نهائيّة الكِيان اللبنانيّ في منظور الجغرافيا السياسيّة
د. صلاح عصام أبو شقرا*
* المقدّمة
1 – المبرّرات الجغرافيّ والتاريخيّة لوجود لبنان.
2 – مراحل نشوء الكِيان السياسيّ للبنان.
3 – المتصرّفيّة نواة الكِيان السياسيّ للبنان.
4 – نحو إعادة البناء.
* الخاتمة.
المقدّمة
بعد ولادة دولة لبنان الكبير في الأوّل من أيلول 1920 عاش اللبنانيّون حالة انقسام سياسيّ – فكريّ، ومن خلفه صراع طائفيّ بين من يريد تلك الدولة، الحديثة الولادة آنذاك، وطنًا نهائيًّا له، ومن يريد إلحاقها بسوريا، ومن خلالها بالعالم العربيّ الكبير. ولكلّ من الفريقين هواجس مبرّرة في بعض الأحيان، وغير مبرّرة في أحيان أخرى. وفي كلتا الحالتين أسّست تلك المخاوف لحروب أهليّة، وانقسامات سياسيّة عموديّة. ومن ناحية ثانية، استغلت تلك المخاوف، والمحاذير من الجهات الخارجيّة، الأقليّميّة منها والدوليّة وفقًا لمصالحها محاولة فرض واقع جيوبوليتيكيّ جديد يتراوح بين الضمّ، والاحتلال، والتقسيم.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الجغرافيا السياسيّة للأراضي اللبنانيّة في مراحل تاريخيّة متعدّدة لتبرير نهائيّة الكِيان السياسيّ للبنان. كما تهدف إلى استعراض المعطيات الجغرافيّة والتاريخيّة، التي بلورت نشوء المجتمع اللبنانيّ، إضافة إلى الوقوف على أسباب الهواجس التي سكنت اللبنانيّين، منذ ولادة دولتهم، والتي أفضت إلى انتشار الأفكار القوميّة اللبنانيّة والعربيّة التي تبارت مستشهدة بالعاملين التاريخيّ والجغرافيّ لتبرير لبننة أم تعريب المجال الجغرافيّ اللبنانيّ. أخيرًا اقتراح رؤية جديدة للبنان لتعيد صهر مجتمعاته، وإنتاج أمّة لبنانيّة في وطن علمانيّ لتحفظ استمراريّته.
وبالتالي لا بدّ من معالجة الإشكاليّات التالية: ما هي مبرّرات وجود كِيان سياسيّ نهائيّ للبنان؟ ما هي الهواجس الساكنة عقول اللبنانيّين، ونفوسهم من نهائيّة لبنان أو مرحليّته؟ ما هي سبل الحفاظ على الجغرافيا السياسيّة اللبنانيّة، لضمان بقاء لبنان واستمراريّته؟
أمّا فرضيّات الدراسة من الممكن اختصارها بأنّ للكِيان السياسيّ اللبنانيّ العديد من المبرّرات الجغرافيّة، والتاريخيّة لوجوده، بل ولنهائيّته. كما أنّ الهواجس، والمخاوف هي طائفيّة بحتة من هيمنة فئة على أخرى من فئات الشعب اللبنانيّ في حال ألحق بالدول المجاورة، والعكس في حال البقاء على الامتيازات الممنوحة لفئات دون الأخرى. إعادة النظر في الدستور اللبنانيّ للحفاظ على وحدة أراضي لبنان وتحويل اللبنانيّين من جماعات طائفيّة مذهبيّة إلى أمّة مندمجة في مجال جغرافيّ لبنانيّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة، قسم الجغرافيا.
اعتمدت في هذه الدراسة منهجين علميّين، هما المنهج التاريخيّ، الذي كثيرًا ما ترتكز عليه الأبحاث في الجغرافيا السياسيّة، والمنهج الوصفيّ – التحليليّ، من خلال قراءة المعطيات المتوفّرة، واستنتاج أسباب المشكلات التي تعمل الدراسة لحلّها.
1 – المبرّرات الجغرافيّة والتاريخيّة لوجود لبنان.
يتناول هذا الجانب من الدراسة المبرّرات الجغرافيّة بشقّيها الطبيعيّ والبشريّ، إضافة إلى تسليط الضوء على العامل التاريخيّ، وإظهار تأثيره في تبرير وجود لبنان ونهائيّته.
1 – 1: تسمية لبنان
إنّ تسمية لبنان تأتي من الأصل السامي “لابن” الذي يعني البياض[1]، باللغة الآراميّة، وبما أنّ التسميات الواردة في العهد القديم تركّز على جبل حرمون (الشيخ)، وهو ما يدلّ على أنّ من أطلق التسمية هي الشعوب الآراميّة المستقرّة وراء السلسلة الشرقيّة، أي في الداخل شرقيّ الجبال. سمّي ذلك الجبل بالأبيض، على الأرجح نسبة إلى الثلوج البيضاء التي تكلّله لفترات طويلة من السنة، والتي تميّزه عن سواه من المناطق المجاورة له، التي يطغى عليها المناخ الصحراويّ، وشبه الصحراويّ.
وإن كانت هناك نظريّة أخرى تفترض أنّ تسمية لبنان تعود لمادّة اللبان[2]، وهي تسمية من أصل آراميّ، والأرجح أنّ الشجر الذي تستخرج منه تلك المادّة هو اللزاب[3]، واسمه العلميّ Juniperus Excelsa ويعرف أيضًا Persian Juniperus الذي تميّزت به جبال لبنان في تلك الحِقبة، وما يؤكّد ذلك طلب الملك سليمان من أحيرام ملك صور أن يصدّر له خشب اللزاب لبناء الهيكل[4]. أو شجر الأرز Cedrus Libani الذي ورد ذكره في أسفار عدّة من العهد القديم، كمصدر للرائحة الطيّبة. وفي العهد القديم ورد ذكر تميّز لبنان بالرائحة الطيّبة، ووجود اللبان، “شفتاك يا عروس تقطران شهدًا. تحت لسانك عسل ولبن ورائحة كرائحة لبنان”[5]. كما ورد “… قصب الذريرة وقرفة مع كلّ عود اللبان. مر وعود مع كلّ أنفس الأطياب. ينبوع جنات بئر مياه حية وسيول من لبنان”[6] (الإصحاح الرابع – 14 – 15 ). وتشبيه لبنان ومياهه بالجنات، وعود اللبان، يكرّر طيب رائحة أشجار العرعر[7]، الذي يستخرج منه اللبان.
كما يفترض أنيس فريحة أنّ تسمية لبنان تعود إلى كلمتين آراميّتين هما لب نون، الأولى تعني القلب، والثانية تعني الله بالعربيّة[8].
بين هذه التفسيرات الثلاثة يبقى تحليل أنطوان خوري حرب[9] هو الأقرب إلى المنطق، الذي يفيد بأنّ تسمية اللبان للدلالة على الرائحة الطيّبة مأخوذة من تسمية لبنان، لأنّ من المتعارف عليه أنّ “لبان”، أو “لابن” هو اللون الأبيض بالآراميّة بصورة لا تقبل الشكّ، ومن ثَمَّ فإنّ اللبان هي رائحة لبنان، وليس المكان الجغرافيّ سمّي لبنان نسبة للبان، بل سمّي البخور “لبان” نسبة للبنان. وما يعزّز رأي حرب، هو تسمية العطر Eau de Cologne نسبة لمدينة كولونيا الألمانيّة، حيث صنع العطر للمرّة الأولى في التاريخ[10].
ويستنتج ممّا تقدّم أنّ لبنان، بحدوده ومساحته منذ ما يقارب الثلاثة آلاف سنة، قريب لحدوده ومساحته الحاليّة، إن لم يكن أكبر، ومن ثَمَّ فإنّه الأقدم من حيث التسمية من أيّ كِيان سياسيّ قريب، ولا سيّما أنّ أقرب الكِيانات السياسيّة سوريا، التي تعود تسميتها بحسب الصليبيّ[11] إلى الأشوريّين Assyria، ثمّ حرفت إلى Syria، وقد كانت محصورة شمال بلاد الشام، التي خضعت في غابر الزمن للدولة الأشوريّة، التي كان مركزها في شمال العراق، فأخذ الإغريق والرومان الجزء وعمّموه على الكلّ. وبحسب أنيس فريحة فإنّ اسم سوريا لم يشيع قبل العهد الإغريقيّ السلوقيّ، وخلال فترة ترجمة العهد القديم السبعينيّة تحديدًا، عندما استبدلت لفظة آرام بسوريا[12]، للدلالة على المناطق الداخليّة في بلاد الشام، التي سمّيت بحسب الصليبيّ Coelesyria، أي سوريا المجوّفة، بينما سمّى الإغريق، والرومان “قيليقيا” Cilicia المنطقة الساحليّة الممتدّة من جبال طوروس إلى جبل اللكام Amanus، ومن قيليقيا إلى مسقط جبل الكرمل سمّيت فينيقيا Phoenecia، وفلسطين Palestina إلى الجنوب من مسقط جبل الكرمل.
وكما هو معلوم أنّ الأسفار العبريّة في العهد القديم كتبت بين القرنين الخامس عشر والعاشر قبل الميلاد[13]، قبل الترجمة السبعينيّة للعهد القديم من اللغة العبريّة إلى اليونانيّة بما لا يقلّ عن 1200 سنة[14]، وبالتالي فإنّ تسمية لبنان هي الأقدم بين الكِيانات السياسيّة المجاورة. وخلافًا لنظريّة “لبنان الخطأ التاريخيّ”، فإنّ وجود لبنان الجغرافيّ، هو مبرّر تاريخيّ لوجوده ككِيان سياسيّ أسوة بباقي الكِيانات السياسيّة المجاورة والبعيدة.
1 – 2: التكوين الجغرافيّ للبنان
إنّ ما يعرف حاليًّا بلبنان هو منطقة جبليّة يتوسّطها سهل داخليّ يفصل بين سلسلتين جبليّتين، الأولى تطلّ على البحر المتوسّط عبر سهل ساحليّ، والثانية تنحدر باتّجاه الأراضي السوريّة شبه الصحراويّة. وقد بيّنت الدراسات الجيولوجيّة أنّ السلسلتين الجبليّتين الشرقيّة والغربيّة قد كانتا متّصلتين، وبفعل الانكسار الأخدوديّ الإفريقيّ – الآسيويّ العظيم، الذي حدث في الزمن الجيولوجيّ الثالث هبطت هضبة البقاع، وظهرت على جانبيها الشرقيّ والغربيّ سلسلتين جبليّتين. وما يؤكّد هذه النظريّة هو شدّة انحدار السلسلتين باتّجاه البقاع، وبطء انحدارهما بالاتّجاهين المعاكسين. وكذلك تشابه الدفائن في السلسلتين، إضافة إلى تناسب الطبقات الرسوبيّة للسلسلتين.
تتميّز الجبال اللبنانيّة بشدّة وعورتها وبرودتها شتاءً، حيث يصل ارتفاع أعلى قممها، القرنة السوداء في جبل المكمل، في الجزء الشماليّ من السلسلة الغربيّة نحو 3088 مترًا فوق سطح البحر، كما يصل ارتفاع أعلى قمّة في جبل الشيخ، في الجزء الجنوبيّ من السلسلة الشرقيّة، لنحو 2814 مترًا فوق سطح البحر. وتتميّز تلك الجبال بكثافة غطائها النباتيّ في العصور القديمة ما جعلها الملاذ الآمن للجماعات المضطهدة، لا سيّما للأسباب الدينيّة والمذهبيّة، حيث تدلّ خريطة لبنان القديمة والحديثة على انتشار الطوائف والمذاهب في الجبال العالية، وهي تتوزّع كما يلي: جبل الضنّيّة، وهو في الأساس “الظنيّين”، وهي التسمية التي كانت تطلق على أتباع المذهب الإسماعيليّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإسماعيليّة كانت منتشرة أيضًا في وادي التيم والشوف في العهد الفاطميّ[15]، حيث يرجح الصليبيّ أنّ المنطقتين الأخيرتين قد تحوّلتا من الإسماعيليّة إلى الدرزيّة في مطلع القرن الحادي عشر. أمّا الضنّيّة فقد تشتّت سكانها الشيعة والإسماعيليّين إمّا بالتحوّل إلى مذهب المماليك[16]، أو بمغادرة تلك الجبال إلى البقاع[17].
المنطقة الممتدّة من جبة بشري، إلى البترون، وجبة المنيطرة وجبيل، المأهولة بالموارنة، الذين تعرضوا لاضطهاد البيزنطيّين، وحسب البستانيّ “نشأوا كطائفة أصلًا في وادي العاصي، في بلاد حمص وحماه، وأنّ نسبتهم هي إلى مار مارون، من أولياء القرن الرابع الميلاديّ، وكانت له شهرة في زمانه في تلك الأنحاء”[18]. وقد كان رهبان دير مار مارون متمسكين بمذهب المشيئة الواحدة، وهو ما كان مخالفًا للبيزنطيّين[19]. بقي الموارنة في وادي العاصي بعد الفتح الإسلاميّ[20]، ولكن مع عودة البيزنطيّين إلى الشام في أواخر القرن السابع، بموجب الاتفاق بين الإمبراطور البيزنطيّ يوستنيانوس الثاني والخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان، دخل العسكر البيزنطيّ “فخرّبوا دير مار مارون وشتّتوا رهبانه، ولجأ عدد من هؤلاء، وعلى رأسهم يوحنا مارون إلى جبل لبنان”[21]. وما يؤكّد ذلك هو وفاة أوّل بطاركة الموارنة يوحنا مارون ودفنه في كفر حيّ – قضاء البترون، سنة 707[22]. ومن ثَمَّ فإنّ الاضطهاد البيزنطيّ قد أخرج الموارنة نهائيًّا من وادي العاصي حوالي سنة 1000م[23].
كانت كسروان إلى الجنوب من جبيل، مسكونة بالمسلمين الشيعة، الذين تمكّنوا من الصمود في جبال كسروان المرتفعة نحو عقد ونصف من الزمن بوجه الحملات المملوكيّة على كسروان، التي استمرّت من 1292 حتّى 1305، عندما حصل التهجير الكبير باتّجاه بلاد بعلبك وجزين[24].
أمّا في الغرب والجرد والشوف، فقد استقبل الدروز المقيمين موجة جديدة من المهجرين من شمال الشام إلى لبنان سنة 1811، “عندما شهد الريف الشاميّ غارات متكرّرة من قبل الفرقة الوهّابيّة المنطلقة من وسط شبه جزيرة العرب. وقد دعي دروز حلب آنذاك – وبسبب تعرضهم للضغوط الوهّابيّة – إلى الجلاء عن هذه المنطقة، والاستقرار بين أبناء مذهبهم في مناطق الشوف. وكان الذي وجّه إليهم هذه الدعوة هو بشير شهاب الثاني بناءً على طلب من بشير جنبلاط الذي كان أكبر زعماء الدروز في تلك الأيّام”[25]. وقدم الروم الأرثوذكس في مطلع القرن التاسع عشر إلى لبنان الحالي كما إلى فلسطين وقد كان “معظم المهاجرين قد انطلقوا من شرقيّ الأردن ومن منطقة حوران، جنوب دمشق، ربما هربًا من الغارات الوهّابيّة التي تسبّبت في هجرة الدروز من منطقة حلب في الوقت نفسه”[26]. وهو ما يفسر تمركز الأرثوذكس في قضاءي مرجعيون، وحاصبيا القريبتين من المناطق التي قدموا منها.
وكذلك شهدت المناطق المارونيّة في جبل لبنان الجنوبيّ، وجزين استقبال وفود من المسيحيّين المهاجرين قسريًّا “على أثر قبول بعض المسيحيّين الملكيّين الاتّحاد مع روما في العام 1683 غادر الملكيّون المتّحدون، أي الروم الكاثوليك، منطقة حلب وأجزاء من الداخل الشاميّ بحثًا عن ملجأ لهم بين موارنة لبنان ودروزه، والاضطهاد الذي تسبّب في هجرتهم في ذلك الوقت على أيدي زملائهم الملكيّين من الروم الأرثوذكس”[27]. وفي هذا السياق تدرّجت الهجرات الكاثوليكيّة من سوريا عبر سلسلة جبال لبنان الشرقيّة باتّجاه قرى وبلدات شرقيّ قضاء بعلبك أيضًا [28].
وكذلك يذكر “فولني” أنّ الكثير من الأسر المسيحيّة أخذت خلال حكم أحمد باشا الجزار (عندما عين واليًا على دمشق 1780 – 1804) بالنزوح “يوميًّا” من سوريا إلى لبنان فرارًا من حكم الأتراك[29] (وتحديدًا من اضطهاد أحمد باشا الجزار).
بناءً على ما تقدّم، يتّضح أنّ لبنان كان على مرّ العصور ملجأ للمضطهدين من الديانات والمذاهب والإثنيات المتعدّدة، وهو يفسّر سبب تكوّن الشعب اللبنانيّ من مجموعة أقليّات، أكبرها لا تزيد نسبته على ثلث السكان. ومن جهة ثانية فإنّ فكرة الوطن الملجأ هي مبرّر إضافيّ، وحيويّ لوجود لبنان ككِيان سياسيّ مستقلّ ونهائيّ يحفظ تلك المجموعات ومعتقداتها.
1 – 3: جغرافيّة لبنان في العهد القديم
بداية الاسم، فقد بيّنت المخطوطات القديمة أنّ اسم لبنان يعود لما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف سنة، ومنها كتاب “العهد القديم – التوراة”، رسائل تلّ العمارنة، وصحف “غلغامش”. فقد أظهر أنطوان خوري حرب أنّ اسم لبنان ورد في التوراة نحو 75 مرّة في أماكن متعدّدة[30]. ولكن الأبرز في هذا السياق هو أنّ لبنان المذكور في التوراة ليس مقتصرًا على سلسلة جبال لبنان الغربيّة، التي شكّلت الجزء الأكبر من لبنان الصغير، أي “متصرّفيّة جبل لبنان”، بل جغرافيّة لبنان في العهد القديم تشبه إلى حدّ كبير حدوده ومساحته الحاليّة. وهذا ما يظهرمن خلال قراءة بعض ما ورد في أسفار التوراة ليتّضح ما يلي:
– إنّ سلسلة جبال لبنان الشرقيّة مشمولة أيضًا بتسمية لبنان، بل هي مصدر التسمية، وقد ورد ذلك في سفر القضاة 3: 3، كما يلي: “جميع الكنعانيّين، والصيدونيّين، والحوثيّين سكان جبل لبنان من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماة” (الإصحاح الثالث – 3)[31]. وفي هذا ما يثبت أنّ جبل لبنان يمتدّ من جبل بعل حرمون (جبل الشيخ) حتّى مدخل مدينة حماة التاريخيّة، أي جبل لبنان هو كامل السلسلة الشرقيّة.
– “إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال أذهب إلى جبل المرّ وإلى تلّ اللبان. كلّك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة. هلمّي معي من لبنان يا عروس معي من لبنان. انظري من رأس أمانة من رأس سنير وحرمون من خدور الأسود من جبال النمور” (الإصحاح الرابع 6 – 7 – 8)[32]. وسنير[33] هو الجزء الشماليّ من سلسلة جبال لبنان الشرقيّة، بعد أن اصطلح على تسمية الجزء الجنوبيّ حرمون أو جبل الشيخ. وتدل هذه الفقرة على أن رأس أمانة[34] ورأس سنير هما أجزاء من السلسلة الشرقيّة من جبال لبنان، أي هي أرض لبنان. ويقصد بخدور الأسود العرين.
– “…… أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق” (الإصحاح السابع – 4)[35]. وبرج لبنان في هذا النصّ هو جبل حرمون في السلسلة الشرقيّة من جبال لبنان، الذي يطلّ على دمشق. وهو يتناغم مع ما ورد آنفًا في العهد القديم، فإنّ الشعراء العرب كانوا يلقبّون نهر الأردن، الذي ينبع من سفوح جبل حرمون (الشيخ) بابن لبنان البكر.
– “وأرض الجبليّين وكلّ لبنان نحو شروق الشمس من بعل جاد تحت جبل حرمون إلى مدخل حماة – جميع سكان الجبل من لبنان إلى مسروفت مايم جميع الصيدونيّين. أنا أطردهم من أمام بني إسرائيل. إنّما أقسمها بالقرعة لإسرائيل ملكًا كما أمرتك – والآن أقسم هذه الأرض ملكًا للتسعة أسباط ونصف سبط منسيّ” (الإصحاح الثالث عشر – 5 – 6 – 7)[36]. وهو أقدم تحديد لموقع لبنان وامتداده، الذي يشبه امتداده الحاليّ، أي من بعل جاد (وهو حاليًّا وادي التيم)، إلى مدخل حماه، أي كلّ السلسلة الشرقيّة ووادي البقاع، والصيدونيّين للدلالة على سكان الساحل. وهناك من يرى أنّ الصيدونيّين هم سكان صيدا، والساحل، والجبال المجاورة. وبحسب المتخصّصين بالتوراة، والتاريخ اليهوديّ فإنّ سفر يشوع يعود إلى القرن الخامس عشر ق.م.
وكذلك فقد سمّى مؤرّخ يهوديّ في القرن الأوّل الميلاديّ[37] جبل الشيخ وما يحيط بمدينة دمشق من تلال وجبال باسم لبنان، وكذلك حدّد منابع نهر الأردن من سفوح جبل لبنان، وهو في هذه الحالة رديف لجبل حرمون أو الشيخ، وهو ما يعزّز نظريّة مفادها أنّ لبنان في التاريخ القديم، هو بنسبة كبيرة لبنان بحدوده الحاليّة.
هذا بالنسبة إلى النصوص التي تؤكّد أنّ أرض ما سمّي لبنان في العهد القديم تشمل سلسلة الجبال الشرقيّة، ووادي البقاع وليس فقط السلسلة الغربيّة. أمّا الأسفار التي تذكر لبنان فهي كثيرة. وهو ما يبرّر وجوده كحيّز جغرافيّ، ومن ثَمَّ ككِيان سياسيّ أسوة بباقي الكِيانات السياسيّة والدول.
2 – مراحل نشوء الكِيان السياسيّ للبنان
بدأ الكِيان السياسيّ بنواة جغرافيّة، ومجموعة بشرية، متجانسة ومتفاعلة، تجمعها المصلحة المشتركة والإرادة الواحدة. وبهذا التعريف تبرز أهمّيّة الجغرافيا في تكون الأمة. ومن المنطقي تتبع الأحداث التاريخيّة المختلفة لتفسير كيفيّة تكون نواة الكِيان السياسيّ للبنان.
2 – 1: الجغرافيا السياسيّة لأراضي لبنان قبل الإمارة
لم تخل الخرائط الإداريّة للإمبراطوريّات، والسلطنات، والممالك منذ العهد الإسلاميّ حتّى قيام دولة لبنان الكبير من ولايات، أو مقاطعات مركزها في الأراضي اللبنانيّة الحاليّة، شأنها شأن الأراضي المجاورة للبنان كسوريا وفلسطين.
عندما احتلّ المماليك بلاد الشام قسموها إلى ستّ ممالك، كلّ مملكة تتألّف من عدد من الولايات. كانت طرابلس إحدى تلك الممالك، ومملكتي دمشق، وصفد من الممالك التي شملت باقي الأراض اللبنانيّة الحاليّة.
في ظلّ هذا التقسيم باتت الأراضي اللبنانيّة موزعة بين مملكة طرابلس (اللبنانيّة)، التي ضمّت ولايات الضنّيّة، جبة بشري، أنفة (وتشمل ساحل طرابلس والكورة)، إضافة إلى ولايات جبيل، جبة المنيطرة، وحصن عكار[38]. كما ضمّت مملكة دمشق الأراضي اللبنانيّة التالية: نيابة البقاع البعلبكيّ، وقاعدتها بعلبك، ونيابة البقاع العزيزيّ، وقاعدتها كرك نوح. إضافة إلى ولايتي صيدا، التي شملت جبل الشوف، وبيروت، التي شملت جبل الغرب، والمتن، والجزء الأكبر من جبل كسروان. أمّا باقي الأراضي اللبنانيّة فقد أتّبعت في مملكة صفد، وهي ولاية شقيف أرنون، التي شملت جبل عاملة، وولاية صور[39].
وهكذا يتّضح أنّه مقابل الأراضي اللبنانيّة الملحقة بمملكتين، غير لبنانيّتين، فإنّ مملكة طرابلس شملت أجزاء كبيرة من الأراضي السوريّة الحاليّة، وهي جبل البهراء (العلويّين حاليًا)، والساحل السوريّ الحاليّ كاملًا، من جبيل إلى اللاذقيّة[40]، بما فيه مدينة طرطوس، وجزيرة أرواد.
أمّا في العهد العثمانيّ فلم يتغيّر التقسيم الإداريّ كثيرًا عن سابقه، وإنّما استبدل مصطلح مملكة بمصطلح ولاية، وقسمّت هذه الأخيرة إلى سناجق. ومن ثَمَّ قسمّت الأراضي اللبنانيّة الحاليّة بين ولاية طرابلس، التي شملت نفس الأراضي التي كانت تتبعها في العهد المملوكيّ مضافًا إليها أراض سورية حاليًا، وهي سناجق حمص، حماه، وجبلة (ويشمل الساحل السوريّ وجبال العلويّين)، وسلميّة[41]، وهي ناحية في محافظة حماه حاليًا. واتبعت سناجق صيدا وبيروت، وتوابعهما، نفسها في العهد المملوكيّ، بولاية دمشق[42]. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأراضي اللبنانيّة الجنوبيّة، التي كانت تابعة لمملكة صفد المملوكيّة قد ألحقت مع كلّ الأراضي الفلسطينيّنة الحاليّة إلى ولاية دمشق.
يستنتج ممّا تقدّم أنّ أجزاء كبيرة من الأراضي السوريّة الحاليّة كانت ملحقة في ولاية طرابلس، اللبنانيّة حاليًا، وهي بمساحة تفوق الأراضي اللبنانيّة الملحقة بولاية دمشق. وهو ما يعطي مبرّرًا متساويًا لوجود كلّ من لبنان وسوريا. كما أنّ الأمر اللافت للانتباه هو عدم إلحاق كلّ الأراضي اللبنانيّة الحاليّة في الولايات السوريّة، بل الذي يهمّنا هو شمول الولايات التي اتتّخذت من إحدى المدن اللبنانيّة الحاليّة مركزًا لها مساحات واسعة من الأراضي السوريّة الحاليّة، الأمر الذي يساوي بين ضمّ تلك الأراضي إلى لبنان، واحتفاظ سوريا بالأراضي اللبنانيّة الملحقة بها. أي لا أفضليّة للبنان في أراضي سوريا، والعكس صحيح.
2 – 2: إمارة جبل لبنان المعنيّة
بدأت بوادر الضَعف والانهيار تظهر في داخل الإمبراطوريّة العثمانيّة في نهاية القرن السادس عشر، وهو ما انعكس على مناطق متفرّقة من الولايات العربيّة، ومنها لبنان، الذي ظهرت فيه أسر وعائلات حكمته، وأورثت الحكم من بعدها، وأبرزها آل معن الدروز[43]، الذين برز منهم فخر الدين الثاني.
بانت في عهد فخر الدين الثاني (1590 – 1635) معالم الكِيان السياسيّ للبنان مع الإمارة المعنيّة في العهد العثمانيّ، التي كانت تابعة رسميًّا لسنجق صيدا، وإنّما فعليًّا كانت تلك الإمارة تتمتّع بحكم ذاتيّ انطلاقًا من جبل صيدا[44]، وهي تسمية شاعت في تلك الحقبة للدلالة على جبال الشوف، القريبة إلى مدينة صيدا. وتوسّعت الإمارة بعد ذلك باتّجاه جبل بيروت، وهي تسمية يقصد بها منطقة الجرد، والغرب المطلّة على مدينة بيروت. وقد تمّ ذلك التوسّع عن طريق مصاهرة فخر الدين لآل أرسلان، أمراء الغرب[45] آنذاك. وتجدر الإشارة إلى أنّ المقصود بمنطقتي الجرد والغرب هي قضاءي عاليه وبعبدا الحاليّين.
أتبع المعنيّون، من ناحية أخرى، إلى إمارة جبل لبنان كلّ من بلاد بعلبك والبقاع من خلال التحالف مع الحرافشة، أمراء المسلمين الشيعة في تلك المنطقة، ووادي التيم[46] عبر التحالف مع الأمراء الشهابيّين، المسلمين السنة، وكسروان من خلال العلاقات الوطيدة للأسرة المعنيّة مع الموارنة، ولا سيّما مع آل الخازن الذين خبئ فخر الدين في بيوتهم صغيرًا[47] بعد ما تسبّب الحصار العثمانيّ لأبيه قرقماز الموت مسمومًا في قلعة نيحا، قرب جزين[48]. كما أحكم فخر الدين السيطرة على مدينتي صيدا وبيروت، وبات مركز السنجق يتبع فعليًّا للإمارة المعنيّة.
وبما أنّ جبلي صيدا وبيروت كانا يشكّلان معًا ما سمّي في تلك الحقبة بجبل الدروز[49]، فيمكن اعتبار جبل الدروز النواة الجغرافيّة للكِيان اللبنانيّ، التي توسّعت في مراحل لاحقة لتبلغ أقصاها خارج الحدود السياسيّة الحاليّة للبنان.
لكنّ ذلك التوسّع ما كان ليحصل بالشكل الذي وصل إليه من ضخامة لو لم يدخل عامل ديموغرافيّ غير التركيبة الطائفيّة والدينيّة لما كان يعرف بجبل الدروز. وهي الحركة النزوح المارونيّ من جبل لبنان[50] إلى جبل الدروز. أمّا أسباب ذلك النزوح فيمكن اختصارها بما يلي:
أوّلًا: اهتمام فخر الدين بإنتاج الحرير، وهو ما حتّم عليه الاستعانة بالفلاحين الموارنة، من ذوي الخبرة الواسعة في تربية دود القزّ، حيث استقرّ الفلاّحون من الموارنة في مزارع تربية دود القزّ في الجبل الجنوبيّ.
ثانيًا – كان جبل الدروز الملاذ الآمن للموارنة، بعد ما لحق بهم من اضطهاد، وتضييق من قبل آل سيفا، الذين أوكلوا أمر المنيطرة لحلفائهم آل حمادة، الذين ضيّقوا بدورهم على الموارنة[51].
ثالثًا – على الرغم من تأييد نصف الموحّدين الدروز للأمير المعنيّ[52]، كان النصف الثاني منهم، مناوئًا له[53]. وهو ما حتّم على الأمير الدرزيّ الاستعانة برجال أشداء لتعزيز حكمه، وتقوية جيشه، وما يؤكّد ذلك بلوغ المقاتلين الموارنة نحو الألف في جيش فخر الدين، أي ما لا يقلّ عن نصف عدد المقاتلين من الدروز الذين كان عديدهم ألفين، وذلك في إحدى المعارك[54] التي خاضها الأمير عليّ بن المير فخر الدين[55].
لكن بالمقابل فإنّ المقاتلين الدروز، والموارنة لم يكونوا قادرين على مواجهة الجيش العثمانيّ وحدهم، وهو ما حدا بالأمير المعنيّ الاعتماد على جنود محترفين، يعرفون بالسقمان، وقد كانوا نواة الجيش المعنيّ، الذي بلغ عديده نحو أربعين ألفًا من المحاربين[56].
رابعًا – التحالف بين فخر الدين وآل ميديتشي، أمراء توسكانا، سنة 1608، ومن ثَمَّ اكتساب أمير الدروز ثقة البابويّة في روما، الأمر الذي انعكس ارتياحًا للموارنة في هجرتهم إلى الجبل الجنوبيّ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدروز، الذين وجدوا سندًا لهم من بيئتهم الجبليّة.
وهكذا باتت إمارة جبل لبنان جامعة جزءيها الشماليّ والجنوبيّ، وإن كان الأوّل ذا أكثريّة مارونيّة، مع وجود أقليّات شيعيّة في كسروان وجبيل، فنّ الثاني تسكنه أكثريّة درزيّة، وأقليّة مارونيّة في بادئ الأمر. وفي ذلك المجال الجغرافيّ تبلورت أمة جبليّة، قوامها أقليّات دينيّة ومذهبيّة، تجمعهم المصالح المشتركة والإرادة الواحدة، في نطاق جغرافيّ اسمه جبل لبنان، شمل جبل الدروز “جبل لبنان الجنوبيّ”، و”جبل لبنان الشماليّ” موئل الموارنة. ثم امتد ليشمل البقاع، بعلبك، ووادي التيم. ومن ثَمَّ باتت الأمّة اللبنانيّة هي المجموعة البشرية التي تسكن لبنان من السلسلة الشرقيّة إلى وادي البقاع فإلى السلسلة الغربيّة، ومن ثَمَّ الساحل، وعلى وجه الخصوص مدينتي صيدا وبيروت.
2 – 3: التوسّع المعنيّ اللبنانيّ خارج الحدود الحاليّة للبنان
بعد توحيد المناطق اللبنانيّة، توسّع فخرالدين شمالًا وجنوبًا، فوصل نفوذ الإمارة المعنيّة إلى حلب شمالًا، وفي سنة 1624 “… اعترف رسميًّا في مرسوم سلطانيّ بسيطرة فخر الدين على لبنان والمناطق المجاورة… واكتسب بمقتضاه (فخر الدين) لقب “سلطان البرّ” كما عين حاكمًا على عربستان، وتمتدّ من حدود حلب إلى حدود القدس… ولم يبق أمامه سوى دعوى السلطنة” [57] وما يؤكّد ذلك قلعة ابن معن، التي يرجّح حتي[58] أنّ فخر الدين بناها في تدمر، شرقيّ حمص، من ضمن القلاع والأبراج الأخرى لتوطيد الأمن في البلاد، التي كانت تخضع لحكمه.
أمّا إلى الجنوب، فقد امتدّت الإمارة المعنيّة، بحسب وصف أحد السيّاح الإنكليز، الذي وثّق ما شاهد في زيارته للبنان سنة 1610[59]، من نهر الكلب إلى جبل الكرمل، شاملة المدن التالية: صفد، طبريّة، والناصرة (في فلسطين المحتلّة)، وبانياس (في سوريا حاليًّا). وتجمع المراجع التاريخيّة على أنّه حصل من السلطنة العثمانيّة سنة 1622 على فرمان إدارة عجلون (في الأردن حاليًّا)، ونابلس (في فلسطين المحتلّة). كما أضيفت له غزّة في أعقاب انتصاره على والي دمشق مصطفى باشا في معركة عنجر سنة 1623[60].
وهكذا يمكن اعتبار نهاية القرن السادس عشر، والثلث الأوّل من القرن السابع عشر، هو تاريخ ولادة الكِيان اللبنانيّ، في دولة كاملة السيادة، وإن كانت جزءًا من السلطنة العثمانيّة، وإنّما قد تمتّعت بحكم ذاتيّ أشبه بالاستقلال، ولا سيّما أنّ عهد أحمد الأوّل[61]، الذي اتّسم بالضَعف والهزائم، قد سهّل لفخر الدين وحلفائه، الثورة والتمرّد عليه[62]، وأبرزهم عليّ جانبولاد[63]، الذي سيطر على ولاية حلب[64].
ويبرز الاستقلال شبه الناجز للإمارة اللبنانيّة المعنيّة، في حيازتها على مرفأين كبيرين، وهما مرفأ مدينة صيدا، الذي تجاوره الأسواق التجاريّة[65]، ومرفأ بيروت، اللذين تمّ تجهيزهما لتسهيل التبادل التجاريّ مع الغرب الأوروبيّ، ولا سيّما التجار البنادقة Venetians[66]، والتوسكانيّين Tuscanians [67]، والفرنسيّين. وإذا كانت صيدا العاصمة الاقتصاديّة وبوّابة التواصل مع الخارج، إلاّ أنّ عاصمة الإمارة شبه الرسميّة، هي بلدة دير القمر.
وما يظهر معالم السيادة اللبنانيّة على أراضي الإمارة هو علاقات الإمارة اللبنانيّة الخارجيّة مع توسكانا، بهدف الاستقلال الكامل، وكذلك مع الدولة الصفويّة شرقًا، واللتين لم تمرّا عبر الباب العالي. كما كان للإمارة اللبنانيّة المعنيّة آنذاك جيشًا كبيرًا، كما ذكر آنفًا. وعلى الصعيد الاقتصاديّ، فقد كانت لسيطرة الإمارة على سهل البقاع بالغ الأثر في تأمين الموارد، التي عزّزت استقرار الأمن الغذائيّ والاقتصاديّ، المعتمد على الزراعة في ذلك الزمن.
وهكذا يتّضح أنّ فكرة الكِيان السياسيّ اللبنانيّ ولدت في عهد فخر الدين، بل توسّعت لتشمل “سوريا الكبرى”[68]، التي هدّدت السلطنة العثمانيّة برمّتها، الأمر الذي جعل التخلّص من فخر الدين في أولويّات الدولة العثمانيّة، بل كان قد قدّمه مراد الرابع[69] على استرداد بغداد من الصفويّين.
وما يبيّن جدّيّة الإمارة اللبنانيّة وخطورتها على السلطنة هو اضطرار الباب العالي تحويل سنجق صيدا إلى ولاية سنة 1660، أسوة بدمشق وحلب وطرابلس، وهو لإخماد الروح الاستقلاليّة عند اللبنانيّين[70] ، كما من أجل مراقبة لبنان[71]. ويبدو أنّ الغاية من تحويل سنجق صيدا إلى ولاية هو سهولة إرسال الجند العثمانيّ لقمع أيّ تمرّد أو عصيان، إذ لا تبعد عن دير القمر أكثر من خمسين كيلومترًا.
ومع نهاية فخر الدين سنة 1635 شهد جبل لبنان، وفلسطين فراغًا سياسيًّا، ما أفسح المجال لوالي عكّا ظاهر العمر بسط نفوذه على أمراء جبل لبنان، وفلسطين، وكذلك على الولاة العثمانيّين[72]. وأبرز تداعيات غياب فخر الدين هو انتكاس البنيان الوطنيّ الجامع للأمّة اللبنانيّة، ولا سيّما خلال مرحلة الإمارة الشهابيّة، التي شهدت التدخّل الأجنبيّ من جهة، ودخول النزعة الطائفيّة إلى جبل لبنان من جهة أخرى.
2 – 4: إمارة جبل لبنان الشهابيّة
بقيت الأسرة المعنيّة في حكم جبل لبنان حتّى سنة 1697، لكن بوتيرة لا تقاس بما كانت عليه من قوّة في عهد فخر الدين الثاني. وبحكم المصاهرة انتقلت السلطة في جبل لبنان من المعنيّين الدروز إلى الشهابيّين السنة، الذين تحولوا إلى المسيحيّة[73] وبقوا في السلطة حتّى سنة 1841.
إن الأمراء الشهابيّين الذين حكموا جبل لبنان، كانوا في الواقع أمراء الدروز، وخضعوا إلى حد كبير للإقطاعية الدرزيّة[74]، ولكن بعد الهجرة المارونيّة إلى الجبل الجنوبيّ، وبدءًا من منتصف القرن الثامن عشر لم يعد يكفي الأمير طاعة الدروز للحصول على شرعيّة الحكم، بل برز الشريك الجديد، ومن هنا بدأت بوادر التباين بين الطائفتين تظهر، فكانت الباب الذي دخلت منه السلطنة إلى الإمارة، وكذلك كانت سببًا لتدخّل الدول الأوروبيّة، ومصر في شؤون السلطنة. وهو ما ترك بالغ الأثر على “الأمّة الناشئة” الثنائيّة الطائفة، والتي كانت عنوانًا للانصهار في بيئتها الجبليّة الحاضنة.
على الصعيد الداخليّ، فإنّ الخلل الذي أصاب التوازن الديموغرافيّ الدرزيّ – المارونيّ في الجبل الجنوبيّ، كسر احتكار الدروز للجبل الجنوبيّ، لكن هذه المرّة ليس بسبب الهجرات المارونيّة إلى ذلك الجبل فحسب، وإنّما بسبب معركة عيندارة سنة 1711، والتي قضى فيها القيسيون على اليمنيّين، الأمر الذي نتج عنه هجرة اليمنيّين من جبل لبنان باتجاه حوران، وسكن ما يعرف حاليًا بتسميته الرسمية “جبل العرب”، والذي سمي باسم الوافدين إليه من لبنان “جبل الدروز” في محافظة السويداء في الجمهورية العربيّة السورية حاليًا.
لما اقتصرت هجرة اليمنيّين على المحازبين الدروز حصرًا، وبقاء الموارنة والمسيحيّين عمومًا، بسبب ولاء أكثريّتهم للحزب القيسي، بات الموارنة والمسيحيّون عمومًا يتفوقون ديموغرافيًّا على الدروز[75]. وفي هذا السياق يذكر أنيس يحيى أن بعض القرى الدرزيّة البحتة، باتت بأكثريّتها الساحقة مارونيّة[76]. وكذلك، فإنّ التفوّق العدديّ للمسيحيّين عمومًا على الدروز عزّزه التحاق أتباع المذهب الكاثوليكيّ الوافدين من سوريا بالموارنة، أينما وجدوا[77]. وقد يكون سبب التفوّق المارونيّ على الدروز هو أحد الأسباب المفترضة لتحوّل الأمراء الشهابيّين إلى المارونيّة.
من جهة ثانية، فإنّ سياسة بشير الثاني، التي” قضت على الأمراء الإقطاعيّين والمشايخ، فسلبهم ثرواتهم ومكانتهم. وهكذا انتهى آل أرسلان، وتلحوق، وعماد، وعبد الملك… ولم يبق غير آل جنبلاط ينعمون بما للإقطاع من امتيازات”[78]، قد أدّت إلى تحوّل الدروز إلى معارضته بقيادة بشير جنبلاط، الذي ثار على بشير الثاني وأعدم في عكا على خلفيّة تلك الثورة سنة 1825. وبذلك تصدعت أمّة جبل لبنان، وبدأت الفتن تتوالى، وتتغذّى بالتدخّلات الخارجيّة.
لكن على الرغم من سياسيّة التحريض والتفرقة التي اعتمدها الشهابيّون بين الدروز والموارنة [79] ليعزّزوا حكمهم، إلاّ أنّهم أسهموا في تطوير الإمارة وازدهارها، لا سيّما في عهد بشير الثاني، حيث جرّ المياه من نبع الصفا عبر قناة إلى بيت الدين، كما نقل عاصمة الإمارة إلى بيت الدين بعد بناء قصر لسكنه، ولحكمه سنة 1806 [80]، الذي يعدّ من أبرز المواقع الأثريّة على الخريطة السياحيّة في لبنان.
أمّا بالنسبة إلى التدخّلات الخارجيّة فقد كانت السبب الأكثر تأثيرًا في تفكيك النسيج الوطنيّ اللبنانيّ، ولا سيّما أن حالة الرجل المريض، أي السلطنة العثمانيّة، تدهورت بشكل حاد، الأمر الذي أيقظ أحفاد المماليك من ثباتهم، فهاجم والي مصر محمّد عليّ بلاد الشام واحتلّها، وكاد يسقط القسطنطينيّة بين عامي 1832 و1833، لو لم تتدخّل بعض الدول الأوروبيّة، وعلى رأسها بريطانيا.
تلقي محمّد عليّ الدعم من فرنسا، العدوّ التقليديّ للبريطانيّين، لتحقيق تلك القوّة، مقابل الإصلاحات التي تبنّاها في مصر ووعد بنقلها إلى بلاد الشام. ومن هذه الإصلاحات، المساواة بين ملل السلطنة، التي انتهجها محمّد عليّ، التي لقيت دعم المسيحيّين، وعلى رأسهم بشير الثاني. في المقابل مال الدروز إلى السلطنة العثمانيّة وبريطانيا. فمهّدت تلك التدخّلات الخارجيّة للفتن المتلاحقة التي أحدثت شرخًا خطيرًا بين اللبنانيّين خلال عقدين من الزمن (1840 – 1860).
انتهت تلك الفتن بتقسيم جبل لبنان سنة 1843 إلى قائمقاميّتين، شماليّة عاصمتها بكفيا، على رأسها قائمقام مارونيّ، وجنوبيّة عاصمتها بعقلين، وعلى رأسها قائمقام درزيّ. وكان نظام القائمقاميّتين قد اقترحه كليمنس متيرنيخ[81] كحلّ وسط بين الاقتراح الفرنسيّ الداعم لإعادة الإمارة الشهابيّة إلى لبنان، والاقتراح العثمانيّ الذي دعا إلى استعادة السلطة على جبل لبنان، وربطها بوالي صيدا. لكنّ حلّ القائمقاميّتين لم يمنع من اندلاع الفتنة الكبرى في جبل لبنان سنة 1860، التي ذهب ضحيّتها آلاف اللبنانيّين، أكثرهم من المسيحيّين. كما امتدّت إلى دمشق، حيث بلغ التحريض الطائفيّ من قبل والي دمشق حدّ المذابح التي أودت بحياة نحو 12000 من المسيحيّين. ومن خلال تلك الحِقبة الدمويّة تدخّلت دول أوروبا، وتمّ تدويل القضيّة اللبنانيّة.
3 – المتصرّفيّة (الشكل – 1)
حاول العثمانيّون حصر كلّ ما جرى من أحداث دمويّة في خانة النزاعات الداخليّة، ولكنّ الدول الأوروبيّة قرّرت التدخّل وتدويل المسألة اللبنانيّة، ونتج عن ذلك اجتماع ممثّلين عن خمس دول أوروبيّة في بيروت هي: بريطانيا، فرنسا، روسيا، بروسيا، والنمسا برئاسة والي بيروت العثمانيّ[82]، وتقرّر بالإجماع في حزيران 1861 إقرار نظام للبنان عرف بـ”النظام الأساسيّ”، “Reglement Organique” ومن خلاله بات لبنان سنجقًا عثمانيًّا، عرف بمتصرّفيّة جبل لبنان. وميّز العثمانيّون المتصرّفيّة عن سواها من الأقسام الإداريّة، وجعلوها تتبع الباب العالي مباشرة أسوة بالولاية[83]. وحينها تمّ التداول لأوّل مرّة باسم لبنان بشكل رسميّ.
كان على رأس المتصرّفيّة متصرّفًا عثمانيًّا كاثوليكيًّا، غير لبنانيّ، يعيّنه الباب العالي وتوافق عليه كلّ الدول الأوروبيّة الخمس. يعاونه مجلس إدارة من 12 عضوًا يمثّلون الطوائف الأساسيّة على الشكل التالي: أربعة للموارنة، ثلاثة للدروز، اثنان للأرثوذكس، عضو واحد للسنّة، وعضو واحد للشيعة.
وقد شملت متصرّفيّة جبل لبنان، المناطق التالية[84]: جبة بشرّي، بلاد البترون، الكورة، بلاد جبيل، جبة المنيطرة، كسروان، المتن، الجرد والغرب[85]، والشوف، وجعلت دير القمر مديريّة[86] (لتجنيب سكّانها الموارنة من الخضوع للأكثريّة الدرزيّة في الشوف). ويضاف إلى تلك أقضية بعض السفوح الشرقيّة لسلسلة جبال لبنان الغربيّة لتصل إلى كلّ من مدينة الهرمل شمالًا، وشمسطار[87] في قضاء بعلبك (التي كانت تتبع آنذاك لقضاء كسروان)، ومدينة زحلة في البقاع الأوسط، إضافة إلى القرى، والبلدات الواقعة جنوبيّ زحلة، وهي تعنايل، ثعلبايا، جديتا، سعد نايل، مكسة، قب الياس، وصولًا إلى قرى البقاع الغربيّ، الواقعة غربيّ نهر الليطانيّ في مجراه البقاعيّ. وأبرزها عمّيق، دير طحنيش، كفريا، وصغبين، عيتنيت، مشغرا، عين التينة، سحمر ويحمر[88]. ومن هنا يتّضح أنّ الأجزاء الغربيّة في البقاع المضمومة إلى المتصرّفيّة سنة 1860 يتخلّلها بعض الجيوب ذات الأكثريّة المسلمة الشيعيّة، وهي الهرمل وشمسطار، ومدينة زحلة ذات الأكثريّة المسيحيّة.
الشكل – 1: خريطة متصرّفيّة جبل لبنان (1861 – 1918)
وقد جعل المتصرّف مقرّه في بيت الدين صيفًا، وفي بعبدا باقي فصول السنة. وفي اختيار هاتين البلدتين إرضاءً للطرفين المتصارعين، فبعبدا هي بلدة وسطيّة بين الجبلين الشماليّ والجنوبيّ. وبيت الدين هي العاصمة التي اختارها بشير الثاني، لما له من تقدير في نفوس المسيحيّين عمومًا، كما أنّ بيت الدين هي في عمق الجبل الجنوبيّ، وهو ما يرضي الدروز ويعيد لمنطقتهم جاذبيّتها. وقدّرت مساحة المتصرّفيّة بنحو 5060 كيلومترًا مربعًا[89]، أي ما يقارب نصف مساحة الجمهوريّة اللبنانيّة.
أمّا باقي الأراضي اللبنانيّة، فقد كانت المساحة الأكبر فيها تابعة لولاية بيروت[90]، التي أنشأتها السلطنة العثمانيّة سنة 1888 وألحقت بها المناطق التالية (الشكل – 2): سنجق اللاذقيّة، الذي شمل الساحل السوريّ الحاليّ وجبال العلويّين. سنجق عكا، الذي ضمّ مدينة حيفا. سنجق نابلس، الذي وصل جنوبًا إلى تخوم مدينة يافا. وامتدّ السنجقان من الساحل إلى فلسطين غربًا حتّى نهر الأردن شرقًا. وتجدر الإشارة إلى أنّ ولاية بيروت شملت ما يقارب ثلث الأراضي الفلسطينيّة. أمّا سنجق طرابلس[91]، فقد ضمّ مناطق عكار، وكلّ من حصن الأكراد، وصافيتا في سوريا. وسنجق بيروت، الذي ضمّ أقضية صيدا، صور، ومرجعيون[92]. وقد بدأت أهمّيّة بيروت السياسيّة، والاقتصاديّة تبرز منذ ذلك الوقت على حساب صيدا، وطرابلس.
وهكذا تكون المتصرّفيّة مشروع دولة قزميّة، تفتقد المرافئ الموجودة على الساحل اللبنانيّ في بيروت، طرابلس، وصيدا، ومن ثَمَّ حرمت من التواصل مع الخارج، كما حدّت من النشاط التجاريّ. وكذلك حرمت من السهول الخصبة الملائمة للزراعة في شرقيّ البقاع وعكار، وهو ما أدّى إلى إفراغ المتصرّفيّة من سكانها بلجوئهم إلى الهجرة، بعدما اكتظّت بالسكان، ولم تعد الموارد تكفي حاجات اللبنانيّين المتزايدة. وبالتالي فإنّ البنية الاقتصاديّة للمتصرّفيّة ما كانت لتدعم بنيان الكِيان اللبنانيّ الناشئ.
أمّا ما تبقى من الأراضي اللبنانيّة، فقد كانت ملحقة بولاية سوريا، وهي أقضية راشيا، حاصبيا، المعلّقة (قضاء زحلة)، أو شرقيّ البقاع كما اسماها حتي[93]، وبعلبك، وهي بالواقع المناطق الواقعة شرقيّ نهري الليطاني والعاصي ومنابعهما (حسب الخريطة الصادرة عن السلطنة العثمانيّة، المشار إليها آنفًا).
يُستنتج ممّا تقدّم أنّ بيروت هي المدينة اللبنانيّة الثالثة التي اختيرت كمركز ولاية في العهد العثمانيّ، التي تتبعها سناجق، تشكّل حاليًّا محافظتين في سوريا[94]، وكذلك في فلسطين. وبالتالي من المنطقيّ أن تُعدّ بيروت عاصمة لدولة، بما أنّها تتوسّط متصرّفيّة جبل لبنان، فهي الأنسب كعاصمة له، بل وهي مناسبة لتكون عاصمة لنطاق جغرافيّ سياسيّ أوسع، يشمل المناطق التي احتفظت فيها بيروت من تلك التي كانت تابعة لولايتها، وتلك التي استعادتها فيما بعد من ولاية سوريا.
الشكل – 2: خريطة ولايتي بيروت وسوريا العثمانيّتين بين عامي 1888 – 1918.[95]
4 – نحو إعادة البناء
بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى احتلّ الفرنسيّون لبنان وسوريا، وأعادوا رسم خريطة جديدة ل”بلاد الشام” مع حلفائهم البريطانيّين. وفي 31 آب 1920 أصدر المفوض السامي الفرنسيّ مرسومًا حمل الرقم (318) يقضي بضمّ الأجزاء التالية من ولاية بيروت: مدن بيروت، طرابلس، صيدا، صور، ومرجعيون، إضافة إلى الأجزاء التالية من ولاية سوريا: أقضية بعلبك[96]، المعلّقة[97]، راشيا، وحاصبيا[98] إلى متصرّفيّة جبل لبنان، وهو ما عرف بدولة لبنان الكبير، الذي أعلن عنه يوم 1 أيلول 1920.
وهكذا تحوّل لبنان من سنجق فيه أكثريّة مارونيّة، وأقلّيّة كبيرة درزيّة، إلى دولة تملك ضمانات دوليّة، متنوّعة الطوائف والمذاهب. فبات الموارنة أقليّة كبيرة، والدروز أقليّة صغيرة، وجميع الطوائف عبارة عن أقليّات منها الكبيرة، ومنها الصغيرة. ولكي تضمن فرنسا استمراريّة حلفائها الموارنة وتفوّقهم منحتهم امتيازات دستوريّة، عندما وضع أوّل دستور للدولة اللبنانيّة سنة1926. فاطمأنّ الموارنة، وباتت الدولة اللبنانيّة بالنسبة إليهم مرادفة للدولة المارونيّة. فقامت معارضة مسلمة[99] واسعة ترفض تلك الامتيازات وتعدّها تهميشًا لها، وتغييبًا لدورها. فانتشرت الأفكار الوحدويّة العربيّة في مجتمعهم، وهي في الواقع تسعى بأكثريّتها ضمنيًّا إلى استعادة حقوق المسلمين ضمن دولة عربيّة ذات أكثريّة إسلاميّة. وبين التعريب، واللبننة دار صراع طائفيّ تورّطت به كلّ الطوائف اللبنانيّة كلّ من وجهة نظره.
وهكذا باتت الجمهوريّة اللبنانيّة أمرًا واقعًا، والامتيازات المارونيّة هاجسًا يقلق اللبنانيّين عمومًا، والمسلمين بطوائفهم الثلاث على وجه الخصوص. وفي ظلّ تفوّق النموّ الطبيعيّ الديموغرافيّ للمسلمين عمومًا على المسيحيّين ظهر التفاوت في نسب السكان، وبدأت الهوّة تتّسع، ما حفّز المسلمين على المطالبة بتعديلات دستوريّة لإنصافهم، ولا سيّما أنّ المؤسّسات الدستوريّة موزّعة على الطوائف والمذاهب، فكان التركيز على الحدّ من صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعًا.
سكن في المقابل الموارنة والمسيحيّين عمومًا هاجس العودة بهم إلى زمن “الذمّيّة”[100] في ظلّ خلافة عربيّة، بديلة عن العثمانيّة، فوجدوا في لبنان الملجأ الذي اختاروه منذ قدومهم، الذي سبق وأشير إليه في سياق هذه الدراسة، كما رأوا في الامتيازات الممنوحة لهم خير وسيلة للحماية والمناعة من الذوبان في المحيط العربيّ الإسلامي الكبير، ومن ثَمَّ الحفاظ على هُويّتهم الدينيّة وتميّزهم الثقافيّ.
وطمأن الطرفان بعضهما البعض، بتقاسم المؤسّسات الدستوريّة، والوظائف الصغيرة منها قبل الكبيرة. وبالتالي تحوّلت الأمّة اللبنانيّة إلى أمم طائفيّة – مذهبيّة تتساكن في المجال الجغرافيّ نفسه، لكن لا يجمعها شيء، ولا يعنيها الوطن بشيء، سوى حصص، ومغانم يجب بذل الجهد لتحصيلها. وباتت أمم تلك الطوائف، والمذاهب غير متّفقة على أيّ حدث يحصل سواء أكان محلّيًّا، أم أقليّميًّا، أم دوليًّا. ففي زمن الثنائيّة (الأميركيّة – السوفياتيّة) والحرب الباردة، انحاز المسلمون بأكثريّتهم إلى حلف وارسو ومن أيّده من العرب، لا سيّما مصر في عهد عبد الناصر، وسوريا، بينما انحاز المسيحيّون بأكثريّتهم إلى حلف شمال الأطلسيّ، ومن أيّده من العرب، خصوصًا العراق في زمن الملكيّة، وحلف بغداد، ويكفي بأحداث 1958 شاهدًا على ذلك الوضع.
بعد نكبة فلسطين سنة 1948، استقبل لبنان نسبة من المهجّرين الفلسطينيّين، شأنه شأن سائر الدول العربيّة، ومنذ ذلك الوقت تسارعت وتيرة الانقسام، واستفحلت بعد إعلان الكفاح المسلح الفلسطينيّ سنة 1965، حيث انقسم اللبنانيّون مجدّدًا بين مؤيّد للسلاح الفلسطينيّ داخل المخيّمات، وبين رافض له. فكان الوجود الفلسطينيّ، إلى جانب الانقسام اللبنانيّ حوله، إضافة إلى الامتيازات المارونيّة، والمصالح الدوليّة سببًا لاندلاع الحرب اللبنانيّة (1975 – 1990)، التي مزقت الخريطة السياسيّة اللبنانيّة بين قوى متعدّدة، منها محلّيّة، ومنها أقليّميّة، ومنها معادية. وبعد أن كان لكلّ طائفة ميليشيا خاصّة، أو أكثر، بات لبنان دولة موحّدة على الخريطة الورقيّة، وإنّما فعليًّا فقد كان التقسيم واقعًا، والحدود بين الميليشيات زرعت بالألغام، كما لو أنّها حدود دوليّة بين دول متحاربة. وباتت الإدارات المحلّيّة الطائفيّة في مناطق متعدّدة، التي تسمّت باسماء متنوّعة، تصرّف شؤون السكان لتقوم بوظيفة الأجهزة الحكوميّة المشلولة. والأخطر هو الاحتلال الإسرائيليّ وما أظهره من حدّة الانقسام، والتفتّت للأمّة اللبنانيّة، التي انقسمت بين مبرّر لذلك الاحتلال ومتعامل معه، وبين رافض ومقاوم له.
أمّا من أبرز النتائج السياسيّة للحرب اللبنانيّة فهو التعديل الدستوريّ الذي اتّفق عليه في مدينة الطائف السعوديّة سنة 1989، الذي عرف بـ”اتّفاق الطائف”، الذي حدّ من صلاحيّات رئيس الدولة (المارونيّ)، ونقل معظم صلاحيّاته إلى مجلس الوزراء، كما أصبح عدد النواب مناصفة بين المسيحيّين والمسلمين، بعد أن كان 54 نائبًا مسيحيًّا مقابل 45 نائبًا مسلمًا.
لكن ذلك لم يمنع من الشرخ المذهبيّ المستجدّ والانقسام الطائفيّ المتجدّد من العودة وبقوّة في المرحلة الأخيرة. وهو ما يستدعي “ترميم الخريطة اللبنانيّة”، وذلك لا يتمّ بتوحيد الجغرافيا الموحدّة أصلًا. وإنّما بترميم الأمّة اللبنانيّة، الذي لا يمكن البَدء به قبل الالتزام بسلسلة خطوات تعليميّة للأجيال الصاعدة، وتوزيعها على مادّتي التاريخ، الجغرافيا، مع إضافة مادّة جديدة بعنوان “التنشئة القوميّة”[101]، ويمكن اختصارها بالنقاط الخمس التالية:
– إعادة ثقة الأمّة بنفسها، وذلك بتمتين الروابط العابرة للطوائف والمذاهب، والتي تقرب اللبنانيّين بعضهم من البعض الآخر، ولا سيّما من خلال التركيز على التاريخ القديم، الذي يظهر أمجاد الأجداد الكنعانيّين في ابتكار الكتابة الأبجديّة، التي انطلقت من جبيل Byblos [102] لتعمّ أرجاء المعمورة بين القرنين الثاني عشر والخامس ق.م. وكذلك في أوغاريت الكنعانيّة في القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م. وفي السياق نفسه، إعادة النظر بتسمية الساحات العامّة، والشوارع الرئيسة في المدن وخارجها، على سبيل المثال لا الحصر تسمية أليسار، أدونيس، عشتار، أحيرام، قدموس، ملقارت، هانيبال، أجينور، أشمون، وغيرها من الأسماء التي خلّدها التاريخ، والتي سبقت الديانات السمويّة. وكذلك اعتماد تسمية المستعمرات الفينيقيّة – القرطاجيّة التي باتت مدنًا وعواصم في دول حوض البحر المتوسّط. وهو ما يرسّخ في أذهان الناشئة من اللبنانيّين قيمة وطنهم، وعظمة أمّتهم، وفي ذلك الكثير من رفع المعنويّات، والمبادرة لاستعادة تلك الأمجاد.
– توحيد كتاب التاريخ، من خلال تشكيل لجان متخصّصة لتكثيف الموضوعات التي تبيّن مدى أهمّيّة لبنان والأمّة اللبنانيّة عبر التاريخ. ولا سيّما بتسليط الضوء على الحركة الاستقلاليّة الأولى في القرن السابع عشر مع فخر الدين المعنيّ الثاني، وتحديد المدى الجغرافيّ الذي بلغته إمارة جبل لبنان آنذاك، والتي كانت اللبنة الأولى في بناء الكِيان السياسيّ اللبنانيّ، الذي ساد عهده التسامح الدينيّ، والتعايش لدرجة الإندماج. إضافة إلى حذف الأحداث التاريخيّة، غير المتفق عليها، منعًا للازدواجيّة في تعليم التاريخ.
– تعريف الناشئة على تجذّر أجدادهم الكنعانيّين في أرض لبنان الحاليّة، وبعض المناطق المجاورة شمالًا وجنوبًا، وذلك من خلال الميراث الأدبيّ والفنّيّ، الذي سطى عليه اليهود، ونسبوه إليهم من خلال إدخال ذلك التراث الأدبيّ في كتابهم المقدّس “التوراة”، وفي هذا المجال يشير حتّي[103]: “… وينطبق هذا على القطع الغنائيّة، والحكم التي استعارها سفر الأمثال، والمزامير، ونشيد الأنشاد، وعلى الأخبار الخرافيّة التي دخلت في سفر التكوين، وفي قَصص الأنبياء. ولم تكن معروفة إلى أن اكتُشِفت مدينة أوغاريت…”.
– التركيز على مطامع دول العالم في أرض لبنان، ولا سيّما “الكِيان الصهيونيّ”، واستخلاصهم من التوراة بعض الأصحاح التي تبيّن مدى العداء والاحتقار للكنعانيّين، ومن المعروف أنّ التوراة هو مرجع الحركة الصهيونيّة في نشاطها السياسيّ الحاليّ وفي المستقبل، القريب والبعيد. ومجرّد أن يُعدّ جدّ الكنعانيّين “حاميًّا” فهو يكفي لتشريع استعباد الذين ينحدرون من نسله، وقد ورد ذلك في سفر التكوين “كنعان هو ابن حام بن نوح”[104]. وما يؤكّد الفوقيّة اليهوديّة اتّجاه الكنعانيّين، أجداد اللبنانيّين، هو ما ورد في سفر التكوين أيضًا “فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته وقال مبارك الرب إله سام[105] وليكن كنعان عبدًا لهم…”[106]، وبحسب بعض مفسّري العهد القديم[107]، فقد كان ذلك التحقير من ضمن سياسة العبرانيّين للسيطرة على أرض الكنعانيّين.
– تعريف الأجيال الصاعدة على منجزات أجدادهم الكنعانيّين – الفينيقيّين في بناء المستعمرات، التي باتت مدنًا وعواصم في دول البحر المتوسّط حاليًّا، وهي على الشكل التالي[108]:
ــ في سواحل المحيط الأطلسيّ: قادس Cadis في إسبانيا، وليكسيس Lixis وهي لاراش حاليًّا في المغرب.
ــ السواحل الغربيّة: كالياري Cagliari، تاروس Tharros في جزيرة سردينيّا (بين القرنين السابع والثامن ق.م)، وباليرمو Palermo (في القرن الثامن ق.م)، وسولونتو Solunto في صقليا. إضافة إلى جزيرة إيبشيم وهي Ibiza حاليًا، وملكة مدينة Malaga حاليًّا في إسبانيا.
ــ الساحل الجنوبيّ للمتوسّط: ليبادة Leptis Magna وصبراتة وأويا Oea وهي طرابلس العاصمة حاليًا في ليبيا. إضافة إلى أوتيكا[109] Utica وهي مدينة تونس العاصمة حاليًا، Leptis Parva جنوب مدينة مونستير التونسية، وقرطاجة في تونس.إضافة إلى إيكوسيم Ikosim، وهي مدينة الجزائر العاصمة حاليًّا، وهيبو Hippo وهي مدينة عنابة حاليًّا في الجزائر. إضافة إلى Tingis وهي مدينة طنجة الحاليّة، وSala وهي مدينة الرباط في المملكة المغربيّة حاليًّا.
ــ الجزر: كيتيون Kition وهي مدينة لارنكا حاليًّا في جزيرة قبرص، وجزيرتي مالطة، وغوزو Gozo في دولة مالطة الحاليّة.
وبعد خسارة القرطاجيّين (الفينيقيّين) الحروب البونيّة أمام الرومان في القرن الثاني ق.م، احتلّ الرومان كلّ هذه المستعمرات، وكانت المرّة الأولى التي يحصل فيها الرومان على مستعمرات، وعندها باتت روما تسمّى الإمبراطوريّة الرومانيّة.
الخاتمة
أثبت التاريخ أنّ بنية لبنان الجبليّة هي مجال جغرافيّ ملائم لتجمع بشريّ من طوائف دينيّة، ومذاهب متعدّدةة لجأت إليه لتحمي نفسها بوعورة تضاريسه، وكثافة غاباته، وقساوة مناخه، من الاضطهاد الذي لحق بها في مراحل تاريخيّة متعدّدة، وعبر إمبراطوريّات كبيرة، أبرزها البيزنطيّة، المملوكيّة، والعثمانيّة. وهكذا باتت هذه المجموعات البشريّة تجمعها المصلحة المشتركة، والإرادة الواحدة في نطاق جغرافيّ جبليّ متجانس إلى حدّ كبير، كما تجمعها إلى ما ذكر آنفًا لغة واحدة، وعادات متشابهة جدًّا، فتبلورت جراء تلك المعطيات جماعة توحّدت في أمّة تنتمي إلى المكان وليس إلى السلالة، ولا إلى ديانة، أو مذهب محدّد، وتحمل اسم المجال الجغرافيّ الذي تعيش فيه.
تتميّز الأمّة اللبنانيّة بتنوّعها الدينيّ والمذهبيّ وكذلك الإثنيّ، فهي عبارة عن مجموعة من الأقليّات الدينيّة المذهبيّة، التي لا تصل نسبة أكبرها إلى ثلث سكانه، وهي تختلف تمامًا عن الشعوب في الدول المجاورة، على سبيل المثال لا الحصر، في سوريا هناك أكثريّة سنية تقارب 74 %[110] وأقليّات قليلة متفرقة. في العراق أكثريّة شيعية تقارب 52 % من السكان[111]، والباقي أقليّات دينيّة ومذهبيّة وإثنية مختلفة، وهذا الواقع أكثر تعبيرًا في كل من الأردن ومصر وسائر الدول العربيّة الأخرى، التي تتراوح فيها نسبة أبناء المذهب الواحد والديانة الواحدة بين 90 و100 %. والأمر نفسه ينطبق على الكِيان الصهيونيّ في فلسطين المحتلة، والذي يشكل فيه اليهود نسبة تفوق 75.4 %[112] من مجمل السكان، بصرف النظر عن كيفيّة تزايدهم. وعلى الرغم من وجود تجانس دينيّ وثقافي في تلك الدول إلا أنها لم تنج من الحروب الأهليّة والنزاعات الطائفيّة. أمّا بالنسبة إلى لبنان المتميّز حضاريًّا وثقافيًّا عن باقي الدول العربيّة، فلا بدّ من إيجاد حلّ جذريّ لإعادة بناء أمّته، والنأي بها عن النزاعات، والحروب الأهليّة التي عانت منها الأمّة لأسباب طائفيّة ومذهبيّة.
بناءً على ما تقدّم فإنّ العلمنة في لبنان هي “الوصفة” الأمثل لعلاج ناجع بمواجهة أمراض الطائفيّة والمذهبيّة التي سبّبت تفكّكًا اجتماعيًّا خطيرًا، والتي شرّعت الأبواب أمام التدخّلات الخارجيّة. وإنّما العلمنة المقترحة، هي العلمنة، التي لا تتنكّر للقيم الدينيّة والإيمان، وهي العلمنة، التي طرحها العلايليّ في كتابه “أين الخطأ”[113]، وهي معربة عن الفرنسيّة Layicite، أي المدينة، والعلمنة بفتح العين واللام عند العلايليّ تعني المدينة – العالم، الذي يشمل السكان من ديانات ومذاهب وإثنيّات متنوّعة تتقبّل بعضها البعض كما هي، أي إنّ شرح العلايليّ للعلمنة هنا يتناقض تمامًا مع العلمنة الغربيّة، التي ابتعدت عن روحيّة مصطلح Layicite.
وهكذا فإنّ معظم المجتمعات التعدّديّة التي شهدت عبر التاريخ نزاعات داخليّة وتفسخًا اجتماعيًّا، اختارت العلمنة وحقّقت “متّحدات اجتماعيّة”[114] في مجالات جغرافيّة باتت أوطانًا نهائيّة، كما حقّقت تطوّرًا وازدهارًا قلّ نظيره، على سبيل المثال لا الحصر دولتي سويسرا وبلجيكا.
أخيرًا، وبعد الاتّفاق على أنّ العلاقات الدوليّة هي علاقات مصالح تدوم بدوام المصالح، وللبنان منذ فجر التاريخ ثروات طبيعيّة، طمعت فيها الشعوب المجاورة. تمامًا كما تطمع إسرائيل في زمننا هذا في مياهه. وفي النفط والغاز الطبيعيّ في قاع بحره، الذي سوف يزيد من الأطماع الدوليّة في لبنان، وهو ما يتطلّب التمسّك في نهائيّة الوطن اللبنانيّ، وذلك لا يتمّ ما لم يعاد ترميم بنية “الأمّة اللبنانيّة” التي صدعتها الطائفيّة، وصراعات الأمم.
قائمة المصادر والمراجع العربيّة
1 ـــ أبوشقرا، صلاح – “النزوح عبر سلسلة جبال لبنان الغربيّة وأثره في التوزيع الجغرافيّ للسكان غرب محافظة بعلبك الهرمل” بحث منشور في مجلّة المنافذ الثقافيّة – عدد: ربيع سنة 2018.
2 ـــ أبوشقرا، صلاح – الهجرات عبر شمال سلسلة جبال لبنان الشرقيّة وأثرها في تشكل البلدات والقرى في قضاء بعلبك – بحث منشور في مجلة المنافذ الثقافيّة، العدد الثالث والعشرون – بيروت، صيف 2018.
4 ـــ حتّي، فيليب – تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – الجزء الأوّل – ترجمة جورج حدّاد وعبد الكريم رافق – دار الثقافة – بيروت 1957.
5 ـــ حتّي، فيليب – تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – الجزء الثاني – ترجمة كمال اليازجيّ وجبرائيل جبور – دار الثقافة – بيروت 1983.
6 ـــ حتّي، فيليب – تاريخ لبنان منذ أقدم العصور التاريخيّة إلى عصرنا الحاضر – دار الثقافة – ط: 2 – بيروت 1972.
7 ـــ حقّي، إسماعيل – لبنان مباحث علميّة واجتماعيّة – نظر فيه وقدّمه فؤاد افرام البستانيّ – منشورات الجامعة اللبنانيّة – ج:1 – بيروت 1969.
8 ـــ حرب، أنطوان خوري – اسم لبنان عبر العصور – بيروت 1979.
9 ــــ حلاّق، حسّان – دراسات في تاريخ لبنان المعاصر (1913 – 1943)– دار النهضة العربيّة – بيروت 1985.
10 ـــ خليفة، نبيل – مدخل إلى الخصوصيّة اللبنانيّة – مركز بيبلوس للدراسات – ط: 3 – جبيل 2008.
11 ـــ سعادة، أنطون – نشوء الأمم.
12 ـــ شمسطار في الذاكرة – إعدادا بلديّة شمسطار – دار الفارابيّ – ط: 1.
13 ـــ الصليبيّ، كمال – بيت بمنازل كثيرة، الكِيان اللبنانيّ بين التصور والواقع – ط: 2 – دار نوفل – بيروت 1991.
14 ـــ الصليبيّ، كمال – تاريخ لبنان الحديث – ط: 7 – دار النهار.
15 ـــ الصليبيّ، كمال – منطلق تاريخ لبنان (634 – 1516) – ط: 2 – دار نوفل – بيروت 1992.
16 ـــ الصليبيّ، كمال – الموارنة، صورة تاريخيّة – دار نلسن – ط: 1 – بيروت 2011.
17 ـــ عبد الكريم، أحمد ع – التقسيم الإداريّ لسوريّة في العهد العثمانيّ – القاهرة 1951.
18 ـــ عمر، عمر عبد العزيز – مذكّرات في تاريخ لبنان الحديث – مكتبة كريديّة – بيروت (التاريخ غير محدّد).
19 ـــ العلايليّ، عبد الله – أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد – دار الجديد – بيروت 1992.
20 ـــ عمر، عمر عبد العزيز – تاريخ المشرق العربيّ (1516 – 1922) – دار النهضة العربيّة.
21 ـــ العنيسيّ، طوبيا – “سلسلة تاريخيّة لبطاركة انطاكية الموارنة” – روميّة 1927 – ص: 14.
22 ـــ العهد القديم – التوراة.
23 ـــ فريحة، أنيس – معجم أسماء المدن والقرى اللبنانيّة – ط: 4 – مكتبة لبنان – بيروت 1996.
24 ـــ قرألي، بولس – فخر الدين المعنيّ الثاني – حريصا 1937.
25 ـــ يحيى، أنيس – الدروز والموارنة وجدليّة البقاء – المركز العربيّ للأبحاث والتوثيق – ط: 1 – بيروت 2013.
26 ـــ يعقوب، حلمي القمص – كتاب النقد الكتابيّ – مدارس النقد والتشكيك والردّ عليها (العهد القديم من الكتاب المقدّس) – المكتبة القبطيّة الأرثوذكسيّة.(الموقع الإلكترونيّ).
قائمة المصادر والمراجع الأجنبيّة
27 – Haddad, G – Revolution and Military Rule in the Middle East – Volume 2 – New York 1970.
28 – The History behind Eau de Cologne – Germany Wanderer – May 24, 2014.
29 – Josephus, Flavius – “Antiquities of the jews” – Published by the Library of Alexandria.
30 – Lammens, Henry – La Syrie: Precis Historique – Volume 2 – Beyrouth 1921.
31 – Ottoman Levant.png
32 – Lipka, Michael – The Sunni-Shia divide – Pew Research Center – Aug. 2017.
33 – Rycaut, Paul – The History of the Turkish Empire – Volume 1 – London 1680.
34 – Salibi, Kamal. The Modern History of Lebanon. Weidenfeld and Nicolson. London. Third impression. May 1968.
35 – Sandys, George – A Relation of a Journey – London 1621.
36 Statistical Abstract of Israel 2017.
37 – US. Department of State – Bureau of Democracy and Human Rights – Syria , International Religious Freedom Report 2006.
38 – Volney, Constantin Francois – Travels in Syria and Egypt – vol: 2 – New York 1788.
39 – www.phoenicians.org
[1] حتّي, فيليب – تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – الجزء الأوّل – ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق – دار الثقافة – بيروت 1957 – ص: 33.
[2] وهو البخور بالعربيّة,، الذي كانت تستورده من جبل لبنان كل الشعوب المجاورة..
[3] إنه من الأشجار التي تنمو على ارتفاعات لا تقل عن 2000 متر فوق سطح البحر, والمهدّدة بالانقراض.
[4] العهد القديم – سفر الملوك.
[5] العهد القديم – نشيد الأنشاد – الإصحاح الرابع – 11.
[6] العهد القديم – نشيد الأنشاد – الإصحاح الرابع – 14 و15.
[7] شجر العرعر هو نفسه شجر اللزاب.
[8] فريحة,، أنيس – معجم أسماء المدن والقرى اللبنانيّة – ط: 4 – مكتبة لبنان – بيروت 1996.
[9] حرب، أنطوان خوري – اسم لبنان عبر العصور – بيروت 1979 – ص: 20.
[10] The History behind Eau de Cologne – Germany Wanderer – May 24, 2014.
[11] الصليبيّ,، كمال – منطلق تاريخ لبنان (634-1516) – ط: 2 – دار نوفل – بيروت 1992 – ص: 27..
[12] خليفة,، نبيل – مدخل إلى الخصوصيّة اللبنانيّة – مركز بيبلوس للدراسات – ط: 3 – جبيل 2008 – ص: 71.
[13] سفر يشوع كتبه النبيّ يشوع بن نون في القرن الخامس عشر ق.م, وسفر القضاة كتب قبل قيام مملكة داود أي القرن الحادي عشر ق.م, ونشيد الأنشاد كتب في القرن العاشر ق.م على يد النبيّ سليمان.
[14] يعود تاريخ الترجمة السبعينيّة للعهد القديم إلى القرن الثالث ق.م.
[15] الصليبيّ,، كمال – تاريخ لبنان الحديث – ط: 7 – دار النهار – ص: 15.
[16] نفس المكان.
[17] أبوشقرا, صلاح – “النزوح عبر سلسلة جبال لبنان الغربيّة وأثره في التوزيع الجغرافيّ للسكان غرب محافظة بعلبك الهرمل” بحث منشور في مجلّة المنافذ الثقافيّة – عدد: ربيع سنة 2018.. ص: 184-206.
[18] البستانيّ, فؤاد افرام – “مار مارون” – بيروت 1965.
[19] أقر “المجمع السادس” المنعقد في القسطنطينية عام 680 القول بالمشيئتين,، محرمًا القول بالمشيئة الواحدة.
[20] بعد انتصار العرب على البيزنطيّين (الروم) في معركة اليرموك سنة 636, التي أعقبها تسليمهم مدينة القدس.
[21] الصليبيّ – الموارنة – ص: 25، 26.
[22] العنيسيّ, طوبيا – “سلسلة تاريخيّة لبطاركة انطاكية الموارنة” – رومية 1927 – ص: 14.
[23] الصليبيّ, كمال – بيت بمنازل كثيرة,، الكِيان اللبنانيّ بين التصور والواقع – ط: 2 – دار نوفل – بيروت 1991 – ص: 176.
[24] أبوشقرا, صلاح – “النزوح عبر سلسلة جبال لبنان الغربيّة…” – المرجع السابق.
[25] الصليبيّ – المرجع السابق – ص: 177.
[26] نفس المكان.
[27] المرجع نفسه – ص: 178.
[28] أبوشقرا, صلاح – الهجرات عبر شمال سلسلة جبال لبنان الشرقيّة وأثرها في تشكّل البلدات والقرى في قضاء بعلبك – بحث منشور في مجلة المنافذ الثقافيّةثقافيّة, العدد الثالث والعشرون – بيروت, صيف 2018 – ص: 192 – 213.
[29] Volney, Constantin Francois – Travels in Syria and Egypt – vol: 2 – New York 1788 – p: 68.
[30] معطيات شائعة في عشرات الكتب.
[31] العهد القديم – سفر القضاة – ص: 382.
[32] المرجع نفسه – نشيد الأناشيد – ص: 988.
[33] ولكن بحسب قاموس الكتاب المقدّس فإنّ سنير أو شنير هي كلمة أموريّة معناها جبل إسنا أو النور، وهو الاسم الذي أطلقه الأموريّون على جبل حرمون..
[34] بحسب قاموس الكتاب المقدّس فإنّ أمانة كلمة عبريّة تعني الثبات، وهي اسم لجبل لبنان الصغير, وربّما يقع نبغ نهر أبانة, الذي يسمّى أيضًا أمانة في هذا الجبل.
[35] العهد القديم – نشيد الأناشيد – ص: 990.
[36] العهد القديم – سفر يشوع – ص: 356.
[37] Josephus, Flavius – “Antiquities of the jews” – Published by the Library of Alexandria.
[38] وهي قرية عكار العتيقة حاليًا.
[39] الصليبيّ, كمال – منطلق تاريخ لبنان (634 – 1516 ) – ط: 2 – دار نوفل – بيروت 1992 – ص: 131, 132.
[40] نفس مكان.
[41] يتركز فيها أبناء الطائفة الإسماعيليّة في سوريا.
[42] عبد الكريم, أحمد ع – التقسيم الإداريّ لسورية في العهد العثمانيّ – القاهرة 1951 – ص: 139.
[43] عمر, عمر عبد العزيز – مذكّرات في تاريخ لبنان الحديث – مكتبة كريديّة – بيروت (التاريخ غير محدّد) – ص: 20، 21.
[44] الصليبيّ, كمال – الموارنة, صورة تاريخيّة – دار نلسن – ط: 1 – بيروت 2011 – ص: 60.
[45] قرألي, بولس – فخر الدين المعنيّ الثاني – حريصا 1937 – ص: 13 – 14.
[46] حتّي, فيليب – تاريخ لبنان منذ أقدم العصور التاريخيّة إلى عصرنا الحاضر – دار الثقافة – ط:2 – بيروت 1972 – ص: 454.
[47] حتّي – المرجع نفسه – ص: 454.
[48] حتّي – المرجع نفسه – ص: 453.
[49] وكانت تضاف إلى جبل بيروت منطقتي المتن وكسروان في بض التقسيمات (راجع الصليبيّ – المرجع السابق).
[50] جبل لبنان كان يعرف في تلك الحقبة بالمنطقة الجبليّة التي يسكنها الموارنة, وهي جبة بشري, البترون, وجبيل, وأحيانًا يضاف إليها جبل كسروان,الذي كان يسكنه الموارنة آنذاك. راجع الصليبيّ – الموارنة.
[51] الصليبيّ – المرجع نفسه – ص: 54.
[52] على وجه الخصوص العائلات القيسيّة في الجرد والمتن,، فضلًا عن آل بحتر التنّوخيّين,، أمراء الغرب.
[53] الصليبيّ – الموارنة – ص: 61.
[54] الأرجح أنّها معركة عنجر عندما هزموا والي دمشق.
[55] Rycaut , Paul – The History of the Turkish Empire – Volume 1 – London 1680 – P: 40.
[56] Lammens , Henry – La Syrie: Precis Historique – Volume 2 – Beyrouth 1921 – 74,75.
[57] عمر، عمر عبد العزيز – تاريخ المشرق العربيّ (1516 – 1922) – دار النهضة العربيّة – ص: 168,، 169.
[58] حتّي – تاريخ لبنان – المرجع السابق – ص: 456.
[59] Sandys , George – A Relation of a Journey – London 1621 – P: 211-212.
[60] عمر – تاريخ المشرق العربيّ – المرجع السابق – ص: 168.
[61] السلطان العثمانيّ, الذي حكم بين عامي 1603 و1617.
[62] حتّي – المرجع السابق – ص: 454.
[63] جانبولاد هو اللفظ الكرديّ لاسم جنبلاط.وتجدر الإشارة إلى أنّ أحفاد علي جنبلاط قد هاجروا لاحقًا إلى لبنان وأسّسوا الزعامة الجنبلاطيّة الشهيرة.
[64] حتّي – المرجع السابق – 455.
[65] ازدهرت صيدا في العهد المعنيّ، واستعادت ما كانت عليه من أهمّيّة في العهد الفينيقييّ. أمّا أبرز المباني في عهد فخر الدين فهو خان الإفرنج,، الذي بني في عهد فخر الدين الثاني, وقد كان مخصّصًا لتصدير الحرير إلى الأسواق الأوروبيّة.
[66] نسبة إلى جمهوريّة البندقيّة (697 – 1797), وهي حاليًّا مدينة Venice, عاصمة مقاطعة Veneto الإيطاليّة.
[67] نسبة لدوقيّة توسكانا, وهي حاليًّا مقاطعة في إيطاليا, عاصمتها فلورنسا Firenze.
[68] مصطلح جيوبوليتيكيّ لتعريف الدول الحاليّة التالية: لبنان, سوريا, فلسطين, والأردن.
[69] السلطان العثمانيّ (1623 – 1640).
[70] عبد الكريم, أحمد ع – التقسيم الإداريّ لسورية في العهد العثمانيّ – القاهرة 1951 – ص: 139.
[71] Lammens , Henri – La Syrie Precis historique – Beyrouth 1921 – P: 60..
[72] عمر – مذكّرات في تاريخ لبنان الحديث – المرجع السابق – ص: 41.
[73] حين تنصّر أبناء الأمير ملحم سنة 1756.
[74] الصليبيّ – تاريخ لبنان الحديث – ص: 32.
[75] يحيى,، أنيس – الدروز والموارنة وجدليّة البقاء – المركز العربيّ للأبحاث والتوثيق – ط: 1 – بيروت 2013 – ص: 107.
[76] قرى دفون, رمحالا, بوزريدة, والدوير المشرفة على نهر الصفا – أعالي نهر الدامور – هجرها سكانها الدروز اليمنيّين متجهين إلى جنوب سوريا حيث أنشأوا مع باقي الدروز المهجّرين من الجبل اللبنانيّ, جبل الدروز في سوريا.(راجع الدروز والموارنة وجدليّة البقاء ص: 108).
[77] Salibi, Kamal.. The Modern History of Lebanon.. Weidenfeld and Nicolson.. London.. Third impression.. May 1968.. p: 20.
[78] الصليبيّ – تاريخ لبنان الحديث – ص: 53.
[79] حتّي – تاريخ لبنان – المرجع السابق – ص: 472.
[80] الصليبيّ – تاريخ لبنان الحديث – ص: 53.
[81] رئيس وزراء النمسا آنذاك.
[82] فؤاد باشا.
[83] عمر – تاريخ المشرق العربيّ – المرجع السابق – ص: 380.
[84] المناطق المذكورة أصبحت فيما بعد أقضية ضمن محافظات الشمال, جبل لبنان, والجنوب.
[85] يشكّلان معًا شرق وغرب قضاء عاليه, وأجزاء من قضاء بعبدا في يومنا هذا.
[86] حقي, إسماعيل – لبنان مباحث علميّة واجتماعيّة – نظر فيه وقدّمه فؤاد افرام البستانيّ – منشورات الجامعة اللبنانيّة – ج:1 – بيروت 1969 – 49..
[87] شمسطار في الذاكرة – إعدادا بلديّة شمسطار – دار الفارابيّ – ط: 1 – ص: 46.
[89] تمّت عمليّة احتساب مساحة المتصرّفيّة من خلال تطبيق تقنيّات GIS على الخريطة – 1 المنقولة عن الخريطة العثمانيّة لمتصرّفيّة جبل لبنان وولاية سوريا المشار إليها في المرجع المدوّن أعلاه.
[90] Haddad , G – Revolution and Military Rule in the Middle East – Volume 2 – New York 1970 – P: 389,390.
[91] شمل سنجق طرابلس وادي النصارى في سوريا.
[92] يقصد بمرجعيون المناطق الجنوبيّة اللبنانيّة الداخليّة كافّة, بما فيها النبطيّة وبنت جبيل.
[93] حتّي, فيليب – تاريخ سوريا، ولبنان، وفلسطين – الجزء الثاني – ترجمة كمال اليازجيّ، وجبرائيل جبّور – دار الثقافة – بيروت 1983 – ص: 344.
[94] محافظتا طرطوس واللاذقيّة.
[95] Ottoman Levant.png.
[96] ويقصد به شرق قضاء بعلبك.
[97] ويقصد بها القرى الواقعة شرق الليطاني من قضاء زحلة..
[98] حلاق، حسان – دراسات في تاريخ لبنان المعاصر ( 1913 – 1943 )– دار النهضة العربيّة – بيروت 1985 – ص: 101.
[99] كان المسلمون السنة أكثر رفضًا لنهائيّة الكِيان اللبنانيّ من سائر المسلمين.
[100] كان خوف الموارنة من الوحدة العربيّة هو هيمنة الأكثريّة الإسلاميّة، ومن ثَمَّ إمكانيّة إعادة اعتبار المسيحيّين “أهل ذمّة”, ومن أن يصبحوا من مواطني الدرجة الثانية.
[101] التنشئة القوميّة تعبير أدقّ من التنشئة الوطنيّة,، لأنّ الأولى تعزّز الانتماء إلى الأمّة وتتدرّج في دراسة منجزاتها المحلّيّة, وفضلها على العالم في الكتابة الأبجديّة, كما في تمدين دول حوض المتوسّط. أمّا الثانية وهي المدّة المعتمدة حاليًا, ولا يوجد فيها ما يعزّز الانتماء الوطنيّ والقوميّ.
[102] حوّل اليونانيّون اسم جبيل الآراميّ إلى بيبلوس, التي تعني كتاب باليونانيّة, وهو لأنّها المدينة التي خرجت منها الكتابة الأبجديّة التي تستخدمها معظم شعوب العالم.
[103] حتّي – تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – ج:1 – المرجع السابق – ص: 123.
[104] العهد القديم – سفر التكوين – الإصحاح العاشر.
[105] يدعي اليهود أنهم ساميّين, وسام هو جدّهم حصرًا.
[106] العهد القديم – سفر التكوين – الإصحاح التاسع.
[107] يعقوب، حلمي القمص – كتاب النقد الكتابيّ – مدارس النقد والتشكيك والردّ عليها (العهد القديم من الكتاب المقدّس) – المكتبة القبطيّة الأرثوذكسيّة. (الموقع الإلكترونيّ).
[108] Phoenicians Colonies – www.phoenicians.org
[109] وأصل الاسم عتيقة, أي القرية القديمة, بعكس قارط حدشت, أي المدينة الحديثة، وهما متجاورتين.
[110] US. Department of State – Bureau of Democracy and Human Rights – Syria , International Religious Freedom Report 2006.
[111] Lipka, Michael – The Sunni-Shia divide – Pew Research Center – Aug. 2017.
[112] Statistical Abstract of Israel 2017.
[113] العلايليّ، عبد الله – أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد – دار الجديد – بيروت 1992.
[114] مصطلح “متّحد اجتماعيّ” هو من إنتاج أنطون سعادة حصريًّا وقد كرر استخدامه في كتابه نشوء الأمم.