التّعليم من بعد الإيجابيات والسّلبيات
أ ـ د ـ خديجة عبدالله شهاب([1])
طالعتنا في العام 2019 منظمة الصّحة العالمية باسم الوباء الذي حصد معه الكثير من الأرواح، إنّه كورونا فايروس. تعامل معه النّاس في البداية بإهمال فاضح إلى أن بدأت الأنباء ترد من أنحاء العالم عن عدد الإصابات والوفَيات. وهنا بدأت تتّضح خطورته فأُعلِن الإغلاق العام في العديد من دول العالم. تعطلت المرافق العامة والإدارات الرّسميّة، والمؤسسات التّجاريّة والثّقافيّة، فلجأ النّاس إلى منازلهم وعملوا منها بشكل تام. لم تكن البيوت مجهّزة لهذا الحظر الافتراضيّ، على الأقل، في العالم العربي، فسادت الفوضى، وبرز الإرباك في أدق تفاصيل الحياة، وراح الجميع يتحركون في مساحة مكانية ضيقة، ومساحة زمانيّة سريعة لمواكبة المستجدات الصّحيّة الطارئة. اضطرت العائلات إلى التأقلم مع هذا الظرف، وفي غضون أيام قليلة بدأتت المؤسّسات التّعليميّة بالتّعليم الافتراضي، أو ما اصطُلح على تسميته “التّعليم من بعد” . تابعنا عامنا الدّراسي على هذا النّسق، إذ إن الوباء بدأ في منطقتنا في ربيع العام 2019، أي في النّصف الأوّل من العام الدّراسيّ، ورحنا نتلمّس طريقنا نحو العالم الافتراضيّ، وذلك من خلال شاشة صغيرة، تسمح لنا بالتّواصل مع طلابنا، وتقديم ما يجب تقديمه من المناهج.
الإيجابيّات: يمكن القول إنّ للتّعليم الافتراضيّ فوائد عديدة منها:
– تنطلق قدرته من مواجهة التحدّيات التي تتصل بالتّعليم الصّفيّ، فلا يؤثّر فيه غياب الطالب عن موعد الدّرس، ذلك أنّ المحاضرة ستُتْرك له مسجّلة في غرفة الصفّ الافتراضيّة، ما يسمح له باستعادتها ساعة يشاء، ومتى يروق له الأمر. كما أنّه يقلّل من هدر الوقت والمال في سبيل الذّهاب إلى المدرسة أو الجامعة، فلا يحسب حسابًا لزحمة السير التي قد تؤخّره عن الوصول إلى صفه.
– يعزّز جوانب المسؤوليّة الذّاتيّة، ويمنحُ الطالب فرصة أكبر في توسيع مصادر المعرفة، أضف إلى أنّ هذه التَّقنيّة تقدّم له المعرفة كما يرغب، ونحن نعرف مدى تعلق هذا الجيل بالتكنولوجيا، وبوسائلها المتاحة في دول العالم كافّة، وهو يرى أنّها الطّريقة المفيدة والفاعلة. إذ إنّها تحاكيه على المستوى التَّقنيّ والمعرفيّ.
السّلبيّات
-لعلّ من أهمّها: إنّها تقلل من دور المعلّم وتوجيهاته في العمليّة التعليميّة، ولا تُظهر له تفاعل الطلاّب معه كما يجب، ما يعني أنّه لم يعد باستطاعته تقديم التربية مع التعليم، وهنا ينحصر دوره بتقديم المعلومات التي هي أصلًا أصبحت متاحة له على المواقع الإلكترونيّة، كما يدّعي البعض. فلا يكون في ذلك دافعًا له لإعطاء المزيد، وبكل ثقة وأمانة.
– لا يوجد منهجيّة واحدة في التّعليم من بعد، وغالبًا ما يشكّل الطالب منهجيّته الخاصّة وحده.
– لم يتقبّل الكثير من أولياء الأمور فكرة التّعليم من بعد إلاّ مؤخرًا، إذ إنّ الأدوات والوسائل لم تكن متوفّرة عندنا في لبنان من انقطاع الكهرباء الدّائم، إلى ضَعف شبكة الإنترنت، إلى عدم وجود حواسيب في معظم البيوت.
– فقدان التركيز عند المتعلّم وعدم المثابرة على المعلومة لأجل ترسيخها في الذّهن، إذ يكفي ألّا تعجبه المعلومة حتى يبحث عن غيرها في مكانٍ آخر.
– قد يدخل الطالب إلى غرفة الصفّ الافتراضيّ، وهو لا يزال في الفراش، أي إنّه غير محضّر على المستوى الذّهنيّ، أو الجسديّ، أو النّفسيّ، يعني الأجواء العامّة غير مناسبة أبدًا، ما يمنع عليه التقاط المعلومات التي يقدّمها الأستاذ، وقد يسجّل حضوره على الشّاشة، ثم يذهب ليتناول طعامه، أو ليمارس لعبة يحبّها، أو… وهنا لن يلاحظ الأستاذ غيابه إن لم يناده للمشاركة في العمليّة التعليميّة، وقد يقدّم في هذا السّياق أعذارًا متعدّدة منها: أنّه يعاني من مشكلة في الصوت، أو أنّ الإنترنت ضعيف، أو… الحجج جاهزة دائمًا كي لا يدخل الطالب إلى الصفّ.
أعتقد أنّ التعليم من بعد مرحلة آنيّة، أَجدنا التّعامل معها، وأضفنا إلى ذواتنا، وذوات طلاّبنا مهاراتٍ كثيرة في ضوئها. قد تعتمده بعض الدّول ليحلّ محلّ العمليّة الطبيعيّة للتّعليم، وقد لا تعتمده بعض الدّول الأخرى لإيمانها أنّ ما يخالف الطبيعة الفطريّة عند الإنسان لا يمكن أن يستمرّ، ولا يمكّن الطّلاب من أن يتأثّروا بأساتذتهم، وأن يتّخذوا منهم قدوة، فيسيروا على مناولهم في طريق حياتهم العمليّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
1- أستاذة في الجامعة اللبنانيّة كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة قسم اللغة العربيّة، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.