الزّعامة بين الانقياد والرفض في الشّعر العامليّ الشّاعر موسى الزّين شرارة أنموذجاً
(قراءة نسقيّة)
د. غادة علّوه([1])
الشّعر العامليّ نسبة إلى جبل عامل أو عاملة، الجبل الذي عُرف بهذه التّسمية في الكتب القديمة([2])، وصار يُطلق عليه جنوب لبنان، مع أوائل القرن العشرين. يكشف تاريخه السياسيّ، منذ مطلع ذلك الوقت حتّى بداية الاحتلال الإسرائيليّ لبعض القرى الحدوديّة، أنّ العامليين عاشوا أوضاعًا سياسيّة واجتماعيّة صعبة، بسبب الاحتلال العثمانيّ، ثمّ الفرنسيّ، ثمّ الإسرائيليّ. وقد أثّرت تلك الظروف في الحركة الأدبيّة، ومن الطبيعيّ أن تكون الدّافع إلى إنتاج شعريّ يعكس مواقف أبناء جبل عامل من تلك الظروف القاسية عليهم، خصوصًا مواقفهم من الزّعماء الذين تمتّعوا بنفوذ سياسيّ مستمدّ من الولاء للحكّام الكبار الذين عُيّنوا من قبل سلطات الاحتلال. وأوّلها موقف السيّد محسن الأمين في مقطوعة شعريّة([3]): [الكامل]
هبّوا بني قحطان طال رقادكم فإلامَ أنتم غافلون نيامُ
باسم الحماية والوصاية يُجتوى حقٌّ لكم وتدوسكم أقدامُ
تُعدّ مقطوعة السيّد محسن، أوّل صوت شعريّ عربيّ، بعد الحرب العالميّة الأولى، ندّد فيها بالمستعمرين، ودعا العرب إلى الثورة ضدّ الاحتلال([4])، ما يدلّ على رفضه الواقع الرّاضخ تحت نير الاستعمار. وتوالت بعده الصّرخات الثّورويّة ضدّ الاحتلال، وضدّ الزّعامة العميلة له في الدّاخل.
ولمّا كان المنهج وسيلة للبحث عن المعرفة، اعتمدتُ القراءة النّسقيّة([5]) في هذه الدّراسة، فهي تسهم في بلورة الرؤية المعرفيّة للموضوع؛ لأنّ الأنساق الشّعريّة تشير إلى حيّز ثقافيّ تحتلّه الأفكار الجمعيّة، ولها قيم جماليّة وفكريّة، وتمثّل عنصرًا أساسيًّا في عمليّة التواصل الاجتماعيّ، والفكريّ داخل مجتمع ما([6]).
لذلك وجدتُ في دراسة الأنساق الشّعريّة، في الشّعر العامليّ سبيلاً لمعرفة ما مثّله النتاج الشّعريّ من مرجعيّة ثقافيّة للمجتمع العامليّ آنذاك؛ وبذلك أستطيع أن أستنبط من دلالات اللغة، ما يدلّ على واقع المجتمع الذي تمثّله، والتعامل معها كعلامات دالّة سيميائيًّا على الفكر الذي تمثّله، من أجل استخراج الأنساق الثقافية من الشّعر([7]). واتخذتُ لدراستي التي أسعى فيها إلى تقصّي المرجعيّة الواقعيّة، الشّاعر موسى الزين شرارة أنموذجًا؛ لأنّه من الشّعراء الذين ولدوا مع بداية القرن العشرين (1902 – 1986م)، فعايش معاناة أهل عامل وكفاحهم، واتّخذ من شعره سلاحًا ثائرًا على ما وصفه من ظلم وتخلّف([8]). وقد ورد بقلمه، في مستدركات أعيان الشّيعة: “ولدتُ سنة 1902 في بلدة بنت جبيل، وفي سنة 1908 تُوفِّيَ المرحوم والدي، وهو في ريعان شبابه، وبقيتُ مع الوالدة التي كنتُ أصحو وأستيقظ على نواحها وبكائها، الأمر الذي أرهف حسّي، وجعلني أحسّ مع كلّ مُصاب، وأتألّم مع كلّ منكوب، وأهبّ لمساعدة كلّ مظلوم. ولكنّي على الرّغم من هذا، كنتُ ولا أزال متفائلاً مرحاً، أتلقّى ضربات الأحداث مهما قست، بالبسمة والصبر والثقة بالنّفس”([9]). وقد اخترت من نتاجه الشّعريّ، ما عبّر عن قضايا وطنه، وعن موقفه من الحكام أو الزّعماء.
وانطلاقًا من أنّ النسق هو النّظام، أو القانون الموجود بين عناصر القصيدة وأجزائها، وهو الذي يحكم العلاقة بين العناصر اللسّانيّة ومستوياتها، ويربط بعضها ببعض([10])، وجدت أنّ نسق الانتماء هو علامة دالّة سيميائيًّا في النّصوص الشّعريّة المعتمدة؛ فهو يتفرّع إلى أنساق معجميّة ثقافيّة، ذات دلالات نفسيّة، واجتماعيّة، وسياسيّة. فما القضايا التي مثّلتها؟ وما المواقف التي عكستها؟ وكيف تجلّت فيها رؤيته للزّعامة الحاكمة؟
الانتماء لغة: هو مصدر فعل انتمى، وانتمى هو إليه: انتسب([11]). واصطلاحًا: الانتماء هو ارتباط الفرد بجماعة يتقمّص شخصيّتها، ويوحّد نفسه بها مثل الأسرة([12]). هذا يعني أنّ نوع الانتماء يتشكّل نتيجة طبيعة علاقة الإنسان بالمنتمى إليه؛ فالانتماء الوطنيّ يتحدّد من خلال حبّ الإنسان لوطنه، والافتخار والاعتزاز به، والدّفاع عن مصالحه، والتّضحيّة من أجله. أمّا الانتماء القوميّ فيتحدّد من خلال روابط اللغة، والدّين، والثّقافة مع المنتمى إليه.
ونسق الانتماء، في قصائد الشّاعر موسى شرارة، يعبّر عن عاطفته تجاه وطنه وأبنائه، ويحتوي ما عاشه في مجتمعه من قضايا اجتماعيّة، وسياسيّة، وأدبيّة، تتجلّى في الأنساق الآتية:
أولاً: نسق العلم
تُعدّ قصيدة “العلم” أوّل قصيدة للشّاعر، نظمها سنة 1928، تحدّث فيها عن قيمة العلم بصفة عامة، ومطلعها([13]): [الكامل]
العلمُ نورٌ يهتدى بسنائه لولاه تاه الكون في ظلماتهِ
بيّن في ختامها حالة مطاردة العلم في مجتمعه، من قبل الحكّام، فقال([14]):
عجباً أراه وقد تلألأ نوره وهدى الأنام إلى الهدى بضيائه
وأهاب فيهم داعيًّا فتجنّدوا ومشوا لحرب الجهل تحت لوائهِ
إلّا بني وطني إذا أغشاهم في نوره وثبوا إلى إطفائهِ
والمطفئون له هم كبراؤه يا ويح هذا الشّعب من كبرائهِ
قد أوصدوا باب العلوم بوجهه ليظلّ يخبط في ظلام غبائهِ
أرأيتَ أسوأ حالة من موطن كبراؤه والدّهر من أعدائهِ
والعلم فيه مكافح ومطاردٌ كالفقر أو كالداء من زعمائه
عبّر الشّاعر في هذه الأبيات عن معاناة أبناء وطنه (بني وطني – الشّعب) من الجهل المخيّم عليه، بسبب انطفاء نور العلم (إطفائه – أوصدوا باب العلوم – يخبط في ظلام غبائه – العلم فيه مكافح ومطارد كالفقر أو كالدّاء)، ملقيًا السّبب على حكّامه (المطفئون – كبراؤه – زعمائه)، ومبيّنًا موقفه الرّافض لهذا الوضع، بعبارة توحي بالتوجّع على شعب وطنه (ويح شعبي)، أمام إعجابه بالعلم (عجبًا – تلألأ نوره – هدى الأنام إلى الهدى – ضيائه – حرب الجهل).
هذا النّسق يعكس حالة مجتمعه الذي عانى من الجهل، بسبب الحكّام الزّعماء، الذين حاربوا العلم، ما يدلّ على عدم رغبة الحكّام آنذاك، بتعلّم أبناء المجتمع، كي يبقوا في ظلام الانقياد للجهل. كما يعكس صورة عن الدعوات إلى النهضة، التي سادت في ذلك العصر، فغدت الدعوة إلى العلم من موضوعات الشعراء العامليين الذين دعوا إلى المضي في طريق الاغتراف من منابعه؛ لأنّه من أهمّ عوامل الرقيّ والتقدّم لمجتمعهم[15].
ثانيًا: نسق الدّين
بيّن الشّاعر حالة الجهل بالدّين عند بعض أبناء مجتمعه، واعترض على استسلام بعض رجال الدّين للواقع المأسوي الذي يعيشه مجتمعه في ظلّ العدوّ، فممّا قاله في سيراليون في أفريقيا الغربيّة، في حفل بمناسبة ذكرى عاشوراء سنة 1942([16]) [الطويل]
لنا وطن سبحان باريه جنّة يُضام بنوه والغريب يُنَعَّمُ
نكابد فيه الهول والذّلّ والشّقا ولا مُشتكٍ منّا ولا مُتَظَلَّمُ
وعن زعماه لا تسلني فداؤه وكلّ الرزايا والمصائب منهمُ
عجائبه شتّى وأعجب ما به عمائم باسم الدّين بالدّين تهدمُ
فكم حلّلوا ما لا يحلّ وحرّموا ليرضى عدوّ الشّعب ما لا يحرمُ
سلِ الدّين هل في الدّين ختل وهل فتى يشايع أهل الجور والبغي مسلمُ
شباب بلادي عصركم عصر قوّة وعصر علوم اعملوا وتعلّموا
وخلّوا شيوخًا خانعين شعارهم حيال صعاب الحادثات التظلّمُ
إذا ما دعا داعي الجديد تأخّروا وإمّا دعا داعي القديم تقدّموا
وإن قيل ضحّى ثائر بدمائه لتحرير شعب أو بلاد تهكّموا
وإن قيل عار والبلاد بلادكم يعيث بها وغد دخيل ويحكمُ
يقولون عين لا تقاوم مخرزًا فعيش الشّقا والذّلّ أنجى وأسلمُ
بيّن الشّاعر معاناة أبناء وطنه من الضيم (يُضام بنوه)، وما يتعرّضون له من عذاب (نكابد فيه الهول والذّلّ والشقا – داؤه والرزايا والمصائب). كما بيّن أنّ الحكّام هم سبب المعاناة (زعماه)، وخصّ كلامه للخاضعين لهم، أي بعض رجال الدّين (عمائم باسم الدّين بالدّين تهدم) الذين وصفهم بالضّعفاء أمام الحكّام، بناء على تصرّفاتهم، كتغيير الأحكام الدّينيّة (حلّلوا ما لا يحلّ – حرّموا… ما لا يحرم)، والخنوع (شيوخًا خانعين – شعارهم… التظلّم)، وعدم التطوّر (دعا داعي الجديد تأخّروا – دعا داعي القديم تقدّموا)، والتهكّم على الثوّار (إنْ قيل ضحّى ثائر… تهكّموا)، والخوف الذي قاد إلى الاستسلام (عين لا تقاوم مخرزًا – عيش الشّقا والذّلّ).
وأظهر موقفه الرّافض حالة الجهل، من خلال مخاطبته أبناء وطنه (شباب بلادي)، ودعوتهم إلى: العمل والتّعلّم (اعملوا وتعلّموا)، وعدم الخضوع لخنوع بعض رجال الدّين (خلّوا شيوخًا خانعين)، نافيًا احتواء الدّين الخداع (هل في الدّين ختل – هل فتى يشايع أهل الجور والبغيّ مسلمُ).
كما طرح الشّاعر قضية استغلال الدّين من قبل الحكّام العملاء للأعداء، فجاء في قصيدة نظمها سنة 1960([17]) [الكامل]
زعموا بأنّ الدّين فرّق بينهم حاشاه بل هو جهلهم بالدّين
الدّين كان ولا يزال منارة يهدي الورى للشاطئ المأمونِ
يا أيّها المأجور من أعدائنا للدسّ والتفريق باسم الدّين
أو ما ترى صهيون خلفكَ فاغرًا فاهًا لبلع بنيكَ كالتنينِ
لبنان لا تحفل فشعبكَ وحدة بالرغم من مستأجر وخؤونِ
وبَنوكَ آساد إذا ما استنفروا للذود عن غاب لهم وعرينِ
يفدي كيانكَ بالبنين ونفسه وبكلّ غالٍ عنده وثمينِ
أعلن موقفه المدافع عن الدّين (حاشاه – الدّين منارة – يهدي الورى للشاطئ المأمون)، في وجه الحكّام المأجورين من الأعداء (المأجور من أعدائنا للدسّ والتّفريق باسم الدّين – مستأجر – خؤون)، مذكّرًا إيّاهم بالعدوّ الصّهيونيّ الذي ينتهك حرمة الوطن (صهيون فاغرًا فاه لبلع بنيك كالتنين). كما أعلن صرخته الثورويّة في الأبيات الثّلاثة الأخيرة، داعيًا وطنه لبنان إلى اللامبالاة بهؤلاء الحكّام (لا تحفل فشعبك وحدة)، وإلى مواجهتهم بشجاعة (بنوكَ آساد… للذود – يفدي كِيانكَ… وثمين).
يقدّم لنا نسق الدّين، حاجة المجتمع إلى الجمع بين العلم والدّين لأهمّيّتهما؛ فهما عنصران مهمّان لبعث القوّة في المجتمع الذي يظهر بصورة المجتمع المستسلم لأحكام بعض رجال الدّين؛ الخائفين من حكّام زرعوا فيهم الضعف أمام اتّخاذ قرار يواجه سياساتهم الظالمة، ما أدّى بالمجتمع إلى التأخّر عن كلّ جديد، وإلى قبول الخضوع للحكّام الذين استغلّوا الدّين للتفريق بين أبناء المجتمع.
ثالثًا: نسق الحرمان
قدّم الشّاعر صورة عن الحياة التي عاشها أبناء الجنوب، وما عانوه من شقاء وحرمان على أيدي الزّعماء الإقطاعيين، فقال([18]) [الوافر]
يقول بنو الجنوب ألا أديب يصوّر بؤس أبناء الجنوبِ
فيرسم ما نكابد من شقاء وحرمان ونحمل من خطوبِ
لها أسيادنا الزّعماء عنّا بجاه الحكم واللقب الكذوبِ
وفي ترف الحياة وفي هناها وفي ملء الخزائن والجيوبِ
فبتنا كالقطيع بغير راعٍ ببلقعةٍ فريسة كلّ ذيبِ
نحدّق لا نرى إلاّ وحوشًا محدّدة الأظافر والنيوبِ
وأرضًا أصبحت تدعى وكانت لنا بالأمس بالوطن السليبِ
ودورًا غودرت قفرًا يبابًا تنوح على الغريبة والغريبِ
وأطفالاً مشرّدةً عراة تبيت على الطّوى فوق الدّروبِ
وأوباء تصول على هواها وتنهش بالجسوم بلا رقيبِ
وجهلًا ليس غير البيك يدري متى يجلو وعلّام الغيوبِ
وشعبًا لا يزال لكلّ طاغٍ من الإقطاع كالضرع الحلوبِ
وحرماناً كإسرائيل جورًا تحمّلناه بالصبر العجيبِ
وفقرًا غادر الآساد منّا خرافًا أو مطايا للركوبِ
فقلتُ بخاطري لم يدرِ قومي بأنّ الحاكمين بلا قلوبِ
وإنّ الحكم يُسكر كالحميّا وإنّ المال ستّار العيوبِ
وإنّ شكاية الأحرار منّا تُعدّ من الكبائر والذنوبِ
وإنّ الحقّ لا يُعطى لشعبٍ تسلّح بالعويل وبالنّحيبِ
وإنّ السيف أبلغ حين ينضى بوجه الجور من قول الخطيبِ
وأن لا شيء أضيع في السّرايا وفي لبنان من صوت الأديبِ
إنّ اللافت في مطلع القصيدة، استخدام العبارتين (بنو الجنوب وأبناء الجنوب)، ما دلّ على دخول تسمية (الجنوب) بدل (جبل عامل) أو (عاملة)، ودلّ أيضًا على انتمائه الجنوبيّ.
عدّد الشّاعر أشكال حياة المعاناة التي عاشها أبناء الجنوب (بؤس – شقاء – حرمان – خطوب – كالقطيع – فريسة – الوطن السليب – قفرًا يبابًا – تنوح على الغريبة والغريب – أطفالاً مشرّدة – عراة – الطوى – أوباء – تنهش بالجسوم – جهلاً – كالضرع الحلوب – حرمانًا كإسرائيل جورًا – فقرًا – خرافًا أو مطايا للركوب – شكاية… من الكبائر والذنوب – العويل – النحيب – الجور – أضيع). وذكر في الأبيات الحكّام، مسبّبي المعاناة، بأسماء وأوصاف عديدة (أسيادنا الزعماء – جاه الحكم – اللقب الكذوب – ترف الحياة وهناها – ملء الخزائن والجيوب – وحوشًا محدّدة الأظافر والنيوب – البيك – كلّ طاغ من الإقطاع – الحاكمين بلا قلوب). وأطلق على الشّعب أيضاً تسميات عديدة (بنو الجنوب – أبناء الجنوب – شعباً – قومي – الأحرار – شعب). وأبدى مواقفه في الأبيات الأربعة الأخيرة، معلنًا انتماءه إلى الأحرار من الجنوب (وإنّ شكاية الأحرار منّا)، ودعا إلى ترك العويل والنّحيب وكلام الخطابة والأدب، ومواجهة الجور بالسّيف (السّيف أبلغ حين ينضى بوجه الجور).
وتكرّر ذكر حرمان الجنوب من سبل العيش في قصائد أخرى، فذكر في قصيدة ألقاها في مهرجان انتخابيّ في إحدى قرى الجنوب، هاجيًا فيها المرشّحين للنيابة([19]) [الكامل]
قالوا سنجلب للجنوب الماء يُروى ويُصبح روضة غنّاءَ
ولسوف نفرش سهله وجباله بدل الشّقاء سعادة ورخاءَ
والكهرباء غدًا سيهزم نورها عنه وعن أجوائه الظلماءَ
طوبى لمن يبقى ليوم تغتدي هذي الربوع حدائقًا خضراءَ
بيّن الشّاعر في هذه الأبيات معاناة الجنوب (الشّقاء – الظلماء)، نتيجة حرمانه من الماء والكهرباء، في ظلّ وعود فارغة (سنجلب للجنوب الماء – يُروى – يُصبح روضة غنّاء – نفرش سهله وجباله سعادة ورخاء). فأكمل قصيدته بأبيات ذكر فيها سبب تلك المعاناة المتعلّقة بالحكام، وبيّن موقفه منهم، فقال:([20])
فأجبْتُ والنيران تلهب مهجتي والعين تذرف دمعة خرساءَ
خلّوا المياه وحرّروه من أُلى ورثوا النّعوت الضّخمة الجوفاء
ومن الأُلى عرفتْهم أوطاننا أبدا لكلّ مسيطر عملاءَ
ومن الأُلى كانوا وما برحوا لنا الإذلال والإملاق والأدواءَ
ومن الأُلى شادوا على أكواخنا تلك القصور الفخمة الشّمّاءَ
قل للذي يبكي على حرمانه ويُذيل دمع العاهرات رياءَ
يبكي على ظمإ الجنوب ويحتسي دمه إذا جُنّ الدّجى صهباءَ
لا تسقه رحماكَ ماءً وأسقه حرّية وكرامة وإباءَ
موت الظما خير له من أن يرى جهّالة تستعبد العلماءَ
دعه يمتْ عطشا ودعْه مخيّرًا حرًّا يعيش كما أراد وشاءَ
إنّ سبب معاناة أهل الجنوب، حكام ورثوا النّعوت الفارغة؛ فهم العملاء، وأسباب الإذلال، والفقر، والأمراض، همّهم بناء القصور الفخمة (ورثوا النّعوت الضّخمة الجوفاء – لكلّ مسيطر عملاء – الإذلال والإملاق والأدواء – شادوا… القصور الفخمة الشمّاء). أمّا موقفه فهو صرخة من جوف مشتعل، وبكاء أخرس (النّيران تلهب مهجتي – العين تذرف دمعة خرساء)، ودعوة المرشَّحين إلى تحرير الجنوب من الاستعباد (حرّروه – أسقه حرية وكرامة وإباء)، وإلى عدم انتظار الوعود (خلّوا المياه – لا تسقه ماءً). كما أظهر تفضيله الموت حرًّا على حياة العبوديّة للزّعماء (موت الظما خير – دعه مخيّراً حرًّا يعيش كما أراد وشاء).
وقد أكّد افتقاد الجنوب حريته، واستغلاله من (الزّعيم – الإقطاع – البيك)، في الأبيات الآتية:([21])
لو كان حرًّا لم يكن ألعوبة بيد الزّعيم وآلة صمّاءَ
لو كان حرّا لم يبع تمثيله بيع المتاع لمن أراد شراءَ
لو كان حرًّا ما أناب صنائعًا عنه ونحّى الصّيد والأكفّاءَ
لو كان حرًّا ما اكتسى إقطاعه من عريه حلل الحرير رداءَ
لو كان حرًّا ما تحوّل كوخه للبيك قصرًا ينطح الجوزاءَ
يعكس هذا النّسق حالة الحرمان التي عاشها أبناء الجنوب، والتي دفعتهم إلى طلب تصوير بؤسهم من قبل أديب، ما دلّ على رغبة أبناء الجنوب بالتّعبير عن ظروف القهر التي عاشوها([22]).
رابعًا: نسق الأدب
رفض الشّاعر موسى أن يكون شعره مبتذلًا ومستغلًا من قِبل الحكّام؛ لأنّه يمثّل صوته الحرّ. وهذا ما عبّر عنه في قصيدة، جوابًا على قصيدة الشّاعر محيي الدّين شعبان، إذ اتّهمه فيها بأنّه وقف خطيبًا وشاعرًا ضدّ مزارعي التّبغ في الاجتماع الذي عُقد في النّادي الحسينيّ، في بنت جبيل سنة 1960م، بينما الشّاعر شرارة لم يحضر الاجتماع([23]) [الوافر]
حملْتُ لوا النّضال وكنتُ طفلاً فشبتُ ولم أزل في المعمعانِ
كذاك البيك بيكي لم يحضنّي بقوّته ولم يثنِ عناني
ومال المستشار وكان جمًّا به تشرى الضمائر ما شراني
وحقّكَ ما طلبتُ الجاه يومًا كوغد في التزلّف أو جبانِ
ولكنّي شجاع الرأي حرٌّ فؤادي إن نطقتُ على لساني
بيّن الشّاعر صون نفسه عن إغراءات الحكّام (البيك – المستشار)، كما بيّن ما تميّز به من مواقف نضال(حملْتُ لوا النضال)، وثبات (شبْتُ ولم أزل في المعمعان)، ورفض التزلّف والجاه (ما طلبْتُ الجاه يومًا…)، وشجاعة القول، وحرية المشاعر (شجاعة الرأي – حرّ فؤادي).
وقد ذكر في قصيدة أخرى أيضًا رفضه بيع شعره الذي افتخر به سلاحًا في وجه الحكّام، فقال في قصيدة من وحي الانتخابات التي جرت سنة 1972([24]) [الكامل]
وأراك إمّا جئت بيتي زائرًا كالأمّ تلثم وجنتي والشّاربا
وتشمّ جدران الديار كأنّها ضمّت أعزّاء عليكَ حبائبا
وتضمّ أطفالي تقبّل أوجهًا صفرًا كذابلة الورود شواحبا
وتدير أكواب الوعود فتسقني كالراح تدجيلاً ووعدًا كاذبا
وإليّ تهمس كي أبيعكَ بالذي ابتاعوك فيه كرامتي والواجبا
وبأن أرى، وأنا الأديب، موظّفًا من فقر هذا الشّعب أقبض راتبا
عبثًا تحاول لن أبيع كسلعة أدبًا وشعرًا ثائرًا ومواهبا
سأظلّ في صفّ الأباة مناضلاً ضدّ الفساد بموطني ومحاربا
ذكر الشّاعر تزلّف حاكم مرشّح للانتخاب، زاره متظاهرًا بصفات الحنان (كالأمّ تلثم وجنتي والشاربا – تشمّ جدران الديار – تضمّ أطفالي – تقبّل أوجهًا)، فبيّن كذبه (أكواب الوعود… تدجيلاً ووعدًا كاذبا)، ومحاولات إغرائه له بالتوظيف، وأعلن موقفه الرافض بيع أدبه الثائر (عبثاً تحاول – لن أبيع كسلعة أدبًا وشعرًا ثائرًا ومواهبا)، وإصراره على النضال ضدّ فساد الحكّام (سأظلّ مناضلاً ضدّ الفساد بموطني ومحاربًا)، وافتخاره بالانتماء إلى صفّ الأباة (سأظلّ في صفّ الأباة).
يعكس نسق المعاناة في هذه القصيدة الحركة الأدبيّة في جبل عامل، ومواكبة الشّعر لحالة الشّعب النّفسيّة، للتعبير عن قضاياهم، فهو منفسهم للتعبير عن همومهم وآمالهم. وهذا ما شهده جبل عامل، مطلع القرن العشرين، حين دخلت الصحافة رحاب عامل، فكانت مسرحًا لأقلام الأدباء، والعلماء، ورجال الفكر، وناطقة بلسان البيئة العامليّة([25]). لقد تفجّرت قرائح الشّعراء، وأنشأ الشيخ أحمد عارف الزين مجلّة (العرفان) في شباط سنة 1909، وهي أوّل مجلّة واكبت مسيرة جبل عامل النّضاليّة، وصارت منبر العامليين، على الرّغم من تعرّضها لحملات القمع والإرهاب من سلطات الانتداب. وتوالى بعدها إنشاء مجلّات وجرائد عدّة، منها: جريدة (جبل عامل) للشيخ أحمد عارف الزين أيضًا، ومجلّة (المرج) لأسعد رحّال سنة 1909، وجريدة (القوّة) لمحسن دبوق سنة1912 وغيرها([26]).
خامسًا: نسق العلاقة مع الحاكم
افتخر الشّاعر شرارة كثيرًا بجمال وطنه، وبأبناء وطنه الشّجعان البواسل، فقال في إحدى المناسبات الوطنيّة([27]) [الوافر]
بلادي يا جنان الخلد حسنًا ويا أرض النبوغ الابتكارِ
ويا أمّ الكماة بكلّ روع ويا غاب الضياغم والضواري
فديْتكِ لا تقولي راضٍ شعبي وأسلس للهوان وللصغارِ
أنذعن للهوان ونرتضيه وفي أيماننا بيضُ الشّفارِ
إذًا لسنا الأباة ولا نمَتْنا ليوثُ الحرب من عُليا نزارِ
ولا نحن لضيغم كربلاء ولا نحن لصاحب ذي الفقارِ
عبّر الشّاعر عن انتمائه الوطنيّ (بلادي – جنان الخلد – أرض النبوغ الابتكار – أمّ الكماة – غاب الضياغم والضواري)، وعن انتمائه إلى أصحاب القوّة والإباء (أيماننا بيض الشّفار – الأباة – ليوث الحرب)، وعن انتمائه الدّينيّ الشّيعيّ (لضيغم كربلاء – لصاحب ذي الفقار)، وعن استعداده لفداء بلاده (فديتُكِ)، وعن رفضه الخضوع للذلّ (لا تقولي راضٍ شعبي وأسلس للهوان وللصغار).
وبيّن موقفه الثائر في ختام القصيدة، قائلاً :([28])
ألا أبلغ طغمة باعت بلادًا وضحّت بالقرابة والجوارِ
مشى ركب الشّباب وجئتُ فيه أحاسبكم على ضوء النهارِ
وجّه خطابه إلى الحكام (طغمة باعتْ بلادًا – ضحّت بالقرابة والجوار)، فضمّ موقفه إلى موقف الشّباب معلنًا وقت محاسبتهم على سلبهم حقّهم (مشى ركب الشّباب – أحاسبكم على ضوء النّهار).
كما عبّر أيضًا عن ظلم الحكّام، والتواطؤ مع المحتلّ، في قصيدة أخرى، قال فيها:([29]) [الطويل]
لهم أن يبيدونا وأن يفتكوا بنا لهم أن يقولوا أبعدوهم فنبعدُ
ولكنهم لا يستطيعون أن نرى مظالمهم تترى علينا ونحمدُ
فقولوا لهم ما شئتم لا يضيرنا سواء لدينا سخطهم والتودّد
فإنّ الردى أشهى لنا من معيشة يعلّى بها وغد ويخفضُ سيّدُ
وقولوا لمن باعوا البلاد برتبة وشادوا صغارًا بالدخيل ومجّدوا
أأعطي يدي للغاصبين وثائرًا أنادي وأرضى بالهوان وأخلدُ
خذيني يا منون ولا أرى بلادي على ضيم تبيت وترقدُ
متى تنتضي آساد عامل بيضها متى ينجلي هذا الدجى المتلبّدُ
متى يرجع الحقّ السليب لأهله متى عامل يهنا ويرقى ويسعدُ
ذكر معاناة أهل عامل (بلادي على ضيم) من قبل الحكّام (أن يبيدونا – أن يفتكوا بنا – نبعد – مظالمهم تترى – معيشة يعلّى بها وغد ويخفض سيّد… – باعوا البلاد – شادوا صغارًا بالدخيل ومجّدوا – الغاصبين)، وأعلن الثورة (ثائرًا أنادي)، من خلال: اللامبالاة بهم (لا يستطيعون – لا يضيرنا)، واشتهاء الموت بعزّة (الرّدى أشهى لنا – خذيني عزيزًا يا منون)، واستنهاض همم أبناء عامل (متى تنتضي آساد عامل بيضها – متى ينجلي هذا الدّجى – متى يرجع الحقّ السّليب – متى عامل يهنا ويرقى ويسعد). ونلاحظ استخدام تسمية عامل، ما يدلّ على رغبته بإيقاظ أصول الشجاعة العامليّة، من أجل الثّورة التي نادى بها بين السّطور.
وعلى الرّغم من حبّه للشّعر الثورويّ، فقد أشار في قصيدة أخرى، إلى عدم نفع الشّعر والنثر في التّعامل مع الحكّام، في قصيدة ردّ بها على رفاقه الذين طالبوه بصوته الشّعريّ الثورويّ بعد الاستقلال، فجاء فيها:([30]) [الطويل]
يقول رفاقي ما لصوتكَ خافتًا وكان بعهد الانتداب يلعلعُ
فما خفتَ بطش الانتداب وعنده عدا السّجن أسطول وتنك ومدفعُ
فأين قوافيك التي هي ثورة تدكّ الكراسي تحتهم وتزعزعُ
فقلتُ رفاقي داؤنا اليوم معضل فلا نظمنا يجدي ولا النّثر ينفعُ
بنا داء خلق باحتياج لمبضع وما عندنا للخلق آسٍ ومبضعُ
فها هو لبنان الحبيب كما يُرى على الصّحب والأنصار فيء موزّعُ
غدا ضرع شاة رغم أنف أباته وأحراره فيه المحاسيب ترضعُ
تقاسمه الإقطاع فهو فريسة تمزّقه ذؤبانهم وتقطّعُ
أذلّوا بنيه بعد عزّ فكلّهم أخو حاجة في بابهم يتسكّعُ
لقد خدعونا والكريم بطبعه وإن كان أذكى الناس بالناس يُخدعُ
قارن الشّاعر بين مواقفه من الحكّام (الدّاء)، خلال الحِقبة التّاريخيّة التي شهدت الانتداب الفرنسيّ (البطش – السجن – الأسطول – التنك – المدفع)، ومواقفه خلال حِقبة ما بعد الاستقلال اللبنانيّ. فبيّن في الأولى موقفه من خلال صوته المواجه (يلعلع)، وعدم الخوف (فما خَفَتَ) وقوافيه الثّائرة (قوافيك التي هي ثائرة – تدكّ – تزعزع). أمّا بعد الاستقلال، فبيّن الحاجة إلى بَضع الدّاء (الاحتياج لمبضع)، أي بَضْعُ الإقطاع، فهم سبب معاناة وطنه الحبيب لبنان (فيء موزّع – ضرع شاة – تقاسمه الإقطاع – فريسة – تمزّقه ذؤبانهم وتقطّعه – أذلّوا بنيه – كلّهم أخو حاجة في بابهم يتسكّع – خدعونا).
وقد بشّر بأخذ الحقّ من خلال الشّهادة والثورة، في قصيدة نظمها سنة 1960، بعد خمود فتنة 1958، التي جرت في لبنان، جاء فيها:([31]) [الكامل]
يا شعبُ عفوك عن كباركَ إن هم بسبيل من سلفوا بحكمكَ ساروا
واصبر فما لكَ حيلة في ما ترى وبما تخطّ وترسم الأقدارُ
ما ضاع حقّ في الحياة لأمّة طلّابه الشهداء والثوّارُ
سيجيء يوم في نجيع رقابهم عنكّ وعنهم يزول هذا العارُ
بيّن الشّاعر موقفه من تعامل الحكّام (كبارك… بسبيل من سلفوا بحكمكَ ساروا) مع الشّعب (يا شعب)، من خلال دعوته إلى: الصّبر (اصبر – ما لك حيلة)، والمواظبة على المطالبة بالحقّ (ما ضاع حقّ… طلّابه الشّهداء والثوّار)، والأمل بالنّصر (سيجيء يوم) على هذا الحكم (العار) الذي يعانون منه. يعكس هذا النّسق مفهوم السّلطة الظالمة، أو الإقطاعيّة التي مثّلها الحكّام، أو الزّعماء الإقطاعيون؛ فالإقطاعيّة نظام اجتماعيّ سياسيّ، واقتصاديّ، فرضته الدولة العثمانيّة في مطلع سيطرتها على المناطق، وألزمت جباية الضرائب والرّسوم إلى رجال ملتزمين محليّين. وزاد الأمر سوءًا مع سماحها للوجوه الإقطاعيّة بالتوسّع، ومنها جبل عامل الذي أدّى النظام الإقطاعيّ فيه إلى صدامات بين أهله ورجال الإقطاع، ما أنتج زعامات إقطاعيّة، وأحزابًا سياسيّة([32])، ثمّ جاء الاستقلال ليكرّس الامتيازات لأبناء عائلات الزّعماء الذين تعاونوا مع فرنسا([33]). أمّا على صعيد مظاهر الممانعة والرّفض التي تطرّق إليها الشّاعر، فهي تعكس ما عاشه أبناء جبل عامل بعد سقوط الدولة العثمانيّة، وخضوعه للانتداب الفرنسيّ، من ظروف أدّت إلى ظهور حركات المقاومة الشّعبيّة.([34])
سادسًا: نسق النّفحة القوميّة
تطرّق الشّاعر موسى إلى قضيّة فلسطين، إثر وقوعها تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيليّ، فجاء في قصيدة له:[35] [الطويل]
غداة لنا الأبواق قالوا بأنّهم على سحق أعداء التحرّر أجمعوا
وأنّ طبول الحرب منهم بقدسنا لتطهيرها من غاصبيها ستقرعُ
فهذي فلسطين بفضل جهادهم لأعدائها دار ربع ومرتعُ
تشرّد أهلوها وأخلوا مرابعًا تبلّلها منهم دماء وأدمعُ
فللنار أكل دورها وقصورها فأنّى أجلتَ الطّرْفَ قفر وبلقعُ
بيّن معاناة فلسطين من أعدائها (لأعدائها دار وربع ومرتع – تشرّد أهلوها – تبلّلها دماء وأدمع – للنار أكل دورها وقصورها – قفر – بلقع)، معلنًا التهكّم من الحكّام الذين وعدوا بتطهير القدس من الغاصبين (لنا الأبواق – على سحق أعداء التحرّر أجمعوا – طبول الحرب… ستقرع – بفضل جهادهم).
تعكس هذه الأبيات التأثّر بما جرى لفلسطين، ما يدلّ على الرّوح القوميّة التي عاشها مجتمع الشّاعر في عامل؛ فالعامليّون وقفوا إلى جانب الفلسطينيّين الذين لجؤوا إليهم، بعد تهجيرهم من قبل الكِيان الإسرائيليّ منذ سنة 1948، وبعد هزيمة حزيران سنة 1967 وما تبعها، حيث وفد إلى لبنان الآلاف من الفلسطينيّين، فشهد لبنان تطوّرًا في العمل الفدائيّ، ووسّعت إسرائيل اعتداءاتها، إلى أن أصبح جبل عامل بعد حرب تشرين 1973 ساحة الصراع الأولى بين العرب وإسرائيل([36]).
استنتاج
إنّ نسق الانتماء في الأبيات الشّعرية المعتمدة، يتضمّن مجموعة أنساق يؤثّر بعضها في بعض، وهي:
- نسق المعاناة الذي صوّر ما يعانيه المجتمع العامليّ من جهل وحرمان واستغلال واحتلال.
- نسق الحكّام الذين تمتّعوا بنفوذ سياسيّ مستمدّ من حكّام كبار عيّنهم الاحتلال، فابتزّوا حرّيّة أبناء الجنوب باسم الحماية والوصاية، وسبّبوا لهم المعاناة.
- نسق الرّفض والتمرّد والثورة، باسم الشّاعر أحيانًا، وباسم أبناء وطنه، أو أبناء عامل أحيانًا أخرى.
إنّ نسق الانتماء أظهر افتخار الشّاعر بانتمائه الوطنيّ اللبنانيّ والعامليّ، وبانتمائه الشّيعيّ، وبشعوره القوميّ، وباعتزازه برسالة الأدب الثورويّة. كما أظهر تمسّكه بمبادئ الانتماء الوطنيّ، من خلال انعكاساته الوجدانيّة، والفكريّة والواقعيّة في الشّعر، ودلّ على التزامه بالدّفاع عن القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة لأبناء مجتمعه، وعلى تعاطفه مع أبناء مجتمعه الذي يعاني من الجهل والحرمان والظلم، بسبب من حكمهم من زعماء إقطاعيين عملاء مأجورين لمن احتلّ بلدهم. وعبّر كذلك عن عدم رضا الشّعب عن حالهم السّيئة، ودعاهم إلى عدم الخوف والمطالبة بالحقّ، وإلى محاربة الظلم والثّورة على أعداء التحرّر.
هكذا كشفت القراءة النّسقيّة للنّصوص الشّعريّة المعتمدة، عن نسق ثقافيّ عكس ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه الشّاعر، فأظهر رفض زعامة سبّبت المعاناة لأبناء الجنوب؛ لأنّها انقادت لأوامر المحتلّ طمعًا وخوفًا، وقبلت أن يعيش أبناء مجتمعها في ظلام الجهل والضَعف.
المصادر والمراجع
المصادر
- الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العامليّ، نفحة الأقلام في شعر أمراء الكلام، شعراء جبل عامل، تحقيق محسن عقيل، ط1، دار المحجة البيضاء ودار الرّسول الأكرم ص، بيروت، 2004.
- ابن منظور، لسان العرب، تصحيح الأستاذين أمين محمّد عبد الوهاب ومحمّد صادق العبيدي، ج14، ط2، دار إحياء التراث العربيّ ومؤسسة التاريخ العربيّ، بيروت، 1997.
المراجع
- آل صفا (محمد جابر)، تاريخ جبل عامل، ط3، دار النّهار، بيروت، 1998.
- الأمين (حسن)، مستدركات أعيان الشّيعة، مج 1، ط1، دار التعارف للمطبوعات، بيروت،1987.
- بدوي (أحمد زكي)، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعيّة، ط1، مكتبة لبنان، بيروت، 1978.
- بنّوت (جهاد)، حركات النّضال في جبل عامل، ط1، دار الميزان، بيروت،1993.
- الزّين(علي) وآخرون، من دفتر الذّكريات الجنوبيّة، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981.
- مراد (محمّد)، التّملّك والسّلطة في الجنوب اللبنانيّ (1920 – 1975)، منشورات الجامعة اللبنانية، قسم الدّراسات التّاريخيّة (49)، بيروت، 2009.
- مروة (علي)، موسوعة الأدب الضّاحك، طرائف العامليين، ج7، ط1، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1987.
- مصطفى (د. قيصر)، الشّعر العاملي الحديث في جنوب لبنان (1900 – 1978)، ط1، دار الأندلس، بيروت، 1981.
- مكي (محمّد كاظم)، الحركة الأدبيّة والفكريّة في جبل عامل، ط2، دار الأندلس، بيروت، 1982.
- يوسف (أحمد)، القراءة النّسقيّة، سلطة البنيّة ووهم المحايثة، ط1، الدار العربية للعلوم -ناشرون، بيروت، 2007.
- يوسف ( د.عبد الفتاح أحمد)، لسانيات الخطاب وأنساق الثّقافة، ط 1، الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت، 2010.
المجلّات
حمّود (عبد العزيز)، المرايا المحدّبة، من البنية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، العدد 252، 1997.
– أستاذ مساعد ف الجامعة الإسلاميّة – قسم اللغة العربيّة.[1]
[2]– آل صفا (محمد جابر)، تاريخ جبل عامل، ط3، دار النهار، بيروت، 1998، ص23.
[3]– بنّوت (جهاد)، حركات النضال في جبل عامل، ط1، دار الميزان، بيروت، 1993، ص211.
[4]– الزين (علي) وآخرون، من دفتر الذكريات الجنوبيّة، ج1، ط1، دار الكتاب اللبنانيّ، بيروت، 1981، ص14.
[5]– النّسق لغة: النّسق من كلّ شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، عامّ في الأشياء، وقد نسّقته تنسيقًا. ويخفّف ابن سيده: نسق الشيء ينسُقُه نسْقًا ونسّقه نظّمه على السّواء، وانتسق هو تناسق، والاسم النّسق، وقد انتسقًتْ هذه الأشياء بعضها إلى بعض أي تنسّقت. (ابن منظور، لسان العرب، مادة نسق، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق العبيدي، ج14، ط2، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 1997، ص127). فالنّسق في المعنى اللغويّ يدلّ على انتظام عناصر الموضوع بترتيب واتساق وتنظيم، أيّ ارتباط العناصر بعضها ببعض بتوافق منتظم يدلّ على الاتساق والتكامل بنيويًّا ووظيفيًّا. والنسق اصطلاحًا، كما يراه دي سوسير Ferdinand De Saussure، هو العناصر اللساّنيّة التي اكتسبت قيمتها بعلاقاتها بينها، وليس باستقلالها عن بعضها، أي علاقة اتساق وانسجام وترابط، كي تعطي الدلالة المقصودة في النّصّ. فالنسق الدّلاليّ العام للنّصّ يمثّل مجموع الأنساق النصّيّة الفكريّة، وهذا ما يؤكّد مفهوم النقّاد حول العلاقة بين الجزء والكلّ، أو الوحدة العضويّة للنّصّ. (حموده، عبد العزيز، المرايا المحدّبة، من البنية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، العدد 252، سنة 1997، ص184 – 186).
[6]– يوسف (د.عبد الفتاح أحمد)، لسانيّات الخطاب وأنساق الثقافة ، ط1، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت،2010، ص 140.
[7] – يوسف (د. عبد الفتاح أحمد)، المرجع نفسه، ص139.
[8] – مروة (علي)، موسوعة الأدب الضاحك، طرائف العامليين، ج7، ط1، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1987، ص53.
[9]– الأمين (حسن)، مستدركات أعيان الشيعة، مج 1، ط1، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1987، ص237 .
[10]– يوسف (أحمد)، القراءة النّسقيّة، سلطة البنية ووهم المحايثة، ط1، الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت، 2007، ص120.
[11]– ابن منظور، لسان العرب، (مادّة: نمي)، ج14، ص297.
[12]– بدوي (أحمد زكي)، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعيّة، ط1، مكتبة لبنان، بيروت، 1978، ص16.
[13]– الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، نفحة الأقلام في شعر أمراء الكلام/ شعراء جبل عامل، تحقيق محسن عقيل، ج2، ط1،دار المحجّة البيضاء ودار الرسول الأكرم ص، 2004، ص565.
[14]– الأمين (محسن وابنه حسن)، المصدر نفسه، ص565 و566.
[15] – مكّي (محمّد كاظم)، الحركة الفكريّة والأدبيّة في جبل عامل، ط2، دار الأندلس، بيروت، 1982، ص251.
[16] – الأمين (محسن وابنه حسن(، روائع الشّعر العامليّ، ج2، ص580 و581.
[17] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص591 و592.
[18] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص 588 و589.
[19] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العامليّ، ج2، ص584.
[20] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص584 و585.
[21] – الأمين (محسن وابنه حسن)، المصدر نفسه، ج2، ص585.
[22] – مصطفى (د.قيصر)، الشّعر العاملي الحديث في جنوب لبنان (1900- 1978)، ط1، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1981، ص40 و41.
[23] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص579 و580.
[24] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص597.
[25] – مكي (محمّد كاظم)، الحركة الفكريّة والأدبيّة، ص205 – 208.
[26] – بنّوت (جهاد)، حركات النضال في جبل عامل، ص155 – 163.
[27] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العامليّ، ج2، ص566.
[28] – الأمين (محسن وابنه حسن)، المصدر نفسه، ص567.
[29]– الأمين (محسن وابنه حسن)، المصدر نفسه، ص567.
[30] – الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص568 و569.
[31]– الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص585.
[32]– الأمين (محسن وابنه حسن)، روائع الشّعر العاملي، ج2، ص300.
[33]– قيصر(مصطفى)، الشّعر العاملي الحديث في جنوب لبنان(1900-1978)، ص149.
[34] – بنّوت (جهاد)، حركات النضال في جبل عامل، ص233.
[35]– الأمين (محسن وابنه حسن)، المصدر السابق، ص569.
[36]– بنّوت (جهاد)، حركات النضال في جبل عامل، ص325 – 329.