جزيرة أرواد في النّصوص الكتابيّة المسماريّة
أ. د. فـاروق إسماعيـل)[1](
ملخص البحث
جزيرة ارواد هي الجزيرة السورية الأساسية في البحر الأبيض المتوسط، وتقع قبالة مدينة طرطوس. ورد ذكر أخبارها في مجموعة من النصوص المدوّنة باللغة الأكّدية، وبالكتابة المسمارية اكتشفت في مراكز حضارية قديمة عدة، في سورية (أوجاريت) ومصر (آخت آتون) والعراق (آشور، كلخو، قطّارا). ويمتد تاريخها بين القرنين الرابع عشر والسادس ق.م، ولكنها متفرقة زمنيًّا، ولا تغطي أخبار ارواد طوال هذا المدى الزمني. ومن المؤسف عدم توافر مصادر داخلية؛ من ارواد أو بلاد أمورو التي كانت تشمل المنطقة الساحلية السورية؛ جنوبي أوجاريت. ويمكن تحديد أقدم ذكر لارواد بشكل دقيق، في ضوء المراسلات المكتشفة في آخت آتون (تل العمارنة في جنوبي مصر)، بسنة 1346/1345ق.م.
استهدف البحث عرض تلك النصوص وتحليلها بغية الإجابة على عدد من التساؤلات: هل كانت الجزيرة مأهولة في التاريخ القديم، ومنذ متى؟ ماذا نعرف عن تاريخها ودورها السياسي آنذاك، وما طبيعة علاقاتها بالممالك القائمة في بلاد فينيقيا، وفي الشرق القديم عامةً؟ وكان الباعث على ذلك هو افتقار المكتبة العربية إلى بحث علمي خاص بتاريخ الجزيرة القديم.
لقد اتضح أن الجزيرة تميزت بموقعها البحري الاستراتيجي، وبقربها من اليابسة، ما أسهم في انخراطها وعدم عزلتها عن الأوضاع السياسية في بلاد الشام، وبروز أهميتها العسكرية؛ ولاسيما في الحرب البحرية، ويبدو أنها كانت تمتلك عددًا متميزًا من السفن، ولسكانها خبرة واسعة في هذا المجال. كانت مرتبطة – بشكل أو بآخر – بمملكة أمورو خلال عصر العمارنة، ثم عانت في العصر الآشوري الوسيط (نحو 1365-1076 ق.م)، مثل بقية مدن شرقي ساحل المتوسط، من الحملات العسكرية الآشورية. أما في العصر الآشوري الحديث فيبدو أن ارواد صارت كيانًا سياسيًّا مستقلًا، وتبوأت المكانة الرئيسة في بلاد أمورو، بدلًا من عاصمتها صُمُر. وقد خَلُص البحث إلى وضع قائمة بأسماء ستة ملوك حكموا ارواد بين القرنين التاسع والسابع ق.م.
الكلمات المفتاحية: جزيرة ارواد، النصوص المسمارية، اللغة الأكّدية، الساحل الشرقي للبحر المتوسط خلال التاريخ القديم.
Abstract
Arwad is the main Syrian island in the Mediterranean Sea, located opposite of Tartous. Its news was mentioned in a group of texts written in the Akkadian language, and in cuneiform writing from several ancient civilization centres, in Syria (Ugarit), Egypt (Akhet Aten) and Iraq (Ashur, Kalkhu, Qattara). Its history extends between the fourteenth and sixth centuries BC, but it is scattered chronologically, and does not cover the news about Arwad throughout this whole time. It is unfortunate that no internal sources are available; From Arwad or the country of Amuru, which included the Syrian coastal region; south of Ugarit. The oldest mention of Arwad can be determined accurately, in light of the correspondences discovered in Akhet-Aten (Tell el-Amarna in southern Egypt), in the year 1346/1345 BC.
The research aimed to present and analyse these texts to answer a number of questions: Was the island inhabited in ancient history, and since when? What do we know about its history and its political role at the time, and what is the nature of its relations with the existing kingdoms in Phoenicia, and in the ancient Near East in general? The reason for this was that the Arab library’s lack of scientific research on the ancient history of the island.
It became clear that Arwad was distinguished by its strategic maritime location, and its proximity to the land, which contributed to its involvement and non-isolation from the political situation in the Levant, and the emergence of its military importance; Especially in naval warfare, it seems that it owned a distinguished number of ships, and its inhabitants had extensive experience in this field.
It was connected – in one way or another – with the kingdom of Amurru during the Amarna period, then it suffered in the Middle Assyrian period (ca. 1365-1076 BC), like the other cities of the eastern Mediterranean coast, from the Assyrian military campaigns. As for the New Assyrian age, it seems that Arwad became an independent political entity, and assumed the main position in the country of Amurru, instead of its capital, Sumur. The research concluded to draw up a list of the names of six kings who ruled Arwad between the ninth and seventh centuries BC.
Keywords: Arwad Island, cuneiform texts, the Akkadian language, the eastern coast of the Mediterranean during ancient history.
المقدّمة
جزيرة أرواد هي الجزيرة السورية الأساسية في البحر الأبيض المتوسط،(1) وتقع قبالة مدينة طرطوس، على بعد 5 كم، وتبلغ مساحتها نحو 300.000م2 (740×400)م.
هل كانت الجزيرة مأهولة في التاريخ القديم، ومنذ متى؟ ماذا نعرف عن تاريخها ودورها السياسي آنذاك، وما طبيعة علاقاتها بالممالك القائمة في بلاد فينيقيا، وفي الشّرق القديم عامةً؟ هذه هي الإشكاليات التي ينوي البحث التعرّض لها، ومحاولة توضيحها. وتنبع أهمية البحث من افتقار المكتبة العربية إلى بحث علمي خاص بتاريخ الجزيرة القديم.
1- مصادر البحث
تقتصر مصادر البحث على نصوص بالكتابة المسمارية اكتشفت في مراكز حضاريّة قديمة عدة، في سورية ومصر والعراق. وهي جميعها مدوّنة باللغة الأكّدية التي كانت أكثر اللغات القديمة انتشارًا في المشرق العربي القديم، خلال الآلاف الثلاثة قبل الميلاد. وقد كانت ثمة لغات أخرى في المنطقة استخدمت الكتابة المسماريّة في عملية التّدوين، كالسّومرية والحوريّة والحثيّة، ولكننا لا نجد ضمن نصوصها المكتشفة أي ذكر للجزيرة. ومن اللافت للانتباه – في هذا السّياق – أن تخلو النّصوص الكتابيّة الحثيّة من أخبار عن جزيرة أرواد، على الرّغم من أنّها كانت قريبة من بلاد الحثيين (ختّي) في الأناضول، وأن تلك الكتابات أوردت أخبارًا كثيرة عن ممالك السّاحل المتوسطي ومدنه، ولاسيما مملكتي أوجاريت وأمورو. أما المصادر المصرية القديمة فيرد اسم أرواد فيها ضمن بردية بولونا ذات الرقم 1086 (المقطع الرابع، 12) فقط(2). ويمتد تاريخ النّصوص التي اعتمد البحث عليها بين القرنين الرابع عشر والسادس ق.م، ولكنها متفرقة زمنيًا، ولا تغطي أخبار أرواد طوال هذا المدى الزمني. وهي الآتية:
1- 1- نصوص من مدينة آخِت آتون (تل العمارنة) بمصر: عثر على نصوص مسمارية أكدية منذ أواخر سنة 1887م، في موقع تل العمارنة في جنوبي مصر – على بعد نحو300 كم من القاهرة – الذي يضم أطلال مدينة آخِت آتون التي اتخذها الملك المصري أمنحوتب الرابع (أخناتون) (1352 -1336ق.م) مقرًا جديدًا له. وهي تشكل محفوظات القصر الملكي، وتضم 350 رسالة تبادلها الملكان أمنحوتب الثالث وأمنحوتب الرابع مع ملوك ممالك الشرق القديم العظمى، كالمملكة الحثيّة، والحوريّة – الميتّانية، والآشورية، والبابليّة، ومع ممالك صغيرة متعددة كانت قائمة في مناطق بلاد الشّام السّاحليّة والدّاخليّة، مثل: أوجاريت، أمورو، نيّا، تونيب، نُخَشّي، دمشق، جبلا، صيدونا، صوري، القدس، خزّة، …. إضافة إلى 32 نصًا متنوع الموضوعات (ملاحم وأساطير، جداول للكتابة المسماريّة المقطعيّة، نصوص معجميّة، جدول بأسماء آلهة…)(3).
يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر ق.م، ويعتقد أنّها تغطي أحداث ثلاثة عقود من الزّمن (نحو 1360-1331ق.م)(4)، وتعود أهميتها إلى أنّها تقدم معلومات وفيرة عن التّاريخ السياسي لبلاد الشام القديم، خلال تلك الحِقبة التي باتت تعرف في البحوث العلميّة بحِقبة العمارنة، نسبة إلى موقع اكتشاف هذه النصوص. وتتضمن هذه النّصوص أقدم ذكر – حتى الآن – لجزيرة أرواد،(5) وبصيغة الاسم الحالي نفسـه Ar-wa-da، وفي نص وحيد بكسر أول الاسمEr-wa-da (العمارنة42:104). وقد ورد ذكرها في خمس رسائل منها، تعود إلى عهد أمنحوتب الرابع، هي الآتية:
1-1-1- نص العمارنة 101(6): تتمة رسالة أخرى لم تكتشف، ولذلك غاب اسم مرسل الرسالة والمرسل إليه، ولكن الراجح أنّها مرسلة من رب هَدّا حاكم جُبْلا (جبيل) إلى أمنحوتب الرابع، جاء فيها ما يأتي: “أمرٌ ثان ٍ؛ لماذا الحرب ضد الملك؟ أليس خايا (هو السبب)؟ الآن، (احذر)! إن دخلت سفن القوات البحرية بلاد أمورو، فإنّ عبدي أشيرة مقتولٌ، لأنّه لم يعد لديهم صوف، ولم يعد لديه أثواب، لازورد، حجر مار(؟)، ليقدم جزيةً إلى بلاد ميتّاني.
أمرٌ ثانٍ؛ لمن تلك السّفن التي تهاجمني؟ أليست لرجال مدينة أرواد! و(عجبًا) هم الآن عندك! استولِ على سفن رجال مدينة أرواد التي توجد في بلاد مصر.
أمرٌ ثان ٍ؛ ولو أنّ خايا يقول: “[السّفن] إن لم نسمح نحن لها بالتوجّه إلى بلاد أمورو؛ فإنّ حكام صورّي وصيدونا وبيروتا سيمدّونها بها (غريبٌ) لمن تعود هذه المدن؟ أليست إلى الملك! ضع في وسط كل مدينة منها رجلًا، كي لا يسمح لأيّ سفينة بالتّوجه إلى بلاد أمورو، لأنّهم (عند ذلك) سوف يقتلون عبدي أشيرة. إنّ الملك عيّنه عليهم، وليس هم (الذين اختاروه). ليقل الملك للمدن الثلاثة، ولسفن القوات البحريّة ألا تسير إلى بلاد أمورو، وإن حصل واستولى أحد خدمك على سفينة (منها) فليسلمها لك. أعلم بالأحداث الحاصلة عند عبدك المخلص”!
1-1-2- نص العمارنة 98(7): رسالة قصيرة مرسلة من يَفَخ هَدّا حاكم بيروتا إلى يَنْخَم أحد المكلفين من البلاط المصري بمراقبة شؤون المنطقة الساحلية، جاء فيها: “إلى يَنْخَم قل التالي: هكذا يقول يَفَخَ هَدّا: لماذا أنت مهمل إزاء (ما يحدث في) مدينة صُمُر؛ بعد أن صارت كل البلدان معادية، تسير خلف عزيرو، من مدينة جُبْلا حتى مدينة أوجاريت!! وحتى مدينة شيجاتا ومدينة أمبي صارتا عدوتين. والآن ها قد وضع (عزيرو) سفن أرواد في مدينتي أمبي وشيجاتا، حتى لا يكون إدخال الشّعير إلى صُمُر ممكنًا، ولا نستطيع نحن الدّخول إلى صُمُر. فماذا نفعل؟ اكتب إلى القصر حول هذا الأمر. حسنٌ أنك صرت عارفًا بذلك”.
1-1-3- نص العمارنة 104(8): رسالة من ربّ هَدّا حاكم جُبْلا إلى أمنحوتب الرابع، جاء فيها ما يأتي: “إلى الملك، سيدي، شمسي، قل التالي: هكذا يقول رِب هَدّا عبدك: عند قدمي سيدي، شمسي أجثو سبع مرات ثم سبع مرات. ليعلم الملك، سيدي، أنّ بو بعلا بن عبدي أشيرة احتل مدينة أُلازا، وصارت لهم المدن: أَرْدَتا، وَخْليّا، أَمْبي، شيجاتا. (نعم) كلّ المدن صارت خاضعة لهم. فليرسل الملك قوات نجدة إلى مدينة صُمُر كي يهتم الملك ببلاده.
من هم أبناء عبدي أشيرة؛ العبد الكلب؟ أملك بلاد كَشّو أم ملك بلاد ميتّاني هم! حتى يأخذوا لأنفسهم بلاد الملك! فيما مضى؛ أخذوا مدن ولاتك وبقيت ساكتًا. انظر! الآن طردوا مندوبك، وأخذوا مدنه لأنفسهم. انظر! لقد أخذوا مدينة أُلازا (أيضًا)! فإن بقيت ساكتًا بهذا الشكل فسيأخذون مدينة صُمُر أيضًا، وسيقتلون المندوب. وماذا ستفعل قوات النجدة الموجودة في صُمُر! وأنا لا أستطيع الذهاب إلى مصر.
إن المدن: أمْبي، شيجاتا، أُلازا، أرواد، أعلنت الحرب ضدي. في حال سماعها أني دخلت إلى مدينة صُمُر، فإن المدن هذه ومعها السفن (في جهة البحر) وأبناء عبدي أشيرة في جهة البر سوف تنهض لمواجهتي، و(بذلك) لن أستطيع الخروج، وستضم جُبْلا إلى العفيرين (الخابيرو). لقد سار هؤلاء إلى مدينة إبيرتا، وقد عقدت هذه تحالفاً مع العفيرين”.
1-1-4- نص العمارنة 105(9): رسالة من رب هَدّا حاكم جُبْلا إلى أمنحوتب الرابع، جاء فيها ما يأتي: “رِب هَدّا يقول لسيده، الملك العظيم، ملك البلدان، ملك المعركة: ليت الإلهة بَعْلَت مدينة جُبْلا تَهِبُ الملكَ سيدي القوةَ. عند قدمي سيدي، شمسي، أجثو سبع مرات ثم سبع مرات.
أمرٌ ثان؛ ليت الملك يهتمّ بمدينة صُمُر. لاحظ أن مدينة صُمُر موضوعة مثل طائر داخل شَرَك. هكذا هي حال صُمُر تمامًا. إن أبناء عبدي أشيرة من جهة البر، ورجال مدينة أرواد من جهة البحر يعملون ضدها نهارًا وليلًا. لقد أرسلتُ ثلاث سفن إلى يَنْخَم، ولكن رجال مدينة أرواد كانوا مستعدين لاعتراض سبيلها، فعادت.لاحظ موقف سكان أرواد! عند مجيء القوات المحاربة؛ صارت جميع ممتلكات عبدي أشيرة بحوزتها، لم تدعها تُنهب. إن سفنها جاءت من مصر وفق اتفاقٍ، لذلك فهي لا تخاف. (مع ذلك) الآن ها هي مدينة أُلازا محتلة. وهم يحاولون احتلال صُمُر. فكلّ شيء يخصّ عبدي أشيرة بات في يد الأبناء، ولذلك فهم الآن أقوياء. لقد أخذوا سفن القوات البحرية مع كل عتادها، وأنا لا أستطيع القدوم إلى مدينة صُمُر للنجدة، ويَفَ هدّا معادٍ لي؛ بسبب ممتلكاتي التي في حوزته.
دعنا ننقل المشكلة (للبتّ فيها) إلى أمان… وتوربيخا، وإلى يَنْخَم، وهم يعرفون حقي على [يف هدّا]، ولأن ممتلكاتي الموجودة في حوزته كثيرة أثار الحرب عليّ. عندما سمعتُ خبر احتلال مدينة أُلازا؛ كتبتُ إليه مراراً، ولكنه (لم يأبه) وأغار… واحتلّ… وأثار الحرب عليّ بسبب… لأخذ… من بلاد… (السطور 49-73 مهشمة)… العفيرون… يف هدّا… ليته يرسل… فننقل المشكلة إليهم، وليت كل ممتلكاتي التي بحوزته تؤخذ إلى الملك، وليت العبد المخلص يحيا من أجل الملك”. إن الرجال المصريين الذي خرجوا من مدينة أُلازا هم الآن عندي، وليس هناك شعير من أجل طعامهم. يَف هَدّا لا يسمح لسفني بالدخول إلى بلاد يريموتا، ولا أستطيع إرسالها إلى مدينة صُمُر؛ بسبب سفن مدينة أرواد. انظر! إنه يدّعي: رِب هَدّا أخذها، ولذلك يقف ضدي…
1-1-5- نص العمارنة 149 ( 10 ): رسالة مرسلة من أبي مِلْكي حاكم صوري إلى أمنحتب الرابع، جاء فيها ما يأتي:
إلى الملك، سيدي، شمسي، إلهي. هكذا يقول أبي مِلكي عبدك: أجثو عند قدمي الملك، سيدي، سبع مرات ثم سبع مرات. أنا الغبار الذي تحت القدمين، (أنا) حذاء الملك، سيدي. أيها الملك، سيدي، أنت مثل الشمس، مثل الإله هَدّا في السماء. ليت الملك يهتم بعبده. لقد كلّفني الملك، سيدي، بحماية مدينة صورّي أَمَةِ الملك، ولكني كتبت رقيماً عاجلاً إلى الملك سيدي ولم يعد جواباً إليّ بَعْدُ.
أنا مندوب الملك سيدي، وأنا الذي ينقل الأخبار السارّة، وكذلك السيئة، إلى الملك سيدي. ليت الملك يرسل عشرين جنديًّا من قوة “الحماية الخاصة” لحماية مدينته، وأسير أنا إلى الملك سيدي، لأرى وجهه. ما قيمة حياة جندي من “الحماية الخاصة” إن لم يأته نَفَسٌ من فم الملك، سيده! ولكنه قد يظل حيّاً إذا ما كتب الملك لعبده (ذاك) باستمرار؛ بل سيحيا إلى الأبد.
أنا (من جهتي) [أنوي] منذ السنة الماضية المجيء لرؤية وجه الملك سيدي، [لكن زمريدّا] الأمير سمع بذلك، وأعاد [قافلتي]… الملك سيدي،[قائلاً: “مَنْ] يستطيع أن يوصلك
[إلى الملك؟”. اسمع] يا سيدي!… إن عزيرو [بن عبدي] أشيرة مذنب بحق الملك، وخابي…. نَفَس رسولي، (هو الذي) سلّم مدينة صُمُر إلى عزيرو، فلا يُبْعِدَنّ الملك نفسه عن تلك المدينة، وعن بلاده. عندما أسمع اسم الملك واسم جيشه (هنا، أراهم) يصيرون خائفين جدًّا. وكل البلاد تصير خائفة، حتى الذي لا يتبع الملك سيدي.
(أما زلت يا سيدي) الملك تعلم أنك كنت قد عيّنتني مندوبًا في مدينة صورّي! (ولتعلم) أن زمريدا احتل مدينة أوسو من عبده، وقد هجرتُها. وهكذا؛ ليس لدينا ماء ولا خشب، وليس هناك مكان ندفن فيه الموتى، فليهتم الملك سيدي بعبده.
كتب الملك سيدي في الرقيم إلي: “لتكتب كل ما تسمعه إلى الملك”.(فاعلم أنّ) زمريدّا
(حاكم) مدينة صيدونا، وعزيرو المذنب بحق الملك، ورجال مدينة أرواد قد أقسموا، وكرروا القسم فيما بينهم، وجمعوا سفنهم وعرباتهم وقوات المشاة التابعة لهم، بهدف احتلال مدينة صورّي أَمَة الملك. فإذا ما وصلت يد الملك القوية، فإن صورّي ستهزمهم، ولن يستطيعوا احتلالها. أمّا مدينة صمر فقد باتت تحت احتلالهم؛ حسب إرادة زمريدّا الذي ينقل كلام الملك إلى عزيرو.
لقد أرسلت رقيمًا إلى الملك، سيدي، ولكنه لم يرد لي، لخادمه، كلامًا. الحرب قائمة ضدي منذ السنة الماضية. ليس هناك ماء، ليس هناك خشب. فليته يرسل رقيمًا إلى عبده كي يستطيع أن يأتي ويرى وجهه. و[ليهتم] الملك بعبده وبمدينته، ولا [يترك] مدينته وبلاده. لماذا ينسحب مندوب الملك سيدنا من البلاد؟ إن [زمريدّا] يعلم، الخائن يعلم أن يد الملك ليست هناك بعد.
رقيمي هذا [ينقله] أحد رجال “الحماية الخاصة” إلى طرف الملك، الشمس، سيدي. وليت الملك يردّ على عبده.
1-2- نص من أوجاريت (رأس شمرا): كشفت التنقيبات الأثرية الفرنسية الجارية في موقع رأس شمرا (على بعد نحو 11 كم شمالي اللاذقية) منذ 1929م عن نصوص كتابية مسمارية، مدونة بلغات عدة أبرزها اللغة الأوجاريتيّة المحليّة (نحو50% من النصوص) التي تفردت باستخدام نظام كتابي جديد (أبجدي) لم يكن معروفاً من قبل، اعتمدت فيه أشكال مسماريّة مبسطة في التّعبير عن الأصوات الصامتة، وأهملت الصائتة، وذلك بخلاف النظام الكتابي المسماري المعبر عن مقاطع صوتيّة كاملة (صوامت وصوائت). وكذلك باللغة الأكّدية (نحو 28% من النصوص)، ونصوص أخرى باللغات السّومرية والحورية والحثية.(11)
وقد بلغت نصوص أوجاريت نحو ثلاثة آلاف، وجدت في هيئة مجموعات ضمن قصور ملكيّة عدة في المدينة، وفي بيوت شخصيات متميزة فيها، مثل: كبير الكهنة، كبير الموظفين المدعو يبنينو، مسؤول السّوق التّجارية المدعو رشف إيلو، أورتينو، أجب شرّي، ربآنو… وتعود إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م، ولاسيما القرن الأخير. تتناول نصوص أوجاريت موضوعات كثيرة متنوعة، تعكس حيوية الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والدّينيّة في المدينة والمملكة، وتبين مدى دقّة النظام الإداري فيها. ولعل من الغريب حقاً ألا نجد ضمن نصوص أجاريت سوى نص واحد (أكّدي) يذكر جزيرة أرواد، هو النص RS 19.42(12) وهو جدول مؤلف من تسعة عشر سطراً، يضم أسماء أشخاص منسوبين إلى مدن سـاحلية، يمتد إطارها الجغرافي من عسقلان في جنوبي فلسطين حتى شمالي أوجاريت. (13) ويرد فيه ما يأتي:
[2+] نساء إماء من بعل يدع / أربع نساء (إماء) من أَدونا الشَلْمي / أربع نساء (إماء) من لَبْئيا / امرأتان (أَمَتان) من تآيا الجِبَلي / امرأة أَمَة من بن شفش الشَلْمي / (وكذلك من): أَكْبرو الصوري / صَدوقو الأروادي / خيجيلو الأروادي / يابَخو الغلام (من) مدينة أشقلونا / بِن… أُوبشي المَخَدي / متينو، الغلام / برداليشو الريشي / أبيما، الغلام / أخي رامو الريشي / نِرانو الأوجاريتي / أروانو الأوجاريتي / أبي مَلْكو الأَتلّيجي / سوسو العكّاوي / عبدي أداتو الأُشناتي.
1-3- نصان أكديان من العصر الآشوري الوسيط
1-3-1- نص من حوليات تجلت فليسر الأول(14): وجد هذا النص الأكّدي في آشور، وهو مؤلف من مقطعين ضمن تقرير مطول للملك الآشوري تجلت فليسر الأول (1114-1076) الذي تميز بين ملوك أواخر العصر الآشوري الوسيط؛ ولاسيما بفضل نشاطاته السياسية الخارجية التي دوّنت في تقارير مفصلة عن أعماله. وهي تشير إلى مواجهاته العنيفة مع القبائل الآرامية في وادي الفرات الأوسط (في سورية)، وحروبه العنيفة في بلاد نائيري وغيرها(15).
يتحدث فيهما عن وصوله إلى جبال لبنان، واحتلاله بلاد أمورو التي كانت جزيرة أرواد (ارماد) جزءًا منها.(16) يقول: “سرت إلى جبل لبنان، قطعت وأحضرت عوارض خشبية من شجر الأرز لمعبد الإله آنُ ومعبد الإله أدد الإلهين العظيمين، سيديّ. سرتُ بعد ذلك إلى بلاد أمورّو. احتلّيت بلاد أمورو كلها، واستلمت الجزية من البلدان: جُبلا، صيدونا، ارماد. سرت بسفن مدينة ارماد في بلاد أمورو، قطعت مسافة ثلاثة حقول في مدينة ارماد الواقعة في وسط البحر، حتى بلاد صُمُر الواقعة داخل بلاد أمورّو. قتلت في وسط البحر حيوان ناخيرو الذي يسمّونه فرس البحر”. ثم يكرر الحديث نفسه تقريباً في مقطع تال، إذ يقول: “سرتُ -بأمر الإلهين آنُ وأدد العظيمين، سيديّ، إلى جبل لبنان. قطعت وأحضرت عوارض خشبية لمعبد الإله آنُ ومعبد الإله أدد الإلهين العظيمين، سيديّ. سرتُ بعد ذلك إلى بلاد أمورو. احتلّيت بلاد أمورو كلها، واستلمت الجزية من البلدان: جُبلا، صيدونا، ارماد. استلمت تمساحاً وقردة أنثى ضخمة من شاطئ البحر”.
1-3-2- نص من حوليات آشور بِل كالا(17): كان آشور بِل كالا ابنًا للملك تجلت فليسر الأول، تولى الحكم بعد أخ له حكم سنوات معدودة، وذلك بين 1073-1056 ق.م. شهد عهده تراجع القوة الآشوريّة، وانحسار إطار المناطق الخاضعة لحكم آشور، وبدء انهيار المملكة الآشوريّة الوسطى. يفتخر كاتب حولياته المدونة على “المسلة السوداء” التي عثر عليها في نينوى ببراعته في الصيد، ووصوله إلى البحر الأبيض المتوسط، فيقول عنه: الإلهان نينورتا ونرجال اللذان يحبان كهانه أعطياه براعة الصيد، فركب سفن بلاد أرواد، قتل حيوان ناخيرو في البحر الكبير.
1-4- نصوص أكدية من العصر الآشوري الحديث: تشكل مصادر العصر الآشوري الحديث أغنى المصادر الكتابية المسماريّة، من حيث عدد الشّواهد النّصيّة المتعلقة بأرواد (ارماد)، وتنوعها، ولكنها تكرر كثيرًا من المعلومات المتماثلة عنها. ونعرضها فيما يأتي وفق تسلسلها الزمني:
1-4-1- نصّان من عهد آشور ناصربال الثاني: تميز الملك الآشوري آشور ناصربال الثاني (883-859 ق.م) بحملاته العسكرية الموجهة إلى مختلف الجهات، منها سواحل البحر الأبيض المتوسط (البحر الكبير)، حيث أخضع لنفوذه أبرز القوى السياسية هناك. يقول في حولياته المنحوتة على قطعة حجرية ضخمة، ضمن معبد الإله نينورتا في مدينة كلخو:(18)
… في ذلك الوقت سلكت طريقي نحو سفوح جبل لبنان، ثم عدت إلى البحر الكبير في بلاد أمورو، غسلت أسلحتي في البحر الكبير، وقدمت النذور إلى آلهتي. استلمت الجزية من ملوك ساحل البحر؛ من بلاد صوري، بلاد صيدونا، بلاد جُبلا، بلاد مَخَلاتو، بلاد مايزو، بلاد كايزو، بلاد أمورو وبلاد ارماد الواقعة في وسط البحر…
ثم يعدد المواد التي تلقاها منها جزية، وهي: الفضة، الذهب، القصدير، البرونز، أثواب كتانية ملونة، أنواع من الخشب، عاج فرس البحر، قِردة.
ويقول في نص مشـابه، وجد أيضًا في كلخو، مدونًا على ثـور مجنح ضمن قصـره الشـمالي الغربي:(19) بأمر الإله آشور، السيد العظيم، سيدي، وأمر الإله نينورتا الذي يحب كهنتي؛ سرت إلى جبل لبنان، ثم عدت إلى البحر الكبير. غسلت أسلحتي في البحر الكبير، وقدمت النذور إلى آلهتي. وآنذاك استلمت الجزية من ملوك ساحل البحر؛ من بلاد صوري، بلاد صيدونا، بلاد أمورو، بلاد جبلا، بلاد مخلاتو، بلاد كايزو، بلاد مايزو، مدينة ارماد الواقعة في وسط البحر.
ثم يعدد مواد الجزية، كما في النّص السّابق.
1-4-2- نص من عهد شلمنصر الثالث: ركز الملك الآشوري شلمنصر الثالث (858-824 ق.م) – وهو ابن الملك السّابق – جهوده العسكرية على محاربة الآراميين في منطقة الفرات الأوسط، فأخضع مملكة بيت عديني. وبذلك لم تعد تلك المنطقة منطقة حدودية، بل تحولت إلى منطقة عبور، وبدأ الآشوريون يسيرون بحملات متكررة باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وأخضعوا كثيرًا من الممالك الصغيرة والكبيرة في الساحل المتوسطي الشرقي.
قادت مملكة دمشق الآرامية آنذاك – بقيادة هدد عزري – تحالفًا ضم ممالك آرامية وقوى سياسية في المناطق الساحلية وزعيم إحدى القبائل العربية المدعو (جندب، جنديبو) لمواجهة الخطر الآشوري. وحصلت معركة حاسمة بين الطرفين في موقع قرقر خلال سنة 853 ق.م.
دوّن خبر هذه المعركة في ثلاثة نصوص، وجدت في مواقع مختلفة (الكرخ، كلخو، آشور)، ويعد أكملها النّص المدون على مسلة عالية (220 سم) وجدها تايلور J.E.Taylor سنة 1861م في موقع الكرخ قرب بغداد. تذكر فيه مدينة أرواد، إذ يعدد الكاتب القوى المتحالفة ضد الآشوريين، وعددها اثنتا عشرة، وهي: قوات هدد عزري (أدد إدري) الدمشقي، إرخوليني الحموي، آخاب الإسرائيلي، من جبلا، مصر، إرقنتو، قوات متينُ بعل حاكم مدينة أرواد، من أُشناتو، قوات أدونُ بعل حاكم بلاد سيانو، جنديبو زعيم العرب، من بلاد بآسا، قوات حاكم بيت رخوبي العموني.(20)، ويبدو أن مشاركة أرواد وأشناتو كانت الأقل، وبلغت مئتي مجموعة (سرية) عسكرية.
1-4-3- نص من عهد أدد نيراري الثالث
واجه نيراري الثالث (809-783ق.م) خطر انفصال الكيانات السياسية في شمال سورية وساحلها عن المملكة الآشورية. وفي نص مدون على مسلة عثر عليها في قطّارا يذكر أنه أخضعها لسيادته كلها، إذ يقول:(21) (أنا) أدد نيراري، الملك القوي، ملك الكون، ملك بلاد آشور، ابن شمشي أدد (الخامس) ملك الكون، ملك بلاد آشور، ابن شلمنصر (الثالث) ملك الجهات الأربعة. جهزت عرباتي وقواتي والقوات المسلحة، وأمرت بالسير نحو بلاد خَتّي. أخضعت في سنة واحدة بلاد أمورو وبلاد ختّي كلها، وفرضت عليها الجزية إلى الأبد. استلمت ألفي حمل [كل نحو 30 كغ] من الفضة، ألف حمل من النحاس، ألفي حمل من الحديد، ثلاثة آلاف قطعة ثياب كتّانية ذات تزيينات متنوعة الألوان، وذلك كجزية من ماري Ma-ri-i’ الدمشقي، حاكم البلاد (الشهيرة) ببغالها māt emerīšu. استلمت الجزية من يُؤْ أَسو (حاكم) بلاد السامريين، من بلاد صوري، بلاد صيدونا. لقد سرت إلى البحر الكبير في الغرب، وأقمت التمثال المعبّر عن سيادتي في مدينة ارماد التي هي جزيرة في البحر…
1-4-4- نص من عهد تجلت فليسر الثالث: قضى الملك الآشوري تجلت فليسر الثالث (744-727ق.م) مدّة حكمه، وهو يخوض الحملات العسكرية في مختلف أطراف مملكته، إذ حارب القبائل الآرامية الكَلْدية في بلاد بابل، والميديين في جبال زاكروس، والأورارتيين في مناطق بحيرة وان، والممالك الآراميّة في سورية الداخلية؛ حيث احتل أرفاد بعد حصار دام نحو سنتين (742-740 ق.م) واتخذها منطلقاً لتغلغل جيوشه في سورية الداخلية والساحلية. يتحدث في نص مكتشف في كلخو عن حملة له في 734 ق.م عن حرب قادها ضد شمس ملكة العرب، وأخضعها، ثم استلم الجزية من قبائل عربية في شمالي الجزيرة العربية، ومن حكام مدن متفرقة في مناطق بلاد الشّام السّاحلية والدّاخليّة، وجنوبي بلاد الأناضول، ويذكر بينهم متين بعل حاكم مدينة ارماد.(22)
1-4-5- نص من عهد سنحريب: إنه مدون على مسلّة موجودة في معهد الاستشراق بجامعة شيكاغو، تعود بالأصل إلى نينوى التي اتخذها الملك الآشوري سنحريب عاصمة جديدة له، لدى استلامه عرش المملكة الآشوريّة (704-681ق.م). يتحدث سنحريب في هذا النص المطول عن حملته العسكرية الثالثة (689ق.م)، التي سار بها إلى بلاد خَتّي، وبشكل محدد لمحاربة لولي ملك صيدونا. ويذكر أنّ الرعب استولى على الملك الصيدوني، فهرب إلى البحر، ومات هناك. فانتشر الخوف في مدن المملكة، ورضخ حكامها لسيادته، و”سجدوا أمام قدمي”. ثم يقول:(23)
عيّنت على العرش الملكي تُبا إيلو، وفرضت عليهم الجزية والهدايا لسيادتي. فرضت عليهم حكمي ليدوم خلال كل الأزمنة، دون انقطاع. استلمتُ هدايا ضخمة كجزية من تُبا إيلو الصيدوني، من عبدي ليئتي الأروادي، من أورو ملكي الجبيلي، من ميتينتي الأشدودي، من بودو إيلو البيت عَمّوني، من كَمّوسو نَدْبي الموآبي، من مَلِك رمّو الأدومي، من ملوك أمورّو كلهم. لقد أحضروها إلي للمرة الرابعة، و قبّلوا قدميّ.
1-4-6- نص من عهد أسرحدّون: أجزاء هذا النص الأكّدي الطويل موزعة بين المتحف البريطاني في لندن ومتحف برلين، وقد عثر عليه مع نصوص أخرى كثيرة خلال التنقيبات المبكرة في نينوى، أواخر القرن التاسع عشر م. إنه نقش من نمط “نقوش البناء” التي كان الملوك القدماء يأمرون بتدوينها بمناسبة إنجاز عمل عمراني متميز خلال حكمهم، وصاحبه هو الملك الآشوري أسرحدّون (680-669ق.م) الذي تميز بأنّه مدّ نطاق حكم المملكة الآشورية في سورية، حتى السّاحل، بل واحتل مناطق في مصر العليا في 671ق.م. يذكر النص في مقطع منه (العمود الخامس، السطور 54-82، والسطر الأول من العمود السادس) ما يأتي:(24)
إن ملوك بلاد ختّي وبلاد ما بعد النهر، و هم: بعلو ملك صورّي، مناسي ملك يودا، كاموش جَبْري ملك أدوم، موصوري ملك موآب، صِل بِل ملك خزة، متينتي ملك أشقلونا، إيكوسو ملك أقرون، مِلكي أشبا ملك جُبلا، مَتان بعل ملك أرواد، أبي بعل ملك سمسي مورونا بودو إيلو ملك أمّون، أخي مِلكي ملك أشدود؛ أي اثنا عشر ملكًا من مناطق شاطئ البحر. وكذلك إكيشتورا ملك إديل، فيلاجوراس ملك شيتروس، كيسو ملك سلاميس، إيتاندروس ملك بافوس، إريسو ملك سولوي، دَماس ملك كوريون، شِرْمِس ملك قرية حدشت، أونا ساجوسو ملك لِدرا، بوصوسو ملك نوريا؛ أي عشرة ملوك من بلاد يدنانا الواقعة في وسط البحر، والمجموع اثنان وعشرون ملكًا من ملوك بلاد ختّي الواقعة على ساحل البحر، ومن وسط البحر. إن هؤلاء استجابوا لأمري كلهم، أرسلوا إلى مقري في نينوى احتياجات قصري، بمشقة وصعوبة، وهي: عوارض خشبيّة ضخمة، أعمدة عالية، و… من خشب الأرز، و… من جبل سيرارا وجبل لبنان، وقد صارت ثخينة وطويلة لطول عمرها، تماثيل من الحجر الأحمر… حجارة للبناء من المرمر، من الأحمر الملون…
1-4-7- نصوص من عهد الملك آشور بانيبال: حكم آشور بانيبال بين 668-631ق.م، وربما حتى 627 ق.م، وتميز حكمه الطويل بنجاحات خارجية عدة جعلت من مملكته إمبراطورية مترامية الأطراف. لقد عبر جيشه ساحل بلاد الشّام إلى مصر، واستطاع احتلال العاصمة طيبة سنة 664ق.م، وقوّى الانتداب الآشوري هناك. كما دمر العاصمة العيلاميّة سوسا في جنوب غربي إيران، وسلّم حكمها إلى أتباع موالين له، وفرض نفوذه على عدد من الدويلات الصغيرة القائمة في بلاد الأناضول. وما جاء في حولياته عن مناطق الساحل السوري، وبشكل خاص عن جزيرة أرواد، هو الآتي:
1-4-7-1- يتحدث آشور بانيبال عن حملته ضد تمرد قاده طهارقا ملك مصر وكوش ضد الاحتلال الآشوري (سنة 667 ق.م). ويعتقد أن الأرواديين وغيرهم من سكان السّاحل شاركوا الجيش الآشوري في هذه الحملة، لكسب مودّة الملك الآشوري الجديد واتّقاء شره. يقول:
خلال حملتي؛ أحضر لي بعلو ملك صورّي، مناسي ملك يودا، كاموش جَبْري ملك آدوم، موصوري ملك موآب، صِل بِل ملك خزة، ميتينتي ملك أشقلونا، إيكوسو ملك أقرون، مِلكي أشبا ملك جُبلا، يكين لو ملك أرواد، أبي بعل ملك سيمورّونا…(ثم يتابع ذكر اثني عشر ملكاً آخر) ومجموعهم اثنان وعشرون ملكاً من ساحل البحر، من شاطئ البحر وبَرّه، (أحضروا لي) تعبيرًا عن الولاء هداياهم الضخمة، وقبّل قدميّ أولئك الملوك مع قواتهم).(25)
1-4-7-2- يَكين لو ملك أرواد، المقيم في وسط البحر الواسع كسمكة تعيش في خضم المياه، وسط أمواج البحر المتلاطمة القوية، الذي يسيطر على البحر الواسع، لم يخضع نفسه لحكمي (حرفياً: نيري)، وتهرّب من سيادتي – أول الأمر – ثم أخضع نفسه لحكمي معبّرًا عن الطاعة والولاء، وفرضت عليه جزية سنوية، هي أن يرسل إلي الذهب، أقمشة صوفيّة حمراء داكنة، أقمشة سوداء، أسماكًا وطيورًا.(26)
1-4-7-3- يتحدث عن حملته الموجهة لتأديب ملك صوري الذي “لم يأبه بأمري الملكي، ولم يصغ إلى كلام شفتي”. ويبين أنه حقق هدفه، قائلًا: “ووضعتهم تحت حكمي. أحضر لي ابنة له هي بهجة قلبه، وكذلك ابنة أخيه، كي تخدما، وتدلّكا لي جسدي”. ثم ينتقل إلى الحديث عن أرواد، فيقول: أخضعت لحكمي يَكين لو ملك أرواد، المقيم في وسط البحر، الذي لم يخضع للملوك أسلافي، وأحضر لي إلى نينوى ابنته، ومعها هدايـا كثيرة، كي تخدمني وتدلّك لي جسـدي، وقبّـل قدميّ(27). ثم يبين إخضاعه ملكي تَبَل وخيلاكّو، ويعود إلى الحديث عن أرواد، فيقول: بعد موت يكين لو؛ جاء إليّ: أزي بعل، أبي بعل، أدوني بعل، شفطي بعل، بودي بعل، بعل يشوبو، بعل خانونو، بعل ملوكو، أبي مِلكي، أخي مِلكي، أبناء يكين لو، المقيم في وسط البحر. جاؤوا من البحر إليّ محمّلين بهدايا ضخمة، وقبّلوا قدميّ. نظرت إلى أزي بعل بإعجاب، وجعلته ملكًا على أرواد. أما الآخرون (يعود فيعدد أسماءهم) فقد ألبستهم ثيابًا ملونة برّاقة، ووضعت في أصابعهم خواتم ذهبية، وأجلستهم أمامي(28).
1-4-7-4- ثمة رسالة موجهة إلى آشور بانيبال من إتيّ شمش بلاطو أحد مندوبيه في أرواد، يعرض فيها مشكلة فردية قادت إلى توتر في العلاقات بين الطرفين، جاء فيها:(29)
ليعلم الملك، سيدي، أن يَكّيلو (يكين لو) لم يُخْلِ سبيل السفن، (ولذلك) فإنهم لا يستطيعون إنزال البضائع إلى المكان المخصص للملك، سيدي، في الرصيف التجاري البحري. كما استولى على بضائع الرصيف، وأخذها لنفسه. وإذا ما جاء إليه أحد؛ طلب منه عدم التوقف. وإذا ما قام أحد بإنزال بضائع في الرصيف التجاري الخاص ببلاد آشور، قتله، وصادر سفينته، قائلًا:
“لقد كتبوا إلينا من البلاط الملكي قائلين: لقد قام أحدهم بالسرقة (من رصيفنا)، وفعل كذا وكذا”.
إنه (يكين لو) في صِمِرا، وسيأتي إلى آشور. سيأتي كيفما يكون موقف المعارضين لرأيه، وكيفما تكون النتيجة التي قد يصل إليها. سيأتي ويتحدث إليه (إلى الملك). قد يقول الملك سيدي: لماذا أنت لم تتحقق من الأمر بحضوره. (الحقيقة) أني كنت خائفًا، وقررت عدم المشاركة في الأمر خوفًا من والد الملك سيدي. ليعلم الملك سيدي بذلك.
1-5- نصان من بابل: حكمت في بابل منذ 626 ق.م سلالة آرامية الأصل، من قبيلة كلدو، وقامت فيها مملكة جديدة هي البابلية الكَلْديّة التي تحالفت مع الميديين الحكام في شمال غربي إيران لإسقاط الإمبراطورية الآشورية، وقد تحقق ذلك في 612 ق.م. شهدت مدينة بابل آنذاك ازدهارًا اقتصاديًّا وعمرانيًّا، ولاسيما في عهد ملكها نبوخذ نصر (الثاني) الذي حكم بين 604-562 ق.م، وإلى عهده تعود معظم الشواهد العمرانية المتميزة المكتشفة في مدينة بابل.
1-5-1- نص طويل أكدي (بابلي حديث) يعود إلى عهد نبوخذ نصر الثاني، يتألف من 165 سطراً مدوناً في خمسة أعمدة. يتحدث فيه الملك عن نشاطه العمراني في المدينة، حيث زيّن معبد إزيدا تعظيمًا للإلهين نابو ونانا، وفيه قدّم النذور، وأحيا الشّعائر الدّينيّة، واستلم الجزية، كما التقى بالناس في ظلاله. ثم ينتقل إلى الحديث عن بناء قصره الضخم، الذي وصفه بـ”بيت إدهاش الناس” bīt tabrāt nešim (30)، ويعدّد أسماء العشرات وصفاتهم ممن أسهموا في بناء قصره، من خلال ما أرسلوها من لوازم وهدايا، و يذكر منهم في آخر النص: ملك بلاد صورّي، ملك بلاد خزة، ملك بلاد صيدونا، ملك بلاد ارماد، ملك بلاد…، ملك بلاد…(31)
1-5-2- نص أكدي (بابلي متأخر)، يصعب تأريخه بشكل محدد، وهو ذو طابع إداري اقتصادي، يتحدث عن توزيع كميات من الزيت على أشخاص، منهم نجّارون من أرواد.(32)
- تحليل المصادر ودراستها
إن المصادر المعروضة هي مصادر خارجية كلها، ومن مناطق بعيدة من أرواد، والنص الوحيد من أوجاريت القريبة نسبيًّا قليل الفائدة التاريخية. كما إن رسائل العمارنة التي تذكر أخبارًا عن أرواد ليست مرسلة من بلاد أمورو التي كانت أرواد ضمن إطارها، بل من جبلا وبيروت وصور. ولذلك ثمة ضرورة لتوافر مصادر داخلية؛ من أرواد أو بلاد أمورو. ولكن يصعب القيام بأعمال تنقيب أثري في جزيرة أرواد، بسبب حصول استيطان مكثف فيها، تتالى خلال العصور التاريخيّة اللاحقة حتى العصر الحديث، ضمن نطاق جغرافي محدود.
أما في بلاد أمورو التي امتدت في المناطق الساحلية والجبلية بين شمالي طرابلس حتى طرطوس ومصياف تقريبيًا فلم يكشف بعد عن أية وثيقة تاريخيّة تعود إلى زمن المصادر التي عرضناها (القرن 14-6 ق.م)، ولكن ذلك لا يدل بالطبع على عدم وجودها.
2-1- البدايات (عصر العمارنة)
يمكن تحديد أقدم ذكر لأرواد بشكل دقيق بسنة 1346/1345 ق.م، وهي السنة التي شهدت أحداثاً متميزة، وشكلت منعطفًا في تاريخ بلاد أمورو. لقد كان زعيمها هو عبدي أشيرة، الذي تزايدت قوته بمرور الزمن، ونجح في تحقيق التوازن -إلى حد كبير– في علاقته بالقوى الرئيسة التي كانت تفرض نفوذها بشكل أو بآخر في مناطق بلاد الشام (القوى المصرية، الحثيّة، الحوريّة – الميتانيّة)، واستغل ذلك في توسيع حكمه في المناطق المتاخمة. ولكن توسعه في الجنوب أثار المصريين وحكام المدن هناك، ولاسيما جبلا التي أرسل حاكمها رب هَدّا عشرات الرسائل إلى البلاط المصري يطلب النجدة، ويلصق بعبدي أشيرة كل تهمة تشوه صورته هناك. ووصلت الأزمة ذروتها عندما حاصر عبدي أشيرة مدينة جبلا لاحتلالها. فكان لابد من تدخل القوات المصرية التي وصلت، ودخلت صمر عاصمة أمورو، واحتلتها. ويبدو أن عبدي أشيرة قُتل خلال ذلك.(33)
يعود النص الأول (العمارنة 101) إلى تلك الحِقبة، قبيل احتلال صمر وقتل عبدي أشرت، وكانت الأوضاع آنذاك في أوج اضطرابها، والفوضى سائدة، وعبدي أشيرة يواجه خصمين، خصمًا داخليًّا يتمثل في الشعب الذي لم يعد راضيًا عن الفقر الذي تسببت به سياسة زعيمه، ووصل إلى درجة أنه “لم يعد لديهم صوف، لم يعد لديه أثواب”. وكذلك خصمًا خارجيًّا هو البلاط المصري الذي رأى أن عبدي أشيرة تجاوز حدوده، وربما كان ينفّذ تحريضًا ومصالح ميتّانية. أما أرواد فتفيد الرسالة بأن سفنها كانت تهاجم جبلا آنذاك، ولكنها لا توضح الباعث على ذلك. هل كان عملها استمرارًا للحصار الأموري لجبلا؟ أم لإلهاء القوات المصريّة التي تنوي مغادرة سفنها والتوجه برًا إلى صمر لاحتلالها؟ أم أنه كان تصرفًا ذاتيًّا يهدف إلى تحقيق مكاسب ماديّة ضمن الوضع المضطرب. إننا نرجح الاحتمال الأخير، لأنّ علاقة أرواد مع مصر لم تكن سيئة، ولم تتأثر بسوء العلاقات مع صمر، بدليل وجود سفن ورجال – هم على الأرجح تجار – من أرواد في مصر آنذاك، ولذلك استغرب رب هدّا حاكم جبلًا أن تكون هناك سفن أرواديّة مستقرة في مصر، وأخرى في الديار تهاجم مدينته، وهو معروف كأبرز حلفاء مصر في المنطقة. ولذلك يرجو الفرعون أن يستولي على السفن تلك الموجودة في بلاد مصر. تذكر رسائل أخرى من العمارنة أن أبناء عبدي أشيرة خرجوا من مدينتهم صمر، وتمردوا في مناطق المملكة ضد الاحتلال المصري، وتبعهم كثير من سكان البلاد. وكان أبرزهم عزيرو الذي تذكر رسالة (العمارنة 98) أن البلدان كلها تبعته “من جبلًا إلى أوجاريت” وكذلك مدن لم يكن تحوّلُ موقفها متوقعًا، مثل شيجاتا وأمبي الواقعتين شمالي البترون، وقد وضع عزيرو فيها سفن أرواد “حتى لا يكون إدخال الشعير إلى مدينة صمر ممكنًا، ولا نستطيع نحن الدّخول إلى مدينة صمر”؛ كما يقول يفخ هدّا حاكم بيروت للمندوب المصري ينخم. وهذا يعني أن أرواد وقفت إلى جانب عزيرو المتمرد من أجل استعادة حكم أبيه المقتول، وقد لجأ هذا إلى سياسة الفرار من الدائرة التي سيطر عليها العدو المحتل (صمر) إلى النطاق المحيط، ومحاصرته بوسائل شتى منها الحصار الاقتصادي ومنع حلفائه من مناصرته، ويبدو أن رجال أرواد اضطلعوا بهذا الدّور. كما برز أخوه بو بعلا أيضًا، وباتت سيطرتهما مؤكدة في المناطق الجنوبية من بلاد أمورو؛ وهي متاخمة للحدود مع جبلا؛ (المناطق السّهليّة والسّاحليّة بين نهر البارد وشمال البترون تقريبيًا). ولذلك فإنّ مخاوف رب هدّا حاكم جبلا لم تنته (الرسالة 104)، ولاسيما أنّ الحاميّة المصريّة التي ظلت مرابطة في صمر كانت صغيرة، وأن البلاط المصري لم يكن صارمًا إزاء توسع عزيرو وأخوته، وهو من ناحيته لا يستطيع المغامرة بمغادرة مدينته ونجدة صمر، لأنّ مدنًا ساحليّة عدة أعلنت الحرب ضده، ومنها أرواد، وقد تستغل تحرك جيشه نحو صمر، فتضربه هي من البحر، ويهاجمه جيش أبناء عبدي أشيرة من البر. يضاف إلى ذلك خطر العفيرين المرتزقة. ويلخص رب هدّا الوضع الاستراتيجي العسكري تماماً (الرسالة 105: 8-13)، إذ يقول: “لاحظ أن مدينة صمر موضوعة مثل طائر في شرك، هكذا هي حال صمر تمامًا. أبناء عبدي أشيرة من جهة البر، ورجال مدينة أرواد من جهة البحر يعملون ضدها نهارًا وليلًا”. بل إن رجال أرواد كانوا – كما يبدو – مسيطرين على الحركة البحرية في المنطقة القريبة من صمر، وقد اعترضوا سبيل ثلاث سفن أراد رب هدّا أن يرسلها لدعم المندوب المصري، وأجبروها على العودة.
أما الرسالة الأخيرة (العمارنة 149) فتعود إلى مرحلة أعقبت تلك الأحداث. فبعد مباحثات مع المندوبين المصريين في المنطقة، من خلال وسطاء، ربما كان زمريدّا حاكم صيدونا أحدهم، اتفق عزيرو مع المندوب الملكي المصري خابي على إنهاء الأزمة والعودة للحكم في صمر بصفته والي (في الأكّدية خَزَنّو ḫazannu ) بلاد أمورو.(34)
استعادت صمر أهميتها بسرعة، وبرز الآن حلف صمر – أرواد – صيدا لاحتلال صوري. والرسالة توضح بَدء تنفيذ خطة الحلف باحتلال اوسو ومحاصرة أبي ملكي حاكمها في جزيرة صوري. ومن الواضح هنا ازدياد شأن أرواد السياسي، فقد أدرك حاكم صمر أنها قوة بحرية أساسيّة لا غنى عنها لتحقيق أهداف عسكريّة في المناطق الساحليّة القريبة، فهي بوابة أمورو الشّماليّة، وأقرب منفذ للعاصمة صمر إلى البحر، وهي يمكن أن تغني عن جبلا، بل قد تستخدم – عند الضرورة – في محاصرتها. أمّا نص أوجاريت فتاريخه مجهول، ولا يتضمن قرائن تساعد على تحديده، ولكن يفترض أنّه يعود إلى حِقبة ما من القرن الرابع عشر أو الثالث عشر ق.م. والمفيد فيه أن أرواد تذكر مع مدن ساحليّة وجبليّة كانت – حسب أخبارها في نصوص أوجاريت وغيرها – من المدن المهمة آنذاك.
2 -2- أرواد في أواخر العصر الآشوري الوسيط: كان العصر الآشوري القديم (القرن التّاسع عشر والثّامن عشر ق.م) عصر السّيادة التجاريّة في شمالي بلاد الرافدين وفي بلاد الأناضول. أمّا العصر الوسيط (نحو1365-1076ق.م) فكان مرحلة بدء تشكّل القوة العسكرية والتوسع في المناطق المجاورة والبعيدة. ولكن وتيرة تلك التّطورات لم تكن مطردة، وإنّما اختلفت من عهد ملك إلى آخر. وعلى الرّغم من وفرة مصادر ذلك العصر الكتابيّة، وغناها بالتفاصيل، فإنّ أرواد لم تذكر في غير نصين، هما:
– تقرير من أواخر عهد تجلت فليسر الأول عن حملة له نحو الغرب بلغ فيها جبل لبنان وبلاد أمورو التي كانت أرواد جزءاً منها. ولو تتبعنا مسيره سنجد أنه سار إلى جبل لبنان أولًا، ثم إلى بلاد أمورو، حيث البلدان: جبلا، صيدونا، ارماد (أرواد)، وسار بسفن أرواد في بلاد أمورو، ثم انتقل منها إلى صمر الواقعة داخل البلاد؛ أيّ على اليابسة. وهذا يعني أنّ تسمية بلاد أمورو كانت ماتزال تطلق على المناطق السّاحليّة والسّهليّة غربي سلسلة جبال لبنان الغريبة وشماليها، وأن دلالتها اتسعت لتشمل مناطق صيدا في أقصى الجنوب أيضًا، وبذلك باتت مطابقة في إطارها الجغرافي إلى حد كبير للتسمية اليونانية المتأخرة (بلاد فينيقيا). كما يدل ذلك على استمرار أهميّة أرواد، والصيغة الآشورية للاسم (ارماد) هي أحد الأمثلة الكثيرة على الإبدال الصوتي الذي شاع في اللهجة الآشورية من اللغة الأكّدية، أي إبدال الواو ميماً. (35) ولعل انتقاله منها –وليس من مكان آخر ممكن-إلى صمر، يشير إلى دوام التّرابط بين المدينتين، كأبرز مركزين؛ بحري وبري، في شمالي بلاد أمورو. وتجدر الإشارة إلى أنّ النّص – وكذلك شواهد أخرى – يوضح لنا أنّ تسمية ” فرس البحر” ليست حديثة؛ كما يعتقد.
– نص ثان يدل على استمرار الصلات الآشوريّة – الأرواديّة، خلال حِقبة بَدء انهيار المملكة الآشورية الوسطى.
2-3- أرواد في العصر الآشوري الحديث: يبدو أن جزيرة أرواد صارت كيانًا سياسيًّا مستقلًا له حاكمه الخاص خلال هذا العصر، وتذكر على هذا الأساس مع الكيانات الأساسيّة القائمة ضمن بلاد أمورو أو بلاد الحثيين. لقد كان هناك تمييز بين دلالة التسميتين، بلاد ختي الدالة على مناطق شمالي سوريّة عامة، بموازاة السفوح الجنوبيّة لسلسلة جبال طوروس، وبلاد أمورو بدلالتها السّابقة. كما نجد تسمية جديدة تظهر، وهي بلاد ما وراء النهر eber nāri، ونعتقد أن المقصود بالنّهر لم يكن الفرات، بل العاصي. لأنّ الكاتب يعطف بين “بلاد ختي” و”بلاد ما بعد النهر”، أيّ يفرق بينهما، وكثير من مناطق ما وراء الفرات كانت في الواقع جزءًا من بلاد ختي، ولهذا لا يمكن أن يكون الفرات هو المقصود، بينما يتناسب ما وراء العاصي تمامًا مع الإطار الجغرافي لحكام المدن التي ذكرها نص أسرحدّون. ولكنّنا نجد أن كاتب النص نفسه عاد فاستخدم تسمية بلاد ختي بدلالة واسعة جدًا شملت سائر أجزاء بلاد الشام، بل وجزيرة قبرص أيضًا. ما يدل على اضطراب المسميات ودلالاتها في أذهان الكتاب الآشوريين. يبيّن النصّان العائدان إلى عهد آشور ناصربال الثاني أنّ أرواد كانت مقرّ كِيان سياسيّ مستقل ضمن إطار ممالك ساحل البحر الكبير (المتوسط). ولكن من اللافت للانتباه أنّه نفسه يذكر في نقش مطول له، مكتشف في كلخو أيضًا، أنّه أقام احتفالًا مهيبًا عند الانتهاء من بناء قصره الملكي الجديد في كلخو، ودعا إليه عددًا كبيرًا من الضيوف من أجزاء مملكته، والبلدان المرتبطة بها، ووصل عددهم – كما يذكر – إلى أكثر من اثنين وخمسين ألفًا، وكان من بينهم ضيوف من مدن الساحل (صوري، صيدونا…) ولكن أرواد (ارماد) لم تذكر في هذه المناسبة. بينما نجد في النص الذي ينقل إلينا خبر تحالف حكام سورية الدّاخليّة والسّاحليّة والجنوبيّة ضد شلمنصر الثالث في معركة قرقر، أن المدن السّاحليّة الجنوبيّة لم تشارك في هذا التّحالف، وربما تكون تلك إشارة إلى استمرار علاقاتها الحسنة مع آشور، أو لزومها موقف الحياد. لقد بقيت ظلال تحالف قرقر تخيّم على أجواء العلاقات مع آشور خلال العقود الآتية، وبقيت دمشق في موقع الريادة بين الممالك الآرامية خلال صراعها مع الآشوريين، ويبدو أن ملكها ماري كان يسعى إلى تجديد التّحالف وتقويته، ولكن لم يكن هناك تكافؤ في القوة العسكريّة بين الطرفين، إذ امتلك الآشوريون بمرور الزمن جيشًا مدججًا بالسلاح، خبيرًا بأساليب القتال في المناطق البعيدة. اضطربت علاقات أرواد بالمملكة الآشورية بدءًا من عهد ملكها عبدي ليئي، ولكنها وجدت نفسها – مثل سائر ممالك الساحل – مضطرة لقبول السّيادة الآشورية غير المباشرة، ودفع الجزية السّنوية للبلاط الآشوري. واستمر ذلك الوضع خلال عهد ملكها متان بعل. أمّا الملك يكين لو فقد قدم هدايا الولاء للملك الآشوري آشور بانيبال أول مرة، ثم تهرّب بعد حين من الهدايا والجزية، وتمرد عليه. ثم عاد فأخضع نفسه، وأرغمه آشور بانيبال على دفع الجزية السّنوية، ويبدو أنّه اقتنع بأن لا مفر من القوة الآشورية فأذعن له تمامًا، وأرسل له إحدى بناته وهدايا كثيرة إلى نينوى. وفي عهده مات يكين لو، فعيّن آشور بانيبال ابنه أزّي بعل ملكًا جديدًا، ما يدل على استمرار التبعيّة، واستقرار الحكم الملكي في أرواد. ويبدو أن أرواد ظلت مرتبطة بالحاكم الأقوى في بلاد الرافدين، وحريصة على الحفاظ على حسن العلاقات. ولذلك عندما ساد البابليون الجدد (الكلديون) اندفع ملك أرواد بهداياه التي أسهم بها في بناء قصر نبوخذ نصر الثاني الجديد أو تزيينه، وكان ذلك في القرن السّادس ق.م.
2-4- ملوك أرواد: ثمة حِقَب زمنية طويلة، نعرف منها أخبارًا متفرقة عن جزيرة أرواد، يتضح منها أن الجزيرة كانت مرتبطة – بشكل أو بآخر – بمملكة أمورو، وعاصمتها صمر. أمّا في العصر الآشوري الحديث فيبدو أنّ أرواد تبوأت المكانة الرئيسة في البلاد، بدلًا من صمر. ولذلك شارك متين بعل حاكمها في التحالف الذي قادته دمشق ضد الآشوريين، ومعركة قرقر (الأولى)، وبدءًا من القرن السابع ق.م صارت المدونات الآشورية تحرص على وصف حكام أرواد بلقب “ملك”، وتذكر أسماءهم، وفي ضوء ذلك يمكن ترتيب حكام أرواد المعروفين حتى الآن على النحو الآتي:
1- الحاكم متين بعل المشارك في معركة قرقر (853 ق.م).
2- الحاكم متين بعل (الثاني؟) معاصر الملك الآشوري تجلت فليسر الثالث (744-727 ق.م)، وهو لا يمكن أن يكون الحاكم السابق نفسه، نظرًا للفارق الزمني الطويل بينهما (أكثر من قرن).
3- الملك عبدي ليئتي الذي كان معاصراً للملك الآشوري سنحريب (704 – 681ق.م).
4- الملك متان بعل معاصر الملك الآشوري أسرحدون (680 – 669 ق.م).
5- الملك يكين لو معاصر الملك الآشوري آشور بانيبال (668 – 631/627 ق.م).
6- الملك أزّي بعل الذي عينه آشور بانيبال على العرش، بعد وفاة أبيه.
- خاتمة
لقد تميزت جزيرة أرواد بموقعها البحري الاستراتيجي، وبقربها من اليابسة، ما أسهم في انخراطها وعدم عزلتها عن الأوضاع السياسية في بلاد الشام، وبروز أهميتها العسكريّة؛ ولاسيما في الحرب البحرية، ويبدو أنها كانت تمتلك عدداً متميزاً من السّفن، ولسكانها خبرة واسعة في هذا المجال. ولكن المصادر جميعها لا تركز على دور اقتصادي لها، على خلاف موانئ البحر المتوسط القريبة، مثل أوجاريت في الشمال وجبلا وغيرها في الجنوب. ويبدو أن أرواد ظلت خلال العصور التالية مشهورة بسفنها وبحّاريها. وثمة أخبار قليلة عنها خلال عصر السيادة الأخمينيّة في المشرق العربي (539 -330ق.م)، ومنها أنّ مهر بعل الثاني أحد حفدة أزّي بعل كان حاكمًا فيها، ويترأس قوة بحرية فينيقيّة – أخمينيّة في عهد الملك الأخميني كسيركسيس الأول (485 – 465ق.م). (36) أمّا في المصادر الكلاسيكيّة (اليونانيّة – الرومانيّة) فثمة أخبار وفيرة عنها.
الهوامش
1 – ثمة جزر صغيرة جداً، قريبة من جزيرة أرواد، هي جزر: النمل، الحباس، أبو علي، المخروط.
2 – Helck ( 1971) 301.
3 – Moran ( 1992 ) Introduction ( XIII-XVI ).
4 – Ibid ( xxiv ).
5 – كان بتّيناتو Pettinato لغوي بعثة إبلا ( تل مرديخ ) قد ذكر لدى بدايـة اكتشاف المحفوظات الملكية في الموقع – العائدة إلى القرن الرابع والعشرين ق.م – أن اسم أرواد يرد فيها.ثم دقق لغوي البعثة الحالي أ. آركي A.Archi الشـواهد النصية المقصـودة، وخلص إلى أن اسـم الموقع المقصـود يرد بصيغة A-ra-’a-du، وأن المعلومات المتعلقة به تدعو إلى الافتراض بوقوعه في وسط مملكة إبلا، ولذلك فهو موقع آخر غير الجزيرة. راجع: Archi (1987) 41.
6 – Knudtzon (1915) N.101 ; Moran (1992) Nr.101; Liverani (1998/1999) Nr.159; إسماعيل (2010) 101.
7 – Knudtzon (1915) N.98; Moran (1992) Nr. 98; Liverani (1998/1999) Nr. 197; 98 إسماعيل (2010).
8 – Knudtzon (1915) N.104; Moran (1992) Nr.104; Liverani ( 1998/1999) Nr.163; 104 إسماعيل (2010).
9 – Knudtzon (1915) N.105; Moran (1992) Nr.105; Liverani ( 1998/1999) Nr.164; 105 إسماعيل (2010).
10 – Knudtzon (1915) N.149; Moran (1992)Nr.149; Liverani ( 1998/1999) Nr.123; 149 إسماعيل (2010).
11 – عن التوزيع النسبي لنصوص أوجاريت، وأهم المنشورات المتعلقة بها حتى آخر القرن الماضي، راجع: RGTC 12/2 Einleitung ( XV-XX ).
12 – PRU VI، Nr. 79.
13 – ثمة مدن منها معروفة الآن بالأسماء القديمة ذاتها، مثل: جبلة، صوري، أرواد، عسقلان، عكّا، وأخرى مكتشفة معروفة مثل أوجاريت. وهناك مدن يرجح الباحثون مطابقتها مع مواقع حديثة معينة، بانتظار حصول تنقيبات أثرية تكشف عن شواهد تؤكد ذلك أو تنفيه، وهي: مدينة شَلْميا التي كانت تابعة لأوجاريت، وعلى حدودها مع مملكة ألالاخ، وقد اقترح الباحثون احتمالين لمطابقتها، هما أن تكون بشلمون أو عين شلمي (3 كم جنوب غربي كسب) (RGTC 12/2, 260). ومدينة مَخَدُ التي كانت مرفأ تابعًا لأوجاريت، ويعتقد أنها في مينة البيضا راجع: (RGTC 12/2, 179)، ومدينة أَتَلّيج التي كانت في منطقة السهل الساحلي جنوبي اللاذقية، وقد تكون قلعة الروس (راجع: RGTC 12/2, 45))، ومدينة أُشْناتو التي كانت المدينة الأساسية الثانية في مملكة سيّانو (مناطق جبلة)، بعد العاصمة سيّانو (تل سيانو). ويعتقد أن بقايا أُشناتو موجودة في تل دَروك على نهر السن (RGTC 12/2, 331).
14 – ARI 2; 23،26.
15 – Nissen (1999) 89 f. Cancik-Kirschbaum (2003) 57f.
16 – أطلق اسم أمورو في الكتابات المسمارية، منذ أواسط الألف الثالث ق.م، على مناطق وادي الفرات الأوسط بشكل عام. ثم صار يطلق، منذ القرن الرابع عشر ق.م، على مملكة عاصمتها صُمًر (تل الكزل، جنوبي طرطوس)، وامتد إطارها الجغرافي بين مناطق سهل عكار وطرطوس ومصياف وسهل حمص، ولعبت هذه المملكة دوراً متميزاً في الصراع الحثي – المصري حول السيادة في سورية. وبعد انهيارها ظلت البلاد تعرف بهذا الاسم في الحوليات الملكية الآشورية، بل اتسعت دلالة الاسم لتشمل ما يتصل بها جنوباً، أي معظم مناطق بلاد الشام الساحلية.
17 – RIMA 2, 103.
18 – Ibid, 218 f.
19 – Ibid, 226.
20 – RIMA 3, 23.
21 – RIMA 2, 211 .
22 – Tadmor (1994) 168 ff.
23 – Luckenbill (1924) 29.
24 – Borger (1956) 60f.
25 – Streck (1916) 138ff.
26 – Ibid, 168f.
27 -Ibid, 19.
28 – Ibid, 21; Piepkorn (1933) 43.
29 – Pfeiffer (1967) 104 f.
30 – AHw 1299.
31- Unger (1931) Nr. 26 (pp.282-294).
32 – Weidner (1939) 929.
33 – Singer (1991) 141ff.
34 – Ibid 150.
35 – von Soden (1969/1952) 21.
36 – Lipinski (1992) 43.
جدول: أسماء المدن القديمة المذكورة في البحث، وأسماؤها الحديثة أو موقعها العام
إبلا: تل مرديخ ، جنوب غربي حلب شلميا: بشلمون/عين شلمي جنوب غرب كسب
إبيرتا: شمالي جبيل شيجاتا: شكا، شمالي البترون
أتَلّيج: قلعة الروس صُمُر: تل الكزل، قرب صافيتا السورية
آخت آتون: تل العمارنة، بين المنيا وأسيوط صوري: صور (لبنان)
آدوم: جنوبي البحر الميت صيدونا: صيدا (لبنان)
أردتا: تل عردات, قرب طرابلس (لبنان) طيبة: الأقصر، جنوبي مصر
أرفاد: تل رفعت، نحو20 كم شمال حلب قرقر: خربة قرقور قرب جسر الشغور
أشدود: غربي القدس قطّارا: تل الرماح بين الموصل وجبل سنجار
أشقلونا: عسقلان في فلسطين كشو: بلاد بابل (الكاشيين)
أُشناتو: تل دروك على نهر السن كلخو: نمرود جنوب شرق الموصل
آشور : قلعة الشرقاط على دجلة، غربي كركوك كوش: النوبة جنوبي مصر
أقرون/عقرون: شمالي فلسطين لبئيا: مدينة في مملكة أوجاريت
أُلاّزا: تل الحانا أو تل كستينا قرب طرابلس(لبنان) مَخْـدُ: مينة البيضا
أمات: حماة مصر: مصر
أمبي: أنفه، شمالي البترون موآب: شرقي البحر الميت
أمورو: البلاد التي كانت صُمُر مركزاً لها ميتاني: مملكة شملت الجزيرة السورية
أوجاريت: رأس شمرا، 8 كم شمال اللاذقية نائيري: البلاد بين بحيرة وان وديار بكر
أوسو: القسم الشرقي من صور نُخَشّي: مملكة بين حلب وحماة
أرواد/ارماد: جزيرة أرواد السورية نيا: سهل الغاب، وادي العاصي الأوسط
بابل: بابل، جنوبي بغداد نينوى: تل كوينجق، جوار الموصل
بيت رخوب: منطقة مجرى نهر الليطاني (لبنان) وَخليا: منطقة المينا في طرابلس (لبنان)
بيت عديني: مملكة آرامية بين نهري الفرات والبليخ يدنانا: جزيرة قبرص
بيت عمون: عمّان (الأردن) يريموتا: القسم الجنوبي من الساحل اللبناني
بيروتا: بيروت
تبل: جنوبي كيسري (تركيا)
تونيب:؟ تل العشارنة، أو موقع شمالي حماة
جبلا: جبيل (لبنان)
حوري – ميتاني: انظر: ميتاني
خَتّي: بلاد الحثيين، الأناضول
خَزّة: غَزّة في فلسطين
خيلاكو: شمالي مرسين (تركيا)
دمشق: دمشق
ريشا: مدينة في مملكة أوجاريت
السامرة: شمالي فلسطين
سوسا: شوش في إقليم خوزستان (إيران)
سيانو: تل سيانو، قرب جبلة
المراجع والمختصرات
1-إسماعيل، فاروق (2010): مراسلات العمارنة الدولية “وثائق مسمارية من القرن 14 ق.م”. دار إنانا، دمشق.
-2ARI = Grayson, A.K. (1976): Assyrian Royal Inscriptions. Part 2, Wiesbaden.
3-AHw = Soden, W. von (1972-1985): Akkadisches Handwörterbuch. Band I-III, Wiesbaden.
-4Archi، A. (1987): Titres de (en) et (lugal) à Ebla et des cadeaux pour le roi de Kish. M.A.R.I 5, pp. 37-52.
-5Borger, R. (1956): Die Inschriften Asarhaddons König von Assyrien. AfO Beiheft 9, Graz.
-6Cancik-Kirschbaum، E. (2003): Die Assyrer. Geschichte, Gesellschaft, Kultur. München.
-7Helck, W. (1971): Die Beziehungen Ägyptens zu Vorderasien im 3. und 2. Jahrtausend v. Chr., Wiesbaden.
-8Knudtzon, J.A. (1915): Die El-Amarna-Tafeln. Leipzig.
-9Lipinski, E (Hrsg.) (1992): Dictionnaire de la civilsation phénicienne et punique, Brepols.
-10Liverani, M. (1998/99): Le letters di el-Amarna. Paideia Editrice, Brescia, Vol. 1-2.
-11Luckenbill, D.D. (1924): The Annals of Sennacherib. OIP II, Chicago.
-12Moran, W.L. (1992): The Amarna Letters. Baltimore and London.
-13Nissen, H.J. (1999): Geschichte Altvorderasiens. München.
-14Pfeiffer, R.H. (1967): State letters of Assyria. AOS, New Haven, Connecticut.
-15Piepkorn, A.C. (1933): Historical Prism Inscriptions of Assurbanipal. AS 5, Chicago.
-16PRU VI = Nougayrol, J. (1970): Textes en cuneiforms babyloniens des archives du grand palais et du palais sud d’Ugarit. Paris.
-17RGTC 12/2 = Belmonte Marin, J.A. (2001): Die Orts und Gewässernamen der Texte aus Syrien im 2. Jt. v.Chr, Wiesbaden.
-18RIMA 2 = Grayson, A.K. (1991): Assyrian Rolers of the Early First Millennium BC, I (1114-859 BC.) Uni. Of Toronto.
-19RIMA 3 = Grayson, A.K. (1996): Assyrian Rolers of the Early First Millennium BC, II (858-745 BC.) Uni. Of Toronto.
-20Singer, I (1991): Appendix on the History of Amurru, in: Izre’el, Amurru Akkadian. Scholars Press, Atlanta, Georgia.
-21Soden, W. von (1969/1952): Grundriss der akkadischen Grammatik. An.Or. 33/ 47, Roma.
-22Streck, M. (1916): Assurbanipal und die letzten assyrischen Könige bis zum Untergange Niniveh’s. Teil II, Leipzig.
-23Tadmor, H. (1994): The Inscriptions of Tiglath-Pileser III King of Assyrian. Jerusalem.
-24Unger, E. (1931): Babylon.Die heilige Stadt nach der Beschreibung der Babylonier. Berlin und Leipzig.
-25Weidner, E.F. (1939): JoJachin, König von Juda in Babylonischen Keilschrifttexten.Mélanges Dussaud, Paris.
[1] – أستاذ محاضر في جامعة برلين الحرّة – قسم الآثار.