التيارات الشّعيّة السياسية في العراق ما بعد 2003
تيار الإصلاح الوطني أنموذجًا … قراءة في الخطاب السياسي والاجتماعي
مجاهد أبوالهيل بدر ([1])
اولاً: مقدمة البحث
الحديث عن الأحزاب والتيارات السياسية الشّعيّة في العراق لا يخلو من مغامرة لأنّه يفضي الى متاهة شاسعة بالبحث بحجم المتاهة العراقية التي ليس لها حدود لأنها جاءت نتيجة التّداخلات التي حصلت وتحصل على مدى العقود الأخيرة في العراق.
لذلك سنقوم بلملمة البحث وحصره في زاوية واحدة حفاظاً على وحدة الموضوع وإغلاق المجال أمام هذه المتاهة, لكن هذا لايعني تجاوز الأطراف التي تتعلق بموضوعة بحثي والتي لها علاقة فاعلة ومنفعلة في ما نود بحثه.
كذلك لا ننفي أنّ هذا البحث ولد بعملية قيصرية بسبب بكارة موضوعاته وقلة مصادره ووثائقه كون مادة البحث “تيار الإصلاح الوطني” حديث الولادة والنشأه والتكوين قياساً بالأحزاب والتيارات السياسية السائدة في العراق التي تشكلت منذ عقود طويلة وخاضت العديد من التّجارب والمخاضات والمطبات ما أتاح للباحثين الكتابة عنها بحرية وسهولة.
أمّا موضوعة بحثي “تيار الإصلاح الوطني” فلايزال يفتقر الى القراءات والبحوث وهذا يعود الى كونه حديث الولادة كما أسلفت، وهذا ما جعل الباحثين في الشأن السياسي العراقي أن يعزفوا عن تناوله بشكل موضوع على الرغم من التّجربة السّياسية الطويلة لمؤسس هذا التيار الدكتور ابراهيم العفري الذي خاض كلّ تجربته السّياسية في أحضان حزب الدّعوة الإسلاميّة قبل أن تحصل الاختلافات بينه وبين حزبه ما دعاه لتأسيس تيار جديد خارج إطار الحزب الذي ينتمي إليه.
ثانياً: تيار الإصلاح الوطني وحزب الدّعوة الإسلاميّة – إطلاله سوسيوتاريخية
أي حديث عن تيار الإصلاح الوطني لابدّ أن يكون مسبوقًا بحديث عن نشأة حزب الدّعوة الإسلاميّة والظروف الاجتماعية التي رافقت تأسيسه، ليس بسبب أن هذا الحزب يعدُّ الرحم الأوسع لأحزاب وتيارات الإسلام السياسي الشّيعي فقط، إنّما لكون تيار الإصلاح الوطني موضوع البحث يعدُّ آخر أبناء الحزب في مسيرة انشقاقاته المتعددة كما سيأتي لاحقًا، لذلك سنطل بعجالة على ولادة حزب الدّعوة الإسلاميّة تمهيدًا لدخول خبايا تيار الإصلاح الوطني وظروف نشأته.
ولد حزب الدّعوة الإسلاميّة نتيجة لروح المغامرة لدى ثلة من الشّباب الواعي في الحركة الإسلاميّة الشّيعيّة في المدن الدّينية (النجف/ كربلاء) هي التي دفعتهم لمجاراة الواقع السياسي في العراق الذي كان يفور بالحراك الحزبي والتشكيلات السياسية، إذ كان أغلب قادة الحزب ومؤسسيه لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً باستثناء السيد مرتضى العسكري (43) عاماً والسيد صادق القاموسي (35) عاماً، بينما كانت أعمار الباقين تتراوح بين 18 عاماً و28 عاماً، إذ كان عمر المنظّر الأبرز للحزب وهو السيد محمد باقر الصدر (22) عاماً، وكانت مهمته تنصبّ على إدارة الاجتماعات التأسيسية وتدوين أسس الحزب وتسميته الحزب بالدّعوة الإسلاميّة وحصر إدارة الملف الفقهي والفكري للحزب به (1)، ويعد السيد محمد مهدي الحكيم الى جانب السيد طالب الرفاعي، وعبد الصاحب دخيل، ومحمد صادق القاموسي، وحسن شبر، أصحاب فكرة إنشاء حزب إسلامي شيعي كما ذكرنا والذي حمل اسم حزب الدّعوة الإسلاميّة في ما بعد، إذ يقول السيد محمد مهدي الحكيم: إن فكرة تأسيس حزب إسلامي طرحت خلال العام 1956م، واستمرت التحركات والاجتماعات أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحرّكه. وكانت أول قضية طُرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي مشروعيّة قيام الحكومة الإسلاميّة في (عصر الغيبة)، فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر(وهو الفقيه الوحيد بين المؤسسين، دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلاميّة في عصر الغيبة، وكانت هذه الدّراسة أول نشرة حزبية يتبناها “حزب الدّعوة”. ويضيف السيد محمد مهدي الحيكم: أنه عرض فكرة تأسيس الحزب في العام 1956م على السيد طالب الرفاعي، وعبد الصاحب دخيل، ومحمد صادق القاموسي، فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التّداولية الأولى لفكرة لحزب، ثم اقترح السيد طالب الرفاعي مفاتحة السيد محمد باقر الصدر، فوافق على الفور حين فاتحه السيد مهدي، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري(2) للعمل (وكان يقيم في الكاظمية)، إذ فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد مهدي الحكيم(3). “وبعد أن تكاملت مقومات تأسيس الحزب الإسلامي من الناحية النظرية والعلمية “كانت بداية التأسيس لقاء عقد في تشرين الأول شتاء العام 1957 ضم السيد الصدر مع سبعة آخرين من علماء دين ومثقفين إسلاميين اجتمعوا في منزل المرجع الديني السيد محسن الحكيم، وكان ذلك اللقاء بمثابة الاجتماع التأسيسي”(4).
والحقيقة يبقى تحديد زمان ومكان تأسيس حزب الدّعوة صعباً، إذ يذكر الكاتب صلاح الخرسان في كتابه “حزب الدّعوة الإسلاميّة ـ حقائق ووثائق” أنّ اجتماع كربلاء الموسع، كان “الإنطلاقة الحقيقية لحزب الدّعوة الإسلاميّة، لان اجتماع النجف التأسيسي في تشرين الأول من العام 1957م لم ينبثق عنه ما يحمل مقومات الحزب، كالمركز القيادي والهيكل التّنظيمي والنّشرات الدّاخلية. مضيفاً: أن اجتماع كربلاء يكسب أهمية استثنائية في تاريخ الدّعوة، حتى أصبح يقرن في كتابات المؤسسين وذكرياتهم بمولد الحزب وبدايات تأسيسه. فالسيد محمد باقر الحكيم عندما يستعرض الأعمال والنشاطات السياسية التي قام بها الإمام السيد محمد باقر الصدر يذكر منها “مساهمته في تأسيس حزب الدّعوة الإسلاميّة أواخر صيف (1378هـ ـ 1958م). ويذهب الرفاعي ما ذهب اليه السيد محمد باقر الحكيم فيؤكد “أنّ تأسيس الحزب الفعلي تم بأشهر قليلة من انقلاب تموز 1958م”. ويعزز السّيد مهدي الحكيم شهادة السيدين (الحكيم والرفاعي) بشكل إجمالي بقوله “نستطيع القول بأن حزب الدّعوة تأسس قبيل أو بعد 14 تموز”، لذلك ليس من العسير تحديد زمن اجتماع كربلاء ما دام عقد أواخر صيف 1958م”، وبتعبير المؤسسين “بعد بضعة أشهر من ثورة تموز” وبذلك يمكن حصره بين شهري أيلول وتشرين الأول من ذلك العام”(5). بينما يذكر الكاتب علي المؤمن في كتابه “سنوات الجمر” مسيرة الحركة الإسلاميّة في العراق” إن الرواية الرسمية لحزب الدّعوة والتي يثبتها محمد صالح الأديب والسيد حسن شبر” على الرغم من أنّ الأول لم يحضر اجتماع النّجف التّأسيسي وحضر اجتماع كربلاء، حضر الثاني اجتماع النّجف ولم يحضر اجتماع أداء القسم في كربلاء “فيعد اجتماع كربلاء تأسيسياً لأنّ القيادة أدت القسم فيه، بينما يؤكد فلوريان برنهاود في كتابه “حزب الدّعوة الإسلاميّة مفاهيم واستراتيجات وأهداف حزب إسلامي عراقي” أنّ “طالب الرّفاعي يدعي أنّ الإجتماع الحاسم لتأسيس الحزب عقد في سنة 1959 والاجتماعات التي عقدت في 1957 و 1958 م كانت تمهيدية”(6).
وفي كتابه “100 عام من الإسلام السياسي في العراق – الشيعة” يقول الكاتب رشيد خيون إن “عبد الهادي الفضلي نفسه في ما أملاه على نجله يرى أنّ التّحرك صار بعد العام 1958م… ثم يقول “وكانت الانطلاقة الأولى في النّجف عبر تأسيس جماعة العلماء، التي يشرف عليها السيد الحكيم في العام 1959 م”، وأشار الشّيخ الفضلي الى أنّ الاجتماع التّأسيسي كان بكربلاء وأطلق عليه في بداية الأمر اسم (الحزب الإسلامي) وبعد عام تقريباً تبدل الى اسم (حزب الدّعوة الإسلاميّة) إذ قامت جماعة الإخوان المسلمين بتقديم طلب رسمي لتأسيس الحزب الإسلامي وتمت الموافقة من الحكومة العراقية، وهو ما دعا الصدر ومؤسسي الحزب الإسلامي الشّيعي الى تغيير اسمه” (7). لكن حزب الدّعوة يحدد رسمياً، تاريخ تأسيسه، وهذا ما ورد في موقعه الرسمي، باليوم السابع عشر من ربيع الأول سمة 1377 هـ الموافق الثاني عشر من تشرين الأول العام 1957م.
ثالثاً: حزب الدّعوة الإسلاميّة وتيار الإصلاح الوطني- إشكالية الانشقاق
لم يتعرض حزب سياسي/ إسلامي في العراق الى انشقاقات وانشطارات بقدر ما تعرض له حزب الدّعوة الإسلاميّة الذي وُلدت من رحمه السياسي والاجتماعي العديد من الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الإسلاميّة الشّعيّة إذ تعرّض هذا الحزب الى انشقاقات مبكرة منذ تأسيسه استمرت إلى الآن, إذ فرّط من خلالها بالكثير من نخبه وكوادره السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية إذ بدأت الانسحابات منه بشكل مبكر وقد” توالت الانسحابات من الحزب بعد إعدام الصدر العام 1980 م بسبب شرعي فانسحب مهدي الحكيم وشقيقه محمد باقر الحكيم”(8).
واستمرت هذه الانشقاقات والانسحابات حتى أفرزت ولادة العديد من الحركات السياسية الشّيعيّة في العراق التي نذكر منها على سبيل المثال كوادر الدّعوة الإسلاميّة, حزب الدّعوة – ولاية الفقيه, حزب الدّعوة – تنظيم العراق, وحركات أخرى كان آخرها خروج أمين عام حزب د. إبراهيم الجعفري “وخرج من الحزب أمينه العام إبراهيم الجعفري ليشكل كياناً خاصاً به تحت اسم تيار الإصلاح الوطني أُعلن عنه في 31 آيار – مايو 2008م(9).
ولا يشكل هذا التاريخ بحسب رأي الدكتور الجعفري في لقاء خاص للباحث به, لا يشكل لحضة التأسيس إنّما هو لحضة الإعلان عن التيار الجديد. وما إن أعلن الجعفري تياره الجديد حتى قابلته تصريحات مسؤولي حزب الدّعوة بأنه لم يعد على ملاك الحزب. هكذا بدأت لحضة الانشقاق والاختلاف بين حزب الدّعوة الإسلاميّة وأمينه العام د.إبراهيم الجعفري وبُعيد عقد الحزب مؤتمره وانتخاب قيادة جديدة له في بغداد بتاريخ 19-21 نيسان- إبريل 2007م(10).
يرى الباحث أن أسباب عدم إفشاء أسرار هذا الانشقاق تعود الى طبيعة شخصية الجعفري التي تتسم بالمرونة والبراغماتية السياسية إذ أعلن مشروعه السياسي من دون أن يتطرق الى أسباب واضحة تقف وراء انشقاقه بعد أن كان النجم الأول للحزب الذي أوكل اليه رئاسة أول حكومة منتخبة بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003 م على يد قوات الاحتلال الأمريكي للعراق ، لكن ما تناقلته الأحاديث غير المدونة هو أنّ قيادة الحزب اختلفت مع سياسة الجعفري أثناء حكومته بعد أن قام الأخير بالتفرد بالسلطة وأدار ظهره لهم ما دفعهم للثأر منه في المؤتمر العام للحزب وانتخاب نوري المالكي أمينًا عامًا له بدلا عن الجعفري ، بينما يرى مقربون منه أن صعود المالكي لرئاسة الوزراء خلفًا للجعفري منحه الحظ أن يتسنم موقعه في الأمانة العامة للحزب. وبهذا يكون الجعفري قد خسر مواقعه المهمة في رئاسة الحكومة وأمانة حزب الدّعوة الإسلاميّة ما دفعه للخروج من الحزب وإعلان تياره الجديد متكئا على رصيده الشّعبي الذي اكتسبة خلال رئاسته للحكومة الانتقالية بعد صعود نجمه إعلاميًا على الصعيد الشّيعي الذي وجد به رمزيته المفقودة منذ عقود نتيجة هيمنة النّظام البعثي على مقاليد الحكم في العراق. وقد تعمد قائد تيار الإصلاح الوطني إخفاء كل تلك الأسباب التي يراها الباحث جوهرية في البيان التأسيسي للتيار عندما تحدث عن دواعي انبثاق هذا التيار والتي جاءت على شكل شعارات وطنية خالية من ما ذكرناه كما في ادناه:
1- استجابة لواقع المجتمعية العراقية جرّاء عوامل اختمرت متفاعلة؛ لتتمخض عن ولادة التيار فهو تشكّل وتكوّن ذاتيًّا أكثر منه تشكيل تكويني فوقيّ، وهو بناء تلقائي أكثر منه صيغة مفروضة، وهذه الحقيقة المجتمعية التيارية فرضت نفسها عبر أحداث وتفاعلات وتراكمات جعلتها تعبّر عن هويتها من جانب، وتحدّد وجهتها لطبيعة الأهداف والخطاب والرموز من الجانب الآخر.
2- إظهار الإرادة الوطنية العراقية بمظهر يتسع لكل الشرائح الاجتماعية؛ ما يجسّد قوتها ووحدة كلمتها، ويحاول التّيار مدّ الجسور بين مكونات المجتمع العراقي مُشيعاً ثقافة المشترك الذي يساهم في تعزيز الوحدة وحفظ لُحمتها الوطنية، والسّعي لدمج مكوّناته في هذه الإرادة الوطنية، وخلق التّضامن الجماهيري على هذه المشتركات.
3- تعميق التّفاعل بين أبناء الشّرائح الاجتماعية على الرغم من تفاوت قدراتها، وتنوّع اختصاصاتها من خلال وعيّ الملموس العمليّ، وتحقيق ما يصبو إليه أبناء الشعب كافة، كما أنه يعبّر ومن خلال وسطيته عن أعماق التّفاعل المتغلغلة في وجدان المواطنين بما يشكل قاعدة عريضة ترمز إلى هدف العمليّة الوطنيّة مثلما رمزت إلى مادتها في التّضحية في مواجهة الدكتاتورية إبّان مرحلة المعارضة الوطنية.
4- حماية الشّعب العراقيّ من محاولات السّوء التي استهدفت شق صفّه، والعبث بوحدته من خلال ثقافة الطائفية المقيتة أو التعصّب العنصري.
5- التعاطي من موقع المسؤولية مع مُجمَل الإنجازات الوطنيّة التي تحققت في إجراء الانتخابات المتعددة، وما أفضت إليه، وأخذ الدّور الوطنيّ إلى جانب كل المؤسسات الحكومية والمدنية في بناء العراق وحماية أمنه واستقلاله.
6- التثقيف والتّربية على المشّتركات الوطنية التي من شأنها تقوية وتعزيز كل الأحزاب والتيارات العراقية المخلصة؛ ما تعكس نمطيّة من التّعاطي البناء في أروقة السياسة كالبرلمان والحكومة والفعاليات الاجتماعية الأخرى.
إن دواعي تشكيل تيار الإصلاح تتوخى بمُجمَلها السعي لتحقيق الأمن، وإشاعة العدل، وتأمين الحقوق، ومكافحة الظواهر الشاذة التي بدت على العملية السياسية(11).
وبهذا يكون الجعفري قد تكتم على اسرار انشقاقه من الحزب الذي ينتمي اليه طوال حياته السياسية والحزبية.
رابعاً: تيار الإصلاح والوطني- الهوية والاهداف
للحديث عن تيار الإصلاح الوطني يجب العودة الى بيانه التأسيسي الذي جاء فيه: “إنه كيان وطني عراقي له هويته الفكرية وأهدافه المتعددة التي تتدرج مدياتها من القريب والمتوسط والبعيد، ووفقاً لاستراتيجياته العملية والشاملة في المجالات التّربوية والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والمجالات الأخرى، وتبعاً للآليات العلمية في التطبيق”(12).
كما أكد التيار “إنه يتفاعل مع الكيانات الوطنية الأخرى، ويلتقيها على ضوء فكرها ومنهجها وأهدافها (كمشترك وطني) بمستويات مختلفة تنسيقاً أو تعاوناً أو تحالفاً.. إنه ليس حزباً، ولا انشقاقاً عن حزب، ولا جبهة أحزاب، ولا واجهة لحزب وهو يعبّر من خلال اسمه (تيار الإصلاح الوطني) عن هويته”(13).
فهو تيار شامل أي إنه لا يقف عند حدود النــُخـَب التي تشكل هيكليته، بل يمتد مع امتداد الطيوف الاجتماعية المختلفة التي تشكّل مجموع أبناء الشعب العراقي، والذي يجعل الآخر واقعاً فيه وعلى أي خلفية كانت. وهو إصلاحي أي إنه يستهدف إقامة المجتمع الصالح كبنية تحتية لاتنفك عن بناء الفرد في محتواه الداخلي على أساس أنّه وحدة بناء المجتمع عاكساً ذلك على البنى الفوقية، إدارية كانت، أم سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية مختلفة. هذا على مستوى المبادرة والفعل أما على مستوى الاستجابة ورد الفعل على ظواهر الفساد المختلفة فيتوخى معالجتها بشكل جذري ومنهجي موظـِّــفاً كل أساليب وآليات الإصلاح في الفكر والقيم والسّلوك والكفاءات العلميّة والعصرنة والمسؤوليات القانونية، وكل ما من شأنه الأخذ بالواقع الحالي إلى الرقيّ والتّقدم، وبحكم التّرابط العضويّ بين خلفيات المسلسل الاجتماعي بدءاً بالبيت ومروراً بالمدرسة والحقول العلمية والسياسيّة المختلفة فإنّ إمكانية تعرّضها للفساد، وفي أي حلقة كانت تقتضي بالضرورة أن تهب عليها رياح الإصلاح، وبفعل التأثير المتبادل بين دوائرها يفترض أن تكون مسؤولية الإصلاح هي الأخرى أمام مهمة الحضور الفاعل في كل واحدة من تلك الدوائر. وهو وطني أي إنه وبكل ما يروم من تحقيق الأهداف العادلة والوصول إلى الحياة الحرة الكريمة وتوفير الخدمات وتحريك عملية التنمية الاقتصاديّة يريدها لكل العراقيين وبواسطتهم ومن أجلهم جميعاً؛ ما يعني أن يكون الولاء الوطني قيمياً متقدماً على الولاءات الأخرى، وأنه يبذل جهده من أجل تعميق الانتماء الوطني والذي يتحوّل مع الإخلاص والنزاهة والكفاءة بالعمل إلى مقياس للتفاضل بينهم، ويحدّد هوية النظام الجديد.”(14)
خامساً: مؤسس تيار الإصلاح الوطني
وهو إبراهيم عبد الكريم حمزة الأشيقر الجعفري سياسي عراقي ولد في 25 مارس 1947م في مدينة كربلاء أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي، وتسلم عدة مناصب في الحكومة العراقية أبرزها رئيس مجلس الوزراء (2005 – 2006م) ووزير الخارجية (2014 – 2018م). وتخرج من كلية الطب في جامعة الموصل، وانتمى إلى حزب الدّعوة الإسلاميّة العام 1966 م . وغادر العراق إلى سوريا العام 1980م وانتخب عضو في قيادة حزب الدّعوة الإسلاميّة، عين رئيسًا للمكتب التنفيذي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي العام 1982م، ثم انتقل إلى لندن وساهم بتأسيس المؤتمر الوطني العراقي، وانتخب متحدثًا رسميًا باسم حزب الدّعوة الإسلاميّة العام 1996م. وعضو في البرلمان العراقي لدورتين انتخابيتين (2006 – 2010م) و(2010 – 2014م) أسس تيار الإصلاح الوطني العام 2008م، وترأس التحالف الوطني عام 2010م، تسلّم حقيبة وزارة الخارجيّة العراقـيّة في حكومة حيدر العبادي العام (2014م).(15)
حياته السياسية
عاش الجعفري أجواء انقلاب تموز العام 1958م، وما تبعه من التطورات والتداعيات السياسية والإعلامية والاجتماعية المختلفة. بدأت مطالعاته الثقافية من خلال قراءته الكتب الإسلاميّة والأدبية منذ مطلع الستينيات، فانشغل في مطالعاته بادئ الأمر بالقرآنيات، من كتب تفسير القرآن وأسباب النزول وغيرهما، وأخذ بالتوسع المعرفي شيئاً فشيئاً، ولما برز اسم محمد باقر الصدر الذي ألف عديداً من الكتب الإسلاميّة، وانفتح محمد باقر الصدر على العراق كله، فتأثر به الشّباب من طلاب الجامعات، وكان الجعفري أحد أولئك الشّباب العراقي. انخرط في صفوف حزب الدّعوة الإسلاميّة العام 1966م وفي العام ذاته حصل على أعلى معدل على مستوى المحافظة؛ أهّله لدخول كلية الطب بجامعة الموصل، وكان بيت الجعفري (في الموصل) أيام الدراسة، يستقبل الوافدين باستمرار؛ ما جعل صيته (بيت الشيعة) يذيع بشكل واسع، وحين تناهى ذلك إلى سمع السيد الصدر توقف عنده باعتزاز. تحركت علاقة الجعفري وإخوانه، بأبناء السُنة على ثلاثة صُعُد، صعيد العلاقات العامة، وصعيد المتدينين، وصعيد العلاقات الخاصة. فعلى الصعيد العام امتدت العلاقة إلى حيث امتدّ الوسط الطلابي في الكلية من دون أن يحول بينها وبين الآخرين حاجز الاختلاف المذهبي أو السياسي أو القومي بل كان يجد فيهم السند القوي لما يجري على مسرح الحياة في الكلية من سجالات ساخنة، حتى مع الأساتذة.
محطات مهمة في حياة الجعفري
– انتـُخِب العام 1980م عضواً في قيادة حزب الدّعوة الإسلاميّة.
– شارك في تأسيس المجلس الأعلى الإسلامي، وتصدّى لمسؤولية رئاسة المكتب التنفيذي واللجنة التنفيذية.
– انتـُخِب ناطقاً رسمياً لحزب الدّعوة الإسلاميّة.
– شارك في تشكيل وقيادة (لجنة العمل المشترك للمعارضة العراقية) العام 1991م.
– شارك في المؤتمرات السياسية العراقية، مثل: (مؤتمر بيروت العام 1991 م).
– شارك في تشكيل وقيادة (المؤتمر الوطني العراقي الموحد) العام 1992م.
– دعا إلى تشكيل (ائتلاف القوى الوطنية العراقية) العام 2002م، الذي انضمت إليه (17) من القوى السياسية إلى جانب (33) شخصية سياسية عراقية هي (الهيئة العامة)، وطرح الائتلاف حينها ورقة عمل سياسية ركزت على تحقيق أهداف أساسية منها العمل من أجل إسقاط نظام صدام حسين، وتحرير إرادة الشّعب العراقي، وإقامة الحياة في العراق على أساس الآليات الديمقراطية، واستيعاب جميع مكونات الشعب، وكان لائتلاف القوى الوطنية أثر بالغ في الأوساط السياسية الدولية والإقليمية المعنية بالشّأن العراقي في تلك المرحلة.
– بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003م شغل الجعفري منصب أول رئيس لمجلس الحكم في آب 2003م، ومن أبرز أعماله:
– تشكيل لجنة إعداد مسودة الدستور العراقي الجديد من 25 عضواً، قام بزيارة سبع دول عربية في سبعة أيام، إضافة إلى زيارته الجامعة العربية في القاهرة، كما شكـّل الجعفري أول حكومة عراقية في العهد الجديد.
– شغل الجعفري منصب نائب رئيس الجمهورية العام 2004م.
– شغل منصب رئيس الوزراء العام 2005م كأول رئيس وزراء منتخب للعراق؛ إثر الانتخابات العامة التي شارك فيها الشعب العراقي بكثافة منقطعة النظير في الـ 30 من كانون الثاني 2005م.
– أعلن انطلاق تيار الإصلاح الوطني في 31/5/2008م. والذي شارك في أول موسم انتخابي لمجالس المحافظات في كانون الثاني 2009م.
– شغل رئاسة التحالف الوطني العراقي – عين الجعفري وزيرًا لخارجية العراق في حكومة حيدر العبادي (الحكومة العراقية 2014م) في الثامن من سبتمبر 2014م
– له عدة بحوث ومؤلفات ودراسات.
– كما كتبت عنه عدة كتب، منها: (تجربة حكم)، و(حزام النار)، و(المخاض العراقي) ، و(خطاب الدولة). (16)
سادساً: تيار الإصلاح الوطني ..قراءة في الخطاب الاجتماعي والسياسي
- قراءة في الخطاب الاجتماعي
يتخذ “تيار الإصلاح الوطني” شكله الاجتماعي من عدة جهات, الأولى من مصطلح “تيار” وهذه التسمية تحمل دلالات اجتماعية عديدة تتخذ شكلاً تنظيمياً غير منضبط إطارياً بحدود حزبية ضيقة أما من النّاحية الثّانية لاجتماعية التيار فهذا يحيلنا الى الكراس التعريفي الذي صدر عن هذا التيار وفي مقدمة الكراس نجد الدّعوة واضحة للمجتمع العراقي بمختلف اتجاهاته للتفاعل مع تيار الإصلاح الوطني كما نجد أنّ الخطاب الموجه في هذه الدّعوة يبدأ ببناء الإنسان الذي يشكل الوحدة الأساسية للمجتمع كما هو معروف ثم بناء الوطن بناءاً علمياً وإنسانياً:- “لذلك عزمنا على أن نوجه الدّعوة لكل المخلصين الصادقين من أبناء العراق بمختلف خصوصياتهم للتفاعل مع “تيار الإصلاح الوطني” الذي يسعى لبناء الإنسان والوطن بناءاً علمياً وانسانياً متحضراً يراعي الحاضر والمستقبل”(17).
فمصطلح “تيار” يحيلنا على القواعد الجماهيرية والاجتماعية التي تقع في مساحة الخطاب التي يستهدفها هذا التيار لذلك جاءت التعريفات الاجتماعية للتيار من قبل الدّاعين له كالتالي:
“فهو تار بمعنى أنّه لا يقف عند حدود النّخب التي تؤلف هيكليته بل يمتد مع امتداد الطيوف الاجتماعية المختلفة التي تشكل مجموع ابناء الشعب العراقي”(18)
كما جاءت صفة “إصلاحي” وهي مضاف الى مفردة التّيار ليأخذ بعداً آخر أبعد من شعبيته لتكون لهذا التيار وضيفة مبررة لوجوده على أرض الواقع واختلافه عن التيارات السائدة وهذا ما جاء في بيان تأسيسه كذلك: “وهو اصلاحي بمعني انه يستهدف اقامة المجتمع الصالح كبنية تحتية والتي لا تنفك عن بناء الفرد في محتواه الداخلي باعتباره وحدة بناء المجتمع”(19)
وهذا يعني أن القائمين على تأسيس هذا التيار على وعي تام بالأبعاد الاجتماعية لسياسة هذا التشكيل الجديد ومعرفة وظائفه المجتمعية واعتماد الفرد كنواة أساسية لأقامة مجتمع الإصلاح الذي يتوخى معالجة ظواهر الفساد المختلفة بشكل جذري ومنهجي وهذا يتم بحكم الترابط العضوي بين خلفيات المسلسل الاجتماعي بدءًا بالبيت، مروراً بالمدرسة والحقول العلمية والسياسية المختلفة إذ لابد لكل نواة في هذا المجتمع أن تتعرض لرياح الإصلاح, وهكذا يرى الكاتب لمفردات الخطاب الاجتماعي لتيار الإصلاح الوطني بأنّها ذات بعد اجتماعي وجماهيري من خلال التأكيد المباشر على القيم الإنسانية التي تتعلق بالمجتمع, وتحريك أوتار الأنساق الاجتماعية من خلال العزف على مفردات تتعلق بعملية بنائها وتأصيل مفاهيمها الاساسية مثل: “ان هوية التيار تتجلى بالأبعاد الإنسانية والمدنية والحضارية واحترام المواطنة وكفالة حقوق الإنسان وهذه الحقوق هي ما أكده الاسلام الحنيف”(20)
وفي خطاب آخر نتابع: “كما أنه تيار جماهيري نهضوي إصلاحي يلتزم بالخطاب الوطني وينفتح ليعالج قضايا الشعب والتحديات التي تواجهه”(21), إن تركيز الخطاب على مفردات مترادفة دلالياً مثل “الشعب, المجتمع, الجماهير…” يعطي انطباعاً كبيراً على التركيز التام لهذا التيار على بعده الاجتماعي خصوصاً إذا استمرت قراءتنا لهذا الخطاب وبعملية البحث والتنقيب عن الدلالات الاجتماعية نفسها في خطاب التيار الإصلاحي.
الأهداف الاجتماعية
لعل الدواعي الواقعية لتأسيس تيار الإصلاح الوطني هي دواعي سياسية لايختلف عليها اثنان لكن مايشد المتابع للمعلن من هذه الدواعي التي يسوقها الخطاب العام للتيار يجد أنّ لا دواعٍ معلن عنها غير الدواعي الاجتماعية التي تتواصل عبر نقاط عديدة يسوقها التيار كمسوغاتٍ لتأسيسه وهي:
1.العمل على رفع مستوى الخدمات وتطويرها؛ لترتقي إلى مستوى الحاجة المتطورة لبلد كالعراق بكل ما يحتاجه في مجال الاستهلاك والإنتاج والتسابق، ويتجاوز ما مُني به بلدنا من تخلـّف في هذه المجالات.
- دعم مؤسسات المجتمع المدني ضمن منهج عمل مدروس مرتبط بحاجة البلد، ومدى كفاءة المؤسسة؛ لتحقيق الأهداف المطلوبة منها.
- الاهتمام بالعشائر العراقية على أساس أنّها مكوّن اجتماعي فاعل من مكونات شعبنا، لما أدته من أدوار مهمة اقترنت بالانتفاضات الوطنية في تاريخ العراق بما يستدعي إتاحة الفرص لها لممارسة الدور البناء في العملية السياسية وبناء العراق الجديد.
- تشخيص ظواهر الفساد والمخالفات، وتحديد الأسباب الكامنة وراءها، وتقديم خطط عملية تتولى معالجتها، وطيّ صفحة الفساد، وإشاعة ثقافة الإصلاح بدلاً عنها.
- رعاية عوائل الشهداء جراء سياسات النظام السابق وضحايا الإرهاب، والعمل على تلافي الأضرار التي لحقت بهم من النّواحي الماديّة والنّفسية والاجتماعيّة، وكذلك الاهتمام بالسّجناء السياسيين، وتوظيف قابلياتهم، وإنصافهم، ورفع الحيف الذي لحق بهم.
- الأسرة العراقية محطة التمويل التربوي والقيمي الأولى في سُلّم التكامل الاجتماعي، وهو ما يتطلب رعاية أفرادها، وتحسين ظروفها، وتقديم المناهج الثقافية التي تحتاجها.
- التأكيد على اجتثاث الإجرام بالشّكل الذي يعتمد فيه القصاص العادل على مرتكبي الجرائم فقط، وفتح أبواب المصالحة على أساس المصارحة والعودة الصّادقة إلى الشعب.
- رفع مستوى الخدمات الصحيّة إلى ما يحتاجه المواطنون من مستلزمات في مرحلة الطب العلاجي بكل ما يحيطه الآن من آفات، والانتقال إلى مستوى الطب الوقائي في المرحلة اللاحقة.
- التواصل مع المواطنين العراقيين في الخارج ممن هاجروا، أو هُجِّروا؛ لجعل حركتهم في المهجر منسجمة مع مُجمَل حركة أبناء الشعب في الداخل العراقي، وتذليل كل العقبات أمامهم؛ لعودتهم وفي أسرع وقت إلى وطنهم الأم، والاهتمام بتنمية قابلياتهم العملية إبّان تواجدهم في الخارج العراقي.
- معالجة الحالة الاستثنائية التي مُني بها أبناء شعبنا؛ جرّاء التّهجير القسريّ الذي أفضى إلى نزوح عدد غير قليل منهم، وما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية، وإنصافهم في ما لهم من حقوق.
- معالجة آثار العدوان التي طالت المدن والقرى؛ جرّاء سياسات النّظام السّابق والحرب وأعمال الإرهاب، وما خلفت من تخريب ومآسٍ وخسائر بالأرواح والممتلكات، وانخفاض مستوى الخدمات على الصُعُد الصحية والتعليمية والمواصلات والإدارة والتمويل وغيرها.(23)
- قراءة في الخطاب السياسي
يتخذ تيار الإصلاح الوطني شكله وبنيته السياسية من خلال جملة افكار تلخصت على شكل شعارات أطلقها مؤسسو التيار في العديد من المناسبات الوطنية والدينية بالإضافة الى الطروحات السياسية العديدة التي جاءت في الكراس التّعريفي الخاص بالتيار والتي سنقوم بقراءتها في هذا الجانب من البحث, ففي المقدمة التعريفية بالتيار ورد “أنه – أي تيار الإصلاح الوطني – يتفاعل مع الكيانات الوطنية الأخرى ويلتقيها في ضوء فكرها ومنهجها وأهدافها بمستويات مختلفة تنسيقاً أو تعاوناً أو تحالفاً, إنه ليس حزب ولا انشقاق عن حزب ولا جبهة أحزاب ولا واجهة لحزب وهو يعبر من خلال اسمه (تيار الإصلاح الوطني) عن هويته”(24).
بهذه العبارات يدخل تيار الإصلاح الوطني في الخارطة السياسية العراقية قاطعاً الطريق أمام أيّ تأويلات عن هوية هذا التيار أو جذوره السياسية التي ربما تشي إلى انشقاقه عن حزب معين بحكم التّجربة السياسية الطويلة لمؤسسي هذا التيار في الحركات السياسية الإسلاميّة في العراق. وقد أكد ذلك زعيم التيار في جوابه عن هذا المفهوم “أن تيار الإصلاح ليس انشقاقاً”. كما يريد هذا الخطاب أن يخترق الانساق السياسية والاجتماعية في العراق من خلال نفيه الجاد لعدم حزبية أو فئوية هذا التشكيل الجديد وذلك لدعوة العديد من الكوادر والنخب بالإضافة الى عموم المجتمع لقراءة هذا التيار قراءة شمولية بعيدة كل البعد من الاصطفافات الفئوية الضيقة. وبصرف النظر عن مدى الاستجابة لهذه الدّعوة والتصديق بها إلا أنّنا أمام خطاب سياسي واقعي يمكن تفكيكه بهذا الشكل الداعي لهكذا نوع من القراءة.
كما لا يفوتنا أيضاً أن نقرأ مفردة “وطني” وهي المفردة الثالثة التي تشكل بها اسم التيار بعد أن قرأنا مفردتي “تيار, إصلاح” قراءة سسيولوجية. لأن مفردة “الوطني” بالإضافة الى دلالتها الاجتماعية فإنها تحمل دلالة سياسية إذا دخلت صفة لأي تنظيم أو تشكيل أو تيار، إذ جاء في الخطاب العام للتيار الذي هو بصدد التعريف بمفرداته: “هو وطني بمعنى أنه وبكل ما يروم من تحقيق الأهداف العادلة والوصول الى الحياة الحرة الكريمة وتوفير الخدمات وتحريك عملية التنمية الاقتصادية”(27).
وكل هذه الأهداف وإن كانت ذات مرجوع اجتماعي إلا أنّها أهداف سياسية كما يمكن لنا قراءة الأهداف السياسية للتيار من خلال التركيز على كيفية الانتماء لهذا التيار خصوصاً وأن هناك شرطين أو مستويين الأول: يتخذ شكله التقليدي السياسي وهو المستوى الهيكلي “والذي يكون وفق معايير تتحرى الوطنية والنزاهة والكفاءة والالتزام بنظام تيار الإصلاح وتقبل المهمات والتكاليف التي تناط به (بالشخص المنتمي) على أن يبقى التيار محافظاً على هويته كتيار من دون أن يتحول الى حالة حزبوية”(28).
أما الثاني: فهو المستوى الطيفي الذي يؤكد فيه القائمون على التيار أنّ أبوابه ستبقى مُشرَعة لكل عراقي وطني يتفاعل معه، ويتبنى أهدافه، وحين ينفتح التيار على المواطنين من أوسع أبوابه ينطلق في ذلك من حرصه على أن أبناء الشعب هم مادة التيار الحقيقية، وهم قاعدته الرصينة، وصمام الأمان؛ لحفظ مساره الوطني، وهم سر هويته الإنسانية وواقعيته وتنوّع مكوّناته. كذلك تتضح سياسة هذا التيار من خلال دخوله الجاد في الانتخابات التي جرت مؤخراً في مجالس المحافظات والتي دخل فيها “تيار الإصلاح الوطني” الى العملية الانتخابية بقوائم مستقلة وهذا ما يدل على وجود أهداف سياسية عبر الانتخابات, كما أن دخول التيار ضمن قائمة الائتلاف الوطني العراقي في الانتخابات البرلمانية (2010م) دليل آخر على المشروع السياسي لتيار الإصلاح الوطني. ولا تقف المسألة عن هذا الحدّ فإنّ هناك علامات كثيرة وإشارات واضحة تبين أن هذا التيار هو أحد الموجودات السياسية التي بدأت تظهر في الساحة السياسية في العراق وذلك من خلال الخطابات الكثيرة والحوارات المتعددة لزعيم التيار الدكتور إبراهيم الجعفري خصوصاً إبان المرحلة الانتخابية التي عادةً ما تنشط فيها الحياة السياسية في البلاد، فهو ولادة جديدة ومستقلة كما يقول الدكتور الجعفري في جواب له على استفهام عن صورة التيار واشكالية الانشقاق عن حزب الدّعوة الإسلاميّة الذي ينتمي اليه الدكتور الجعفري طوال حياته السياسية طهو اسم وولادة جديدة.
الأهداف السياسية
جاء في الاهداف السياسية للتيار مايلي:
1- فتح أبواب العملية السياسية للكتل والمكونات العراقية كافة، وتحصينها من اللجوء إلى حمل السلاح.
2- إقرار التّعديلات الدستورية المطلوبة، والعمل على تطويرها بطريقة دستورية؛ لتعزيز الوحدة الوطنية، وحفظ سيادة العراق، وتطوّر نظامه السياسي بما يجعله معبّراً تعبيراً دقيقاً وأميناً عن إرادة الشعب.
3- العمل على تطبيق المواد الدستورية، ونشر الثقافة الدستورية، وإخضاع المؤسسات للسياق الدستوري.
4- دفع البرلمان باتجاه الأداء الأكفأ الذي يتجسد من خلال إنتاجه المزيد من القوانين والمقرّرات البنـّاءة، ودعم الحكومة، وتقويمها.
5- تفعيل مشروع المصالحة الوطنية، والعمل الجادّ لتحقيق الأهداف المشروعة لأطراف المصالحة، وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك.
6- التأكيد على أهمية الإعلام من خلال قنواته المختلفة بغية الوصول إلى أداء وطني يستهدف النقد الموضوعي ومعالجة المشاكل وإنصاف المنتج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأدبي والفني والرياضي، وإزالة نقاط الضعف التي تحول دون ذلك.
7- تفعيل تطبيق النظام بهدف تسهيل عمل دوائر الدولة المختلفة والجامعات وتنميته وتطويره، وتجاوز حالة الروتين والأعراف والتقاليد النّمطيّة التي تحد من مضاعفة الإنتاج وتسبب عرقلته.
8- العمل على ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة.
9- دعم القضاء، والاهتمام به بما يتناسب مع هويته الإنسانية في إشاعة العدل، وبث الطمأنينة، وجعله بعيداً من أيّ تأثير، وتمكينه من مواجهة ظواهر الفساد المختلفة على قاعدة (أن تحكموا بالعدل).
10- إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع دول العالم المختلفة بدءاً بدول الجوار وبقية دول العالم على أساس الثوابت الوطنية، واستقلال العراق، وحفظ سيادته، وتحقيق مصالحه المشتركة مع الآخرين (29)
سابعاً: خاتمة البحث
وبهذا نكون قد وفرنا مادة تاريخية عن نشأة تيار الإصلاح الوطني الذي سجل حضوراً سياسياً واجتماعياً وشعبياً في بداية ظهوره لكنه عاد وتراجع الى الوراء بعد أن فقد زعيمه السيد إبراهيم الجعفري مواقعه الحكومية كان آخرها خروجه من منصب وزير الخارجية بعد انتهاء حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي العام 2018م، ما يعني أن هذا التيار مرتبط بشخص مؤسسه ولم يوفق لتحقيق أهدافه الاجتماعية والسياسية التي أعلنها في بيانه التأسيسي الذي تطرقت له سابقًا .
الهوامش
- المؤمن (علي) . سنوات الجمر، مسيرة الحركة الإسلاميّة في العراق (1957 ـ 1968م) مركز دراسات المشرق العربي / بيروت ـ لبنان/ ط 4/ 2017. ص43.
- المؤمن (علي) . سنوات الجمر . مصدر سابق . ص36 – ـ37.
- منشورات تيار الإصلاح الوطني/ كراس خاص من اصدارات المكتب الاعلامي للتيار/ العراق ـ بغداد/ 2008م.
- المصدر/ ويكيبديا
- المصدر/ ابراهيم الجعفري/ خطاب الدولة/ دار السلام/ بيروت لبنان/ 2012م/ غلاف الكتاب الصفحة الاخيرة.
- م. ن، ص 7.
- م. ن، ص 14.
- م. ن ص 14.
- م. ن، ص 7.
- م. ن، ص 5.
- م. ن، ص 5.
- م. ن، ص 117.
- م. ن، ص
- م. ن، ص 8.
- م. ن، ص 6.
- م. ن، ص 6.
- م. ن، ص
- م . ن / ص 9.
- م . ن / ص 8.
- م . ن / ص 10.
- كيت ناش، علم الاجتماع السياسي المعاصر: العولمة والسياسة والسلطة، تعريب: د. ذيب بن محمَّد الدوسري، دار جامعة الملك سعود للنشر، ط 1، الرياض، 2017م.
- كراس تيار الإصلاح الوطني، ص8.
- فيليب كوبان وجان فرانسوا دورتيه، علم الاجتماع: من النظريَّات الكبرى إلى الشؤون اليومية- أعلام وتواريخ وتيارات، تعريب: د. إياس حسن، ط1، دمشق، 2010م.
- غيورغ سورنسن، الديموقراطية والتحول الديموقراطي: السيرورات والمأمول في عالم متغير، تعريب: عفاف البطاينة، المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، 2015م.
- العسكري (السيد مرتضى): ولد في مدينة سامراء في العام 1332هـ ودرس في حوزتها العلمية مدة سنتين، بعدها هاجر الى مدينة قم المقدسة في ايران العام 1349م ودرس فيها على يد كبار أساتذة حوزتها العلمية، ثم عاد الى سامراء لمتابعة دراسته العلمية فدرس الفقه الاستدلالي في حوزتها، سافر الى بغداد ليستقر في منطقة الكاظمية وأسس مدرسة ابتدائية فيها، ثم قفل راجعاً الى سامراء لينصرف الى البحث والتأليف، سافر بعدها الى إيران راغباً في تشكيل “حوزة علمية خاصة” في قم، لكن تزاحم الأحداث السياسية دفعته للرجوع الى العراق ليستقر في الكاظمية. شارك مع زملاء له من جماعة علماء العراق في النجف وبغداد خوض معترك الصراع السياسي والفكري المحتدم في تلك الفترة. توفي في رمضان العام 1428هـ في مدينة طهران ودفن في مدينة قم المقدسة.
- الخيون (رشيد) 100 عام من الاسلام السياسي في العراق – الشيعة/ مركز المسار للدراسات والبحوث/ دبي ـ الإمارات العربية المتحدة/ ط 3/ 2013م ص 174 – 175.
- الخيون (رشيد)/ لاهوت السياسة / معهد دراسات عراقية/ بيروت – لبنان/ 2020م/ ص 116.
- الخرسان (صلاح). حزب الدّعوة الإسلاميّة، حقائق ووثائق .مصدر سابق. ص 63.
- الخرسان (صلاح). حزب الدّعوة الإسلاميّة، حقائق ووثائق. المؤسسة العربية للدراسات والبحوث الاستراتيجية/ سوريا ـ دمشق/ ط 1/ 1999 م. ص 53 – 54.
- تشارلز تيللي، الديموقراطية، تعريب: محمَّد فاضل طباخ، المنظمة العربيَّة للترجمة، ط1، بيروت، 2010م.
- بوب ماتيوز وليز روس، الدليل العلمي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة وتقديم وتعليق: محمد الجوهري، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2016م.
- برنهاوند (فلوريان). حزب الدّعوة الإسلاميّة – مفاهيم واستراتيجيات واهداف حزب الدّعوة الاسلامي العراقي – منشورات مركز البيان/ العراق ـ بغداد 2018م ص 63.
- أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة: د. فايز الصياغ، المنظمة العربيَّة للترجمة، ط4، 2005م.
- أنتوني غدنز، الطريق الثَّالث: تجديد الديموقراطية الاجتماعية، تعريب: أحمد زايد ومحمد محي الدِّين، الهيئة المصرية العامَّة للكتاب، ط1، القاهرة، 2010م.
- آلان سكوت، علم الاجتماع المفاهيم الأساسيَّة، تعريب: محمَّد عثمان، الشبكة العربيَّة للأبحاث والنشر، ط1، بيروت، 2009م.
- آلان تورين، ما هي الديموقراطية؟ حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية، ترجمة: حسن قبيسي، دار الساقي، ط 3، بيروت، 2016م.
- آرنت ليبهارت، الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد، تعريب: حسني زينة، معهد الدراسات الاستراتيجية، ط1، بغداد- بيروت، 2006م.
- http://www.islah-iq.net/news.php?id=10
- كراس تيار الإصلاح الوطني، ص 2.
[1] – طالب دكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم العلوم الاجتماعية.