التّحوّل الرّقمي في صلب التّحوّلات والاستراتيجيات
Digital transformation is at the heart of transformations and strategies
Marwan EL Asmar مروان الأسمر([1] )
تاريخ الإرسال:31-1-2024 تاريخ القبول:10-2-2024
الملخص:
يندرج الاهتمام من الدّول كافة بدراسة تأثير التّحوّل الرّقمي على النّظام الدّولي، لتقديم تصور للعلاقات الدّولية في كليتها في ظل الفضاء السّيبراني، وما يصاحبه من ظواهر جديدة، علاوة على أهميّة تفسير سلوك وسياسات الوحدات المكونة للنّسق الدّولي، واهتمامها بقضايا التّحوّل الرّقمي في ظل قدرتها على التأثير على المستوى الدّولي. للوقوف على نمط التفاعلات والعلاقات بين الوحدات الأساسية الموجودة بالنسق العالمي، نطرح جملة أسئلة، فهل يغلب عليها الصراع أم التعاون، أم التكامل أم خلقت أنماطاً مستحدثة من التفاعلات في ظل هذا الفضاء السيبراني؟
تبعاً لما تقدم، وبغية إحاطة الموضوع من جوانبه كافة ، حتّم علينا معالجة النّقاط الجوهرية كافة حول ماهيّة هذا التّأثير، بوحداته وبنيته وهيكله والتّفاعلات بين وحداته المختلفة، والعمليات الدّولية، والمؤسسات الدّولية والقواعد المنظمة داخل النّسق الدّولي. بشكل تجيب على عدة تساؤلات فرعيّة وهي الآتية:
- ما هى الوحدات الدّولية الفاعلة في التّحوّل الرّقمي والنّظام الدّولي؟
- ما هى إتجاهات التكنولوجيا الرقميّة في النّظام الدّولي ذات الفضاء السيبراني؟
- ما هو تأثير التّحوّل الرّقمي على هيكل النّظام الدّولي؟
- هل تتأثر بعض المبادئ المنظمة للنظام الدّولي والمنظمة الأممية بفعل التّحوّل الرّقمي؟
من هذا المنطلق جرى تقسيم المطلب لفرعين رئيسين يتناول الأول: التّحوّلات الحديثة في إتجاهات التكنولوجيا الرقميّة، أما الثّاني: فيناقش الاستراتيجيات الرقميّة على مجموعة المؤسسات الدّولية والتّغير الذي أحدثتها على هيكل النّظام الدّولي.
للاإجابة عن هذه الاشكاليّة اعتُمِد المنهج الوصفي التّحليلي المستند على جمع البيانات والمعلومات.
الكلمات المفتاحية: التّحوّل الرّقمي – تكنولوجيا المعلومات – التكنولوجيا الرقميّة – الاستخدام الرّقمي – الاستراتيجيات الرقميّة – السياسات العامة – الفضاء السيبراني.
Abstract:
The interest of all countries falls in studying the impact of digital transformation on the international system. To provide a vision of the entirety of international relations in light of cyberspace, accompanied by new phenomena, in addition to the importance of explaining the behavior and policies of the units that make up the international system, and their interest in the issues of digital transformation in light of their influencing ability at the international level. To determine the pattern of interactions and relationships between the basic units in the global system, we ask a number of questions: Are they dominated by conflict, cooperation, or integration, or have they created new patterns of interactions in light of this cyberspace?
According to the above, and in order to cover all the aspects of this issue, we had to address all the fundamental points about this impact, and its units, structure, interactions between its various units, international processes and institutions and the rules regulating within the international system. It answers several sub-questions, which are the following:
– What are the active international units in digital transformation and the international system?
– What are the directions of digital technology in the international system related to cyberspace?
– What is the impact of digital transformation on the structure of the international system?
– Is there any of the principles regulating the international system and the United Nations that are affected by digital transformation?
From this standpoint, the request was divided into two main sections. The first deals with recent transformations in digital technology directions, while the second discusses digital strategies on the group of international institutions and the change they have made in the structure of the international system.
To answer this problem, the descriptive analytical approach was adopted, based on collecting data and information.
Keywords: digital transformation – information technology – digital technology – digital use – digital strategies – public policies – cyberspace.
فرع أول: التّحوّلات الحديثة في اتجاهات التكنولوجيا الرقميّة وسلوك المستخدمين
يحظى التّحوّل الرّقمي باهتمام العديد من الباحثين خاصة مع ظهور النّظام الاقتصادي العالمي الجديد، وفي هذا السّياق، اهتم علماء السياسة بتفسير هذه القضايا، الأمر الذي خلق ساحة من الجدل والنّقاش حول تأثير التكنولوجيا على شكل النّسق الدّولي، وما يتضمنه من وحدات ومؤسسات وبنية وتفاعلات وعمليات عالميّة تقع في نطاقه.
جاءت ثورة المعلومات لتتحدى الافتراض الأساسي للمدرسة الواقعيّة القائل إنّ الدّول هي أقوى الجهات الفاعلة، وأهمّها في السياسة الدّولية. فتتحدى المعلوماتيّة أسبقيّة الدّولة، بسبب زيادة مشاركة الجهات الفاعلة غير الحكوميّة التي تهدد ديناميكيات السّلطة التّقليديّة[i].
على الرّغم من أن الدّول لا تزال هي الجهات الفاعلة الأكثر هيمنة عندما يتعلق الأمر بالتّحوّل الرّقمي. تؤدي الجهات الفاعلة غير الحكوميّة والأفراد دورًا، لكن تكتيكاتهم كانت عمومًا غير فعالة أو استخدمت كغطاء للدّول القوميّة التي تسعى لإخفاء أفعالها، لأنّ الدّول يمكنها على نحو أفضل من غيرها من الفاعلين الدّوليين استثمار أدوات التّعامل الرّقمي وتوظيفها لتحقيق أهدافها الوطنيّة، كما يمكنها رفع قدرات القوى العاملة بالمجال، علاوة على الانفاق على البحث العلمي البحث والتّطوير في مجال التّكنولوجيا.
اتساقًا مع ما ذكره، فقد انشغل علماء السياسة بالوقوف على ماهيّة الوحدات الفاعلة في ظل النّظام العالمي الجديد الذي يحتل فيه مفهوم الأمن السّيبراني ثقل على الصعيد الدّولي. فهناك من عدّ أنّ التّحوّل الرّقمي له تأثير على الفاعلين العاملين بالنّسق الدّولي، وهناك من عدّه محفزًا لظهور فاعلين جدد، لكونه فاعلًا في التّنظيم الدّولي وله اتجاهاته في الاستخدام على المستوى الدّولي، وسنأتي على تفصيل ذلك ضمن قسمين الأول يتناول القسم الأول: اتجاهات التّحوّل التكنولوجي الرّقمي، فيما القسم الثاني: يتناول التّحوّلات في الاستخدام الرّقمي على المستوى الدّولي.
أولاً: اتجاهات التّحوّل التكنولوجي الرّقمي: مصطلح التكنولوجيا يتكون من جزئيين هما: “تكنو” وهي مشتقة من اللفظ اليوناني القديم وتعني فن الصناعة أو العمل، والثاني لفظ “لوجيا” وتعني العلم أو المنهج وكلمة “تكنولوجيا” تعني العلم التّطبيقي للنواحي الصناعة. وهناك من يرى أن التّكنولوجيا تعني الاستخدام الأمثل للمعرفة العلميّة وتطبيقاتها وتطويعها لخدمة الإنسان ورفاهيته.
أمّا معجم (Webster) فيعرفها أنّها “اللغة التقنيّة والعلم التّطبيقي والطريقة الفنيّة لتحقيق غرض عملي؛ إذن يمكن تعريف التكنولوجيا أنّها ذلك العلم الذي يهتمّ بعمليّة التّطبيق المنهجي للبحوث، والنّظريات وتوظيف عناصر بشرية وغير بشرية في مجال معين لمعالجة المشكلات، وتصميم الحلول المناسبة لها وتطويرها لتحقيق أهداف محددة[ii].
التكنولوجيا اصطلاحًا: يشير مفهوم التكنولوجيا إلى أنّ”المعلومات أو الأساليب والعمليات التي من خلالها تحوَّل المدخلات في أيّ نظام إلى مخرجات، كما يشير هذا المفهوم إلى المعرفة الفنية كجزء أساسي من التكنولوجيا” فهي تلك الحزمة من المعلومات بما في ذلك المخترعات وبراءة الاختراع والعلامات التّجاريّة وحقوق الملكية الصناعيّة الأخرس التي تتناول المعرفة الفنية وتسويقها[iii].
تعريف جمال أبو شنب للتكنولوجيا: هي “الجهد المنظم الرّامي لاستخدام نتائج البحث العلمي في تطوير أساليب أداء العمليات الإنتاجيّة، بالمعنى الواسع الذي يشمل الخدمات والأنشطة الإدارية والتّنظيميّة، وذلك بهدف التوصل إلي أساليب جديدة يفترض أنّها أنفع للمجتمع”.[iv]
وتُعرّف التكنولوجيا أيضًا: أنّها التّطبيق العملي للاكتشافات، والاختراعات العلمية المختلفة التي يُتوَصل إليها من خلال البحث العلمي، وأنّها مجموعة من المعارف والخبرات المتراكمة والوسائل المادية والإداريّة التي يستخدمها الإنسان في أداء عمل أو وظيفة معينة لإشباع حاجاته الماديّة.[v]
حدد الدكتور زاهر أحمد مفاهيم التكنولوجيا في ثلاثة أقسام وهي:[vi]
- التكنولوجيا كعمليّة: وتعني التّطبيق المنظم للمحتوى العلمي، أو المعلومات بغرض أداء محدد يؤدي إلى حل لمشكلة معينة.
- التكنولوجيا كمنتج: وهي محصلة لتطبيق الأساليب العلمية والتي تعمل علي المساعدة في إنتاج الآلات التكنولوجيّة.
- التكنولوجيا كمزيج للأسلوب والمنتج: يتضح أنّ عمليّة الاختراع تصاحبها عملية إنتاج، ولا يمكن فصل التكنولوجيا كأسلوب عنها كمنتج، وأفضل مثال على ذلك الحاسب الآلي.
انطلاقًا مما ورد في التعريفات أعلاه وربطًا بالتّطورات على مستوى العالم منذ بداية هذا القرن، وعلى مدى السنوات الماضية، أصبح تعبير “التّحوّل الرّقمي”، بوصفه المرحلة الأحدث من التّكنولوجيا، يتردد في القطاعات المختلفة على المستويات جميعها، استوعبه البعض وتفهمه؛ فأصاب في تقديره وقرر المشاركة فيه، والبعض الآخر ردَّده كنوع من إظهار التّحضر، ومواكبة التّطور الذي يحدث في العالم وعلى مستوى الحكومات ومجالات الأعمال والصناعة رُصِدت الميزانيات، واعتُمِدت الاستثمارات؛ وقد أصبح حقيقة واقعة لا بدَّ للجميع التّعامل معها، فلن يكون هناك خَيار آخر أو بديل لها.
وقد بدأت “الرقمنة” في الظهور في أواخر القرن الماضي، وتزامن ذلك مع بدايات انتشار أجهزة الكمبيوتر واّستخدام الإنترنت. وعلى الجانب الآخر، فإنّ تطور أجهزة التليفونات المحمولة الذّكيّة وتقنياتها وتطبيقاتها، أدَّى إلى تسارع الطلب على الرّقمنة تسارعًا ملحوظًا، وانعكس ذلك فورًا على مجالات الأعمال والصناعة والخدمات؛ ما أدّى إلى تزايد الحاجة إلى التّحوّل الرّقمي.
التّحوّل الرّقمي هو اعتماد واستخدام الأدوات والوسائل التكنولوجيّة لرقمنة المنتجات أو الخدمات التي تقدمها القطاعات المختلفة، ويكون ذلك بتحويل البيانات الخاصة بها إلى هيئة رقميّة (صفر/1)، ويمكن التّعامل معها إلكترونيًّا باستخدام الحواسيب، سواء بالتّصنيف أم بالتخزين، ثم استدعاؤها وتبادلها واستنباط المعلومات المفيدة منها بهدف زيادة قيمتها وسهولة تسويقها، وتحسين الخدْمات والمنافسة وخلق الفرص. واتفق الجميع على أنّ ركائز التّحوّل الرّقمي الثلاث هي: العنصر البشري، والتكنولوجيا، والعمليات المرتبطة بهما في هذا الخصوص[vii].
لكن هذا التّطور التكنولوجي يرافقه تحديات كثيرة، لجهة قيام الدّول والشّركات والمؤسسات بمواكبة التّحوّل الرّقمي والاعتماد عليه، وقد ظهر ذلك من خلال التّقرير الذي أعدته شركة ” Gartner” ولاحظت بموجبه الى أنّه على مستوى العالم في العام 2020 تبيّن أنّ 51٪ من المؤسسات تشارك في شكل من أشكال التّحوّل الرّقمي و87٪ من كبار قادة الأعمال يقولون إنّ الرقمنة تمثل أولوية. كما وجدت مجموعة “إيفرست” أن 78٪ من الشّركات تفشل في مبادرات التّحوّل الرّقمي الخاصة بها. ومع ذلك توافقت تنبؤات التّحوّل الرّقمي جميعها على شيء واحد، وهو أنّ الرقمنة تخلق فرصًا أكثر من أيِّ وقت مضى، ولكنّها في الوقت ذاته تتطلب عقلية جديدة واستعدادًا لاحتضان التّغيير[viii].
لعل أبرز الاتجاهات للتّحول الرّقمي، المعتمدة على الصعيد العالمي والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض، تقوم على جمع البيانات والمعلومات، ومراكز الحوسبة السّحابيّة كونها المكان الذي سيستقبل هذه البيانات ويتعامل معها، والبنيّة التّحتيّة التي ستوفر وسائل المرور لهذه البيانات، واتجاه الذكاء الاصطناعي، بوصفه التّقنيّة الأكثر استفادة من تطور التّعامل مع البيانات، ثم تطبيقات التكنولوجيا العصبيّة. وسنأتي على تفصيلها كالآتي:
بند أول: التّركيز على البيانات
مع زيادة انتشار وسائل التّواصل الاجتماعي أصبحت البيانات هي “السّلعة” الأكثر أهميّة، والأكثر قيمة للشركات العملاقة، وبالذّات شركات تكنولوجيا المعلومات مثل “فيسبوك، وجوجل، وتويتر”. ونستدل على ذلك بما جاء في تقرير لشركة “Statista” الألمانيّة المتخصصة في أبحاث السّوق والمستهلكين، والذي أفاد أن عدد مستخدمي “فيسبوك” تعدَّى رقم مليارين وثلاثمائة مليون مستخدم، و”الواتساب” ملياري مستخدم، و”انستجرام” نحو المليار ونصف المليار مستخدم (هذه التّطبيقات الثلاثة السابقة يملكها شخص واحد فقط وهو “مارك زوكربيرج” مؤسس فيسبوك[ix].
وفي تقرير آخر صدر من الشركة نفسها في منتصف شباط 2023 أفاد أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العام 2022 تعدى 4 مليارات و260 مليون مستخدم، مثَّلوا (54%) من عدد سكان العالم، ولكن المعلومة الأكثر أهمّيّة أن هذه الشّركة المتخصصة تتوقع أنه بحلول العام 2027 سيصبح عدد مستخدمي وسائل التّواصل الاجتماعي نحو 6 مليارات مستخدم، يمثلون (72%) من عدد سكان العالم، بما يعني أن عدد المستخدمين سوف يزداد بمقدار الثلث في 6 سنوات فقط![x]
أنّ التّعامل مع بيانات وسائل التّواصل الاجتماعي من تجميع الكميات الهائلة منها وتصنيفها وتخزينها، ثم تحليلها باستخدام الأساليب العلميّة والأنظمة والخوارزميّات المخصصة لذلك، هو الأساس لفهم أنماط المستخدمين وتجميع أفكارهم، ثم الاستفادة من نتائج تحليل هذه البيانات في العديد من الاتجاهات، مثل: حملات التّسويق الرقميّة في مجال الأعمال، ودعم مرشحين بعينهم في الانتخابات بمختلف مستوياتها، وصولًا إلى التّنبؤ بالأحداث المستقبليّة في مجال الحوكمة والإدارة. وهذا التّركيز على البيانات في التّعامل معها والاستفادة منها، سيكون هو أحد الاتجاهات الرئيسة في العام القادم لمجال التّحوّل الرّقمي في الاهتمام بها وزيادة استثماراتها[xi].
بند ثانٍ: مراكز البيانات والحوسبة السحابيّة
تعتمد معظم المؤسسات بشكل كبير على البيانات لإدارة عملياتها اليوميّة، بصرف النّظر عن الصناعة، أو مجال الأعمال، أو حتى طبيعة البيانات التي تُتداول. يمكن أن تحتوي هذه البيانات على مجموعة واسعة من التّطبيقات التي تساعد في اتخاذ قرارات العمل، وتحديد الأنماط والنّماذج بغرض تحسين الخدمات المقدمة. وارتباطًا بالاتجاه السّابق بأنّ البيانات سوف تحصل على اهتمام ملحوظ في الأعوام المقبلة، فمن المتوقَّع أن يكون إنشاء مراكز البيانات ومراكز الحوسبة السحابيّة ضمن الاتجاهات التي سيُركَّز عليها؛ لارتباطها الوثيق بالبيانات نفسها[xii].
وتتمحور فكرة مراكز البيانات أو الحوسبة السّحابيّة حول مفهوم “التعهيد” الذي يعني نقل أعباء أعمال الحوسبة المعقدة من تداول البيانات وتصنيفها وتخزينها، وإجراء العمليات الحسابيّة خارج أماكن العمل، وإسنادها لجهة أو كيان متخصص.
بند ثالث: الذكاء الاصطناعي
نعيش حاليًّا عصر الذّكاء الاصطناعي، هذه التّقنيّة التي أعلن عنها العالم الأمريكي “جون ماكارثي” أثناء ورشة عمل بكلية “دارتموث” في صيف 1956 بولاية “نيو هامبشير” الأمريكيّة، فكانت هي الحدث التّأسيسي للذكاء الاصطناعي واعتماده لأول مرة كمجال علمي وبحثي. ثم عاصر هذا المجال ما سُمِّيَ بـشتاء الذّكاء الاصطناعي” AI Winter” لوجود ثلاثة معوقات أساسيّة آنذاك: عدم جاهزية البنيّة التّحتيّة للاتصالات، والنّقص الشّديد في عدد خبراء التّعامل مع البيانات الضخمة، وعدم توفر القدرة الحاسوبيّة المناسبة التي تستطيع التعامل مع هذا الحجم من البيانات في الوقت الذي تكون تكلفة هذه القدرة في متناول من يعمل في هذا المجال[xiii].
ثم جاء القرن الحادي والعشرون ليعلن بداية انفراج الأزمة، وأصبح كل شيء جاهزًا ليمهد الطّريق لانطلاق الذّكاء الاصطناعي. فالجيل الخامس للاتصالات يستطيع تحمُّل التّعامل مع حجم بياناته، كما تأهَّل الآلاف من خبراء البيانات الضخمة، والقدرات الحاسوبيّة الكبيرة أصبحت في متناول الجميع.
بند رابع: التكنولوجيا العصبيّة
منذ إعلان الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك” عن إنشائه شركة “نيورالينك” المتخصصة في مجال التّقنيات العصبية العام 2016، والتي يتركز نشاطها في تطوير شرائح إلكترونيّة قابلة للزرع في المخ البشري؛ لكي تعمل كواجهات اتصال بينه وبين الحواسيب، والجدل مُثَار حولها، ولا يزال العاملون في هذا المجال يتساءلون عن الهدف الحقيقي من وراء إنشاء هذه الشركة. ثم جاء رد السيد “ماسك” وأفاد أن هذه التّكنولوجيّا يمكن أن تساعد في دراسة الاضطرابات العصبيّة التي تصيب الإنسان وعلاجها، مضيفًا أنّ الشّركة قد تمنح ذوي الإعاقة القدرة على الحركة والتّواصل من جديد، واستطرد أنّه في الأعوام القليلة الماضية أجرت هذه الشّركة تجاربها على الحيوانات، وتسعى حاليًّا للحصول على موافقة الجهات التّنظيميّة الأمريكيّة لبدء التّجارب على البشر[xiv].
ثم جاء إعلان السيد “إيلون ماسك” الأخير، في 30 نوفمبر 2022، بالقول إن من المتوقَّع بدء تجارب زرع “شريحة داخل المخ البشري” باستخدام جهاز تطوره شركة “نيورالينك” المتخصصة في صنع هذه النّوعيّة من الشرائح في غضون ستة أشهر. وهذه التّطبيقات والتّجارب على البشر باستخدام أدوات “نيورالينك” سيكونان استعادة البصر، وإتاحة الحركة لعضلات الأشخاص العاجزين عن ذلك”. واستطرد قائلًا: “حتى لو لم يكن الشّخص مبصرًا أبدًا، كأن يولد أعمى، فنحن نعتقد أنه لا يزال باستطاعتنا إعادة البصر له”[xv].
ثانيًا: التّحوّلات في الاستخدام الرّقمي على المستوى الدّولي
نمت التكنولوجيا الرقميّة أضعافًا مضاعفة وصار استخداماتها على مستوي دولي، كما أنّ اتصالها صار مستمرًا في كل مكان، ووصل إلى كثير من البشر بفضل استحواذهم الشّامل على الهواتف الذّكيّة وما يترتب على ذلك من إمكانيّة الوصول إلى المعلومات، الشبكات الاجتماعيّة، والترفيه السمعي والبصري. كما أن تسريع التّقدم الفني في استخدام العالم الرّقمي الأجهزة والتّطبيقات باستخدام الحوسبة السحابيّة، تحليل البيانات الضخمة، تكنولوجيا البلوكشين، أو الذكاء الاصطناعي.
إنّ الثورة التكنولوجيّة الحديثة اقترنت بالتّغيير في استراتيجيات الشركات منذ طليعة استخدام التكنولوجيا الرقميّة لزيادة دور المنصات العالميّة بشكل كبير. وكان من نتيجة ذلك بزوغ تلك القوة الاقتصاديّة والسياسة المفرطة للمارسة والسّيطرة من قبل ما لا يزيد عن عشرين شركة أو نحو ذلك المبنيّة في دولتين أو ثلاثة قوي عالمية، بجانب مجموعة صغيرة جدًا من الشركات برأسمال سوقي يقارب أو يزيد عن تريليون دولار أمريكي.
وقد تماشي التقدم التكنولوجي أيضًا مع النتائج السلبيّة التي تتمثل في استبعاد جزء كبير من شعوب العالم وخاصة الشّعوب الناميّة من فوائد الرّقمنة. إذ إنّ دخلهم منخفض جدًا بالنسبة إليهم بغية الوصول لاتصال هادف مرتبط بجودة عالية إلى جانب عدم الوصول إلى الأجهزة، والأدوات المحتاج إليها التي ترتبط بتوصيلات منزلية ثابتة، بالإضافة لعدم القدرة في استخدام التطورات التّكنولوجيّة الرقميّة المتقدمة نتيجة لقصور التدريب والتّعليم المرتبط بها. وقد أدى ذلك كله لوجود فجوة طلب التّوصيل والاستخدام. كما تفاقمت مشكلات أخرى، مثل انتشار الأخبار الكاذبة والهجمات السيبرانبة، والخطر المتزايد على خصوصيّة وأمن البيانات الشّخصيّة، وإنتاج واسع النطاق للنّفايات الالكترونيّة[xvi].
الخلفية العالمية للتوازن الذي لم يُحلّ بين فوائد، وتكاليف الرقمنة صار أكثر مما كان عليه من قبل. كما أن الصراعات الجيوسياسيّة ترتكز في كثير من الأحيان على براءات الاختراع الرقميّة والمعايير والإنتاج التي أضعفت بشكل ملحوظ في عمليات اتخاذ القرارات والإجراءات المتعددة الأطراف. وتصاعدت الأزمة البيئية في إطار طوارئ بيئية أو طبقاً لبعض المحللين في كارثة بيئية. كما أن الزيادة في عدم المساواة في كثير من دول العالم، واستبعاد الفئات السكانية الضعيفة جعل الأمر أكثر صعوبة لبناء نظم سياسية واجتماعية قادرة على توجيه التطوير الرّقمي بشكل مقبول ومناسب.
يتضح من الشكل السابق تعدد تصنيفات الفاعلين من غير الدّول في التّحوّلات الرقميّة؛ ما بين الدّول القومية الفاعل التقليدي في العلاقات الدّولية، والفاعلين من غير الدّول. وقد خلق هذا التّحوّل فاعلين جدد مستحدثين كقوى وسائل التواصل الاجتماعي، في حين نجد فاعلين أخرين لا يرتبط وجودهم بخصوصية الفضاء السيبراني، وإنما استفادوا مما خلقه من أدوات وآليات ليزداد دورها في السّاحة العالميّة؛ إيجابًا كالشّركات متعددة الجنسيات على سبيل المثال، أو سلبًا كالجماعات المنظمة وهذا الاستخدام في التّحوّلات الرقميّة على المستوى الدّولي تظهر من خلال الإتجاهات التالية:
بند أول: تفعيل طرق إتخاذ القرار
ويمكن القول إن ظهور التكتلات الاقتصادية، كفاعل دولي داخل النّسق العالمي يطرح إشكاليّة بشأن مدى استقلاليتها عن الدّول الصناعية الكبرى؛ فالسّلطة النّهائيّة لاتخاذ قرارات هذه التّكتلات وتنفيذها يعتمد على التأييد الذي تمنحه الدّول الأعضاء لها، ودرجة استقلاليتها تتفاوت، وبالتبعيّة تتفاوت درجة تأثيرها في العلاقات الدّولية وتعتمد على عوامل عديدة منها طبيعة النّظام الدّولي، ومدى وجود عجز اقتصادي، ومدى التّناسق بين أعضائها ودرجة التّفاهم على عناصر سياسيّة للعمل، وكذلك قدرتها على بلورة سياسة ماليّة واقتصاديّة مستقلة[xvii].
وقد أبرز إنتشار الأوبئة وتحديدًا جائحة كوفيد – 19 مشكلات عدة، دفعت العالم إلى أسوأ أزمة اقتصاديّة منذ الحرب العالميّة الثانية، ومع كل الآثار السلبيّة على الوظائف والأجور والمقاومة ضد الفقر وعدم المساواة. وقد أدّت التكنولوجيات الرقميّة دورًا رئيسًا في مخاطبة الآثار النّاجمة من تفشي الجائحة. وعلى الرغم من ذلك، فالفوائد النّاجمة من استخدام التكنولوجيات الرقميّة ما زالت محدودة وفي ما يتعلق بالمساوة الاجتماعيّة، عدم تجانس المنتجات، والقدرة التّنافسيّة المنخفضة، أو تقييد الوصول إلى البيانات وإدارة المعلومات، وكل ذلك بجانب عوامل أخرى.
وهكذا تنتج الفرص والتّحديات الجديدة أمام الدّول النّامية التي تضررت من أزمة انتشار الوباء، وسيتعين عليها مواجهة مشكلات طويلة الأجل من نقطة ضعف هيكليّة. وسيحتم على تلك الدّول التّغلب على تلك المشكلات طويلة الأجل التي تبطئ النّمو الاقتصادي، مع هبوط الاستثمار وركود الإنتاجيّة. بينما وفي الوقت نفسه وبقوّة من جديد يجب النّضال ضد الفقر وعدم المساواة. وللتغلب على تلك المشكلات يجب الشّروع في دفعة كبيرة للاستدامة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة ما يؤدي إلى تغيير تدريجي مبني على تبسيط عمليات خلق وإدماج التكنولوجيا الرقميّة لتنويع نظم الإنتاج. وبات يحتمّ على الدّول وجوب اتخاذ قرار بمواجهة هذه الخلفية، عبر نشر واستخدام التكنولوجيات الرقميّة على كل من المستوي الوطني والمستوي المحلي للدولة من أجل مساندة أبعاد التنمية. والتحرك تجاه مجتمع رقمي مستدام وفقًا لسياسة الدّولة المعلنة في إطار التأثير المنهجي لٌلاضطراب الرّقمي[xviii].
لا نجد هنا أي اختلاف على أهمية زيادة عدد مستخدمي تطبيقات الوسائل الاجتماعيّة للشركات العملاقة من حيث تأثيرها الإيجابي على قيمتها التّسويقيّة والسّوقيّة، إلَّا أنّ الأكثر أهمّيّة حاليًّا وما تسعى إليه هذه الشركات فعلًا هو الزيادة في حجم البيانات التي تتحصل عليها من هؤلاء المستخدمين للاستفادة منها تجاريًّا واجتماعيًّا وحتى سياسيًّا. فتطبيقات التّواصل الاجتماعي تتحصل على كميات كبيرة من البيانات من مستخدميها، ويكفي أن نعلم أن تطبيق “الواتساب” يتحصّل من أي مستخدم على عدد من البيانات والمعلومات قد يصل حتى 39 بيانًا أو معلومة، مثل: الاسم، وهُوية الجهاز، وهُوية المستخدم، وتاريخ تعاملات الشّراء، وأي معلومات مالية أخرى، بالإضافة إلى العنوان، ورقم الهاتف، والبريد الإلكتروني، وقائمة المسجلين على التليفون، ومعلومات عن المدفوعات، والصور والفيديوهات[xix].
بند ثانٍ: تطوير شبكات الاستخدام
مع انتشار مفهوم وتقنيات التّحوّل الرّقمي، وزيادة كميات البيانات المُنْتَجة، بالإضافة إلى تطور تطبيقات الذّكاء الاصطناعي والتّوسع في استخداماته في معظم القطاعات ومجالات العمل، فإنّ حجم البيانات المتداولة أصبح يتزايد بصورة لوغاريتميّة؛ ما جعل فكرة تعهيد التعامل معها لكيانات متخصصة فكرة أفضل اقتصاديًّا وفنيًّا، وأصبح الاستثمار في إنشاء مراكز البيانات والحوسبة أحد اتجاهات التّحوّل الرّقمي في الأعوام القادمة.
في هذا الخصوص، يتوقع أن يكون الجيل القادم من الاتصالات (السّادس) هو المعيار القياسي الجديد لأنظمة الهاتف المحمول، فهو قيد التّطوير حاليًّا وهو الخليفة المخطط له أن يحلّ محل الجيل الخامس. ومن المرجَّح أن يكون الجيل السادس أسرع بشكل ملحوظ من سابقه، ومن المحتمل أن تكون شبكاته شبكات خلوية عريضة النّطاق. هذا وقد أظهرت العديد من الشّركات العملاقة مثل: “أبل، ونوكيا، إريكسون، وهواوي، وسامسونج” اهتمامًا بشبكات الجيل السادس[xx].
ومن المتوقَّع أيضًا أن تكون شبكات الجيل السّادس أكثر تنوعًا من سابقاتها، ومن المرجَّح أن تدعم التّطبيقات التي تتجاوز سيناريوهات استخدام الهاتف المحمول الحاليّة، مثل: الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، وإنترنت الأشياء، والاتصالات الفوريّة من أي مكان في العالم. هذا التّطور في حجم البيانات وتداولها يحتاج إلى بنية تحتيّة للاتصالات تستطيع تحمُّل نقل هذا الحجم من البيانات وتبادلها، لأنّ الجيل الخامس للاتصالات الحالي بات غير مناسب بالشّكل الصحيح لتحمل عبء مرور البيانات والمعلومات بأنواعها، والقيام بدوره كبنية تحتيّة للاتصالات اللاسلكيّة.
يجب أن نشير هنا إلى مسألة مهمة باتت تهيمن على مستقبل البشريّة، وهو ما يتعلق بالذّكاء الاصطناعي، وتشير الدّراسات الى أنّ بعض البيانات الخاصة بهذا المجال سوف تؤمن ما يقارب 86 مليار دولار من حجم السّوق الإنتاجي، كما من المتوقع أن يصل حجم هذا السّوق بعد ثلاث سنوات (2027) إلى أكثر من 400 مليار دولار أمريكي بنسبة نمو تتعدى 36%. هذه الاستثمارات تتسابق شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة مثل شركات جوجل، وميتا الأمريكيّة، وهواوية الصينيّة، وسامسونج الكورية الجنوبيّة، وإس إيه بي الألمانيّة في توفيرها؛ اقتناعًا منها بأهمية الاستثمار في هذا المجال.
بالنهاية يمكن القول إنّ التّطور التّكنولوجي المتزايد حول العالم، يعزز الحاجة لتطبيق استراتيجيّة حديثة ومتطورة للتحوّل الرّقمي في المؤسسات والشركات العالمية كافة، لكونها توفر الآلية الصحيحة لتنظيم استقرار الأسواق وتحسين الإنتاجيّة مع ضمان كفاءة أعلى للمساهمين والشّركاء، إضافة الى أنّ تطبيق التّحوّل الرّقمي يساهم في مواجهة تغيرات السّوق ومتطلبات العملاء المتغيرة باستمرار. وهذه الاستراتيجيّة للتّحوّل الرّقمي وكيفية تطويرها سنأتي على ذكرها بالتّفصيل في الفصل الثاني من بحثنا.
فرع ثان: الاستراتيجية الرقميّة
إنّ تقدم المجتمعات الإنسانيّة المعاصرة، وقدرتها على معالجة المشکلات العامة المصاحبة للتطور السّريع المعقد رهن بمدى قدرة تلك المجتمعات على تصور المستقبل والتّخطيط له، وهذا ما يحتّم عليها تطوير الأنظمة الاقتصاديّة، السياسيّة، الاجتماعيّة، الأمنيّة والتّعليميّة من خلال نظرة مستقبليّة تراعي کل الأبعاد المحليّة والعالميّة، وتضع بذلك قدمًا ثابتة مؤثرة في تطوير البشريّة.
وبعد أن أصبحت التنمية بكل أبعادها، وأشكالها الهدف الأساسي لكل الدّول الغنية والفقيرة منها، ونتيجة لقصور القطاع العام في غالبيتها عن القيام بالدّور المنوط به ومواكبة التّطور التّقني والإلكتروني، عملت المؤسسات الخاصة العالميّة على تطوير قطاعاتها الاقتصاديّة عبر التّحوّل نحو الأنظمة المعلوماتيّة، والهدف من ذلك تخفيف عبء الدّولة في إدارة الوحدات العامة مباشرة ومواجهة مشاكل التّضخم، وتفاقم المديونيّة في الدّول النّامية وفتح باب المنافسة وزيادة الكفاءة والفاعليّة باستخدام التكنولوجيا، وتسخيرها لأداء مختلف النشاطات والوظائف والمعاملات بمرونة وسهولة، مع التّقليل بقدر الإمكان من التّكاليف.
التنمية المستدامة على مستوى الدّول تتطلب إيجاد فلسفة تنموية جديدة تساعد في التّغلب على المشكلات، ومحاولة ربط الأبعاد البشرية والبیئیّة في عملية التنمية المستدامة ولا سيما الأهداف المتعلقة بالحدّ من الفقر والجوع وتوفير الغذاء، الأمن، الصّحة، السّلام والعدالة. وذلك عبر وضع استراتيجيّة رقميّة واضحة، تكون الجوهر والدّافع لتطوير الدّول وزيادة نموها، وتؤمن المتطلبات التقنيّة للمؤسّسات والشّركات ومواءمتها، وتساعد في تطوير قدرات جديدة تتجاوز نطاق المؤسسات الأساسي.
الاستراتيجيات الرقميّة المتبعة على مستوى العالم، تعدّ من الطرق المهمّة المستخدمة لإعادة هيكلة المؤسسات الماليّة، الاقتصاديّة، السياسيّة والاجتماعيّة، وتهدف الى دمج التّقنيات الرقميّة في مجالات التّحوّل الرّقمي جميعها داخل تلك المؤسسات، سواء أكانت وطنية أم دولية من أجل الحصول على ثقة بعضها البعض، وتغيير كامل لثقافتها أيضًا وطرق تنفيذ العمليات على اختلاف أنواعها وسير العمل فيها، عبر التّنسيق والتّعاون السريع والمستمر لزيادة كفاءة وجودة منتجاتها.
أولاً: الاستراتيجيات الوطنية
إن التّحوّل الرّقمي هو أساسي لإصلاح الخدمات العامة والحدّ من أدوات الفساد يعدُّ في صلب إصلاح الخدمات العامة عبر سهولة الاستخدام، سهولة التخطيط، ترابط الخدمات، إمكانات رقميّة مستدامة، كما أن الأهداف المهمّة المرجوة هو إصلاحات مؤسسيّة جوهريّة. لذلك، يقدم التّحوّل الرّقمي فرصة فريدة للمساعدة في معالجة هذه التّحديات لتحقيق النّمو في الاقتصاد الرّقمي كما يشهد العديد من بلدان العالم. وتعدّ الحوكمة الرشيدة عنصرًا أساسيًّا لتحقيق التنمية المستدامة والتقدّم المجتمعي والتنمية المستدامة، وتستلزم عملية التّحوّل تضحيات بارزة لأنّه يستحيل نجاح الرقمنة من دونها.
وعلى الرغم من التّحديات التي قد تواجه المؤسسات الوطنيّة في أي بلد كان عند تطبيق التّحوّل الرّقمي، إلّا أنّ الفائدة التي ستعود عليها أكبر، ومنها القدرة على مواكبة التّطور والتّغيرات المستمرة، عبر سرعة الاستجابة ووقت الوصول إلى السّوق، وزيادة الجودة وتحسين الإنتاج، وتعزيز التّعاون بين أقسام المؤسسة، وزيادة القدرة على المنافسة والتقليل المخاطر. ويصبح الهدف لأيّ تنميّة مستدامة في أيّ دولة وخاصة في عصرنا الحاضر، أن تعمل على وضع استراتيجيّة رقميّة وطنية للتحول الرّقمي بأبعاد زمنيّة محددة، ورؤيوية تشمل القطاعات كافة وتسعى بمقدراتها المتاحة لضمان نجاحها[xxi].
في هذا السياق نجد أن كل دولة تسعى لوضع استراتيجيّة رقميّة، تسعى من خلالها الى تحسين الخدمات والعمليّات والتواصل بين المؤسسات، والمواطنين بعد تحديد الأطر القانونيّة التي يجب أن ترسم الشروط الأساسيّة للوصول الى سياسات اجرائيّة وقرارات فعّالة، استنادًا إلى تشريعات واضحة وضامنة لحسن سير تطبيق التّحوّل الرّقمي في الدّولة، وقد يترتّب على المشرّعين هنا الأخذ بنصوص دوليّة سبيلًا مهمًا في تكوين فهم موضوعي حول مضمون القوانين، وبنودها وموادها وخطوات وآليات تنفيذها إسوة بالحكومات الّتي تحوّلت رقميًا وتطوّرت قدمًا بفعل توفير الرّقمنة وشروط الشّفافيّة والحوكمة الرّشيدة.
يندرج التّحوّل الرّقمي في الإطار المواجه للفساد والرّشوة والسّرقات والمحسوبيّات، خاصة في ظل أحكام اتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد UNCAC لأجل تغطية مجالات التّدابير الوقائيّة، والتجريم وانفاذ القانون والتعاون الدّولي، واسترداد الأصول والمساعدة التقنيّة وتبادل المعلومات، ومحاربة كل أشكال الفساد في الدّولة اللبنانية مثل الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال المناصب وأفعال فساد مختلفة في القطاع الخاص.[xxii]
بشكل عام يتمثل الهدف الرئيس للاستراتيجيّة الوطنية في التّحوّل الرّقمي عند الدّول في إنشاء التزام حكومي واسع عبر القطاعات كافة لتضمين الجوانب الرقميّة في الاستراتيجيات الحكوميّة كافة. وعادة ما تصمم الاستراتيجية وفقا لـ 8 أبعاد هي: تعزيز الشّموليّة وعدم ترك أحد يتخلّف عن الرّكب، المرونة، التّناغم مع العصر الرّقمي، التركيز على احتياجات المتعاملين، استخدام التقنيات الرقميّة في تصميم الخدمات وقنوات الخدمة، الاعتمادعلى البيانات، وتعزيز مبدأ الحكومة المفتوحة، والاستباقيّة، وتقوم على العناصر والأهداف الآتية:
بند أول: العناصر العامة للإستراتيجية الرقميّة
على الرّغم من أن المفهوم الأساسي للاستراتيجيّة الرقميّة، هو تجميع الإجراءات كلّها من خلال قنوات وأشكال الاتصال الواردة والصادرة، التي لها أهداف خاصة لجذب الأشخاص إلى العلامة التجارية والاتصال بهم لأغراض تجارية. إلّا أنّ التخطيط لها يركز على تعظيم الفوائد التجارية لقواعد البيانات، والمبادرات القائمة على تقنية محددة للشركة. وهناك بعض مجالات العمل والعمليات التي يمكن العثور عليها في معظم الحالات، مثل[xxiii]:
- العلامة التّجاريّة: طريقة لإدارة استراتيجيات العلامة التّجاريّة التي تتضمن التّخطيط والإشراف على عناصر العلامة التّجاريّة من أجل تحسين تصور المستهلكين لها.
- شخصية المشتري: التمثيل النّظري للعميل المثالي للشركة. ستُصمَم الاجراءات الاستراتيجيّة الرقميّة وتوجيهها تحديدًا إلى نوع المستخدم الذي تهدف الشركة إلى الوصول إليه.
- رحلة العميل: تتيح لك رحلة العميل استخدام معلومات حول دوافع العملاء، واهتماماتهم لتحديد سلوكهم وإنشاء مسار من الاتصال الأول حتى التحويل.
- المنصات: يجب دعم كل استراتيجيّة رقميّة من خلال منصات وأدوات رقميّة تزيد من إمكانيات التأثير، والتفاعل مع المستخدمين مثل مواقع الويب أو المدونات أو الصفحات المقصودة، أو تطبيقات الأجهزة المحمولة أو الوسائط الاجتماعيّة.
- المؤشرات: يجب أن توفر الاستراتيجيّة الرقميّة نتائج قابلة للقياس تساعد في تقييم عائد الأنشطة. وفقًا لذلك، فإن أحد العناصر المهمّة هي مؤشرات الأداء الرئيسة التي تساعد على تحديد مستقبل الخطط.
- التدريب: تعاد بهدف إعداد الموارد البشرية، وتدريبها على استخدام الاستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى والأدوات المتخصصة للمبادرات جميعها.
بند ثانٍ: أهداف وأولويات الاستراتيجيّة الوطنيّة للدول في التّحوّل الرقميّة
يتمثل الهدف الرئيس لاستراتيجيّة الدّول الرقميّة في إنشاء التزام حكومي واسع عبر القطاعات لتضمين الجوانب الرقميّة في الاستراتيجيات الحكوميّة كافة. وهذا الأمر ضروري لجعل الحكومة المحليّة”رقميّة في التصميم” وأن تُدمج القدرات كافة، والبُنى، والفرص على المستوى الوطني وضمان مواءمتها مع الرؤية الاستراتيجيّة للحكومة الرقميّة .وهذه الأهداف تتمحور حول[xxiv]:
- توفير بنية تحتيّة رقميّة عالمية المستوى.
- توفير منصة رقميّة موحدة وممكنات رقميّة مشتركة.
- توفير خدمات رقميّة متكاملة وسهلة وسريعة، ومصممة وفقًا لاحتياجات العملاء.
- رفع مستوى القدرات والمهارات الرّقميّة.
- جاهزيّة التّشريعات لضمان تحول رقمي مرن وشامل.
- رفع كفاءة العمل والإنتاج.
أمّا تجليات هذه الاستراتيجيّة الوطنية، فتظهر من خلال سن التّشريعات والقوانين تسمح للمواطن بالوصول الى المستندات الإدارية الرسميّة، ولعل أهمها قانون المعاملات الالكترونيّة وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي.
هذا وقد لاقت الكثير من البلدان التي شرّعت القوانين المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات نجاحًا في عملية التّحوّل الرّقمي لديها، وساهمت هذه القوانين في تحديد القواعد التي يجب اتبّاعها للاستثمارات العامة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومعايير اختيار التكنولوجيا، الأمر الذي انعكس على زيادة المداخيل وتنمية الاقتصاد والسياسات وتطويرها، ونحن على أمل في لبنان تطبيق هذه الاستراتيجيّة الوطنيّة للتحوّل الرّقمي لأجل إعادة بناء مؤسسات الدّولة وتطويرها عملًا بمبدأ الشفافيّة، بعيدًا من الفساد والسرقات والمحسوبيات.
ثانيًا: الأطر الاستراتيجيّة الرقميّة والسياسات ذات الصلة
إنّ التّطور التكنولوجي السريع في مجال المعلومات والاتصالات، وانعكاسه الإيجابي على المشهد التنظيمي لأي بلد، جعل الاقتصاد العالمي ينعدم من دون منظّم خاص به ومستقل في مجال التّحوّل الرّقمي على هيكلية الدّول، سواء تَمثل في الوزارات أو في الهيئة التنظيميّة.
يساعد التّنظيم في صيانة وحماية الأشخاص والمعلومات والبنية التّحتية، كما يمكن أن يساعد في تمهيد الطريق لتوصيل النّصف المتبقي من سكان العالم الذين لا يزالون غير موصولين بالإنترنت، وأن يكون أداة تكفل المساواة فيستفيد المشاركين جميعهم في السوق من ظروف تكفل تكافؤ الفرص. ويمكن أن يعزز التنظيم تهيئة بيئة تتيح تشجيع عائد الاستثمارات واستدامته، ومثال ذلك، الاستثمار في البنية التّحتيّة.
كما إن الاستراتيجيّة الوطنية للحكومة الرّقميّة لأيّ دولة، ولبنان تحديدًا يجب أن تشكل بأهدافها وأولوياتها خارطة طريق الحكومة الرقميّة، والتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة المواءمة مع استراتيجيات التنمية للحكومات الإلكترونيّة المحليّة، ولتنظيم التقنيات الماليّة داخل المؤسسات وتطويرها. ويحصل عبر أطر تنظيميّة تشمل السياسة والاقتصاد والأمن، وما يرتبط بهم من صلات على العلاقات الدّولية، وتتمحور هذه الأطر حول مجالات عدة تؤثر على عمليات التطور والإنتاج وهي:
بند أول: تأثير التّطور والتّحوّل الرّقمي على الإنتاج والمجتمع
إنّ التّحوّل الرّقمي لقطاع الإنتاج يأخذ شكل نماذج إدارة وأعمال، وإنتاج جديدة التي تسهل الابتكار والإبداع ودخول الأسواق وتوزيع الصناعات التقليديّة. وهو امتداد للإنترنت الصناعي وتوسعه ، النّظم الذكيّة، سلاسل القيمة الافتراضية، والذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج ما يسرّع الابتكار وخلق مكاسب الإنتاجيّة، مع تأثيرات إيجابيّة على النّمو الاقتصادي. بالإضافة لذلك، كل هذا يدفع لتحوّل الصناعات التقليدية خلال التكنولوجيات المتقدمة لكل من السيارات التكنولوجية، المالية التكنولوجية والزراعة التكنولوجية وغيرها[xxv].
وبصفة خاصة إنّ نماذج الإنتاج الذّكي يمكن أن تؤدي إلى المنافسة المتزايدة مع بصمة بيئيّة أصغر إذ إنّ الشّركات تستخدم الأدوات الرقميّة لرسم خريطة، وتقليل بصمتهم من أجل تقييم مدى تأثيرهاعلى تغيير المناخ وتعديل عمليات إنتاجهم، كما يجب أن تحدث عمليّة مشابهة في نماذج الإدارة العامة في مصالح الدّولة، من أجل تلبية طلبات المواطنين وتحسين الإجراءات الحكوميّة. واعتماد تبني تطبيق هذه التكنولوجيات الرقميّة بواسطة المؤسسات المختلفة سيزيد من كفاءة التقدم للخدمات وفعاليّتها كما في الرعاية الصحية، التعليم، والنقل، ويحسّن من مشاركة المواطنين أيضًا في العمليات الديمقراطية، ويزيد الشّفافيّة في العمليات الحكومية، ويبسط الممارسات المستدامة أكثر. وخاصة، حلول المدن الذكية التي هي حلول تحويليّة بسبب قدرة تأثيرها الاجتماعي، الاقتصادي والبيئي وترتكز على عدد كبير من السكان في المدن[xxvi].
بند ثانٍ: تأمين التوازن بين الرقميّة والاستدامة
التكنولوجيا الرقميّة تحتضن وتتبني الابتكارات البيئية التي تساهم في التنمية المستدامة بواسطة تقليل التأثيرات البيئية، وتحسين استخدام الموارد المتاحة. هذه التكنولوجيات الرّقميّة تتطور وتتلاقى مع كل من التكنولوجيا الحيوية ما يسهم في الوصول لابتكارات جديدة تساهم في المستقبل المستدام. كما أنّ الرّقمنة تؤثرعلي البيئة التّنظيميّة الموجودة بالفعل، وتجعل الاقتصاد غير مادي من خلال تسهيل توريد السلع والخدمات الرقميّة المعروضة بشكل متزايد والتي تمثل جزءًا كبيرًا من الصادرات والاقتصاد، وتزيد من أهميّة الخدمات الموردة رقميًا، وتساهم بتطوير نموذج منتج الخبرة الذي يمكن مقارنة ناتج استخدام المنتج المستهدف من دون شرائه[xxvii].
في الوقت نفسه، توجد نماذج لأعمال جديدة مثل الاقتصاد العرضي غير الرسمي Gig Economy الذي يحسّن، وينظم استخدام الموارد الحاليّة بمضاعفة فرص توظيف السلع الرّأسماليّة. ويمكن دمج الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرر لتحسين إدارة الموارد، ويقلل البصمة البيئية في مجالات استغلال الموارد الطبيعية، والتصنيع والخدمات اللوجستية والنقل والاستهلاك. وبذلك تمكن الرقمنة أيضًا من القيام بالأنشطة غير المتوسطة وتقلل من تكاليف الصرفيّات، مع المدخرات اللاحقة في الطاقة والمدخلات ما يسهم في مسار النمو المستدام.
بند ثالث: المرونة والقابلية للتكيف لتفعيل الحكومة الإلكترونيّة
إن إعتماد مبدأ العمليات المفتوحة، والشّاملة التي يؤمنها التّحوّل الرّقمي ويساهم في عملية الوصول الى الشّفافيّة، والمساءلة بين الأهداف الرئيسة لاستراتيجيّات الحكومة الرّقميّة للدولة، كما أن مبدأ الشّمول، والتّغلب على أي فجوات رقميّة قد تنشأ يعزز الاستفادة من التقنيات الناشئة لبناء القدرات، لتكون قادرة على الاستجابة للكوارث المتوقعة بشكل استباقي. وتبني نهج عمليات حكوميّة وقدرات اساسية ذات مرونة.
وتعزيز التنسيق والتّعاون بين القطاعات والوزارات، وتحديد الأولويات الوطنية وإشراك المعنيين من أصحاب المصلحة في متابعة الأجندة الرقميّة للدولة، يجب أن يتمحور حول المستخدم، وأن تجعل احتياجات المستخدمين وراحتهم المحور الرئيس عند تصميم العمليات والخدمات والسياسات، وتعتمد آليات شاملة لذلك تضمن اشراك المستخدم في مراحل تصميم وتطوير الخدمات والسياسات جميعها [xxviii].
بند رابع: رقميّة حسب التصميم
إنشاء قيادة تنظيميّة واضحة، مع آليات فعالة للتّنسيق والتّنفيذ. ويجب تضمين مصطلح “الرقميّة ” في عمليات السياسة كافة كعنصر أساسي وإلزامي في التّحوّل الرّقمي. وجود قيادة تنظيميّة واضحة، وتنسيق فعّال، وآليات تنفيذ مبتكرة لتعزيز “الرقميّة” كعنصر تحويلي إلزامي في مختلف العمليات، والسياسات والعمل على التّجارب المستمرة في هذا الجانب من خلال تيسير إنشاء بيئات اختبار مضبوطة، ومرنة لإتاحة المجال للجهات التّنظيميّة والقطاع الخاص والمبتكرين وقادة الأعمال على التّعاون في إنشاء التّشريعات التي تواكب متطلبات الاستدامة، وتوائم بين سرعة التشريع وسرعة الابتكار من خلال مختبرات تجربة وتنظيم التقنيات[xxix].
بند خامس: قطاع عام يعتمد على البيانات والإستباقية
تعدُّ البيانات أصل استراتيجي رئيس في الحكومة الرقميّة، كما تعتمد الحكومة الرقميّة القواعد والمبادئ الأخلاقيّة لإعادة استخدام البيانات بشكل موثوق وآمن. وتعزيز مبدأ الحكومة المفتوحة يتيح للجمهور الحصول على البيانات الحكوميّة وعمليات صنع السياسات (بما في ذلك الخوارزميات). ويقصد بهذا البعد قدرة الحكومات على التنبؤ باحتياجات الجهور، والاستجابة لها بسرعة كافية، فلا يضطر المستخدم إلى تقديم بيانات وتنفيذ خدمات أخرى؛ كما يقصد به حكومة تقدم خدماتها للمتعامــل قبــل أن يطلبها وفــي الوقــت المناســب وبالطريقة التي تناسب احتياجاته وتفضيلاته. ويكون ذلك من خلال استخدام الهُويّة الرّقميّة الموحدة وتبنّي منهج مراحل الحياة و”سياسة المرة الواحدة في تصميم الخدمات والذي يهدف الى تحسين تجربة المتعامل وتبسيط الية تقديم الخدمات للمتعامل.
بند سادس: إنشاء رؤية تعتمد على تحليل السوق
التّحوّل الرّقمي لا يتعلق بالتكنولوجيا فقط. التّحوّل الرّقمي يبدأ من استراتيجيّة لا بدّ أن تكون هي المحرك الرئيس لضمان نجاحك في التّحوّل رقميًّا ما يضمن بقاءك في دائرة التّقدم والنجاح. لا يقتصر التّحوّل الرّقمي على رقمنة البيانات فقط من الأنظمة القديمة إلى بيئة تكنولوجيا المعلومات القابلة للتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمؤسسات.
التّحوّل الرّقمي يتطلب أيضًا الابتكار وكذلك تغييرات في سياسات، والإجراءات التّنظيميّة وفهم الجمهور ومعرفة ثقافة الأعمال، والعملاء للاستفادة من الفرص التي تقدمها التّقنيات المتقدمة الحديثة.قبل القيام بأي جهد للتّحول الرّقمي، قم بإجراء تحليل عميق لمحددات السّوق، نظرًا للتطور التكنولوجي السّريع والتّغيرات الصناعية، تعد هذه الخطوة ضرورية لإنشاء استراتيجيّة ذات الصلة ومحدثة. لأنّه بمجرد إنشاء رؤية وتحليل السّوق، فقد حان الوقت للتركيز على تجربة ترغب في إنشاؤها لعملائك وموظفيك[xxx].
الهدف الأساسي هو بناء تجربة بديهيّة مناسبة تتيح للمستخدمين الوصول إلى أهدافهم النهائيّة في أي وقت، سواء أكانوا يعملون أو مستفيدين. فكر في كيفيّة القيام بمهام الموظف بشكل أسرع وأسهل من خلال برنامج أو تطبيق أو منصة رقميّة جديدة. حلل كيف يمكن أن يحصل عميلك على تجربة مستخدم أفضل من خلال تطبيق ويب أو تطبيق جوال. تذكر أن التركيز الرئيس ليس على التكنولوجيا الجديدة ولكن على الخبرة التي يمكن أن توفرها لتصميم تجربة مستخدم متميزة.
الخاتمة
في النّهاية لا بدّ من القول إنّ تقنية المعلومات تُعدّ أمرًا محوريًا في نجاح برنامج التّحوّل الرّقمي الفعال الذي يرسم هيكلته خطة استراتيجيّة للتّحول الرّقمي، واضحة المعالم والأهداف متضمنة المشاريع والمبادرات التي تحقق تلك الاستراتيجية. مع الاعتماد على التّقنيّة لضمان نجاح أعمال المؤسسات من خلال ما خُطِّط له وفي الوقت المحدد وبمعايير النجاح التي يٌراد تحقيقها.
في المحصلة، إنّ التكنولوجيا الرّقميّة نمت أضعافًا مضاعفة، كما أن استخدامها صار يتسم بالعالميّة إلى حدّ كبير. فصارت الاتصالات متاحة في كل مكان، مع استمرار وصولها لكثير من البشر بفضل الاستخدام الشّامل للهواتف المحمولة الذذكية، وما ترتب على ذلك من إمكانيّة الوصول إلى المعلومات والشّبكات الاجتماعيّة والترفيهيّة السمعيّة والبصريّة.
ومن الملاحظ أنّ تسارع التّقدم التكنولوجي في عالم يتسم بالرّقميّة جعل استخدام الأجهزة والتّطبيقات الموظفة في الحوسبة السّحابيّة، تحليل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي روتينيًّا إلى حدّ كبير. وبذلك تضافرت الثورة التكنولوجيّة الحديثة مع التّغيير في استراتيجات المؤسسات، والشّركات التي صارت في طليعة استخدام التكنولوجيا الرّقميّة وساهمت في زيادة دور المنصات العالميّة بشكل كبير. وقد أدى هذا إلى نتيجة بارزة تمثلت في القوة الاقتصاديّة والسياسيّة المفرطة التي صار يمارسها ما لا يزيد عن عشرين شركة، أو نحو ذلك ووجود في دولتين أو ثلاث من الدّول الرائدة مع مجموعة صغيرة من الشّركات ذات القيمة السوقيّة، برأسمال سوقي يربو على حوالي تريليون دولار أمريكي أو أكثر.
علی الرغم من أن الثورة الرقمیّة ظاهرة عالمیّة، إلّا أنّه لا یزال هناك تفاوت هائل فی ما بین الدّول لجهة الانتشار، وانخفاض التّکلفة، وأداء الخدمات الرّقمیة ما ینعکس علی انخفاض الخدمات الماليّة المقدمة وخصوصًا فی الدّول النّامیة. ومن ثم فإن المشکلة تکمن فی انخفاض استفادة باقی القطاعات الاقتصادیّة من هذا التّحوّل الرقمی.
وعلى ذلك، صارت الفرص والتّحديات الجديدة مفتوحة للدّول كافة، عبر الشّروع نحو الاستدامة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة، ما قد يؤدي إلى تغيير هيكلي تدريجي في الواقع السياسي والاقتصادي والإجتماعي، المبني على الابتكار والتجدد النشيط، ودمج التكنولولوجيا وإستخدامها بالشكل السليم والفعال لتنوع نظام الإنتاج والوصول الى التنمية المستدامة.
الهوامش
[1]– دكتوراه سياسات العامة (قيد التحضير- جامعة بيروت العربية)
Doctorate in Public Policy (in preparation – Beirut Arab University).Email: asmarwanlink@gmail.com
[i] – وتزداد أهميّة الجهات الفاعلة غير الحكوميّة في العلاقات الدولية، ففي مجال التحول الرقمي تؤدي الشركات الخاصة دورًا، كمزود للمال والموارد ومصدر للضعف في ذات الوقت.
[ii] – زرزار لعياشي، إياد كريمة، استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المؤسسة الاقتصاديّة ودورها في دعم الميزة التنافسية، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2016، ص17.
[iii] -محمد القريوتي، نظرية المنظمة والتنظيم، دار مجلاوي، عمان، الطبعة الثانية، 2006، ص205.
[iv] – جمال أبو شنب، العلم والتكنولوجيا والمجتمع منذ البداية وحتي الآن، دار المعرفة العلمية، مصر، 1999، ص28
[v] – ليلي حسام الدين، أثر التقدم في تكنولوجيا المعلومات علي الخصائص النوعية والكمية لموارد البشرية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، مصر، ص8.
[vi] – بحيرة خالد، تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المؤسسة الاقتصادية الجزائرية الواقع والمعوقات، الطبعة الأولى، نشر مشترك بين الدار الجزائرية والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، 2015، ص14.
[vii]– هدير أبو زيد، منقول عن دانيال لامباش، السيادة الإلكترونية: اتجاهات تشكيل مناطق سيبرانية تحت سيطرة الدول والشركات، مصر، المجلة السياسية 23 سبتمبر 2020، متوافرعلى الموقع الإلكتروني: https://futureuae.com/arE/Mainpage/Item تاريخ الدخول 2/1/2024.
[viii] – أحمد عبيس الفتلاوي، ” التحولات الرقمية: مفهومها والمسؤولية الدولية الناشئة عنها في ضوء التنظيم الدولي المعاصر”، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، جامعة بابل: كلية القانون، العدد الرابع، 2022، https://iasj.net/iasj/download/3f12bd1a72924acd، متوفرة بتاريخ 02/12/2023.
[ix] – عماد الدين عبد الحميد، “استراتيجية تعزيز الأمن السيبراني للاقتصاد الرقمي: دراسة في العملات الرقمية للبنوك المركزية “، مجلة الاقتصاد الأردنية، 10 نيسان 2022، متوافر على الموقع الالكتروني: https://www.aliqtisadalislami.net بتاريخ 29 /12/2023.
[x] – المرجع نفسه.
[xi] – اسماعيلي علوي يوسف، حالة الطبيعة من الأساس الفرضي-التاريخي إلى بعده الإجرائي، منظمة انفاس المصرية، 19 يونيو 2022، متوافر على الموقع الإلكتروني https://www.anfasse.org/ تاريخ الدخول 26/12/2023.
[xii] – مايكل جيه مازار (وآخرون)، فهم النّظام الدّولي الحالي، بناء نظام دولي مستدام: أحد مشروعات RAND لاستكشاف إستراتيجية الولايات المتحدة في عالم متغير، مركز راند،2022، ص7، متوافر على الموقع ttps://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/ ، بتاريخ 30 /12/2023.
[xiii] – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS االإمارات العربية، تحديات عالمية 2024: الذكاء الإصطناعي ودوره في الحروب السيبرانية، أمن الطاقة، 1 يناير 2022، متوافر على الموقع الإلكتروني: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/م بتاريخ 27/12/2023.
[xiv] – هدير أبو زيد، منقول عن دانيال لامباش، السيادة الإلكترونية: إتجاهات تشكيل مناطق سيبرانية تحت سيطرة الدول والشركات، مرجع سبق ذكره.
[xv] – Jan-Frederik Kremer & Benedikt Müller (eds), Cyberspace and International Relations: Theory, Prospects and Challenges, Berline: Center for Global Studies (CGS), 2023, https://link.springer.com/content/pdf/bfm%f, accessed on 30 June 2023
[xvi] – عيسى المسعودي، الاستثمار في العملات الرقمية، الشبيبة المصرية منشور بتاريخ 25 أيار 2022، ومتوافر على الموقع الإلكتروني: https://shabiba.com/article/id/، بتاريخ 20 كانون الأول 2023.
[xvii] – Dinsh, Study of International Politics (Systems Approach), Your Article Library, https://www.yourarticlelibrary.com/international-politics/study-of-international-politics-systems-approach/48476، accessed on 6/2/2023
[xviii]– مراد مشوش، “الجهود الدولية لتنظيم التقنيات الرقمية”، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، العدد 2، 2019، المجلد رقم 12. https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/2، تاريخ الدخول 2/1/2024.
[xix] – بول ويلكينسون، العلاقات الدولية: مقدمة قصيرة جدا، لبني عماد تركي (ترجمة)، 2013، مؤسسة هنداوي، متوافر على الموقع الإلكتروني: https://www.hindawi.org/books/ تاريخ الدخول 2/1/2024.
[xx] – Vladimir Tsakanyan, The role of cybersecurity in world politics, Vestink Rund International Relations, Peoples’ Friendship University of Russia, 2017 Vol. 17 No.2 339-348, http://journals.rud n.ru/internatio nalrelations, accessed on 3/1/2024
[xxi] – محمد محمود، الإستراتيجيات الرقمية وتطبيقاتها في الوطن العربي، الأردن، المنظمة العربية 10 للتنمية الإدارية، 2022 ص: 10-11.
[xxii] – لينا عويدات، التحول الرقمي والفساد، مقالة نشرت في جريدة النهار الإلكترونية، العدد السادس عشر 2021، ص 3.
[xxiii]– منى الأشقر، مفهوم التحول الرقمي وأبعاده، مقال نشر في مجلة التكنولجيا المعاصرة، بيروت 2022، ص 15.
[xxiv] – عباس بدران: التحول الرقمي من الإستراتيجية إلى التطبيق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الولى بيروت، 2021.
[xxv] – L. Bekhir, & A. Emelligi. “Assessing ICT Global Emissions Footprint: Tends to 2040 & Recommendations,” Journal of Cleaner Production, Vol. 177, Amsterdam, Elsevier, March 2018
[xxvi] -B. Ekholm. & J. Rockstrom, “Digital Technology can cut Global Emissions by 15%. Here/s How,” Cologn, World Economic Forum (WEF) 2019. https://www.weforum.org/agenda/01/2019/why-digitalization-the-key-to-exponential-climate-action
[xxvii] – Micron Technology . “5G, AI and the Coming Mobile Revolution,” Boise , 2020. https://www.micron.com/insight/5g-ai-ans-the-coming-mobile-revolution.
OECD2020. Latin American Economic Outlook 2020: Digital Transformation for Building Back Better. Paris2020
[xxviii] – مراد مشوش، “الجهود الدولية لتنظيم التقنيات الرقمية”، مرجع سابق.
[xxix] – منى الأشقر، مفهوم التحول الرقمي وأبعاده، مرجع سابق، ص 18
[xxx] – عباس بدران: التحول الرقمي من الاستراتيجية إلى التطبيق، مرجع سابق.
المراجع العربيّة
-1بحيرة خالد، تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المؤسسة الاقتصادية الجزائرية الواقع والمعوقات، الطبعة الأولى، نشر مشترك بين الدار الجزائرية والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، 2015
-2جمال أبو شنب، العلم والتكنولوجيا والمجتمع منذ البداية وحتي الآن، دار المعرفة العلمية، مصر، 1999
–3زرزار لعياشي، إياد كريمة، استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المؤسسة الاقتصاديّة ودورها في دعم الميزة التنافسية، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2016
-4عباس بدران: التحول الرقمي من الإستراتيجية إلى التطبيق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الولى بيروت، 2021.
-5ليلي حسام الدين، أثر التقدم في تكنولوجيا المعلومات علي الخصائص النوعية والكمية لموارد البشرية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، مصر
-6لينا عويدات، التحول الرقمي والفساد، مقالة نشرت في جريدة النهار الإلكترونية، العدد السادس عشر 2021
-7محمد القريوتي، نظرية المنظمة والتنظيم، دار مجلاوي، عمان، الطبعة الثانية، 2006
-8محمد محمود، الإستراتيجيات الرقمية وتطبيقاتها في الوطن العربي، الأردن، المنظمة العربية 10 للتنمية الإدارية، 2022
الدوريات
-1أحمد عبيس الفتلاوي، ” التحولات الرقمية: مفهومها والمسؤولية الدولية الناشئة عنها في ضوء التنظيم الدولي المعاصر”، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، جامعة بابل: كلية القانون، العدد الرابع، 2022، https://iasj.net/iasj/download/3f12bd1a72924acd، متوفرة بتاريخ 02/12/2023.
-2عماد الدين عبد الحميد، “استراتيجية تعزيز الأمن السيبراني للاقتصاد الرقمي: دراسة في العملات الرقمية للبنوك المركزية “، مجلة الاقتصاد الأردنية، 10 نيسان 2022، متوافر على الموقع الالكتروني: https://www.aliqtisadalislami.net بتاريخ 29 /12/2023.
-3مراد مشوش، “الجهود الدولية لتنظيم التقنيات الرقمية”، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، العدد 2، 2019، المجلد رقم 12. https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/2، تاريخ الدخول 2/1/2024.
-4منى الأشقر، مفهوم التحول الرقمي وأبعاده، مقال نشر في مجلة التكنولجيا المعاصرة، بيروت 2022
-5هدير أبو زيد، منقول عن دانيال لامباش، السيادة الإلكترونية: اتجاهات تشكيل مناطق سيبرانية تحت سيطرة الدول والشركات، مصر، المجلة السياسية 23 سبتمبر 2020، متوافرعلى الموقع الإلكتروني: https://futureuae.com/arE/Mainpage/Item تاريخ الدخول 2/1/2024.
المواقع الالكترونيّة
-1بول ويلكينسون، العلاقات الدولية: مقدمة قصيرة جدا، لبني عماد تركي (ترجمة)، 2013، مؤسسة هنداوي، متوافر على الموقع الإلكتروني: https://www.hindawi.org/books/ تاريخ الدخول 2/1/2024.
-2عماد الدين عبد الحميد، “استراتيجية تعزيز الأمن السيبراني للاقتصاد الرقمي: دراسة في العملات الرقمية للبنوك المركزية “، مجلة الاقتصاد الأردنية، 10 نيسان 2022، متوافر على الموقع الالكتروني: https://www.aliqtisadalislami.net بتاريخ 29 /12/2023.
-3عيسى المسعودي، الاستثمار في العملات الرقمية، الشبيبة المصرية منشور بتاريخ 25 أيار 2022، ومتوافر على الموقع الإلكتروني: https://shabiba.com/article/id/، بتاريخ 20 كانون الأول 2023.
-4مايكل جيه مازار (وآخرون)، فهم النّظام الدّولي الحالي، بناء نظام دولي مستدام: أحد مشروعات RAND لاستكشاف إستراتيجية الولايات المتحدة في عالم متغير، مركز راند،2022، ص7، متوافر على الموقع ttps://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/ ، بتاريخ 30 /12/2023
-5مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS االإمارات العربية، تحديات عالمية 2024: الذكاء الإصطناعي ودوره في الحروب السيبرانية، أمن الطاقة، 1 يناير 2022، متوافر على الموقع الإلكتروني: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/م بتاريخ 27/12/2023.
المراجع الأجنبيّة
1-B. Ekholm. & J. Rockstrom, “Digital Technology can cut Global Emissions by 15%. Here/s How,” Cologn, World Economic Forum (WEF) 2019. https://www.weforum.org/agenda/01/2019/why-digitalization-the-key-to-exponential-climate-action
2-Dinsh, Study of International Politics (Systems Approach), Your Article Library, https://www.yourarticlelibrary.com/international-politics/study-of-international-politics-systems-approach/48476، accessed on 6/2/2023
3- Jan-Frederik Kremer & Benedikt Müller (eds), Cyberspace and International Relations: Theory, Prospects and Challenges, Berline: Center for Global Studies (CGS), 2023, https://link.springer.com/content/pdf/bfm%f, accessed on 30 June 2023
4- L. Bekhir, & A. Emelligi. “Assessing ICT Global Emissions Footprint: Tends to 2040 & Recommendations,” Journal of Cleaner Production, Vol. 177, Amsterdam, Elsevier, March 2018
5-Micron Technology . “5G, AI and the Coming Mobile Revolution,” Boise , 2020. https://www.micron.com/insight/5g-ai-ans-the-coming-mobile-revolution.
OECD2020. Latin American Economic Outlook 2020: Digital Transformation for Building Back Better. Paris2020
6-Vladimir Tsakanyan, The role of cybersecurity in world politics, Vestink Rund International Relations, Peoples’ Friendship University of Russia, 2017 Vol. 17 No.2 339-348, http://journals.rud n.ru/internatio nalrelations, accessed on 3/1/2024