الأزهر الشّريف في مواقفه الوحدويّة خلال العهد النّاصريّ (1952 – 1970)
رضا علي فاضل([1])
تتميّز المنطقة العربيّة باحتوائها لأقدم الحضارات الإنسانيّة، ومهبط الرّسالات السّماوية وآخرها الإسلام، الذي شكّلت له العروبة الحاضن اللغويّ والوعاء الجغرافيّ، لتكون الحضارة الإسلاميّة والعربيّة من أعظم الحضارات، التي خطّت للإنسانيّة سُبُل التقدّم والتطوّر والرقيّ، فتخطّت العروبة جغرافيتها بالقرآن لغة، وبالإسلام منهجًا، تقتدي به الأمم للتّحرر من العبوديّة والاستبداد والظلم، لترتقي إلى الحريّة والعدالة والمساواة والكمال الإنسانيّ. فالعرب أمّة تجمعها الجغرافيا واللغة، ولا تفرّقها حرّية المعتقد والدّين، ولا تختلف أو تتنازع مع غيرها من الأمم، إلاّ انطلاقًا من الحقوق المكتسبة والمشروعة لها.
لقد حملت الأمّة العربيّة منذ انطلاقتها الحضاريّة رسالة الإنسان، وقد أسهم الإنسان العربيّ في حمل الرّسالة وترسيخ الحضارة، وفتحت اللغة العربيّة آفاقًا في العلم والمعرفة، لتصبح لغة عالميّة يحتاجها كلّ عالم وكاتب ومفكّر وباحث، وليس كل من كتب في بناء هذا الصّرح الحضاريّ للإنسانيّة جمعاء بعيدًا من انتمائه العرقيّ أو الدّينيّ أو المذهبيّ، ليكون ذلك قد تجاوز السّدود وإن حدّتها الحدود.
أولاً: العلاقة بين الوحدة القومية والوحدة الإسلاميّة
يرتبط فهم جهود الأزهر في المواءمة بين القوميّة والإسلام عضويًّا بفهم الأهداف العامّة التي أعلنت عنها قيادة ثورة 23 يوليو منذ أيامها الأولى، وهي الاستقلال التّام، والمساواة في الحقوق والواجبات، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، ودور الأزهر في تحقيق رسالة الإسلام الحضاريّة والكونيّة في العهد النّاصريّ من خلال جهوده في التّوفيق بين العروبة والإسلام.
كان موضوع العلاقة بين العروبة والإسلام إشكاليًّا لدى كثير من المفكرين، فبعض المفكرين القوميين ذوي التوجّه الإسلاميّ أمثال عبد الرحمن الكواكبيّ، وعصمت سيف الدّولة وغيرهما، ربطوا العروبة بالإسلام وأقرّوا بأنّ الإسلام كان وسيلة العرب إلى الحضارة والرّفعة، وفي الطرف الآخر، نجد بعض المفكرين القوميين من ذوي الاتجاه اليساريّ، خصوصًا من فصلوا بين العروبة والإسلام وقالوا بعظمة العرب قبل الإسلام، ومن أبرز هؤلاء زكيّ الأرسوزي([2]).
- دور الأزهر في المواءمة بين الوحدتين العربيّة والإسلاميّة
من المواقف التي ترجمت رغبة جمال عبد النّاصر في المواءمة بين القوميّة والإسلام، قوانين إلغاء الوقف الأهليّ والمحاكم الشّرعيّة وإلحاقها بمؤسسات الدّولة، من أجل تأميم الشّأن الدّينيّ، والتّأثير على الاستقلاليّة الماديّة للمؤسسة الأزهريّة التي كانت تستفيد من القدرات الماديّة والرّمزيّة للأوقاف، إذ أصبحت بسبب القرارات الجديدة، تُوظّف لخدمة السياسة العامّة للسّلطة الحاكمة في إطار عملية التّعبئة الشّاملة ومحاولة اكتساب الشّرعيّة من خلال تمويل المشاريع الاجتماعيّة والاقتصاديّة بعائدات الوقف، ما أدى إلى الاصطدام بالقوى السياسيّة والدّينيّة التي دخلت في صراع طويل مع النّظام الجديد. أراد الرّئيس جمال عبد النّاصر من خلال القرارات المذكورة، الإمساك بقوّة بمقاليد الحكم، رافضًا كلّ أشكال الوصاية والتّدخل: “أنا عايز البلد تنتظم في هيئة سياسيّة واحدة، تمشي وراء أهداف واحدة، وبذلك نستطيع تحقيق أهداف الثّورة بسرعة وبلا منازعات أو اختلاف في الرّأي، أنا عايز البلد كلّها على رأي وفكر واحد هو فكر الثّورة”([3]) وأنّ الثورة “ثورة دينيّة” “مؤمنة ترمي إلى تطهير المبادئ الإسلاميّة من الأدران التي علقت بها أثناء عصور التّدهور والانحطاط اللّذين أصابا العالم الإسلاميّ من جرّاء الاستعمار” وهذا يلزم الذين استظلموا كلمة “ثورة الدّين” السكوت إن كانوا حقًّا مخلصين للدّين وللوطن”([4]).
- الوحدة التاريخيّة
عُدَّت النّاصرية ومن وجهة نظر اجتماعيّة وتاريخيّة أنّ الدّين رمز يجسّد الوجود الاجتماعيّ المستقلّ لكلّ جماعة ويميّزها من غيرها، وأنّ رسالة الإسلام إنّما أتت وفق التطوّر الاجتماعيّ للإنسانيّة وللمجتمعات في علاقتها بالأديان السّماويّة السابقة للإسلام، من العشيرة إلى القبيلة إلى الشّعب إلى الأمّة. والإسلام يختلف عن غيره في أنّه أوجد أمّة كاملة الكيان وهي أمّة الإسلام التي لم تكن ليكتمل تكوينها لولا رسالة الإسلام الحضاريّة. فالأمّة العربيّة بهذا الإطار مجتمع ذو حضارة مميّزة من شعب معيّن مستقرّ على أرض نتيجة تطوّر تاريخيّ مشترك([5]). هذا الوجود العربيّ كأمّة يمكن القول إنّه تحقّق سياسيًّا مع مجتمع المدينة في كونه أوّل مجتمع حقيقيّ أوجدته الرّسالة الجديدة التي نمت، وترعرعت في ظلّها الأمّة العربيّة لتصبح أمّة منطلقة نحو العالم الخارجيّن ومنفتحة على الثقافات والحضارات الأخرى. فانصهرت واختلطت ببعضها وساعدتها على اكتمال أمميتها، بالتفاعل معها تفاعلًا حرًّا حتى أصبحت تلك الشّعوب متبنّية للعروبة والإسلام، وراحت تدافع عنهما في عين جالوت وفي الغزوات الصّليبيّة. هكذا تميّزت الأمة العربيّة عن الأمم والشّعوب الأخرى بلغتها، ووحدة أرضها التي امتدّت في مرحلة تاريخيّة معيّنة من حدود فارس وتركيا إلى إسبانيا وحدود فرنسا. وكانت العلاقة التّاريخيّة بين تلك الشّعوب علاقة “خاصّة” بالإسلام. علاقة جدليّة تفاعلت في ظلّها شعوب متعدّدة انتهت إلى تكوين شعب عربيّ واحد، ووطن عربيّ واحد.
فلم يكن الإسلام – في هذا السّياق – دينًا فحسب، بل ثورة اجتماعيّة ذات مضامين حضاريّة أسهمت في تحقيق علاقة عضويّة بين الإسلام والعروبة. لذا فمن غير الإنصاف الحديث عن الوجود القوميّ للأمّة العربيّة دون الإقرار بالمضمون الثّوريّ الاجتماعيّ للإسلام الذي هيّأ هذا الوجود([6]).
هذه النّظرة العضويّة بين العروبة والإسلام التي آمن بها معظم دعاة القوميّة في العهد الناصريّ، هي نفسها التي دافع عنها الأزهر، بدعوته إلى التأسيس للوحدة الوطنيّة المصريّة انطلاقًا من عناصرها الضروريّة في الإسلام، كالحثّ على تكوين القوّة المعنويّة، والمسؤوليّة الفرديّة والاجتماعيّة في الدّولة، ودور التربيّة الأخلاقيّة لغرس روح الوطنيّة والتّأكيد على أهمّية الطاقة الرّوحيّة الكبيرة التي يوفّرها الدّين للإنسان من دعائم الإخلاص والتّعاون والمساواة. هذه المبادئ – بالنّسبة إلى الأزهريين – هي التي عبّرت عنها ثورة مصر، “وهنا يسكت القلم وتنطق الأحداث ويحكم المنصفون”([7]). وفي هذا السّياق سعى الأزهر إلى التأكيد على الأسّس التّاريخيّة والأخلاقيّة للعرب قبل الإسلام (الصناديد، أبطال الفداء، شجعان يوم الزّحف، الأمجاد الكرام، الغرّ المحجلين، والأبطال الميامين)([8]) والتي بفضلها انصهروا في الأخلاق الإسلاميّة وتبنوها، حتى أصبحت العروبة قلب الإسلام، لأنّ “اللّه سبحانه وتعالى اختار لهذه الدّعوة أمّة العرب، وهو يقول في كتابه: ﴿…اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ…﴾([9]) في القوم أو في الأمّة أو في الفرد الذي يختاره من هذه الأمّة.
وقد اختار الله محمدًا(ص) للرّسالة الخاتمة واختار لها شبه الجزيرة العربيّة، واختار أمّة العرب واختار لها الزمان الخيِّر بعد أن حصفت الإنسانيّة، وبلغت رشدها فكانت خاتمة الرّسالات… أما اختيار العرب لهذه الرسالة فلا بدّ أنّ هناك أمرًا عظيمًا في العرب جعلهم جديرين بهذا الاختيار. وهكذا أخرج اللّه أمّة الإسلام من العرب” فهذّب أخلاقهم وأضاف إليها مكارم الإسلام وقيمه. ولأنّ وحدة الصّف ووحدة الكلمة واجب دينيّ وقوميّ: “نادت بها السّماء في كلّ الكتب المقدّسة، وأيّدها الأنبياء والرّسل في سلسلة بدأت بآدم وانتهت بابن عبد اللّه(ص) فالوحدة إذًا؛ ليست إلا “إيمان باللّه والضمير الحيّ الذي يُؤنّب المتأخّرين…” وهو كذلك واجب اجتماعيّ في الأسرة وفي القرية، وطريق نحو الاستقلال، فبها تكون “قوّة الوجود وتكون المعجزات”([10]). وفي مقابل صورة العربيّ، الكريم والشّجاع والقوميّ هناك صورة المستعمر، الفقير الجائع، والخزيّ، والمغتصب، وسخرية الوجود، وأعداء البشر، والخاسر وكيف لا والعرب صاموا عن الفرقة، التي ليست من طبعهم ولا في تاريخهم، بل بعثها المستعمرون في صفوفهم([11]). وكان من رواد دعاة هذه الوحدة العربيّة الإسلاميّة الشّيخ محمد أبو زهرة([12]) عضو مجمع البحوث الإسلاميّة الأسبق بالأزهر، وصاحب كتاب الوحدة الإسلاميّة الذي ألّفه تأكيدًا على ضرورة وحدة الأمّة ودور العرب المحوريّ في ذلك، حتى تخرج الأمّة من يُتمها والإسلام من غُربته “فأيّ غربة للإسلام أكثر من أن تتوزّع أقاليم الأرض أهله، ولا جامع يجمعهم وأن تمزّقهم الجنسيّة والعنصريّة، وأيّ غربة أشدّ من أن تحارب جماعة إسلاميّة أخرى من غير أيّ جريمة دينيّة، بل أيّ غربة للإسلام أقوى من أن يستنصر أمير مسلم بأعداء اللّه وأعداء الإسلام وينفي قول اللّه تعالى: ﴿اتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([13]) وأي غربة أشدّ من أن من يدعو إلى الوحدة الإسلاميّة تكون دعوته غريبة وصوته منكرًا كأنّه يهاجم الإسلام”([14]). ومن هذا المنطلق تُعدُّ الوحدة الإسلاميّة ضرورة إلهيّة والوحدة القوميّة ضرورة تاريخيّة، لكن لا يمكن الفصل بينهما لأنّهما متلاحمان ومتكاملان بالضّرورة، ويتجلّى ذلك أساسًا في عدّ الأزهر اللغة العربيّة إحدى المعطيات الأساسيّة لتوحيد الأمّة، وسبيلاً إلى توحيد السياسة والعسكر ومحو العنصريّة. لأنّ الإسلام في أصله دين الوحدة والتّوحيد والمساواة، وينظر إلى الإنسانيّة على أنّها وحدة متكاملة، وإلى العرب ابتداء على الدور المهم وهو: تبليغ الدّعوة، لأنّ النبيّ(ص) عربيّ والعرب هم حملة الرّسالة المحمديّة إلى النّاس خاصّة للأسباب الآتيّة:
– فالجزيرة العربيّة – مهبط الوحيّ ومهد النّبوّة – مثّلت أرض العرب الأولى.
– كون العرب أصلح النّاس وأكثرهم تهيئة لاستقبال الرّسالة الجديدة عقيدة وشريعة.
– عدم خضوع العرب عند نزول الوحي لظل طاعة الطغاة كما كان الحال عند غيرهم من الشّعوب، فضلاً عن بعدهم من رخاوة العيش ورغده، “جعل نفوسهم أقرب إلى الفطرة كالصفحة البيضاء صالحة لأن تخطّ فيها خطّوط العدل والمساواة والحريّة بكلّ ضروبها…”([15]). وإذا تمثلت نقاط الاتّفاق بين القوميّة والإسلام بالنسبة إلى الأزهر في اللغة والثقافة، فإنّ نقاط التمايز في نظره تتميّز بوحدة العقيدة الدّينيّة في الإسلام وسعة دائرة الجامعة الإسلاميّة عن دائرة الجامعة العربيّة. فالوحدة القوميّة تقوم على الانتماء إلى وضع تاريخيّ على قاعدة وحدة الأرض واللغة والتّاريخ، في حين تتأسّس الوحدة الإسلاميّة على مبادئ الشّورى في الحكم والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر انطلاقًا من شريعة ومنهاج معيّن، وإن كانت هذه وتلك تتقاطع بين الحين والآخر. وحسب هذا الاتجاه، فإنّ وحدة الثّقافة تمثّل بالنسبة إلى الأزهر عمادًا قويًّا لتحقيق الجامعة الإسلاميّة التي – في الوقت نفسه – تحمي القوميات وتحافظ على خصوصياتها “لا فرق في ذلك بين جماعيّ وشيعيّ ولا بين صينيّ وروسيّ وتركيّ”([16]). فالرّهان الكبير هو العمل على إنماء أصل وحدة الثقافة – الموجودة طبيعيًّا – في كلّ البلدان الإسلاميّة مهما اختلفت فيها الطوائف والمذاهب.
ج. الوحدة السياسيّة
إنّ رمزية الأزهر التّاريخيّة والدّينيّة، وإشعاره بدوره الرّسالي في تحقيق وحدة الأمّة جعلاه لا يكتفي في خطاباتها بالتأكيد على البعد الثّقافيّ والدّينيّ للوحدة فحسب، وإنما انخرط بقوّة في دعم الدّعوات الإصلاحية أيضًا لتحقيق الوحدة السياسيّة على قاعدة التّعارف الإسلاميّ ومن خلال تبادل الزّيارات بين أبناء الأقاليم الإسلاميّة للتعرّف عن قرب عمّا فيها من حضارات وثقافات إسلاميّة والسّابقة عليها “فإنّ كلّ أرض الإسلام ملك للمسلمين ولا يجوز أن يجهل إنسان أرضه، فإن جهل أرضه فقد سفه نفسه”([17]) وكذلك تعليم النّاشئة، وتربيتهم على معرفة إخوانهم في باقي بلدان العالم الإسلاميّ عبر المناهج التّربويّة؛ لأنّه من التّخاذل الإسلاميّ والعار أن “يدرس الطّالب المسلم جغرافية إنكلترا وفرنسا وأمريكا، وتاريخ هذه البلاد ولا يعرف تاريخ باكستان ولا أندونيسيا ولا تعدادهما([18]). على أنّ أنجع طريق عمليّ للتّعارف بين المسلمين حسب الأزهر هو استثمار مواسم الحج، والتّاريخ الإسلاميّ وآثار السّلف خير دليل على ذلك. ومن هذا المنطلق، طالب الأزهر القائمين على أعمال الحجّ وسدانته بالعمل على تمكين المسلمين من التعرّف بعضهم لبعض “فالفقهاء يجتمعون في ندوات يتدارس فيها الفقه الإسلاميّ، والاقتصاديّون يجتمعون في ندوات لدراسة الاقتصاد الإسلاميّ، والعمل على تنفيذ أحكام القرآن، وكذلك المهندسون والأطّباء، وبذلك يكون الحجّ طريقًا للتعارف والمعرفة كما كان البيت الحرام مثابة للناس وأمنًا”.
قد لا يجد الباحث صعوبة في إيجاد التّشابه بل، والتّماثل بين هذا التصوّر للحج ونظرة جمال عبد الناصر له كما ورد في كتابه فلسفة الثورة حيث يقول: “يجب أن تكون للحج قوّة سياسية ضخمة… بوصفه مؤتمرًا سياسيًّا دوريًّا يجتمع فيه كلّ قادة الدّول الإسلاميّة ورجال الرّأي فيها، وعلمائها في أنواع المعرفة كافة ، وكتّابها وملوك الصناعة فيها، وتجارها وشبابها، ليضعوا في هذا البرلمان الإسلامـيّ العالمي خطوطًا عريضة لسياسة بلادهم وتعاونها معها… وحين أسرح بخيالي إلى ثمانين مليونًا من المسلمين في أندونيسيا وخمسين مليونًا في الصّين وبضع ملايين في ملايو وسيام وبورما… وأكثر من مائة مليون في منطقة الشّرق الأوسط وملايين غيرهم في أرجاء الأرض المتباعدة، أخرج بإحساس كبير بالإمكانيّات الهائلة التي يمكن أن يحقّقها تعاون بين هؤلاء المسلمين جميعًا…”([19]). كما دعا الأزهر بهذا الصدد إلى ضرورة التزام الدّول العربيّة الإسلاميّة بسياسات رشيدة، من خلال التّحكّم وحسن التصرّف في ثروات الأمّة حتى تكون مستقلة، وحرّة من أدوات الاستغلال وآلات العمل…فنحن مسخّرون لهم، وما أبقونا إلا لهذه السّخرة، وأضعفونا وأمدّوا اليهود وغيرهم بالأسلحة التي يقتلوننا بها، وليمّكنوهم من الاستيلاء على الأرض المقدّسة، ويفتحوا لهم الطّريق إلى البيت الحرام والرّوضة الشّريفة الطّاهرة… لذا لا بدّ أن يكون لنا اقتصاد موحّد لينتفع المسلم بخيرات أرضه، ويذهب عنه رقّ الاستغلال بعد رقّ الاستعمار، ورقّ السخرة التي تجعلنا نحن المسلمين كأنّنا عبيد الأرض. ويربط الأزهر الوحدة – على غرار القوميين – ربطًا عضويًّا بالاستقلال وحتميّة المقاومة لمنع الأجنبيّ المستعمر من السّيطرة على خيرات العالم العربيّ والإسلاميّ: “إنّ الأجنبيّ يستولي على نفط الحجاز كلّه وعلى نفط الكويت كلّه وعلى نفط العراق كلّه، وعلى نفط إيران كلّه، ولا يعطي أهل البلاد إلا القليل، ويجعل له أصدقاء ممّن يطوّعون أنفسهم لصداقته، ويؤثرونه على قومهم ولا يؤثرون قومهم ودينهم عليه… وإنّه لمن المؤسف حقًّا وصُدقًا أنّ مدخرات الدّول المنتجة للنفط ترسل إلى المصارف الأوروبيّة وتختزن في خزائنها”([20]). هذا الإعلان فيه تنديد للاستقواء بالخارج من أجل نهب ثروات الأمّة تحت ستار التّعاون والاتّفاقيات الدّوليّة.
ثانيًا: الأزهر والعلاقات العربيّة والإسلاميّة
- الوحدة الإسلاميّة
الوحدة الإسلاميّة والعربيّة عبّرتا عن هدف أيديولوجيّ وزمنيّ حتميّ في العهد النّاصريّ، ترجمتها القرارات السياسيّة وفرضتها المتغيّرات الإقليميّة والدّوليّة. فالوحدة السياسيّة للبناء الدّاخلي، والإقليمي لم تكن من منظور الناصريّة منفصلة عن الوحدة الدّينيّة والثقافيّة والفكريّة. ما استوجب على الدّولة تسخير كلّ جهودها لتحقيق هذا الهدف المنشود والاستراتيجيّ في سياسة مصر عامّة والخارجيّة خاصّة، وتطوير آفاق البحث في الوحدة، بإشراك خبراء السياسة والاجتماع والثقافة والدّين، نظرًا لطبيعة المرحلة التي كانت تمرّ بها، ونظرًا للتّحالفات التي ميّزت المرحلة، انطلاقًا من الصّراع مع الكيان الصّهيونيّ وما يستتبعه من نضال لتحرير فلسطين وبقيّة الأراضيّ العربيّة المحتلة، مرورًا بالتّصدّي للقوى الإقليميّة المعاديّة للفكر الوحدويّ، وصولاً إلى قيام الثّورة، والقوى الإسلاميّة المناهضة للإمبرياليّة والاستكبار العالميّ، على غرار حركات التّحرّر بإفريقيا وآسيا وخاصّة مقدمات الثورة الإيرانيّة التي عُدّت حدثًا إقليميًّا وبارزًا في النّصف الأخير من القرن العشرين. وفي هذا الإطار يأتي الحديث عن دور الأزهر في دعم السياسة الخارجيّة المصريّة والتي تمّيزت بالفكر الوحدويّ على الصّعيد العربيّ والإسلاميّ والإقليمي والدوليّ.
- حركات التّحرّر العربيّة والإسلاميّة
على الرّغم من أنّ المؤسّسة الفقهيّة السنيّة الرّسمية عمومًا، تنظر إلى الثورة والخروج على الحاكم بشيء من الريبة والتحفظ، وذلك باستنادها إلى تراث فقهيّ متراكم لا يدعم فكرة الثّورة، فضلاً عن موقفها الاستسلاميّ تجاه السّلطان، فإنّ ذلك لم يمنع الأزهر من مساندة الثّورات العربيّة والإسلاميّة كما كان الحال في ثورة الجزائر، وذلك مسايرة لسياسة مصر الخارجيّة آنذاك التي كانت تناهض فيما عدّته الأنظمة الرّجعيّة والحليفة للاستعمار. فعلماء الأزهر كانوا يستشعرون مثلاً الصعوبات التي كان يعيشها إخوانهم في إيران جرّاء طغيان الشّاه وظلمه، إذ عدُّوا أنّ الأمّة جسد واحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر. هذا الموقف جعل الأزهر يقف مع علماء الشّيعة المناهضين لنظام الشاه جنبًا إلى جنب، ويساندهم بلا هوادة وهم في غمرة الاضطهاد والتّعذيب. في هذا السّياق، فقد نشرت مجلة منبر الإسلام في عددها الرّابع، السنة 21، أيلول (سبتمبر) 1963 نصًّا للشّيخ محمد محمد المدنيّ بعنوان “هدية إلى علماء إيران وهم في غمرة الاضطهاد من الشّاه” افتتحها بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾([21])، مشيرًا إلى أنّ مساندة الأزهر للثورة الإيرانيّة تدخل في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في الدّين لأنّهما ركنان أساسيان في حياة الأمم، ولا بدّ منهما في استقرارها واستمرارها، كما أنّهما من شيم العلماء العارفين: “الذين استودعهم الله أمانته وأوجب عليهم بيانها وتبليغها”([22]) والتّفاني والصبر من أجلها. وثمّن دور علماء إيران في الثورة ونضالهم: “ولقد ضرب لنا إخواننا علماء إيران في هذا العصر مثلًا من الجهاد في سبيل الله والبيان لما بيّنه كتاب الله، حين وقفوا لذلك الشّاه الطّاغيّة وقفة بطوليّة يبعثها الإيمان باللّه، والثقة بوعده لكي يبصروا بما في أعماله من ظلم وإفساد، ولكي يردّوه إلى الطريق السويّ…ولم يقفوا أمام الطغيان والبغيّ مبلسين أو مذهولين أو متعاكسين، وإنّي لأسوق إليهم هديّة ثمينة من تاريخ سلفنا الصالح… وهذه الهدية هي التي يجب أن يقرأها شاه إيران ومن على شاكلة الشّاه، وأن يجعلوها مفتاح تبصّرهم، وتوعيتهم وسبيل صلاحهم واستقرار شؤونهم وإنّا لنجد فيها إدراكًا عميقًا”([23]). يفهم ممّا سبق أنّ الأزهر في العهد الناصريّ، اضطلع بدور كبير في قيادة الحركة الوطنية المصريّة والعربيّة، وكان يسعى في أغلب الأحيان إلى إرساء إسلام إصلاحيّ، استنادًا إلى تراث فقهيّ لم يكن دائمًا مستقلًا عن السياسيّ والاجتماعيّ، كما أنّ موقفه من فكرة الثّورة، أو الخروج على الحاكم والسّلطان كان متقلّبًا وغير مستقرّ، بل عدَّ الأزهر في بعض مراحله التّاريخيّة الخروج على السّلطان من دون حجّة فتنة وجلبًا للمفسدة للأمّة، كما كان الحال مع الإخوان في صراعهم مع جمال عبد النّاصر. إنّ حرص الأزهر الشّديد للحفاظ على وحدة الأمّة؛ جعله يقف سدًّا منيعًا أمام محاولات الفرقة والمذهبيّة والطائفيّة داعيًا إلى الاعتماد على المبادئ الكليّة للشّريعة الإسلاميّة كمصدر أساسيّ للتشريع؛ وضمان حقوق أتباع الدّيانات الأخرى في الاحتكام إلى شرائعهم الدّينية. على ضوء هذا البعد الوحديّ الإسلاميّ، فتح الأزهر باب الحوار مع الطّوائف والمذاهب الإسلاميّة الأخرى من خلال دار التّقريب التي يمكن القول إنّها استندت إلى خبرة تاريخية فريدة أبرزت أهميته وقيمته، وكشفت في أبعادها وجوانبها، عن وعيّ استراتيجيّ يفضي إلى القول إنّ جماعة التّقريب في ما وعته وقدّرته ورسمته، قد وُفّقت في تقديم بعض أفضل المصاديق على صحّة خيارها الاستراتيجيّ، ودقّة تقديرها لإحدى ضرورات الاستنهاض والقوّة المهمّة في الأمّة، وهي الدّفع في اتجاه التّقريب بين مذاهبها، والتّطلّع إلى وحدتها على قاعدة التنوّع واستدراك الآتي من الاستحقاقات الدّاهمة، وأخطار التفكيك والتفتيت والفتنة وملء فراغ تقاربي، وتقريبي بين جناحي الأمّة استمرّ لأكثر من ربع قرن بثاقب نظرة جماعة التقريب وإخلاص جهودها. كما قام الأزهر بتوعية الشّعب بواجبه نحو وطنه، والدّعاية للمشروعات الإصلاحيّة وتوجيه الثقافة توجيهاً بناءًّا لخدمة المواطنين، ودعم نهضة البلاد وخطة التنمية. وللأزهر دور كبير في رفع الرّوح المعنويّة عند الجنود، وفي حث الجمهور على التّبرع عند الضرورة لتسليح الجيش، وعلى الجهاد والتّضحية عند الأزمات كما حدث في حربي 1956 و1967 في العهد النّاصريّ.
- القضية الفلسطينية
بدأت جهود الأزهر الشريف في دعم قضية فلسطين والقدس الشريفة، منذ هبّة البراق في العام 1929م، وأخذت هذه الجهود تتنامى في دعم انتفاضة العام 1936م([24]) إذ خرج شيوخ الأزهر وعلماؤه وطلابه يتنادون بنصرة عرب فلسطين، وبرز دور الأزهر في الدّعوة إلى الجهاد الذي بات واجبًا على كل مسلم لتحرير فلسطين بعد إعلان قيام “كيان إسرائيل” في العام 1948م؛ حيث عقدت المؤتمرات الإسلاميّة بالأزهر، وصدرت عنها التّوصيات الدّاعية إلى الوحدة الإسلاميّة والحفاظ على المقدسات الإسلاميّة والمسيحية([25]). ومن التوصيات المهمّة التي صدرت عن مؤتمرات مجمع البحوث الإسلاميّة بالأزهر بشأن فلسطين، إنّ قضية فلسطين هي قضية العرب، والمسلمين جميعًا لارتباطها الوثيق بدينهم وتاريخهم وتراثهم، وإنّ الدّفاع عنها والعمل على تحريرها فَرْضٌ على كل مسلم، وإنّ أسباب وجوب الجهاد التي حدّدها القرآن الكريم، قد أصبحت كلها متوافرة بسبب العدوان الإسرائيليّ، وانتهاك حرمات الدّين في أقدس شعائرها وأماكنها، كما أهابت التّوصيات بالمسلمين في كل مكان بألاّ يغفلوا لحظة عن واجبهم الدّيني في تخليص بيت المقدس وسائر الأراضي المحتلة. يجد الباحث صعوبة في الفصل بين البعدين الدّينيّ والقومـيّ للقضيّة الفلسطينيّة بالنسبة إلى الخطاب الأزهري، بوصف العلاقة العضويّة بين البعدين، وبوصف الصّبغة العالميّة التي يتمتّع بها الأزهر في العالمين العربيّ والإسلامـيّ، لكن ذلك لا يعنـي عدم تركيز هذا الخطاب على أهمّية الوحدة العربيّة في تحرير فلسطين، وخروج الدّول العربيّة كلّها من الاستعمار وذيوله، بل كان الأزهر يرى أنّ البعدين متكاملين وأنْ لا قيام لأحدهما من دون الآخر لأنّ “العروبة وعاء الإسلام” ولأنّ المعركة مع “إسرائيل” معركة بقاء أو فناء لكلّ الدّول العربيّة والإسلاميّة([26]). ولأنّ الدّعوة للدّفاع عن فلسطين موجّهة من علماء جامع الأزهر الشّريف “إلى أبناء العروبة والإسلام”([27]). انطلاقًا من دوره التّاريخيّ الرّياديّ في تحقيق الوحدة العربيّة والحفاظ عليها، كان الأزهر يتابع القضيّة الفلسطينيّة عن كثب، وقد برز ذلك جليًا منذ قرار التّقسيم، الذي عدَّه الأزهريون حدثًا مفصليًّا وجللًا في تاريخ المنطقة السياسيّ والاجتماعيّ، لأنّ قرار التّقسيم حسب رأيهم، عبّر من دون شكّ عن: “عوامل البغيّ والطّغيان على فلسطين” وأنّ ميثاق الأمم المتحدة الذي زعموه سبيلًا للعدل والإنصاف إن هو “إلا تنظيم للظلم والطّغيان”([28]). كما أن الحرص والتّنبيه إلى خطورة مشروع التجزئة والتقسيم الذي يستهدف المنطقة، جعل الأزهر واعيّا بخلفيات قيام دولة “إسرائيل” وخطرها على الوحدة العربيّة. وكان ذلك واضحًا في تنديده للدّور البريطانـيّ والأمريكيّ، وبعض الدّول العربيّة المتواطئة في إعلان “الكيان الإسرائيلي” سنة 1948، إذ عدّه الأزهر محاولات القوى العظمى بالضغط على الدّول العربيّة والإسلاميّة للاعتراف بـ “إسرائيل”، خطرًا عظيمًا على البلاد العربيّة والإسلاميّة “خاصّة فلسطين الشّهيدة التي سلمتها هذه الدّول الاستعمارية إلى الصّهيونيّة الباغية نكاية في الإسلام وأهله، وسعيًا لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلاميّة لتكون متكئًا لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم…”([29]).
- التّقريب بين المذاهب
ظهر ما بين النصف الثاني من القرن التّاسع عشر، والنّصف الأول من القرن العشرين، في ساحة المسلمين مفهومان أساسيان لهما علاقة بمجال وحدة المسلمين، وهما مفهوم الجامعة الإسلاميّة، ومفهوم التّقريب بين المذاهب الذي كان المفهوم الأبرز تحديدًا في النّصف الأول من القرن العشرين. ولئن جاء المفهوم الأوّل بسبب التّحدّي الخارجيّ، فإنّ المفهوم الثاني نشأ ردًّا على التّحدّي الدّاخليّ؛ تحدّي الفرقة والطائفيّة والانشقاق. لكن ذلك لا يمنع من القول: نّ التقريب إنّما كان امتدادًا لمفهوم الجامعة الإسلاميّة، واستمرارًا للنّهج الفكريّ الإصلاحيّ الذي عبر عنه روّاد دعاة الجامعة الإسلاميّة، على غرار الأفغانيّ ومحمد عبده وغيرهما. فالشّيخ محمد تقي القميّ السّكرتير العام الأسبق لجماعة التقريب حينما وصل إلى القاهرة([30]) أول مرة العام 1938م، واتّصل بعلماء الأزهر آنذاك، الذين كانوا إمّا من تلامذة الشّيخ محمد عبده، وإمّا من المتأثرين به والمنتمين لمدرسته الفكرية، أراد بهذه الخطوة أن يستعيد، ويستكمل الدّور الذي نهض به الأفغانيّ من قبل، حينما التقى بالقاهرة لأول مرة العام 1869م، بالشّيخ محمد عبده وبعلماء الأزهر آنذاك، ومنها كانت انطلاقة حركته الإصلاحيّة، التي عُرِفت في ما بعد بمدرسة الجامعة الإسلاميّة. لم تكن هذه الذاكرة التّاريخيّة بعيدة أو غائبة من إدراك دعاة التّقريب في كلّ من الأزهر الشريف، ومدينة قمّ والنّجف الأشرف، بدليل أنّ معظم أو جميع الذين سلكوا نهج الدّفاع عن وحدة الأمة، ونبذوا أشكال التعصب والتفرقة والتباعد بين المسلمين كافة ، كانوا يتّخذون من نموذج الجامعة الإسلاميّة – التي دعا إليها الأفغانيّ والمقتدين به- نهجًا ومسلكًا للعمل التّقريبيّ. وفي هذا الإطار أفرزت جهود الشّيخ القميّ وغيره من علماء الشّيعة في النجف، وقم ولبنان وعلماء السُنّة بالأزهر عن تأسيس دار التقريب، والتي أخذت صدى كبيرًا في السّتينيات من خلال زيارات كلّ من محمد حسين آل كاشف الغطاء النّجفيّ، ونواب صفوي والشيخ محمد جوّاد مغنيّة([31]) إلى مصر، مقابل زيارة شيوخ الأزهر إلى قمّ والنّجف على غرار الشّيخ الشّرباصيّ والشّيخ الحصريّ ومحمد أبو زهرة.
ويُذكر أنّ السّيد موسى الصدر([32]) رئيس المجلس الإسلامي الشيعيّ الأعلى في لبنان، ومؤسّس حركة المحرومين “أمل” قد زار مصر والتقى في خلالها بعدد من علماء الأزهر، كما زار مراقد آل البيت هناك([33])، كما أنّ نوّاب صفويّ على الرّغم من مناصرته للثورة بمصر، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من انتقاد سياسة جمال عبد النّاصر تجاه الإخوان الذين كان تربطه بهم علاقة أخويّة متينة، وذلك من باب الحرص على وحدة صفّ المسلمين والمحافظة على الحرّيات.
ما يعني أنّ التفاعل كان موجودًا بين الأزهر وعلماء الشيّعة في كلّ من إيران، والعراق ولبنان والعلاقة بينهم كانت متينة. وقد برز ذلك خلال مشاركة الشّيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلاميّة في القاهرة بدعوة من الأزهر، والمنعقد في 13/05/1965 إذ استقبله خلاله شيخ الأزهر حسن المأمون.
وعلى خطى الشّيخ محمد القميّ وغيره، كانت زيارة محمد جوّاد مغنية ولقاؤه مع الشّيخ محمود شلتوت، وحديثهما المستفيض عن الوحدة الإسلاميّة، فضلًا عن الجهود التي قام بها السّيد مرتضى الرّضويّ واتّصاله برموز الفكر والثّقافة والفقه بمصر([34]). هذه الجهود جعلت شيخ الأزهر محمود شلتوت يصدر فتوى بجواز التعبّد بمذهب الشّيعة الإماميّة قائلًا: “مذهب الجعفريّة المعروف بمذهب الشّيعة الإماميّة الإثيا عشريّة مذهب يجوز التّعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السّنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحقّ لمذاهب معيّنة، فما كان دين الله، وما كانت شريعته بتابع لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله…”وأرسل نسخة منها إلى السّكرتير العام لجماعة التّقريب الشّيخ القميّ ليضعها في أرشيف جماعة التّقريب وجاء فيها ما يلي: “فيسرّني أن أبعث إلى سماحتكم بصورة موقّع عليه بإمضائي من الفتوى التي أصدرتها في شأن جواز التعبّد بمذهب الشّيعة الإماميّة، راجيًا أن تجعلوها في سجلات دار التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة التي أسهمنا معكم في تأسيسها، وفّقنا اللّه لتحقيق رسالتها”([35]).
وقد أنتجت هذه المحاولات من كلا الطّرفين خطابًا تقريبيًّا فريدًا وعطاءً غزيرًا جسّدته مجلة “رسالة الإسلام” لسان حال دار التّقريب، والتي اتخذت من آية ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾([36]) شعارًا لها. وقد دامت مدّة صدورها أكثر من عقدين بدءًا من سنة 1949م إلى حدود سنة 1972م، وصدر منها ستون عددًا، وتولى إدارتها ثلاثة من الأسماء المصرية المعروفة التي ارتبطت بدار التّقريب، وهم: الشّيخ عبد العزيز عيسى، محمد محمد المدنيّ، وعلي السيد الجنديّ. ووجدت إلى جانب هؤلاء أسماء بارزة أخرى ارتبطت أسماؤهم بدار التّقريب شيعيّة وسنيّة على غرار الشّيخ محمد أبو زهرة، الشيخ أحمد حسن الباقوري، الشيخ محمد الغزاليّ، الشّيخ محمد عبد اللطيف دراز، الشّيخ عبد الوهاب خلاف، والشّيخ علي الخفيف وغيرهم كثيرون. وفي هذا الإطار جاء تأسيس دار التّقريب في القاهرة بمبادرات علماء الأزهر ومدينة قمّ في إيران، حيث وقع الاتّفاق على العمل على “إخراج الكتب العلميّة المتّفق عليها من الفريقين، السّنة والشيعة من أجل موسوعة أحاديث يرجع إليها العلماء من كلّ فريق كلّ بمصادره الخاصّة، ويتبادلون دراستها ودراسة المسائل الإسلاميّة على ضوئها”([37]). واختتمت المجلة تحقيقها بالدّعوة إلى التّمسّك بشعائر الإسلام الحقّة، ونبذ الفرقة والعصبيات التي تهدم كيان المسلمين([38]).
يستخلص ممّا سبق أنّ تجربة دار التّقريب بمصر في العهد النّاصريّ كانت من التجارب التقريبية المهمّة، التي ظهرت خلال القرن العشرين في مجال تحسين العلاقات بين المذاهب الإسلاميّة وإصلاحها وتطويرها، ومثلت في وقتها حدثًا تاريخيًّا لا يمكن تجاوزه وعدم الاكتراث به، لأنّه كان حدثًا يؤرخ له في ساحة الفكر الإسلاميّ المعاصر، من جهة تطور العلاقات بين مذاهب المسلمين. فالتّراث الذي أفرزته هذه التجربة لا يزال الفكر الإسلاميّ المعاصر بحاجة إلى العودة إليه، والاستلهام منه، والتّواصل معه، والبناء عليه.
- البعثات الأزهريّة
ومن أبرز النقاط التي وقعت الدّعوة إليها من قبل الأزهر لتنفيذ المقترحات، ومساعي الوحدة الإسلاميّة هي قضية وحدة السياسة الخارجيّة للدّول الإسلاميّة، تكون الأقاليم الإسلاميّة فيها “متّحدة في عداوتها وولائها” وحيث لا يكون خلاف سياسي تناوئ فيها دولة أخرى، ولا تدخل في اتّفاق سياسيّ منفردة. وذلك تمهيدًا للتحالفات حتى يكون جمع المسلمين جمعًا واحدًا وولائهم ولاءًا واحدًا للأسباب الآتيّة:
أوّلًا: لأنّ استقلال الدّولة الواحدة يكون منعدمًا في حلف تسيطر عليها القوى العظمى وتسيّره وتوجّهه، وفي هذا نقدُ من الأزهر لحلف بغداد الذي كُوّن بقرار بريطانيّ أمريكيّ، فأعداء الأمّة حينما أرادوا الإساءة إليها، أنشأوا حلفاً “سموه حلفًا إسلاميًّا، كان المقصود منه أن يجعل المسلمين جميعًا في قبضة الأمريكان الذين لا يرجون للإسلام وقارًا، وسياستهم ضدّ الإسلام على خطّ مستقيم”([39]).
ثانيًّا: لأنّ الأحلاف تجعل الجامعة الإسلاميّة تتعرّض للهجوم ممن كان الحلف ضدّهم([40]).
ثالثًّا: أنّ هذه الأحلاف تتناقض مع مبدأ الإسلام في تقرير أصول العلاقات بين المسلمين وغيرهم، وهو السّلم، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾([41]). لكنّ ذلك لا يعني انتفاء حقّ الدّفاع عن النّفس، الذي يُعدُّ من ثوابت وحدة السياسة الخارجيّة. فوحدة الجيوش للدّفاع عن الأراضي الإسلاميّة، وتزويدها بالوسائل الممكنة لتحقيق ضرورة وجوديّة بالنسبة إلى الأمة: “ولسنا نطلب ذلك ليكون من الجامعة الإسلاميّة اعتداء، بل هو لدفع الاعتداء والمحارب… فالاستعداد أنفى للاعتداء ويجعل المعتدي يتردّد فيه”([42]).
ولتدعيم الجهود السياسية الخارجيّة في سيرورة الوحدة القوميّة الإسلاميّة اضطلع الأزهر بدور محوريّ في تثبيت أواصر التّعاون العربيّ الإسلامي، والإفريقيّ عبر توطين العلاقة مع زعماء، وعلماء أفارقة على قرار مقدّم الطّرق التّيجانيّة في غرب إفريقيا الشّيخ إبراهيم نياس الذي نشرت له مجلة منبر الإسلام بعنوان “الإسلام” عبّر فيها الشيخ عن مبادئ الإسلام، وقيمه التضامنيّة وروحه النضاليّة ضدّ الاستعمار وأعداء الدّين، فهو بالنسبة إليه دين الوحدة، والعمل والعدالة والكفاح والجهاد. كما أشاد بدور جمال عبد النّاصر في تثبيت هذه القيم في الأمّة، راجيًا من اللّه له الثّبات لتحقيق “كلّ أمل للإسلام وللعرب ولإفريقيا”([43]). كانت الوحدة الإسلاميّة في هذه الحقبة التي تتّسم بتغيّرات إقليميّة، ودوليّة من المشاغل المهمّة التي اعتنى بها الأزهر، وربّما كان من أبرز الأسباب التي دعت علماء الأزهر إلى التّأليف والكتابة في هذا الشّأن، أشار إليه الشّيخ محمد أبو زهرة في آخر كتابه عن الوحدة الإسلاميّة أنّ دوافع تأليف الكتاب هو ما رآه: “من التّدابر بين المسلمين، حتى أنّه ينظر حكّام القوم من المسلمين إلى إخوانهم من المسلمين نظرة من لا يربطه به رابطة، ويؤثرون ولاء غير المسلم على ولاء المسلم.. ونجد هذا الفريق يوالي تلك الدّولة من أعداء اللّه والإيمان”([44]).
هكذا كانت نظرة الأزهر إلى الوحدة العربيّة والإسلاميّة في العهد النّاصريّ يتكاملان ويتعاضدان، فالشّعب العربيّ لم يستمع إلى نداء القوميّة إلا مقترنًا بهدفه التحرّريّ والوحدويّ والوطنيّ، ومن أجل الحفاظ على الحريّة ودفع العدوان، والإسلام بدوره حمى الأمّة العربيّة من التفكّك. فلا تناقض إذًا؛ بين الوحدة القوميّة والإسلاميّة بالنسبة إلى الأزهر في العهد النّاصريّ ما دامتا قائمتين على التصدّي للتجزئة، والسّعي والنضال من أجل الحريّة والاستقلال. ويؤكّد الشّيخ أحمد الزين([45]) إنّ الأزهر الشّريف اهتم كثيرًا بالوحدة الإسلاميّة، والتّقريب بين المذاهب كانت القضية الأبرز التي نالت من جهود شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، حيث كانوا يلتقون ويتدارسون ويدعون للوحدة الإسلاميّة والعربيّة وعدم التفريق.
بعض الاستنتاجات
وعليه يمكن التوقّف عند الاستنتاجات الآتية بناءً على ما تقدّم عرضه في السطور السّابقة:
- يعدُّ الأزهر من أقدم الجامعات العربيّة التي فتحت أبوابها على أوسع نطاق لتستقبل الطلاب من الخارج، ولتقدّم لهم العون والرّعاية، كما يقوم الأزهر بإيفاد الكثير من خريجيه إلى الخارج للقيام بالدّعوة الإسلاميّة ونشر الثقافة العربيّة في ربوع العالم الإسلاميّ. ولم يكن الأزهر معهدًا علميًّا فحسب بل كان مؤسسة حضارية، إذ إنه كان مصدر إشعاع فكريّ وثقافيّ، وقلعة حصينة للعروبة والإسلام.
- لم يقتصر دور الأزهر على خطب أو دروس تُلقى في المساجد، فحسب، بل تعدى ذلك إلى شتى مجالات الفكر والثقافة، والاجتماع والسياسة حيث ساند ثورة تموز (يوليو) 1952 بآفاقها الواسعة وميادينها المتعددة، واستجاب لها علماء الأزهر بكل ما لديهم من قوة وعلم تلبية لنداء الوطن، واستجابة لداعي الخير.
- مثّلت فكرة التّقريب عند الأزهر امتدادًا لفكرة الجامعة الإسلاميّة التي دعا إليها كلّ من الأفغانيّ، ومحمد عبده وغيرهما من دعاة الإصلاح الآخرين، كما جاءت بشكل أساسيّ استجابة لتحدّيين: داخليّ وتمثّل في تنامي ظواهر التّعصب، والتّفرقة والتّباعد بين أتباع مذاهب المسلمين، وخارجيّ: تجلىّ في التّحدّي الغربيّ الذي كان يهدف إلى تفتيت الأمّة، وتمزيق كيان العالم الإسلامي تمهيدًا للسيطرة عليه، والتّحكم في ثرواته من خلال زرع الكيان الوظيفيّ.
- تبّنى الأزهر فقه السياسة الشّرعيّة في تعيين أشكال من الوحدة المسلكيّة والرّمزيّة، والنّفسيّة والمعياريّة الأخلاقيّة بين الأفراد والجماعات في الأمّة. ما يعنـي أنّ الفقه حينما يكون اجتهادًا في الرّأي وحرّيّة في الاتّباع قادر على أن يمثّل العامل الأساسيّ في توحيد الأمّة، لكن حينما يصبح مرتبطًا بسياسات السّلطان قد يصبح الجزء الأكبر منه سجالًا سياسيًا وأيديولوجيًّا.
- إنّ فهم الموقف الأزهريّ من القضيّة الفلسطينيّة في العهد النّاصريّ، يبقى مبتورًا من دون تناوله في ضوء سياسة جمال عبد الناصر وعلاقته بهذه المؤسسة؛ التي كانت علاقة تكامليّة قائمة على مبادئ الوحدة والقوميّة العربيّة، ومناهضة الاستعمار، وأذنابه من القوى الخارجيّة والدّاخليّة المتحالفة.
المصادر والمراجع
- إبراهيم نياس: (الإسلام)، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 168- 169.
- حامد المرسي تقي الدّين: (دعوة مخلصة للتقريب بين المذاهب الفقهيّة)، مرجع سابق، ص 313- 314.
- حسين محمد أحمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، الزهراء للإعلام العربيّ، مصر، ط1، 1985، ص 98.
- راينر برانر: التقريب بين المذاهب الإسلامية في القرن العشرين، ص 162.
- صالح الورداني: الشيعة في مصر من الإمام علي حتى الإمام الخميني، مكتبة مدبوليّ الصغير، القاهرة 1993، ط 1، ص 118.
- عايدة سليمة: مصر والقضية الفلسطينية، دار الفكر للدّراسات والنشر والتوزيع، القاهرة 1986، ط1، ص 116.
- عبد الحليم بلبع: (القرآن يضع الأسس لبناء الوطن)، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 91.
- عبد الله العزازي: (وحدة العرب دين)، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 56- 57.
- عصمت سيف الدولة: عن العروبة والإسلام، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، بيروت 1986، ص 131.
- مجموعة مؤلفين: فتاوى كبار علماء الأزهر حول تحرير فلسطين والأقصى الشّريف، دار اليسر، ط 1، القاهرة 2012، ص 178.
- محسن محمد صالح: القضية الفلسطينية جذورها التاريخيّة وتطوّراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات، بيروت 2012، ص47.
- محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، دار الرّائد العربيّ، بيروت، د.ت. ص 5-6.
- محمد غلاب: (الإسلام إصلاح وتنظيم)، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 68.
- محمد محمد المدني: (هدية إلى علماء إيران وهم في غمرة الاضطهاد من الشاه)، مجلة منبر الإسلام، عدد 4، السنة 21، ص 58- 60.
- محمد محمد المدني: الاشتراكيّة في ظلّ العقائد والعبادات والمثل الإسلاميّة، د.ت.، ص 7-8 و57.
[1] – طالب في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانيّةالآداب والعلوم الإنسانيّة، قسم التّاريخ.
([2]) عصمت سيف الدولة: عن العروبة والإسلام، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، بيروت 1986، ص 131.
([3]) حسين محمد أحمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، الزهراء للإعلام العربيّ، مصر، ط1، 1985، ص 98.
([4]) محمد غلاب: (الإسلام إصلاح وتنظيم) ، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 68.
([6]) عصمت سيف الدّولة، عن العروبة والإسلام، مركز دراسات الوحدة العربيّ، بيروت 1986، ط1، ص 72.
([7]) عبد الحليم بلبع: (القرآن يضع الأسس لبناء الوطن) ، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 91.
([8]) عبد الله العزازي: (وحدة العرب دين) ، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21 ديسمبر 1963، ص 56- 57.
([9]) قرآن كريم: سورة الأنعام، الجزء 8، آية 124.
([10]) محمد محمد المدني: الاشتراكيّة في ظلّ العقائد والعبادات والمثل الإسلاميّة ، د.ت.، ص 7-8 و57.
([11]) عبد اللّه العزازي: مرجع سابق، ص 56- 57.
([12]) الشيخ محمد أحمد مصطفى المعروف بأبي زهرة (1898-1974)، كاتب وعالم من كبار علماء الشّريعة الإسلاميّة والقانون في الأزهر الشّريف في عهده، عقد العديد من النّدوات والاجتماعات لمحاربة التّعدي على الشّريعة الإسلاميّة، وتولى منصب القضاء الشّرعي في المحاكم المصريّة، للشّيخ أبي زهرة العديد من المؤلفات في التفسير والسّيرة، وكان له صولات وجولات في مجمع البحوث الإسلاميّة والأزهر الشريف.
([13]) قرآن كريم: سورة المجادلة، الجزء27، آية 22.
([14]) محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، دار الرّائد العربيّ، بيروت، د.ت. ص 5-6.
([15]) محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، المرجع السابق، ص 29 – 30.
([16]) عصمت سيف الدولة: عن العروبة والإسلام، مرجع سابق، ص 272- 273.
([17]) محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، مرجع سابق، ص 279.
([19]) جمال عبد الناصر: فلسفة الثورة، مرجع سابق، ص 72- 73.
([20]) محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، مرجع سابق، ص 302.
([21]) قرآن كريم: سورة الأعراف، ج 9، الآية 164.
([22]) محمد محمد المدني: (هدية إلى علماء إيران وهم في غمرة الاضطهاد من الشاه)، مجلة منبر الإسلام، عدد 4، السنة 21، ص 58- 60.
([24]) محسن محمد صالح: القضية الفلسطينية جذورها التاريخيّة وتطوّراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات، بيروت 2012، ص47.
([25]) عايدة سليمة: مصر والقضية الفلسطينية، دار الفكر للدّراسات والنشر والتوزيع، القاهرة 1986، ط1، ص 116.
([26]) مجموعة مؤلفين: فتاوى كبار علماء الأزهر حول تحرير فلسطين والأقصى الشّريف، دار اليسر، ط 1، القاهرة 2012، ص 178.
([28]) المرجع نفسه ، ص 133- 134.
([29])مجموعة مؤلفين: فتاوى كبار علماء الأزهر حول تحرير فلسطين والأقصى الشّريف، مرجع سابق، ص 151- 152.
([30]) عبد الرحيم أباذري: الامام البروجردي آية الاخلاص، مرجع سابق، ص 101.
([31]) الشيخ محمد جواد مغنية من فقهاء الشّيعة في لبنان، ولد العام 1904 في صور جنوب لبنان، كان هاجسه الوحدة الوطنية والوحدة الإسلاميّة، في العام 1960 التقى بالشيخ محمد أبي زهرة بدمشق، وفي العام 1970 كانت له لقاءات في مصر مع الشيخ محمد الفحام والشيخ الشرباصي، واستضاف في مدينة قم الشيخ الحصري، وزار مصر سنة 1963 بهدف التقريب بين المذاهب الإسلاميّة وزار جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس ودار الكتب، والتقى الشيخ محمود شلتوت، أنظر: مهدي أحمدي، الشيخ محمد جواد مغنية فقيه مجددّ، تعريب عبد الحسن نجفي بهبهاني، نشر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، ط 1، طهران 2007، ص 56-57.
([32]) السيد موسى الصدر بن صدر الدين الصدر ولد العام 1928 في مدينة قم الإيرانية، هو عالم دين ومفكر وسياسي، درس العلوم الدينية بعد نيله لشهادتين في علم الشريعة الإسلاميّة والعلوم السياسية من جامعة طهران في العام 1956، ثم توّجه من قم إلى النجف الأشرف في العراق، وفي العام 1955 جاء إلى لبنان، أسّس العديد من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية أهمّها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العام 1969 لتوحيد كلمة الشيعة، وأفواج المقاومة اللبنانية (أمل) في العام 1974م في بداية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، رفض الحرب الأهلية في لبنان والفتنة المذهبية والحرب بين المسلمين والمسيحيين، وسعى لإنهائها وتوحيد كلمة اللبنانيين جميعًا بكل طوائفهم، ودعا للتعايش الإسلامي- المسيحي، ليصبح نموذجًا يُحتذى به في العالم، أُختطف خلال زيارته إلى ليبيا مع رفيقيه في 31 آب 1978 من أجل الطلب من الرئيس معمر القذافي وقف دعم الحرب في لبنان، ولا يزال مصيره ورفيقيه مجهولاً حتى اليوم.
([33]) صالح الورداني: الشيعة في مصر من الإمام علي حتى الإمام الخميني، مكتبة مدبوليّ الصغير، القاهرة 1993، ط 1، ص 118.
([34]) عبد الرحيم أباذري: الامام البروجردي آية الاخلاص، مرجع سابق، ص 95.
([35]) صالح الورداني: الشيعة في مصر من الإمام علي حتى الإمام الخميني، مرجع سابق، ص 190- 191.
([36]) قرآن كريم: سورة الأنبياء، ج 17، الآية 92.
([37]) راينر برانر: التقريب بين المذاهب الإسلاميّة في القرن العشرين، ، ص 162.
([39]) حامد المرسي تقي الدّين: (دعوة مخلصة للتقريب بين المذاهب الفقهيّة)، مرجع سابق، ص 313- 314.
([40]) محمد أبو زهرة: الوحدة الإسلاميّة، مرجع سابق، ص 314.
([41]) قرآن كريم: سورة البقرة، ج 1، الآية 208.
([42]) حسن سلهب: الشيخ محمود شلتوت..، مرجع سابق، ص 151.
([43]) إبراهيم نياس: (الإسلام)، مجلة منبر الإسلام، عدد 7، السنة 21- ديسمبر 1963، ص ص 168- 169.
([44]) إبراهيم نياس: (الإسلام)، مرجع سابق، ص 330.
([45]) الشيخ أحمد الزين، لبناني، ولد في صيدا في العام 1933م، درس في كلية المقاصد، وسافر إلى مصر مع عدد من علماء صيدا للالتحاق بالجامع الأزهر الشريف لدراسة علوم الشريعة في العام 1953م في عهد الشيخ محمد خضر الحسين لمدة ثماني سنوات قبل العودة إلى لبنان، مقابلة خاصة بتاريخ 05/09/2016.