إقليم خراسان في أواخر العصر الأمويّ (100ه-132ه)
د. منيرة عبد حسن([1])
Abstract
In the name of God ، the most Gracious، the most merciful ، and prayers and peace be upon the messanger 0f God ، Muhammad ،may Gods’ prayers and peace be upon him and his family. The first topic was the study of the geographical and historical conditions of Khorasan until the end of the first Hijri century. The second topic dealt with apolitical study of the Umayyad rulers in the province of Khorasan from (100 – 132 AH) ، In the third topic ، I dealt with the common reasons for the opposition of the Umayyad dynasty in Khurasan in despising r the peraian loyalists and keeping them away from important jobs and exploiting them in the conquests without giving them the gift and their right to taxes .In the fourth topic، Idealt with the oppositions of the province of Khorasan and their real causes from (100 – 132AH) and the confrontations that occurred between the opponents and the rulers of the Umayyads .
The Umayyad Khorasan did not occupy the area that it occupied in the Sassanid era ، which almost occupied all of Sassanid lran ، but rather its area Shrank and became no more than the Gihon river in the north – east and includes the high and sbeyond the Herat river ، as for its administ rative borders، it was wide in most of the Umayyad period ، overlooked Sahistan، Gorgan ، Tabaristan ، Quhistan ، Dehstan ، Khwarazm and the province byond the river because it was the most important out post most of the conquests are directed to wards the East and protect the Umayyad cakiphate from the dangers of astubborn enemy reporesented in the Turks . Those who breathed a sigh of relief for the Islamic comquest ، but considered it aliberation from the Sassanid oppression. As for the aristocratic classes، led by king Yazdger third ، they faced the coquerors.
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم والصلىاة والسّلام على رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم أمّا بعد قد تناولت في بحثيّ هذا إقليم خراسان في أواخر العصر الأمويّ من سنة (100 – 132ه) فكان المبحث الأول دراسة أحوال خراسان الجغرافيّة والتّاريخيّة الى نهاية القرن الهجريّ الأول وقد كان الهدف منه رسم الحدود الجغرافيّة لإقليم خراسان. أمّا المبحث الثاني تناولت فيه دراسة سياسة ولاة بنيّ أُميّة في إقليم خراسان من (100 -132ه) وتناولت في المبحث الثالث الأسباب الشّائعة لمعارضة الدّولة الأمويّة في خراسان في احتقار المواليّ الفرس وإبعادهم عن الوظائف المهمة واستغلالهم في الغزوات من دون منحهم العطاء وحقهم في الضرائب، وتناولت في المبحث الرّابع معارضات إقليم خراسان وأسبابها الحقيقيّة من(100- 132ه) والمواجهات التي حدثت بين المعارضين وولاة بني أُميّة .
المبحث الأول: جغرافية إقليم خراسان
خراسان معناها باللغة الفارسية بلاد الشرق او بلاد الشّمس المشرقة وهي كلمة مركبة (خر) معناها الشّمس و( اسان) ومعناها مشرقة وتنسب الى خراسان ابن عالم بن سام بن نوح (عليه السلام) الذي خرج هو وأخوه هيطل الى ما وراء نهر جيحون واستقر به فهي بلاد الشّمس المشرقة التي تشمل مساحات واسعة تقع الى الشرق من بلاد فارس وتترامى الى نهر جيحون وعرفت في العصور المدنيّة القديمة باسم آريانا نسبة الى أصلى سكانها الأريّ، ولما كانت هذه المنطقة على حساب التنجيم آنذاك مرتبطة بالشّمس سموها خراسان اي ارض الشّمس ولا شك إنّ ذلك التّقييم كان مستمرًا من الفكر اليونانيّ الذي انتشر في إيران في عهد الاسكندر الأكبر الذي ملك بلاد فارس لقد اختلف الجغرافيون القدامى في تحديد حدود خراسان فأدخل بعضهم أقاليم ما وراء النهر فيها كما أدخل البعض أيضًا إقليم سجتان، ويذكر المقدسيّ أّنّ هناك من لم يفرق بين خراسان، وفارس وأبو الفداء يذكر أنّ جميع ما دون جيحون يقال له إيران وهي أرض الفرس، وأمّا ما وراء جيحون فيقال لها توران وهي أرض التّرك ومن الصعب تحديد حدود خراسان تحديدًا دقيقًا، ولعل ذلك يرجع للظروف التّاريخيّة التي مرّ بها الإقليم وتنقسم خراسان جغرافيًّا الى أربعة أقسام :
- ربع نيسابور : يقع في الجزء الغربيّ من خراسان سميت قصبته نسبة الى الملك سابور الثاني.
- ربع مرو: يقع ربع مرو في القسم الشّمالي من خراسان قصبته مدينة مرو.
- ربع هراة : يقع ربع هراة في منطقة تغطيّ غالبيّة الجزء الجنوبي الشّرقي من خراسان وهو يقع اليوم في البلاد المعروفة بأفغانستان قصبته مدينة هراة .
- ربع بلخ: يقع ربع بلخ في الجزء الشّماليّ الشّرقيّ من خراسان وهو يقع اليوم في البلاد المعروفة اليوم بأفغانستان عاصمتها مدينة بلخ.
إنّ الفتح الإسلاميّ لخراسان لم يحصلى دفعه واحدة بل عبر مراحل شملت عهودًا كثيرة ابتداءًا من عهد الخليفة عمر بن الخطاب( رضى الله عنه) واستمرت بعد الخليفة عثمان ومعاوية بن أبيّ سفيان ( رضى الله عنهم) والكثير من الخلفاء الأمويّين وارتبط تاريخ خراسان بتاريخ أغلب الأقاليم الشّرقيّة مثل سجتان وجرحان وطبرستان وقهتان ودهستان وخاصة إقليم ما وراء النّهر وعدّ خراسان ثغرًا إسلاميًّا مواجها لأعدائهم الأتراك الذين كثيرًا ما وحدوا قواتهم للقضاء على المسلمين. هذا هي الأسباب التي أدت الى صعوبة تحديد حدود خراسان وجغرافيتها.
المبحث الثاني: ولاة بنيّ أُميّة في خراسان وسياستهم(100-132ه-718-749م)
- إذا كان ولاة بني أُميّة في خراسان في القرن الهـري الأول (41-99 ه) قد تمكنوا من حلّ جل مشاكل الإقليم فإنّ الولاة الأمويّين في الثلث الأول من القرن الثاني الهجـري وبخاصة المتأخرون منهم لم يتمكنوا من ذلك على الرّغم من حنكتهم ومحاولاتهم الجادة، وذلك لأنّ مشاكل الإقليم لم تعد بسيطة كما كانت عليها في القرن الهـجري الأول بل تعسرت، وظلت تتعثر كلما اقتربنا من نجاح الدّعوة العباسيّة، وسقوط دولة بني أُميّة الذي أصبح محيطًا بالمعارضين، وأرضًا خصبة لأصحاب الدّعاوي وملتقى للثّورات الناتجة عن العصبيّة القبليّة. الواليّ الجراح بن عبد الله الحكمي ّ(99-100ه-717-718م) عندما حلّ القرن الهجريّ الثّاني على خراسان كان يتولاها الجراح بن عبد الله الحكميّ الذي كان قد ولاه عليها وعلى إقليم سجستان الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد أن حبس يزيد بن المهلب وعزّ له ابنه مخلدًا وذلك سنة 99هـ وربطه مباشرًا أمام الخليفة([2]) . وما إنّ وصلى الجرّاح الى مرو حتى قام بإرسال حملة بقيادة ابن عمه جهم بن زحر الجّعفيّ لغزو قصبة أخرى كان قد خطط لها، وقد انتصر عليه انتصارًا لم يتحقق مثله من قبل([3]) .ففرح الجراح كثيرًا وبعث وفدًا الى الخليفة عمر بن عبد العزيز يخبره بذلك حتى يصفح على جهم الذي كان قد تمرد على الوالي في البصرة عُدي بن أرطا بعد ما بعث يعزله من جرجان التي كان واليًّاعليها، وقام بحبس عاملها الجديد واتهم الجراح مباشرة بأخذ الجزية ممن أسلم، ولكنه أعطى مبررًا مقنعًا أنتم تسلمون فرارًا منها واتهم الجراح بعصبيته المطلقة بعد ذلك استدعاه الخليفة وعزله، وذلك في شهر رمضان سنه100هـ بعد ولاية دامت عامًا ونصف([4]). لقد كانت خراسان في عهد الجراح مضطربة تشهد بعض التمردات وقد عمل على نشر الاسلام تحت اشراف الخليفة فبعث بالقائد السليط بن عبد الله الحنفي الى التبت وذلك بعد ما وصلىه وفد منهم يسالونه ان يبعث اليهم من يعرض عليهم الإسلام([5]) وكانت النتيجة ان دخل فيه منهم اكثر من اربعة الاف كما بعث بالقائد عبد الله بن محمد اليشكري الى ما وراء النهر ليعيد فتح بعض من اتفقوا الصلىح فيه([6]).
- الواليّ عبد الرحمن بن نعيم الغامدي 100-102هـ
لما أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز اختيار والٍ على خراسان وسجستان بديلًا عن الجراح طلب احضار رجل صدوق عالم بأحوال الإقليم ورجاله فقال له عليك بابي محلز([7]) فاحضره وسأله عن عبد الرّحمن بن نعيم الغامديّ فقال: ضعيف لين يحب العافيّة، وتأتي له جعل الخليفة امير خاصًا لجبايّة الأموال والخراج ليكون مسؤولًا مباشرة أمامه وهو عبد الرحمن بن عبد الله القشيري الذي كان ذا همة، ولقد كان الخليفة عمر يعدُّ خراسان أهم وأعظم ثغر في البلاد([8]) لذا وجه لها الكثير من الاهتمام حتى تشهد استقرارًا ملحوظًا في عهده فعمل على اختيار عبد الرحمن بن نعيم الرّجل اللين الضعيف الذي لا يرغب في الحروب، وأبعد الإقليم عن العصبيّة القبليّة([9]) ثم عمل على إبعاد الإقليم من فوضى الغزوات اللامتناهيّة التي كانت تقوم على إقليم ما وراء النّهر فمنع عبد الرحمن بن نعيم من الغزو نهائيًّا كما ظل الخليفة دائمًا فطنا يقظًا مراقبًا لولايته وعماله في الإقليم([10]).لقد سار عبد الرحمن بن نعيم على أوامر الخليفة عمر فضل في مهامه حتى مات الخليفة. أمّا عبد الرحمن بن عبد الله القشيري فيبدو أنّه لم يحسن التصرف لأنّ الخليفة أسرع في عزله وعين عقبة بن زراعة الطائي بديلا عنه([11]).
- الوالي سعيد بن عبد العزيز 102-103هـ:
لما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلب الذي كان قد هرب من السّجن عند مرض الخليفة عمر بن عبد العزيز مرضه الأخير في سنة 101هـ والتجأ الى البصرة ، وقد تمرّد على الخليفة الجديد يزيد بن الملك وأعلن عزله([12]) جمع الخليفة يزيد لأخيه مسلمة ولاية الكوفة والبصرة وخراسان تكريمًا له وذلك في سنة 102هـ فاستعمل خراسان صهره، لقد كان لقب خذنيه بمعنى دهقانه منطبقًا على شخصية سعيد بن عبد العزيز الذي كان ليّنًا الى حد أنّه سمع بثورة الصفد في سمرقند وبتحالف هؤلاء مع من حولهم من الأتراك، ولم يحرك ساكنًا فلامه الناس كثيرًا على تركه للغزو ([13]) ويبدو أنّ هذه الليونة في شخصه جعلته يتعصب لقبيلة قيس ويسيئ كثيرًا في معاملة الأزد كما جعلته يهون أصعب الأمور، ويتغاضى عن الغوص فيها فعلى الرّغم من أنّ جماعة من رجالات القوم أخبروه منذرين أنّ ها هنا قوم قد ظهر منهم كلام قبيح قاصدين بذلك الدّعاة العباسيين الذين بدأوا يتوافدون على خراسان منذ سنة100هـ فإنه لم يصدقهم واقتنع سريعًا بما أبلغه هؤلاء الدّعاة أنّهم تجار مشغولون بتجارتهم([14])
- الوالي سعيد بن عمرو الحرشي(103-104هـ)
لم ينفع مسلمة بن عبد الملك أن يكون ذا عقل كامل وأدب فاضل خراج العراقيين، وخراسان للخليفة يزيد بن عبد الملك فرغب الخليفة في عزله لكنه استحيا، فاكتفى باستدعائه وفي الوقت نفسه وجه عمر بن هبيره الفزاري واليًّا على أعمال العراقيين الذي ما إن وصلى العراق حتى عزل كل عمّاله سلفًا، لكنه أبقى سعيد بن عبد العزيز في مهامه الى أن وصلىت شكاوى من بعض عماله في خراسان فعزله، وولى سعد بن عمرو الحرشي وذلك سنة 103هـ([15]). ما إن وصلى سعيد الحرشي خراسان حتى حثّ النّاس على الجهاد قائلًا:” إنّكم لا تقاتلون عدو الإسلام بكثرة ولا بعده ولكن بنصرة الله وعزّ الإسلام فقولوا لاحول ولا قوة الا بالله فانتشر صيته، وانزعج له الصفد وخافوه خوفًا شديدًا، وبخاصة أنّهم كانوا قد تعاونوا مع الأتراك ضد المسلمين([16]). وقد استطاع الحرشي من محاصرة فرغانه، فطلبوا منّه الصلىح فصالحهم الحرشي على أن يردّوا ما في أيديهم من نساء العرب وذراريهم، واشتهر كثيرًا بشجاعته فهوا من الأبطال المشهورين الذين حققوا نجاحات مبهرة ومع ذلك عزله عمر بن هبيرة وكاد أن يقتله([17]) ومهما كانت الأسباب فيبدو أنّ الذي كان بين ابن هبيرة والحرشي ما هو إلّا منافسة للوصول الى قلب الخليفة يزيد بن عبد الملك، وبخاصة أنّ ذلك عرف بين رجالات قبيلة قيس التي كان قد اعتمد عليها الخليفة اعتمادًا كليًّا([18]).
5-الوالي مسلم بن سعيد بن أسلم (104-106هـ)
استخلف عمر بن هبيره مسلم بن سعد على خراسان الذي ما إن وصلىها حتى بدأ استعداده لغزو الصفد، والترك بما وراء النّهر لكنه لم يتمكن من التّغلب عليهم فعاد الى مرو لينطلق في سنة 105هـ لغزو أفشينة التي تمكن منها، وصالح ملكها على ستة الآف رأس فلما بلغ بخارى بلغه خبر وفاة الخليفة يزيد بن عبد الملك، وتولي هشام أخيه الخلافة في شعبان 105هـ الذي سرعان ما عزل عمر بن هبيرة وعين خالد بن عبد الله القسريّ على العراقيين الذي كتب الى مسلم بأمره بإتمام غزواته، فسار الى فرغانة إلّا أنَّ العديد من جنده وعددهم أربعة الآف فروا من المواجهة ومضى حتى دخل أرض الترك، ولكنّهم هـمّوا عليه وهزموه فلم يستطيع أن ينصرف راجعًا الى المدينة عبر نهر الشّاش إلّا بمشقة كبيرة، وهناك بلغه خبر عزله وذلك سنة 106هـ لقد شهدت خراسان في عهد مسلم بن سعيد اضطرابًا عربيًّا كبيرًا تسبب في بدايته الأمير عمر بن هبيرة أولًا وذلك لأنّه فرض على سعيد أن يأخذ أموالًا([19])
6-الوالي أسد بن عبد الله القسريّ (106-109هـ)
استخلف خالد بن عبد القسري أمير العراقيين أخاه أسدًا الذي لا يزال شابًا على خراسان التي ما إن دخلها حتى تهيّأ لقطع النهر لاستكمال الحرب مع الصفد، فسار حتى أتى مدينتهم سمرقند وأعاد فتحها، واختار الحسن بن ابي العمر طه الكندي عاملا عليها([20]) بعد أن عاد أسد من غزو سمرقند وجه اهتمامه الى داخل خراسان حيث ظلت هناك بعض المناطق تحتاج الى إعادة غزو فغزا في سنة107هـ جبال نمرون، وصالح ملكها الذي اعتنق الإسلام([21])وفي سنة 108هـ توجه أسد الى قصبة في حوض نهر جيحون، لكنّه لم يحقق انتصارًا يذكر ما دعاه للعودة الى بلخ بعد أن تعرض جنده الى جوع شديد، لقد أحب أهل خراسان أسدًا كثيرًا وتفاءلوا به ووصفوه بالواليّ الجود الشّجاع ، فاتهمه بعض المصادر بالعصبيّة لأهله في اليمن. ويذكر الطبريّ وابن الأثير أنّه قام بضرب عدد كبير من أشراف مضر لأنه تعصب لأهله، ومهما يكن فقد اضطربت خراسان بعد هذه الأحداث وبلغ أمرها الى الخليفة هشام الذي أسرع الى مكاتبة الأمير خالد في العراق قائلًا اعزل أخاك فعزله، وشخص الى العراق ومعه من دهاقين خراسان الذي أحسن معاملتهم فارتبطوا به([22]).
7– الوالي أشرس بن عبد الله(109-111هـ)
ولى الخليفة هشام خراسان بعد أسد اأشرس بن عبد الله السلميّ، وأمره أن يبلغ خالدًا بذلك، فدخل الأشرس الإقليم وهو لا يزال مضطربًا([23]) فتولى صغير الأمور وكبيرها لإصلىاح الوضع ثم فكر في تهدئة أهل الصفد، وجعل حدًا لخروجهم من الدّولة الأمويّة بنقضهم المتواصلى للصلىح، فآثر أن يسلك معهم الطريق الذي كان قد سلكه معهم الخليفة عمر بن عبد العزيز، وشجعه على ذلك كاتبه المولى عمير اليشكري([24]). لقد وصلى القائد قطن بن قتيبة بن مسلم مع عشرة الآف جنديّ الى بيكند إلّا أنّهم حوصروا جميعًا من الأتراك الذين قطعوا عنهم الماء حتى مات حوالى سبعمائة من المسلمين، لكنّهم تمكنوا في الأخير من الخروج من المأزق، وبدأ الأشرس يتهيأ لغزو كمرجة التي كانت قرب بيكند، وما إن وصلىها حتى أعاد الترك إلى حصاره ، واستمروا في ذلك ثمانية وخمسين يومًا، لكن المسلمين لم يستسلموا حتى لم يجد التّرك بدًّا من ذلك الحصار وأعطوهم الأمان على أن لا يلحقوا بالجيش التّركي الأساسي الموجود ببخارى([25]).
لقد ساعد فشل الأشرس أمام خاقان الأتراك كثيرًا حيث أصبحت أيديهم طليقة متفرغة لمحاربة المسلمين. لم يستطيع الأشرس أن يفتح أو يعيد فتح أيّ أراضٍ في ما وراء النّهر ومع ذلك فقد رضى النّاس عنه، وأحبهم لأنّه كان رجلًا فاضًلا حتى اطلق عليه اسم الكامل وهذا لأنّه أحسن من تهدئة أوضاع خراسان التي كانت ساخنة قبل وصوله اليها بالعصبيّة القبليّة([26])
8-الوالي الجنيد بن عبد الرحمن المري(111-116هـ)
لقد سارع الخليفة هشام في عزل الاشرس وتوليه الجنيد بن عبد الرحمن على خراسان، وكان جنيد في الهند وعاد منها ومعه خمسمائة من جند الشّام، وأنّه عمل على التّقرب من الخليفة هشام وقدم له بعض الهدايا النّفسية، فولاه على خراسان ولا شكّ أنّ الخليفة هشامًا وهو الرجل المهزوم بل أهزم خلفاء بني أُميّة([27]) عرف بغزارة العقل، والحلم والعفة لم يولِ الجنيد على خراسان لأنّه تقرب منه وأهداه إلّابعد دراسته دراسة جيدة اقتنع على أثرها بشخصيته([28]) لقد بادر الجنيد فور وصوله الى خراسان الى نجدة الأشرس الذي عاود التّرك حصاره في سمرقند، فاتجه اليها وتمكن من التّغلب على جموعهم عند مدينة زرمان ثم فكّ الحصار عن سمرقند. أرسل الجنيد في سنه112هـ عدة حملات حربيّة الى نواحّ عدة تمردت وخصوصًا ناحية صخرستان نجراستان، لقد استمر الاستقرار في نجارى وسمرقند بعد ذلك الى ما بعد وفاة الجنيد. لقد أحبّ أهل خراسان الجنيد كثيرًا وتوجعوا لمرضه الذي مات على إثره . فهو وإن استعمل كل عماله من مضر فلم يكن متعصبًّا وقد تزوج من الفاضلة بنت يزيد بن المهلب الأزدي الزواج الذي كان سبب عزله ([29]) لقد أحسن الجنيد معالجة مشاكل خراسان، فقد تمكن من إعادة استقرارها وأبقى الأسعار رخيصة فضلًا عن أنّه كان يبادر إلى إعطاء المال لمن يسأله من الفقراء، لذا يشترك الجميع بوصفه بالفاضل السّخيّ وجعلوه في مرتبة الأجاود الممدوحين مع أنّه غير محمود عندهم في حروبه([30]).
9- الوالي عاصم بن عبد الله(116-117هـ)
كان الجنيد قد استخلف ابن عمه عمارة بن حريم على خراسان، لكن الخليفة هشام كان قد عزل الجنيد قبل موته لأنّه عدَّ زواجه من الفاضلة بنت يزيد بن المهلب الذي سبق أن ثار على الدولة خيانة، ونصّب مكانه عاصم بن عبد الله الهلاليّ، وما إن بدأ عاصم مهامه حتى أدرك أنّه من الصعّب عليه التّحكم في أمور الإقليم، وازداد هذا الإحساس فيه بعد أن خرج عليه الحارث بن سريج الذي لبس السّواد، ودعا الى كتاب الله وسنه نبيه والبيعة للرضا([31]). وفي الواقع إن أمور خراسان لم تكن تفلت من يد واليها بعد. وما أسرع عاصم في مكاتبة الخليفة الأعلى تلك الشّخصيّة الضعيفة ذلك لأنّه كان من شيمته الهروب من الغوص في المشاكل وحلّها، وحدث هذا حينما علم أنّ أهل مرو يكاتبون الحارث، فاختار الهروب منها والالتحاق بقومه القيسيين في نيسابور، ولم يتنازل عن رأيه إلّا عندما أعطاه أهلها بيعتهم بالطلاق، وأنّ عاصم ندم على بعثه بالكتاب الى الخليفة، وأخبر أصحابه أنّه ينتظر منهم مشوارة إلا أنّ بعضهم تعجبوا لفعلته واستهزأوا به ([32]).
10-الوالي أسد بن عبد الله القسريّ(117-120هـ)
انتهى الخليفة هشام الى عزل عاصم، وضم خراسان الى العراق، وقد كان خالد ابن عبد الله القسري لا يزال واليًّا عليها، ما جعله يعيد أخاه أسدًا من جديد على ولاية خراسان([33]). كان فخر الأسد بن عبد الله أن يعود الى خراسان للمرة الثانيّة، فعمل منذ أن دخلها على كسب ثقة الخليفة وأهلها لقد بادر أسد مهامه بحبس عاصم ومحاسبته عن الأموال التي انفقها، ثم أطلق سراح عمال الجنيد المسجونين، وتمكن أسد من التّغلب على الحارث الذي التجأ الى أصهاره بني برزي([34]) وفي سنة 118هـ خرج أسد غازيًا في ما وراء النّهر قاصدًا الختل، وما إن علم أميرهم بقدوم أسد حتى استجاش بخاقان التّرك، وقد أبلغ أسدًا بذلك الذي سرعان ما اختار الانسحاب، وقد استطاع أسد أن ينتصر على خاقان الترك، وتمكن من أخذ الكثير من الأسرى التّرك والغنائم ثم همّ بالرجوع الى بلخ، وذلك لأنّ الشّتاء حال دون مطاردة خاقان. كان الخليفة هشام قد عوّد نفسه على تلقي أخبار النّكبات على خراسان . فلما وصلىته أخبار انتصار أسد على خاقان لم يكن يصدق. وذلك في أول سنه 120هـ توفى أسد بن عبد الله القسري ببلخ بعد أن انقطعت دبيلة في جوفه، وكانت وفاته صدمة كبيرة للعرب الذين اجتمعوا على حبّه وتجليله، أمّا العجم فلم يحبوا واليًّا مثلما أحبُّوا أسدًا الذي أحسن معاملتهم منذ ولايته الأولى في خراسان، وكان خبر عزله مصيبة لهم جعلت عددًا كبيرًا من الدهاقين يختارون الخروج من الإقليم والذّهاب الى العراق معه([35]).
كان الخليفة هشام يستشير أصحابه في الرجل الذي يصلىح لخراسان، ووقع اختياره في الأخير على نصر بن سيار الذي كان قد نشأ وشبَّ فيها. وهو في خدمة آل أُميّة على الرّغم من أنّ أصحابه لم يحبذوا ذلك لأنّ نصرًا لم تكن له عشيرة يستند اليها في خراسان، فهو من قبيلة كنانة الصغيرة([36]) لقد كان الخليفة هشام متفائلًا بتوليه نصر بن سيار([37]) الذي اتفقت المصادر والمراجع على وصفه بالرّجل الفطن العاقل العفيف المجرب العالم بالسياسة، فأسرع يبعث عهده على خراسان الذي وصلىه رسميًّا في رجب سنة 120هـ([38]) لقد بادر نصر مهامه بعزل عمال سلفه أسد بن عبد الله القسري وتوليه عمال كلهم من مضر وخاصة من تميم([39]) استطاع نصر فتح سمرقند ثم توجه الى مدينة أشروسنة قاصدًا الشّاش في النّواحي الشّمالية والغربيّة لنهر سيحون بصحبة عشرين ألفًا من أهل بخارى وسمرقند وكش وأشروسنة([40]) وقد غزا نصرًا ما وراء النّهر في سنة 121هـ ثلاث مرات وفي سنة 123هـ صالح نصر بن سيار الصفد، وسمح لهم بالعودة الى بلادهم التي كانوا قد خرجوا منها. لقد استمر نصر في سياسته الحكيمة فعمر خراسان كما لم تعمر من قبل وأحسن الولاية والجباية فنال رضا الناس، واستمر مباشرة الغزو فغزا فرغانة مرة ثانية في سنة 123هـ ([41]) . لقد ظل الخليفة هشام متفائلًا بنصر بن سيا،ر ولم يبادر إلى عزله على الرّغم من محاولات يوسف بن عمر الجادة الى ذلك إلّاأان مات الخليفة سنة 125هـ إثر ذبحة صدرية أصابته، فبويع للوليد بن يزيد خليفة. لقد بادر يوسف أمير العراقيين إشرافه على خراسان بعزل نصر بن سيار([42]). وفي شهر ذي الحجة سنة 126هـ توفى الخليفة يزيد بن الوليد الذي لم يستمر بالخلافة سوى خمسة أشهر والذي كان قد عهدها لأخيه ابراهيم. وكانت أحوال خراسان تنذر بالخطر فلم يستطيع نصر بن سيار كسب رضا الحارث بن سريج الذي كان قد دخل بأمان من الخليفة غير أن إعلان أبي مسلم الخراساني القائم بالدّعوة العباسيّة بخراسان دعوته جهرًا في رمضان سنة 129هـ وتمكنه من التّوسع في قرى ومدن كثيرة على رأسها مدينة هراة أرعب العرب، وجعلهم لا يجدون سبيلًا إلّامؤازرة الخلافة . نستنتج مما سلف أنّ أحوال خراسان في الثلث الأول من القرن الهجـري الثّاني كانت تنذر بنهاية الدّولة الأمويّة فيها، ولم يكن الخطر كامنًا في عدوها التّقليديّ الأتراك الذين حاولوا طرد العرب المسلمين من الإقليم .
وكاد خاقائهم أن يحقق ذلك سنة118هـ . وقد دخل طخرستان متوجهًا الى الغرب لولا شجاعة الوالي أسد بن عبد الله القسري الذي تمكّن من التغلب عليه، وجعله يقطع جيحون هاربًا بل إن الخطر أصبح في كثرة المعارضات التي انفجرت في داخلها والمتمثلة في معارضة القبائل العربيّة النّاتجة عن العصبيّة والمعارضات المذهبيّة الخارجيّة التي تعاظمت حتى لم يتمكن الولاة وبخاصة المتأخرون منهم على الرّغم من حنكتهم من التّغلب عليها فتصاعدت وانتهت بنجاح الدّعوة العباسيّة([43]).
المبحث الثالث: دراسة الأسباب الشّائعة لمعارضة الدّولة الأمويّة في خراسان
من الأسباب الرئيسة لمعارضة الدّولة الأمويّة في خراسان هي:
- تعصب الأمويّين ضد الموالي الفرس الذي تمثل في اضطهادهم واحتقارهم وإبعادهم عن المناصب المهمة، واستقلالهم في الفتوحات من دون منحهم العطايا.
- خنق أهل الذّمة والجزية والخراج، وإبقائها على من أسلم منهم.
ابتعد بعض الخلفاء وولاتهم عن الدّين الإسلاميّ، ما جعل الخراسانيين يتعقبونهم ويلتفون وراء أيّ دعوة تدعو الى الإطاحة بهم. لقد اتهم الكثير من المؤرخين المحدثين بنيّ أُميّة بالتّعصب ضد الموالي الفرس وإبعادهم عن المناصب المهمة([44]). لقد كان للمولى الفرس الحق في اختيار واليهم وقد اعتمد بنو أُميّة على الموالي، وبالأخص الفرس منهم وعينوهم في أرقى المناصب حتى أصبح نصيبهم فيها أكبر من نصيب العرب أنفسهم([45]) وكان الوالي قتيبة بن مسلم يختار رجالًا من الموالي ليجعلهم في طليعة الجيش، كما كانت له هيئة من المتشارين،كما سيطر الموالي الفرس على مهام الإمام الرّسمي ليس فقط في الإقاليم التي كانت تحت حكم الساسانيين حتى في مصر، حيث يذكر ابن التغري بردي أن الليث ابن سعد مولى أهله من خراسان كان أمامًا في عهده حديثًا وفقهًا([46]) لقد رأى الخليفة معاوية بن أبي سفيان منذ أن كان واليًا على الشّام أنّ النّصارى من الرّوم والعرب أكثرهم في ولايته، وأنّهم يحتلون كل مرافق الحياة لقد أخذ الأمراء والولاة الأمويّين العبرة من خليفتهم معاوية في تنصيب أهل الذّمة([47]). لقد حاول الخليفة هشام بن عبد الملك أن يطبق قرار الخليفة عمر، وأرسل يطلب إبعاد الكاتب حسان النّطيّ النّصراني الذي كان مساعدًا لمحمد بن المنتشر على ديوان العراق لكنّه أسلم حفاظًا على منصبه([48]) .
المبحث الرابع: معارضات إقليم خراسان وأسبابها الحقيقيّة(100-132هـ/718-749م)
لقد تواصلىت البعثات الرّسمية العسكريّة منها، والمدنية بالتدفق على خراسان في الاثنين والثلاثين سنة الأولى من القرن الهـجري الثاني، فيُذكر أن الوالي الجنيد بن عبد الرحمن دخل مرو سنة 112هـ في خمسمائة من العرب، وأنّ جيشه تكبد خسائر فادحة في معركة الشّعب بسمرقند، أمّا الأماكن التي سكنها العرب في خراسان، فهي صعبة لدرجة التعقيد لكنهم شاركوا السّكان الأصلىيين مدنهم وقراهم([49]) . لقد كان عرب خراسان على اختلاف كبير في المذهب في الاثنين والثلاثين سنة الأولى من القرن الهجـري الثانيّ. أمّا اللغة العربية فقد تزامن انتشارها في خراسان مع بداية الفتح الإسلاميّ لها([50]) ، وقامت بالدّور الأكبر طيلة العصر الأمويّ قبيلة تميم التي كانت أكبر قبيلة عربية في الإقليم ومع ذلك لم تنل اللغة العربيّة ما ناله الإسلام في الانتشار لقد فشل العرب في تغيير العادات والتّقاليد الفارسيّة لسكان خراسان الأصلىيين على الرّغم من دخول أغلبيتهم الإسلام([51]) وعلى الرّغم من كثرة التمازج والتزاوج بينهم([52]) . أمّا عبد الملك بن مروان فقد عمل على تخفيف حده العصبيّات القبليّة، وسامح القيسيين وقربهم اليه كما قرب اليه الكلبيين أيضًا، وأمّا الخليفة سليمان بن عبد الملك فقد كان من هواة الأزاد وخلفائهم اليمنيين، فلقد انخفضت في عهده منزلة المضريين كلهم وبخاصة أكبر قبائلهم([53]). وأمّا الخليفة عمر بن عبد العزيز ساوى بين كلّ العرب ولم يختر منّهم إلا الأصلىاح والأكفأ لاستخدامه في المهام الكبرى, أمّا الخليفة يزيد بن عبد الملك فقد اعتمد على القيسيّة، وقربهم منه، وأمّا الخليفة هشام فيظهر أنّه كان رجلًا عملًّيا لايهمه إلا السير الأفضل في أمور الدّولة، لذا نجده يعتمد على المضريين واليمنيين معًا، وأمّا الخليفة الوليد بن يزيد بحكم أنّه من أمّ قيسيّة فقد قرب أخواله وأبعد اليمنيين، وأمّا الخليفة مروان بن محمد فقد اعتمد اعتمادًا كاملًا على المضرية، وبخاصة منهم القيسيّة ما أبعد عنه اليمنيّة جميعًا والذين اختاروا بالأخير الميل للدّعوة العباسيّة([54]).
المعارضات العربية للحكم الأمويّ في خراسان في الاثنين والثلاثين سنة من القرن الهـري الثاني هي:-
1- معارضات البروقان (106هـ):
حدثت هذه المعارضة في سنة 106هـ في عهد الوالي مسلم بن سعيد بن زرعة على خراسان؛ عندما كان يهدف الى غزو فرغانة مع جموع العرب، لكن الأزد وبكر أعلنوا تمرّدهم على الوالي في مدينة بلخ، وامتنعوا من اللحاق به متذرعين في الظاهر أنّه لم يدفع لهم عطياتهم مضمرين في الحقيقة التمرد والعصيان([55]) .
2-معارضة الحارث بن سريج (116-128هـ):
تُعدُّ معارضة الحارث بن سريج التّميمي المرجئي معارضة قبليّة عقائدية مزقت بني تميم، ولم تتمكن من جمعهم كلّهم في صفها، كما مزقت المرجئة وجمعت كل من أصبح يقول قول جهم بن صفوان في الإعمال أو الإكساب([56]) كان الحارث بن سريج بطلًا شارك في قتال الأتراك مساندًا ولاة خراسان وكان هو الذي حرض الناس على الثبات عندما أشرف المسلمون على الموت عطشًا أمام حصار الترك في بيكند([57]) .
3-معارضة جديع الكرمانيّ(126-130هـ):
لقد بدأ جريح الكرماني يفكر في الخروج على الوالي نصر بن سيار منذ أن عزله من الرّياسة وولاها لغيره، وكانت فرصته عندما ظهرت بعض الفوضى بين النّاس لأنّ الموالي لم يتمكنوا من دفع عطياتهم نقدًا وعوضوها ببعض أوانيّ الذّهب والفضة التي كانت قد صنعتها لتهديها للخليفة الوليد بن يزيد([58]).
4-معارضة يحيى بن يزيد(126هـ):
تعد ُّمعارضة يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) امتدادًا لمعارضة أبيه يزيد الذي خرج عن الخليفة هشام بن عبد الملك في سنة 121هـ بالكوفة، بعدما تناظر معه، وأكرهه قول ذلك لأنّه كان يرى نفسه أولى منه بالخلافة([59]).
5- معارضة عبد الله بن معاوية بن جعفر الطيار(127-130هـ):
لقد استغل شيعة الكوفة فرصة اضطراب أجيال بني أُميّة في عهد الخليفة يزيد بن الوليد بن عبد الملك وأغروا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالخلافة، لقد اهتم الخليفة مروان بن محمد بمحاربة عبد الله بن معاوية وخوّل الأمر الى أميره على العراقيين يزيد بن هبيرة الذي أسرع في إرسال قوات احلته سريعًا، دفعت الهزيمة بعبد الله الذّب الهرب الى سجستان ثم قصد خراسان طمعًا في نصرة أبي مسلم الخراساني له، ويجب أن نذكر أنّه كان لعبد الله بن معاوية آثار سيئة على الدّين الإسلاميّ ذلك لأنّه أنشأ مذهبه القائل بتناسخ الأرواح فروح الله تناسخت حتى وصلىت اليه، ووصلىت فيه كما أنّه ادّعى الألوهية والنّبوة معًا([60]).
- المعارضة العباسيّة:
قامت معارضة البيت العباسيّ من آل هاشم الذي ينسب الى العباس عم الرّسول (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يطمح في خلافة الرّسول (صلى الله عليه وسلم) لأنّ أسلافه المتأخرين لم يعطوه نفوذًا وصيتًا يسندهم بين المسلمين([61]) لقد اهتم عبد الله بالعلم كثيرًا ما جعله ما يبرز ويبتعد من التفكير في الخلافة، بل إنّه سالم الأمويّين وأعلن خلافه لعبد الله بن الزبير بعد ما أخرج محمد بن الحنفية من مكة وأوصى لابنه عليًّا بها([62]) . لقد اكرم الخليفة عبد الملك بن مروان عليَّا وقربه، لكنّ هذه العلاقة سرعان ما تغيرت، وذلك عندما تزوج عليّ زوجة عبد الملك الطالق فأصبح الخليفة يُذمه. لقد اختلفت الآراء كثيرًا في شخصية علي فقد رآه البعض مسالمًا وجديرًا بالثقة التي أولاها الأمويّون له، ويرى آخرون رأس الدّعوة العباسيّة([63]). لقد بدأت الدّعوة العباسيّة السّريّة في سنة 100هـ عندما سير محمد دعاته الى الآفاق للدّعوة سرًّا للرضا من آل محمد لقد كان أبو هاشم ومناصروه من أهل تلك النّاحية مصدر صلة بمحمد بخراسان([64]).
لقد كانت خراسان الاختيار الأفضل ذلك أن الأمصار العربيّة، كانت تشغلها الأحزاب السياسيّة في سنة 119هـ أخذت الدّعوة العباسيّة منعطفًا جديدًا، وذلك حينما بعث بكير بن ماهان عمار بن يزيد داعية على خراسان، فنزل مرو وغيّر اسمه وتسمى خداش وبدأ الدّعوة، وأقبل عليه النّاس. لقد أصبحت الدّعوة العباسيّة في موقف سيء مع الخداش الذي أساء الى مبادئها وأبعد الكثير عنها من هنا كانت حربها([65]) .
بدأ إبراهيم مساره بأن بعث في سنة 126هـ بكير بن ماهان الى خراسان، ومعه السّيرة والوصيّة لم يرض النّباء والأنصار بأبي مسلم عندما وفد اليهم في خراسان على الرّغم من أنّه كان يحمل معه كتابًا من إمامه ابراهيم وفي سنة 129هـ اشتدت فتن العصبيّة القبليّة في خراسان ورأى سليمان ابن كثير أن الوقت المناسب للنجاح قد حان ([66]).
بعد ما علم أبو مسلم الخراساني بتعاقد العرب مع الوالي نصر بن سيار انتقل سريعًا الى قرية الين، لكن نصرًا الحق به بعض الجيوش التي لم توفق في مهامها ما جعل أبا مسلم يحس بالغلبة، وبخاصة أنّ أنصاره كانوا قد تمكنوا من السّيطرة على بعض المدن المهمة مثل هراة ومرو الروذ([67]).
الخاتمة
لم تكن خراسان الأمويّة تحتل المساحة التي احتلتها في العصر الساساني التي كادت أن تحتل إيران الساسانية كلها بل تقلصت مساحتها وأصبحت لا تتعدى نهر جيحون في الّشمال الشّرقي وتضم مرتفعات ما وراء نهر هراة، وأمّا حدودها الإداريّة فقد كانت واسعة في أغلب العصر الأمويّ، إذ كانت تشرف على سجستان وجرجان وطبرستان، وقهستان ودهستان وخوارزم وإقليم ما وراء النّهر لأنها كانت ثغرًا إسلاميًّا مهمًّا تنطلق منه أغلب الفتوحات نحو المشرق، وتحمي الخلافة الأمويّة من أخطار عدو عنيد تمثل في الأتراك، لقد فتحت خراسان صلحًا من دون أن يلقي الأمويّون مواجهة من قبل سكانها من الطبقات الدّنيا الذين تنفسوا الصّعداء للفتح الإسلاميّ بل عدّه تحريرًا من الظلم السّاسانيّ لهم، أمّا الطبقات الارستقراطيّة وعلى رأسها الملك يزد جرد الثالث فقد واجهت الفاتحين.
المصادر
- البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر، ت279هـ، فتوح البلدان ،تح عبد الله انيس، دار النشر للجامعيين، بيروت،1957.
- أبي الثغري بردي، أبو المحاسن، ت874هـ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، دار القاهرة، 1930م.
- الجهشاوي، أبو عبد الله محمد بن عبدوس، ت331هـ، الوزراء والكتب، تح مصطفى السقا،ط1، البابي الحليبي واولاده، القاهرة، 1938م.
- ابن ابي الحديد، ابو حامد عز الدين عبد الحميد المدائني ، ت 656هـ، شرح نهـ البلاغة، تح محمد ابو الفضل ، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، 1963م.
- الحنبلي ،ابو الفلاح عبد الحي بن عماد، ت480هـ، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
- الذهبي ، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان، ت748هـ، العبر في خبر من غبر، تح صلىاح الدين المنجد، التراث العربي، الكويت،1960م.
- ابن طبا طبا، محمد بن علي المعروف بابن الطقطقي،ت709هـ، الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلأُميّة، مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة.
- الطبري، ابو جعفر محمد بن جري، ت310هـ، تاريخ الامم والملوك، تح محمد ابو الفضل ابراهيم ، دار القاموس الحديث ،بيروت ،1982م.
- -المبرد، ابو العباس محمد بن يزيد، ت285هـ، الكامل في اللغة والادب، دار المعارف، بيروت.
10-ابن كثير، الحافظ الدمشقي، ت747هـ، البداية والنهاية، مكتبة المعارف ،بيروت، 1988م.
11-اليعقوبي ،احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب، ت284هـ، تاريخ اليعقوبي، دار بيروت للطباعة والنشر، لبنان، 1960م.
المراجع
- حسن احمد محمود، الاسلام والحضارة العربية بين الفتحين العربي والتركي، دار النهضة العربية القاهرة، 1968م.
- حسن عطوان، الشعر في خراسان من الفتح الى نهاية العصر الأمويّ، ط2، دار الجبل ،بيروت، 1989م.
- رضى عبد الله عبد الحليم، دراسات في تاريخ خراسان، دار الاندلس للأعلام، القاهرة، 1987م.
- عبد المنعم ماجد ،التاريخ السياسي للدولة الأمويّة.
- فلها وزن، يوليوس، تاريخ الدولة العربية، نقل الى العربية محمد عبد الهادي وحسن مؤنس لجنة التأليف والترجمة بالقاهرة.
- مصطفى الرفاعي، حضارة العرب، دار الكتاب اللبناني،ط3، بيروت، 1981م.
- كي لسترينج، بلدان الخلافة الشرقية، ترجمة بشير فرنسيس، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت ،1985م.
- نجدة خماش، الادارة في العصر الأمويّ، دار الفكر بدمشق ،1980م.
[1] – وزارة التعليم العلي والبحث العلمي كلّية دجلة الأهلية الجامعة muneera.abd@duc.edu.iq
[2] – الطبري (ابو جعفر محمد بن جري) ت 310هـ ، تاريخ الامم والملوك، ع محمد ابو الفضل ابراهيم ،دار القاموس الحديث بيروت 1982م، ج9، ص 131-139.
[3] – فلها وزن ، يوليوس ، تاريخ الدولة العربية، نقل الى العربية محمد عبد الهادي وحسن مؤنس ، لجنة التأليف والترجمة بالقاهرة ، ص 427.
[4] -الطبري، تاريخ الامم والملوك،ج8، ص134.
[5] -اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ، ت 284هـ، تاريخ اليعقوبي، دار بيروت للطباعة والنشر ، لبنان، 1960م،ج2، ص302
[6] – اليعقوبي ،المصدر نفسه، ج2، ص302
[7] – الطبري ، تاريخ الامم والملوك، ج8،ص135.
[8] – الطبري ، المصدر نفسه، ج8،ص139.
[9] – فلهوزن، تاريخ الدولة العربية، ص 282.
[10] – نجده خماش، الادارة في العصر الأمويّ ،دار الفكر بدمشق1980م،ط1، ص297.
[11] – الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج8،ص139.
[12] -الطبري، المصدر نفسه، ج8،ص148.
[13] – الطبري ،تاريخ الامم والملوك،ج8،ص164.
[14] – الطبري ، المصدر نفسه ج8، ص167.
[15] – ابن كثير ، الحافظ الدمشقي ،ت 747هـ، البداية والنهاية، مكتبة المعارف بيروت، 1988م ،ج9،ص223.
[16] – ابن كثير ، المصدر نفسه، ج9، ص223.
[17] -الطبري ، تاريخ الامم والملوك، ج8، ص175.
[18] -الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج8، ص177.
[19] – الطبري، تاريخ الامم والملوك،ج8، ص184.
[20] – البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر، ت279هـ، فتوح البلدان، تح عبد الله انيس، دار النشر للجامعيين بيروت، 1957م، ج4،ص602.
[21] – الحنبلي، ابو الفلاح عبد الحي بن عماد، ت480هـ، شذرات الذهب في اخبار من ذهب، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ج1،ص135.
[22] – الطبري، تاريخ الامم والملوك،ج8،ص193.
[23] – اليعقوبي، فتوح البلدان، ص302.
[24] – اليعقوبي، المصدر نفسه، ص 602.
[25] – رضى عبد الله عبد الحليم، دراسات في تاريخ خراسان، ص67.
[26] – الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج8، ص195.
[27] – اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2،ص328.
[28] – ابن طبا طبا، محمد بن علي المعروف بابن الطقطقي،ت709هج، الفخري في الآداب السلطانية والدولة الاسلامية، مطبعة محمد علي صبيح،ا لقاهرة،ص104.
[29] – ابن كثير، البداية والنهاية،ج9،ص309.
[30] – الذهبي ، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان،ت748هج،العبر في خبر من غير، تح صلىاح الدين المجد، التراث العربي، الكويت، 1960م، ج1، ص144.
[31] – الطبري ، تاريخ الامم والملوك، ج8،ص 219.
[32] – الطبري، نفس المصدر، ج8،ص222.
[33] – المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، ت285هـ ،الكامل في اللغة والادب ،دار المعارف، بيروت، ج2،ص391.
[34] – احمد عطية الله ، القاموس الإسلاميّ، ج1،ص587.
[35] – الطبري ،تاريخ الامم والملوك، ج8،ص 239.
[36] – الطبري ،المصدر نفسه، ج8،ص257.
[37] – ابن ابي الحديد، ابو حامد عز الدين عبد الحميد المدائني، ت656هـ، شرح نهـ البلاغة، تح محمد أبو الفضل ،دار احياء الكتب العربية، القاهرة، ج9،ص375.
[38] – عبد المنعم ماجد ،التاريخ السياسي للدولة العربية عصر الخلفاء الأمويّين، ط5، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة ،1976م،ج5،ص719.
[39] – الطبري ،تاريخ الامم والملوك، ج8،ص259.
[40] – كي لتسرينج، بلدان الخلافة الشرقية، ترجمة بشير فرنيس،ط2، مؤسسة الرسالة ،بيروت، 1985م، ص477.
[41] – الطبري ، المصدر نفسة، ج8،ص279.
[42] – الطبري ، المصدر نفسة، ج8،ص279.
[43] – ابن الاثير، الكامل في التاريخ، ج5، ص356- 368.
[44] – ابي التغري بردي، ابو المحاسن،ت874هـ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،دار القاهرة،1930م،ج2.ص82.
[45] – محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية،ط4،دار الانصار ،القاهرة، 1977م،ص262.
[46] – حسن عطوان، الشعر في خراسان من الفتح الى نهاية العصر الأمويّ، ط2، دار الجبل، بيروت، 1989م، ص50- 53.
[47] – الطبري ،تاريخ الامم والملوك،ج6،ص186.
[48] – الجهيشاوي، ابو عبد الله محمد بن عبدوس، 331هـ، الوزراء والكتب ، تح مصطفى السقا، ط1، البابلي الحلبي واولاده القاهرة، 1938م،ص61.
[49] – الطبري ، تاريخ الامم والملوك، ج8،ص204.
[50] – الطبري، المصدر نفسه، ج9،ص89.
[51] – الطبري، المصدر نفسه، ج8،ص106.
[52] – حسن أحمد محمود، الإسلام والحضارة العربية بين التحين العربي والتركي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968م، ص40.
[53] – فلها وزن ، تاريخ الدولة العربية ،ص204.
[54] – نجده خماش، الادارة في العصر الأمويّ، ص107.
[55] – الطبري، تاريخ الامم والملوك،ج8،ص183.
[56] – الطبري، المصدر نفسه،ج9،ص67.
[57] – الطبري، المصدر نفسه،ج8،ص198.
[58] – الطبري، المصدر نفسه، ج9،ص 38.
[59] – الطبري، المصدر نفسه، ج2، ص272.
[60] – ابن الاثير، الكامل في التاريخ، ج5،ص373.
[61] – عبد المنعم ماجد، التاريخ السياسي للدولة الأمويّة، ص325.
[62] – البلاذري، أنساب الأشراف، ج3،ص70.
[63] – الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج8،ص230.
[64] – الطبري، نفس المصدر، ج9، ص99.
[65] – الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج9،ص99.
[66] – الطبري، تاريخ الامم والملوك، ج9،ص43.
[67] – الطبري، المصدر نفسة، ج9،ص91.