واقع الممارسة التّعليميّة التعلّمية في الدرس النّحوي
وآثاره على تعلّم اللغة والتمكّن من مهاراتها
(دراسة وصفية ميدانية لواقع تعليم النّحو في مدارس التعليم المتوسط الجزائرية)
د بكار امحـمد([1])
الملخص
يتطرق المقال إلى قضية واقع الممارسة التّعليميّة التعلّمية في الدرس النّحوي في مدارس طور التعليم المتوسط الجزائرية. وفي هذا السياق يسعى المقال إلى الكشف عن هذا الواقع وبيان آثاره على تحصيل المتعلّمين لمعارف اللغة العربية والتمكّن من مهاراتها في حدود مستواهم، وذلك للوقوف على حقيقة الأداءات التّعليميّة الفعلية لأساتذة هذا الطور من التعليم وتقييم ممارساتهم التدريسية لهذا النشاط اللغوي الهام.
كما يسلط المقال الضوء على ممارسة المتعلّمين الفردية الفعلية للقواعد النّحوية المحصّلة للتعرّف عن مدى استعمالهم لها في مختلف نشاطاتهم التعلّمية لتنمية معارفهم وترقية أدائهم الشفوي والكتابي، وذلك للوقوف على مدى استفاداتهم اللغوية من جهود التعليم في هذا النشاط بالخصوص. ولهذا الغرض انصبّت الدّراسة على الجانب الميداني، حيث خصّصنا زيارات ميدانية للأقسام لمعاينة أطوار التعليم والتعلّم في دروس النّحو، ولمشاهدة عن كثب ممارسات الأساتذة التّعليميّة وممارسات المتعلّمين التعلّمية.
الكلمات المفتاحية : واقع، الممارسة، التّعليميّة الدرس النّحوي.، التعلّمية،
Abstract :
The article addresses the question of the reality of the didactic practice (teaching and learning) of grammar in Algerian colleges. In this context, the article seeks to reveal this reality and its impact on the acquisition by the pupils of the Arabic language and its competences, in order to know the real didactic performance of the teachers. and to assess their teaching practices for this important linguistic activity.
The article also sheds light on the actual practice of learners of the resulting grammatical rules to identify the extent to which they use them in their various learning activities to develop their knowledge and improve their oral and written performance, in order to determine the extent of their linguistic benefits of educational efforts in this particular activity. To this end, the study focused on the field, where we allocated field visits to colleges to examine the teaching and learning stages in grammar courses, and to closely monitor teaching practices. of teachers and the learning practices of learners.
Keywords: reality, practice, teaching, learning, grammar lesson.
مقدمة
يحتلّ درس النّحو مكانة متميّزة في تدريس اللغة تعليمًا وتعلّمًا، ولا يمكن أن نتحدّث عن تعليم اللغة العربيّة من غير أن نتحدّث عن تعليم نحوها، فهو مركزها ومحور بنائها. ولا شكّ أنّ إدراك قوانين النّحو وقواعده مسألة لا يمكن الاستغناء عنها في تعلّم اللغة العربية والتحكّم فيها أداء وتدوينًا. والملاحظ أنّ الدرس النّحوي في مناهج اللغة يحظى بمكانة خاصّة في مراحل التعليم الجزائري ما قبل الجامعي، خاصّة في مرحلة التّعليم المتوسط. ذلك أنّ ما يميّز مناهج اللغة العربية في سنوات التّعليم المتوسط هو الاستنفار الكبير الذي خُصّت به مفاهيم الدّرس النّحوي، إذا ما قورن ذلك بالدّرس المعجميّ والدّرس الصّوتيّ، حتى يعتقد البعض أنّ تعلّم العربية يرتبط بتعلّم النّحو ومفاهيمه لا غير.
يعدّ تعليم النّحو العربي جزءًا أساسيًّا من تعليم اللغة العربية ومطلبًا من مطالب تعليمها، تحوّل بفعل عوامل كثيرة إلى مشكلة بدا من الصعب تجاوزها. وقد ظهرت آثار هذه المشكلة في صيّغ مختلفة وأشكال متعدّدة، من أهمها الضّعف اللغويّ الذي نلمسه في الصوّر الكثيرة للتعثّر في تعلّم اللغة واستيعاب مفاهيمها واستعمالها وممارستها؛ ونلاحظ كذلك أثر هذه المشكلة واضحًا في ذلك السّيل من الكتب والدّراسات والمحاولات التي تتابعت منذ بداية التأليف النّحوي، وظلّت مستمرّة إلى اليوم (1)، ولعلّ دراستنا هذه محاولة من هذه المحاولات الكثيرة التي ستسهم في إيجاد حلّ لمشكلة تعليم النّحو والتغلّب على عقباته.
تعدّ مسألة تعلّم المتعلّمين قواعد نحو اللغة العربيّة وضبط مفاهيمه وتمثّلها، والقدرة على استثمارها في سياقات تواصلية متنوّعة، سمة من سمات التمكّن من اللغة نطقا وكتابة، ومؤشّرًا من مؤشّرات نجاح تعليم الدّرس النّحوي واللغوي عامّة. غير أنّ واقع تعليم قواعد النّحو العربيّ في مستوى التّعليم المتوسط عندنا يعرف صعوبات في استيعاب المتعلّمين لبعض مفاهيمه وتمثّلها، وعسرًا في توظيفهم لها في وضعيات تعلّمية حقيقيّة.
ولما كانت مفاهيم الدّرس النّحوي تتّسم بالصعوبة في تمثّلها من قبل المتعلّمين، فإنّ الأمر يتطلّب إعادة النّظر في تنظيم المحتوى النّحوي وفي الممارسات التّعليميّة وطرائق تدريس القواعد النّحوية التي اختارها الأساتذة لتذليل هذه الصعوبة وتجاوزها. وفي هذا الإطار يندرج مسعى المقال، الذي يهدف إلى الكشف عن واقع الممارسات التّعليميّة في الدرس النّحوي وعلاقته بضبط المتعلّمين لمفاهيمه وتمثّلها واستثمارها.
لذلك ينطلق المقال من إشكاليّة جوهرية نبلورها من خلال الأسئلة الآتية : ما واقع الممارسات التّعليميّة في تدريس قواعد النّحو في مدارس طور التّعليم المتوسط عندنا؟ وما آثار هذه الممارسات التّعليميّة على استيعاب المتعلّمين لمفاهيم الدّرس النّحوي وتمثّلها؟ وما مدى نجاعة التّطبيقات اللغوية المقترحة على المتعلّمين عقب كلّ درس نحو تعلّموه في تمثّل المفاهيم النّحوية التمثّل الجيّد، ومدى استثمارها في ترقية ملكتهم اللغويّة وأدائهم الشفوي والكتابي بالخصوص؟
تكتسي ممارسات الأساتذة التّعليميّة في درس اللغة عامّة والدّرس النّحويّ خاصّة أهميتها في تطوير مستوى تحكّم المتعلّمين في اللغة العربيّة كتابة ونطقًا حسب مستواهم، وذلك بالنّظر إلى مركزية المفاهيم النّحوية في التعلّم الجيّد لمعارف اللغة والاكتساب التّام لمهاراتها، وفي قدرة المتعلّمين على حسن تمثّل الضوابط النّحويّة ودلالة العلامات الإعرابيّة، بحكم أهمية المفاهيم النّحوية في تأدية الكلام بشكل مفيد ومقبول، وعلى الوجه الذي يحقّق الفهم والإفهام.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على إشكاليّة الممارسات التّعليميّة في الدرس النّحوي في الواقع العملي وآثارها على تعلّم المتعلّمين اللغة واكتساب مهاراتها، وذلك لتجاوز هذا الواقع غير المرضيّ عن طريق تقديم بعض الاقتراحات العملية المهمّة. كما تهدف إلى تسليط الضوء على التّطبيقات اللغويّة المقترحة لترسيخ المفاهيم النّحوية التي تساعد المتعلّمين على حسن استيعابها، وتمثّلها التمثّل اللغويّ الصّحيح، وحسن استثمارها في ترقية كفاءاتهم اللغويّة والأدائيّة. هذه التّطبيقات التي تحتاج هي الأخرى إلى إعادة النّظر في محتواها وصيّغها وكيفيّة إنجازها والمدّة المخصّصة لتنفيذها.
1- أهمّيّة النّحو ومكانته في تعليمية اللغات
لكلّ لغة قوانين تنظّمها وضوابط تحدّدها، وتجمع شواردها، وتكشف عن خفاياها،
وتوحّد ظواهرها المختلفة، لأنّ تلك القوانين أو القواعد هي الوسائل الإجرائيّة التي تعين المتعلّم على كشف أسرار اللغة ومكنوناتها (2). ويعدّ النّحو أكثر هذه القواعد أهمّيّة وأجلّها، وفي هذا الشّأن يقول حسن عباس عن أهمية النّحو : ” النّحو دعامة العلوم العربيّة، وقانونها الأعلى، منه تستمدّ العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه في جليل مسائلها، وفروع تشريعها، ولن تجد علمًا منها يستقل بنفسه عن النّحو، أو يستغني عن معونته، أو يسير بغير نوره وهداه “ (3). ويبيّن ابن خلدون منزلة النّحو من علوم اللسان، فيقول: ” أركانه – أي اللسان – أربعة : وهي اللغة والنّحو والبيان والأدب، ومعرفتها ضرورية على أهل الشّريعة؛ إذ مأخذ الأحكام كلّها من الكتاب والسّنة…”( 4). ويقول عن أهميته: ” والذي يتحصّل أنّ الأكثر أهمّية والمقدّم عليها هو النّحو، إذ به يتبيّن أصول المقاصد بالدّلالة، فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجُهِل أصل الإفادة… فلذلك كان علم النّحو أكثر إهمّيّة من اللغة، إذ في جهله الإخلال بالتّفاهم بالجملة وليست اللغة كذلك”(5). ومن هنا كان تعليم قواعد اللغة من نحو وصرف وإملاء ضرورة تعليميّة قصوى لتعلّم أيّة لغة.
يحتلّ تعليم قواعد اللغة في نظرية تعليم اللغات مكانة بارزة، بوصفها الدّروس التي تهدف إلى تنمية المستوى الثالث من مستويات النّظام اللغويّ ألا وهو المستوى التّركيبيّ. ويهدف تعليمها إلى تمكين المتعلّمين – إذا استوعبوها – من غرس الآليات الصحيحة التي تقوّم ألسنتهم، وتعصم لغتهم من اللحن والخطإ. وتمثّل قواعد النّحو والصرف والإملاء صمام الآمان والحارس الأمين على سلامة اللغة وحفظها من الخطأ. وقواعد أيّة لغة هي مفاتيح فهم اشتغال ميكانيزمات تلك اللغة.
وللنحو أهمّية لا تنكر في تقويم اللسان، وإغراء خاص في تعليم اللغة، أيّة لغة قديمًا أو حديثًا، والنّحو العربيّ له من ذلك نصيب أوفر من غيره لمزيّتين فيه، الأولى : ارتباطه الوثيق بالعربيّة، والثّانية : معياريته التي تقوّي الجانب التعليميّ فيه (6) ومع ذلك؛ فالنّحو ليس كلّ شيء في تعليم اللغة، كما أنّه ليس مصدر المشكلة في تعليم العربية كما يدّعي الكثيرون. فاللغات المعروفة المنتشرة الآن لها أنحاؤها العلمية التي تقدّم وصفًا علميًّا للغاتها، ولكن هذه الأنحاء ليست هي نفسها التي تُتّخذ مقرّرات لتعليم اللغة في المدارس، وإنّما هي مصدر أوّلي يُعتمد عليه، ويُقدّم بعد تصفيته وجعله على صورة ملائمة للتعليم(7).
وبهذا يتبيّن أنّ النّحو الحقيقيّ الذي ينبغي أن يقدّم في تعليم اللغة هو النّحو التعليميّ التّطبيقي لا النّحو العلميّ أو نحو الصنعة. ولا بدّ من التفريق بين النّحوين، فكلّ منهما يمكن عدُّه علمًا مستقلًا قائمًا بذاته. فالنّحو العلميّ الذي يسمّى أحيانًا “النّحو التحليليّ”، يحيل إلى النّظرية النّحوية بوصفها علمًا، أيّ بوصفها جهازًا أو إطارًا نظريًّا، يقوم على جملة من المفاهيم والمصطلحات، يصف من خلالها بنيّة اللغة ويفسّرها من دون الإشارة إلى التّعليم أو التدرّج أو مستويات الصّعوبة أو سلاسة الشرح. فهو لم يوضع كي يكون نحوا تعليميا قطّ (8).
أمّا النّحو التّعليميّ أو البيداغوجيّ يقوم على أسس لغوية ونفسيّة وتربويّة، وقد وُضع أساسًا لتلبية حاجات المتعلّمين في مستوى تعليميّ ما، لمساعدتهم على تعلّم اللغة المستهدفة. فهو النّحو الذي تنحصر مهمته في استثمار بعض المفاهيم أو المصطلحات النّحوية لهذه النظرية – النظرية النّحوية – أو تلك، ليتّخذ منها أصولًا تبنى عليها منهجيّة تعليميّة متّسقة ومنظّمة، تعتمد على نتائج الدّراسات العلميّة التي توصّل إليها علماء النّفس والبيداغوجيا واللسّانيات التطبيقيّة (9).
وعليه فإنّ النّحو العلمي شيء والنّحو التّعليميّ شيء آخر، والخلط بينهما يجعل تعليم النّحو عقيمًا، وتيسره وإصلاح تعليمه لا فائدة ترجى منهما. فإنّنا إذا قدّمنا في تعليم اللغة النّحو العلمي النّظريّ، فهذا يعدّ خطأ وعيبًا في المنهاج والتّخطيط، وليس في النّحو نفسه، وبذلك يكون النّحو العربي بريئًا من التّهمة الموجّهة إليه في هذا الشأن.
2- مساهمة النّحو في تعلّم اللغة واكتساب مهاراتها
لم تكن برمجة تدريس قواعد اللغة في برامج تعليم اللغات برمجة عشوائيّة أو من باب الصدفة، وإنّما برمجتها قائمة على أسس لسانيّة وعلميّة ونفسيّة. فتدريس القواعد في تعليم اللغات أمر حتّمي فرضته الضرورة التّعليميّة واللغوية، بوصف هذه القواعد مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات النّظام اللغويّ. ومن هنا، أضحى تعليمها ضرورة في مجال اكتساب اللغة ومهاراتها الأساسيّة. فالقواعد النّحوية في برامج تعليم اللغة تعدّ نشاطا لغويًا تعليميًّا معرفيًّا مهمًّا، تكمن أهميته في أنّه مجال لتعلّم ضوابط اللغة وتثبيتها في أذهان المتعلّمين لاكتساب الملكة اللغوية المرجوة التي تمكّنهم من الحديث أو الكتابة بلغة عربية سليمة خالية من الأخطاء، لأنّ ممارسة الحديث والكتابة بلغة سليمة هي غاية الدّرس اللغوي.
فنشاط قواعد اللغة في برامج تعليم اللغات عامّة واللغة العربية خاصّة فضاء تعلّمي، يتعرّف المتعلّمون فيه على قواعد اللغة وأحكامها الإعرابيّة، ويتدربون فيه على تطبيق القواعد المحصّلة على الأساليب اللغويّة المعطاة لهم في إطار التّمارين الموضوعة لهذا الغرض، لتترسّخ في أذهانهم وتصبح فيهم عادة يتمثّلونها نطقًا وكتابة. ولذلك، فإذا حضّر الأستاذ مادته النّحوية، وراعى التّوجيهات البيداغوجيّة التي يقتضيها تدريس هذا النشّاط، وسيّر مراحل تعليمه المهمّة بحكمة ووعي كبيرين، والتزم بالتّعليمات الفنيّة المقدّمة له في هذا الشّأن، وعمل على ترجمة الأهداف المتوخاة من تدريسه ترجمة أمينة دقيقة، وانضبط مع إجراءات الطريقة النّشيطة والفعّالة المقترحة عليه، لكان تعليم القواعد مجالًا آخر لدعم لغة المتعلّمين المنطوقة والمكتوبة بالخصوص.
3- أثر التّطبيقات النّحوية في تعلّم اللغة واكتساب مهاراتها
لقد حفظت قواعد النّحو اللغة العربية طوال هذه القرون وصانتها من التحلّل والفساد، وظلّت توجّه النّتاج اللغويّ للمتكلّمين في تواصلهم وإبداعهم، وتلزمهم باتّباع طريقة مَن سبقهم في نسج الكلام، ونهج نهجهم في ذلك؛ فهي القانون المتّبع في تأليف الكلام والفنّ الذي يعلّم الكتابة والتكلّم بلغة ما من دون خطأ. ولذلك تعدّ القواعد النّحوية الوسيلة الأساسيّة لضبط الكلام وصحّة النّطق والكتابة. ولهذه الأهمّية ولهذا الدّور يرى التعليميّون أنّ تعليم النّحو هو أساس تعلّم اللغة ومهاراتها، وأنّ اكتسابها – أيّ اللغة – لا بدّ أن يمرّ بتعليم النّحو. ويرون أيضًا أنّ تعلّم قواعد النّحو لا يجدي ما لم تدعمه التّطبيقات التي ترسّخها وتقوّي تمثّلها لدى المتعلّمين.
وتعلّم النّحو لا يعني بالضّرورة إتقان اللغة، والتمكّن من استخدامها الاستخدام الصحيح ما لم يصحبه تمرّن وسماع مستمرّان، لأنّ النّحو يكسب الإلمام بقواعد اللغة والمعرفة بقوانينها ويقرّبها، واللغة ملكة تكتسب بالممارسة والمحاكاة المستمرّة والتّدريب. فلذلك تعدّ التّطبيقات النّحوية أثناء مراحل تعليم الدرس النّحوي وعقبه بالخصوص فضاءات تعلّمية رحبة تزيد من فهم القواعد النّحوية المحصّلة وترسّخ أحكامها وتقوّي تمثّلها في أذهان المتعلّمين وتمكّنهم من توظيفها في سياقات التواصل اللغوي والفعل التّبليغيّ.
وفي الدرس اللغوي، يؤكّد التعليميّون أنّ النّحو في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، لا يجب أن يكون هدفًا في ذاته، بل وسيلة لضبط الكلام وصحّة النّطق والكتابة. ورأوا أنّ المطلوب في الدّرس اللغويّ والنّحوي بالخصوص هو التّدريب والتمرّن على النّسج في تأليف الكلام وفق أساليب العربيّة بمراعاة قواعد النّحو المحصّلة. وأكّدوا على ضرورة الإكثار من التّطبيقات والتنويع فيها بما يتناسب مع مراحل التعليم المختلفة، وفي هذا الشأن يقول الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح : “… أنّ قسطها – أيّ الأعمال التّرسيخيّة – من الدّراسة يجب أن يكون أوفر بكثير من حصة العرض والإيصال. ومهما يكون، فإنّه يجب أن لا تقلّ نسبتها عن ثلاثة أرباع الدّراسة، … “(10).
كما يجب أن ننبّه إلى أنّ التمارين المعتمدة لتطبيقات النّحو يجب ألاّ يقتصر دورها على تطبيق القاعدة النّحوية في سياق تعليميّ مصطنع أو ترسيخها بالحفظ والاستظهار، كما كان معمولًا به في الطرائق التّقليديّة، بل يجب أن يتعدّى ذلك إلى أن تساعد على تمكين المتعلّمين من استثمار هذه القواعد في سياقات التّواصل اللغويّ داخل قاعة الدرس وخارجه. ولذلك يمكن القول إنّ كلّ أنواع التّمارين اللغويّة المتعلّقة بالنّحو، سواء أكانت تمارين بنيوية أم تواصليّة أم تحليليّة تركيبيّة، يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في التّدريب على المحاكاة أو النسج على المنوال والإنتاج في جميع مراحل التعليم، بشرط احترام خصوصيّة المرحلة التّعليميّة، والتخطيط لاستغلال هذه التمارين بما يحقّق الأهداف التّعليميّة المرسومة. ويرجى الإكثار منها والتنوّع فيها من حيث المحتوى كما تدعو إليه طرائق التعليم اللغوي الحديثة تجنبا للسّأم والنّفور اللذين قد ينتابان المتعلّمين. ويرجى أيضًا اعتماد تمارين الإعراب من غير أن يغرينا في الانسياق وراءه لاستكشاف الوظائف النّحوية للكلمات أو الجمل، والعلاقات التي تربط هذه العناصر (11).
وآثار التّطبيقات النّحوية على تعلّم اللغة والتمكّن من مهاراتها الأساسيّة كثيرة ومهمّة، خصوصًا إن هي أعدّت بالكيفيّة التي تنصّ عليها مقاييس إعداد التّطبيقات، كانتقاء مادة التّمارين، واختيار أنسبها، والطّريقة التي تقدّم بها، والوقت المخصّص لإنجازها، والوسائل التي تنفّذ بها، ومراعاة فيها مستوى المتعلّمين والأهداف المرصودة لها. ويمكن حصر آثارها في النقاط الآتية :
– ترسيخ المفاهيم النّحوية في أذهان المتعلّمين وتمكينهم من حسن تمثّلها.
– إكسابهم آليات الكلام مع مراعاة آليات الإدراك للعناصر اللغويّة وفهم مدلولاتها.
– تدريبهم على استثمار أحكام القواعد النّحوية استثمارًا مفيدًا وعلى استعمالها استعمالا صحيحًا استماعًا وتحدّثًا وقراءة وكتابة.
الدّراسة الميدانيّة
انصبّت الدّراسة في هذا الجزء من المقال على معاينة الممارسات التّعليميّة التعلّمية في الدرس النّحوي في واقعها العملي، وذلك لملاحظة أداء الأساتذة بوصفهم الأساس المعوّل عليه لإنجاح العملية التّعليميّة التعلّمية. كما انصبّت الدّراسة أيضًا على معاينة ممارسة التعلّم وملاحظة ممارساته، بوصف المتعلّمين هم الغاية من عملية التعليم.
فالدّراسة ركّزت على تحليل تقارير زيارات أساتذة اللغة العربية لهذا الطور من التعليم في الأقسام ودراستها، بعد معاينة العملية التّعليميّة التعلّمية عن كثب، وملاحظة الأداء التّعليميّ التعلّمي في مستوييه الشفوي والكتابيّ في واقعه العملي، وذلك لنأخذ فكرة حقيقيّة أو أقرب منها عن الممارسات التّعليميّة لأساتذة اللغة العربيّة في تدريس النّحو في مستويات هذا الطور من التعليم عندنا، وعن الممارسات اللغوية للمتعلّمين في هذا النّشاط المهمّ، قصد تشخيص الأسباب الحقيقية المؤدّية إلى ضعف المتعلّمين في استيعاب المعارف النّحوية، وتمثّل مفاهيم النّحو ومصطلحاته، والقدرة على استثمار قواعده في سياقات تواصليّة متنوّعة. لقد ذكرنا في مقدمة المقال، أنّ هذا الأخير يسعى إلى تسليط الضوء بصفة خاصّة على تعليم أساتذة اللغة العربية لدرس النّحو، وعلى ممارسة المتعلّمين الفردية الفعلية للقواعد النّحوية المحصّلة للتعرّف عن مدى استعمالهم لأحكامها في مختلف نشاطاتهم التعلّميّة لتنمية معارفهم وترقية أدائهم الشفويّ والكتابيّ، وذلك للوقوف على مدى استفاداتهم اللغوية من جهود التّعليم في هذا النشاط بالخصوص.
إطار الدّراسة ومنهجها
تعدُّ الدّراسة الميدانيّة هذه جزءًا من دراسة أشمل، أنجِزت فرديًّا في إطار بحث أكاديميّ. اعتمدنا في إنجازها على المنهج الوصفيّ وما يقتضيه من إجراءات، وعلى تقنية الإحصاء، فالمنهج المعتمد اقتضته دراسة الظاهرة موضوع المقال بحكم طبيعتها التي تستلزم الملاحظة المنظّمة الخاضعة للمشاهدة والفحص والتّحليل، ووصفها على حالها في الزّمان والمكان المحدّدين أدناه. والدّراسة الميدانية المتمثّلة في “زيارة الأقسام لمعاينة عملية تعليم النّحو وتعلّمه”، هي دراسة حالةétude de cas ، تقتضي المشاهدة والملاحظة والوصف والاستقصاء في عين المكان، ثمّ التحليل والتفسير.
الوسائل المستخدمة في الدّراسة
لم تستدع عملية المشاهدة وسائل كبيرة وآلات كثيرة للقيام بمهمة المعاينة، فلم تتطلب سوى آلة تسجيل وبعض الوثائق التقنية والبيداغوجيّة، من مثل :
– محاضر لتقييد الملاحظات أثناء المشاهدة، وتدوين الوقائع والأحداث المهمّة ووصفها، هي تقارير معاينة.
– دليل الأستاذ لمختلف سنوات طور التّعليم المتوسط، زوّدنا به السّادة المديرون وأساتذة اللغة العربية في هذا الطور للاستئناس به أثناء المعاينة.
– دليل تقييم نشاطات اللغة العربية لمختلف مستويات التعليم المتوسط، يحتوي على بعض التوجيهات في تناول أنشطة اللغة العربية بالدّرس من بينها نشاط قواعد النّحو والصرف، زوّدنا به السادة المفتشون في الميدان للاسترشاد به.
– طرائق تدريس نشاط القواعد النّحوية موضوع المشاهدة، زوّدنا بها السادة المفتشون للاعتماد عليها أثناء متابعة أطوار التعليم والتعلّم لتقييم ممارسات الأساتذة التّعليميّة وممارسات المتعلّمين التعلّمية، في مختلف مراحل الدرس المهمّة.
– مناهج اللغة لمختلف مستويات التّعليم المتوسط استرشدنا بها، إذ تحتوي على ملمح التلميذ في نهاية السنة التّعليميّة في نشاط قواعد اللغة، وعلى أهداف تعليم النّحو.
– إعداد شبكة تقييم الدرس النّحوي وفق معايير الاستحسان ومقاييس الجودة أعددناه بمساعدة بعض الزملاء المفتشين.
إذًا؛ قد أعددنا لذلك محاضر المشاهدة للاستعانة بها في وصف مختلف الأحداث التّعليميّة التعلّمية المهمّة، قيّدنا فيها الملاحظات التي استرعت انتباهنا أثناء متابعة مختلف أطوار العملية التّعليميّة التعلّمية. ومحاضر مشاهدة دروس قواعد اللغة هذه، هي تقارير زيارات الأساتذة في الأقسام لمعاينة الأحداث التّعليميّة التعلّمية، ولمعايشة السيرورات التعلّمية بالخصوص في الدرس النّحوي.
فهذه المحاضر أو التقارير أصبحت هي الأخرى مدوّنة سُجِل فيها مختلف الملاحظات على ممارسات الأساتذة والمتعلّمين المختلفة في أثناء أطوار الدّرس النّحوي، وذلك لرصد الأحداث التّعليميّة التعلّمية المهمّة، بغية الوقوف على مدى تحصيل المتعلّمين في هذا الطور من التّعليم للمعارف اللغوية النّحوية، ومدى استيعابهم لها، ومدى تمثّلهم للمفاهيم النّحوية، ومدى العمل بأحكامها في تأديتهم الشّفويّة والكتابيّة.
عيّنة الدّراسة
تتكوّن العيّنة من 167 أستاذ، كلّهم مرسمون، ما عدا 06 أستاذات متربصات ينتظرن التّرسيم، اختِير أفرادها بطريقة عشوائيّة ( 65 أستاذا و102 أستاذة ). من هذا العدد، 119 أستاذ وأستاذة يحملون شهادة الليسانس في اللغة العربيّة وآدابها ( 43 أستاذا و76 أستاذة )، أيّ ما يقدّر بنسبة 71.25 %، من بينهم 84 أستاذًا وأستاذة تخرجوا من المدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الإنسانيّة ببوزريعة وقسنطينة. و48 أستاذًا وأستاذة تخرجوا من معاهد التكوين ( المعاهد التكنولوجيّة للتربية )، منهم 33 أستاذًا وأستاذة تحصّلوا على شهادة البكالوريا، أي ما يمثّل نسبة 23.22 %، و15 أستاذا وأستاذة يحملون مستوى السنة الثالثة ثانوي. يعمل هؤلاء الأساتذة في طور التعليم المتوسط، في سبع ولايات، اختيرت هذه الولايات بوعي بناء على المقتضيات المنهجيّة للدراسة، وذلك بوصفها عيّنة لتمثيل الجزائر شرقها وغربها ووسطها. فالولايات المختارة تمثّل أكثر مناطق الجزائر الرئيسة أهمّية، فولاية الشلف ومستغانم تمثّلان الغرب الجزائريّ، وولاية الجزائر وتيزي وزو والمدية تمثّل وسطها، وولاية بسكرة وبرج بوعريرج تمثّلان شرقها. أمّا منطقة الجنوب فتعذّر علينا تمثيلها وتغطيتها لبعدها الشاسع عن العاصمة، ولظروف كثيرة لا تسمح بالتنقل إليها، كما يوضحه الجدول الآتي:
المستوى العلمي |
السنة الثالثة ثانوي |
شهادة البكالوريا |
شهادة الليسانس
|
المجموع العام |
|||
الولايات
|
ذكور |
إناث |
ذكور |
إناث |
ذكور |
إناث |
|
بسكرة | 01 | 01 | 03 | 04 | 04 | 06 | 19 |
برج بوعريرج | 01 | 00 | 02 | 04 | 04 | 06 | 17 |
تيزي وزو | 01 | 00 | 02 | 02 | 07 | 16 | 28 |
الجزائر | 03 | 02 | 02 | 03 | 12 | 18 | 40 |
الشلف | 01 | 01 | 01 | 02 | 05 | 10 | 20 |
المدية | 01 | 01 | 02 | 02 | 06 | 11 | 23 |
مستغانم | 01 | 01 | 01 | 03 | 05 | 09 | 20 |
المجاميع | 09 | 06 | 13 | 20 | 43 | 76 | 167 |
وتتراوح أقدمية الأساتذة المكوّنين للعيّنة في التدريس من سنة واحدة إلى 33 سنة. فمن سنة إلى ثلاث سنوات، بلغ عدد الأساتذة 29 أستاذًا وأستاذة، فهم حديثو العهد بالتّعليم، منهم 06 أستاذات ينتظرن الترسيم، ويمثّلون نسبة 17.36 % من مجموع أساتذة العيّنة. وأنّ 53 أستاذا وأستاذة تتراوح أقدميتهم من 04 سنوات إلى 15 سنة، ويمثّلون نسبة 31.73 %، و85 أستاذًا وأستاذة تتراوح أقدميتهم من 16 سنة إلى 33 سنة، ويمثّلون نسبة 50.89 %. فأكثر من مائة أستاذ وأستاذة تتجاوز أقدميتهم عشر سنوات، ما يعني أنّ خبرتهم في التّعليم كبيرة وتجربتهم في التّدريس جيّدة.
زمان الدّراسة ومكانها
جرت الدّراسة الميدانيّة في أقسام بعض متوسطات الولايات المذكورة أعلاه، وامتدّت في الزمان من بداية شهر أكتوبر 2014 إلى غاية نهاية شهر أفريل 2016. دامت الدّراسة قرابة موسمين دراسيين. وقد تمّ خلال هذه الفترة إجراء عدّة زيارات للأقسام لمعاينة تدريس نشاط النّحو في مختلف سنوات التعليم المتوسط.
أهداف الدّراسة
أهداف الدّراسة الميدانيّة ( زيارات الأساتذة في الأقسام ) نجملها في النقاط الثلاث الآتية:
– الوقوف على مجريات الدّرس النّحوي لتقييم ممارسات الأساتذة التّعليميّة، ومدى قدرتهم على نقل المعارف النّحوية المختلفة والمفاهيم الأساسيّة، ليتمثّلها المتعلّمون أحسن التمثّل؛ ومقارنتها بما يجب أن تكون عليه كما هو في الواقع النّظري، أيّ كما ترسمه المناهج والوثائق المرافقة لها، لتحديد مدى نجاح التعليم اللغوي أو انحرافه في هذا النّشاط المهم.
– الحضور في عين المكان لمعاينة عن كثب عملية ممارسات المتعلّمين اللغوية في درس القواعد اللغويّة في طور التّعليم المتوسط، وذلك لتقييم عملية استيعاب المفاهيم النّحوية وتمثّلها ومدى استثمار أحكامها في منجزهم الشّفوي والكتابيّ.
– الوقوف على واقع التّطبيقات النّحوية وفعّاليتها في تنمية المكتسبات اللغوية المحصّلة، وعلى قيمتها اللغويّة والتّعليميّة، وعلى الوقت المخصّص لإنجازها، والكيفية التي تجري بها ممارسة المتعلّمين اللغوية، ومدى استثمارهم لأحكام القواعد المحصّلة.
تحليل محاضر المعاينة الميدانية ودراستها
لمشاهدة أطوار تعليم دروس قواعد نحو اللغة العربية، خصّصنا 167 زيارة ميدانية لمعاينة 167 أستاذ وأستاذة في تعليمهم لهذا النشاط المهم، يعملون في الولايات السبع المذكورة، يدرِّسون في مختلف سنوات طور التعليم المتوسط. وكانت مدّة الزيارة الواحدة ساعة، وكانت الزيارات في مجملها كافية، إذ سمحت لنا بأخذ فكرة عن الموضوعات النّحوية من حيث صعوبتها ومسايرتها لمستوى المتعلّمين العقلي، وكيفيّة معالجتها بيداغوجيا، ومن حيث كيفية تفاعل المتعلّمين معها. كما سمحت لنا بتقييم ممارسات الأساتذة التّعليميّة وممارسات المتعلّمين التعلّمية. وهي فرصة لمعاينة الأداء التّعليميّ لهذا النشاط المهم وتقييمه.
وفي دراستنا لمحاضر المعاينة المدوّنة خلال مشاهدة دروس قواعد اللغة، تبيّن لنا أنّ هناك ملاحظات كثيرة أُحصِيت في تعليم قواعد النّحو، وهي في الغالب ملاحظات تقنية أكثر منها علميّة. وتبيّن لنا أيضًا أنّ دروس هذا النّشاط خصوصًا دروس النّحو لم يستفد منها المتعلّمون الاستفادة اللغويّة المتوخاة كما توضحه الجداول الآتية، وكما سنفصّل ذلك فيما يلي من المقال.
وصف واقع تعليم قواعد اللغة العربيّة
من خلال تحليل محاضر المعاينة ودراسة نتائج التحليل، استنتجنا أنّ مراحل تدريس قواعد اللغة والنّحو المهمّة بالخصوص، لم يتقن الأساتذة الذين زرناهم تدريسها الإتقان المطلوب، ولم يُولوا لها الأهمية القصوى في التحضير ( العلميّ والتقني بالخصوص )، كما سأبيّن ذلك عند التطرق لهذه المراحل.
ففي مرحلة استنتاج الأمثلة وعرضها على السبورة، سجّلت عدّة ملاحظات على الأمثلة المعتمدة لدروس القواعد كما يبيّنه الجدول أدناه. فلوحظ على 09 أساتذة من مجموع 167 أستاذ أنّ الأمثلة التي اعتمدوها شواهد لدروسهم غير مستخلصة من النصوص، وليست من بليغ الكلام وأجوده، فكانت جملًا بسيطة عادية ومبتورة من سياقاتها. وكان في إمكانهم الاعتماد على آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أبيات شعرية أو أقوال مأثورة ذات مغزى، فيستفيد المتعلّمون من جمال لغتها وأحكامها وقيّمها، فتزداد ثقافتهم وتنمّى أفكارهم وتثرى لغتهم بدل الاعتماد على هذه الجمل البسيطة التي ليس وراءها طائل.
ولوحظ على 42 أستاذًا أنّ الأمثلة المعتمدة لدروسهم غير كافية، إذ لم تغط جميع أحكام الدرس. ما يعني أنّ بعض الأحكام سوف لم يُتطرق إليها بالذّكر ولا بالشرح، الأمر الذي يجعل هذه الدروس مبتورة من بعض أحكامها وناقصة. وعلى 67 أستاذًا أنّ الأمثلة المضافة إلى الأمثلة المستنتجة من النّصوص ليست من بليغ الكلام وأجوده، بل جمل بسيطة لا تثير اهتمام المتعلّمين ولا تفيدهم في شيء. وعلى 17 أستاذًا أنّ أمثلتهم غير مضبطة بالشّكل، وغير مخلّصة من الشّوائب اللغويّة العالقة بها والمعرقلة للفهم وللدّراسة والمعالجة. ولوحظ على 34 أستاذًا أنّ الأمثلة المعتمدة لدروسهم غير مرتّبة حسب ترتيب الأحكام، وغير مرقّمة ومفوّجة، وغير مدوّنة بخط واضح ومقروء. وهي على هذه الحال لا تساعد الأستاذ على حسن معالجتها وعلى استنتاج الأحكام، ولا تساعد المتعلّمين على حسن متابعة الشروح والفهم.
المراحل والأحداث المهمّة في الدرس |
الملاحظات المسجّلة |
الأسباب المؤدية إلى الإخفاق |
|
الأساتذة |
النسبة |
||
1- الأمثلة من حيث أنّها : |
– نقص في التكوين الأولي وفي التكوين أثناء الخدمة. – نقص في الخبرة لقلّة التجربة. – نقص في تقنيات عرض الأمثلة. – نقص في التحضير. |
||
– غير مستخلصة من النصّ التواصلي. |
09 |
05.38 % |
|
– غير مغطية لجميع الأحكام. |
42 |
25.14 % |
|
– الأمثلة المضافة إلى الأمثلة المستخلصة من النصّ ليست من بليغ الكلام وأجوده. |
67 |
40.11 % |
|
– غير مضبطة بالشكل، وغير مخلّصة من الشوائب اللغوية المعرقلة للدراسة والمعالجة. |
17 |
10.17 % |
|
– غير مرتّبة ومرقّمة ومفوّجة، وغير مدوّنة بخط واضح. |
34 |
20.35 % |
تدلّ هذه الملاحظات على نقص عناية هؤلاء الأساتذة في تحضير الأمثلة وإعدادها، وفي التّحضير العلميّ والتّقني للدرس. فلا يخفى على أيّ مربٍ أهمّية إعداد الأمثلة الإعداد الجيّد وحسن إخراجها في فعّالية التعليم والتعلّم بصفة خاصّة.
فالأمثلة مقدّمات لغوية يستخلص منها بعد معالجتها معالجة بيداغوجية جادة أحكام الدرس؛ فإذا استمدّت من نصّ فهي في هذا الحال تبدو طبيعية لأنّها وردت في سياقاتها اللغوية النابضة بالحياة. وإذا كان غير ذلك، فهي مصطنعة، ويكون تعليم اللغة العربية على ضوئها مصطنعا هو الآخر، ومن هنا يبدأ الخلل في تعليم اللغة وتعلّمها بالخصوص.
والأمثلة مقدّمات لغوية كما أشرنا، فإذا لم تكن مغطّية للأحكام، ولم تضبط بالشكل، ولم تخلّص من الشّوائب اللغوية العالقة بها، ولم ترتّب الترتيب الموافق لترتيب الأحكام الممثّلة لها، ولم يحسن إخراجها، سيجد الأستاذ صعوبات جمّة في معالجتها المعالجة البيداغوجية الناجعة التي تجعل المتعلّمين يتلقَّون أحكامها تامّة مرتّبة ويستوعبونها بسهولة ويسر.
وفي مرحلة مناقشة الأمثلة ( معالجتها وتحليلها واستنتاج الأحكام ) لوحظت ملاحظات كثيرة، على طريقة تحليل الأمثلة واستنتاج الأحكام منها ويوضّحه الجدول أدناه، وتعدُّ كثيرة بالنسبة إلى عدد الأساتذة موضوع المعاينة في هذا النّشاط، وتعدّ هذه الملاحظات مؤشّرًا مهمًّا يبيّن مدى نقص الأساتذة في الجانب التقني، ومدى ضعف تكوينهم البيداغوجي في هذا الميدان. وقد لوحظت على 42 أستاذًا أيّ أكثر من ربع أساتذة العيّنة أنّهم اعتمدوا على الشّرح النّظريّ أكثر من الشّرح المدعوم بالتوضيحات العمليّة الإجرائيّة، وقد استرسلوا في الشروح كأنّهم يحاضرون في النّحو، فكانوا يلقّنون المعارف النّحوية نظريًّا، وقلّما يستخدمون السّبورة. وفي المقابل كان المتعلّمون يستمعون لشروحهم النّظرية بسلبية تامّة، وهذه الطريقة تقليدية، وعقيمة لا تعلّم يرجى منها.
ولوحظ على 91 أستاذًا أيّ ما يمثّل نسبة 54.49 % من مجموع أساتذة العيّنة أنّهم لم يستعينوا بتقنيات التحليل والاستنتاج الضرورية في معالجة الأمثلة بغرض استنتاج الأحكام. فلم يستخدموا في تحليلها تقنية الاستقراء والمقارنة والموازنة والاستدلال، ولم يشركوا المتعلّمين كثيرًا في عملية معالجة الأمثلة. هذا ما جعل جلّ المتعلّمين لم يستوعبوا جيّدا شروح الأستاذ ولم يدركوا مفاهيم الدّرس النّحوي الذين هم بصدد تعلّمه الإدراك الجيّد الذي يسمح لهم بحسن تمثّلها.
ولوحظ على 17 أستاذًا أنّهم انفردوا باستنتاج أحكام القاعدة واستنباطها من دون إشراك المتعلّمين في ذلك وعلى 17 أستاذًا آخرين بأنّهم أملوا ( من الإملاء ) القاعدة النّحوية على المتعلّمين. وعلى 17 أستاذًا آخرين أنّهم لم يصلوا إلى استنباط القاعدة.
فالطريقة المنتهجة في تحليل الأمثلة تكشف عن وجود عدد كبير من الأساتذة في هذا الطور من التعليم عندنا لا يستعينون في معالجة الأمثلة بتقنيات التحليل والاستنتاج المعروفة، ولا يستخدمونها في ذلك كالملاحظة، وتكبير المثال، وإجراء المقارنات والموازنات، والاستقراء، والاستدلال، والاستنتاج، والحذف، والاستبدال، والتعويض، إلى آخره من التقنيات الضرورية التي تتطلبها المرحلة ويستلزمها تحليل المثال وتقتضيها عملية استنتاج الأحكام.
فلو يوظّف الأساتذة في هذه المرحلة من الدّرس التقنيات التي يقتضيها مقام التعليم بحكمة ووعي، فإنّ عملية استنتاج الأحكام ستأتي طبيعية وسهلة، وتجعل المتعلّمين يشاركون في عمليّة استنتاجها مشاركة إيجابيّة، مشاركة تجعلهم يفهمون الآليات اللغوية التي تفسّر مجيء الأحكام على هذا النّحو وعلى تلك الحال. يتكوّن لديهم حينئذ الفهم الذي سيترسّخ بالتطبيقات، ويكون بعد ذلك الاستيعاب المتوخى والتمثّل المراد. ولكنّ للأسف هذا غائب عند كثير من الأساتذة.
المراحل والأحداث المهمّة في الدرس
|
الملاحظات المسجّلة |
الأسباب المؤدية إلى الإخفاق
|
|
الأساتذة |
النسبة |
||
2- مرحلة المعالجة ( تحليل الأمثلة واستنتاج الأحكام ) |
– نقص في التحضير التقني والعلمي للمرحلة أو عدمه.
– نقص في التكوين الأولي وفي التكوين أثناء الخدمة بالخصوص. – نقص كبير في تعليمية قواعد اللغة. – نقص واضح في مهارات التدريس، للجهل بتقنيات التحليل والاستنتاج. – عدم بذل الجهد في البحث والتقصي. |
||
– الاعتماد على الملفوظ النظري أكثر من العملي الإجرائي. |
42 |
25.14 % |
|
– نقص في استخدام تقنيات التحليل والاستنتاج والاستعانة بها في معالجة الظواهر اللغوية. |
91 |
54.49 % |
|
– انفراد الأستاذ باستناج الأحكام واستنباط القاعدة. |
17 |
10.17 % |
|
– إملاء قاعدة الدرس دون عملية استنتاج أو استنباط. |
17 |
10.17 % |
|
– عدم الوصول إلى استنباط القاعدة. |
17 |
10.17 % |
أمّا في ما يخصّ أحكام الدرس من حيث تمامها ونقصانها، وصحتها وخطؤها، وترتيبها وعدم ترتيبها، كما يوضّحه الجدول أدناه، فقد لوحظت على 28 أستاذًا أنّ أحكام القاعدة النّحوية موضوع التعليم غير تامّة، فالقاعدة لم تستوف كلّ أحكامها، ولم يشيروا إلى الأحكام الناقصة سواء أكان ذلك سهوًا أم جهلًا.
ولوحظ على 42 أستاذًا أيّ ما نسبته 25.14 % نقص الدقّة اللغويّة والعلمية أثناء معالجة الأمثلة واستنتاج الأحكام، وهذا أمر خطير يجب معالجته في الحال حتى لا يستمرّ الأساتذة في تقديم المعارف اللغوية للمتعلّمين ناقصة أو خاطئة. ولوحظ على 28 أستاذًا آخرين نقص في توضيح بعض المفاهيم النّحوية ومصطلحاتها، وشرح ما يتعلّق بها من تعاريف وتحديدات لغوية، وذلك لعدم تيقّنهم من مدلولها أو لعدم التأكّد منها.
المراحل والأحداث الهامة في الدرس |
الملاحظات المسجّلة
|
الأسباب المؤدية إلى الإخفاق |
||
الأساتذة |
النسبة |
|||
3- أحكام الدرس من حيث تمامها وصحتها وترتيبها |
– غياب التحضير التقني الجاد والمركّز.
– نقص ملحوظ في التكوين الأولي، وفي التكوين أثناء الخدمة. – قلة الخبرة التربوية والبيداغوجية بالخصوص في تسيير المرحلة. – صعوبة ترجمة الأهداف إلى وقائع تعليمية فعّالة ومجدية. |
|||
– نقص بعض الأحكام أو عدم الإشارة إليها. |
28 |
16.76 % |
||
– نقص الدقة اللغوية في توضيح بعض الأحكام ومناقشتها. |
42 |
25.14 % |
||
– نقص توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات في النّحو والصرف، وشرح ما يتعلّق بها من تعاريف وتحديدات لغوية. |
28 |
16.76 % |
||
وفي مرحلة التّطبيق بنوعيّه الفوريّ والكلّيّ، وخاصّة في التطبيق الكلّي، هذه المرحلة التي تعدُّ الفضاء الفعليّ لممارسة المتعلّمين اللغة عن طريق التمارين التي يقترحها الأستاذ عليهم ليظهروا له فهمهم لأحكام الدرس ومدى استيعابهم لمدلولاتها، ومدى قدرتهم على تمثّلها وحسن استخدامها. في هذه المرحلة قد لوحظت على الأساتذة ملاحظات عديدة، كما يظهرها الجدول أدناه.
ففي ما يخصّ التطبيق الفوري، فقد لوحظ على 56 أستاذًا، أيّ ما يقارب ثلث أساتذة العيّنة، أنّ التّطبيقات الفورية المبرمجة بعد الانتهاء من استنتاج كلّ حكم كانت شفوية وبسيطة وقليلة، فهي شكليّة لم تؤدّ غايتها التّربويّة. وعلى 34 أستاذًا أنّهم لم يستعينوا به لتثبيت الأحكام الجزئيّة فور استنتاجها، ليقيّموا مدى استيعاب المتعلّمين لها.
وفي ما يخص التطبيق الكلّي، فقد لوحظ على 67 أستاذًا أيّ ما يمثّل 40.11 % من مجموع الأساتذة موضوع المعاينة أنّ التّطبيق الكلّي المعتمد بسيط وقليل لقلّة الوقت، وليس في مقدوره تقييم الفهم والاستيعاب. وعلى 50 أستاذًا انعدامه تمامًا لانتهاء وقت الدّرس ولم يصلوا إليه بعد.
المراحل والأحداث الهامة في الدرس |
ملاحظة الأساتذة |
الأسباب المؤدية إلى الإخفاق |
|
الأساتذة |
النسبة |
||
4- التطبيقات الفورية والتطبيق الكلّي |
– عدم التحكّم في الوقت. – نقص ملحوظ في التكوين الأولي والتكوين أثناء الخدمة. – قلة الخبرة في تسيير المرحلة. – صعوبة الدرس وكثرة أحكامه. |
||
– نقص التطبيقات الفورية ( قليلة، بسيطة، شكلية، لم تؤدّ وظيفة التقييم ). |
56 |
33.53 % |
|
– انعدام التطبيقات الفورية. |
34 |
20.35 % |
|
– نقص التطبيق الكلّي ( بسيط وشكلي لم يؤدّ وظيفة التقييم ). |
67 |
40.11 % |
|
– انعدام التطبيق الكلّي ( عدم التوصّل إلى التطبيق الكلّي لضيق الوقت ). |
50 |
29.94 % |
لا يشكّ أيّ مربٍ في أهمية التّطبيق في مجال تعليميّة الدّرس اللغوي، ولا في دوره في معرفة مدى تحقيق الدرس أهدافه. فالتّطبيق بنوعيه الفوريّ والكلّيّ هو اختبارات جزئيّة أو مرحليّة وجدت لقياس نجاعة التعلّم، وللكشف عن الاختلالات في تحصيل المتعلّمين للمعرفة اللغوية والمفاهيم النّحوية المدرَّسة، وللكشف من جهة أخرى عن اختلالات التعليم ونقائصه.
وعلى هذا الأساس عدُّه منظرو بيداغوجيا التّدريس بالأهداف وبيداغوجيا التدريس بالكفاءات عنصرًا مهمًّا في طريقة التّدريس. ففي بيداغوجيا التّدريس بالأهداف مثلا يعدّ التطبيق الرّكن الرّابع في طريقة التدريس التي اقترحتها هذه البيداغوجيا،إذ إنّ الدّرس النّاجح في نظرها ينطلق من التخطيط، فالتنظيم، فالإنجاز، فالتقييم أيّ التّطبيق؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى بيداغوجيا التّعليم بالكفاءات. ولهذا، فالنّقص في التطبيقات أو انعدامها في أيّ درس يعدّ إخلالًا بمبدإ مهمّ في التدريس، يترتّب عليه عدم معرفة الأستاذ مدى تحصيل المتعلّمين للمعرفة أو المهارة التي علّمها لهم، ويغيب عن ذهنه ماذا يجري مع شريكه في شأن المعرفة اللغوية موضوع الدرس.
وخلاصة القول، فنشاط قواعد اللغة العربية من النشاطات المعرفية التي تتطلّب من
الأستاذ تكوينًا لغويًّا جيّدا خصوصًا في النّحو، يجعله قادرًا على التحكّم الجيّد في اللغة معرفة وممارسة، ويجعله ملّمًا إلمامًا تامّا بكلّ صغيرة وكبيرة وبالدّقائق المهمّة المتعلّقة بالموضوعات اللغوية المبرمج تدريسها، حتّى يتسنّى له تبليغها صحيحة تامّة وبطريقة تسهّل على المتعلّمين فهمها واستيعاب أحكامها وتمثّل مفاهيمها.
غير أنّ ما لاحظناه، يوضّح أنّ عددًا لا بأس به من الأساتذة في طور التّعليم المتوسط لا يتحكّمون في اللغة التحكّم الجيّد، ولا يلّمون بالدقائق المهمّة المتعلّقة بموضوعات النّحو المقرّرة للمستويات التّعليميّة الموكولة إليهم تدريسها الإلمام الكافي. هذا في الجانب العلميّ المعرفيّ، أمّا في الجانب التّربويّ البيداغوجي، فتوضّح الدّراسة أنّ معظم الأساتذة الذين زرناهم في دروس قواعد اللغة يفتقرون إلى تكوين جاد في تعليميّة اللغة وفي تقنيات تدريس النشاطات اللغويّة المعرفية والمهارية؛ إذ إنّ الإحصائيات تدلّ دلالة واضحة على النّقص الكبير للأساتذة في هذا الجانب، الذي يجب أن يدرك في الحال بتكوين جاد وفعّال.
واقع الممارسة التّعليميّة التعلّمية في الدّرس النّحوي وآثاره على التعلّم اللغويّ
إنّ المتأمّل في نتائج الدّراسة الميدانيّة التي أجريناها لرصد ممارسات الأساتذة التّعليميّة وممارسات المتعلّمين التعلّمية في الدرس النّحوي، وتدبّر قراءتها، يدرك أنّها أبانت عن نقائص كثيرة في ممارسات الأساتذة التّعليميّة، والتي أثّرت كثيًرا في ممارسات المتعلّمين اللغوية، وأضرّت بتعلّمهم للغة عامّة ولقواعد النّحو وتمثّل مفاهيمها خاصّة. ويعزى هذا النقص لعوامل مختلفة كثيرة، منها ما يعود إلى النظام التربوي بكلّ مركّباته، ومنها ما يعود للمحيط الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ بكلّ عناصره، ومنها ما يعود إلى طبيعة اللغة العربيّة اللغوية، ومنها ما يعود إلى تكوين المتعلّمين العقليّ والنّفسيّ واللغوي، ومنها ما يعود إلى الجانب العلميّ والتّعليميّ للأساتذة من حيث تكوينهم التربوي والبيداغوجيّ، ومؤهّلاتهم العلمية، وقدراتهم وأقدميتهم في الممارسة التّعليميّة.
هي عوامل متعدّدة معقّدة مترابطة، لا يمكن الخوض في بيانها وشرحها جميعًا، لأنّ المقام لا يسمح بذلك، وعليه سأتناول في هذا الجزء من المقال الحديث باقتضاب عن العوامل البيداغوجيّة المتعلّقة فقط بالكيفيّة التي جرى بها تعليم درس النّحو وتسيير مراحله، أيّ بالقضايا التي اختيرت بها الأمثلة ومعالجتها واستنتاج الأحكام وإجراء التّطبيقات اللغوية عليها لتقييم فهمها وتحصيلها، وسأقتصر على مراحل الدّرس المهمة.
ففي مسالة الأمثلة بوصفها شواهد ممثّلة لأحكام الدّرس والتي تعدّ كما ذكرنا منطلقا لتدريس موضوعات النّحو، تبيّن أنّ عددا معتبرًا من الأساتذة أخفقوا في إعدادها ( أيّ في اختيار محتواها من حيث قيمتها اللغوية والبيانيّة، وقدرتها على تمثيل الحكم، وكفايتها لتغطية كلّ الأحكام، وحسن إخراجها)، وهذا الإخفاق أثّر سلبا على سير الدرس في تحقيق أهدافه اللغوية، وهذا بدوره أثّر سلبًا على عدد معتبر من المتعلّمين في متابعة الدرس وفهم شروحه واستيعاب أحكامه.
وفي مسألة معالجة الأمثلة واستنتاج الأحكام، تبيّن أنّ أكثر من 54.49 % من الأساتذة لهم نقائص كثيرة في معالجة الأمثلة ( تحليلها وشرحها وتعليلها )، وقد كشفت الدّراسة أنّهم لم يستخدموا التقنيات المهمّة في المعالجة والاستنتاج ( كالملاحظة والمقارنة والموازنة والاستدلال والبرهنة والتّعليل واستخدام السبورة وتكبير المثال والحذف والاستبدال، … )، ما جعلهم يستنتجون الأحكام من غير تبرير وتعليل، وفي بعض الحالات استنتجوها بعد شروح شفوية مقتضبة، وهذا صعّب على المتعلّمين فهم كثير من الأحكام واستيعابها، ومن ثمّة لم يفهموا مفاهيم الدرس ومصطلحاته الفهم المطلوب، ولم يتمثّلوها التمثّل المأمول.
وفي مسالة التطبيقات الفورية الجزئية والكلية أثناء استنتاج أحكام الدرس وبعده، كشفت الدّراسة أنّ ملاحظات كثيرة سجّلت على أساتذة كثيرين، إذ إنّ أكثر من ثلث أساتذة العيّنة برمجوا تطبيقات فوريّة شفويّة قليلة، فكانت بسيطة شكليّة لم تؤدّ وظيفتها التّعليميّة التّرسيخيّة والتقييميّة. وكشفت أنّ عددًا معتبرًا من الأساتذة لم يبرمجوا التّطبيقات الفورية إطلاقًا، وهذا أمر غير مقبول تمامًا.
وفي مسألة التّطبيق الكلّي، بيّنت الدّراسة أنّ أكثر من 40.11 % من أساتذة العيّنة.
برمجوا تطبيقات في نهاية الدّرس ولكن كانت ناقصة بسيطة، أجريت في دقائق قليلة، وأغلبها كان شفويًا. فكانت شكليّة لم تؤدّ مهمتها التّعليميّة واللغوية. وبيّنت الدّراسة أنّ من الأساتذة من داهمهم الوقت، فلم يتوصّلوا إلى برمجتها.
تعدُّ التطبيقات في الدرس اللغوي عامّة والدرس النّحوي خاصّة ضرورة تعليميّة ولغوية لا يجب التفريط فيها ولا التقصير في تحضيرها وحسن إعدادها، لأنّها الفضاء المؤطّر الذي وفّره الدّرس اللغويّ الحديث للمتعلّمين لممارسة اللغة ودعم تعلّماتهم وتعزيزها. ولذاك يعدّ التّطبيق في الدّرس النّحوي فضاء رحبًا لترسيخ معارفهم النّحوية من مفاهيم وقواعد ومصطلحات، لتتأكّد في ذاكرتهم وترسخ على الصورة والفهم والدلالة نفسها، حتى يجري تمثّلها التمثّل المرجو. ومن هنا فانعدام التّطبيقات أو نقصها أو ضعفها يعني عدم الممارسة أو نقصها أو ضعفها، وفي كلّ الحالات يعني ضعف التعلّم واضطرابه.
وعليه فالممارسة اللغويّة في الدّروس النّحوية التي جرت معاينتها، بيّنت أنّ المتعلّمين المؤطّرين من قبل الأساتذة المذكورين أعلاه، لم يمارسوا اللغة الممارسة المطلوبة، ولم يتدرّبوا على استخدام المفاهيم النّحوية وعلى تطبيق أحكام القواعد التي عايشوا أطوار تعليمها التدريب المأمول. فمعظمهم لم يفهموا أحكامًا كثيرة، ولم يستدركوا ما لم يفهموه في حصص التّطبيق، ومن هنا لم يتمكّنوا من فهم معظم قواعد النّحو التي درسوها، واستيعاب أحكامها المهمة، وتمثّلها التمثّل المطلوب الذي يساعدهم على استثمارها في تحسين مستوى تعلّمهم.
بعد البحث في أسباب نقص أداء كثير من الأساتذة موضوع المعاينة في الدّرس النّحوي، تبيّن لنا أنّ الأسباب كثيرة، وأهمّها يعود إلى :
– نقص ملحوظ في التكوين الأوليّ الفعّال الذي يعود إلى تكوين الأساتذة العلميّ في الجامعات.
والمدارس العليا للأساتذة، إذ لم يتكوّنوا نظريًّا التكوين المطلوب في علوم اللغة وبالخصوص في اللسانيات وتعليميّة المواد اللغوية والبيداغوجيا وعلم النفس المعرفي وعلوم التربية.
– نقص في التكوين أثناء الخدمة الذي يجب أن يكون دوريًّا ومنظّمًا ومؤطّرًا، بحيث يتكفّل المؤطّرون بتكوين الأساتذة التكوين العمليّ حسب حاجاتهم التّعليميّة، في طرائق تعليم النشاطات اللغويّة، وكيفيّة التّعامل مع الصعوبات التي تواجههم في تبليغ المعارف وتنمية المهارات.
– قلّة الخبرة ونقص التّجربة لدى بعض الأساتذة، وعدم الاحتكاك بالزملاء والزّميلات ذوي الخبرة والأقدمية لطلب الاستشارة وتبادل معهم الآراء في قضايا التّعليم.
– طبيعة النّحو العربي وصعوبة بعض مواضعه.
– عدم بذل الجهد الكافي في البحث عن أفضل الطرائق والأساليب في تدريس قواعد النّحو.
– نقص في التحضير الجدّي للدروس، والتهاون في بذل الجهد الجاد في ذلك.
الخاتمة
نخلص في نهاية هذا المقال إلى أنّ معظم أساتذة اللغة العربيّة في التعليم المتوسط موضوع المعاينة الميدانيّة كانت ممارساتهم التّعليميّة في الدّرس النّحوي ممارسات ناقصة ومن دون المستوى المطلوب. أثّرت هذه الممارسات على تعلّم المتعلّمين اللغة واكتساب مهاراتها تأثيرًا سلبيًّا بالغًا، وإنّ لهؤلاء الأساتذة نصيبًا معتبرًا من المسؤولية في ضعف كثير من المتعلّمين الذين لوحظ على منجزهم الشفوي والكتابي الضعف والقصور.
وضعف المتعلّمين في اللغة سيظلّ قائمًا ما دامت تعلّماتهم في درس اللغة عمومًا والدرس النّحوي خصوصًا ناقصة وغير مفعّلة، وما دامت ممارساتهم اللغويّة في هذه الدروس غائبة تارة وناقصة أو ضعيفة تارة أخرى. فالتعلّمات المحصّلة التي لا تستخدم في أنشطة دراسيّة هادفة، والأحكام التي لا تستثمر في التأديات الشّفوية والكتابيّة المختلفة مآلها الطيّ والنّسيان، لأنّ اللغة ملكة تكتسب بالدّرس والفهم، وبالدّربة والمران المستمرّين، لا بالحفظ والاستظهار.
وسيستمر النقص والضعف في تعلّمهم ما استمرّت الممارسات التّعليميّة للأساتذة الذين يؤطّرونهم قائمة، ما لم يحسّن هؤلاء الأساتذة مستواهم العلميّ ( في علوم اللغة والنّحو بالخصوص) ومستواهم البيداغوجي حتى يرتقي أداؤهم التعليمي ويجود عطاؤهم.
الهوامش
[1] ينظر : عبد السلام السيد حامد، “في العربية واللسانيات : أسس ومقاربات”، كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2018، ص 97.
2 ابن عرفة بن صافي، تدريس قواعد اللغة في الطور الثالث من المدرسة الأساسية، مجلة همزة الوصل، مديرية التكوين، وزارة التربية الوطنية، الجزائر، عدد خاص : 1991، ص 194.
3 حسن عباس، النّحو الوافي، ج1، ط6، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ، ص1.
4 عبد الرحمان بن خلدون، المقدّمة”، تصحيح وفهرسة أبو عبد الله السعيد المندوه، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت، ط3، د ت، ص 248.
5 المرجع نفسه، ص 248-249.
6- ينظر : عبد السلام السيّد حامد، “في العربية واللسانيات : أسس ومقاربات”، المرجع السابق، ص 99.
7 – المرجع نفسه، ص 99.
8 -ينظر : يحي بعيطيش، “النّحو العربي بين التعصير والتيسير”، مقال منشور في كتاب أعمال الندوة “تيسير النّحو”، الذي عقدها المجلس الأعلى للغة العربية، يومي23 و24 أفريل 2001 بالجزائر، ص 120.
9- المرجع نفسه، ص 120 – 121.
10 -عبد الرحمن الحاج صالح، “بحوث ودراسات في علوم اللسان”، المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية، د ط، الجزائر، 2007، ص 234 – 234.
11- ينظر : مغزي أحمد سعيد، محاضرات في مقياس التطبيقات اللغوية، قسم اللغة العربية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، ص 94 – 95، موقع جامعة سطيف 2، الرابط : http://virtuelcampus.univ-setif2.dz
المراجع
1- ابن عرفة بن صافي، تدريس قواعد اللغة في الطور الثالث من المدرسة الأساسية، مجلة همزة الوصل، مديرية التكوين، وزارة التربية الوطنية، الجزائر، عدد خاص، 1991.
2- حسن عباس، النّحو الوافي، ج1، ط6، دار المعارف، القاهرة، 1979.
3- عبد الرحمن الحاج صالح، “بحوث ودراسات في علوم اللسان”، المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية، د ط، الجزائر، 2007.
4- عبد الرحمان بن خلدون، “المقدّمة”، تصحيح وفهرسة أبو عبد الله السعيد المندوه، مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت، ط3، د ت.
5- عبد السلام السيد حامد، “في العربية واللسانيات : أسس ومقاربات”، كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2018.
6- مغزي أحمد سعيد، محاضرات في مقياس التّطبيقات اللغويّة، قسم اللغة العربية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، موقع جامعة سطيف2، الرابط : http://virtuelcampus.univ-setif2.dz
7- يحي بعيطيش، “النّحو العربي بين التّعصير والتّيسير”، مقال منشور في كتاب أعمال الندوة “تيسير النّحو”، الذي عقدها المجلس الأعلى للغة العربيّة، يومي 23 و24 أفريل 2001 بالجزائر.
[1] – أستاذ في المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، الجزائر- قسم اللغة العربيّة. azzedbek@gmail.com