قراءة في أدب الطفل – على وفق المنظور الإسلاميّ –
أ ـ د ـ عهود حسين جبر*/ أ ـ د ـ ميساء صلاح وداي**
ملخص البحث
نزل الدّين الإسلاميّ الحنيف رحمة للعالمين، وكان هدفه الأول هو، والسمو بالإنسان إلى أقصى درجاته، وكان للطفل نصيب منه، إذ دعا الإسلام إلى بناء الإنسان منذ الطفولة فرسم منهجيّة تربويّة ترعى نمو الولد وبناءه من النّاحيّة الإيمانيّة والأخلاقيّة والعلميّة، فالتّربيّة على الفضائل منذ الصغر تترسّخ في الإنسان وتتجذّر في سلوكه المستقبليّ.
وقد وجدت من الأهمّية بمكان أن أبحث في أدب الطفل الإسلاميّ، المؤثر الـصادق في إيحاءاتـه ودلالاتـه، في الأطفال. والذي يستلهم من الإسلام مبادئه ويتخذ منهـا الركيزة الأساسيّة لبنـاء شخصيّة الطفـل فكريًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا، وينمي مواهبه الفطرية. لقد تناول البحث الطفولة ونظرة الإسلام لها من خلال القرآن الكريم والسّنة النّبويّة الشّريفة، وتناول أيضًا كيف وجّه الإمام علي عليه السّلام الأباء لتربية أبنائهم فهي حقّ على آبائهم. وقد ذكر البحث مفهوم أدب الطفل في القديم والحديث، وبيان أهميته في توجيه الطفل على وفق مبادئ وقيم سامية. بعد ذلك توجه البحث إلى أدب الطفل الإسلاميّ، وأثر قصص القرآن فيه، وانتهى بخصائص أدب الأطفال المهمّة. وقد خلص البحث إلى نتائج منها: أدب الأطفال الذي يستلهم من عقيدة الإسلام وسيرة الرّسول (صلى الله عليه وسلم) مادته، له أهداف أولها ترسيخ العقيدة الإسلاميّة في ذهن الطفل، وتعريفه بدينه وما يتسم به من واجبات وحقوق إلى جانب الفضائل والخلق الكريم.
ــ لا بدّ لمن يتصدى للكتابة في أدب الطفل من مقومات تجعله قادرًا على ايصال أفكاره بشكل صحيح ومبسط، إلى جانب ذلك يجب ان يمتلك هذا الكاتب مقومات خاصة وثقافة تسعفه في هذا المجال.
ــ من سمات هذا الأدب البساطة واللغة الواضحة.
ـ استعمال الرّسومات الملونة الجميلة في المطبوعات التي تتعلق بأدب الطفل.
ــ ازدادت الحاجة إلى أدب الطفل في وقتنا الحاضر، وقد انشغل الناس عن أطفالهم، فقد خرجت الأم إلى العمل، فلم يبق لها الفرصة الكافية للاعتناء بطفلها.
Research Summary
The true Islamic religion was revealed as a mercy to the worlds, and its first goal was reform and elevation of man to its highest levels, ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جامعة الكوفة، مركز دراسات الكوفة، ohoud.alhameedawi@uokufa.edu.iq
** جامعة الكوفة، مركز دراسات الكوفة، maysaa.alsallami@uokufa.edu.iq
and the child had a share of it. It is rooted in a person and is rooted in his future behavior. I found it important to research the children’s Islamic literature, which is truly influential in its suggestions and connotations on children. One who draws inspiration from Islam for its principles and takes them as the main basis for building the child’s personality intellectually, emotionally and behaviorally, and develops his innate talents.The research dealt with childhood and Islam’s view of it through the Holy Qur’an and the honorable Sunnah of the Prophet. The research mentioned the concept of children’s literature in ancient and modern terms and indicated its importance in guiding the child according to lofty principles and values.After that, the research turned to Islamic children’s literature, and the impact of the stories of the Qur’an on it, and ended with the most important characteristics of children’s literature.The research concluded with results, including: Children’s literature, which is inspired by the doctrine of Islam and the biography of the Messenger (may God bless him and grant him peace) .Those who address writing in children’s literature must have elements that make them able to communicate their ideas in a correct and simplified manner. In addition, this writer must possess special ingredients and a culture that will help him in this field. One characteristics of this literature is simplicity and clear language.
The use of beautiful colored graphics in publications related to children’s literature. The need for children’s literature has increased nowadays, and people have been distracted from their children, as the mother went out to work, and there was not enough opportunity left for her to take care of her child.
المقدمة
نزل الدّين الإسلاميّ الحنيف رحمة للعالمين، وكان هدفه الأول هو الإصلاح، والسّمو بالإنسان إلى أقصى درجاته، وكان للطفل نصيب منه، إذ دعا الإسلام إلى بناء الإنسان منذ الطفولة فرسم منهجيّة تربويّة ترعى نمو الولد وبناءه من الناحيّة الإيمانيّة والأخلاقيّة والعلميّة، فالتّربيّة على الفضائل منذ الصغر تترسّخ في الإنسان وتتجذّر في سلوكه المستقبلي.
وقد وجدت من الأهمية بمكان أن أبحث في أدب الطفل من المنظور الإسلاميّ، المؤثر الـصادق في إيحاءاتـه ودلالاتـه، في الأطفال. والذي يستلهم من الإسلام مبادئه ويتخذ منهـا الركيزة الأساسيّة لبنـاء شخصيّة الطفـل فكريًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا، وينمي مواهبه الفطريّة.
وقد قسمت البحث إلى مباحث: أولها: الطفولة ونظرة الإسلام إليها من خلال القرآن الكريم والسُّنة النبويّة الشّريفة، وتناول المبحث الثاني كيف وجه الإمام علي (عليه السلام) الأباء لتربية أبنائهم فهي حق على آبائهم. وقد تناول المبحث الثالث مفهوم أدب الطفل في القديم والحديث وبيان أهميته في توجيه الطفل على وفق مبادئ وقيم سامية. بعد ذلك توجه البحث إلى أدب الطفل الإسلاميّ، وأثر قصص القرآن فيه، وانتهى البحث بأهم خصائص أدب الأطفال.
الطفولة ونظرة الإسلام لها من خلال القرآن والسُّنة
يُعد الإسلام الأطفال من زينة الحياة الدنيا يقول سبحانه وتعالى: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾ الكهف: 46، ويربط الله سبحانه وتعالى الولد بالبشارة فيقول ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾. الصافات: 101. وقوله تعالى: ﴿يا زَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاـم اسْمُهُ يَحْيَى﴾ مريم 7 وبذلك صارت البشارة بقدوم المولود من سنن الإسلام. لقد أرسى الإسلام سننًا وأحكامًا تخص الأطفال منذ الولادة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: (التهنئة بالمولود، الأذان والإقامة في أذن المولود، تسمية المولود، عقيقة المولود، ختان المولود، إرضاع المولود، تربية الطفل تعليم الطفل وحقوق الأطفال في الكفالة والميراث). (محمد حسن بريغش، 1997م: 22)
لقد بين لنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة أهمّيّة الطفل، ومسؤولية تربيته. ومدى تأثير التّربيّة الصالحة على الأبوين والمجتمع قال رسولنا الكريم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (النيسابوري أبو الحسن مسلم بن الحجاج،2011م، ص638).
يتضح لنا من خلال الحديث النبوي الشريف أنّ للتربية الصّالحة أثر بعيد في تربية الطفل وتوجهاته. وقد أمر الرسول الكريم بتعليم الأولاد وتأديبهم في “علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم”.
الإمام علي (عليه السلام) وحقوق الطفل
لقد وجه الإمام إلى بناء اللبنات الأولى للإنسان منذ طفولته على الأسس الصحيحة حتى تنمو شخصيته بالشّكل الصحيح، خالية من العقد النّفسيّة التي تولدها التّربيّة الخاطئة، والبيئة غير الصالحة، وإلّا أُعِدوا أفرادًا غير أسوياء، مشوهين نفسيًّا، يكونون نواة ومشاريع لفاسدين ومجرمين يؤثرون على أنفسهم وعلى المجتمع الذي لا ينجو من شرورهم.
ومن حقوق الصّغير على والديه حقّ التّربيّة، وهذه التّربيّة قائمة على المنهج الإسلاميّ وتعد وسيلة من وسائل بناء الشّخصيّة الإنسانيّة قال عليه السّلام في بيان حقّ الولد على الوالد: (وحقّ الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن). وكان الإمام دائمًا يدعو إلى الرأ فة والرحمة في التعامل مع الصغير واحترامه والابتعاد ممّا يتصف به أهل الجاهلية من جفوة، وما يتصل به من سلوكيات سيئة مع الأطفال قال عليه السّلام: “ليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهليّة”. (الرّضي الشريف محمد بن الحسين موسى، 2010، مـ 43). وقد وجه كثير من النّصائح إلى ابنيه الحسن والحسين عليهما السّلام و(مخاطبة الإمام من خلال أبنائه مخاطبة ذلك الإنسان المؤمن في الزمن المستقبلي) (الحسني السيد جعفر باقر،1431هـ. 79). ومن وصاياه عليه السّلام لإبنيه الحسن والحسين عليه السلام قوله: “وقولا بالحق واعملا للأجر وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا” (الحسني السيد جعفر باقر، 1431 هـ، 100).
مفهوم أدب الطفل
يشكّل الأدب الموجه للأطفال أهمّيّة كبيرة في حياتهم فالطفل مثلما يحتاج إلى أمور مادية، يحتاج كذلك إلى أمور نفسيّة وروحيّة، (وإذا لم يستوف الطفل تلك الاحتياجات المادية والمعنويّة، فسوف يكون عرضة للمعاناة والاضطراب لأنها جزء من فطرته) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص 21).
وأدب الأطفال يشمل فنون أدبيّة مختلفة كالشعر والقصة والموعظة والى ذلك. ولأدب الطفل خصوصيّة عن أدب الكبار ويشمل هذا الأدب عمر الطفل من بداية وعيه للأشياء إلى سن الثامنة عشرة. وبما أنّ هذا الأدب موجه للطفل فلابدّ له من شروط تميزه ويسير في حدودها في اللغة والخيال والادراك والتطلعات. (ينظر موسى د أنور عبد الحميد، 2010م، ص5). وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا اللون من الأدب يشكل أهمّيّة كبيرة في تنمية وتنشئة عقلية الطفل.
ونستطيع من خلال أدب الأطفال أن نغرس المبادئ والقيم في نفوسهم، وتربيتهم التّربيّة الصّحيحة القائمة على الأسس الإسلاميّة، ويختلف الأطفال في ميولهم وتوجهاتهم بحسب أعمارهم، لذا يجب علينا أن نراعي محتوى المادة الأدبيّة التي تقدم للطفل لتتناسب مع الفئات العمرية المتعدّدة (فأطفال المرحلة الأولى على سبيل المثال لا الحصر يعتمدون على النصوص المصورة لانهم لا يتقنون القراءة) (الفيصل سمير روحي، 1988م، ص108). وكان أدب الأطفال ينقل مشافهة يتناقلها الناس جيلًا بعد جيل من كتب في البلاد الغربيّة. ويرى بعض المتابعين لهذا الموضوع أنّ أدب الأطفال قد وصلنا من الغرب بقوله وهو يتحدث عن أدب الأطفال في الوطن العربي (وقد تأثر كثيرًا بما وصلنا من ثقافة ومؤلفات فرنسيّة أو انجليزية أو أوربية بشكل عام) (أبو معال الدكتور عبد الفتح، 1988م، ص7).
في حقيقة الأمر إنّ هذا الفن ليس بالجديد في أدبنا العربي وإنما له جذور تاريخيّة عميقة، فقد ترك لنا التراث قطعًا أدبية بهذا الصدد ورثناها عن الأجداد مشافهة على شكل أغانٍ كانت الأمهات يرقصن بها أطفالهن، (وكانت النسوة يهدهدن أطفالهن بالأغاني العذبة، ويبثثن في هذه الأغاني ما يرون من قيم وأفكار) (الكيلاني د. نجيب، 1991، ص16). إلى جانب تلك القصص التي تحمل من العبرة والتجربة التي تنمي القيم ومعاني الخير في داخلهم (مجموعة باحثين، 1994م، ص11). وغيرها من الأمور التي تتعلق بالأطفال. وكانت هذه القصص تروى في المساجد وكانت مليئة بالقيم والمبادئ، يستمع اليها الكبار والصغار حاملة تراثا ضخما يروي حياة الأباء والأجداد. (ثم جاء عبدالله بن المقفع ليقدم كليلة ودمنة وقصصه الغريب من عالم الحيوان والطير ويدس فيه الكثير من الأفكار العميقة، ويخطئ من يظن أنّ هذا الكتاب كان قاصرًا على الكبار وحدهم، فقد قدمت بشكل مبسط لا تعقيد فيه) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص16).
لقد أمدّ القرآن الكريم أدب الأطفال بقصص الأنبياء والصالحين، التي تمد الأطفال بالقيم والمبادئ، وتعزز فيهم الايمان والعقيدة. وبطبيعة الحال نستطيع القول إنّ أدب الأطفال الذي وصلنا من التراث لم يأخذ ذلك الشكل المبوب، والمنظم كحال الأدب في وقتنا الحاضر وهذا أمر طبيعيّ فلكل زمن خصائص وسمات يطبع فيها الأدب والفنّ بطابع العصر الذي يعيش فيه، وقد وصل الينا بعضه مشافهة، وكان قديمًا (في السّنوات الأولى كانت من واجبات الأسرة، الجدة أو الأم أو الأب وغيرهم من أفراد المنزل، ولذلك كان خاضعًا للاجتهاد الشّخصي والتّقليد وقد توارثه الناس جيلًا بعد جيل) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص19).
والمتتبع لأدب الطفل يجده أدبًا خاصًا وبسيطًا يتلاءم مع مداركه العقليّة، وخلو عقله من التجارب والخبرات فالطفل مثلما يقال: صفحة بيضاء، وهنا تكمن الصّعوبة والخطورة في توجيه الطفل وتربيته، ومن ثمَّ الأدب الموجه اليه. فكان لزامًا على الأديب الذي يرتاد هذا اللون من الأدب أن يقدمه بطريقة فيها شيء من الأناقة والتّشويق حتى يستطيع الطفل أن يستوعبه، ويصل إلى الهدف والفكرة التي يريدها الكاتب. (أدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة، يقدم هنا لخدمة الحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية والمعلومات والمهارات والقيم، ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلّى بالمرونة، والتفكير العلميّ، والقدرا ت الابتكاريّة و الإبداعيّة اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة) (عبد الحميد حنان، 1999م، ص45).
والأدب يوسع خيال الأطفال ومداركهم من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية، أو من خلال قراءاتهم الشعرية أو من خلال رؤيتهم للممثلين والصور المعبرة. كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانيّة النبيّلة، ومن خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرأها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة فيندمج مع شخصياتها و يتفاعل معها.
أخذ أدب الأطفال يظهر في وقتنا الحاضر وفي القرن التاسع عشر تقريبًا. فقد ظهر بشكل خاص في مصر (وكان أول من قدم كتابًا مترجمًا عن الانكليزية في مصر ـ رفاعة الطهطاوي ـ وكان مسؤولًا عن التعليم،إذ ترجم حكايات كثيرة عن الغربية فترجم قصصًا ترعى حكايات الأطفال، ثم أدخل قراءات القصص في المناهج المدرسية) (أبو معال الدكتور عبد الفتح، 1988، ص31). وقد تلقف هذا اللون من الأدب مجموعة من الأدباء في مصر من أبرزهم الشّاعر (أحمد شوقي) فقد كتب القصص على ألسنة الحيوانات والطيور، كما ألف أحمد شوقي الأناشيد والأغنيات فكتب أكثر من ثلاثين قصة وشعرًا. (أبو معال الدكتور عبد الفتح، 1988، ص31). ومن الجدير بالذكر أنّ القصة التي تحكى على لسان الحيوانات والطيور من أكثر قصص الأطفال رواجًا قديما وحديثًا (وهي القصص التي يكون فيها الحيوان والطير الشّخصية الرئيسة وهي من أقدم أشكال القصة التي عرفها الإنسان واستخدمها واستفاد منها) (أبو معال الدكتور عبد الفتح، 1988، ص51). وغالبًا ما تحمل هذه القصص أسلوب الوعظ والإرشاد.
أدب الأطفال من منظور إسلامي
أدب الأطفال له وضع خاص لأنّه موجه إلى فئة محددة، وما لا شك فيه أنّ هذا الأدب يجب أن تراعى فيه محدوديّة عقل الطفل (لأنّ هذه الفئة تتميز بمستوى عقليّ معين وبإمكانيات وقدرات نفسيّة ووجدانيّة تختلف عنا نحن الكبار فتجارب الطفولة وخبراتها محدودة، وآفاقها التخيلية واسعة رحبة لا تحدها حدود) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، 13). (لقد مرّ أدب الطفل بمراحل كثيرة، وكان وعاء للعقائد والأفكار المحليّة والوافدة من الحضارات الأخرى، لكن انبلاج الإسلام كان حدثا كونيا، فقد أرسى القواعد والاصول لكل نواحي الحياة، وهي تضع في حسبانها حقوق الطفل في الحياة والمال والرعاية والتعليم،ولا يعلو شأن امة الا اذا تربى أطفالها في مناخ صحي سليم) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص40). بأنّه ذلك الأدب المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالاته، وهو التّعبير الأدبي الجميل الذي يستلهم قيم الإسلام ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساسًا لبناء كيان الطفل عقليًّا ونفسيًّا، ووجدانيًّا وسلوكيًّا وبدنيًّا، ويساهم في تنمية مدارك الطفل وإطلاق مواهبه الفكرية، وقدراته المتعدّدة وفق الأصول التّربويّة الإسلاميّة، وبذلك ينمو ويتدرج بصورة صحيحة، تؤهله لأداء الرّسالة المنوط به في الأرض، فيسعد في حياته على أن يراعي ذلك في الأدب وضوح الرؤية وقوة الإقناع والمنطق. على أهمّيّة التزام مبدعي أدب الأطفال الإسلاميّ بالكتاب والسّنة النبويّة من خلال التأليف الملتزم بالإسلام وأهدافه، وأن يمدّوا مكتبة الطفل بالزاد الأدبيّ من خلال القصّة التي تغرس الفضيلة والتسامح والتعاون في نفوس الأطفال) (أبو معال الدكتور عبد الفتح، 1988م، ص75). وقد برزت في هذا المجال القصص الدّينية التي تركز على توضيح أمور الطفل الدّينيّة بشكل مبسط ولطيف، إذ تركز على تبيان عظمة الله سبحانه وتعالى ومقدرته على الخلق وتدبير الكون وتسييره، وبيان مدى ما ضحى به وقدمه الرّسول صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر الدعوة الإسلاميّة.الى جانب ذلك تبين للأطفال أركان دينهم وترسخ الايمان في قلوبهم.
قصص القرآن الكريم
إنّ الأدب الإسلاميّ بصورة عامة، وأدب الأطفال بصورة خاصة يرتشف من معين القرآن الثر ولا نبالغ إذا قلنا إنّ القرآن هو المصدر الأول الذي ينبغي أن نستمد منه تربيتنا الإسلاميّة. إذ يُعد الأسـلوب القرآني الينبوع الذي يستلهم منـه الأدب المعاصر أسـاليبه، وموضوعاته لأنّه يحتوي على المتميز منها: فيعدُّ (القصص القرآني ذخيرة غنية بأروع الأساليب القصصيّة حتى تلـك الأسـاليب الفــنية التـي لم تظهر إلا في العصر الحديث) (صالح الشنطي محمد، 2017م. ص 32). قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾ الأعراف: 167.
يدعو الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم صلوات الله عليه إلى ذكر القصص لتكون باعثًا للتفكر والتدبر لما فيها من عبر وعظة (لأنها واقعة حية صادقة التعبير، قوية لتأثير يتجلى فيها الصراع بين الخير والشر وبين المؤمنين والكفار وبين الإنسان الشيطان) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص51). إلى جانب ذلك فالقصة القرآنيّة هي أقرب للحقيقة والواقع لأنها تخلو من الخرافات والتزييف والتضليل، (والأمهات في العالم العربي يروين للأطفال منذ الصغر قصص فرعون وموسى والطوفان، وأهل الكهف وغيرها من القصص التي يستمع بها الأطفال ويعيشون في أجوائها) (الكيلاني د. نجيب، 1991م، ص56). وممّا لا شكّ فيه أنّ للقصة القرآنية أثر بالغ في البالغين والصغار، والقصة القرآنية لها أثر بعيد في تربية الطفل وتنشئته، لأنّها تنمي خياله وتوسع مداركه، وتغرس فيه القيم والمبادئ. إنّ أدب الطفل عليـه أن يحـاول قـدر الإمكـان مع التفسير المبسط، وسبب النـزول عـلى شـكل قـصة إيصال القصة القرآنية (مبسطة كذلك للطفل،ليستخلص منها الدروس المستفادة) (تربيـة الأطفال في رحـاب الإسلام ٢٤٠).
خصائص أدب الأطفال
يجب أنّ يلتزم هذا اللون من الأدب تعاليم الإسلام وقيمه ومثله وتصوراته ونظرته الشّموليّة للكون والحياة والإنسان.
تقديم المعلومات بأسلوب وطريقة لا ترهق الطفل ولا تكلفه جهود كبيرة، وذلك عن طريق لغة سهلة ميسرة وتعابير واضحة لا تحتمل أكثر من معنى واحد وأن تكون التعابير واضحة مع عدم التطويل في سرد المعلومة وأن لا ترهق الطفل بكثرة المصطلحات لأنّ الطفل بطبيعته يجد صعوبة في استيعاب كثير من المعلومات بوقت قصير. (أن تكون رموز أدب الطفل مباشرة تحتاج إلى مس خفيف في القدرة الذهنية لتتعرى هذه الرموز و تتضح أبعادها وضوحا جليا في تعبيره عن الخبرات الانفعالية لدى الأطفال و مراعيا لخصائص نموهم بحيث ينمي قدرات الطفل على التفكير و التحليل من خلال تقدمه خبرات جديدة) (أبو رضا سعد، 1993م، ص69).
(ويثري الأدب لغة الأطفال من خلال ما يزودهم به من ألفاظ وكلمات جديدة، كما أنّه ينمي قدراتهم التعبيرية ويعوّدهم الطلاقة في الحديث والكلام لما يزودهم به من الخبرات المتنوعة،وهو يساعد على تحسين أداء الأطفال ويزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخيّة والجغرافيّة و الدّينية والحقائق العلمية ولا سيما القصة) (علي أحمد، 2009م، ص259).
١. أن يكون متلائمًا مع المنهج الإسلاميّ، ويبتعد من العقائد الضالة المنحرفة التي تؤدي إلى تشويش أفكار الطفل الصغير فيدخل في متاهات وصراعات داخل نفـسه ووجدانه.(فالتعليم هو الوسيلة الأساسيّة التي من خلالها يُزود الطفل بالمعلومـات التـي تـساعده عـلى الإحاطـة بمعـارف العصر) (الخطيب، محمد شحات، 1426 هـ، ص119).
2ـ ويجدر بنا أن نراعي ذلك التوق الكبير الذي يملأ الطفل لاكتشاف عالم الكبار من خلال تقديم مجموعة من الخبرات التي تصور الإنسان من زوايا متعدّدة، وبذلك نسهم بشكل كبير في تنمية مدارك الأطفال وإغناء تجاربهم من هذا الأدب.
الخاتمة
ــ أدب الأطفال أكثر أهمّية من أدب الكبار، لأنّه يبني اللبنات الأولى من مداركه العقليّة والنّفسيّة، ويسهم بشكل كبير في توجهاته المستقبلة.
ــ أدب الأطفال الذي يستلهم من عقيدة الإسلام وسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مادته، له أهداف أولها ترسيخ العقيدة الإسلاميّة في ذهن الطفل، وتعريفه بدينه وما يتسم به من واجبات وحقوق إلى جانب الفضائل والخلق الكريم.
ــ لا بدّ لمن يتصدى للكتابة في أدب الطفل من مقومات تجعله قادرًا على إيصال أفكاره بشكل صحيح ومبسط، إلى جانب ذلك يجب أن يمتلك هذا الكاتب مقومات خاصة وثقافة تسعفه في هذا المجال.
ــ من سمات هذا الأدب البساطة واللغة الواضحة.
ـ استعمال الرسومات الملونة الجميلة في المطبوعات التي تتعلق بأدب الطفل.
ــ ازدادت الحاجة إلى أدب الطفل في وقتنا الحاضر، وقد انشغل الناس عن أطفالهم، فقد خرجت الأم إلى العمل، فلم يبق لها الفرصة الكافية للاعتناء بطفلها.
المصادر والمراجع
1ــ القرآن الكريم.
2ــ أبو رضا سعد، النص الأدبي للأطفال أهدافه ومصادره وسماته، عمان ــ الأردن، دار البشير للنشر والتوزيع، 1993م، ص69.
3ــ أبو معال الدكتور عبد الفتح، أدب الأطفال ـ دراسة وتطبيق، ط2، بيروت ـ لبنان، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1988م، ص: 7، 31، 51، 75.
4ـ بريغش محمد حسن، أدب الطفل أهدافه وسماته، ط3، مؤسسة الرسالة، 1997م، ص22.
5ــ الحسيني جعفر باقر شرح مفردات نهج البلاغة، قم، جمهورية إيران الإسلاميّة، مؤسسة بوستان للطباعة والنشر، 1431هـ، ص: 79، 100.
6ــ الخطيب، محمد شحات، الطفولة في التنظيمات الدوليـة والإقليميـة والمحليـة، ط2، الريـاض، 1426هـ، ص119.
7ــ الرضي الشريف محمد بن الحسين موسى الرضا تحقيق السيد هاشم الميلاني، نهج البلاغة، المختار من كلام أمير المؤمنين، النجف الأشرف، العتبة العلوية المقدسة 2010 مـ. ص43.
الأدب العربي الحديث (مدارسه وفنونه وتطوره وقضاياه ونماذج منه) صالح محمد 8- الشنطي الناشر، دار الأندلس للنشر والتوزيع، 2017م، ص32.
9ــ عبد الحميد حنان، أدب الأطفال، ط4، الأردن، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1999م، ص45.
10ــ علي أحمد، تدريس فنون اللغة العربية، النظرية والتطبيق،، ط1، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2009م، ص259.
11ــ الفيصل سمير روحي، أدب الأطفال وثقافتهم. قراءة نقدية، منشورات اتّحاد الكتاب العرب، 1998م، ص108.
12ـ الكيلاني د. نجيب، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، ط3، مؤسسة الرسالة، 1991م،
ص: 4، 13، 16، 19، 21، 51، 56….
13ــ مجموعة باحثين، في أدب الأطفال، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1994م، ص11.9.نة 14ـــ موسى، د. أنور عبد الحميد، أدب الأطفال. فنّ المستقبل، بيروت، دار النهضة العربية، 2010م، ص5.
15ــ النيسابوري أبو الحسين مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، ط1، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، 2011م، ص638.