مفهوم الدولة في مجتمع متعدد (حالة لبنان)
د. يوسف زلغوط([1])
ملخص البحث
تناول البحث مفهوم الطائفية في الفكر السياسي اللبناني ومدى تجذر الطائفية في المجتمع وفي النظام على حدٍ سواء، وكيف تحولت الطائفية كضمان لأتباعها ولتمثيلهم السياسي في النظام السياسي الطوائفي/ التوافقي! كما تطرق البحث إلى مفهوم الدولة في ظل العلاقة ما بين البنى المجتمعية والبنى الدستورية إذ سلط البحث الضوء على أنماط العلاقات السائدة في البنى المجتمعية والتي تنعكس على واقع العلاقات السياسية التي تتحكم بأداء المؤسسات الدستورية، وعدم إمكانية تطويرها إلا بالتزامن مع تطوير البنى المجتمعية وتحديثها، بوصف أن الطوائف في لبنان هي المكونات الأساسية للمجتمع اللبناني والأكثر بروزًا في مجتمع الدولة، وتطرقنا إلى الدولة/ الكِيان وإلى الطوائف في لبنان بصفتها كِيانات سياسية دخلت في حالة تناقض مع الدولة، وعرقلت مسار تطورها باتجاه تكريس وجودها كدولة مؤسسات، وفرضت أي الطوائف على الدولة مسارًا آخر، كرس وجودها ككِيانات سياسية على حساب كِيان الدولة. كما تناول البحث موضوع تجذَر الطائفية في مؤسسات الدولة واعتبار توزيع الوظائف بين الطوائف هي الحجر الأساس في نظام الإدارة اللبنانية، والإشارة إلى تكريس تلك المحاصصة بربطها بأعلى مصادر التشريع في الدولة. في ضوء ما تقدّم فقد اعتمدنا في البحث المنهجين التاريخي والوصفي بوصفهما المنهجان المناسبان لموضوع البحث.
نتيجة البحث: يستقيم أمر الدولة عندما يتقدّم الولاء للدولة على كل ولاء آخر وعلى كل هويّة أخرى، فالدّولة التي تتكوّن من مكوّنات طائفيّة أو إثنيّة كما هي في لبنان هي دولة يكون فيها الولاء للدّولة مغلوبًا أمام الهويّات الطائفيّة والإثنيّة، مثل هذه الدّولة معرّضة دائمًا لتكون دولة فاشلة، وهي إن استمرّت فإنّها تكون في حالة أزمة دائمة كما هي الحال مع الدولة في لبنان.
أولًا: مقدمة
عرف لبنان الدولة بمفهومها الحديث (الغربي) يوم إعلان قيام دولة لبنان الكبير سنة 1920، وأُقرّ دستورها سنة 1926، وترافق نشوء مؤسساتها مع سنوات الانتداب الفرنسي. ولا يغيب عن بالنا في طور الحديث عن هذا الإعلان الترتيبات والأحداث التي حصلت في القرن التاسع عشر، وخصوصًا أحداث 1840 و1860 التي أنتجت نظام القائمقاميتين والمتصرفيّة على أساس انقسام ماروني – درزي، ما لبث أن تحول إلى انقسام طائفي ماروني – سني بعد إعلان قيام دولة لبنان الكبير. إنّ فهم هذه الأحداث وموضعها في التاريخ له أثر مباشر على إعادة تكوين القوى والطوائف داخل المجتمع والدّولة. فهذه التّغيرات التّاريخيّة هي التي تدفع، في حركتها إلى ترسيخ بعض المفاهيم والقيم عند الجماعات والمؤسسات السياسيّة، والسّعي للصول على مطالبها ومصالحها الخاصة على حساب الفئات الأخرى. تكثر التساؤلات عن العلاقات المعقدة والمتشعبة والمتفاوتة التي تربط مسألة الدّولة بالسلطة في لبنان، وكيف قُوِّض مشروع الدولة الحديثة، بسبب اختلاف الرؤى والمصالح وتعارضهنّ حتى حدود التناقض، أو القطيعة أحيانًا أي انتفاء العلاقة بين السلطات ومنع حصولها أحيانًا. ما جعل من الدولة كمؤسسة سياسيّة حلبة للصراع بين الطوائف، بهدف السّيطرة عليها واستخدامها أداة تحكّم واستئثار بتوزيع الموارد العموميّة، وتحويل جهازها الإداري إلى جهاز طفيلي، جاهز في دائمًا للانقضاض على الدولة ومؤسساتها بهدف تطويعها وفقًا لرؤية الطائفة ومصالحها.
وبما أنّ المتحكمين بالسلطة هم من يتغيرون، بينما تبقى الدولة إلى حدّ كبير على ما هي عليه من بنية مؤسسية وجهازية ومن احتكار لأدواتها المتعددة. إنّ هذا التمييز ولأسباب نظرية، يجعل من الدّولة مشروع متمايز عن بنية المجتمع، كما تقول المقاربتين الفيبرية والماركسية معًا، أي بالاستقلالية النسبيّة عن مكوناتها الاجتماعية، كما عن آلية تشغيلها.
إنّ هذه الاستقلالية النسبيّة جعلت من الطوائف غير قادرة على مصادرتها لصالحها ولمصالحها فقط، إلاّ بصورة محدودة، وهذا الوضع استمر للمئة عام الماضية، وما سببَه من حروب متتالية، وكان أغلبها صراع على السلطة، وتوزيع الصلاحيات والتشبث بالمراكز وتوزيع المغانم. وبصرف النظر عن طبيعة الكِيان السياسي الموجود والقائم، تقوم علاقة الدولة بالمجتمع في دول العالم الثالث على الاعتراف المتبادل، وهو ليس بالأمر اليسير، ما أنتج علاقة عكسية، إذ كيف لدولة أن تحتكر الشرعية ومعها القوة، حسب الفهم الشائع لتعريف “ماكس فيبر” للدولة، إذا كانت تفاوض الطوائف باستمرار للحصول على شرعيتها تلك؟
- أهمية البحث وأهدافه
بعد مرور أكثر من مئة سنة على قيام الدولة 1920 – 2021م، لا نستطيع أن ننكر في هذا السّياق في حديثنا عن الدّولة في لبنان، أنّ هذه الدولة قد قامت من العدم، وخصوصًا ما أحدثه من فراغ حقيقي انهيار السلطنة العثمانيّة، وتقسيم المنطقة إلى دول عديدة وهي التي كانت بلاد واحدة ما يجمعها أكثر بكثير من الأمور التي تفرق بينها، وما خلق ذلك من توترات سياسية واجتماعية واقتصادية في المنطقة بشكل عام. أما في لبنان، إضافةً إلى الموروث السابق من أحداث القرن التاسع عشر – وإلى تغيير ميزان القوى على صعيد الدّولة المستمدنة لبنان بعد إضافة بعض المناطق الجديدة إلى الدّولة لأسباب تقنية، بقيت هذه الدّولة مشحونة بتوتر سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي ذي وجه طائفي. إضافة إلى ذلك وعلى الرّغم من صغر مساحة لبنان الدولة الجديدة قُسِّمت عائداته بشكل غير منصف بين المركز والأطراف، ما أدى إلى صعوبة انتزاع إجماع القوى المجتمعيّة على مفهومها ودورها وطبيعتها وحدودها، على الرّغم من قيام بعض المحاولات الجدية لبناء الدولة، ونقصد هنا تجربة فؤاد شهاب. ويقول في هذا الصدد د. فريد الخازن في كتابه “تفكك أوصال الدولة في لبنان 1967 – 1976”. “الحقيقة أن لبنان قد تبنى نظامًا سياسيًّا جاء انعكاسًا لنسيج مجتمعه الطائفي وذلك منذ إنشاء الدولة الحديثة في العشرينيات”، من القرن العشرين “إن المقاربة التي اعتمدها لبنان أدت إلى مأسسة الطائفية في العملية السياسية” (الخازن 2002، ص 54). ونظرًا إلى أهمية التركيبة السياسية للدولة اللبنانيّة في تشكل السلطة وتكوين طبيعتها وكيفية بناء المؤسسات على الصعيد الأمني والإداري وسيطرة الطوائف حصريًا على بعض الإدارات والمرافق الأساسية وعدم تنازلها عن البعض من هذه المراكز إلاّ من خلال دستور جديد (الطائف) بعد حرب دامت 15 سنة دامية.
يأتي هذا البحث في هذا الوقت بالذّات بعد مرور مئة سنة على قيام دولة لبنان الكبير، لتحليل المسار الذي اتخذته وكيفيّة معالجة العقبات التي واجهت بناء الدولة، والنتائج التي ترتبت على الصّعيد الاجتماعي داخل المجتمع اللبناني، إضافة إلى تقييم وضع الدولة في مجتمع منقسم وعن إمكانية تحديد قواعد الممارسة السياسية وبنية السلطة وقواعد ممارسة الحكم وتحليل مفهوم الدولة وواقعها في مجتمع متعدد المكونات الاجتماعية.
- الأول: هو الذي يعدُّ الدولة النظام القانوني الذي تترابط بداخله أجزاء المجتمع المتعدّدة ترابطًا سياسيًا.
- الثاني: ينظر إلى الدولة بوصفها القوة العليا أو السلطة المطلقة للملك أو الحكومة، إذ يميل هذا التصور إلى عدّ الدولة أداة سياسية تستخدمها طبقة أو جماعة مسيطرة من أجل التحكم في المجتمع.
- الثالث: يتناول الدولة كما لو كانت هيئة أو تنظيمًا يستعين به مجتمع قائم على المساواة في تحقيق وإنجاز الأهداف العامة.
- تعريف الدولة: الدولة بالمفهوم الحديث هي ذات سيادة، ونتاج لسلسلة طويلة من الظروف التاريخية، فالدولة وحدها هي التي تملك سلطة وضع الأوامر القانونيّة التي يلتزم احترامها أعضاء المجتمع كافة، والدولة هي “طريقة” يلجأ إليها المجتمع لتنظيم السلوك الإنساني، وما يميز الدّولة المعاصرة من غيرها من الدول التي عرفها التاريخ الإنساني هو أنها تستند إلى فكرة الدستور في شكلها القانوني الملزم. وهناك اتفاق بين علماء السياسة على أن الدولة الحديثة تستند إلى مجموعة من المقومات هي السكان، والإقليم، والحكومة، والسيادة، والاعتراف الدولي، وهي من يتمتع بحق احترام القوة العليا والقهر وممارسة السلطة.
- الطائفية: هي التعلق الحميم بطائفة دينية، إلا أنّ الطائفية في لبنان هي ضمان تمثيل سياسي واجتماعي لأقليات طائفية متشاركة، فالطائفية هي ظاهرة جتماعيّة شاملة تطال نواحي الحياة العامة والخاصة جميعها. هذا الشّمول في ظاهرة الطائفيّة يأتي من كونها ظاهرة تاريخيّة متأصلة في عادات الشعب وتقاليده ووعيه. وهي ظاهرة شعبية لا تخلو من الشرعية ولا تختلف عن أي تكتل إجتماعي طبقي أو أثني أو حزبي، فهي تشكل حقًا شرعيًّا لقسم كبير من المواطنين اللبنانيين، فالانتماء إلى الطائفة والحفاظ على الخصوصية لا يشكل مشكلة بالنسبة إلى المجتمع والدّولة، إنما هو مصدر غنى. فالتنوع الطائفي يشكل ثروة ثقافية واجتماعية خاصةً إذا اقترن بتفاعل الأديان والطوائف. فالطائفية تصبح مرضًا اجتماعيًّا، أي عند التطرف والمغالاة إلى درجة الضرر بالبلاد وبالعباد.
- الطائفية السياسية: الطائفية في لبنان لا تتحدد حسب الفكر السياسي الكِياني بمدارسه كافة، كجماعة دينية فقط، بل ككِيان مجتمعي قائم بذاته، أو كشكل حضارة أو كأقلية أو كجماعة ثانوية وسيطة بين الدولة والمواطنين. فالطائفة في لبنان هي انتظام مؤسسي للجماعة الدّينيّة على الصعيدين السياسي والأيديولوجي. وتتكون الطائفيّة السياسيّة في ممارسة الولاء للطائفة في تعزيز موقعها التمثيلي داخل توازنات النظام السياسي الطائفي وفي مؤسسات الدولة، وقد أصبحت سمة النظام السياسي اللبناني نظام المحاصصة الطائفيّة تحت عنوان “الديمقراطية الطائفيّة التّوافقيّة”.
تمهيد
ما لا خلاف حوله أنّ دولًا كثيرة وعديدة في العالم المعاصر تضم خليطًا من أتباع مذاهب دينيّة ومذهبيّة وإثنيّة متنوّعة ومتعدّدة (قرم، 2001، صفحة 401). وأنّ مسألة التنوّع أو التعدّد تلك لا تشكّل أزمة لمعظمها، لكن ما يميّز لبنان عن هذه الدّول هو ارتباط طوائفه بنظام حكمه وما ينتج من ذلك ما يُعرف باسم الطائفيّة السياسيّة من ناحية، وارتباط هذه الطوائف بالخارج من ناحية أخرى. بناءً عليه، ينبغي رسم سيرورة هذه المسألة لتوضيح علاقة الطوائف بالدولة مع نشوء الكِيان اللبناني بدايةً وقيام دولته لاحقًا، وعرض انعكاساتها، بصورة سلبيّة على سيادة هذه الدولة في معظم مراحلها.
إشكالية البحث
تعدُّ الطائفة في لبنان، تحديدًا وعلى نحو خاص، جماعة من المعتقدين بمذهب دينيّ ما، ولها تمثيلها السياسي المعترف به رسميًّا. وتعود هذه الخصوصيّة إلى الطوائف كونها محصّنة دستوريًّا أو عن طريق الأعراف الدّستوريّة التي تحفظ لها أنصبتها ومواقعها في إدارات الدولة ومؤسّساتها وأجهزتها السياسيّة والإداريّة والأمنيّة وغيرها. وهذا الواقع يتعارض بطبيعة الحال مع مبدأ الدولة الحديثة، وفلسفتها ومنطقها. فهي، أيّ الطائفيّة، تؤدّي عمليًّا إلى إعاقة قيام دولة تتشابه على المستوى الواقعي مع مفهوم الدولة العصريّة التي تتمتّع بخاصية السيادة من جهة، وتعمل على تطييف المجتمع والمؤسسات من جهة ثانية، وتنتج صراعات طوائفيّة على مواقع السّلطة من جهة أخرى، وتكرّس وجودها ككِيانات اجتماعيّة وسياسيّة في آن واحد.
ثانيًا : مفهوم الطائفيّة في الفكر السياسي اللّبناني
ثمّة تعريفات عدّة لمفهوم الطائفة، فهي تعني «جماعة منظّمة تقيم في حيّز جغرافي محدّد، ولها تقاليدها وثقافتها وبنيتها الدّاخليّة. يتّحد أفرادها بروابط متينة تشدّهم بعضًا إلى بعض، ويشاركون فعليًّا في حياة الجماعة» (عصام، 1991، صفحة 368). وبناءً على ذلك، وبما أنّ الطوائف في لبنان تظهر كوحدات اجتماعيّة تتمتّع بسلطة معنويّة وسياسيّة واسعة على أتباعها ورعاياها، ولمّا كانت الطائفيّة في لبنان تكتسح مجالات مجتمعيّة عدّة، دفع ذلك عددًا لا بأس به من الباحثين والمفكّرين إلى مقاربة هذه الظاهرة، ومحاولة فهم خلفياتها وأبعادها وعوامل نشوئها وتداعياتها على غير صعيد مجتمعي. فالكاتب وضّاح شرارة ذهب إلى حد تشبيه الطائفيّة في لبنان بـ«قيمة التبادل في الرأسماليّة، لأنّها تخترق مجالات عدّة، كعلاقات الإنتاج، علاقات السّوق، الصلات بين الأفراد، رسم مناطق السكن، احتمالات النّجاح المدرسيّ، احتمالات الزواج، المراجع الثقافيّة واللّغوية، أطر الحياة اليوميّة. وهو وجد أن داخل هذه الآليّات والمجالات حدودًا تعيد الفرز تبعًا لمعايير معيّنة تشكّل الطائفة مرتكزها ومرجعها (شرارة، 1975، صفحة 128). ويظهر أنّ ثمة نتاجًا بحثيًّا حول الطائفة والطائفيّة في لبنان، وهو ما يعكس عمق الظاهرة الطائفيّة وتجذّرها، ويعبر عن شمولها وقدرتها الفائقة على التجدّد في ميادين شتّى، وهو ما يجعلها موضوعًا راهنًا باستمرار على جدول أعمال البحث والكتابة، كما يعبّر هذا النتاج عن اختلاف الرؤى المنهجيّة وتعدّد الاتّجاهات النّظريّة والأيديولوجيّة لدى الباحثين» (خليل، 2012، صفحة 279). وصنف هذا النتاج ضمن ثلاث رؤى: جوهرانيّة، بنيويّة، سوسيولوجيّة، سنعرض بإيجاز لمنطويات كل منها:
- الرؤيّة الجوهرانيّة
تُعدُّ الطائفة ضمن هذه الرؤية «كِيانا مستقلًا قائمًا بذاته، كأنّها جوهر ماهوي لا تتغيّر طبيعته أو تتبدّل مع تغيّر الظروف والأحوال» (خليل، 2012، الصفحات 26-35). وما دامت الطائفة كذلك، كما هي رؤية ميشال شيحا على وجه الخصوص، يكون من الطبيعي أن تتعايش أو أن تتشارك مع الطوائف الأخرى، ويكون بديهيًا أيضًا أن يُعرف لبنان أنّه بلد أقليّات طائفيّة متشاركة، وأن تُعرف الطائفيّة أنّها ضمان تمثيل سياسيّ واجتماعيّ لهذه الطوائف، أو بوصفها نظام حكم الطوائف على قواعد «عادلة» و«متوازنة» (خليل، 2012، صفحة 27). بالمقابل، لا يوافق فواز طرابلسيّ على تعريف اللّبنانيين بوصفهم «أقليّات طائفيّة». وهو لا ينظر إلى هذا التّعريف على أساس أنّه تعريف يتمتّع بسمات البداهة لأنّه مفروض من قبل نظام سياسي يُعيّن للبنانيين حقوقهم وواجباتهم بناءً على انتمائهم إلى الطائفة التي يولدون فيها. ويُعدُّ أنّ هذا التّعريف «يختزل هويات اللّبنانيين وانتماءاتهم بانتماء واحد على حساب مروحة كبيرة من أشكال الانتماء والهويّة» (شيحا، 2004، صفحة 249). تُشكّل هذه الرؤية مرتكزًا أساسيًّا عند ميشال شيحا على وجه الخصوص في مقاربته السياسيّة والفكريّة لكلّ ما يتعلّق بلبنان، ككِيان، ودولة، ونظام. وهي الطريقة المثلى عنده للاعتراف بالتعدّد الطائفي واستيعابه. من هنا يرى شيحا الطائفيّة في لبنان بوصفها الضمان الذي يكفل «تمثيلًا سياسيًّا اجتماعيًّا عادلًا لأقليّات طائفيّة متشاركة». والتوازن اللّبناني القائم على قاعدة الطائفيّة ليس توازنًا اعتباطيًّا بل هو مبدأ وجود لبنان (شيحا، 2004، صفحة 37). لذا كان شيحا يرفض أيّ تغيير أو تعديل لمرتكزات النّظام اللبنانيّ وثوابته وصيغته.
بيد أنّ هذا التّوازن اللبناني القائم على قاعدة طائفيّة، والذي يمجّده شيحا ويدافع عنه، لا ينطوي على توازن بل هو معادلة طائفيّة رجراجة حكمت وضعًا غير متوازن، وهي لا تني تنقله من وضعٍ غير متوازن إلى وضعٍ آخر مماثل وأفضت هذه المعادلة، التي خضع لها لبنان، إلى جعله بلدًا فاقدًا للتّوازن والاستقرار والأمان، بسبب نزاع طوائفه بشكل أو بآخر وبوتيرة دائمة أو شبه دائمة. لقد دافع عدد من المثقّفين اللّبنانيين عن الصيغة الطائفيّة، ومنهم كمال يوسف الحاج، الذي شدّد على أهميّة الاختلاف في مواقع الطوائف داخل النّظام السياسيّ اللبنانيّ. وكان يسوّغ وينظّر لتفاوت المواقع الطائفيّة في هذا النّظام. ويبدي تمسكًا بضرورة حماية هذه الصيغة الطائفيّة على أساس أنّها امتداد لجوهر الدّين، وأيّ مساس بالطائفيّة هو مساس بالدّين، ويعني ذلك بنظره، أنّ إلغاء الطائفيّة يؤدّي إلى إلغاء الدين (الحاج، 1961، صفحة 42)، وظهرت هذه الرؤية مع نشأة الكِيان اللّبنانيّ، وتبلورت مع مرحلة الاستقلال، واستمرت خلال الحرب الأهليّة وما بعدها.
وتبعًا لذلك يتجوهر الكِيان اللبناني، بمعنى يتحدّد كمجتمع طائفي له طبيعة الأشياء، ومع تحديد من هذا النّوع، لا يعود يلائم هذا الكِيان، وفق ما يقول فؤاد خليل، إلاّ نظام سياسي يعكس طبيعة مجتمعه الأصليّة، أي نظام طائفي يضمن المشاركة بين طوائفه، «ويكفل تعايشها بوصفها جواهر، أو ماهيّات خاصّة، أو أشكالًا حضاريّة مختلفة. هذه هي فلسفة الصيغة القائمة على العيش المشترك بين الطوائف وفي ضوئها، كان الفكر الطائفي إبّان الجمهوريّة الأولى، يربط عضويًا بين الكِيان والطائفة والنّظام. ويرى أنّ أي تغيير في بنية الأخير يمسّ بالضرورة وجود الكِيان والطائفة في آن واحد» (خليل، 2012، الصفحات 27-28). ويرى وضّاح شرارة في هذا السّياق أنّ الجدال لم يتوقّف، منذ الاستقلال، بين دعاة المحافظة على الطائفيّة، كإطارٍ ناظمٍ للحياة الوطنيّة، إذ يرتبط وجود لبنان بوجودها من ناحيةٍ، ودعاة إلغائها، كمدخل إلزامي لبناء وطن موحّد، ومواطن موحّد الولاء من ناحية أخرى. «لكن هذا الفكر المؤدلج، وفق هذه الرؤية، فقد قيمته، ولم يعد له من الجاذبيّة ما يغري التمسّك به، بعد أن تعرّض إلى نقدٍ شديد لم يصمد أمامه» (شرارة، 1975، صفحة 10).
- الرؤية البنويّة: قارب بعض الباحثين الطائفة وحلّلها وفق رؤية ماديّة للبنيّة المجتمعيّة الرأسماليّة في لبنان، وتظهر هذه الرؤيّة كسمة مميّزة ولازمة في كتابات المفكّر الماركسي مهدي عامل كأبرز من قارب الطائفة والطائفيّة في لبنان ضمن هذا المقترب البنيويّ، ويتأسّس هذا المنحى في التّحليل على رؤية ماديّة ينطلق منها عامل في كتابه: «في الدولة الطائفية»(عطية، 1992، صفحة 61). يرفض عامل ما كان شائعًا من تمجيد للطائفيّة بوصفها ظاهرة طبيعيّة، بل يعدُّها «علاقة سياسيّة محدّدة بشكلٍ تاريخي محدّد من حركة الصّراع الطبقي في شروط البنية الاجتماعيّة الكولونياليّة اللبنانيّة» (عامل، 2003، صفحة 357). وهو «ينتقد دور الدولة في تأمين وجود الطوائف في مؤسسات، هي بالتّحديد، مؤسسات دولة، وأنّ هذه الطوائف لا تقوم إلّا بارتباطها التّبعيّ بالدولة من حيث إنّها بقيام الدولة تقوم» (عامل، 2003، صفحة 144). يمكن النّظر إلى هذا الضرب من التّحليل الذي قدّمه عامل في هذا الإطار، بوصفه نتاجًا علميًّا بارزًا، وذا قيمة تحليليّة. فهو يشدّد على أنّ الطوائف كِيانات سياسيّة قائمة بالدولة وليست كِيانات مستقلّة بذاتها، كما يوهم الفكر الطائفي، وهو يؤكّد على دور الدولة بوصفها هي من يؤمن ديمومة الحركة في إعادة إنتاج طوائف ككِيانات سياسية، هي بالدولة وحدها، مؤسسات (عامل، 2003، الصفحات 210-216) «وكانت الهوية السياسيّة للطوائف اللبنانيّة قد تبلورت وفق هذا المنظور بارتباطها بالنّظام السياسي العام للحكم». لا ينبغي للتّحليل الذي قدّمه مهدي عامل على أهميّته وعمقه، أن يحجب عنّا ما تخلّله من ثغرات وهفوات بسيطة، ومن قبيل ذلك، وصف عامل للطوائف على أساس أنّها كِيانات سياسية. فالتّدقيق في هذا التّوصيف يظهر أنّه تعوزه تلك الدّرجة من الضبط والدّقة، التي اشتهر بها عامل في كتاباته وفي صياغة المفاهيم والمصطلحات، التي تبدو كأنّها منحوتة بحرفيّة عالية. لكن عامل لم يكن هنا على جري عادته، لأنّ مصطلح «الكِيان السياسي»، الذي أطلقه لوصف الطائفة، لم يكن دقيقًا، لأنّه لا يطلق بالعادة إلاّ على دول أو اتّحاد دول وما شابه ذلك، ولا يطلق على المتّحدات الأهليّة أو العصبويّة. صحيح أنّ لكل طائفة وضعها المؤسّسي الخاص داخل كِيان الدولة وسلطتها وتشريعاتها ودستورها، لكنها ليست كِيانا مستقلًا أو منفصلًا عنها.
- الرؤيّة السوسيولوجيّة: تعدُّ الطائفة «جماعة من البشر تنتمي إلى مذهبٍ دينيّ واحد ذي طقوس وشعائر وتقاليد موروثة، وتكون فرص اللّقاء والتّبادل الداخليين بين أفرادها أكثر حظوظًا من فرص اللّقاء والتّبادل مع الخارج أو الآخر المنتمي إلى مذهبٍ آخر»(خليل، 2012، صفحة 31).
تمأسست الطوائف في لبنان في عهد المتصرّفيّة من خلال المحاصصة في مجلس إدارة المتصرفيّة، إذ تحدَّد لكل طائفة ممثّل أو أكثر في المجلس المذكور. وهي تمأسست إيديولوجيًّا عن طريق التّربية وما نشأ حينها من مدارس وجامعات، وتعزّز تمأسسها هذا في دولة لبنان الكبير، ثمّ وجد شروط نضجه التّام في دولة الاستقلال (خليل، 2012، صفحة 33).
بناءً عليه تحوّلت الطائفة إلى مؤسسة تمثيل سياسي، وإلى إطار مؤسّسي إيديولوجيّ يعمل على تمتين لُحمتها الداخليّة، وترسيخ عصبيّتها الطائفيّة، وارتبط تمأسس الطائفة بالسّياق نفسه الذي تأسّس فيه النّظام السياسي الطائفي والدولة في لبنان (خليل، 2012، صفحة 33)، وهذا يعني، وفق ما يؤكّد مهدي عامل، أنّ «الانتظام المؤسّسيّ للطائفة لا يقوم إلاّ بنظام سياسيّ طائفي أو بدولة طائفيّة، هي شرطه الضروريّ» (خليل، 2012، صفحة 21)، من هنا، يصحّ القول إنّ الطوائف، بوصفها انتظامات مؤسّسيّة لا كِيانات مستقلّة، لا تقوم إلّا بقيام نظام طائفي أو بدولة طائفيّة، توجد بوجودها، وتتجدّد مع تجدّدها، وتزول مع تغيّر طبيعة هذه الدّولة بالتّحديد. على هذا الأساس، كان لكل طائفة من طوائف لبنان تاريخها الدولتي، أيّ تاريخ علاقتها بالدّولة، وقد بنته من خلال كونها مؤسّسة سياسيّة، تتيح بأن يظهر ممثّلوها أو زعماؤها في موقع من يمثّلها كمجموع طائفي كلّي، من هنا تنشأ علاقة عضويّة من نوع خاص بين الطّرفين، فالطوائف تتحوّل، بمعنى ما حين تتمثّل في سلطة الدولة على قاعدة أن لكل منها نصابها التّمثيلي المخصوص إلى كِيانات دولتية شبه مستقلّة، تغنم حصصها من الكِيان الأصلي للدولة، وبالمقابل فإنّ الدولة تتحول حين يصبح كِيانها السياسي والدّستوري مجالًا لتمثيل الطوائف، أو غنمًا لأنصبتها التمثيليّة المعلومة، إلى اتّحاد أو تركيب فيدرالي بين الطوائف، وهو ما غدا طبيعة للدولة اللبنانيّة أو لأزمة بنيويّة لها (خليل، 2012، الصفحات 34- 35).
ثالثًا: الدولة/ الكِيان
خلال السّنوات الأولى للانتداب الفرنسي، وبنوعٍ خاص خلال المرحلة الواقعة بين العام 1920م والعام 1925م، عرفت التناقضات الوطنيّة قمّة تفاعلاتها. فالموارنة كانوا قد شعروا أنّهم نجحوا بمساعدة فرنسا في فرض فكرتهم الوطنيّة على سائر الطوائف اللبنانيّة، وبأنّهم أصحاب حقّ في السيطرة على الكِيان الجديد وتوجيهه. ذلك أنّ هذا الكِيان جاء نتيجة نضال تاريخي من أجل الاستقلال والسيادة في منطقة تحكمها الأكثريّة الإسلاميّة منذ قرون.
أمّا المسلمون، والسنّة بنوعٍ خاص، فلم يستسيغوا واقعهم الوطني الجديد الذي نقلهم من واقع كانوا فيه أكثريّة في ظل دولة إسلاميّة، إلى واقعٍ أصبحوا فيه أقليّة في دولة يحكمها المسيحيون والأجانب. فاحتموا وراء رفضهم المزدوج للكِيان وللانتداب الفرنسيّ، متوجّهين بولائهم إلى الدولة العربيّة التي ثاروا من أجل تحقيقها. (الجسر، 1978، صفحة 522) غير أنّ مجريات الحوادث وتطوّراتها أدّت إلى اندراج المسلمين في الكِيان، متّجهين نحو تعزيز الحضور في توازنات النّظام الذي كان قد كرّس الحق السياسي للطوائف. إنّ عدم نجاح الثّورة السوريّة العام 1925م، ثمّ الارتكاز على مبدأ المحاصصة الطائفيّة في دستور العام 1926م أدَّيا إلى قبول المسلمين بالكِيان، ولكنّه بقي مشوبًا بحذر البعض الآخر، منهم الذين كانوا ما يزالون يستمدّون طموحاتهم العربيّة من مواقف الساسة الوطنيين السّوريين.
ولكن ما إن حلّ العام 1936م حتى كانت الحركة الوطنيّة السّوريّة قد تبنّت فكرة استبدال الانتداب بمعاهدة، كان لها تأثيرها على العلاقات الفرنسيّة اللبنانيّة وعلى مواقف المسلمين والمسيحين، ذلك أنّ الوطنيين السّوريين في توقيعهم المعاهدات كانوا قد تنازلوا ضمنيًّا عن مطالبتهم بالأقضيّة الأربعة التي كانوا يعدُّون أنّها سُلخت عن سوريا وضُمّت إلى لبنان الكبير (الجسر، 1978، صفحة 63). هذا التنازل كان له تأثيره الإيجابيّ على الأوساط المسيحيّة، في ما صدمَ الأوساط الإسلاميّة حين صُنّف لبنان بلدًا تحت الانتداب. وكان لا بدّ لفرنسا أن تهيّئه للفوز بالاستقلال، فمهّدت لوضع دستور، متكاتفة مع المجلس التّمثيلي اللّبنانيّ الذي كان قد جرى انتخابه وفق قانون وضعته الدولة المنتدبة. (وآخرون، 1996، صفحة 394).
سنحت الفرصة في تشرين الأول العام 1943م لجمع مختلف الأطراف الطائفيّة اللبنانيّة ضمن إطار كِيان لبناني مستقل، فأعلن الميثاق الوطني محددًا كيفيّة المعالجة اللاّحقة لمسألة الهويّة والنّظام. وطَوال ثلاثين عامًا، نُظّمت الحياة السياسيّة على قاعدة هذا الميثاق، الذي أنجز باتفاق ضمنيٌّ بين الوجهاء أو الزّعماء السياسيين للطائفتين الكبيرتين في ذلك الوقت (الموارنة والسنّة) ، والذي مثل عمليًّا جوهر التّسوية الطائفيّة. نشأت الدولة في مفهومها الحديث كدولة مؤسّسات في سياق التطوّر التّاريخيّ للمجتمعات الغربيّة، وذلك نتيجة تحول السلطة من سلطة يجسّدها الحاكم وتخضع لمزاجه وإرادته وأهوائه إلى سلطة مؤسسة تنبع من مؤسسة الدولة، وتخضع للقوانين التي تنظّم عملها، بغية تحقيق الأهداف التي وجدت المؤسسات في الدولة من أجلها. فالسّلطة في الدولة الحديثة تنبثق من القانون، وتنضبط بالقانون كي تبقى وسيلة لتحقيق الأهداف المجتمعيّة ولا تتحوّل إلى غاية قائمة بذاتها، أو وسيلة لتحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
نشأت الدّولة نتيجة تطوّر مجتمعي، تطرح العلاقة بين البنى المجتمعيّة والبنى الدّستوريّة التي تتكوّن منها الدولة، فالدّولة كِيان حقوقي وسياسي في آن معًا، أي كِيان يعبّر عن حقيقة سياسيّة. فمؤسّسات الدّولة، وبخاصّة الدستوريّة منها، تُشكّل إطار العمل السياسيّ، وتحدّد القواعد التي تحكم اللّعبة السياسيّة في نطاقها. كما تحدّد القواعد التي تحكم ممارسة السّلطة، غير أنّ القوى السياسيّة التي تقوم بممارسة السياسة والسّلطة هي قوى تعبّر عن حقيقة مجتمعيّة، لأنّها تنبثق من واقع المجتمع، من هنا تؤثّر الأنماط السائدة على مستوى العلاقات المجتمعيّة، وتحديدًا بين مكوّنات المجتمع، على أنماط ممارسة السّلطة في إطار المؤسّسات الدستوريّة (عصام، 1991، صفحة 33)، فأنماط العلاقات السّائدة في البنى المجتمعيّة تنعكس مباشرة على واقع العلاقات السياسيّة التي تتحكّم بأداء المؤسّسات الدستوريّة، ولا يمكن تطوير أداء المؤسّسات الدستوريّة إلاّ بالتزامن مع تطوير البنى المجتمعيّة وتحديثها.
الدولة وفق النّظريّة الهيغيليّة تمثّل بالنّسبة إلى الأسرة وللمجتمع المدني، ضرورة خارجيّة وقوّة متعاليّة، تتكيّف قوانينهما ومصالحهما مع طبيعتها، لكن، في الوقت نفسه، تمثّل غاية الاثنين معًا، إذ تكمن قوّتها في وحدة الغاية العامّة مع المصالح الخاصة، ورمز تلك الوحدة هو أنّ الأسرة والمجتمع يتحمّلان إزاء الدّولة واجبات بقدر ما يتمتّعان بحقوق. وماكيافيلي يقول: «كل دولة مهما قلنا بفسادها حسب مبادئنا، مهما وجدنا فيها بالفعل من عيب، خاصةً عندما تكون من جملة الدّول المتطورة المعاصرة فإنّها تحمل في ذاتها العناصر اللاّزمة لكِيانها» (العروي، 1993، صفحة 181). إنّ العلاقة بين البنى المجتمعيّة والبنى الدستوريّة يقودنا إلى الكلام في لبنان عن العلاقة بين الدولة والطائفة. فالطوائف الدينيّة تبدو وكأنّها المكوّنات الأساسيّة للمجتمع اللبناني، مع العلم أنّ هناك مكوّنات أخرى ذات طبيعة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، غير أنّ الطوائف تبقى الأكثر بروزًا في مجتمع الدولة.
وقد انعكست هذه الحقيقة في واقع النّظام السياسيّ «فالدّستور اعترف بالطوائف ككِيانات مجتمعيّة، ولم يعترف فقط بالأديان والمذاهب الدّينيّة وحرية ممارسة الشعائر الدّينيّة، فاعترف للطوائف في الحقّ باعتماد قوانين أحوال شخصيّة، وبحقّها في القضاء الشّرعيّ والمحاكم الروحيّة. كما اعترف بحقّها في تنظيم شؤونها بقوانين صادرة عن مجلس النوّاب، وبحقّها في تعديل هذه القوانين من قبل مجالسها، المشرّعة بموجب هذه القوانين، وعندما استحدث المجلس الدّستوري أعطى حقّ مراجعته لرؤساء الطوائف المعترف بها قانونًا في ما يتعلّق حصرًا بالأحوال الشّخصيّة. وحريّة المعتقد وممارسة الشّعائر الدينيّة، وحرية التّعليم الدّينيّ، كل هذه الأمور تؤكّد الاعتراف رسميًّا بالطوائف ككِيانات مجتمعيّة» (عصام، 1991، صفحة 35).
رابعًا: المأسسة الطائفيّة في النّظام (الكِيان)
تكمن أهميّة هذه الرؤية في تحليل كيفيّة تشييد الطائفة في لبنان لخصوصيّتها السياسيّة، بما يتعدّى كونها جماعة دينيّة في ظل السياق السوسيوتاريخيّ لتشكّل لبنان الحديث. فما المقصود بهذه الخصوصيّة التي شيّدتها الطائفة، والتي ميّزتها عن قريناتها؟
ارتبط تمأسس الطائفة بالسّياق نفسه الذي تأسّس فيه النّظام السياسيّ الطائفيّ والدّولة في لبنان (خليل، 2012، صفحة 33)، وهذا يعني وفق ما يؤكّد مهدي عامل، أنّ الانتظام المؤسّسي للطائفة لا يقوم إلاّ بنظام سياسي طائفي أو بدولة طائفيّة، هي شرطه الضّروري (عامل، 2003، صفحة 21). إنّ إعلان دولة لبنان الكبير العام 1920م، وإيجاد الجمهوريّة اللّبنانية العام 1926م، كانا الحجر الأساس للنّظام السياسيّ الطائفيّ الذي بُني عليه الكِيان اللبناني في مختلف عهوده ومراحله. تعدُّ هذه المرحلة الزّمنيّة هي اللّبنة الأساسيّة والأولى لقيام لبنان الطائفي والسياسي، والطائفيّة هي التعلّق الحميم بطائفة دينيّة، هذا في تحديد القاموس «لكن الطائفيّة في لبنان تدل على شيء آخر، إنّها ضمان تمثيل سياسيّ واجتماعيّ لأقليّات دينيّة متشاركة. إنّ أكثر ما جاء في الدّستور اللبناني أهمّيّة في العام 1926م على الصعيد الطائفيّ هو الاعتراف بشخصيّة رسميّة للطوائف الدّينيّة ودورها في مؤسّسات الدولة، فضلًا عن حريّتها في إدارة أحوالها الشّخصيّة ومصالحها الدّينيّة (حلاق، 1988، صفحة 45). فتحدّثت المادة 95 من الدّستور اللّبناني عن تمثيل الطوائف بصورة مؤقّتة وبصورة عادلة في الوظائف العامّة، وفي تشكيل الوزارة، وتوزيع المناصب في مجلس الشيوخ على أساس (9) للمسيحيين و(6) للمسلمين وبصورة مؤقّتة أيضًا. وفي السّنوات التّالية، تناسى السياسيّون المسيحيّون الحالة المؤقّتة للطائفيّة السياسيّة، بعدما عملوا على تثبيتها وجعلها حقًّا تاريخيًّا لهم يدافعون عنه. كما أصبح المسّ بالطائفيّة السياسية من المحرّمات (سنو، 2008، صفحة 94). وسوف تكون للدّعوة إلى الطائفيّة العادلة انعكاسات سلبيّة على تطوّر لبنان المعاصر، فجرى تسييس الطائفيّة لتصبح قاعدة السلطة والمغانم وتعبيرًا عن الحالة المجتمعيّة للطائفيّة، فالنائب الذي يفترض أن يمثّل الأمّة جمعاء، لن يكون أكثر من ممثّل لطائفته، وحلقة الاتّصال الزبائنيّة بين قاعدته الانتخابيّة (الطائفة) والدّولة.
انطلاقًا من ذلك فما هي الطائفيّة؟ هل هي نزعة؟ أم عصبيّة؟ هل هي واقعة اجتماعيّة؟ هل هي موقف نفسيّ أم ظاهرة دينيّة وسياسيّة؟ هي بالطبع كل ذلك وأكثر، فالطائفيّة هي ظاهرة اجتماعيّة شاملة تطال جميع نواحي الحياة العامّة والخاصة. هذا الشّمول في ظاهرة الطائفيّة يأتي من كونها ظاهرة تاريخيّة متأصّلة في عادات الشّعب وتقاليده ووعيه، وحتى لاوعيه، بمعظم فئاته وجمـاعاته وأفراده (ترحيني، 1981، صفحة 1)، وهي ظاهرة شعبيّة لا تخلو من الشرعيّة ولا تختلف عن أي تكتّل اجتماعيّ طبقيّ أو إثنيّ أو حزبيّ، فالتكتّل السياسيّ على أساس الشّعور بالانتماء الطبقيّ، عماليّ أو حزبيّ هو تكتّل شرعيّ من الوجهة السياسيّة الديموقراطيّة، ولمّا كان الانتماء الطائفيّ ظاهرة شعبيّة ما يزال يتأثّر بها قسم كبير من المواطنين اللبنانيين، فهي تشكل حقًّا وعيًّا لهؤلاء، شرط ألا يتعرّض تصرّفهم لحريّة الآخرين، فالانتماء إلى الطائفة والحفاظ على الخصوصيّة لا يشكّل مشكلة بالنّسبة إلى المجتمع والدولة، بل هو مصدر غنى.
فالتنوّع الطائفي يشكّل ثروة ثقافيّة واجتماعيّة خاصّةً إذا اقترن بتفاعل الأديان والطوائف. فالطائفيّة تصبح مرضًا اجتماعيًّا، أيّ عند التطرّف والمغالاة إلى درجة الضّرر بالآخرين وبالبلاد بصورةٍ عامّة، إذ تجعل إمكانيّة الجمع السليم بين الانتساب الطائفيّ والانتساب الوطنيّ غير معقولة، لذلك نجد من الضروري هنا أن نتعرّض لشرح الظاهرة الطائفيّة في لبنان من النّاحيّة السوسيولوجيّة لا العقائديّة كي يتسنّى لنا فهم دورها في السياسة اللبنانيّة وفي بنية الدولة وبنية النّظام السياسي. (عصام، 1991، صفحة 35)
فمحكمة العدل الدوليّة عرٌفت الطائفيّة في قرارها الرقم 17 الصادر في 31 /7/1930م أنّها «جماعة من أشخاص يعيشون في بلدٍ أو محلّة معيّنة وينتمون إلى عرق أو ديانة أو لغة أو تقاليد خاصّة بهم، ويتحدّون بواسطة هذا العرق والدّيانة واللّغة والتّقاليد في شعور بالتعاضد بهدف المحافظة على تقاليدهم وعباداتهم وضمان تعليم أولادهم وفق تطلّعاتهم، وهذا يقودنا إلى المقارنة ما بين أشكال التّضامن التقليديّة وأشكال التّضامن الحديثة، فيقصد بأشكال التضامن التقليديّة تلك التي يجد الأفراد أنفسهم داخلين فيها بالولادة أو بالنّشأة فيكون انتماؤهم إليها إلزاميًا لا يمكنهم نكرانه، وإن كان يمكنهم التنكّر له ووفق مفاعيله» (بيضون أ.، مسائل من تاريخ لبنان، 1998-1999، صفحة 73). وفق هذا الفهم تأتي الطائفة في مقدّمة الجماعات الأوليّة التي يسمّيها دوركهايم بجماعة الانتماء القائمة على التضامن الآلي/ الميكانيكيّ، بينما يقصد بأشكال التضامن الحديثة تلك التي يدخل إليها الأفراد طوعًا/ إراديًّا، وإن كان دخولهم إليها لا يكون بالعادة اعتباطيًّا بل يحملهم عليه تقديرهم لمصلحة معيّنة أو حيازتهم صنعة معيّنة، وتنطبق أشكال التّضامن هذه على الجماعات المهنيّة والسياسيّة وعلى الدولة أيضًا كجماعات تقوم على التّضامن العضويّ وفق التّفسير والرؤيّة الدوركيميّة، ويعدُّ تشارلس هورتون كولي أنّ سلوك الجماعة الأوليّة هو وظيفة التفاعل، فالحجم يعدُّ مهمًّا بالنّسبة إلى الجماعات الأوليّة كالطائفة، ومستوى الاستمراريّة وديمومتها والتجانس بين أفرادها، فكلّما زاد التشابه بين الأعضاء عرقيًا أو ثقافيًّا أو بالانتماء الطّبقي مثلاً سهّل عليهم تكوين روابط أوليّة (الاجتماع، 1997، صفحة 140)، فالجماعة الأوليّة تعدُّ نواة لكل تنظيم اجتماعيّ، ويكون الارتباط فيها قويًّا، وهي موجودة في معظم أشكال الأنساق المعقّدة، فهي الوحدة الأساسيّة للبناء الاجتماعيّ، وفيها يجد الفرد إشباعًا لحاجاته الاجتماعيّة، كما أنّها تغرس فيه قيم المجتمع الذي يعيش فيه، وإنّ استخدام كلمة أوليّ يشير إلى تلك الأشياء التي تعدّ مهمّة وأساسيّة، والواقع أنّ هذا المصطلح يناسب الجماعات الأوليّة ما دامت هذه الجماعات أساسيّة في المجتمع (الرازق، 1999، صفحة 207). ومن هذا التّأصيل المعرفيّ والاجتماعيّ تكتسب الطائفة في لبنان دورًا محوريًّا في الحياة السياسيّة كما هي في الحياة الاجتماعيّة والثّقافيّة العامّة، وباتت الطائفة كجماعة أوليّة أساس انبناء الاجتماع السياسي للدولة في لبنان. من الشّواهد على تجذّر الطائفيّة في الدولة ما يسرده سليم الحص، رئيس حكومة لبنان الأسبق، أنّه في العام 1994م صُدّر مرسوم يمنح الجنسيّة اللبنانيّة لعشرات الألوف من المقيمين في لبنان، فإذا بمرسوم التّجنيس يغدو مادّة للسّجال الطائفيّ. ويحكم القضاء على وجوه طائفيّة بالإعدام في جرائم قتل ويخفّف الحكم إلى السجن المؤبّد، فإذا بالإفراج عن هؤلاء يغدو مطلبًا طائفيًا بدعوى أنّ سواهم من طوائف أخرى يستحق أيضًا مثل هذا المصير. وللإثارة المذهبيّة والطائفيّة كثيرًا ما تكون وقودًا للحملات الانتخابيّة، ومشاريع القوانين والتعيينات والتّشكيلات في الدولة تصطدم دومًا بالعقد والإشكالات الطائفيّة. وحتى مفاهيم الوطنيّة والسيادة والحريات العامّة والإنماء المتوازن تكاد تتفاوت طائفيًّا (الحص، 2003، صفحة 103). فتغدو الطائفيّة عدا كونها التعلّق الحميم بطائفة دينيّة، ضمان تمثيل سياسيّ واجتماعيّ عادل لأقليّات طائفية متشاركة أو أنّها نظام حكم الطوائف الذي ينهض على المشاركة والتوازن. وهكذا كان من الطبيعيّ أن تجد الفرادة النّابعة من قوّة الأشياء وطبيعة الأمور، ترجمتها في ميثاق وطنيّ يشرط وجود الكِيان ويحفظ أسباب استمراره، ثم في نظام سياسيّ طائفيّ انبنى على ضمان تمثيل الطوائف في مؤسّساته الدستوريّة وهياكله الإدارية، انطلاقًا من قواعد المشاركة والتّوازن العادل في ما بينها. فكان من الطبيعي والحال هذه، أن يتنكّب المثقّف المحافظ في لبنان دور المنافحة الدّائمة عن السلطة أو النّظام السياسيّ، بوصفه النّظام الأكثر ملاءمةً وتوافقًا مع تركيبة لبنان المجتمعيّة، وأن يدعو إلى الحفاظ على صيغة المشاركة الطائفيّة لكونها الصيغة الوحيدة والفذّة التي ترعى وجود لبنان وتؤمن استمراريّته ككِيان فريد بين كِيانات محيطة (خليل، 2012، صفحة 38). أمّا إذا اختلّ التوازن بين مكوّنات الصيغة، وهي تشكّل كِيانيًا من جناحين: مسلم ومسيحيّ، فالمحافظ يواجه الاختلال بمعادلة سياسيّة تبريريّة قوامها لا غالب ولا مغلوب لكي يستعيد التّوازن ليس فقط نصابه السياسي، بل أيضًا نصابه الكِيانيّ الأصيل، وهو المتمثّل في نظره بالتلازم الوجوديّ بين الطائفة المؤسّسة والصيغة الكِيان.
خامسًا: مسار العلاقة ما بين الدولة والبنى الاجتماعيّة
عرف لبنان الدّولة بمفهومها الحديث (الغربي) يوم إعلان قيام دولة لبنان الكبير سنة 1920م، وأقرّ دستورها سنة 1926م، وترافق نشوء مؤسّساتها مع سنوات الانتداب الفرنسيّ، ولا يغيب عن بالنا في طور الحديث عن هذا الإعلان الترتيبات والحوادث التي حصلت في القرن التاسع عشر، وخصوصًا حوادث 1840م، و1860م والتي أنتجت نظام القائمقاميتين والمتصرفيّة على أساس انقسام مارونيّ – درزيّ، ما لبث أن تحوّل إلى انقسام طائفي بعد إعلان قيام دولة لبنان الكبير.
إنّ فهم هذه الحوادث له أثر مباشر على إعادة تكوين القوى والطوائف داخل المجتمع والدولة. تكثر التساؤلات عن العلاقات المعقّدة والمتشعّبة والمتفاوتة التي تربط مسألة الدولة بالسلطة في لبنان، وكيف قُوِّض مشروع الدولة الحديثة بسبب اختلاف الرؤى والمصالح ما بين مكوّنات الاجتماع السياسيّ اللبنانيّ (الطوائف) وصولًا إلى تعارض تلك الرؤى والمصالح حتى حدود التناقض، أو القطيعة أحيانًا، أيّ انتفاء العلاقة بين السّلطات ومنع حصولها أحيانًا أخرى، ما جعل من الدولة كمؤسّسة سياسيّة حلبة للصراع بين الطوائف بهدف السيطرة عليها لاستخدامها أداة تحكّم واستئثار بتوزيع الموارد العموميّة، وتحويل جهازها الإداريّ إلى جهاز طفيليّ، جاهز في أي وقت للانقضاض على الدّولة ومؤسّساتها بهدف تطويعها وفقًا لرؤية الطائفة ومصالحها. إنّ المتحكّمين بالسّلطة هم من يتغيرون، بينما تبقى الدّولة إلى حدٍ كبير على ما هي عليه من بنية مؤسّسية وجهازيّة ومن احتكار لأدواتها المتعدّدة. «إنّ هذا التّمييز ولأسباب نظريّة، يجعل من الدولة مشروعًا متمايزًا عن بنية المجتمع، كما تقول المقاربتان الفيبرية والماركسية معًا، أي بالاستقلال النسبيّ عن مكوّناتها الاجتماعيّة كما عن آليّة تشغيلها. إنّ هذه الاستقلاليّة النّسبيّة جعلت من الطوائف غير قادرة على مصادرتها لمصلحتها إلاّ بصورة محدّدة، وهذا الواقع هو في معظمه صراع على السلطة، وعلى توزيع الصلاحيات والمغانم والتشبّث بالمراكز» (حلاق، 1988، صفحة 19).
وبصرف النّظر عن طبيعة الكِيان السياسيّ الموجود والقائم في لبنان، تقوم علاقة الدّولة بالمجتمع في دول العالم الثالث على الاعتراف المتبادل، وهو ليس بالأمر اليسير، ما أنتج علاقة عكسيّة، إذ كيف لدولة أن تحتكر الشرعيّة ومعها القوّة، حسب الفهم الشّائع لتعريف «ماكس فيبر» للدّولة، إذا كانت تفوّض الطوائف باستمرار للحصول على شرعيّتها تلك؟
الطوائف بصفتها كِيانات سياسيّة وليس فقط مذاهب دينيّة، دخلت في حالة تناقض مع الدولة، وعرقلت مسار تطوّرها باتجاه تكريس وجودها كدولة مؤسسات، وفرضت على الدّولة مساراً آخر، كرسيّ وجودها ككِيانات سياسيّة على حساب كِيان الدولة. فتوسّل العصبيّات الطائفيّة من قبل السياسيين، الذين نصّبوا أنفسهم قيمين على طوائفهم بذريعة تعزيز موقع الطائفة في صيغة الحكم، أدّى تدريجيًّا إلى بروز الطوائف أكثر فأكثر ككِيانات سياسية، وإلى استثارة ردود الفعل الطائفيّة. وتحت تأثير الفعل ورد الفعل، والمطالبة بإزالة الغبن اللاحق ببعض الطوائف وتهميشها، تجذّرت الانقسامات الطائفيّة في مجتمع الدّولة، ما عزّز مواقع السياسيين الذين تغذوا من الطائفيّة واقتسموا المغانم في ما بينهم نيابة عن طوائفهم، «فانعكس ذلك سلبًا على أداء مؤسّسات الدولة التي خرجت عن المسار الذي حدّده الدستور، وبدلًا من أن تحكم الآليّات التي رسمها الدّستور والقوانين أداء المؤسسات، أصبحت الصفقات هي التي تتحكّم بهذا الأداء، تحت شعار التوافق، ما أساء إلى النّظام التوافقي نفسه» (عصام، 1991، صفحة 36). فالنّظام التوافقي، بمفهومه الصحيح، يفترض تحقيق التّوافق بشأن الأمور الأساسيّة التي تتعلّق بنظام الدّولة، وهذا ما يعبّر عنه في الدستور، ولا يجوز أن يتعدّى التّوافق هذه الحدود ليتحوّل إلى توافق على تسيير شؤون الحكم اليوميّة، لأنّ ذلك إذا ما حدث، يؤدّي إلى عرقلة أداء المؤسّسات والخروج على القوانين ومنطق الدّستور ونصوصه، ويقود إلى التّضحية بالمصلحة العامة لحساب المصلحة الخاصة، وفي ذلك ضرر بمصالح الوطن والمواطنين على شتّى انتماءاتـــــــهم الطـائفيّة. وهذا ما حدث بالفعل وحال دون قيام دولة القانون والمؤسّسات، كما أسهم في تنميّة العصبيات الطائفيّة وتعميق الانقسامات في المجتمع، وإيصال البلاد إلى ما هي فيه من ترد في أوضاعها على مختلف الصعد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة…
نشأ هذا الواقع وتطوّر بفعل الدايناميّة المتولّدة من العلاقة الجدليّة بين الدّولة والطائفة بصفتها كِيانا سياسيًا يسعى إلى تكريس وجوده ومقاومة تذويبه في كِيان الدّولة، ومن نمو الانتماء الطائفيّ على حساب الانتماء الوطنيّ لكون الطائفة تقف وسيطًا بين المواطن والدّولة، وهذه الدّيناميّة نفسها تولدها العلاقة بين السياسيين الطائفيين والطائفيّة. فالسياسيون هؤلاء يتغذّون من الطائفيّة لتدعيم مواقعهم، ويمدّون الطائفيّة بدفع جديد وبمقوّمات البقاء والتجذّر في الواقع السياسيّ. وإذا كان الدّستور يتطوّر بفعل الممارسات السياسيّة، فمأساة الدستور اللّبنانيّ تكمن في الممارسة المتخلّفة عنه بفعل الطائفيّة والمذهبيّة المتحكّمة بأداء المؤسسات. فكيف للدستور أن يتطوّر والحالة هي هذه (عصام، 1991، صفحة 37)؟
المسألة إذًا ناجمة من تحوّل الطائفة من كِيان اجتماعيّ إلى كِيان سياسيّ، وتحوّل الانتماء الدّينيّ – المذهبيّ إلى انتماء سياسيّ تغذّيه العصبيات الطائفيّة. وقد أساء ذلك للدولة وللطوائف وللمذاهب الدينيّة في آن معًا. فالطائفة تحكّمت في مسار الدّولة لمصلحة من نصّبوا أنفسهم قيّمين على طوائفهم، وهؤلاء تحكّموا بطوائفهم وحوّلوها إلى متاريس يحتمون بها ليجنّبوا أنفسهم المساءلة والمحاسبة، فالمشكلة على درجة عالية من التّعقيد، تتطلّب حلًا من أجل إعادة الدّولة إلى مسارها الصّحيح، وتحرير الطوائف من الاستغلال السّياسي.
سادسًا: تجذّر الطائفيّة في مؤسسات الدولة
إنّ مقاربة الطائفية وتحليلها على ضوء رؤية مادية للبنيّة المجتمعيّة الرأسماليّة في لبنان قد ركّزت على الصّراع الطبقيّ الذي يتولّد منها، وما يتّخذه من مظاهر وأشكال قد تظهر الطبقات الكادحة في مجرى هذا الصّراع، كطوائف، بفعل غياب قوّتها السياسية المستقلّة. لذلك كانت الطائفيّة، وفق هذه الرؤية، هي الشّكل التّاريخي الذي تمارس فيه البرجوازيّة اللبنانيّة سيطرتها الطبقية على الدولة» (عامل، 2003، صفحة 31). يمكن النّظر إلى هذا الضرب من التّحليل الذي قدّمه عامل في هذا الإطار، بوصفه نتاجًا علميًّا بارزًا، وذا قيمة تحليليّة بارزة. فهو يشدّد على أنّ الطوائف كِيانات سياسيّة قائمة بالدّولة وليست كِيانات مستقلّة بذاتها، كما هو الفكر الطائفيّ. وهو يؤكّد دور الدولة في لبنان بوصفها هي من يؤمّن ديمومة الحركة في إعادة إنتاج الطوائف ككِيانات سياسيّة، هي بالدّولة وحدها، مؤسسات (عامل، 2003، الصفحات 23-24). وكانت الهويّة السياسيّة للطوائف اللبنانيّة قد تبلورت وفق هذا المنظور، بارتباطها بالنّظام السياسي العام للحكم (نصّار، 1995، صفحة 111).
إنّ توزيع الوظائف بين الطوائف والعائلات اللبنانيّة هي الحجر الأساس في نظام الإدارة اللبنانيّة. فمن العام 1943م حتى العام 1959م كان هذا التّوزيع يحصل بصورة طبيعيّة وعفويّة، خاصة أنّ الإدارة اللبنانيّة لم تكن قد ارتكزت على أسس حديثة.
فرئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء والوزراء كانوا يعيّنون من دون الارتكاز على قوانين إداريّة أو عبر المرور بأجهزة إداريّة ضابطة وكانت سياسة التّوظيف تستهدف في السنوات الأولى للاستقلال، كسب أكبر عدد من أبناء الفئة البرجوازيّة المسيحيّة والإسلاميّة إلى فكرة الاستقلال الممزوجة بفكرة الولاء الشّخصيّ لرجال الاستقلال.
أمّا الظاهرة الثانيّة والأساسيّة في توزيع الوظائف فكانت تستند إلى التّوزيع الطائفيّ عبر احتفاظ الموارنة والسنّة بحصّة في الوظائف الإداريّة على حساب الطوائف الأخرى (الجسر، 1978، صفحة 238)، ومنذ ذلك التّاريخ لم تنته مسيرة التعامل مع الطائفيّة في الإدارة والوظائف بتحديد النّسب فقط، بل بتحديد طائفيّة الوظيفة. إذ بدأت السّوابق في شغل بعض الوظائف العليا تأخذ منحى العُرف، خاصة بعدما شغر عدد كبير من الوظائف العليا إثر محاولة إصلاحيّة جرت العام 1966م، وقد جرى ملؤها وفقًا لطائفيّة شاغليها سابقًا، وهذا ما أضفى بالفعل مزيدًا من تثبيت طائفيّة الوظيفة، ما جعل الإدارة العامة تخضع لمزيد من الضغوط والاعتبارات غير المهنيّة (إسكندر، 2006، صفحة 24)، وجرى تطوّر لاحق باتجاه تنظيم الممارسة الطائفيّة في الإدارة صدر خلال عهد الرئيس فؤاد شهاب المرسوم الاشتراعي الرقم 112 لشؤون الموظّفين بتاريخ 12/6/1959م، وقد ورد في مادّته الرقم 96 نص يقول إنّ المادة 95 من الدّستور اللّبناني ينبغي مراعاتها في شغل الوظائف العامّة.
وبهذا الإجراء تكرّست الطائفيّة في الإدارة العامّة لربطها بأعلى مصادر التشريع في الدولة. ثم خوّلت التّشريعات مجلس الخدمة المدنيّة بضرورة تطبيق قاعدة المناصفة في تعيين الموظّفين بين المسلمين والمسيحيين بدقة ووفقًا للجدول الآتي: للمسيحيين (50%) وللمسلمين (50%) وأصبحت هذه النّسب تخضع لمبدأ المباراة من الامتحانات، وبذلك تقنّنت عمليّة الطائفيّة في الإدارة على أساس قاعدة التنافس لدى المرشّحين في إطار الطائفة الواحدة (بشير، 2006، صفحة 158). وجاءت نصوص اتّفاق الطائف لتكرّس المحاصصة الطائفيّة عندما أكدت المحاصصة الطائفية، خاصةً في وظائف الفئة الأولى وفق ما جاء في الفقرة (ز) في باب الإصلاحات السياسية. لقد تحوّلت مؤسسات الدّولة، في مراكزها الأساسيّة خاصة، وفي مواقعها عامة إلى مؤسّسات فئويّة يُختزل دورها، وفقًا لمفاهيم الثقافة الطائفيّة، بتحقيق المصالح الفئويّة الخاصّة بمذهب رئيس المؤسّسة مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم أدّى تحاصص المناصب إلى تجيير كلّ منها إلى مذهب أو طائفة، واختزال المؤسّسة برئيسها الطائفي أو المطيّف، وقد أدّى هذا الوضع إلى فقدان أحاديّة نصاب السّلطة وتراتبيّة مؤسّساتها، وساد التناقض بين هذه المؤسسات. وافتقدت المرجعيّة القادرة على حسم الصّراعات والتناقضات بين أطراف السلطة، ما أدّى إلى غياب القرار الوطنيّ واستعارة قرار ومرجعيّات خارجية لتسوية أزمات الحكم والفصل في القضايا الوطنية، ومآل هذا الوضع افتقاد السلطة لشرعيّتها وتحوّل دورها إلى مجرّد أداة بدلًا من أن تكون مرجعيّة حكم.
إنّ نظام المحاصصة في الإدارة وفي المؤسّسات العامة، في شتّى ميادين عملها تحوّل إلى مراكز تابعة، خاضعة لحاجات أطراف الطبقة السياسيّة، وذلك في سبيل رعاية وكسب أتباعها ومناصريها. فأخضعت الخدمة العامّة ، لشروط لا علاقة لها بالكفاءة وبالتخصّص. وبات من الطبيعيّ في هذه الحال ألاّ يكون المكلّفون بهذه الخدمة ملتزمين بالقانون وبالعدالة، بل بمتطلبات المصالح الفئويّة والخاصة لأصحاب القرار في التعيين والترفيع، وقد تحوّل دور الوظيفة العامة إلى خدمة الطبقة السياسيّة بدلًا من رعاية شؤون المواطنين، وتحول دور السياسي إلى معقّب معاملات، يسخّر موقعه كمسؤول عن إدارة الشأن العام، لخدمة مصالحه الشّخصيّة، من خلال تعزيز منطق الزبائنيّة في العمل السياسي وفي الإدارة العامّة على وجه الخصوص. وينعكس هذا الواقع فسادًا وترهلًا في الإدارة وتخلفًا في الخدمات، ونهشًا في الجسم القضائي، وتعطيلًا لآليات تطوير عمل المؤسسّات الوطنيّة… وأدّى ذلك كله إلى انقطاع الصلة مع المواطن بما له من حقوق وواجبات والسّلطة المكلّفة إدارة الشأن العام وخدمة مواطنيها، وكان جراء ذلك أن ينعكس هذا النهج إلى تدني شعور اللّبناني بمواطنيّته.
سابعًا: خلاصة البحث
تتأسّس الدولة، كل دولة، على الغلبة، وتتحوّل مع مرور الزّمن إلى عقد اجتماعيّ يشارك فيه النّاس كأفراد الدولة المثلى، هي الدّولة التي يشارك فيها النّاس كأفراد لا كطوائف التي تضع مصلحة الطائفة فوق مصلحة الدولة، وهي، أي الطوائف، على استعداد دائم للتّضحية بالدّولة أو بآليّة عمل الدولة لمصلحة الطائفيّة.
يستقيم أمر الدولة عندما يتقدّم الولاء للدولة على كل ولاء آخر وعلى كل هويّة أخرى، فالدّولة التي تتكوّن من مكوّنات طائفيّة أو إثنيّة كما هي في لبنان هي دولة يكون فيها الولاء للدّولة مغلوبًا أمام الهويّات الطائفيّة والإثنيّة، مثل هذه الدّولة معرّضة دائمًا لتكون دولة فاشلة، وهي إن استمرّت فإنّها تكون في حالة أزمة دائمة كما هي الحال مع الدولة في لبنان.
عندما يصبح الولاء للدولة، لدى الفرد، هو الأولويّة الأولى، الأولويّة التي تقرّر كل ما عداها وعندما تتراجع الولاءات الطائفيّة والعشائريّة والإثنيّة لتصير مجرّد خيارات يمكن الاستغناء عنها، عند ذلك تكون الدولة الحديثة قد حقّقت نفسها بتشكيلها من أفراد مواطنين لا رعايا، أفراد أحرار يشاركون في الدّولة، رافضين أن تكون هناك وساطة بينهم وبين الدولة، رافضين أن يكونوا رعايا لتشكيلات وسيطة تنهش من الدّولة على حساب الفرد وعلى حساب الدّولة. ولا تكسب الدّولة شرعيّتها إلاّ بأن يكون الولاء لها فوق كل الولاءات الأخرى. بل يمكن القول: لا تكتسب الدولة شرعيّتها إلاّ عندما يصبح وجودها شرطًا لما عداها، وذلك يتطلّب تراجعًا في وعي الفرد عن الولاءات الأخرى وللتربيّة دور مهمّ وأساسيّ في تشكيل هذا الوعي.
ثامنًا: مسار الحل
علينا أن نعترف أنّ ثمّة مساريْن متناقضيْن يحكمان الواقع اللّبناني، المسار السياسي الذي يؤشّر تقادمه إمعانًا في الطائفيّة وتكريسًا لها وعدم القدرة على الفكاك من حبالها، والمسار الاجتماعيّ الذي يعكس تعب اللّبنانيين منها ورغبتهم في تجاوزها وإدراكهم لحجم السلبيات المترتّبة على منطقها، ثمّة مفارقة بين ما يتطلّع إليه اللبنانيون من ناحية وما يسعون إليه فعليًّا من ناحية أخرى. وهذا ما يحتاج إلى تفسير، وفي هذا الإطار نتساءل لماذا تبدو وكأنّ مآساة اللبنانيين مع الطائفية لا تنتهي؟ ولماذا تبدو آليات التطور الاجتماعيّ – السياسيّ وكأنّها معطّلة وعاجزة عن تطوير ذاتها؟
ونرى وجود مستويات متعدّدة من المعالجة، فالمستوى الذي يرتبط بالأحزاب، يتّصل بجانب جوهري من الأزمة. إذ إنّ الأحزاب الفاعلة والأساسيّة في لبنان هي نتاج الطائفيّة وهي بدورها من أدوات إعادة إنتاجها واستمراريتها.
ويعدُّ أنّ الإشكاليّة ستكون أكثر تمظهرًا إذا لحظنا وجود تشكّل كتلة اجتماعيّة – سياسيّة عابرة للطوائف، وهي ما تزال في طور عفويّ تلقائيّ من التّعبير عن الذّات. في حين أنّ الإطار السياسيّ الذي يعبّر عن هذه الكتلة ما يزال غير متوفّر، وإذا توفّر بعض الأطر التي تنطبق عليها العناوين السياسيّة العابرة للطوائف… فإنّها ما تزال دون القدرة على التحوّل إلى معبر فعلي عن تلك الكتلة المشار إليها، لأن التّجذر الطائفي في المجتمع والدولة يمنع بروز أطر مدنية مناقضة للأهداف السياسية للطائفيّة في لبنان.
إنّ غياب الإطار السياسيّ الوطنيّ الفاعل العابر للطوائف يشكّل ركيزة استمرار هيمنة البنيّة الطائفيّة ويقطع على الرهانات الاجتماعيّة أن تتحوّل إلى رهانات سياسيّة فاعلة. أمّا من زاوية سوسيولوجيّة فلا يكفي توفّر نخبة لبنانيّة تبادر إلى تشكيل الإطار السياسيّ الوطنيّ العابر للطوائف، بل لا بدّ من قيادة وطنيّة على صورة قائد فرد يكرّس مصداقيّته الوطنيّة ويكتسح حواجز الطوائف ويمتلك القدرة على الاستقطاب الشّعبيّ العارم، ويشكّل هذا أوّل الشّروط الموضوعيّة لولادة هذا الإطار إلى جانب شروط أخرى.
الطائفيّة السياسيّة، كما مرّ معنا، هي عصبيّة سياسيّة تقوم على توظيف العصبيّات الطائفيّة في المجال السياسي، فلا يمكن القضاء على الطائفيّة السياسيّة إلاّ بالقضاء على الطائفيّة نفسها. ولكون الطائفيّة عصبيّة، نابعة من حالة نفسيّة وذهنيّة ونمط في التّفكير والسلوك، تغذّيه أوضاع اجتماعيّة وسياسيّة وتربويّة واقتصاديّة يصبح من غير المنطقي استخدام مصطلح إلغاء الطائفيّة السياسيّة، لأنّه لا يمكن إلغاء الطائفيّة إلاّ عن طريق معالجة الأسباب التي أدّت إلى قيامها كعصبيّة. والمعالجة هذه ينبغي أن تأتي في سياق عمليّة إصلاحيّة شاملة تضع المجتمع والدّولة على طريق تجاوز الطائفيّة. فالإلغاء يأتي بقرار، بينما التّجاوز يحصل في مسار يتطلّب رسم سياسات وخطط ووضعها موضع التنفيذ، وقد نصّت المادة 95 من الدستور على إنشاء الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسية، وكان من المفترض استخدام تعبير تجاوز الطائفيّة، خاصة أنّ الدستور أناط بهذه الهيئة مهمّة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفيّة وتقديمها إلى مجلس النوّاب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحليّة (عصام، 1991، الصفحات 37 -38). أمّا ما يقوله البعض من إلغاء للطائفيّة السياسية فورًا، ففيه الكثير من الانجذاب بالشّعارات التي لا تغيّر الواقع، وقد تؤدّي إلى تفاقمه. فتوزيع المقاعد النيابيّة والحقائب الوزاريّة والرئاسات الثلاث على الطوائف في المرحلة الحاليّة، يحول دون تفجّر الصراعات على هذه المواقع بين الطوائف في ظل استشراء العصبيات الطائفيّة، على الرّغم من أنّه يستخدم من قبل السياسيين لتغذية هذه العصبيات.
لعل الحل المنشود يكمن في صياغة قانون انتحابي ينتج مجلسًا نيابيًّا خارج القيد الطائفي، يكون للمواطن فيه كلمة الفصل في اختيار ممثلي الأمة (الشعب اللبناني)، لا ممثلي المصالح الفئوية والمصالح السياسية للطائفيين، وبناء دولة مدنية على مستوى السلطة والمؤسسات تطبق فيها معايير الكفاءة والجدارة عوضًا عن نظام المحاصصة الطائفي وعندها يسود منطق القانون والعدالة وفق نظرية التعاقد الاجتماعي السائدة في الدول الحديثة.
مراجع البحث
- إسكندر، ب. (2006)الطائفيّة في لبنان إلى متى؟ ا. الطبعة الأولى، بيروت: المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر.
- الاجتماع، ق. ع. (1997) المدخل إلى علم الاجتماع. الأردن: دار الشروق.
- الجسر، ب. (1978)ميثاق1943 لماذا كان؟ وهل سقط؟. بيروت: دار النهار.
- الحاج، ك. (1961) الطائفيّة البناءة أو فلسفة الميثاق. بيروت.
- إسكندر، ب. (2006) الطائفيّة في لبنان إلى متى. ا. الأولى بيروت: المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر.
- الاجتماع، ق. ع. (1997) المدخل إلى علم الاجتماع. الأردن: دار الشروق.
- الجسر، ب. (1978) ميثاق1943 لماذا كان؟ وهل سقط؟ بيروت: دار النهار.
- الحاج، ك. (1961) الطائفيّة البناءة أو فلسفة الميثاق. بيروت.
- الحص، س. (2003) نحن والطائفية ا. الأولى، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.
- الرازق، ع. ع. (1999) أسس علم الاجتماع الجزء السادس والعشرون. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.
- العروي، ع. ا. (1993) مفهوم الدولة. ا. الخامسة، المركز الثقافي العربي.
- بشير، إ. (2006) الطائفية في لبنان إلى متى؟ ا. الطبعة الأولى، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.
- بيضون، أ. (9(1998-199 مسائل من تاريخ لبنان. لبنان معهد العلوم الاجتماعية المركز الجامعي للطباعة.
- بيضون، أ. ((1998-1999 مسائل من تاريخ لبنان. بيروت: الجامعة اللبنانيّة، معهد العلوم الاجتماعيّة، المركز الجامعي للطباعة.
- بيضون، ا. ((1999 مسائل في تاريخ لبنان تاطبعة الأولى لبنان: الجامعة اللبنانية – معهد العلوم الاجتماعية.
- ترحيني، م. ((1981 الأسس التاريخية لنظام لبنان الطائفي. بيروت: دار الآفاق الجديدة.
- حلاق، ح. (1988)الأبعاد الطائفيّة والسياسيّة في مواقع الحكم والسلطة في لبنان. بيروت: الدار الجامعية.
- خليل، ف.2012) ) الثورة سرديّة وطنيّة. ا. الطبعة الأولى، بيروت: دار الفارابي.
- سنو، ع. ا. (2008) حرب لبنان 1975 – 1990)) تفكّك الدولة وتصدع المجتمع. ا. الطبعة الأولى، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.
- شرارة، و. (1975) في أصول لبنان الطائفي، خط اليمين الجماهيري. ا. الطبعة الأولى، بيروت: دار الطيعة.
- شيحا، م. ( (2004لبنان في السياسة الداخلية. ا. الطبعة الأولى، أ. بيضون، دار النهار.
- عامل، م. (2003) في الدولة الطائفيّة. ا. الطبعة الثالثة، بيروت: دار الفارابي.
- عصام، س. (1991) الفيدراليّة والمجتمعات التعدّدية. ا. الطبعة الأولى، لبنان: دار العلم للملايين.
- عطية، ع. (1992) المجتمع، الدّين، والتقاليد، بحث في إشكاليّة العلاقة بين الثقافة والدّين والسياسة الفصل الثالث. ا. الطبعة الأولى، طرابلس: منشورات جروس برس.
- قرم، ج. (2001) لبنان المعاصر تاريخ ومجتمع. ا. الأولى، بيروت: المكتبة الشرقيّة.
- نصّار، ن. (1995) نحو مجتمع جديد، مقدمات أساسية في نقد المجتمع الطائفي. بيروت: دار الطليعة.
- وآخرون، ب. م. (1996) الأحزاب والقوى السياسيّة في لبنان. ا. الطبعة الأولى، لبنان: المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي.
- للاطّلاع على الفكر السياسي لـميشال شيحا ونظرته إلى الطوائف في لبنان، ونقد هذه النّظرة راجع التّحليل الذي عرضه فواز طرابلسي في كتاب خاص حمل عنوان: صِلات بلا وصل ميشال شيحا والأيديولوجيّة اللبنانيّة، ط1، دار رياض الريس للكتب والنشر، 1999م، ص 182 – 184.
- يعدُّ ناصيف نصار في هذا السياق أنّ الطائفية في لبنان ليست ظاهرة شعبيّة أو جزئيّة، بل ظاهرة إجتماعيّة كليّة، تؤلّف نظامًا كاملاً له أساسه وأركانه ودعائمه في جميع قطاعات المجتمع، ناصيف نصار، نحو مجتمع جديد، مقدّمات أساسية في نقد المجتمع الطائفي، ط5، دار الطليعة، بيروت، 1995م، ص 111.
- المادّتان 9 و10 من الدّستور لعام 1926م.
- الجمهوريّة اللبنانيّة، مجموعة المراسيم الاشتراعيّة والتنظيميّة، الجزء الأول، 1964 م، ص 170.
1- أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة – قسم العلوم الاجتماعيّة.