تأثير جائحة كورنا على الإنتاجية المادية والاجتماعية في المنشأة الصناعية اللبنانيّة
(نموذج المنشآت الصناعية في محافظة الجنوب)
د. عليّ رضا كركيّ([1])
يعاني الاقتصاد العالميّ منذ عقود من أزمات متلاحقة، وتعدّ المنافسة من التّحدّيات التي تعيق اقتصادات الدّول الفقيرة، كما أنّ حرب أسعار النّفط تهزّ اقتصادات الدّول الغنيّة، وما لا شكّ فيه أنّ الأزمات ومهما كانت، فإنّها تترك آثارًا سلبيّة على نموّ الإنتاج سواء في الدّول الفقيرة أم في الدّول الغنيّة.
ولعلّ العالم بأسره، لا يزال يستذكر الأزمات التي عصفت بالمنظومة الدّوليّة. فمن أزمة الكساد الكبير في العام 1929، إلى أزمة الرّهن العقاريّ في العام 2007، عرف العالم بأسره العديد من الأزمات والكوارث الطبيعيّة التي كان من شأنها التّأثير المباشر في مستويات الإنتاجيّة الاقتصاديّة، فضلًا عن التّداعيات الاجتماعيّة التي تطال مختلف الفئات تلك، والمتمثلة بالبطالة، والفقر، وسوء التّغذية، واضطراب الأسواق، والمنافسة.
تاليًا، وفي ظل الواقع المأزوم الذي يعيشه العالم على كلّ المستويات، وفي كلّ الاتجاهات، برزت الأزمة الصّحيّة الجديدة المسماة بجائحة كورونا (كوفيد-19) مع نهاية العام 2019، إذ وجّهت هذه الأزمة ضربة قاسية للاقتصاد العالميّ بمستوياته المتعدّدة الّذي كان يعاني ما يعانيه من هشاشة البنى الاقتصاديّة، والاجتماعيّة التي ظهرت إثر انهيار المنظومة الاشتراكيّة. وقد أدّى التّفرّد في قيادة الاقتصاد الدّوليّ إلى إيجاد هُوَّة سحيقة تفصل بين الدّول لتعيد إلى الأذهان الزّمن الماضي، بما حمله من استعمار، ونهب ثروات، واستلاب إرادة شعوب.
وبما أننا لا نزال في عين العاصفة، فإنّ الآثار السّلبيّة على الموارد البشريّة والاقتصاديّة، لم تتوضح بعد بشكل دقيق. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ من المؤكد أن تكون تبعات جائحة كورونا كارثيّة على البشريّة ومواردها. وما يُشير إلى هذه السّلبيّة الغموض الذي يكتنف الأزمة وآليات مواجهتها، فالعالم كله لا يزال يبحث في طبيعتها، إذ تعمل مراكز الأبحاث جاهدة على اكتشاف ما يمكن أن يساعد في وضع الحلول. وبما أنّ الأزمة لا تزال غامضة، فإنَّ السياسات والحلول المناسبة لا تزال غائبة، الأمر الذي يُنبئ بطول أمد هذه الجائحة، فضلًا عن استمرار تداعياتها السّلبيّة إلى حين غير معروف.
“وبحلول نيسان 2020، كان نحو 150 بلدًا قد أغلقت جميع المدارس، وفرضت إلغاء التّجمعات والفعاليات، وأغلق أكثر من 80 بلدًا كل أماكن العمل لاحتواء تفشّي الفيروس. وفرضت قيودًا على السّفر على نطاق واسع، وآثرت الإغلاقات الإلزاميّة إلى جانب التّباعد الاجتماعيّ التّلقائيّ من جانب المستهلكين، والمنتجين تأثيرًا كبيرًا على النّشاط والتّجارة في العالم، وصاحَبتها تقلّبات في الأسواق الماليّة، وتراجعات حادّة لأسعار النّفط والمعادن الصناعيّة”([2]).
الجدول رقم(1): الحصة من إجماليّ الناتج المحليّ العالميّ لبلدان تطبق إغلاقات وإلغاءات إلزاميّة
% من إجمالي الناتج المحلي العالمي
إلغاء السفر | إلغاء التجمعات | إغلاقات الأعمال | إغلاقات المدارس | |
الاقتصادات المتقدمة | 20 | 50 | 40 | 60 |
الاقتصادات النامية | 30 | 40 | 30 | 40 |
المصدر: برنامج جامعة أكسفورد، لتتبع الجهود الحكومية للتصدي لجائحة كورونا.
ويتّضح، بناءً على النّسب المبيّنة في الجدول أعلاه، حجم أثر لجائحة كورونا في اقتصادات الدّول. إذ إنّ لهذه الإغلاقات تداعيات على اقتصاد الدّولة والمواطن. ففي حين أنّ الدّولة تجد نفسها ملزمة بتأمين سبل الرعاية، والحماية بحسب قدراتها، فإنّ المواطن أيضًا يجد نفسه في دائرة يتحدد فيها نمطه الاستهلاكّي والإنتاجيّ. وهكذا ترمي هذه الأزمة بظلها على الاقتصاد الكليّ والجزئيّ، الأمر الذي يعكس تراجعًا كبيرًا في آليات الاستثمار، كما تدفع هذه الأزمة بالادّخار نحو أهداف محددة لا تتخطى الاتجاه الواحد، وبذلك تحظى الإنتاجيّة المرتبطة بالواقع الصّحيّ باهتمامٍ استثماريّ كبير.
“وستكون الأضرار الطّويلة الأجل لجائحة كورونا شديدة للغاية في الاقتصادات التي تعاني أزمات مالية، وفي البلدان المصدرة لمنتجات الطّاقة بسبب انهيار أسعار النّفط. وفي المتوسط في فئة اقتصادات الأسواق الصّاعدة والبلدان النّامية، على مدى خمس سنوات، قد يؤدّي كساد تصاحبه أزمة ماليّة إلى انخفاض الناتج المحتمل نحو 8%، أمّا في البلدان المصدرة للطّاقة من بين هذه الفئة، ففي المتوسط قد يؤدّي كساد يصاحبه انهيار أسعار النّفط إلى انخفاض النّاتج المحتمل بنسبة 11%”([3]).
هذا على مستوى عام في عالم يعاني ما يعانيه من هشاشة البنى الاقتصاديّة، جرّاء التّنافس الدّوليّ على الحكم والسّيطرة على الأسواق، فكيف على صعيد الدّاخل اللبنانيّ الذي يشهد منذ العام 2019 انهيارات متتالية تطال اقتصاده، ونظامه الصّحيّ، واستقراره الاجتماعيّ، الأمر الذي يشكّل دافعًا بحثيًّا للوقوف على حالة الإنتاجيّة المتدنيّة، في مواجهة جائحة كورونا في وقت راجت فيه الاستثمارات الطبية من دون غيرها.
وللوقوف على تأثير جائحة كورونا في إنتاجيّة المصنع اللبنانيّ، سيعتمد المنحى التّحليليّ للمعطيات الحقليّة المستقاة من ثلاث منشآت صناعيّة في محافظة الجنوب([4]).
وفيه تتركز الإشكاليّة البحثيّة على محفّزات الإنتاجيّة وأسباب ضمورها. فإذا كانت العلاقات الإنسانيّة بحسب “ألتون مايو”([5]) هي المتغير المُهمّ في رفع الإنتاجيّة، فكيف سنتمكن من الكشف عن تأثير جائحة كورونا في نمط العلاقات الإنسانيّة السّائدة في المصنع اللبنانيّ، وانعكاس هذا التأثير على الإنتاجيّة المادية، الأمر الذي يولّف فرضيّة بحثيّة قوامها بنية جديدة من العلاقات الإنسانيّة داخل المنشأة الصناعيّة، تحفّز الإنتاجيّة لضمان استمرار العمل.
وبالتّالي، فإن مواجهة الأزمة الصّحيّة والأزمة الاقتصاديّة تكون من خلال تنظيم اجتماعيّ جديد، للعمل قد يكون نمطًا جديدًا من العلاقات الإنسانيّة، وهذا ما سيتوضح في متون البحث.
على المستوى المحلّيّ، “ومنذ أيلول 2019، أدى الوضع الاقتصاديّ المتدهور إلى تفاقم عدم الاستقرار السّياسيّ في الدّاخل، ليزداد الضّغط على آليّة سعر الصّرف الثابت، وبالتالي على احتياطيّ الدّولار. وقد تسببت جائحة كوفيد-19 بحدوث صدمة في الناتج المحليّ الإجماليّ بسبب تدابير الإغلاق، وما ترتب عليها من تباطؤ في الطلب الإجماليّ”([6]).
وعليه، تكون الأزمة المستمرة التي تضرب العالم عمومًا، ولبنان خصوصًا قابضة على مفاتيح الإنتاج والنّمو الصّناعيّ، الأمر الذي يؤشر على مستقبل غامض وغير محسوب للصّناعة في لبنان، لا سيما وسط عدم قدرة الدّولة على الدعم بسبب الانهيار الذي تشهده القطاعات المتعدّدة، وبالتّالي، “ليس من بوادر تذكر بشأن انحسار الأزمة الاقتصاديّة الحادة التي يشهدها لبنان، والتي زادت جائحة كوفيد-19 من تفاقمها، ومن المتوقع أن يسجّل اقتصاد البلاد انكماشًا بنسبة 25 في المائة تقريبًا في العام 2020”([7]). هذا ما كان متوقعًا في العام المنصرم، فكيف مع ازدياد حدة الأزمة في العام 2021؟
أضف إلى ذلك التّخبط السياسيّ في البلاد الّذي يستمر غير آبهٍ بمآسي اللبنانيّين، حيث تزداد الإصابات، ولا توجد قدرة استشفائيّة لمواكبة المأزم. هذا، ويستمر العمل الإنتاجيّ في المنشآت الصناعيّة ببطء، فضلًا عن حِقبات الإغلاق التي تسهم في تقويض الإنتاجيّة. ومع هذا الواقع المرير لا بد من معرفة التّدابير الاستثنائيّة الخاصة التي اتّخذتها المنشآت الصّناعيّة للحفاظ على استمراريّتها، وذلك بالإضافة إلى التّدابير الوقائيّة للحمايّة من الإصابة. لذا، من المفترض وجود تدابير إنسانيّة لتلافي الإقفال، والذّهاب إلى المزيد من التّدهور الاقتصاديّ والاجتماعيّ. “وبما أن النشاطات الإنسانيّة، والمؤسسات، والتّجمعات هي ذات طبيعة غائيّة، وبما أنّها تنمو أو هي قائمة في سبيل غاية معيّنة. من الواضح أنها ستخفّض في مَهَمَّتها إذا ما أهملت هذه المسائل”([8]). لا بدّ من فهم البيئة الإنسانيّة داخل المنشأة الصناعية، ومعرفة مدى مساهمة هذا المتغير في نمو المنشأة ودوام وجودها. وبحسب تجارب ألتون مايو، “إنّ العلاقات غير الرّسميّة التي تتولد بين أعضاء الجماعة، تؤدي إلى رفع الرّوح المعنويّة للأفراد، ومن ثـــَــمَّ تتحقّق الكفاءة الإنتاجيّة”([9]). وتعدُّ هذه العلاقات هدفًا بحثيًّا معرفيًّا تسهم معرفتها في فهم البيئة الإنسانيّة للمنشأة الصّناعيّة اللبنانيّة، وعليه تستهدف المنشأة ككائن، إنسانيّ لأن الأفراد الذين يعملون فيها لديهم احتياجات اجتماعيّة، وأنّ تعاونهم في ما بينهم أهمّ من أنظمة الرّقابة والحوافز الماديّة، إذ يستطيعون من خلال هذا التّعاون ضمان الاستمراريّة. فالتّركيز في الإنتاجيّة المادّيّة سينهك كاهل العمال، وسيؤدّي إلى الضّعف والكسل، إذ لا بد من وجود نسق اجتماعيّ يحفز الإنتاجيّة “بَدءًا بعمال الصّيانة وصولًا إلى المسؤولين عن الإدارة، أضف إلى هذا، أنّ نتيجة طبيعة العمل nature de travail تمارس ضغطًا دائمًا حتى يتمّ، يوميًّا، تنفيذ المَهَمّات، فينتج عن هذا الضّغط المزدوج ضعف في العلاقات بين الأشخاص: تتوقف عمليات التّواصل، ويصبح الاهتمام المنصبّ على العمل ضعيفًا إلى أقصى حد”([10]). وعلى ذلك يجب أن يكون الاهتمام منصبًّا على العلاقات الإنسانيّة، داخل بيئة العمل لمعرفة مساهمة هذه العلاقات في ضمان الإنتاجيّة، واستمراريّة العمل.
وللوقوف على نوع هذه العلاقات الإنسانيّة كان لا بد من اعتماد استمارتين، واحدة لربّ العمل جاءت بـ26 سؤالًا، وأخرى للعمال جاءت بـ36 سؤالًا، وتضمّنت كلّ منهما أسئلة مغلقة وأسئلة مفتوحة. وقد أتت الاستمارتان انعكاسًا لأهداف البحث التي تتلخّص في الكشف عن تأثير جائحة كورونا في الإنتاجيّة الماديّة، والإنسانيّة داخل مجتمع المصنع اللبنانيّ. فالاستمارة “يجب أن تترجم أهداف البحث إلى أسئلة معيّنة”([11]). وعلى ذلك، يتحدد عيّنة عمديّة تتألف من ثلاثة مصانع، تنتمي إلى المنشآت المتوسطة الأكثر انتشارًا التي تشكّل 49% من إجماليّ المصانع اللبنانيّة بحسب وزارة الصّناعة([12])، وهي المنشآت الأكثر انتشارًا في لبنان، وقد اختيرت هذه المصانع كونها كانت تعمل على الرّغم من الإقفال العام المقرر، من شهر كانون الثاني 2021 لغاية الأسبوع الأول من شهر شباط 2021، كون هذه المصانع مرتبطة بالتزامات يجب الوفاء بها لتجنّب الشّروط الجزائيّة. إلاّ أنّها كانت تعمل بعيدة من الأنظار، وقد سمحت لنا بإجراء الاستمارات مع التّقيد بالشّروط الوقائيّة تفاديًا للإصابة بفيروس كورونا.
وعليه، فقد أجريت ثلاث مقابلات مع أرباب العمل، وأجريت الاستمارة مع ثمانين عاملًا، يعملون في المنشآت الثلاث، وذلك من خلال اعتماد تقنيّة المسح الشّامل.
لقد كانت مرحلة تعبئة وإجراء الاستمارات صعبة جدًّا، نظرًا إلى الخطورة المرافقة لذلك من جراء انتشار فيروس كورونا، فضلًا عن الصّعوبة المتمثّلة في خوف العمال من إجراء المقابلات.
أمّا في ما يخص المعطيات، فقد تراوحت أعمار أرباب العمال الثّلاثة بين الخامسة والأربعين، والخامسة والخمسين سنة، وهم لبنانيو الجنسيّة، يحملون شهادات جامعيّة. وقد أوضح أرباب العمل تناقص عدد العمال بين عامي 2019 و2020، وقد جاءت المعطيات كالآتي:
الجدول رقم (2): عدد العمال بين عامي 2019-2020
عدد العمال | X | Y | Z | المجموع | |||
لبناني | أجنبي | لبناني | أجنبي | لبناني | أجنبي | ||
عدد العمال في العام 2019 | 33 | 7 | 35 | 15 | 30 | 20 | 140 |
عدد العمال في العام 2020 | 13 | 7 | 25 | 15 | 14 | 6 | 80 |
تناقص | 20 | — | 10 | — | 16 | -14 | 60 |
لقد أظهرت معطيات الجدول رقم (2)، تناقص عدد العمال ما بين عامي 2019 و2020 بنسبة 57%، وهي نسبة مرتفعة جدًّا. ويعود هذا التّناقص إلى الأوضاع الاقتصاديّة المتدهورة التي يشهدها لبنان منذ العام 2019، فضلًا عن تداعيات أزمة كورونا والإغلاق، وقد تسببت هذه الأخيرة في الإحجام عن الاستهلاك بشكل عام، في الوقت الذي وجّهت فيه أزمة كورونا جلّ اهتمامات الناس إلى نمط استهلاكيّ يتناسب مع متطلبات مواجهتها، فتصدرت المواد الاستهلاكيّة الخاصة بالنّظافة والطبابة غيرها من الاهتمامات، كما أنّ الأزمة الاقتصاديّة فرضت نفسها، فضمرت جراءها القدرة الشّرائيّة للمواطن اللبنانيّ، ولم يعد قادرًا على الاستمرار في النّمط الاستهلاكيّ التفاخريّ الذي كان سائدًا ما قبل العام 2019.
إنّ تراجع القدرة الشّرائيّة لدى المواطن اللبنانيّ، أدّى إلى ضمور الطلب على الموادّ الاستهلاكيّة، الأمر الذي انعكس على العمالة والتّشغيل، وقد ظهر ذلك واضحًا في معطيات الجدول الذي أظهر تناقصًا جاوز الـ57%، وهو نذير خطر ينعكس سلبًا على معدلات البطالة والفقر. وبحسب معطيات الاستمارة، فقد أرجع أرباب العمل سبب التّناقص في عدد العمال إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدّولار، فضلًا عن عدم قدرتهم على الحصول على مستحقّاتهم لدى زبائنهم والتّجار، ولقد كشفت معطيات الجدول رقم (2) حجم العمالة الأجنبيّة في هذه المنشآت، التي بلغت نسبتها 35% في العام 2020، وهي نسبة لا يُستهان بها في ظلّ المأزم الاقتصاديّ والصّحيّ، ويعدّ ذلك نذير خطر أيضًا على الواقع التّشغيليّ في لبنان مع استمرار أزمة التّوظيف في القطاع العام بعد موازنة العام 2019، واستفحال الأزمة الاقتصاديّة والصّحيّة في العام 2021. وبالتّالي فقد أشار أرباب العمال إلى الخطر الدّاهم جراء استمرار الأزمة الصّحيّة، إذ إنّ استمرار هذه الجائحة سيؤدي إلى الإقفال، وتفاديًا لذلك أكدّ أرباب العمل ضرورة فتح أسواق خارجيّة، لتفعيل الأنشطة الإنتاجيّة الدّاخليّة من خلال الإضافات التي يوفرها التّصدير.
لقد أوضح أرباب العمل العادات العمّالية الجديدة في بيئة العمل التي يتقدمها تخفيض ساعات العمل، وتغيير صيغة العمل ضمن مجموعات غير متقاربة، إذ أكّدوا على ضرورة العمل الذي يتناسب مع الوقاية من الإصابة بالمرض.
وكذلك فقد أشار أرباب العمل إلى انخفاض الإنتاجيّة بعد أزمة كورونا. وهذا يرجع إلى ضمور الطلب، وتراجع القدرة الشّرائيّة لدى المواطنين، ما أدّى إلى تناقص العمال وساعات العمل جراء ذلك، الأمر الذي يشير إلى المبنى النّظريّ للبحث من خلال تمظهر الأثر السّلبيّ لجائحة كورونا في الإنتاجيّة المادّيّة، فضلًا عن الأثر الذي أحدثته على الصّعيد الاجتماعيّ الذي ظهر من خلال تناقص عدد العمال بنسبة 57%.
الجدول رقم (3): سلبيّات أزمة كورونا من وجهة نظر أرباب العمل
السلبيات | التكرار |
بطالة | 3 |
ضعف الإنتاجية | 3 |
تدني الأجور | 3 |
بناء على معطيات الجدول رقم (3)، لقد أوضح أرباب العمل بعض سلبيات جائحة كورونا، كالبطالة وضعف الإنتاجيّة، وتدنيّ الأجور، وهي أمور متّصلة ببعضها، في حين لم يصرّح أحد من أرباب العمل عن مستوى الرّبح أثناء الأزمة الاقتصاديّة والصّحيّة، ما يعني أن الأرباح قد زادت نظرًا إلى تغيّر سعر الصّرف، وانخفاض الكلفة الإنتاجيّة. ففي المقابل تدنّت الأجور بدلًا من أن ترتفع، علمًا أن سعر الطاقة بقي مدعومًا من قبل الدّولة، والسّلع تباع بالدّولار الأميركيّ. وبناءً على ذلك نجد أنّ المنتج يحققّ ربحًا على الرّغم من انخفاض الإنتاجيّة، وعلى الرّغم من هذا الواقع تدنت الأجور، وتخلّت عن بعض العمال، وهذا ما شكل ربحًا غير محسوب لأرباب العمل. فالعامل الّذي كان يتقاضى خمسين ألف ليرة لبنانيّة قبل انهيار سعر الصّرف أي ما يعادل (33) ثلاثة وثلاثون دولارًا يوميًّا، ظلّ يتقاضى، بعد انهيار سعر الصّرف، الخمسين ألفًا التي باتت قيمتها لا تتعدى ستّة دولارات، وهنا يظهر الفرق الكبير بين المرحلتين، الأمر الذي يشكل عائدًا مادّيًّا إضافيًّا لأصحاب العمل. لقد أشار أرباب العمل الثّلاثة إلى أن أزمة كورونا ساعدت كثيرًا في لفت انتباههم للعمال من حيث تلبية حاجاتهم وتخفيف ساعات العمل، لكن ذلك يتناقض مع آليات الصّرف التي اعتُمدَت، كما يتناقض مع تناقص الأجور الذي صرح عنه أرباب العمل. ويؤشر هذا التّناقض على البناء النّظريّ للبحث الذي اعتمد مقاربة “ألتون مايو” أنّ المتغيّر المُهِّم في رفع الإنتاجيّة هو المستوى الجيّد من العلاقات الإنسانّية بين العمال أنفسهم، وبين العمال وأرباب العمل. وهنا لا بُدَّ من مقاربة جديدة تأخذ بالحسبان الأهداف التي يخطط لها أرباب العمل. وبما أنّ العامل الإنسانيّ لم يكن بارزًا ولافتًا في أداء أرباب العمل، فإنّ ذلك يدل على عقليّة التّرسمل التي اشتهر بها المنتج اللبنانيّ منذ عقود، والتي لم تتغيّر بعد، وهي العقليّة التّجاريّة النّاتجة عن متلازمة الاقتصاد اللبنانيّ منذ عقود، “الرّأسماليّة التّجاريّة الوسيطة”، التي كانت دائمًا تدفع إلى تحقيق الأرباح من دون النّظر إلى تمكين الإنتاجيّة واستدامتها. وهذا ما أثّر في تغيير وجهة الاقتصاد اللبنانيّ من اقتصاد يقوم على الإنتاج إلى اقتصاد ريعيّ.
لم تغيّر جائحة كورونا من نمط العلاقات الإنسانيّة السّائدة في المصنع اللبنانيّ من جهة أرباب العمل، ولم تتبلور جراءها بنية جديدة من العلاقات تحفظ العمل وتحفز الإنتاجيّة، وذلك بالنّظر إلى ما صرح به أرباب العمل. ومن هنا نجد أنّ الفرضيّة القائمة على تمظهر بنية جديدة لمنظومة العلاقات الإنسانيّة ربّما هي بحاجة إلى مقاربة جديدة، ولعلّ الأكثر فاعليّة من ذلك نشاط العمال، وشعورهم بفقدان العمل، وكيف يحافظون على ما هو متوفر، الأمر الذي سيتوضح تباعًا.
لقد صرّح أرباب العمل عن ضرورة التّعاون مع العمال، وحفظهم والشّعور بمعاناتهم، وهو أمر يؤدّي ومن وجهة نظرهم إلى الاستدامة في الإنتاجيّة المادّيّة والإنسانيّة، لكن ما يدحض ذلك هو تناقص العمال والأجر في آن واحد. ولو كان أرباب العمل يهتمّون بأمر العاملين، لما سمحوا بهذا التّناقص الذي لا يؤشّر مطلقًا على بناء متين من العلاقات الإنسانيّة. لقد حقّق انهيار قيمة صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدّولار الأمريكي كسبًا مادّيًّا كبيرًا لأرباب العمل، فبدل تقاسم هذا الكسب، نجد أنّ أرباب العمل تخلّوا عن جزء من العمّال فضلًا عن تخفيض أجور الباقين. وفي ما خصّ المتغيّر الأساسيّ في العمليّة الإنتاجيّة، وهو متغيّر عناصر العمل من رأس مال وعمال، فإنّ فاعليّة هذا المتغيّر تتحقّق من خلال التّكامل الهادف إلى خلق منفعة مادّيّة وبالتاليّ اجتماعيّة. إنّ لكل تقنيّة، سواء أكانت قديمة أم حديثة تأثيرها الاجتماعيّ، وبحسب “آلان تورين” “نظام تقنيّ أي اجتماعيّ، والنّظام التّقنيّ بيئة خلقها الإنسان”([13]). وعلى ذلك، يكون المتغيّر الأكثر أهمّيّة في عناصر العمل هو الإنسان أي العامل، كون التقنيّة هي أداة صامتة وغير عاقلة، ولا يمكنها بناء متغيّر إنسانيّ من دون وجود العامل وزمرة العمل. وقد أفضت بعض الدّراسات التّجريبيّة إلى أنّ “هناك ارتباطًا وتساندًا وظيفيًّا بين التّنظيم الفنّيّ والتّنظيم الإنسانيّ”([14]). وعلى ذلك، تلي معطيات المتغيّر الإنسانيّ الخاصّ بالقوى العاملة في المصانع الثلاث.
جدول رقم (4): العمر
الفئة العمرية | التكرار | النسبة |
16-25 | 21 | 26.25% |
26-35 | 32 | 40% |
36-45 | 22 | 27.5% |
46-55 | 5 | 6.25% |
المجموع | 80 | 100% |
تفيد معطيات الجدول رقم (4) بالفئات العمريّة للعمال، وقد ظهر أنّ الفئة الغالبة تلك الواقعة ما بين (26-35)، التي بلغت 40%، فضلًا عن وجود 26.25% بين (16-25)، ما يدلّ إلى أنّ أكثريّة العمال ينتمون إلى فئة الشّباب، وهي الفئة الأكثر قدرة وإنتاجيّة، وتباعًا بالمقارنة مع معطيات الزّواج والعزوبة، نجد أن نسبة المتزوجين بلغت 43% مقابل 54% من العازبين، وعلى الرّغم من أن فئة العازبين أكبر إلا أنّ فئة المتزوّجين البالغة 43% تعكس الثقل المعيشيّ لدى القوى العاملة، وذلك إذا ما تمّت مقارنته بتناقص الرّاتب الذي صرّح عنه أرباب العمل.
وبالنسبة إلى معطيات حجم الأسرة، فقد أوضحت معطيات الاستمارة أنّ أكثرية المتزوّجين لديهم من ولد واحد إلى ثلاثة أولاد، ما يدلّ على صغر حجم الأسرة، وذلك بالنّظر إلى الهموم المعيشيّة التي لم يعد اللبنانيّ قادرًا على مواجهتها.
جدول رقم (5): المستوى التعليميّ للعمال
المستوى التعليمي | التكرار | النسبة % |
أمي | 3 | 3.75% |
ملم | 3 | 3.75% |
ابتدائي | 9 | 11.25% |
متوسط | 18 | 22.5% |
ثانوي | 22 | 27.5% |
جامعي | 25 | 31.25% |
المجموع | 80 | 100% |
تبيّن معطيات الجدول رقم (5) بروز فئة الجامعيين في مجمل القوى العاملة. فالأكثريّة من فئة الشّباب وهم من الجامعيين، وبذلك نكون بصدد موارد بشريّة يجب الحفاظ عليها، والعمل على إقامة ورش التّدريب والتأهيل بشكل مستمر بما يؤمن استمراريّة العمل بالجودة المطلوبة. ومن ناحية أخرى أظهرت معطيات الاستمارة أنّ أكثرية القوى العاملة، بدأت العمل لأول مرة منذ ما بعد العام 2015. لذا، تتمظهر القوى العاملة بشكل متعلّم، ويافع، وحديث البَدء بالعمل، وهي معطيات يمكن البناء عليها في سبيل تحقيق إنتاجيّة تتوافق مع الأهداف الموضوعة، وذلك إذا ما أردنا تمكين القوى العاملة من حقوقها ووجودها الإنسانيّ.
الجدول رقم (6): كفاية الأجر
كفاية الأجر | التكرار | النسبة |
كاف | 22 | 27.5% |
غير كاف | 58 | 72.5% |
المجموع | 80 | 100% |
تشير معطيات الجدول رقم (6) إلى أن الأغلبية البالغة 72.5% تعدّ أن الأجر غير كافٍ لسداد الحاجات، ويتقاطع ذلك مع تصريح أرباب العمل لجهة تناقص الأجر وعدد الساعات، وهذا ما يدلّ على أنّ تناقص عدد ساعات العمل لم يكن تجاوبًّا لمواجهة أزمة كورونا، بل كان هذا التناقص متبوعًا بتناقص الأجر، الأمر الذي ولّد لدى القوى العاملة القدرة على التّصريح بعدم كفاية الأجر. ولعلّ النسبة الثّانيّة التي عدّت أنّ الأجر كافٍ، فإنّها قد تعود لفئة العازبين. فالأجر هو “الجزاء على العمل”([15]). فإن كان الجزاء على العمل لا يتوافق مع الجهد المبذول لم يعد أجرًا، ويذهب بنا الحال إلى مسميات أخرى كالسّخرة وغيرها، وربما ذلك يؤسّس لوعي لم يعد منظورًا، وهو الوعيّ النّقابيّ والمطلبيّ، وهذا ما دفع الأكثرية إلى التّصريح بأنّ الأجر لم يعد كافيًّا لسداد الحاجات. والأجور، في نظر ماركس، “كمّ معين من النقد الموضوع لقاء كمّيّة معيّنة من العمل”([16]). فإنّ كان النقد لا يساوي العمل، فإنّنا بصدد مسمّى جديد غير مسمّى الأجر.
جدول رقم (7): الرّضا عن العمل
الرّضا عن العمل | التكرار | النسبة % |
راض | 71 | 88.75 |
غير راض | 9 | 11.25 |
المجموع | 80 | 100% |
لقد أظهر العمال وبشكل لافت متغيّر الرّضا عن العمل، فالرّضا عن العمل، أو الرّضا في العمل مفهوم معقّد، قد يتمظهر في سلوكات معيّنة، إذ يمكن ملاحظته في السّلوك أو في الأداء وقد يظهر فتورًا، أو ابتعادًا، أو عدم اهتمام، فالأجواء التّشاركيّة في بيئة المصنع تعكس جوًّا من الرّضا، إلا أنّنا هنا بصدد نوع جديد من الرّضا، فأكثريّة القوى العاملة هم من فئة الشّباب المتعلّمين، وجزء كبير منهم من المتزوّجين ولديهم أولاد، وقد صرّح أكثر من 72% منهم عن عدم كفاية الأجر، في حين نجد أنّ هناك أكثر من 88 ٪ راضون عن العمل. وبناءً على ذلك نجد تناقضًا في المعطيات، قد يقودنا إلى الدّافع الذي جعل العمّال يصرّحون عن رضاهم عن العمل. وإذا ما تمّت المقارنة بمعطيات أرباب العمل الذين صرّحوا بتناقص عدد العمال، وبنسبة بلغت 57%، فإنّنا قد نجد في هذه النّسبة الدّافع إلى التّصريح بهذا الكمّ من الرّضا.
وبحسب نانسي موريس يكون الرّضا “الفرق بين ما نرغب فيه وما نتلقاه”([17]). فالمساحة الفاصلة بين الرغبة والواقع تفسّر تصريح العمال بالرّضا. فالرغبة هي البقاء في العمل، والمزيد من الإنتاجية المادّيّة والاجتماعيّة، في الوقت الذي يُظهر فيه الواقع أزمة اقتصاديّة وصحيّة دفعت أرباب العمل إلى التخلّي عن العمال بنسبة 57%، كما دفعتهم إلى تخفيض ساعات العمل، فضلًا عن تخفيض الأجور، وهنا نجد أنّ المتغيّر الأساسيّ الذي جعل العمال راضين هو الخوف من الصّرف، وهم على يقين بانعدام فرص العمل في لبنان، وخصوصًا بعد موازنة العام 2019، وعلى ذلك نجد تمظهرًا جديدًا لسلوك العمال يهدف إلى الاستمرار في العمل، وتأمين الحدّ الأدنى من العيش لهم ولعائلاتهم. ومن الممكن التنبؤ، في هذه الحال، بظهور بنيات اجتماعيّة جديدة تحكم بيئة العمل في المصنع اللبنانيّ، وقوام هذه البنيات التّعاون والتّكيف مع الواقع حتى يتغيّر. رورو
وتباعًا، نجد أن هناك 69% من العاملين قد صرحوا بعدم وجود مكافآت في العمل، وهذا يؤكد أنّ عقلية التّاجر لا تزال مسيطرة على عقليّة المنتج، وهذا ما يفسّر النّمط الرّيعيّ الذي يسود، ويسيطر على الأنشطة الاقتصاديّة في لبنان.
جدول رقم (8): العلاقة مع أرباب العمل
العلاقة مع أرباب العمل | التكرار | النسبة% |
جيدة | 70 | 87.5% |
سيئة | 10 | 12.5% |
المجموع | 80 | 100% |
تؤكّد معطيات الجدول رقم (8) ما ورد في تحليل معطيات الجدول رقم (7)، وقد أصبح الخوف من الصّرف دافعًا للتّصريح عن بيئة إنسانيّة غير موجودة. وتعدّ العلاقات الإنسانيّة في بيئة العمل قائمة على “أساس النظرة إلى المنظمة، أو المصنع، أو المنشأة، أو المؤسسة الاجتماعيّة كمجتمع بشري له أمانيه، وطموحاته، ومشكلاته، واحتياجاته، وقيمه، واتجاهاته”([18]). فإن لم تكن بيئة العمل نمط إنسانيّ، يتوافق مع احتياجات جميع المكوّنات واتجاهاتها، فإنّنا نكون بصدد بيئة تجاريّة سرعان ما يكون التّسلط عنوانًا لها. وبالعودة إلى فرضيّة البحث نجد أن هناك تشكّلًا لبنى اجتماعيّة جديدة، وطارئة تبلورت من خلال التّكيّف مع الواقع، فعدم معارضة اتّجاهات أرباب العمل سببه الخوف من الصّرف، وبناءً على ذلك، فإنّ البنى الاجتماعيّة الجديدة التي يستند إليها استمرار العمل هي سلوك قنوع يؤديه العمال لا يظهر الاعتراض، ويهدف إلى الاستمرار في العمل على الرّغم من عدم كفاية الأجر.
الجدول رقم (9): تأثير العلاقة الجيّدة مع أرباب العمل في الإنتاجيّة
كيف تؤثر العلاقة الجيدة في الإنتاجية | التكرار | النسبة |
تزيد الأرباح | 70 | 87.5% |
لا جواب | 10 | 12.5% |
المجموع | 80 | 100% |
تظهر لنا معطيات الجدول رقم (9) توافقًا مع المعطيات السّابقة. ففيّ الجدول رقم (8)، صرّح عشرة عمال بعلاقة سيّئة مع أرباب العمل، وهنا امتنع أيضًا عشرة عمال عن الإجابة، لتكون إجابة أكثر من 87% أن العلاقة الجيّدة مع أرباب العمل تزيد من الأرباح، وهي إجابة لافتة، فهؤلاء هم الأكثريّة التي عدّت أنّ الأجر غير كافٍ لسداد حاجاتهم، وهي نفسها الأكثريّة التي صرحت بالرّضا، وهي نفسها التي أقرت بأنّ العلاقة الجيدة تفيد في زيادة أرباح المنشأة، لكن ما علاقة هذه الأكثريّة بزيادة الأرباح، فما تناله ليس سوى تناقص في أجورها في الوقت الّذي تعود فيه الأرباح إلى ربّ العمل. قد يكون هذا التّصريح تعبيرًا عن سوء حالهم، فالأجور تتناقص من جهة والأرباح تتزايد من جهة أخرى، ولا يطال العمال غير التناقص، وهكذا نكون إزاء تعبير عن رفض الواقع الذي يعيشه العمال بطريقة لا تعرضهم للصّرف من العمل.
الجدول رقم (10): تأثير العلاقة السيّئة مع أرباب العمل في الإنتاجيّة
كيف تؤثر العلاقة السيئة | التكرار | النسبة |
ضعف في الإنتاجية | 10 | 12.5% |
لا جواب | 70 | 87.5% |
المجموع | 8 |
تفسر معطيات الجداول نفسها بنفسها، إذ تتقاطع المعطيات في الجدولين رقم (9)، ورقم (10). في الجّدول رقم (9) صرح 87% عن زيادة الأرباح، وفي الجّدول رقم (10) امتنع 87% عن الإجابة، وبناءً على ذلك كان التّصريح، والامتناع عنه تقنية تؤشر على مفهوم التكيّف في العمل، وتدلّ على حرص العمال على عدم التّعرض للصّرف من العمل. وهكذا تتبلور البنى الاجتماعيّة الجديدة في بيئة العمل، ليكون الفاعلون هم العمال الذين يسعون بطرق شتّى إلى الحفاظ على ما تبقّى لهم في وطن انعدمت فيه الفرص.
الجدول رقم (11): علاقة العمال بعضهم ببعض
نوع العلاقة | التكرار | النسبة % |
جيدة | 77 | 96.25% |
سيئة | 3 | 3.75% |
المجموع | 80 | 100% |
تؤكّد معطيات الجدول رقم (11) أنّ العمال مترابطون إنسانيًّا بعضهم ببعض بشكل كبير وفي الاتجاهات الإنسانيّة والتّشغيليّة العديدة. وهذا ما أظهرته معطيات الاستمارة لجهة تأكيد العلاقة المتينة من خلال التّعاون بين العمال الّذي من شأنه تحقيق الإنتاجيّة المؤاتية، والملائمة لبيئة عمل جيّدة ومستدامة. ولعل ذلك يؤشر على منطلقات مدرسة العلاقات الإنسانيّة التي أسس لها “ألتون مايو” الذي يرى أنّ الانسجام في العمل، والتوافق داخل بيئة العمل يؤدّيان بالضّرورة إلى إنتاجيّة جيّدة. بيدَ أنّ “ألتون مايو” كان يقصد العلاقات الإنسانيّة التي تجمع بين المكونات الإنسانيّة المتعدّدة في المصنع من أرباب عمل وعمال، في حين نجد أن بيئة العمل الإنسانية في المصنع اللبنانيّ أثناء جائحة كورونا قد بلورت بعدًا مختلفًا عمّا أورده “ألتون مايو”. فبدل التّوافق بين المكونات المتعدّدة، نجد أنّ التّوافق المنتج في المصنع اللبنانيّ يكون فقط بين العمال أنفسهم، لأنّهم يدركون أن توافقهم وتكيّفهم يحفظ لهم مكانًا في العمل. فالعمال يتعاونون في سبيل تحقيق الإنتاجيّة التي تدر أرباحًا على ربّ العمل، وهم راضون عن العمل، وقد عدّوا أجورهم لا تكفي سداد احتياجاتهم، إلا أنّهم يجدون أمامهم المتغيّر الإنسانيّ ضامنًا لبقائهم في العمل، لذا تبلورت البنى الاجتماعيّة في بيئة المصنع اللبنانيّ على شكل تعاون، وتكيّف وتوافق بما يخلق المنفعة المادّيّة لربّ العمل، والمنفعة الاجتماعيّة للعمال.
ولقد صرّح العمال بنسبة 87.5% بعدم وجود مشاكل مع ربّ العمل، وبنسبة 12.5% بوجود مشاكل. ومن الغريب، واللافت أنّ هذه النِسب تتكرّر، وكأنّ وعيًا عماليًّا جديدًا يتبلور متأثرًا بما أحدثته جائحة كورونا والأزمة الاقتصاديّة في بيئة المصنع اللبنانيّ.
ونشير هنا إلى إمكانيّة هذا التّشكل لهذا النّوع من الوعيّ. وهذا ليس بالغريب على فئة أكثرها من المتعلّمين الذين يعرفون كيفيّة إدارة الرّفض، والرّضا في آنٍ معًا.
الجدول رقم (12): وجود مشكلات بين العمال
وجود مشكلات | التكرار | النسبة المئوية |
نعم | 2 | 2.5% |
لا | 78 | 97.5% |
المجموع | 80 | 100% |
تؤكّد معطيات الجدول رقم (12) تمظهر هذا النّوع الجديد من الوعيّ العماليّ، كما تؤكّد هذه المعطيات ما سبقها، وهكذا نكون إزاء بداية تبلور المجتمع الجديد للمصنع اللبنانيّ، وقد بدأ بالتشكّل استنادًا إلى وعي القوى العاملة.
الجدول رقم (13): العمل المنفرد أو الجماعي
العمل المنفرد أو الجماعي | التكرار | النسبة المئوية |
المنفرد | 10 | 12.5% |
الجماعي | 70 | 87.5% |
المجموع | 80 | 100% |
إن ما تظهره معطيات الجدول رقم (13) تتوافق تمامًا مع المعطيات السّابقة، ذلك أنّ وعيّ العمال لواقع الحال ولما أحدثته الأزمة الاقتصاديّة وأزمة كورونا، يدفعهم إلى التّعاون والعمل وفقًا لمنطلقات نظريّة إلى teams الفرق العماليّة (نظرية ألتون مايو) التي تتعاون في ما بينها في الاتجاهات الإنسانيّة عدّة، وهذا التّعاون بدوره يوفر الإنتاجيّة المادّيّة والاجتماعيّة في آن معًا.
الجدول رقم (14): أيّهما أفضل العلاقة مع ربّ العمل قبل أزمة كورونا أو العلاقة أثناء الأزمة
أيهما أفضل | التكرار | النسبة المئوية |
العلاقة قبل الأزمة | 79 | 98.75% |
العلاقة أثناء الأزمة | 1 | 1.25% |
المجموع | 80 | 100% |
تظهر معطيات الجدول رقم (14) أنّ العمال فضّلوا العلاقة القائمة مع أرباب العمل قبل أزمة كورونا على العلاقة الطارئة أثناء الأزمة. وهذا التّفضيل يقود إلى تفسير تناقص أعداد العمال، وإلى تفسير انخفاض الأجور، وكذلك إلى الخوف المستمر من الإجابة.
الجدول رقم (15): العادات الجديدة التي فرضتها أزمة كورونا
العادات الجديدة | التكرار | النسبة المئوية |
التقرب أكثر من الأسرة | 20 | 25% |
انعدام الحياة الاجتماعية خارج بيئة العمل | 25 | 31% |
تعزيز استخدام شبكات التواصل الاجتماعي | 35 | 44% |
المجموع | 80 | 100% |
لقد أظهرت معطيات الجدول رقم (15) العادات الاجتماعيّة الجديدة خارج بيئة العمل، تلك التي أحدثتها أزمة كورونا. فقد تعزز استخدام وسائل التّواصل، كما تقرّب العمال أكثر من أسرهم وفي الوقت نفسه تلاشت مظاهر الحياة الاجتماعيّة خارج بيئة العمل.
الحصيلة المعرفيّة
لقد كان اعتماد نظرية “ألتون مايو” ملائمًا للمبنى النّظريّ للبحث، في حين أبدت معطيات الواقع ضرورة تعديلها في ما خصّ اتّجاهات أرباب العمل، وتأكيد توافقها مع اتجاهات العمال. لقد أظهرت معطيات البحث تركزًا أكثر لطبيعة النشاط الإنتاجيّ الصّناعيّ في لبنان الذي لا يزال في دائرة قيم التّرسمل والربحيّة. فهو لم يقفز عن حاجز الأنشطة الرأسماليّة التّجاريّة الوسيطة التي طبعت نشاط المنتج اللبنانيّ بطابعها الربحيّ. وعلى ذلك تمظهر تأثير جائحة كورونا، إذ إنّها كرّست العقلية التّجاريّة للمنتج اللبنانيّ. وكذلك ظهر، وبشكل لافت، بداية تشكّل بنى اجتماعيّة تؤثر في سلوك العمال، وذلك من خلال بروز تعاون وتضافر عماليّ. قد تمكّن هذه البنى الاستمراريّة في العمل، والابتعاد من الصّرف التّعسفيّ وسط سوق تنعدم فيه فرص التّوظيف.
لقد تبلور وعي جديد اتّسمت به سلوكات القوى العاملة. وقد أسّس هذا الوعي بيئة جديدة في المصنع اللبنانيّ قوامها توفير الربحيّة لربّ العمل، وتأمين استمراريّة العمل والتّشغيل، على الرّغم من انخفاض الأجور، وتناقص عدد العاملين. وقد ظهر لافتًا تكيّف القوى العاملة مع الواقع في سبيل مواجهة الجائحة الصحّيّة. فالعمال مشدودون لبناء اجتماعيّ جديد قائم على التعاون، والتّكيّف من شأنه تحقيق الإنتاجيّة المادّيّة لأرباب العمل وحفظ التّشغيل لهم، على الرّغم من الشّروط القاسية التي يقبلها العمال بلطف بارز ولافت. فلقد صرّحوا حيث يجب التّصريح، وامتنعوا حيث يجب الامتناع، وبناءً على ذلك نكون إزاء مجتمع جديد تبلور متأثّرًا بجائحة كورونا. وقد سبق ذكر ما يتقنه هذا المجتمع، وما يحسنه في سبيل الاستمراريّة، واستدامة العمل. تلك هي سمات مجتمع المصنع اللبنانيّ الجديد.
المصادر والمراجع
- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت 2011.
- الأسكوا: أثر جائحة كوفيد-19 على توزيع الثروة والفقر في لبنان، الأمم المتحدة، بيروت 2020.
- برنار موتيز: سوسيولوجيا الصناعة، منشورات عويدات، ترجمة بهيج عثمان، مراجعة هنري زغيب، بيروت 1974.
- بيار أنصار: العلوم الإجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992.
- جوليان فروند: سوسيولوجيا ماكس فيبر ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت.
- شافا فرانكفورت ناشمياز ودافيد ناشمياز: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة ليلى الطويل، بترا للنشر والتوزيع، دمشق، 2004.
- كارل ماركس: راس المال، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي، بيروت 2013.
- محمد علي حمد: مجتمع المصنع، دراسة في علم اجتماع التنظيم، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب بالإسكندريّة، مصر 1973.
- محمد فتحي عكاشة: علم النفس الصناعي، مطبعة الجمهورية، مصر 1999.
مواقع إلكترونيّة
- worldbank.org
- org
- com
- gov.lb/IndustrialStatis
[2]– blogs.worldbank.org/ar/voices/covid19.
([4]) تكنيكال للزجاج والمرايا/ مصنع الرينغو/ مصنع الاتحاد – تصنيع كابلات.
([5]) أحد أهم رواد علم اجتماع العمل.
([6]) الأسكوا: أثر جائحة كوفيد-19 على توزيع الثروة والفقر في لبنان، الأمم المتحدة، بيروت 2020 ص 50.
([8]) جوليان فروند: سوسيولوجيا ماكس فيبر، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص 10.
([10]) بيار أنصار: العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، بيروت 1992، ص 129.
([11]) شافا فرانكفورت، ناشمياز، ودافيد ناشمياز: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة ليلى الطويل، بترا للنشر والتوزيع، دمشق 2004، ص 251.
([12]) industry.gov.lb/IndustrialStatistics/ دراسات – إحصائية – عن – القطاع – الصناعي.
([13]) برنار موتيز: سوسيولوجيا الصناعة، منشورات عويدات، ترجمة بهيج عثمان، مراجعة هنري زغيب، بيروت 1974، ص 110.
([14]) محمّد عليّ محمّد: مجتمع المصنع، دراسة في علم اجتماع التنظيم، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب بالإسكندريّة، مصر 1973، ص 14.
([15]) ابن منظور: لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت 2011، ص 58.
([16]) كارل ماركس: راس المال، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي، بيروت 2013، المجلد الأول، ص 657.
([17]) برنار موتير: سوسيولوجيا الصناعة، مصدر سبق ذكره، ص 47.
([18]) محمد فتحي عكاشة: علم النفس الصناعي، مطبعة الجمهورية، مصر 1999، ص 65.