جريدة” البرق” الزّاهريّة ودورها في مقاومة المحتلّ الفرنسيّ
د. عبد الكريم طبيش*
ملخص
انتهت الحرب العالميّة الأولى، وعاد إلى الجزائر الكثير من أبنائها محمّلين بشهادات تدلّ على نضج أفكارهم السياسيّة والوطنيّة، وتخندق الكلّ في صف مقاومة فرنسا، فمنهم من رأى صور المقاومة في إصدار الصّحف، ومنهم من رآها في العمل التّربويّ فاجتهد في فتح مدارس لتعليم الأطفال القرآن الكريم، وبعض مبادئ اللغة العربيّة، البعض الآخر رآها في اعتلاء منابر المساجد، ومن الشخصيّات التي عادت من تونس تحمل شهادة التطويع، وانخرطت في صفوف الحركة الوطنية، وأصدرت عناوين صحفيّة عدّة، وتميّزت بالجرأة في طرح الأفكار المقاومة للوجود الفرنسيّ في الجزائر من خلال جرائده المتعددة خصوصًا جريدة البرق، الأديب الشاعر محمّد الزّاهريّ الذي سنطرح حول مسيرته الصحافية في هذا المقال أسئلة من أبرزها: هل صمدت عناوين صحفه أمام القوانين الفرنسية الجائرة؟ وهل استطاع الزّاهريّ أن يتعرّف الجبهات التي استمرت تحارب الجزائريّين بعد خروج الحلفاء منتصرين من الحرب العامية الأولى؟ ما هي أساليبه المستخدمة في تحديه المستعمر الفرنسي وعملائه؟ سنجيب في هذا المقال – قدر المستطاع – عن هذه الأسئلة وغيرها بالتّحليل، والدّراسة مستعينين في ذلك بالأدلة والشواهد.
ملخص باللغة الفرنسية
Quand la Première Guerre mondiale s’est arrêtée, des intellectuals Algerians sont retournés au pays en adoptant des idées nationalistes et l’esprit de résistance en vue de combattre le colonialisme français. Chacun de ses intellectuels a utilisé ses propres moyens de résistance; tels que la publication des journaux, le travail éducatif notamment l’école coranique: apprendre aux enfants le Coran et la langue arabe et le prêche religieux. Parmi eux, nous citons le romancier- poète Mohammed Azahri qui avait entrepris une formation en Tunisie puis il s’est intégré dans les rangs du mouvement national algérien puis il publia le journal « El Bark » lequel se distingua par l’audace et sa visée résistante vis-à-vis le colonialisme. Dans le présent article, nous allons aborder la carrière journalistique d’Azahri d’une part, et apporter des éléments de réponse aux questions suivantes d’autre part: ces contributions journalistiques ont pu résister aux lois françaises injustes? Est-ce qu’Azahri a pu déceler les partis ennemis des Algériens notamment après la réussite des alliés durant la première guerre? Quels étaient les moyens mis en œuvre par Azahri pour combattre le colonialisme?
مقدمة
تنوعت الثقافة الجزائريّة في بداية القرن العشرين على يد ثلّة من الأدباء، والوطنيين نتيجة تأثّر هؤلاء بالفكر الإصلاحيّ المشرقيّ لمدرسة الإمامين محمّد عبده، وجمال الدّين الأفغانيّ من جهة، وفشل المقاومة من جهة ثانية، إلاّ أنّ هذه الثلّة تمكّنت – على الرّغم من ظروف حياة الشعب الجزائريّة القاسية في شتى مناحيها – من إيجاد حركة صحفيّة متميّزة كانت المُناخ الثقافيّ الملائم لتطلّعاتهم، و(نتيجة أساسية لذيوع الأفكار الوطنية، واستحالة كبت الآمال التي ولدتها الحرب في حياة الجزائريين)([1]).
وجدت هذه الصحافة الوطنية ترحيبًا كبيرًا، وإقبالًا منقطع النّظير من فئة المثقّفين القليلة الموجودة في المدن الجزائريّة الكبيرة، ويعزى سبب هذا الإقبال إلى طرح هذه الصّحافة للعديد من الأفكار المتميّزة والمتعلّقة بسياسة المحتلّ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجامعة: المركز الجامعيّ عبد الحفيظ بوالصوف ميلة. الجزائر، الهاتف: 06 75 33 37 99 البريد الإلكترونيّ: a.tebbiche@centre-univ-mila.dz
الفرنسيّ الظالمة للأهالي؛ إذ تناولت أعمدتها هموم الجزائريين الاجتماعيّة، والثقافيّة، والسياسية، مثل: سياسة التّجنيد الإجباريّ للشّباب، وإرهاق كاهل التّجار بالضرائب، وسياسة التّجنّس بالجنسيّة الفرنسيّة، وإغلاق الكتاتيب، والمدارس العربيّة، وكان أشهر الجرائد تناولًا لهذه القضايا ومثيلاتها جريدة: “ذو الفقار” لعمر راسم، و”الجزائر” لمحمد السعيد الزّاهريّ، و”الإقدام” للأمير خالد.
صحيح أن المستعمر استطاع أن يجهض مشروع هذه الجرائد في مهده إلا أّن مثل هذا السّلوك زاد من عزيمة أصحابها وعنادهم الوطنيّ الذي أمدّ السّاحة الوطنيّة بعد ذلك بمشاريع نهضوية عدّة ميزتها أنّها شاملة، وفعّالة، ومتنوعة، استطاعت في ظرف قصير أن تقف في وجه بعض مشاريع المحتلّ الفرنسيّ انطلاقًا من:
– إصدار عناوين صحفيّة كثيرة، متنوّعة في مادّتها، ومتفقة في هدفها، ومن ميزاتها أنّها أصبحت أكثر جرأة من سابقاته.
– تأسيس نوادٍ وجمعيات عدّة مثل: جماعة التّعارف الإسلاميّ في الشّمال الإفريقي، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وناديّ التّرقي.
– فتح المدارس بصبغة وطنية في المدن الجزائريّة الكبرى.
– تأسيس أحزاب وطنية مثل: حزب نجمة شمال إفريقيا الذي تحول في ما بعد إلى حزب الشّعب.
أولاً: الصّحفيّ محمد السّعيد الزّاهريّ
1- سيرته
هو محمّد السّعيد الزّاهريّ بن البشير بن عليّ بن ناجي، أصبح عمره العام 1344ه ستة وعشرين عامًا، كما جاء في سيرته الذاتية التي بعث بها تلبية لطلب محمّد الهادي الزّاهريّ المثبتة في كتاب: (شعراء الجزائر في العصر الحاضر) الجزء الأول الصفحة 63، إذ قال: (في 25 شعبان نفضت يدي من ستة وعشرين عامًا تمت لي من عمري)([2]).
- (ليانة) هي مسقط رأس الزّاهريّ، وهي منطقة واسعة تقع بين ثلاث مدن هي بسكرة، وباتنة، وخنشلة. وبها قضى الزّاهريّ حياته الأولى؛ وقد حفظ القرآن، وتلقى معارفه الأولى في العلوم الدّينيّة واللغويّة، وقد أخذ الزّاهريّ تلك العلوم الأولى على يد كلّ من:
- جدّه لأبيه (الشيخ عليّ بن ناجي) الذي كان يحثّه على طلب العلم، ولو كان في الصّين حسب قول الزّاهريّ.
– عمّه (الشيخ عبد الرحيم) الذي كان يلازمه عامّة النهار، وقسطًا من الليل.
– (الشيخ محّمد بن ناجي) الذي تعلّم منه علم الفرائض.
– (الشيخ عليّ بن العابد التّونسيّ الزّاهريّ) الذي كان يراجع معه معلوماته، ويقوم بتصحيحها.
– انتقل محمّد السعيد الزّاهريّ إلى قسنطينة ومكث بمدرسة ابن باديس أربعة عشر شهرًا، ثم إلى تونس، ومكث بجامعها الزيتونة أربع سنوات، وتوجّت مسيرته التّعليميّة في النّهاية بشهادة التّطويع.
– ونلاحظ أن هذه الكوكبة من الشيوخ هي التي تكوّن عائلة الزّاهريّ، وهي التي أشرفت على تعليم السعيد الزّاهريّ وعلى تربيته إلى أن استقر به المقام في قسنطينة في مدارس عبد الحميد ابن باديس، ثم إلى تونس بجامعها الزيتونة.
أساتذته في تونس
يقر الزّاهريّ بأنّه تعلّم على يد العديد من علماء جامع الزّيتونة في تونس، وقد ذكر منهم ثلاثة هم: محمّد النخلى، وعثمان بن الخوجة، ومعاوية التميميّ.
عودته إلى الجزائر
عاد السّعيد الزّاهريّ إلى الجزائر العام 1925م، واستقرّ في العاصمة ممتهنًا الوعظ، والإرشاد، والتربية، والتعليم في مساجد القطر الجزائريّ، وأصبح العام 1931م أحد الأعضاء المؤسّسين لجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين، ومن أبرز الفاعلين في نشاطاتها، إذ مثّلها في كلّ من مدينة وهران، وتلمسان، ولم يتوقف نشاطه الدّعويّ الدّينيّ، والسياسيّ، بل استمرّ في إطار الحركة الوطنيّة الإصلاحيّة الواسعة أديبًا، ومفكرًا، وناقدًا إلى أن قتل العام 1956م في العاصمة الجزائريّة.
2- صحف الزّاهريّ المقاومة
أ- جريدة الجزائر.
ب- السُّنة النّبويّة المحمّديّة والشّريعة النّبويّة والمحمّديّة والصّراط السّويّ
كان الزّاهريّ أديبًا مقاومًا لأفكار المحتلّ الفرنسيّ من خلال التعاون الذي أبداه مع ثلّة من العلماء والأدباء، وقد تجلّى هذا التّعاون في إصدار ثلاث صحف تحت مظلّة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين وهي:
1- السنّة النّبويّة المحمّديّة.
2- جريدة الشّريعة النّبويّة المحمّديّة.
3- جريدة الصّراط السّويّ.
ج- الوفاق.
د- المغرب العربي.
ثانيًا: جريدة “البرق”
البرق صحيفة اجتماعيّة أدبيّة انتقاديّة سياسيّة اقتصاديّة فكاهيّة شعارها: خدمة الوطن، والمصلحة العامة، واستثمار المال. ويمكن القول إن جريدة “البرق” كانت تقاوم على ثلاثة محاور أساسية هي:
1 – جبهة لمقاومة شيوخ الطرقيّة.
2 – جبهة لمقاومة المعمرين.
3 – جبهة مقاومة السّلوك المنحرف لشخصيّات جزائريّة، وفرنسيّة مناوئة لمصلحة الوطن الجزائريّ وشعبه. مثل نواب جزائريين شعارهم الجزائر فرنسيّة.
1- كتاب جريدة “البرق”
من أبرز كتّاب جريدة “البرق وكلّهم أشهروا أقلامهم في وجه المحتلّ الفرنسيّ: السعيد الزّاهريّ، ومحمّد الميليّ، والطيّب العقبيّ، والأمين العموديّ، وعبابسة الأخضريّ، وزهير الزّاهريّ، والعزوزيّ حوحو، وابن أدهم القسنطينيّ ومحمّد العابد الجيلاليّ، وأبو حفص الحماديّ.
2- تأثير “البرق” في الرأي العامّ الجزائريّ
استفادت جريدة “البرق” من ظروف الشّعب المأسويّة، وصدور القوانين التّعسفيّة لتقاوم المحتلّ، وسياسته الفرنسيّ، على الرّغم من أنّ القائمين عليها – حسب رأي الدكتور سعد الله – على علم تامّ بأنّ تهجّماتهم العنيفة ضدّ السياسة الاستعماريّة، ومعتقدات شيوخ الطرقيّة لا تخدم استمراريّة الجريدة، إلاّ أنهم فضّلوا سبيل العنف، والشّدة، والقسوة، والسّخرية بالمسؤولين المباشرين، وغير المباشرين، ولم يسلم منهم حتّى نوّاب المجلس الفرنسيّ([3])، لذلك لا غرابة أن تجد جريدة “البرق” نفسها ضمن قائمة الجرائد التي غضب عليها المحتلّ الفرنسيّ.
وعلى الرّغم من أن جريدة “البرق” لم تتمكّن من الاحتفال بعيد ميلادها الأول إلاّ أن صداها امتدّ إلى خارج الجزائر، وشبكة مراسليها خير شاهد على ذلك، حيث اعتمدت مراسلًا من العاصمة الفرنسيّة لتغطية الأحداث هناك([4])، أما داخل الجزائر فقرّاء الجريدة كانوا متفاعلين مع ما يعرض لهم من أخبار سارّة كانت أم محزنة، كما حدث مع نداء جمع التّبرّعات لفائدة شهيد الحرّيّة مصطفى بن أحمد.
3- الأشكال والقوالب الكتابية لجريدة “البرق”
بعد اطّلاعنا على أعداد جريدة البرق، وأعمدتها، ومضامينها المتنوعة. وجدناها زاخرة بأشكال أدبيّة متفاوتة الحضور، وشاهدة على التّطور الّذي عرفه النّثر الفنّيّ في الجزائر بعد الحرب العالميّة الأولى على يد خريجي جامع الزيتونة أمثال محمّد السعيد الزّاهريّ، وإليك هذا الجدول المُبَيّن لهذه القوالب التي تفوح بعطر مقاومة الاحتلال الفرنسيّ:
مجموع الأشكال والأنماط | 26 | النّسبة |
المقال الصحفيّ | 18 | 52.24% |
المقال النقديّ | 22 | 10.7% |
المقالة السياسيّ | 28 | 13.6% |
المقال الدينيّ | 15 | 7.3% |
المقال الاقتصاديّ | 05 | 2.4% |
المقال الاجتماعيّ | 11 | 5.3% |
فنّ السير | 06 | 2.9 % |
الرسائل | 10 | 4.9 % |
كتابات محمّد السعيد الزّاهريّ | 40 | 19.4% |
– يشير هذا الجدول إلى درجة استخدام بعض الشّباب الجزائريّ أشكالًا أدبيّة فنّيّة في مقاومة الوجود الفرنسيّ في حِقبة ما بين الحرب العالميّتين الأولى والثانية.
4- نماذج من الأشكال الكتابيّة في جريدة “البرق”
1- المقال الافتتاحيّ
تضمّنت جريدة البرق مقالًا افتتاحيَّا واحدًا، تضمّنه العدد الأول، ويعدُّ “المقال الافتتاحيّ” أحد أنواع المقال الصّحفيّ الذي يعبّر عن سياسة الجريدة، ورؤيتها للأحداث، والذي يعتمد على الشرح، والتفسير، والإيضاح المؤيّد بالحجج، والبراهين، والإحصاءات، والبيانات من أجل الوصول في نهاية الأمر إلى إقناع القارئ، وكسب تأييده([5])، إنّ المقال بصفة عامّة كما عرفه بعض النّقاد هو (قطعة نثرية محدودة الطّول والموضوع، يكتب بطرقة عفويّة سريعة خالية من الكلفة والرّهق، وشرطه الأول أن يكون تعبيرًا صادقًا عن شخصية الكاتب)([6])، ويرسم المقال الافتتاحيّ الوحيد لجريدة البرق الذي لا يحمل أيّ توقيع، منهجًا سياسيًا عامًا لها، حيث جاء بعنوان “الفاتحة”([7]) تيمّنًا باسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي سورة الفاتحة، ما يدلّ على أنّ صاحبه متأثّر بالتّراث الإسلاميّ عمومًا، وبأسلوب القرآن خصوصًا.
2- الخبر الصّحفيّ
إنّ الأحداث الأليمة التي ذهب ضحيّتها المواطن الجزائريّ بسبب سياسة المحتلّ الفرنسيّ كثيرة، منها ذاك الذي ورد في الخبر الذي نقله الكاتب (محمّد بن العابد الجيلاليّ) من محطّة القطار في مدينة قسنطينة، وأرسل به إلى جريدة “البرق”، العدد العشرين (20)، بعنوان “مظاهر العدل في خفايا الإدارة”.
3- التقريض
نورد هنا نصّ تقريض جريدة البرق للكتاب محمّد الهادي الزّاهريّ من دون تعليق
إعلان
(ديوان شعراء الجزائر في العصر الحاضر)
(ألفه صاحب العزيمة المشعلة والعبقريّة الفذّة، النّابغة السيّد محمّد الهادي السّنوسيّ الزّاهريّ، الشّاب الجزائريّ، وهو ديوان يترجم حقيقة عن النّهضة الأدبيّة في الجزائر، وما وصلت إليه من الرّقيّ في هذه المدّة. يضمّ هذا الدّيوان بين (دفّتيه رسائل فتيان الجزائر)، وكتبهم الخاصّة، وتراجمهم، وأشياء من أشعارهم بها تعلم أنّ في الجزائر شعراء فحول، وكتبة متقدّمين. طبع في ورق صقيل بحروف جميلة. يطلب من المكاتب التونسية، أو من المكتبة العربية في بسكرة، ومن إدارة البرق).
ومن الخبر يمكن الإشارة إلى الأسلوب الذي كانت الجرائد تتعامل به مع مثل هذه الأخبار الثقافيّة المهمة.
4- الأشكال الأدبية المترجمة
من المواضيع المُهِمَّة التي ضمّتها جريدة “البرق” موضوعًا رومنسيًّا لأديب فرنسيّ في قالب قصيدة عنوانها الحرية([8])، وقد اشتملت على محادثة بين راعي الغنم ومالكها، وقد تولى ترجمتها شاب جزائري اسمه محمد كباش، ويدل هذا العمل الأدبي على اهتمام أدباء الجزائر في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى بالآداب الأجنبيّة، وتتبع أخبار الأمم في ثقافتها بغية الاستفادة من حسناتها وربط القارئ المثقف بكل ما هو جديد، حتى يساير تطور الحركة الأدبيّة العالميّة، الشّيء الذي جعل إدارة جريدة “البرق” تعدُّ جهد هذا الشّاب المترجم لقصيدة الشّاعر الفرنسيّ فاتحة لخدمة الوطن بأسلوب متحضر، ومن هنا دعت الجريدة شباب الجزائر إلى الاقتداء بمثل هذا العمل ونقل إلى اللغة العربيّة ما يرونه في الآداب الفرنسيّة مفيدًا([9]).
5- القصيدة في جريدة “البرق”
اعتنى القائمون على إدارة مجلّة “البرق” بالشّعر، والنثر على حدّ سواء، ذلك أنّ للأدب دورًا فعّالًا في بثّ الرّوح الوطنيّة في النّفوس، والشّهامة في الرؤوس، بالإضافة إلى إحياء القيم الإنسانيّة، وهذا الّذي قد نستشفّه من وجود عدد لا بأس به من القصائد في هذه الجريدة، إيليا أبو ماضي والشّعراء هم: عبابسة الأخضري، حسّان بن ثابت (المغرب) شاعر سلفيّ، الطّيّب العقبيّ، محمود بورقيبة (تونس)، سكيرج رمضان، حمود محي الدين الصقليّ الحسنيّ، أحمد بن عليوة.
– أخيرًا
يقول الباحث محمّد بن سمينة: (استمر الزّاهريّ حاملًا راية النضال في العديد من ميادين الكفاح الوطنيّ مصلحًا، ومربيًّا، وصحفيًّا، وسياسيًّا، وأديبًا طوال عقود النّهضة الوطنيّة، والأعوام الأولى من ثورة نوفمبر المجيدة، إلى أن لقي مصرعه – رحمه الله – في ساحتها في الفاتح من جانفي 1956م)(([10].
خاتمة
ممّا سبق يمكن أن نقول: إنّ الأديب محمّد السّعيد الزّاهريّ أحد أبرز الشّخصيّات الأدبيّة الّتي تصدّت للاستعمار الفرنسيّ بإصداره لمجموعة من العناوين الصحفيّة المتنوّعة في عناوينها الرّامية إلى خدمة وطنه الجزائر، وإنّ جريدة “البرق” وثيقة أساسيّة مُهِمَّة، أبرزت أعمدتها تنوّع صور مقاومة المحتلّ وعملائه، في مرحلة تُعدّ من أكثر المراحل أهمّيّة، وهي إذ تُعدُّ مفصليّة في الحياة السياسيّة، والاجتماعيّة، والثّقافيّة للشّعب الجزائريّ، وفي الوقت نفسه تعدّ منبرًا إعلاميًّا، وفكريًّا منافسًّا للعديد من مشاريع فرنسا الاستعمارية في الجزائر، كما تعدُّ أداة فعّالة في فضح أساليب عملاء مشروعها من شيوخ للطرق الصوفيّة مثل: أحمد بن عليوة، وشخصيات جزائريّة متفرنسة مثل: الدكتور بن التهاميّ، لذلك فإنّ جريدة “البرق” كانت الشّعاع الذي ينير العقول المضلّلة.
[1] – شرف، عبد العزيز: المقاومة في الأدب الجزائريّ، منشورات وزارة الثقافة، دمشق – سوريا – 1981م، ص 32.
[2] – محمّد الهادي الزّاهريّ: شعراء الجزائر في العصر الحاضر، ج1، ط1، المطبعة التونسيّة، تونس 1962م، ص 63.
[3] – ومنهم النائب في البرلمان الفرنسيّ، م. مورينو.
[4] – ربّما كان المراسل من اختلاق الزّاهريّ الذي اشتهر بذلك في صحفه، وقد أشار إلى ذلك محمّد البشير الإبراهيميّ، والطاهر بن عيشة.
[5] – ينظر الغباشي شعيب، صحافة الإخوان المسلمين دراسة في الأصول والفنون، نقلاً عن، إبراهيم إمام، دراسات في الفنّ الصحفيّ، مكتبة الأنجلومصريّة الطبعة الأولى، القاهرة – مصر – ص 64.
[6] – نجم، محمّد يوسف، فنّ المقال، ط 4، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت – لبنان – د ت . ص95.
[7] – التحرير “الفاتحة” البرق، العدد 1، بتاريخ 3 رمضان 1345هـ الموافق لـ 7 مارس 1927م، ص 1.
[8] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[9] – ينظر، محمّد كباش “الحرّيّة” البرق، عدد 11، بتاريخ 12 ذي القعدة 1345هـ الموافق لـ 16 ماي 1927م، ص2.
[10] – محمّد بن سمينة: (من أعلام الجزائر، محمّد السعيد الزّاهريّ)، البصائر عهد الاستقلال، ع 408، من 8 إلى 14 سبتمبر 2008م، ص 22.