء والنقاء. وهو رقيق مؤثّر يتجاوب مع النفس الإنسانيّة في كلّ زمان.”([36])
أمّا “بشّار” فقد وقف منه “الأصمعيّ” ([37]) متعجّبًا، قال: “ولد بشّار أعمى فما نظر إلى الدنيا قطّ، وكان يشبّه الأشياء بعضها ببعض في شعره فيأتي بما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله. وكان يعتمد في ذلك على ذكاء حادّ جعله يستغلّ ذاكرته من صور الأقدمين وأخيلتهم استغلالًا فاق فيه المبصرين من حوله، مستعينًا بحسٍّ دقيق.”([38])
وقال عنه “ابن قتيبة”([39]): “وبشّار أحد المطبوعين الّذين كانوا لا يتكلّفون الشعر ولا يتعبون فيه وهو من أشعر المحدثين.”([40])
و”عدّ بشّار آخر المتقدّمين وأوّل المحدثين، ذلك الوصف الّذي حلاّه به أئمّة الأدب. وتفسيره: أنّ بشّارًا قد جمع في شعره أفضل معاني الشعر العربيّ القديم ومعاني القرآن وكلام الفصحاء والّذين جاءوا عقب ظهور الإسلام، وأجود ألفاظ العربيّة الفصيحة، وتطرّق إلى وصف الحضارة الجديدة في أجلى مظاهرها، فلم يفته المتقدّمون ولم يفضله المتأخّرون.”([41])
ثانيًّا – تهافت النساء على شعر كلّ منهما
كان “بشّار بن برد” يفرط “من غزله المكشوف. على أنّ هذا الغزل نفسه جعل بعض بنات الهوى اللائي كانت تكتظّ بهنّ دور القيان يقبلن عليه ويتغنّين في شعره.”([42])
أمّا “العباس بن الأحنف” الّذي أوقف ديوانه كلّه على الغزل العفيف، ” فقد اشتهر غزله شهرة منقطعة النظير بين أوساط المجتمع العبّاسيّ، ولا سيّما بين النساء، فهذه (عريب) جارية أحد الهاشميين تطرّز قميصها بخيوط من ذهب ببعض شعر العبّاس أو ربّما حلا لها أن تفوّف بشعره أذيال ثوبها، وهنا أخرى تتوّج قلنسوتها ببعض أبيات الشاعر، وثالثة تزيّن عصابتها ببعض شعره، وتلك أخرى يبلغ بها الهوس والإعجاب حدًّا يدفعها إلى أن تخضّب صفحة قدميها بالحنّاء ببعض شعره.”([43])
وقبل الانتقال إلى فكرة جديدة يستوقفنا تساؤل؛ من أين لجارية الذهب لتطرّز بخيوطه قميصها؟ قد يحمل هذا الاقتباس إجابة عن تساؤلنا؛ “إنّ الشعراء وغيرهم، حين كانوا يختلفون إلى دور النخّاسين كانوا يحملون معهم كثيرًا من الهدايا للنخّاسين وجواريهم، ممّا كان يكلّفهم أموالاً كثيرة…” ([44])
غير أنّ هذا يحيلنا إلى فتح أفق جديد يتعلّق ببشّار، فبعد ما ذكرناه آنفًا عن وضعه الماليّ الضيّق، وبعد ما أوضحنا عنه من إكثاره المدح طمعًا بالنوال واستجداءً بعائلته، كيف تمكّن من التردّد إلى دور القيان مع ما يكلّفه هذا من أموال طائلة؟ ومن أين لبشّار هذه المبالغ التي تسمح له بارتياد تلك الأمكنة؟ فهل كان يقتطع من الأموال الّتي يجمعها باسم أطفاله الصغار([45]) ليحمل معه إلى تلك الدور الهدايا الثمينة؟
ولماذا يحفل ديوانه بأسماء نساء كثيرات ويغفل ذكر زوجه “أمامة”، ولولا هجاء “حمّاد” له لما عرفنا اسمها: “فأخبار بشّار في أسرته قليلة، ويدلّ هجاء حمّاد عجرد له أنّه كان له امرأة تسمّى أمامة.” ([46])
ومن وجهة ثانية، كانت الجارية تتفنّن “في اللعب بألباب الرجال، إذ لا تزال تنصب أشراكها باللحظ والتبسّم وإظهار الشوق إلى طول مكث من يختلف إليها والحزن لفراقه” ([47]) ما أدّى إلى وقوع كثيرين في أشراك منصوبة سالفًا لسلب ممتلكاتهم.
ثالثاً- وصولهما إلى الخليفة
يقال عن مكانة “بشّار بن برد” لدى الخلفاء والأمراء: “كان بشار من أهل الوجاهة والسمعة، وكان مكرّمًا لدى خلفاء بني أميّة ورجال دولتهم، وكان أيضًا له مكانته عند خلفاء بني العبّاس، قال في “الأغاني”: “جعل له المهديّ وفادة كلّ سنة.”([48]) أمّا “العبّاس بن الأحنف” فقد فتح اشتهاره “بالغزل باب قصر الرشيد أمامه، حتّى أصبح من ندمائه، وحتّى صحبه في غزواته. وكان إذا غاضب إحدى جواريه أو أدلّت عليه أمره بصنع أبيات، فتعود صاحبته إليه، ويتّصل بينهما ما انقطع.”([49])
وحين غاضب “الرشيد”([50])“ماردة” أمّ “المعتصم” انتابه الهمّ والألم حتّى علم “العبّاس” بالأمر فأنشد:
“العاشِقانِ كِلاهُما مُتَغَضّبُ وَكِلاهُما مُتَشَوّقٌ مُتَطَرّبُ
صَدَّتْ مُراغِمَةً وَصَدَّ مُراغِمًا وَكِلاهُما مِمّا يُعالِجُ مُتْعَبُ
راجِعْ أَحِبَّتَكَ الّذينَ هَجَرْتَهُمْ إِنَّ المُتَيَّمَ قَلَّما يَتَجَنَّبُ
إِنَّ التجَنُّبَ إِنْ تَمَكَّنَ مِنْكُما دَبَّ السلُوُّ لَهُ فَعَزَّ المَطْلَبُ.”([51])
“فاستحسن الرشيد إصابته حاليهما وقال أراجعها والله مبتدئًا على رغمٍ، وفعل ذلك وأمر للعبّاس بصلة سنيّة وأمرت له الجارية بمثلها.”([52]) وعادت المودّة بين العاشقين
* الاختلاف في اختيار الموضوعات
– إلاّ أنّ إجادتهما الشعر لا تعني الالتقاء حول الموضوعات.
لم يترك “بشّار” موضوعًا لم ينحُ فيه، فكتب في المديح طمعًا في النوال، واستجدى الممدوح بأطفاله الصغار، وهجا وأقذع، ورثى وأغضب، وفخر وأسرف في صناعة الأعداء، لأنّ مصدر فخره كان عداوة العرب.
فبشّار بن برد قد كتب في الموضوعات الكثيرة الّتي كانت سائدة آنذاك، في حين أفرد “العبّاس” ديوانه للغزل العذريّ([53]) من دون سواه، وكان مترفّعًا لغنى في نفسه، ولم يكن يسعى إلى مدح ولا إلى ذم، ولم يطالب بنوال ولم يسع إلى مجد أو ثراء. فهذان الأخيران كان يتمتّع بهما منذ ولادته في أسرة مرموقة مجيدة الحسب والنسب. ومن الموضوعات الّتي خاض فيها “بشّار” “المديح”، يقول في مديح والي البصرة:
“كَخَراجِ السماءِ سَيْبُ يَدَيْهِ لِقَريبٍ وَنازِحِ الدارِ نائي
لَيْسَ يُعْطيكَ لِلرجاءِ وَلا الخَوْ فِ وَلكِنْ يَلذّ طَعْمُ العَطاءِ
يَسْقُطُ الطيْرُ حَيْثُ يَنْتَثِرُ الحَـ بُّ وَتُغْشى مَنازِلُ الكُرَماءِ
أَرْيَحِيٌّ لَهُ يَدٌ تُمْطِرُ النَّيْـ لَ وَأُخْرى سُمٌّ عَلى الأَعْداءِ”([54])
والرثاء، يقول حين صفعه القدر بفقد ابنه “محمّد”:
“دَعَتْهُ المَنَايا فَاسْتَجابَ لِصَوْتِها فَلِلّهِ مِنْ داعٍ دَعا وَمُجيبِ
رُزِئْتُ بُنَيَّ حينَ أَوْرَقَ عودُهُ وَأَلْقى عَلَيَّ الهَمَّ كُلُّ قَريبِ
وَكانَ كَرَيحانِ العَروسِ تَخالُهُ ذَوى بَعْدَ إِشْراقِ الغُصونِ وَطيبِ”([55])
والحكم:
“نُؤَمّلُ عَيْشًا في حَياةٍ ذَميمَةٍ أَضَرَّتْ بِأَبْدانٍ لَنا وَقُلوبِ.” ([56])
وتغنّى بالخمر، وشاع غزله الفاحش على كلّ لسان، وضاق به الوعّاظ لأنّه طبع غزله بطوابع الحسّ الغريزيّ وأكثر من التشهير بجسد المرأة لا يرعى دينًا ولا أخلاقا، فهي أداة طيّعة لا حشمة ولا وقار:
“لا يُؤْيِسَنَّكَ مِنْ مُخَبَّأَةٍ قَوْلٌ تُغَلّظُهُ وَإِنْ جَرَحا
عُسْرُ النساءِ إِلى مُياسَرَةٍ وَالصعْبُ يُمْكِنُ بَعْدَما جَمَحا.”([57])
فالمرأة عنده سهلة المنال، لا سموّ ولا رفعة، ولا جمال فيها إلاّ جسدها.
وهجا وأقذع، وانتُقد. “وأمّا انتقاد بعض شعر بشّار من وجهة ما فيه من المفاحشة في الهجاء فذلك انتقاد راجع إلى الأخلاق لا إلى الصناعة، وقد كانوا في عصرهم ذلك يستبيحون مثله في الإقذاع بالهجاء، ولكنّ بشّارًا أفرط فيه وجاء بشيء ركيك.”([58])
*إلتقاء الشاعرين حول الغزل العفيف
“الغزل من الفنون الشعريّة الجميلة المحبّبة إلى النفس، يصوّر أشواق المحبّين ولواعجهم. تغنّى الشعراء من خلاله بالمرأة منذ عصر ما قبل الإسلام. وقد جعله فريق منهم استهلالاً لمدائحهم وأهاجيهم وحماسيّاتهم، وخصّص له فريق آخر قصائد ومقطوعات.”([59]) “ولحق الشعراء المرأة ووصفوا معاناتهم في حبّها. وقد اختصّ بعضهم بواحدة عاش لها وقضى وهو يحبّها فسمّوا بالغزلين العذريين([60]). وعاش بعضهم الآخر يتصيّد الجمال في كلّ مكان، ويتبع الحسن أينما حلّ وارتحل للعبث واللذة فسمّوا بالغزلين الماجنين. وبقي التيّاران يسيران في العصر العبّاسيّ جنبًا إلى جنب مع اختلاف في الكميّة والنوعيّة.”([61])
وبما أنّ “العبّاس” لم يكتب إلاّ في الشعر العفيف، فسنتوسّع في إطار الحبّ العذريّ الّذي يصطلي صاحبه بناره لتمنّع الوصل مع من يحبّ، وسنتناول بالتحليل بعض الأبيات الشعريّة للشاعرين موضوع الدراسة: “بشّار” و”العبّاس”.
والتقى الرجلان على الشّعر الغزليّ العذريّ، وخاضا غماره بنسب متفاوتة. وإن كان غزل “بشّار” الفاجر قد تطاول إلى الفحش وهتك الأعراض. قد يتبادر إلى الذهن، مع ما ذكرناه عن البعد بين الشاعرين، أنّه ما من موضوع شعريّ قد يلتقيان عليه، إلاّ أنّ هذا منافٍ للحقيقة، فحين نظم “بشّار بن برد” في الغزل العذري ضاهى “العبّاس بن الأحنف” المعاني الرقيقة والنظيفة والعذبة وحرارة العشق وآلام البعد. وإن أردنا أن نتقصّى درجة صدقه في ما يقوله عن مكنونات قلبه فهذا من الخفايا الّتي لا يمكن إدراكها. قد لا تكون هذه الفكرة قريبةً من “بشّار بن برد”، على كلّ ما ذكرناه عنه، كقربها من “العبّاس بن الأحنف” الّذي يجسّد صورة العاشق العذب الّذي يليق به أن يَعشق ويُعشق، ولكنّ الحقيقة أنّ كليهما قد عشق إلى حدود الوله وربّما الهذيان. فعندما هتف قلب كلٍّ منهما بصاحبه، أصغى وأذعن وانساق ملبّيًا نداءه.
الزوج القبيح والضرير والفقير، ووالد الأطفال الخمسة والبعيد من الدين والأخلاق والسيرة السويّة. والعازب الوسيم والثريّ والأنيق، ذو الرفعة والحسب والنسب، وقعا كلاهما في العشق الّذي لا يرحم.
يقول “العبّاس”:
“أُحْرَمُ مِنْكُمْ بِما أَقولُ وَقَدْ نالَ بِهِ العاشِقونَ مَنْ عَشِقوا
صِرْتُ كَأَنّي ذُبالَةٌ نُصِبَتْ تُضيءُ لِلناسِ وَهيَ تَحْتَرِقُ”([62])
كم قارب “العبّاس بن الأحنف” بين عشّاق تباعدوا، وكم من أبيات نظمها لأحباب تجافوا، فأعاد الودّ إليهم، كان رسالة عشقٍ تسدي النّصح وتنشر الكلام العذب بين العاشق والمعشوقة، فيبثّ الأشواق ويجود بأعذب المعاني وأرقّها للإبقاء على اللحمة قويّة بين العاشقين، ليتمكّنا من مواجهة التّحدّيات.
وقد ذكرت آنفًا ما حصل بين الخليفة ومعشوقته “ماردة” حتّى أرّقته، ولم يربق ما انقطع بينهما غير “العبّاس بن الأحنف”، إلاّ قلبه الولهان فما عرف له سبيلًا ليستقرّ، ولا وسيلة تمنعه من التيه في صحارى السقم والضياع والعذاب، فمن حبيبته؟ تصادف أن رأى “العبّاس” عند أحد أصدقائه “جاريةً جميلةً تسمّى فوز([63])، فوقعت في قلبه، وأخذ يكثر من زياراته، وهو إنّما يريدها، وعرفت حبّه، فكانت تصدّ عنه، وهو يزداد حبًّا وشكوى من أنّها لا تقبل عليه:”([64])
“أَزَيْنَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبْتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ لِشِدَّةِ إِعْوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمْحو ما كَتَبْتُ بِعَبْرةٍ تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ ذَنوبِ.” ([65])
وكأنّه ضرير يتخبّط في محيط عشق، هذا المبصر الّذي تتمنّاه حسناوات كثيرات قد وقع في غرام إحدى الجاريات، حتّى “لقّب بمجنون فوز.”([66])
أمّا “بشّار” الضرير فيقول:
“أَبيتُ أَرْمَدَ ما لَمْ أَكْتَحِلْ بِكُمْ وَفي اكْتِحالي بِكُمْ شافٍ مِنَ الرمَدِ.”([67])
وكأنّ الإثنين قد فقدا رشديهما.
يقول مثل ألمانيّ: “الحبّ يرى الورود بلا أشواك”([68])، ونقرأ مثلًا ألمانيًّا ثانيًا: “الحبّ أعمى، لكنّ الزواج يعيد له النظر”([69])، ويقول مثل عربيّ: “الهوى شريك العمى”([70]) وهكذا، وفي معادلة العشق، يغدو الضرير مبصرًا، وينطفئ النور في العينين المشعّتين. فأضحى المبصر أعمًى والأعمى مبصرًا! يبحث “بشّار” لعينيه عمّن يكحّلهما برؤيته، وما في جعبتهما بصر، ولا نظرا إلى الدنيا قطّ، فكيف ينطق بالمستحيل ويقتنع به؟ لا شكّ أنّ العشق قد أطار صوابه فهو لا يفرّق بين مبصر وضرير بل يجمعهما في زاوية اللامنطق. بل كيف يخبرنا بأنّه سيبيت “أرمد”؟ وهل هذه المرّة الأولى الّتي سيفقد فيها النظر؟ وهل سيعود إليه النظر حين يراها؟ بل كيف سيراها؟ ويقول العبّاس:
“لَمّا رَأَيْتُ الليْلَ سَدَّ طَريقَهُ عَنّي وَعَذَّبَني الظلامُ الراكِدُ
وَالنجْمُ في كَبِدِ السماءِ كَأَنَّهُ أَعْمًى تَحَيَّرَ ما لَدَيْهِ قائِدُ
نادَيْتُ مَنْ طَرَدَ الرقادَ بِنَوْمِهِ عَمَّا أُعالِجُ وَهْوَ خِلْوٌ هاجِدُ…
إنَّ النساءَ حَسَدْنَ وَجْهَكِ حُسْنَهُ حُسْنُ الوُجوهِ لِحُسْنِ وَجْهِكِ ساجِدُ”([71])
ويقول “بشّار”:
“خَليلَيَّ ما بالُ الدجى لا تَزَحْزَحُ وَما بالُ ضَوْءِ الصبْحِ لا يَتَوَضّحُ
أَضَلَّ الصباحُ المُسْتَنيرُ سَبيلَهُ أَمِ الدهْرُ لَيْلٌ كُلُّهُ لَيْسَ يَبْرَحُ”([72])
ويتحوّل ما يملكه العاشق من قدرة عقليّة تسيّره إراديًّا نحو المبتغى، إلى هباء، إلى سراب، ويتحوّل أسيرًا لمعشوق يجور ويظلم، ويتحكّم ولا يعدل، ويعد وينكس. ولا يملك ذلك العاشق أيّ قدرة على المواجهة أو الرفض أو السيطرة ولو على نفسه. يقول “العبّاس بن الأحنف”:
“أَبْكي الَّذينَ أَذاقوني مَوَدَّتَهُمْ حَتَّى إِذا أَيْقَظوني لِلْهَوى رَقَدُوا
جاروا عَلَيَّ وَلَمْ يوفوا بِعَهْدِهِمْ قَدْ كُنْتُ أَحْسبُهُمْ يوفونَ إِنْ عَهدوا” ([73])
ويستعر لهيب القلب، ولا يجد الى الراحة سبيلاً، وكأنّ المعادلة؛ قلب فارغ / بال مرتاح، لا همّ ولا غمّ، ولا شكوى ولا مذلّة، ولا ألم ولا أرق. في حين القلب الّذي يشغله حبيب يقلب الموازين السابقة لينسحب على حياة صاحبه فيسيّره بلا هوادة، في نفق دامس الظلام يتخبّط صاحبه تخبّطًا لا قرار فيه. عشق “بشّار” “عبدة”، ونظم فيها قصائد عذريّة كثيرة، ركّز فيها على أهمّيّة الأذن الّتي تصل القلب بالمعشوق. وفي هذا الإطار نقرأ: “لمّا كان الغزل يفيض عن العشق، وهو استحسان الذات، وكان بشّار فاقد البصر، فقد انتحل لغرامه نحلةً جديدةً، وهي دعوى أنّ عشق السمع كعشق البصر. وإنّ إجادته النسيب لأوضح دليل على قوّة تخيّله الشعريّ وفصاحة لسانه.”([74])، فيقول:
“يُزَهّدُني في حُبّ عَبْدَةَ مَعْشَرٌ قُلوبُهُمْ فيها مُخالِفَةٌ قَلْبي
فَقُلْتُ دَعوا قَلْبي وَما اخْتارَ وَارْتَضى فَبِالقَلْبِ لا بِالعَيْنِ يُبصِرُ ذو الحُبّ
فَما تُبْصِرُ العَيْنانِ في مَوْضعِ الهَوى وَلا تَسْمَعُ الأُذنانِ إِلاّ مِنَ القَلْبِ”([75])
ويقول في هذا المعنى أيضًا:
“يا قَوْمُ أُذْني لِبَعْض ِالحَيّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيانا
قالوا بمَنْ لا ترى تَهذي؟ فقلتُ لهم الأذنُ كالعينِ توفي القلبَ ما كانا”([76])
ويقول: “بُلّغْتُ عَنْها شَكْلًا فَأَعْجَبَني وَالسمْعُ يَكْفيكَ غَيْبَةَ البَصَرِ”([77])
وإن كان “بشّار” قد وصل بين الأذن والقلب، فالعبّاس قد وصل بين العين والقلب. نقرأ: “ويعتمد العبّاس في كثير من شعره أسلوب الحوار بين العين والقلب في غزله، ومن ذلك قوله”([78]):
“إِذا لُمْتُ عَيْنَيَّ اللّتَيْنِ أَضَرَّتَا بِجِسْمي فيكُمْ قالَتا لي: لُمِ القَلْبا
فَإِنْ لُمْتُ قَلْبي قالَ: عَيْناكَ هاجَتا عَلَيْكَ الَّذي تَلْقى، وَلِيَ تَجْعَلُ الذنْبا؟
وَقالَتْ لَهُ العَيْنانِ: أَنْتَ عَشِقْتَها فَقالَ: نَعَمْ، أَوْرَثْتُماني بِها عُجْبا.”([79])
“ويسود هذا الحوار المنطق وتغلب عليه الحجج المتينة من الطرفين.”([80])
*إضاءة نفسيّة
سأبني المعالجة في هذا القسم على ما مرّ معي من معلومات جمعتها عن الشاعرين، وعلى الاقتباسات الشعريّة السابقة الّتي تدعم قناعتي وتثبت صوابيّة ما أذهب إليه.”يرتكز التحليل النفسيّ أساسًا على تحديد العقد الطفوليّة، وإظهار دورها في توجيه السلوك وتأثيرها في بناء الشخصيّة.”([81])
وكثيرًا ما تؤثّر مرحلة الطفولة على حياة الإنسان وهذا ما أكّده علماء النفس:
«L’enfance reste en nous un principe de vie profonde.»( ([82]
وما “تاريخ البشريّة – في جوهره – إلّا دراما متّصلة للصراع بين من يملك ومن لا يملك؛ بين من يملك السلطة والقوّة والقدرة والثروة، ومن حرموا منها، أو سلبوا إيّاها. إنّه مسلسل الغنى والفقر يضاف إليه في كلّ عهد فصل جديد أشدّ مرارةً وبؤسًا.”([83])
ممّا تقدّم، يبدو جليًّا أنّ “بشّارًا” كان غارقًا في محيطٍ من الإساءات والسلبيّات، لكلّ ما ساهم في تكوين شخصيّته، في حين كانت شخصيّة “الأحنف” محبّبة مؤنسة تفرح المرء بقربها. “وواضح ممّا قدّمت أنّ طبيعة بشّار لم تكن بسيطة ولا ساذجة، بل معقّدة، فقد كان فارسيّ الأصل، وورث عن الفرس حدّة في المزاج، ونشأ قنًّا ابن قنّ، وولد أعمى لا يبصر. وكان لذلك يحسّ بغير قليل من المرارة، وضاعفها في نفسه فقر أسرته وتخلّفها في المجتمع، وكان ذلك كلّه سببًا في أن يحدث تشويش في فكره وأن تمتلئ نفسه بالشك والحيرة، وكلّ هذه العناصر السالفة أثّرت في طبيعة بشّار وجعلتها شديدة التعقيد.”([84]) فقد كان هجّاءً، لاذع اللسان، وفاجرًا في غزله المكشوف. ولعلّ لكلّ ما تقدّم جرحًا عميقًا لا يطيب؛ فـ “الأفراد الّذين خبروا الكثير من أحداث الحياة السالبة يصبحون تعساء ومعتقدين أنّهم غير قادرين على التحكّم في الأحداث في آنٍ واحد.”([85])
ولقد مرّ معنا أنّ “بشّارًا” قد أمعن في صناعة الأعداء، ما يعني أنّ الحياة الآمنة والهادئة والسلميّة قد فارقته، فهو لم يبنِ علاقات اجتماعيّة صحّيّة تؤازره في أوقات الشدائد.
“كيف تسهم العلاقات الاجتماعيّة في التخفيف من العناء بأشكاله المتعدّدة كسوء المزاج، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالوحدة؟ تشير كثير من الدراسات، ومنها ما أجري باستخدام مقاييس لحصر أحداث الحياة المسبّبة للمشقّة، إلى أنّ المشقّة تسبّب العناء. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تأثير المشقّة يتضاءل كثيرًا إذا توفّرت للفرد علاقات اجتماعيّة داعمة.”([86])
أمّا بالنسبة إلى تخلّف عائلة “بشّار” في المجتمع فقد أبعد منه طريق السعادة إذ “إنّ شديدي الفقر لن يكونوا سعداء، وهناك دراسات مقارنة داخل البلدان تشير إلى أنّ هذا صحيح.”([87])
ونقرأ في الإطار نفسه: “ليس بدعًا أن يكون للمال مكان خاصّ في حياتنا النفسيّة، يمتلئ بكثير من مظاهر الألم والأمل والاستثارة العقليّة والانفعاليّة والوجدانيّة، وذلك لارتباطه بكثير من الدّوافع والميول والحاجات والقيم والاتّجاهات، وإقبال المرء على تحقيق ذاته.”([88])
فكيف يمكن لرجلٍ كهذا أن يحيا سعيدًا في ظلّ إعاقته الجسديّة ومرارته النّفسيّة وفقده المؤازرة الاجتماعيّة والمكانتين المادّيّة والمعنويّة؟
“إنّ الاستبعاد الاجتماعيّ لا يعدو أن يكون إعادة تسمية لما اعتاد الناس تسميته ب “الفقر”. ولا شكّ في وجود ارتباط وثيق بين التّرتيب الطبقيّ الاقتصاديّ وظاهرة الاستبعاد داخل المجتمع، وعندما نتساءل عن وجه الخلل في الاستبعاد الاجتماعيّ، فقد ننتهي إلى أنّه يعتمد، من جوانب معيّنة، على طبيعة المجتمع الّذي يوجد فيه.”([89])
وإن كان المجتمع العبّاسيّ يحطّ من قدر الموالي ويراهم طبقة دنيا لا تتمتّع بالحقوق وترهق كاهلها الواجبات ما يعني بروز صراعات طبقيّة محتدمة في المجتمع ويؤكّد “معاناة الموالي والمضطهدين في المجتمع العبّاسيّ.”([90]) وكان والده طيّانًا يعيش من ضرب اللبن معيشة تقوم على الشظف. فهل أثّرت المهنة القاسية الّتي كان يزاولها الوالد ومردودها الضئيل على نفسيّة “بشّار”؟ وهل أثّر الفقر على نفسيّته المثقلة بالمعاناة؟ نقرأ: “الموارد الّتي يتيحها الآباء تؤثّر في الأطفال بشكل أكثر مباشرة من الموارد الّتي يوفّرها المجتمع المحلّيّ أو الحكومة.”([91]) وللمرحلة الّتي يؤدّي فيها الأب دور القدوة كوالد، وكرجل، ويتشبّه به الابن، أهمّيّة كبيرة في حياة الطفل، ينعكس تأثيرها على مراحله الحياتيّة اللاحقة إيجابًا أو سلبًا:
«L’être humain se construit au travers de ces identifications:
Au père, en tant que père et en tant qu’homme…
Si les projections – identifications – répétitions nous conviennent car elles sont en accord avec notre Moi profond, elles nous rendent heureux. Sinon, elles génèrent des tensions intérieures.»([92])
أمّا بالنسبة إلى إعاقته البصريّة فرافقته عوارضها النفسيّة مدى حياته لأنّه كان يشعر بالقصور والتخلّف عن الآخرين، نقرأ:
الطفل المعوّق “قد جاء إلى هذه الحياة وهو يحمل معه جوانب قصوره الذاتيّ وعوامل معوقاته النفسيّة والاجتماعيّة، فللطفل المعوّق حاجات أساسيّة منها:
حاجته إلى الأمن والطمأنينة النّفسيّة والشّعور بالانتماء إلى محيطه الأسريّ والاجتماعيّ. لكنّ ألم النفس هذا يتضاعف على حياة الطفل حين يدرك أنّ أسباب إحباطاته هذه وأنّ عوامل فشله إنّما مرجعها هو إلى ما يلازمه من قصور كائن في تكوينه الجسميّ أو في تكوينه العقليّ. ويشتدّ الألم على نفسه حينما يحسّ بأنّه مهمل من قبل الأسرة أو عندما يشعر بأنّ الآخرين يسخرون منه وإحساسه هذا يجعله يعيش تحت أوهام منها: أنّه مهدّد نفسيًّا واجتماعيًّا.”([93]) “وكان حمّاد عجرد يهجو بشّارًا فلم يكن في ما هجاه به شيء أشدّ على بشّار من قوله:
وَيا أَقْبَحَ مِنْ قِرْدٍ إِذا ما عَمِيَ القِرْدُ”([94])
“إنّ بشّارًا حين سمع هذا بكى من شدّة إيلامه لنفسه، فقال له قائل: “أتبكي من هجاء حمّاد؟” فقال: والله ما أبكي من هجائه، ولكن أبكي لأنّه يراني ولا أراه، فيصفني ولا أصفه.”([95])
“والنتيجة المترتّبة على عدم إشباع هذه الحاجات الأساسيّة عند الطفل المعوّق، أن يصبح عاجزًا عن التكيّف مع نفسه ومع ظروف البيئة الّتي يعيش فيها. وأهمّ ما يترتّب على عدم تكيّفه هذا من مظاهره قيامه بأنواع مختلفة من السلوك غير المقبول اجتماعيًّا مثل النزعة العدوانيّة. فهو يعتدي لأنّه لا يجد اللطف من الآخرين ولا يتحسّس منهم العطف.”([96])
وممّا تقدّم في دراستي هذه تبيّن أنّ “بشّارًا” كان فاقدًا لأبسط المعايير الأخلاقيّة، وهذا سبب يضاف إلى مكانته المتخلّفة في المجتمع ليسلبه الإحساس بالسعادة الداخليّة؛ “إنّ السعادة هي مفهوم من الرحابة بحيث يتضمّن الأخلاقيّة ذاتها. وهكذا فإنّ كونك سعيدًا ربّما اشتمل في زعم البعض على امتثالك للمعايير الأخلاقيّة. إنّ السعادة العميقة هي سعادة لها رنين أخلاقيّ. إنّ السعادة تنطوي على عناصر أخلاقيّة.”([97])
أمّا “العبّاس” فلم تكن الظروف المحيطة به فيها شظف أو مرارة أو معاناة، إلاّ أنّه قصد المعاناة بنفسه، ولم تكن سهلة، بل أودت بحياته.
ذو الحسب والنسب والمكانة المرموقة، والوسيم المحاط بالمحبّين والمحبّات، والمعجبين والمعجبات، وابن الثراء وسعة العيش، لم يستطع أن يرتع في حضن السعادة، إذ “إنّ المال يشتري الوسائل ولا يشتري الغايات. فقد يشتري المال الطعام، لكنّه لا يشتري الشهيّة للطعام، ويشتري الدواء، لكنّه لا يشتري الصحّة، ويشتري الوسائد والأسرّة، لكنّه لا يشتري لحظة نوم واحدة.”([98]) ويشتري الهدايا الباهظة لجارية، ولكنّه لا يستطيع أن يكسب ودّها.
“وهناك نظريّة ترى أنّ الناس يصابون بالاكتئاب إذا أدركوا أنّهم عاجزون عن التحكّم في الأشياء أي أنّهم لا يستطيعون أن يحقّقوا أهدافًا مرغوبة أو أن يتجنّبوا وقوع أحداث غير مرغوبة.”([99]) إذًا فالعبّاس الّذي رغب بشدّة في محبوبةٍ، أرّقته وسلبت لبّه وعقله، ولم يستطع كسب مودّتها، ارتمى في لجّة من الشقاء والكآبة اللامحدودتين.
وأسأل: كيف استطاع “العبّاس بن الأحنف” أن ينأى بنفسه وفكره وقلبه وشعره عمّا كان يتخبّط به وطنه من هموم وصراعات ويقصر ديوانه على العشق ووصف مجالس الأنس؟ وهل يمكن للشاعر – مرآة عصره – ألاّ يعكس الآلام الّتي تواكب عصره؟ وكيف انعكست علاقته الغراميّة الفاشلة على جسده فغرق في لجج السقم والضياع، فأفنى حياته رخيصة في غير غاية أو هدف. وكم يتعرّض الإنسان في هذه الحياة لخيبات متتالية، إلا أنّ صاحب الإرادة القويّة والشخصيّة المحصّنة ينهض ويستمرّ، أمّا الكائن الضعيف فيوصله وهنه إلى الاختلال والامّحاء فيذوب كيانه في فكرة ثابتة تسيطر عليه ويدور في دوّامتها فتمتصّ عافيته وقوّته وقدرته على استمراريّة العيش الّذي يغدو مثقلًا بأصفاد لا خلاص منها إلّا بالخروج من عالم الأحياء نفسه. وفي ولوجي إلى عالم الطبّ النفسيّ لفهم الحالة الّتي وصل إليها الشاعر: “العبّاس بن الأحنف”، أقرأ:
« Il s’agit d’une grande crise d’angoisse aiguë comme un état paroxystique([100]); c’est un état régressif du Moi, très proche des ébauches de dépersonnalisation.»([101])
ما يشير إلى أنّ الشاعر، الّذي انعكست آلام قلبه عليه، قد عانى أقصى أنواع الأمراض النفسيّة، وبلغ أزمة ارتداديّة حادّة أوصلته إلى فقدان الهويّة والانهيار الكلّيّ.
*المرأة كرمز
ولقد لمعت نساء كثيرات في العصر العبّاسي، “إذ نرى من النساء مَنْ يختلفنَ إلى حلقات المتكلّمين والفقهاء وغيرهم. ومِن النساء حينئذٍ مَنْ كنَّ يطالبنَ بمساواة المرأة بالرجل في الوظائف المهمّة مثل كتابة الدواوين وولاية الأقاليم والخطابة في المحافل العظام.”([102])
إلاّ أنّ الفكرة الّتي أريد إضاءتها هنا لا تتمثّل بالبراعة النسائيّة وما وصلت إليه من مكانة، فهي وإن تألّقت في ميدانٍ من ميادين العمل الكثيرة وأثبتت كفاءتها وتميّزها، إلاّ أنّها لم تستطع أن تغرس في الذهنيّة العربيّة الذكوريّة المتحجّرة القبول بها كفرد مبدع وفاعل في مجتمعه، وظلّت العقليّة الشرقيّة ترسم الإطار الضيّق لحياة النساء وتحدّد موقعها في زوايا المنزل وأركانه المظلمة، سالخةً إيّاها دورها في حركة الحياة والوطن والمجتمع.
من هنا، لم تتجاوز المرأة في قصائد “بشّار” و”العبّاس” كونها حاجة خاصّة، روحيّة أو جسديّة، ولم يرفعها الشاعران إلى احتواء الرموز والأبعاد.
ولبلورة ما أريده، أقارن شاعرينا “بشّار” و”العبّاس” بالشاعر الحديث “نزار قباني” الذي يشبه، بشخصه وشعره، شاعرينا كليهما، إلا أنّه فاقهما في إضفاء الأبعاد الرمزيّة على المرأة، الّتي جمعت بذاتها الوطن والنضال والدين والانكسار والانتصار.
ضاهى “نزار” الشاعر المعاصر “بشارًا” في بدويّته وفي صناعة الأعداء وفي قصائده الغريزيّة. يقول “نزار قباني”: “لُنْدُن تُمْطِرُني ثَلْجًا.. وَأَبْقى بِاشْتِهائي بَدْوِيًّا.. تَمْنَحُني كُلَّ الثقافاتِ.. وَأَبْقى بِجُنوني عَرَبِيًّا.. لُنْدُن تُمْطِرُني عَقْلًا.. وَأَبْقى فَوْضَوِيًّا…”([103])
إن وقفت عند حدود بعض الشواهد الشعريّة القبّانية، لا نلحظ فرقًا بين رجل القرن العشرين ورجل القرن العبّاسيّ، بين الغريزة الحسّيّة الصارخة عند الشاعر الحديث وبينها عند الشاعر العبّاسيّ الذي يتغزّل الغزل الفاحش بالقيان اللواتي تضجّ بهنّ دور النخاسة.
يقول “نزار”:
“إِنَّها تُثْلِجُ نِساء…
أَتْرُكُهُنَّ يَتَساقَطْنَ عَلى جَسَدي واحِدَةً واحِدَة…”([104])
ويقول “بشّار”:
“مَنْ راقَبَ الناسَ لَمْ يَظْفَرْ بِحاجَتِهِ وَفازَ بِالطيّباتِ الفاتِكُ اللهِجُ
قالوا: حَرامٌ تَلاقينا، فَقَدْ كَذَبوا ما في التِزامٍ وَلا في قُبْلَةٍ حَرَجُ…”([105])
أمّا صناعة الأعداء فقد حسب بعض النقّاد أنّ دواوين “نزار قبّانيّ” “قرقشة لعظام المرأة، واستعمال جسدها مزرعة شعريّة يفلحها “نزار” من وقت لآخر، ويحصد محصولها بعد صدور كلّ ديوان له في العالم العربيّ.”([106])
فالمرأة عند “نزار قبّانيّ”، لم تتجاوز الشّكل الخارجيّ في بعض قصائده، ولا سيّما في دواوينه الأولى وفي سني مراهقته، ولكنّه، في قصائد أخرى، رفع قامتها لتلامس السحب، فلم تعد مجرّد أنثى مختصرة بالجسد الجميل والصوت المعشوق ورقّة الملمس وسحر العينين، وسلب العقول وتملّك القلوب، بل صارت مع “نزار” رمزًا لوطن وموئلًا لنضال وساحة ًلمعارك، هذه المعاني كلّها استعصت على ذلك الشاعر الّذي إنْ أراد رفع قومٍ تباهى بعرض نسائه، وإن ابتغى خفضه وسم شرفهنّ بالعار. ولقد نظم “نزار قبّاني” قصائد في حبّ المرأة منها ما يحمل الحشمة والترفّع، ومنها ما ينغمس في الشهوات والملذّات، إلاّ أنّه وبعيدًا من إرواء عشقه للمرأة كرجل، نظر إليها في أحايين كثيرة على أنّها رمز للوطن، والمقاومة، والمجتمع. يقول “نزار قبّاني”:
“أَلاحَظْتِ…
كَيْفَ تَأَلَّقَ وَجْهُكِ تَحْتَ الحَرائِق؟
وَكَيْفَ دَبابيسُ شَعْرِكِ صارَتْ بَنادِق؟
أَلاحَظْتِ كَيْفَ تَغَيَّرَ تاريخُ عَيْنَيْكِ في لَحْظاتٍ قَليلَة؟
فَأَصْبَحْتِ سَيْفًا بِشَكْلِ امْرَأَة
وَأَصْبَحْتِ شَعْبًا بِشَكْلِ امْرَأَة…”([107])
فالدّبابيس التي تتحوّل إلى قنابل، ومعادلة المرأة | السيف، والمرأة | الشعب، تأخذ أبعادًا مختلفة عمّا ضجّ في ذهنيّة شاعرَي العصر العبّاسيّ. وشابه “نزار قبّاني” العبّاسَ في رقيّه وتحضّره ومكانته وبعض قصائده العذريّة؛ إذ كان ديبلوماسيًّا تعرّف على الشعوب والحضارات، وكان مقرّبًا من الخاصّة والعامّة، صحيحٌ أنّ “العبّاس” لم تُعرف له أسفارٌ ولكنّه كان مقرّبًا من الخاصّة، ويمضي أوقاته معهم ويجاريهم في تسلياتهم. وكان “نزار” وسيمًا ومحبوبًا، صحيح أنّه كان ابن عائلة متوسّطة ولكنّه جاب البلاد وتعرّف على العباد وزرع حوله العشق والياسمين، وفضّل المرأة العربيّة على سواها من بقاع الأرض. ولكنّ المرأة العربيّة لا نجدها في قصائد الشاعرين، فعند “العباس” لا مكان لغير “فوز” وعند “بشّار” لم تتوسّع نظرته لتشمل المرأة العربية إنّما ظلّت في الإطار المحلّيّ الضيّق، حبيبةً أو عشيقةً أو مهجوّةً. يقول “نزار”: “أنا لا أستطيع بحكم تكويني، أن أحبّ امرأةً لا أشمّ فيها رائحة النعناع، والزعتر البرّيّ، والحبق، والوزّال، والفلّ، والمنثور، والأضاليا… الّتي تملأ حقول بلادي… أنا بهذا المعنى عربيٌّ جدًّا…”([108]). ويقول “نزار” أيضًا: “وأفضّل امرأةً عربيّةً تعبق من مسامات جلدها رائحة القهوة، والهال، والقرفة واليانسون، والورد البلديّ… على كلّ دوقات ومركيزات العالم.”([109])
وأتوقّف قليلاً مع المرأة “المهجوّة”؛ إذ كان يستعملها “بشّار” ومعاصروه أداةً للنيل من جماعة عدوّةٍ معيّنة فيفتك بأعراض نسائها، فحين استطار الهجاء بينه وبين “حمّاد عجرد” مثالاً فتك بنساء قبيلته وقابله الآخر بالمثل. وكانت المعارك الهجائيّة العنيفة الّتي تنشب بين الهجّاءين “تشبه أدقّ الشبه سهامًا مسمومة، وقد اختلفت أنواع السموم الّتي كانا يغمسانها فيها، فتارةً يعمدان إلى التهوين والتحقير، وتارةً يعمدان إلى انتهاك العرض وقذف الزوجات والأخوات والأمّهات.”([110])
وأقول هنا إنّ الشّعراء المعاصرين، على الرغم من بعد المسافة الزمنيّة بين عصرنا والعصر العباسيّ، قد نحوا هذا التوجّه في سلخ المرأة العدوّة شرفها، هذا “نزار قبّاني” يعبّر عن رؤية المرأة الإسرائيليّة بالعيون العربيّة فيذكّرنا بهجاء القبائل الّذي يصوّب سهامه للنيل من المرأة. يقول “نزار”:
“أَكْتُبُ بِاخْتِصار
قِصَّةَ إِرْهابِيَّةٍ مُجَنَّدَة
يَدْعونَها “راشيل”
قَضَتْ سِنينَ الحَرْبِ في زِنْزانَةٍ مُنْفَرِدَة
شَيَّدَها الأَلْمانُ في بْراغ
كانَ أَبوها قَذِرًا مِنْ أَقْذَرِ اليَهود
يُزَوّرُ النقود
وَهيَ تُديرُ مَنْزِلًا لِلْفَحْشِ في بْراغ
يَقْصُدُهُ الجُنود.”([111])
ويقول شاعر فلسطينيّ([112])، عن إحدى النساء الإسرائيليّات:
“وَتَصيحُ عاهرةٌ، تُسَمّي نَفْسَها
قَمَرَ الزمان،
مَبْحوحَةَ الثدْيَيْن، كَمْ صاحا،
بِنافِذَةٍ، لَماخورٍ وَحان…”([113])
وغيرهما كثيرون.
الخاتمة
أظهرت دراستي أنموذجًا مصغّرًا عن عالم التناقضات الّذي ساد في العصر العبّاسيّ، ويبقى ما أوردته محدودًا بالقياس إلى عصرٍ ضجّ بالتلاقح الحضاريّ والثقافيّ والدينيّ والاجتماعيّ، وبلغ الذروة في ضخّ نبض الحياة بالغنى والقوّة والتنوّع. و”لقد ارتقت الحياة العقليّة والأدبيّة في العصر العبّاسيّ، وسمت جوانبها. وأثمرتْ شجرةُ غرسِها نتاجًا جنيًّا طيّبًا كثيرًا. أغنت المكتبة العربيّة بتراث قيّم وثروة نفيسة من الكتب والمصنّفات في مختلف جوانب المعرفة لا تزال إلى وقتنا الحاضر تعدّ المصادر الرئيسة للباحثين والدارسين.”([114])
وفي النهاية آمل أن أكون قد فتحت كوّةً جديدةً في أفق النقد العربيّ، وأن تكون الآراء الّتي عرضتها نواة بذور حديثة جديرة بإثارة التساؤلات عند بعض الدارسين، وأرضًا خصبة لأبحاث تحمل بين صفحاتها الجدّة والرصانة والإفادة.
باختصار الحياة مليئة بالتناقضات؛ من القديم إلى الحديث، ومن النور إلى الظلمة، ومن الخير إلى الشرّ، ومن الماضي إلى المستقبل، ومن الولادة إلى الموت، ومن القوّة إلى الضعف، وبين البداية والنهاية تختلف أحداث الحكاية.
كثيرون في هذه الحياة لا يرون ما يملكون بل يركّزون أبصارهم على ما لا يملكون. يسمّر الإنسان نظره على ما لا يملك، ويحجب البصر عمّا يملك؛ ولإيضاح الفكرة نستعير من الفنّ السينمائيّ “اللقطة الكبيرة” ما يعرف بالفرنسيّة بـ “très gros plan” وهي ” اللقطة القريبة جدًّا من موضوع التصوير والّتي تجعله يملأ إطار الصورة وحده،”([115])
ملك “بشّار بن برد” الموهبة والذكاء والعائلة، وتوصّل من خلال إبداعه الشعريّ إلى أن ينادم عليّة القوم وصولًا إلى الخليفة رأس السلطة، ولكنّه لم يكتف، واستمرّ بصره معلّقًا بالمرارة القديمة وملأ الغضب قلبه، وظلّ الماضي المخزي يلاحقه ويرسم حاضره ومستقبله، فاستشاط كراهية ولم يستطع أن يصفح، ما انعكس أزمةً لازمت حياته ورافقتها وأنهتها.
أمّا “العبّاس بن الأحنف” فانصبّ نظره على أمرٍ يفتقده، فاحتلّ مساحة الرؤية، وجعله لا يرى ما منّ الله عليه من مكانة وموهبة وثراء ووسامة وأناقة ومحبّة الآخرين وتقديرهم. ولعلّ العبرة الّتي أخرج بها من هذه الدراسة والّتي تجيب عن الإشكاليّة المطروحة، أنّ على الإنسان أن يتكيّف مع ظروف حياته فلا يعلّقها بمأرب واحد، بل يوسّع إطار الرؤية ولا يجتزئها، ويقلّب وجهات النظر ويتخطّى العوائق، فيواجه المستجدّات بعقل ومنطق ولا يترك قلبه أو عواطفه أو انفعالاته تقود السفينة لأنّها تفتقد الى الحكمة، فالقلب له دور، وللعقل دور في حياة الانسان، وإن ضلّ الاتّجاه غرق في عتمة الموت.
“والحقيقة الشعريّة هي حقيقة انفعاليّة، من دون شكّ، ولكنّها لا تصدر عن الانفعال المهووس، الفاقد البصيرة، والّذي يسفح ذاته بالترّهات العاطفيّة والأباطيل… وإنّما هو انفعال عاقل، رزين، يستمدّ من العقل جدّيّته ومن العاطفة يقينها وحرارتها وحياتها وحيويّتها.”([116]).
إذًا، بالمنطق والنظر الثاقب والرؤية السديدة يمكن للمرء أن يتجاوز الصعاب، ولا سيّما إن كان كثيرون قد مرّوا بها، وليست وقفًا على إنسان واحد في هذه الكرة الأرضيّة. وكثيرون يعانون آلامًا أكبر بكثير من هذه الصعوبات، فكثيرون أحبّوا في هذا العالم ولم يفلحوا في الارتباط بأحبّتهم، وكثيرون مرّوا بطفولة صعبة ومعقّدة ولم تكن حجّة للانحراف عن الدرب السويّ، ولم يتركوا الخيبة تسيطر على مصائرهم وتلوّن أيّامهم باللون القاتم. فلم لا نفرغ قلوبنا من الضغينة ونفيد من الحياة بكلّ ما فيها فنحبّ من يحبّنا بصدق وشفافيّة، ونتجنّب من يكرهنا، لنعيش بسلام وهدوء وسكينة. حين يملأ عدم الرضى عيني الإنسان ويستحوذ على كيانه، يشوّه الحقائق ويغشو الضباب بصره وبصيرته ويتعكّر صفو القلب ويهتزّ ميزان المنطق، وقد يكون المطلوب غير ذي جدوى إذا ما قورن بما يستحقّ الاهتمام في هذه الدنيا، وهنا تتزعزع الثقة بالذات وتكبر أحجام مسبّبات الآلام أكثر من حجمها، وبشكل مبالغ فيه فيفقد الإنسان السيطرة على الذات، ويهمل الإنصات إلى صوت الحقّ النابع من الأعماق، في صخب أمواج الشكّ، الّتي تشوّه الحقائق، وتغرق المرء لأسباب لا تستحقّ العناء.
فهل على هذه الأرض ما يستحقّ العناء؟ قد يكون وقد لا يكون، ولكنّ المحقّق أنّ الحياة الإنسانيّة ثمينة، وما دامت الحياة هاربة فلم لا نأسرها في محطّات عزّ؟
مات “ابن الأحنف”، ومات “ابن برد” في غير أوانهما، لأنّهما لم يدركا هذه الحقيقة في أوانها.
المصادر والمراجع
المصادر
المصدر الدّينيّ
- الإنجيل المقدّس.
المصادر الأساسيّة
– ابن الأحنف: العبّاس، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، ط1، دار الكتب المصريّة، 1954.
– بن برد: بشّار، “ديوان بشّار بن برد”، ج 1، جمع وتحقيق وشرح: محمّد الطاهر بن عاشور، صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة الجزائريّة، 2007.
– بن برد: بشّار، “ديوان بشّار بن برد”، ج 2، جمع وشرح وتعليق: محمّد الطاهر ابن عاشور، صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة الجزائريّة، 2007.
المصادر العامّة
– ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، وقيل: “طبقات الشعراء”، مطبعة بريل/ 1902.
– بسيسو: معين، “الأعمال الشعريّة الكاملة”، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2016.
– قبّاني: نزار، “الأعمال السياسيّة الكاملة”، ج3، منشورات نزار قبّاني، بيروت، لبنان، ط4، 1986.
– قباني: نزار، “الأعمال الشعريّة الكاملة”، ج4، منشورات نزار قبّاني، بيروت، لبنان، ط1، 1986.
– قبّاني: نزار، “الأعمال النثريّة الكاملة”، ج7، منشورات نزار قبّاني، بيروت، لبنان، ط1، 1993.
– قبّاني: نزار، “العمال النثريّة الكاملة”، ج8، منشورات نزار قبّاني، بيروت، لبنان، ط1، 1993.
المراجع
المراجع العربيّة
– الجسماني: عبد العلي، “سايكولوجيا الطفولة والمراهقة وحقائقهما الأساسيّة”، الدار العربيّة للعلوم، ط1، 1994.
– الحاوي: إيليّا، “نزار قبّاني، شاعر قضيّةٍ والتزام”، ج 2، دار الكتاب اللبنانيّ، بيروت، لا ت.
– رشيد،: ناظم، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، مديريّة دار الكتب للطباعة والنشر، لا ط، جامعة الموصل، العراق.
– سويدان: سامي، “في النصّ الشعريّ العربيّ”، دار الآداب، ط1.
– ضيف: شوقي، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، دار المعارف بمصر، ط6، لا تاريخ.
– ضيف،: شوقي، “العصر العبّاسيّ الثاني”، دار المعارف بمصر، ط2، 1973.
– عيد، يوسف، “ديوان العذريين”، دار الجيل، ط1، بيروت، لبنان.
– مجموعة مؤلّفين، “المنجد في اللغة والأعلام”، دار المشرق، بيروت، ط32، 1992.
– النابلسي: شاكر، “الضوء واللعبة”، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 1986.
– ناصيف: إميل، “أروع ما قيل في المرأة”، ط1، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1996.
– نجم: خريستو، “في النقد الأدبيّ والتحليل النفسيّ”، دار الجيل ومكتبة السائح، ط1، 1991.
المراجع الأجنبيّة
– Bachelard, Gaston, “la poétique de la rêverie », troisième édition, presses universitaires de France, Paris, 1965.
– Bergeret, Jean, « La personnalité normale et pathologique », 3ème édition, Dunod.
– Deldime, Roger, Sonia Vermeulen, « le développement psychologique de l’enfant », 7eme édition de Boeck, 1997.
المراجع المعرّبة
المجلّات
– أرجايل: مايكل، “سيكولوجيا السعادة”، تر. فيصل عبد القادر يونس، مراجعة: شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، العدد 175.
– بي: ستيفن، و جنكينز وجون مايكلرايت، “منظور جديد للفقر والتفاوت”، تر. بدر الرفاعيّ، سلسلة عالم المعرفة، العدد 363، 2009.
– زيدان: أكرم، “سيكولوجيا المال”، سلسلة عالم المعرفة، العدد 351، 2008.
– علي: نبيل، نادية حجازي، “الفجوة الرقميّة”، مجلّة عالم المعرفة، العدد 318، أغسطس 2005.
– هيلز: جون، جوليان لوغران، دافيد بياشو، “الاستبعاد الاجتماعيّ، تر. محمد الجوهريّ، سلسلة عالم المعرفة، العدد 344.
– وايت،: نيكولاس، “السعادة – موجز تاريخيّ”، تر. سعيد توفيق، سلسلة عالم المعرفة، العدد 405.
المواقع الإلكترونيّة
www.uobabylon.edu.iq 13/12/2018
isalna.com 31/8/2019. 8:15 pm
ds.g.doubleclick.net. 31/8/2019. 8:15 pm
أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الفرع الخامس. -1
[2]ـ العبّاس بن الأحنف، (أبو الفضل)، (ت 808): شاعر غزل بغداديّ، له أخبار مع الرشيد. له “ديوان”.
[3]ـ بشّار بن برد (714- 784)، شاعر هجّاء من الكبار. فارسيّ الأصل. عاش بالبصرة. أكثر من التشبيب بالنساء والهجاء، وهجا المهديّ فسخط عليه، ورآه مرّةً سكرانًا يؤذّن فرماه بالزندقة وضرب سبعين سوطًا حتّى مات. كان أعمى، غليظ المنظر، متبرّمًا بالناس.
[4]– ناظم رشيد، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، مديريّة دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، العراق،1989، ص5.
[5]– المرجع نفسه، ص1.
[6]ـ نزار قبّانيّ، (1923-1998)، شاعر سوريّ، من روّاد الشعر الحديث ومن أبرز شعراء الغزل المعاصرين. عمل في السلك الدبلوماسيّ. من مجموعات شعره: “أحلى قصائدي” و”أشعار خارجة على القانون” و”الأعمال الشعريّة الكاملة.”
[7]– ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، وقيل: “طبقات الشعراء”، مطبعة بريل/ 1902، ص525.
[8]ـ ds.g.doubleclick.net. 31/8/2019. 8:15 pm
[9]– شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل،” ص201.
[10]– ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، ص476.
[11]– شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص202.
[12]ـ بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج 1، ص14.
[13] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص375.
[14] ـ المرجع نفسه، ص375.
[15] – المرجع نفسه، ص201.
[16] – المرجع نفسه، ص205.
[17] – العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، ط1، دار الكتب المصريّة، 1954، ص و.
[18] – شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص376.
[19]– www.uobabylon.edu.iq 13/12/2019.
[20]– www.uobabylon.edu.iq 13/12/2019.
[21] ـ العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص285.
[22] – شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص 203.
[23] ـ بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج 1، ص36.
[24]ـ المصدر نفسه، ص36.
[25]– شوقي ضيف، ا”لعصر العبّاسيّ الأوّل”، ص 375-376.
[26]– العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص ب.
[27]– شوقي ضيف، ا”لعصر العبّاسيّ الأوّل”، ص207.
[28]ـ المهديّ (محمّد بن المنصور)، ثالث الخلفاء العبّاسيين، 158-169 هـ \ 775-785 م). اشتهر بحروبه ضدّ البيزنطيين. أنشأ الطرق العامّة وحسّن جهاز البريد فازدهرت التجارة في عهده.
[29]– شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل، ص206.
[30] – ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، ص479.
[31] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج 1، جمع وتحقيق وشرح: محمّد الطاهر بن عاشور، صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة الجزائريّة، 2007، ص40.
[32] ـ اصطدم بشّار بكثير من الشعراء، وجرّ عليه هذا الاصطدام بلاء كثيرًا وخاصّةً من “حمّاد عجرد” الّذي سلقه بلسانه، وأصلاه بناره. \ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص215.
[33] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص40.
[34] – شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص379.
[35] – المرجع نفسه، ص376.
[36] – ناظم رشيد، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، ص42.
[37] ـ الأصمعيّ (أبو سعيد عبد الملك) (740؟ ـ 828؟)، لغويّ بصريّ من المشاهير. تلميذ أبي عمرو بن العلاء. عهد إليه هارون الرشيد بتعليم الأمين. من كتبه “خلق الإنسان”، “الخيل”، “الإبل”، “الأضداد” وأشهرها “الأصمعيّات” في رواية أشعار العرب.
[38] – شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص 211.
[39] ـ ابن قتيبة، (أبو محمّد عبدالله) (828ـ889)، أديب كبير. ولد في الكوفة، خراسانيّ الأصل. فقيه ومحدّث. اشتهر بمؤلّفاته، منها “الشعر والشعراء” و”أدب الكاتب” و”عيون الأخبار” و”كتاب المعارف”.
[40] – ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، ص476-477.
[41] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص86.
[42] – شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل، ص205.
[43] – www.uobabylon.edu.iq 13/12/2019.
[44] – شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الثاني”، ص84.
[45][45] ـ نقرأ في هذا الموضوع: “وهو (بشّار بن برد) يكثر في أشعاره من ذكر أطفاله الصغار يستعطف بهم ممدوحيه حتّى يضاعفوا له الجائزة.” \ شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل، ص206.
[46] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص206.
[47] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الثاني”، ص 84.
[48] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج1، ص42.
[49] – شوقي ضيف، العصر العبّاسيّ الأوّل، ص376.
[50] ـ هارون الرشيد، الخليفة العبّاسي الخامس، (170-193 هـ \786 -809 م). من أشهر الخلفاء العبّاسيين. ابن المهديّ والخيزران.
[51] – العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص28.
[52] – ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، ص528.
[53]ـ يتلوّن الغزل العذريّ بأناشيد الحرمان وولوع الأشواق وشكاوى الفراق والحبّ الدفين. \ يوسف عيد، “ديوان العذريين”، ط1، دار الجيل، بيروت، لبنان، ص 3.
[54] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص135-136-137.
[55] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص279-280.
[56] – المصدر نفسه، ص280.
[57] – المصدر نفسه، ص72.
[58] – المصدر نفسه، ص98.
[59] – ناظم رشيد، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، ص41.
[60] ـ عذرة: قبيلة اشتهرت بالحبّ العذريّ الّذي يقوم على الصدق والإخلاص والعفّة. \ يوسف عيد، “ديوان العذريين”، ط1، دار الجيل، بيروت، لبنان، ص 5.
[61] – ناظم رشيد، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، ص42.
[62] – العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص197.
[63] ـ للأمانة العلميّة نذكر أنّنا قرأنا في بعض المواقع الإلكترونيّة معلومات مغايرة عن “فوز”، مثال: “فوز حبيبة العبّاس بن الأحنف هي عليّة بنت المهديّ أخت هارون الرشيد ولذلك كان عبّاس يخفي اسمها واختار اسم فوز لأنّها كانت كثيرة الفوز بالسباقات والمنافسات وكتب في هذا وقال: كتمت اسمها كتمان من صان عرضه…”isalna.com 31/8/2019. 8:15
[64] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص377.
[65] – العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص6.
[66]ـ ds.g.doubleclick.net. 31/8/2019. 8:15 pm
[67] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص 221.
[68] ـ إميل ناصيف، “أروع ما قيل في المرأة”، دار الجيل، ط1، بيروت، لبنان، 1996، ص 126.
[69] ـ المرجع نفسه، ص 137.
[70] ـ المرجع نفسه، ص 130.
[71] – العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص82.
[72] ـ بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج2، ص77.
[73] – العبّاس بن الأحنف، ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص84.
[74] ـ المصدر نفسه، ص67.
[75] – بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ج1، ص43.
[76] – المصدر نفسه، ص44.
[77] – الموضع نفسه.
[78] – www.uobabylon.edu.iq 13/12/2019
[79] ـ العبّاس بن الأحنف، “ديوان العبّاس بن الأحنف”، ص45.
[80] – www.uobabylon.edu.iq 13/12/2019
[81] – خريستو نجم، “في النقد الأدبيّ والتحليل النفسيّ”، ص89.
[82]-Gaston Bachelard, “la poétique de la rêverie”, troisième édition, presses universitaires de France, Paris, 1965, p. 107. – “تبقى الطفولة فينا ركيزةً أساسيّة في عمق حياتنا…”
[83] – نبيل علي، ناديا حجازي، مجلّة عالم المعرفة، العدد 318، أغسطس 2005، الفجوة الرقميّة ص11.
[84] – شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص207.
[85] – مايكل أرجايل، “سيكولوجيا السعادة”، تر. فيصل عبد القادر يونس، مراجعة: شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، العدد 175، ص 154.
[86] – المرجع نفسه، ص 40-41.
[87] – المرجع نفسه، ص129.
[88] – أكرم زيدان، “سيكولوجيا المال”، سلسلة عالم المعرفة، العدد 351، 2008، ص7.
[89] – المرجع نفسه، ص43.
[90]– سامي سويدان، “في النصّ الشعريّ العربيّ”، دار الآداب، ط1، ص88-89.
[91] – جون هيلز، جوليان لوغران، دافيد بياشو، “الاستبعاد الاجتماعيّ، تر. محمد الجوهريّ، سلسلة عالم المعرفة، العدد 344، ص 135.
[92] – Roger Deldime, Sonia Vermeulen, « le développement psychologique de l’enfant », 7eme édition de Boeck 1997, p. 112.
[93] – عبد العلي الجسماني، “سايكولوجيا الطفولة والمراهقة وحقائقهما الأساسيّة”، الدار العربيّة للعلوم، ط1، 1994، ص104-105.
[94] – ابن قتيبة، “كتاب الشعر والشعراء”، ص477.
[95] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص168.
[96] – عبد العلي الجسماني، “سايكولوجيا الطفولة والمراهقة وحقائقهما الأساسيّة”، ص105-106.
[97] – نيكولاس وايت، “السعادة – موجز تاريخيّ”، تر. سعيد توفيق، سلسلة عالم المعرفة، العدد 405، ص164.
[98] – أكرم زيدان، “سيكولوجيا المال”، سلسلة عالم المعرفة، العدد 351، 2008، ص7.
[99] – مايكل أرجايل، “سيكولوجيا السعادة”، تر. فيصل عبد القادر يونس، مراجعة: شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، العدد 175، ص 162.
[100] – الحالة الانتيابيّة. (مرض نفسيّ ).
[101] – Bergeret Jean, « La personnalité normale et pathologique », 3ème édition, Dunod, p. 155.
-[102] شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الثاني”، ص128.
[103] ـ نزار قباني: “الأعمال الشعريّة الكاملة”، ج4، ص259.
[104] ـ المصدر نفسه، ص247.
[105] ـ بشّار بن برد، “ديوان بشّار بن برد”، ص 56-57.
[106] ـ شاكر النابلسي، “الضوء واللعبة”، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 1986، ص267.
[107] ـ نزار قبّاني، “الأعمال السياسيّة الكاملة”، ج3، ص461.
[108] ـ نزار قبّاني، “الأعمال النثريّة الكاملة، ج 7، ص341.
[109] ـ نزار قبّانيّ، “الأعمال النثريّة الكاملة”، ج 8، ص618.
[110] ـ شوقي ضيف، “العصر العبّاسيّ الأوّل”، ص215.
[111] ـ نزار قبّاني، “الأعمال السياسيّة الكاملة”، ج3، ص28-29.
[112] – معين بسيسو.
[113] ـ معين بسيسو، “الأعمال الشعريّة الكاملة”، ص240.
[114] – ناظم رشيد، “الأدب العربيّ في العصر العبّاسيّ”، ص357.
[115] – خريستو نجم، “في النقد الأدبيّ والتحليل النفسيّ”، ص235.
[116] ـ إيليّا الحاوي، “نزار قبّاني، شاعر قضيّةٍ والتزام”، ج 2، دار الكتاب اللبنانيّ، بيروت، لا ت.، ص6.