لبنان عكاظ لافتات فهل من نابغة؟
محمّد أمين الضنّاويّ*
إنّ أكثر ما يلفت انتباهك وأنت تتنقّل في شوارع لبنان منذ مدّة غير قصيرة حتى اليوم، هذا الكمّ الهائل من اللافتات – المليئة بالأخطاء – التي تملأ شوارعها. فأهالي المنطقة، والمكاتب الإعلاميّة، والجمعيّات، والأحزاب، والمحلاّت التجاريّة كلّها تملأ الشوارع بلافتاتها، منها ما يهنّئ وآخر يرثي، أو يعترض أو يحاول تسويق تجارته، أو استقطاب ناخبين.
كلّ هذا جيّد، فهذه كلّها طرائق للتعبير عمّا يريد أصحابها، إلاّ أنّ ما نحاول أن نقف عنده هو هذه الكمّيّة من الأخطاء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي هي مطروحة في الشوارع برسم القراءة للكبار والصغار، وما يجدر ذكره أنّ هذه الأخطاء لا يفقهها تلامذتنا، بل يعتمدونها في كتاباتهم المدرسيّة لأنّها ألصق بأذهانهم من دروسهم، فهم يرونها بشكل دائم، وفي كلّ الشوارع والأماكن. في ظلّ هذا الواقع المرير المفروض على أبنائنا كان لا بدّ لنا من القول إنّ العلم المجرّد لا يأخذ بيد صاحبه، ومثاله لو كان على رجل في برّيّة عشر بنادق، وكان الرجل شجاعًا وأهل حرب، وحمل عليه نفر من الأشرار، فما ظنّكم؟ هل تدفع الأسلحة عنه شرّهم بلا استعمالها؟ ومن المعلوم أنّها لا تدفع إلاّ بالتحريك. فهكذا لو قرأ رجل ألف كتاب، ولم يعمل بها فلا تفيده إلاّ بالعمل. وكما يقول الإمام الغزّاليّ: “تعلّم واعمل، فالعلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون”.
من هنا نسأل على من تقع مسؤولية هذه الأخطاء؟ وعلى من تقع أيضًا تبعة تعليق هذه اللافتات؟ سؤالنا مطروح برسم الجواب. ناهيك عن أخطاء ترجمة الأفلام الأجنبيّة في محطّات التلفزيون كلّها، وزاد الطين بِلّة لغة التحاور على مواقع التواصل الاجتماعيّة و”الواتس أب”، والكتابة العربيّة بالحروف اللاتينيّة في التواصل عبر تلك المواقع، على سبيل المثال لا الحصر: (ع = 3/ ا = 2/ ح = 7/ خ = 5…) فتلميذنا محاصر بالأخطاء، ونطالبه بالإبداع والاجتهاد، فكيف يكون له ذلك؟
ودعمًا لرأينا نعرض بعضًا من هذه الأخطاء المطروحة في الشوارع بلد العلم ومنارة الشرق وخصوصًا في بيروت لما فيها من تنوّع سكّانيّ، وهل يعقل أن تكون بيروت مدينة العلم، ومشعل المعرفة والتقدّم مليئة بهكذا أخطاء؟ قد تقول عزيزي القارئ إنّ بعض هذه الأخطاء قد مرّ عليها مدّة من الزمن، أقول إنّ ضرب الحديد وهو حامٍ مضرّ في بعض الأحايين.
“الصوم جَنة من النّار” الخطأ هنا في لفظة “جَنة” بالجيم المفتوحة، وهذا لحن في آية قرآنيّة كريمة يغيّر معناها، فاللحن في القرآن الكريم قد يوقع صاحبه في الكفر من دون قصد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ جامعيّ سابق، وأحد رئيسَيْ تحرير مجلّة أوراق ثقافيّة، مجلّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، له العديد من المؤلَّفات.
والصحيح “الصوم جُنّة من النار” بالجيم المضمومة التي تعني “ستر” أو “خبّأ”. أمّا استعمال لفظة “جَنة” بجيم مفتوحة يجعل المعنى مختلفًا فيصبح بمعنى النعيم والسعادة والهناء في جهنم.
“يخفّف عن الشعب إلامه” والخطأ هنا في همزة “إلامه” وما لم نستطع أن نتبيّنه من هذه اللافتة هو قاعدة الهمزة في كتابة هذه اللفظة، وهو وضع الهمزة المفتوحة تحت كرسي الألف، فهل للهمزة قواعد لم تصلنا بعد؟
“تصوير لسائر الحفلات، والمناسبات، والمِهرجانات الانتخابيّة”، وهنا الخطأ باستعمال كلمة “سائر” ويُقصد بها في هذا السياق “جميع” إلاّ أنّها لا تعني في معناها الحقيقيّ ذلك أبدًا، بل تعني “بقيّة” وفي هذه الحال ماذا يقول صاحب هذه اللافتة؟ إنّه يصوّر بقيّة الحفلات، و…، فكيف له ذلك؟
“إجرة” وهذه لافتة توضع على سيّارة الأجرة، والخطأ هنا في كتابة الهمزة مكسورة تحت كرسيّ الألف، والصحيح كتابتها مضمومة فوق كرسيّ الألف.
وفي الختام هلاَّ ترأفون بنا وتأخذون بالحسبان مصلحة تلامذتنا وتحرصون على إخراج لافتاتكم إخراجًا صحيحًا يضمن لتلامذتنا رؤية صحيحة للغتهم الأمّ. فيكفيهم ما يسمعونه من أخطاء لا عدّ ولا حصر لها في أجهزة التلفزيون. ومصلحة أجيالنا من وراء القصد.