الذّكاء الاصطناعيّ أو الهيمنة باسم العقل
Intelligence artificielle ou domination au nom de la raison
Dr Marie Henri Manassa(*) د. ماري هنري منسّى(*)
تاريخ الإرسال:30-1-2024 تاريخ القبول:10-2-2024
ملخّص
بيْن هذا البحث والأحداث التي نعيش في عصرنا صلة وثيقة: أنوار ساطعة يسلّطها على مجتمعاتنا، وما ينتابها من أسباب الوهن، في مواجهة العالم الرّقميّ، والتّجاوزات التي تنقضّ عليها من كلّ صوب. لقد انتقلنا- في بداية هذا القرن- إلى عهد ازدهار الثّقافة الرّقميّة. وعصرنا هذا، الزّاخر بالثّورة الرّقميّة وبمختلف وسائل السّيطرة على الإنسان ووجوده أخذ يتحوّل إلى كتلة متفجّرات تهدِّد بنسف وجودنا والقضاء على مستقبلنا. في هذا المقال نستجلب عددًا من المعارف التي ترتبط بالرّقميّ وأدواته، وبخدمات التّكنولوجيا المنبثقة منه، وبالاختلالات التي رافقت ممارساته. ودخل علماء الاجتماع والسّياسة والاقتصاد والاتّصالات والفلاسفة معه دوّامة الحيرة والتّساؤلات والحلول. ولكنّ التّساؤلات بقيت من دون جواب. وظلّت الحلول سطورًا على أوراق مكدّسة، وأقوالًا مسجّلة على أشرطة. ويستمرّ العالم في محنته وفي حيرته. والخطر يتفاقم يومًا بعد يوم.
الكلمات المفاتيح: الخوارزميّات، الذّكاء الاصطناعيّ، المعلوماتيّة، ما بعد الإنسانيّة، الرّقميّ.
Résumé
Un rapport étroit relie cette recherche aux évènements vécus en notre époque. Elle est venue comme une première tentative de définir notre monde contemporain, les défaillances du numérique, ainsi que les dépassements en cours. Au début de ce siècle, nous sommes passés à l’époque du développement des technologies numériques. Et notre temps qui assiste à une explosion du numérique sans précédent, annonce la fin de l’ère de l’humanisme et transforme le monde en un bloc explosif menaçant de détruire notre existence et de mettre fin à notre futur.
Dans ce travail, nous développerons successivement des informations dans le domaine du numérique, ses outils, les services technologiques émanant de lui, ainsi que les peurs qui ont accompagné son usage.
Par conséquent, les hommes de la sociologie, de la politique, de l’économie, de la communication et les philosophes se son trouvés dans un tourbillon de confusion, de questions et de résolutions. Cependant, les questions restent sans réponses, et les résolutions demeurent lettre morte et paroles enregistrées. Ainsi, le monde sombre dans l’obscurité et la confusion, tandis que le danger s’aggrave de jour en jour.
Mots clés : Algorithmes, Intelligence artificielle, informatique, transhumanisme, numérique.
مقدّمة:المهمّ ما في الذّكاء الاصطناعيّ – سواء سيَّرَ معرفيًّا حياة الكثيرين منّا أو لم يسيّر- هو ما لا يبوح به دعاته والمنشغلون له وبه. هذه الحركة الفكريّة أصبحت، من دون أدنى شكّ، الشّغل الشّاغل الذي يسيّر حياة الكثيرين معرفيًّا بما تريده لهم التّطبيقات المعلوماتيّة، من خلال، كما يقول دكتور غسّان مراد([1]) في إحدى مقالاته، “الخوارزميّات المختلفة التي صمّمت من أجل ذلك!”([2]). وإذا كان الدّكتور مراد عرّف بالخوارزميّات قائلًا إنّها “مجموعة من القواعد والأوامر التي تنفّذ بشكل تسلسليّ ومنظّم لحلّ مشكلة معّينة، وهي كأيّ استراتيجيّة ترمي الى معالجة مشكلة ما، لها معايير تحدّد جودتها، تتمثّل بسرعة التّنفيذ، وعدم أخذ مساحة في ذاكرة الحاسوب خلال التّطبيق، وإمكانيّة تعديلها وتغييرها حسب المتطلّبات المستجدّة”. فقد شدّد على بعض النّقاط، منها الدّور الذي خصّ به العالم أبو جعفر محمّد بن موسى الخوارزمي([3]) في القرن التّاسع الميلاديّ، الذي ابتكرها – فنُسِبت إليه- وأراد من خلالها أن تصبح كلّ الشّعوب قادرة على الحساب من خلال اتّباع عدد من التّعليمات المقرّرة فقط.
غير أنّه لا يفوتنا أن نلاحظ أنّ للخوارزميّات جذورًا فلسفيّة يونانيّة، ظهرت بعد حركة السّفسطائيّين، وهدفت إلى اعتماد وسائل غير محدودة وذلك لتحسين المسائل على أنواعها وحلّها. وبهذا المعنى أيضًا، هي تجزّئ وتبسّط المسائل المعقّدة لتندرج في نطاق المسائل البسيطة، حتّى وإن ساهمت في حلّ هذه الأخيرة، تكون قد وصلت إلى حلّ المسألة المعقّدة بتمامها.
وكلّما أمعنّا الفكر في الأمور التي نقوم بها في حياتنا اليوميّة، برزت مجموعة من الأمور التي تحاكي تصميم الخوارزميّات، على سبيل المثال توجيه إنسان إلى الطّريق الصّحيح، أو إعداد وصفات الطّعام، أو الحياكة… إلّا أنّ هناك فارقًا كبيرًا بين الخوارزميّات وبين البرنامج المعلوماتيّ. وهذا الفارق يبدو جليًّا، ذلك أنّ الخوارزميّات لا يمكن أن تلتزم بلغات البرمجة ولا تتبع مباشرة لأيّ منها من مثل “جافا” الشّهيرة أو “بي أتش بي”، على الرّغم من أنّ بعض اللّغات تطلب تغيّرات معيّنة في تصميم الخوارزميّة، بيد أنّ الهيكل يبقى هو الأساس.
أثمّة حاجة إلى أن نذكّر من جديد هنا أيضًا بالدّور المهمّ الذي تؤدّيه الخوارزميّات في إدارة البيانات الضّخمة ومعالجتها بهدف التّنقيب عن المعلومات، والعثور على أنماط فيها، واستنتاج ما يسهل على المستخدم فهمه؟ ومن المؤكّد على كلّ حال، أنّها تدخل في جميع مجالات التّعامل مع السّلوك اليوميّ. وإذا أردنا دليلًا على هذه الحقيقة، فحسبنا علاقتها بالمعرفة العاديّة، هذا من دون أن نتحدّث عن صيغتها الاجتماعيّة التي يعرّف بها روبرت كاستل (Robert CASTEL)([4]) بعبارة “مجتمع المعلومات”([5]) الذي يساهم في” تعزيز المجتمعات”([6]).
ويعرّف بولييه (BOULLIER)([7]) وزميله المحمّديّ الخوارزميّات بأنّها “تسلسل محدود من التّعليمات البسيطة التي تسمح (أوّلًا) بحلّ المشكلة” ([8]). الأمر كلّه يتعلّق فحسب بتعليمات بلغات الكمبيوتر المختلفة التي يختارها الأفراد المستهلكون للمعلومات. تعبير “نموذج م ل” (مودل ماشين ليرنينغ Model Machine Learning)([9]) يفسّر لنا أنّ الخوارزميّة ليست مصمّمة لكي تكون منعزلة، وإنّما لكي تكون دائمًا على صلة ب .
ترى كيف تطوّرت وتنظّمت هذه الخوارزميّات؟ وكيف ساهمت الخوارزميّات العربيّة في تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ؟ وأين تقف المعرفة من تطوير الخوارزميّات المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعيّ المعاصر الذي يتّجه نحو إمكانيّة تحسين غير محدود لقدرات الإنسان بأيّ وسيلة ممكنة رقميَة كانت أو جينيّة أو كيميائيّة أو ميكانيكيّة؟ على الرّغم من إمكاناتها الهائلة، ما هي التّحدّيات والاعتبارات الأخلاقيّة المختلفة التي تطرحها خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ؟ وكلّما أمعنّا الفكر في هذة الظّاهرة، برزت حاجتنا الملحّة الى التّبصُّر في مشكلاتنا الفلسفيّة، والأخلاقيّة التَي أخذت تتحوَل مع تقادم الزّمن إلى كتلة متفجِّرات تهدِّد بنسف وجود الإنسان وبالقضاء على مصيره. من هو الإنسان؟ ما مصيره انطلاقًا من سطوة التّكنولوجيا والذّكاء الاصطناعيّ عليه؟ ما هو الواقعيّ؟ ما هو الافتراضيّ؟ ما هو المرئيّ؟ ما هو اللّامرئيّ؟ ماهو الفكر؟ ما هي الحياة؟ ماهو الموت؟ فكيف السّبيل إلى التّبصّر؟ ثمّ ما هي الطّريقة لتحديد الجواب عن التّساؤلات والنّفاذ منها إلى الأجوبة الصّحيحة؟
على الرّغم من أنّ هذه الدّراسة لا ترى ضرورة التّطرّق إلى تطوّر بعض المشاريع التّكنولوجيّة في المختبرات العامّة والخاصّة، ذلك لأنّها تتمركز حول فائدة الخوارزميّات أو دورها في تحديد سلوكيّات الأفراد من خلال الإشكاليّة العامّة الآتية: بماذا غيّرت أو لم تغيّر هذه المشاريع الشّديدة الذّكاء طريقة عيشنا؟ هل يجب الاعتراف أنّ الوقائع المحلّلة موضوعيًّا تدلّ على أنّنا بتنافس مستمرّ وفاعل مع الآلة؟ وماذا نقول عن التّحوّلات العنيفة في الهويّة البشريّة وما ينبثق عنها انزياحًا في سلوكيّات الإنسان على المستويين الاجتماعيّ والأخلاقيّ من جهة، ومصير ومستقبل ومفهوم الوجود والماهية والكينونة، من جهة أخرى؟
وقد قسمنا الدّراسة إلى مقدّمة وأربعة أقسام فخاتمة عامّة تلخّص تقسيماته وأفكاره الرّئيسة. خصّصنا القسم الأوّل للنّاحية النّظريّة. وحاولنا في القسم الثّاني أن نكتشف في خزائن الكتب أهمّيّة الدّور الذي قدّمه الخوارزميّ في نشأة الخوارزميّة. وهو يرسم لنا الطّريق إلى فهم الذّكاء الاصطناعيّ وابتكاره. ثمّ كرّسنا الفصل الثّالث لنلقي الضّوء على آثار الخوارزميّات في حياتنا اليوميّة، وهي، في الحقيقة، غشاوة فكريّة، تقصينا عن لبّ قضايانا، وتحول دون إدراكنا عللها كي نتمكّن من معالجتها. ويشتمل هذا الفصل على أمثلة عن تلاعب الخوارزميّات بالأفراد، وهذا من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدًا، وأن يسبّب مزيدًا من الانفجارات العنيفة ويفتّت الكيانات الاجتماعيّة. وأخيرًا، طرحنا في الفصل الرّابع مسألة خطيرة للغاية تتميّز بمحاولات متكرّرة، مدعومة دوليًّا، تهدف إلى إمكانيّة الوصول إلى ما بعد الإنسانيّة. بل أكثر من ذلك فإنّ شرخًا ضخمًا أصبح يفصل كلًّا من الذّكاء البشريّ من جهة والذّكاء ما بعد الإنسانيّ من جهة ثانية. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا الأخير بات واقعًا وحقيقة. وقد طوّرنا هذا التّنظير مع تقدّم الدّراسة، فجاء تتويجًا لها وليس استباقًا، وبخاصّة في الفصلين الثّاني والثّالث.
أوّلًا- النّاحية النّظريّة: إنّ هذه الدّراسة لا يمكن أن تدّعي الإحاطة الشّاملة بمسألة بمثل هذا التّعقيد والاتّساع. وجلّ طموحها الإسهام في وضع بعض الصّور التي قد تسهَل تطوير أبحاث لاحقة. لذا حدَّدت دراستنا نفسها طوعًا بإطار دور الخوارزميّات العربيّة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ وتطوّرها وأثرها في حياة الإنسان ومصيره، الذي أصبح في بعض الحالات “سيبورغات”. إنّنا بحصرنا حقل البحث ضمن الحدود المشار إليها، أمكننا البقاء ضمن إطار اجتماعيّ وعلميّ وفلسفيّ متجانس نسبيًّا، الأمر الذي ساعد على الوصول الى مستوى معيّن من التّنظير، بدا لنا أنّ فيه قدرًا من الفائدة. إنّ بحثًا كبحثنا يقدّم إلى القارىء بعض المعالم الفكريّة للجواب على هذه التّساؤلات بشرح، من منظور متعدّد التّخصّصات، القرارات المهمّة التي تنفّذها الخوارزميّات، اليوم، في مجالات عديدة ومتنوِّعة، وذلك لاستنباط سلسلة من المشاكل تتمحور كلّها سلبًا أو إيجابًا حول الإنسان والمجتمع، والاتّجاه الذي تعمل به الخوارزميّات، جامعةً أو مفرّقةً، حافزةً أو مثبطةً، بانيةً أو مهدّمةً.
من هنا تبرز أهمّيّة فهم ماهية الخوارزميّات على ضوء المعطيات السّوسيو-تكنولوجيّة والفلسفيّة. لذا تركّز سعينا، على امتداد الدّراسة، على تسليط الضّوء على نشأة الخوارزميّات والقواعد النّاظمة للعلاقات بينها وبين مستخدميها، وعلى تطوّرها ونتائجها. ومن المؤكّد أنّ دراستنا اقتضت حشدًا من المعلومات المتمحورة حول التّكنولوجيا والعلوم التي عبّر عنها غاستون باشلار (Gaston BACHELARD)([10]) في كتابه “مقال حول المعرفة التّقريبيّة” قائلًا: “أن تعرف التّكنولوجيا هو أن تصف لكي تجد”([11]). أمّا القراءة الأولى فهي لعالم الاجتماع دومينيك كاردون (Dominique CARDON) ([12]) في كتابه: “الثّقافة الرّقميّة” وقد فسر مصطلح الثّقافة على النّحو التّالي: “مجموع الآثار التي يمارسها على مجتمعنا الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلومات”([13]). لقد تمكّن في كتابه هذا من تصوير عالم جديد من العلاقات الاجتماعيّة بحجم لا مثيل له ووصف توليفة مركّزة لما أحدثته الثّورة الرّقميّة في حياتنا، وموجزًا شاملًا يبلور تصوّرًا نسبيًّا يأخذ على عاتقه توضيح كيف أثّر سياق متصفّحي الإنترنت واختياراتهم في ولادة المعلومة وتحديد قيمتها، وكما يقول في مقدّمته: “ندخل في عالم جديد يغنيه الرّقميّ ويحوّله ويراقبه… من المهمّ أن نُجَهَّز بمعارف متنوّعة ومشتركة الاختصاصات لكي نحيا فيه بخفّة وحذر، لأنّه، إذا كنّا نحن مَن يصنع الرّقميّ، فالرّقميّ يصنعنا بدوره”([14]).
وبوسعنا أن نلاحظ أنّه يشدّد على فكرة احتمال “إمكانيّة معرفة المصائر الفرديّة بدقّة ومخاطبة الأفراد. وهذا الوضع يعني الإمكانيّة من التّحرّر من التّضامن الاجتماعيّ”([15]) ، وهو يقدّم الخوارزميّات ويعرّف بها أنّها “سلسلة من التّعليمات تسمح بالحصول على نتيجة”([16]). وكلّما أمعنّا الفكر في بنيتها المنطقيّة، وجدنا أنّ عائلة الخوارزميّات تقوم بإجراء عمليّات حسابيّة على مجموعات كبيرة من البيانات أو ما يسمّى ب “بيغ داتا”، وهي تؤدي دورًا أساسيًّا إذ يمكنها العمل على تصنيفات، وتسهّل تحديد المعلومات، ما يمكّنها من استخلاص ملفّات التّعريف للأفراد (بروفايل) الذين عادة ما يكونون مستهلكين للمعلومات. وليس غريبًا إذا استثمرت تجاريًّا من خلال بيع الإعلانات للأفراد بحسب اهتمامات كلّ منهم، كما أنّها قد تستخدم للتّلاعب بهم من خلال محاولة التّأثير في خياراتهم. هنا أيضًا أثار كاردون قضيّة ما بعد الحداثة أو (Le postmodernisme)، ونبّه إلى القرارات الرّئيسة التي تتّخذها الخوارزميّات، اليوم، من خلال تصنيف الأفراد وتحديد المؤسّسسات، الأمر الذي له تأثير كبير في عمل المجتمعات والدّول، وهذا ما عبّر عنه كاردون بعبارة “الفيزياء الدّقيقة للسّلوكيّات”([17])، لا سيّما من خلال الحسابات الشّخصيّة من الشّبكات الاجتماعيّة كتطبيق فيسبوك الذي عدّه “وسيلة للدّخول إلى النّظام الاجتماعيّ لإعادة الأفراد إلى سلوكهم السّابق، ومن هنا، حساب الخوارزميّات يمارس هيمنته”([18]). ويتابع كاردون أنّ مستخدمي هذا التّطبيق “تقيّدوا بسلوكيّاتهم”([19])، وبالتّالي “تبرمجوا بشكل تلقائيّ لإعادة الاندماج في المجتمع وفي أنفسهم”([20]) في عوالم صغيرة غير قابلة للقياس.
ومن الثّابت اليوم، على ما يبدو، انتشار البيانات الرّقميّة بسرعة كبيرة، ونظرًا إلى ذلك، نلاحظ تحوّلًا في مفهوم الخوارزميّات وفي معناها، انطلاقًا من وجهة نظر سادان (SADIN)([21])، وهو الذي على غرار كاردون، يجد أنّ هذه الأخيرة تساهم في تغيير العالم لترتبط بصيغة “الجهاز الإجمالي الرّياضيّ([22]). ويجدر بنا أن نضيف أنّ هذا المؤلّف سلّط الضّوء انطلاقًا من ذلك على أنّ هذا الجهاز حوّل العالم إلى “غرفة تحكّم” ([23]) لأنّه يوزّع على المستوى الفنّيّ، الزّماني والمكانيّ، عمليّة واحدة تنطوي على اجتماع جميع الكيانات البشريّة وغير البشرية تحت رحمة الحساب. يعرض في كتابه: La vie algorithmique. Critique de la raison numérique :
“يهدف البانوبتيكان (المشتَمَل) الإلكترونيّ (panopticum électronique) إلى أن يضمّ ظروفًا إجماليّة، ولكن أكثر، إلى أن يجعل حالات جديدة أنتروبولوجيّة (أي متعلّقة بعلم الإنسان) ممكنة، قائمة على تقدير مستمرّ للحالات، وتسوية آليّة بين الوحدات العضويّة والبدنيّة، في سبيل تجنّب أيّة خسارة والميل إلى التّعظيم المطلق”([24]).
غير أنّه لا يفوت سادان أن يلاحظ “علاقة الطّاعة”([25]) بين المستخدمين والخوارزميّات، إذ إنّ “فئة المهندسين”([26])، و”المهندسين المبرمجين”([27]) بسطوا سلطانهم المطلق وأعطوا نفسهم الحقّ في “اتّخاذ القرار بأنفسهم وفي كثير من الأحيان بمفردهم بشأن طبيعة ابتكاراتهم”([28])، وما كان لطموح كهذا إلّا أن يؤدّي إلى “الحكم الذّاتيّ الذي منحهم نوعًا من المكانة المشابهة لمكانة الفنّان، أحرار في تنفيذ مشاريعهم حسب رغباتهم وتصاميمهم”([29]). هذه الفئة سوف تسيطر تحت اسم “سلطة التّكنولوجيا”([30]) التي أطلق عليها سادان اسم “رؤية شاملة للبيانات”([31]).
يتمسّك، على كلّ حال، سادان وكاردون بالازدواجيّة الثّنائية فرد/ مجتمع([32]) التي اقترنت بالذّكاء الاصطناعيّ، وهي تتَجه نحو تكوين علاقة أحاديّة تسيطر عليها الهيمنة، والاستسلام، والاستنساخ.
قراءة ثالثة هي للفيلسوف والعالم السّياسيّ فرنسيس فوكوياما (Francis FUKUYAMA) ([33]) الذي يسلّط الضّوء على حركة ما بعد الإنسانيّة (Le transhumanisme)، وهي حركة اجتماعيّة وفكريّة جديدة تعزِّز، من خلال استخدام الإنسان التّكنولوجيا والعلوم، قدراته العقليّة والمعرفيّة والفيزيائيّة. هذه الحركة اقترنت ب “ظاهرة عالميّة وحركة ثقافيّة قائمة على فكرة ألا وهي أنّ الإنسان قادر على استخدام العقل والعلم والتّكنولوجيا لتجاوز حدوده البيولوجيّة وتقليص مختلف أشكال المعاناة المتأصّلة في الحالة البشريّة على حدٍّ سواء”([34]). والجدير بالملاحظة أيضًا أنَّ الهدف من هذه الحركة هو تنشيط قدرات الإنسان والتَصدّي لكلّ ما يعتبر علل في المجتمع أو اضطرابات جسديّة أو عقليّة. كما أنَّها ترتكز على تقدُّم علم الأحياء والذّكاء الاصطناعيّ، وتنفذ إلى إلغاء أو تأخير الشّيخوخة وكذلك الأمراض المزمنة والمستعصية… و الموت. وترتيبًا على ذلك نستطيع أن نقول إنَّ هذا معناه ظهور إنسانيَة جديدة. بيد أنَّ هذه الحركة اقترنت بعاقبة، ربَما تكون، بحسب قوله “الأكثر خطورة في العالم” ([35]) لأنها تهدّد “مفهوم الهويّة الإنسانيّة وهويّة النّوع البشريّ، فمن الممكن أن يتسبّب الفيض الغزير المتلاحق من المعارف الوراثيّة والبيولوجيّة في أن يظهر منّا جنس بشريّ جديد ينقلب علينا فنفنى، وبمعنى آخر تعديل المعطيات البيولوجيّة الأساسيّة لأفراد النّوع معناه نهاية الإنسان”([36]). وقد تساءل عن خطورة هذه المرحلة:
ما الذي يجب أن نقوم به إزاء البيوتكنولوجيا التي ستمتزج، في المستقبل، المزايا المحتملة الهائلة بتهديدات قد تكون بدنيّة وواضحة أو روحيّة وخفيّة؟ الإجابة واضحة : علينا أن نلجأ إلى سلطة الدّولة لتنظيمها، فإذا ما اتّضح أنّ هذا يفوق قدرة أيّة دولة بمفردها، فلا بدّ أن يكون التّنظيم على المستوى الدّوليّ. علينا من الآن أن نبدأ التّفكير بشكل واقعيّ حول الطّريقة التي نقيم بها مؤسّسات قادرة على أن تميّز بين الاستخدام الطّيّب والاستخدام الخبيث للبيوتكنولوجيا، وأن نفرض وبشكل فعليّ قوانين وطنيّة وقوانين دوليّة([37]).
ثانيًا- معادلات الخوارزميّ الرّياضيّة: ماهيّتها وتطوّرها ودورها المحوريّ في ابتكار الذّكاء الاصطناعيّ
من البديهيّ أنّه لا يفوتنا أن نلاحظ أنّ أبا عبدلله بن موسى الخوارزميّ الذي ولد على الأرجح إبان القرن التّاسع للميلاد في آسيا الوسطى في مدينة تدعى “خوارزم” كان أوّل من مهّد السّبيل أمام العلماء بارتكازه على مبدأ مقرون بحلّ يتميّز بسمة البساطة: اتّباع مجموعة من التّعليمات من أجل إكمال مهمّة محدّدة. ومن المرجّح أنّ الخوارزميّ كان نموذجًا ساطعًا من الشّخصيّات العظيمة التي كانت بمثابة “مفاتيح ربط حدوديّة عبر التّقاليد العلميّة والثّقافيّة والدّينيّة” كما أشار رئيس منصّة جنيف للإنترنت، الدّكتور يوفان كورباليا”([38]) (Jovan KORBALIA). بهذا الصّدد يتبيّن لنا استفادة الخوارزميّ ممّن سبقوه. وتتأكّد صحّة ذلك بوجه خاصّ في المسائل الرّياضيّة. فبالاحتكاك مع الحضارة الهنديّة طوّر الخوارزميّ العمليّات الرّياضيّة بعد تناول الأرقام والصّفر من عندها. ويزوّدنا عمر فروخ([39]) هنا بشهادة كبيرة الفائدة: “وقبله استخدم العرب تلك الأرقام الهنديّة لكنّ الخوارزميّ أعلى من قيمتها حين استخدمها في المسائل الحسابيّة، لأنّ الهنود كانوا يستخدمون الأرقام كرموز فردة لا قيمة لها”([40])؛ ففضلًاعن أعماله الفلكيّة المهمّة التي تشرح القواعد الأولى للنّسب المثلّثيّة (تانجانت، سينوس، كوسينوس)، يقدّم “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة” على كلّ حال معلومات ثمينة عن الحياة العمليّة الخالصة والمرتبطة بحياة النّاس اليوميّة. يوضح في بداية الكتاب:
“ألّفت من كتاب الجبر والمقابلة كتابًا مختصرًا حاصرًا للطيف الحساب وجليله لما يلزم النّاس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون ببينهم من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه”([41]).
وأيضًا يحسن بنا أن نلحظ ، في الصّفحة الأولى من هذا الكتاب، تعريف النّظام العشريّ:
وإنّي لمّا نظرت في ما يحتاج إليه النّاس من الحساب وجدت جميع ذلك عددًا، ووجدت جميع الأعداد إنّما تركّبت من الواحد والواحد داخل في جميع الأعداد. ووجدت جميع ما يلفظ به من الأعداد ما جاوز الواحد إلى العشرة يخرج مخرج الواحد ثمّ تثنّى العشرة وتثلّث كما فعل بالواحد فتكون منها العشرون والثّلاثون إلى تمام المائة، ثمّ تثنّي المائة وتثلّث كما فعل بالواحد وبالعشرة إلى الألف، ثمّ كذلك تردّد الألف عند كلّ عقد إلى غاية المدرك من العدد”.
والجدير بالملاحظة هنا، أنّ شجاع بن أسلم([42])، أحد علماء معاصري الخوارزميّ، يقول في معرض كلامه عن مقدّمة كتاب الجبر والمقابلة: “وكنت كثير النّظر في كتب العلماء بالحساب، والبحث عن أقاويلهم، والتّفتيش لما رسموا في كتبهم، فرأيت كتاب محمّد بن موسى الخوارزميّ، المعروف بالجبر والمقابلة، أصحّها أصلًا وأصدقها قياسًا. وكان ممّا يجب علينا معشر الدّارسين، من التّقدمة والإقرار له بالمعرفة والفضل، إذ كان السّابق إلى كتاب الجبر والمقابلة والمبتدىء له والمخترع لما فيه من الأصول التي فتح لنا بها ما كان منغلقًا، وقرَب بها ما كان متباعدًا، وسهًل بها ما كان معسرًا، ووضّح بها ما كان ملتبسًا”([43]). وعلى ضوء هذه الشّهادة، يخيّل إلينا أنّ حساب الجبر والمقابلة أصبحا بفضل الخوارزميّ، علمًا “متكاملًا له أصوله وألفاظه وطرائقه وبراهينه”([44]).
ولا مفرّ لنا بالتّالي من أن نلاحظ، وبحسب الجابري، “اشتقاق كلمة “لوغاريتم” من اسم الرّياضيّ الكبير “الخوارزميّ” الذي ابتكر علم الجبر وأسماه “علم الجبر والمقابلة” وهو أصبح فرعًا من الرّياضيّات”([45]). وإلى
هذا أضاف: وقد استخدم كلمة جبر دلالة على أنّ طرف المعادلة الأوّل يجبر أو يكمل طرف المعادلة الآخر بنقل المقادير السّلبيّة إلى طرف آخر بالزّيادة فلا تبقى غير المقادير الموجبة فقط. أمّا كلمة المقابلة فتنطبق على الطّريقة التي نقوم فيها بحذف طرفي المعادلة المتقابلين([46]).
زد على ذلك، عمد الخوارزميّ وغيره من علماء الرّياضيّات، “إلى إدخال الصّفر في سلسلة الأرقام”([47]) وهذا من دون أن نتحدّث عن ابتكاراته في “استخدام الأرقام العربيّة المستعملة اليوم دوليًّا”([48]).
والشّيء المحقّق أنّ عنوان هذا الكتاب ينبئنا بالتّقنيّات التي يحسن بنا استخدامها لحلّ مسائل الجبر. وكرّس لنا أيضًا سلسلة “من الحلول للمعادلات الخطّيّة والتّربيعيّة من الدّرجتين الأولى والثّانية, باستخدام مجموعة من القواعد والإجراءات([49])، ولا سيّما التي تعرف الآن باسم الخوارزميّات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الكلمات حظيت على قدر من الجدّيّة كاف لاستنباط الفكر الرّياضيّ للخوارزميّ. أضف إلى ذلك أنّ الخوارزميّ استعمل الرّموز أو الأحرف إلى جانب الأرقام. وهذا ما شرحه خليل ناجي([50]) في مقاله “المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ”.
استخدم الخوارزميّ الرّموز (الأحرف) إلى جانب الأرقام منسوقة في مراتبها في المعادلة حدودًا إيجابيّة وأخرى سلبيّة. كما دوّن العمليّة الحسابيّة تدوينًا أبرز فيه ترتيب الأعداد في مراتب (خانات) حتى تبرز الأعداد وتصبح العمليّات من جمع وطرح وضرب وقسمة ممكنة وسهلة([51]).
أضف إلى ذلك أنّ الخوارزميّ تنبّه إلى “الحالات التي يستحيل فيها إيجاد قيمة حقيقيّة للمجهول فقال إنّ العمليّة تكون في هذه الحالة مستحيلة”([52]). وزد على ذلك أنّه “عرف الأعداد السّلبيّة ووضعها في المعادلة كالأعداد الإيجابيّة: مضروبة في أعداد إيجابيّة وفي أعداد سلبيّة (ومقسومة، ومقسومة عليها، ومجموعة مع أعداد سلبيّة، ومطروحة، ومطروحة منها) كما وضع لذلك قواعده الخاصّة([53]).
والشّيء المحقّ أنّ الخوارزميّ طوّر علم الجبر ونظّمه وأخرجه “من نطاق الأمثلة المفردة إلى نظام آليّ ذي قواعد مقرّرة ثابتة”([54]) كما يقول خليل ناجي ويؤكّد، على ضوء هذا الاعتبار، أنّ هذا العلم قد مهّد أمام عالمه السّبيل إلى حلّ كلّ المسائل الحسابيّة المشابهة على القاعدة نفسها لأنّه، وبحسب هذا العالِم الشهير، “إذا حللت بإحدى القواعد مسألة جبريّة فإنّ جميع المسائل المشابهة لتلك المسألة تجري مجراها في الحلّ على تلك القاعدة”([55]). ويبدو هنا جليًّا أنّ الذّكاء الاصطناعيّ كان ثمرة تطوّر علوم الرّياضيّات بصفة عامّة والجبر بصفة خاصّة الذي أسّسه الخوارزميّ في مدرسته الجبريّة. ويقدم لنا الخوارزميّ المعادلة النّهائيّة التي انتهت، كما أشار ناجي، “إلى ستّ مسائل؛ لأنّ المعادلة بين عدد وجذر ومال مفردة أو مركبة تجيء ستّة:
- أموال تعدل جذورًا = مس2 = ب س
- أموال تعدل عددًا = م س2 = ح
- جذور تعدل عددًا = ب س = ح
- أموال وجذور تعدل عددًا = م س2+ ب س =ح
- جذور وعدد تعدل أموالًا = ب س+ ح = م س2
- أموال وعدد تعدل جذورًا = م س2 + ح = ب س”([56]). ويفسّر عمر فرّوخ ويشرح المصطلحات التي استعملها الخوارزميّ على النّحو الآتي: “جذر: كلّ عدد مجهول مضروب في نفسه من الواحد فما فوقه من الأعداد وما دونه من الكسور. ومدار وجذر: جذور وأموال وعدد مفرد لا ينسب إلى جذر ولا إلى مال.
مال: كلّ ما اجتمع من الجذر المضروب في نفسه ويكون في المعادلة حدًّا مجهولًا أيضًا. عدد مفرد: كلّ ملفوظ به من العدد بلا نسبة إلى الجذر ولا إلى مال وهو الحدّ المعلوم في المعادلة”([57]).
وفي الحقيقة، تمكّنت معادلات الخوارزميّ، ومفرداته الأوّليّة ومفاهيمه الأساسيّة من لعب دور أساسيّ في وضع أسس للأنظمة الذّكيّة الحديثة. وبالتّوازي، تلك الطّرق المنتطمة التي اعتمدها والتي بدورها تعيد “جميع مسائل العمليّات الحسابيّة إلى أنواعها الجبريّة الأساسيّة”([58])، وبالتّالي تفسح المجال أمام تطبيق الحساب الجبريّ “على المعاملات التّجاريّة ومسح الأراضي والقياسات الهندسيّة والوصايات”([59]). أحدثت ثورة في مجالات مختلفة انطلاقًا من الرّؤية الحاسوبيّة إلى أنظمة التّوصية والرّوبوتات. وفي مقدورنا من الآن أن ندرك إلى أيّ حدّ يمكن أن تكون الخوارزميّات مصدرًا لأدهى أنواع تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ على غرار النّظريّات والأنظمة الخبيرة والممارسات الجبريّة والقواعد التّحليليّة الجبريّة للخوارزميّ، تمكّنت الآلات من اتّخاذ القرارات والاستنتاج والتّعلّم باستقلاليّة. لذلك من المهمّ، في دراستنا، فهم الأنواع والمفاهيم الأساسيّة لخوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ بغية فهم تعقيداته ومختلف تطبيقاته.
وصحيح أنّ خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ تمكّنت من تحقيق تطوّر مرموق، في السّنوات الأخيرة، بفضل وفرة الكمّيّات الغزيرة من البيانات، أضف إلى ذلك ارتفاع القدرة الحسابيّة والاختراقات الواسعة في البحث الخوارزميّ. وكان يسيرًا لهذه الخوارزميّات أن تعالج وتحلّل كمّيّات البيانات الهائلة بقدر ما كانت قادرة على أن تكتشف الأنماط المخفيّة وتستخلص بالتّالي رؤى قيمة من البيانات. وقد أصبحت، بالفعل، تلك الخوارزميّات فعّالة في حلّ المشكلات الكبيرة والمعقّدة. ولم يكن ذلك ممكنًا بالنّسبة إلى الآلة لولا النّظريّات والقواعد التّحليليّة للخوارزميّ.
ثالثًا- ممارسات الخوارزميّات: ديمقراطيّة أو تحدٍّ؟
لقد أوضحنا آنفًا فضل الخوارزميّات العربيّة في تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ. ولعلّ هذا التّطوّر تحقّق على خير وجه على مرّ السّنين. وقد تمكّنت رحلة خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ أن تحقّق على هذا النّحو تقدّمًا ملحوظًا في تطوير الأنظمة الذّكيّة. ومثل هذا التّطوّر كان من المحتّم أن يتضمّن أساليب مختلفة، وحسبنا أن نذكر، على سبيل المثال، ما شرحته هدى جبّور في مقالها عن خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ: “تضمّنت هذه الأساليب تمثيل المعرفة البشريّة في أنظمة قائمة على القواعد، وتمكين أجهزة الحاسب من محاكاة التّفكير البشريّ وحلّ مشكلات محدّدة ضمن مجالات محدّدة مسبقًا. كان التّطوّر الملحوظ خلال هذه الفترة هو إنشاء أنظمة خبيرة يمكن أن تحاكي قدرات صنع القرار للخبراء البشريّين في المجالات المتخصّصة”([60]).
وتجدر الإشارة، حتّى ضمن هذا الإطار، إلى ظهور التّعلّم الآليّ أو المعزّز الذي كان يعتبر ثورة في خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ لما ينطوي عليه من “الانتقال من البرمجة الصّريحة القائمة على القواعد إلى الخوارزميّات التي تتعلّم من البيانات”([61]). وكتبت جبّور: اكتسبت المناهج الإحصائية بدايةً مكانة بارزة، ما سمح للآلات بالتّعرّف على الأنماط وإجراء التّنبّؤات بناءً على الأمثلة المرصودة. شهد لاحقًا هذا العصر ظهور خوارزميّات مثل الانحدار الخطّيّ والانحدار اللّوجستيّ وأشجار القرار، ما مكّن الآلات من التّعلّم من البيانات المصنّفة واتّخاذ قرارات مستنيرة. كما أدّى تطوير الشّبكات العصبيّة وخوارزميّة الانتشار العكسيّ في هذه الفترة إلى دفع المجال بشكل أكبر من خلال تقديم مفهوم تدريب الشّبكات العميقة([62]).
وقد كنّا رأينا أهمّيّة التّعليم المعزّز في مجالات عديدة كالرّوبوتات والألعاب التي مكّنت الآلات من “التّعلّم من خلال التّفاعلات مع البيئة”([63]). وخير ما يلخّص هذا التّحوّل الكبير المستوحى من علم النّفس السّلوكيّ: تعمل هذه الخوارزميّات على تحسين عمليّات اتّخاذ القرار من خلال تعظيم المكافآت والعقوبات وبشكل تراكميّ. تشمل المعالم الرّئيسيّة لهذه المرحلة تطوير خوارزميّة Q-Learning وتمهيد الطّريق للتّعلّم المعزّز الحديث والتّطوّرات اللّاحقة مثل شبكات كيو العميقة([64]).
ومن الثّابت اليوم، على ما يبدو، تطوّر خوارزميّات التّعلّم العميق في الذّكاء الاصطناعيّ التي غذّتها التّطوّرات العظيمة في القوّة الحسابيّة والكمّيّات الهائلة من البيانات. استنادًا إلى مخطّط التّطوّر هذا، لا نجد بدًّا من التّسليم بأنّه، وبفضل “الاستفادة من فكرة الطّبقات المتعدّدة للشّبكات العصبيّة، تفوّقت خوارزميّات التّعلّم العميق على خوارزميّات التّعلّم الآليّ الأخرى في جميع المهامّ الحسّيّة والإدراكيّة”([65]). وقد أحسنت جبّور هنا أيضًا تلخيص تطوّر الخوارزميّات بقولها: “أحدثت الشّبكات العصبيّة التّلافيفيّة س ن ن س ثورة في مهامّ الرؤية الحاسوبيّة، بينما أظهرت الشّبكات العصبيّة المتكرّرة رن ن س أداءً استثنائيًّا في تحليل البيانات النّصّيّة والزّمنيّة. يتيح عمق هذه الشّبكات وتعقيدها استخراج معلومات عالية الدّقّة من البيانات، وإطلاق العنان لإمكانيّات جديدة في مجالات مثل التّعرّف على الصّور ومعالجة اللّغة الطّبيعيّة والتّعرّف على الكلام([66]).
ولعلّه يمكن القول هنا إنّ تطوّر الخوارزميّات المستمرّ أسهم في تسريع وتيرة تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ. وفي وسعنا الآن أن ندرك أهمّيّة الأساليب الهجينة التي تجمع بين تقنيّات متعدّدة. وتشير جميع الدّلائل، على سبيل المثال، إلى أنّه قد “أدّى دمج التّعلّم العميق مع التّعلّم المعزّز إلى حدوث تطوّرات في مجالات مثل القيادة المستقلّة ولعب الألعاب. وأتاح اندماج الخوارزميّات التّطوّريّة مع تقنيّات التّعلّم الآليّ إنشاء استراتيجيّات تحسين أكثر قوّة. وتستفيد المناهج الهجينة من نقاط القوّة في النّماذج الحسابيّة المختلفة لمواجهة تحدّيات العالم الحقيقيّ المعقّدة”([67]).
وتندرج خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ تحت ستّة أنواع وهي: الانحدار والتّصنيف والعنقدة والتّجميع والتّوليد والتّفاعل. وهي تقسم إلى أربع فئات: التّعلّم الخاضع للإشراف، والتّعلّم غير الخاضع للإشراف, والتّعلّم المعزّز، والتّعلّم الشّبه خاضع للإشراف. وتجدر الإشارة إلى أنّه في مجال الحديث عن الخوارزميّات في الذّكاء الاصطناعيّ وتعلّم الآلة، “نتحدّث عن الإجراءات والعمليّات التي تُطبّق على البيانات لاستكشاف الأنماط “باترنس” والعلاقات السّائدة في البيانات وفهمها والتّعلّم منها، ويكون نتاج هذه الخوارزميّات هو نماذج ”مودلس” يمكن تطبيقها على أرض الواقع”([68]). وبالرّغم من أنّ تطبيق بعض الخوارزميّات وبناءها يعتبر أمرًا سهلًا، إلّا أنّ بعضها الآخر، كما تشير جبّور، ” يتطلّب خطوات برمجيّة ورياضيّات معقّدة. الخبر السّارّ هو أنّه لا يتعيّن عليك في معظم الأوقات أن تبني هذه الخوارزميّات من الصّفر، لأنّ هناك مجموعة متنوّعة من اللّغات البرمجيّة مثل “بيتون” و”ر” والعديد من أطر العمل كـ “تنسرفلو” و”كيراس” و”باي تورش” و”سكايت ليرن” التي تجعل العمليّة سهلة ومباشرة”([69]).
بينما توفّر خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ إمكانات هائلة، فإنّها تطرح أيضًا تحدّيات واعتبارات أخلاقيّة مرتبطة في جوانب كثيرة من حياتنا. في سياق كهذا، لقد شرحت لنا عالمة الرّياضيّات الأميركيّة كاثي أونيل (Cathy O’NEIL) في مؤلّفها “أسلحة الرّياضيات الشّاملة” (2016) والذي صدر بالفرنسيّة تحت عنوان “الخوارزميّات: القنبلة الموقوتة”([70]) بجلاء تامّ الخطر الذي تتعرّض له الحرّيّات الفرديّة والجماعيّة في مجال الشّفافية والتّحيّز الخوارزميّ وأمن البيانات والمساءلة.
على هذا النّحو يظهر بجلاء البعد الاجتماعيّ للمعرفة الذي طُوّر في إطار “السّلطة عند توزيع المعرفة”([71])، وهو بالتّأكيد ليس واقعة منعزلة عن “طبيعة القوّة” للعالم الاجتماعيّ باري بارنز (Bary BARNES)([72]) التي يجوز تفسيرها وفقًا لنهج السّلف، حتّى أرينت (ARENDT) في كتابه “من الأكاذيب إلى العنف”([73]). ويؤكّد سادان من ناحيته في معرض كلامه على السّلطة أنّ هذه الأخيرة هي في واقع الحال مستخدمة حاليًّا ضدّ النّاس. في هذا السّياق الجديد يبقى السّؤال: لماذا يحصل ذلك كلّه؟ والجواب هو، في أغلب الظّنّ، الإخفاقات الهائلة والاختراقات الواسعة والتّحيّزات المتزايدة التي تعزّزها خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ من خلال “التّلاعب بالأفراد بحسب سلوكيّات كلً منهم”([74]). وخير ما يلخّص هذا الوضع الوصف الشّامل ب”الاختلالات والتّصدّعات التي أفضت إليها تكنولوجيا المعلومات من حيث الممارسات المتعلّقة بالتّواصل والاستهلاك”([75]) الذي ركّز عليه كاردون في كتابه “الثّقافة الرقميّة”. وتشير جميع الدّلائل إلى أنّ هذه الخوارزميّات تتوافر في جميع الأمكنة وتتحكّم، كما سنرى، بحياتنا.
ومن شواهد تأثير الخوارزميّات في حياتنا، ورغبة منها في توطيد سلطتها، عملت على تبنّي آراء وحتّى اتّخاذ قرارات ذاتيّة وأحكام مسبقة مدرجة في معادلات رياضيّة أعدّها مبرمجو الخوارزميّات ووضعوها تحت هيمنتهم. والمقصود بمصطلح “مبرمجو الخوارزميّات” بحسب كاردون: “الأطراف الفاعلة الرّئيسة المتسبّبة في هذه الاختلالات والتّصدّعات؛ مهندسون، ومديرون، وعلماء، وسياسيّون، وذلك لتعزيز وجهة نظره وإعادة النّظر في الأدوار المنوطة بأطراف أخرى فاعلة مغمورة غالبًا ما يُغفَل عنها”([76]). وفي مقدورنا الآن أن ندرك حدّة المشكلة لأنّ هؤلاء المبرمجين هم مصدر لأدهى أنواع العلل وذلك لعدم تزويدنا بمعلومات دقيقة ولكن فقط بالمعلومات التي تسمح أن نتطلّع إلى معرفتها “بناءً على معرفتها بالأشخاص الذين يشبهوننا وتفاعلاتنا المشتركة، وهو ما يطلق عليه حاليًّا اسم “الفقّاعات التّقنيّة” التي تضع المستخدم من ضمن “فقّاعة” محصورة باهتمامه فقط، أي أنّها تحدّد طبيعة المعلومات اللّازمة له، بحسب ما تقرّره هذه البرمجات”([77]). ويضيف د. مراد:
“وبهدف تقريبنا إلى أصدقائنا، وتعريفنا إلى أكثرهم نشاطًا على الشّبكة، فإن فايسبوك يحبسنا في فقّاعة “ذهبيّة”. والمشكلة تصبح أكثر وضوحًا عندما نجمع المعلومات لكي نستهدف المُستخدم ونوجّه إليه الإعلانات التي يهتمّ بها، لوضعه في إطار واحد مغلَف إعلاميًّا ومعلوماتيًّا”([78]).
وبموجب الدّراسة الكثيرة التّدقيق والغنيّة التّوثيق، خلص كاردون إلى أنّ الخوارزميّات تهدّد روّاد التّكنولوجيا بالتّحكّم بحياتهم الخاصّة. موقع تويتر، على سبيل المثال، “يحدّد ما يقدّم للأشخاص، وقد بدأ فعلًا بإرسال المعلومات إلى الأشخاص الذين نتفاعل معهم، ثمّ إلى الأشخاص الذين نتابعهم، ومن ثمّ إبراز الأخبار الأكثر شعبيّة التي يرى أنّها قد تستقطب اهتمام كلّ مستخدم، بحسب شخصيّته والصّفحات التي يتصفّحها، حتّى لولم يقم بأيّ فعل”([79]). وضمن هذه المعايير يرسل تويتر رسائل آليًّا إلى عنوان بريد المستخدم، لينبّهه إلى حصول أمر ما، بهدف جذبه. هذه التّفاعلات كلّها تتمّ بشكلٍ آليَ من دون تدخّل مباشر من الإنسان، وهو أيضًا يرسل المعلومات التي تحرّك المشاعر من خلال دراسة سلوك المستخدم. كما أنّه يحسب المدّة الزّمنيّة التي يمضيها في تصفّح كلّ صفحة، فضلًا عن عدد الأشخاص المتابَعين والمتابِعين وعدد “اللَّيكات”([80]).
محرّك البحث غوغل وموقع يوتيوب يقومان أيضًا بالأمر نفسه: ” فللبحث عن كلمة معيّنة فيه، لا تعطي الخوارزميّة النّتيجة ذاتها لشخصين يجلسان جنبًا إلى جنب، لأنّ غوغل يعرف الباحث من خلال خوارزميّة دراسة السّلوك، وهو يأخذ بالاعتبار 57 مؤشّرًا مختلفًا لكي يجيب على طلب المُستخدِم، كالعمر، والجنس، وعمليّات البحث السّابقة، والموقع الجغرافيّ، ونوع الحاسوب وقوّته، ودقّة شاشته، وتكرار عدد النّقرات على رابط معيّن”([81]) وكذلك، “من يبحث عن مقاطع فيديو في موقع يوتيوب، يجد دائمًا المعلومات نفسها التي بحث عنها سابقًا، والمعلومات المتعلّقة بها، وتلك التي تُشبهها”([82]). هذا ما يعرّف به كاردون ب “تذييت الأفراد أي تحوّلهم نحو مزيد من الذّاتيّة”([83]). ومن ثمّ يجدون نفسهم داخل فقّاعة المعلومات التي تهمّهم، وسيصبح بالتّالي لكلِّ مستخدِم خدمة مفصّلة وخاصّة به.
رابعًا-مرحلة ما بعد الإنسانيّة: بديهيّ أنّ الإنسان لا يجوز له أن يقف موقف اللّامبالاة إزاء نظائر التّطوّر المتلاحق في مجال التّكنولوجيا الرّقميّة والبيولوجيا وعلوم الذّكاء الاصطناعيّ والمعلوماتيّة. من جهة أولى لأنّ عالمنا المعاصر يشهد تطوّرًا سيبرانيًّا، معرفيًّا، وانفجارًا بيو-تكنولوجيًّا لا يستهان به في حقل العلوم، ومن جهة ثانية، لأنّ التّغيّرات الاجتماعيّة تطرح في كلّ مكان مشكلات ومعضلات وتبعث على القلق حيث وقعها سيكون ملفتًا، ومنها على وجه الخصوص، لا الحصر في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانيّة “كونها اعتادت أن يكون الإنسان العاقل هو محور دراساتها وتجاربها ومقارباتها”([84]) فانطوت دراسة الفلاسفة المعاصرين عن “الإحراجات والمآزق التي صار إليها العقل الغربيّ في العصر المعاصر، وهو عصر ما بعد النّهايات، أي عصر الما بعديّات. ومن ضمن الما بعديّات التي وقع الجدال حولها، وتجري في الوقت الرّاهن صياغة فصولها ومحاورها “ ما بعد الإنسان” أو في صيغة أخرى “ ما بعد الإنسانيّة”، كمقابل أو نقيض أو حتّى نشأة مستأنفة لسرديّة أخرى هي مرحلة الانسان العاقل ([85]).
ومن المفيد أن نوضح هنا، صعوبة تعريف مصطلح “ما بعد الإنسانيّة”. وإذا كانت كفّة الميل إلى الرّغبة الجامحة في استغلال التّكنولوجيا لتحسين خصائص النَّوع البشريّ وشروط الوجود ذاته([86]) رجّحت، على المدى الطّويل كفّة النّبوءة “التي اشتهر بها ميشيل فوكو (Michel FOUCAULT)([87]) معلنًا من خلالها عن ميلاد جديد للإنسان، هو إنسان النّسق ما بعد البنيويّ، حيث تكون اللّغة هي السّمة أو الدّالّ الرّئيس على هذا الإنسان”([88]). ولعلّه يمكن القول من جهة أخرى، إنّ مرحلة “ما بعد الإنسانيّة” التي ينبئنا بها بعض المفكّرين ما كانت في تطوّرها تفتح باب نهاية مرحلة النّزعة الإنسانيّة إلّا لتؤكّد الحديث عن هذه المسألة.
يزعزع بصورة جذريّة مزاعم المدافعين عن الجنس البشريّ، القائلة بهيمنة الإنسان على مختلف صور الحياة، ويزيل أوهامًا ترسّبت وترسّخت حول انفصال الإنسان عن بقيّة أجزاء الطّبيعة باعتباره مركز الكون وقطب الرّحى فيه. هو خطاب يقطع الصّلة مع الثّنائيّات (عقل/ جسد، إنسان/طبيعة، إنسان/حيوان، إنسان/آلة) التي شكّلت جوهر خطاب الحداثة: لقد وهب التّطوّر دومًا للكائنات الحيّة قدرات على التّكيّف تمكّنها بشكل أفضل من البقاء، وربّما أدّى مزج الخصائص الميكانيكيّة والبشريّة إلى استحداث صنف من الكائنات يمتلك إمكانات أكثر تفوّقًا من أجل البقاء. وقد يكون البشر، بحسب هذا المنحى من التّفكير، في طريقهم لصنع الأجسام للمرحلة القادمة من التّطوّر البشريّ([89]).
على هذا النّحو، تمّ تداول هذا الخطاب المعاصر والذي شكّل “التّقارب بين النّانو-تكنولوجيا والبيو-تكنولوجيا والمعلوماتيّات والعلوم المعرفيّة والتي تعرف اختصارًا ب “ن ب ي ك” (NBEK) مناسبة هامّة لتصدر خطاب ما بعد الإنسانيّة. ويعتبر ظهور هذه التّقنيّات، كما يلاحظ كثير من الاختصاصيّين، “فرصة لتطبيق أفكار ما بعد الإنسانيّة، بالاعتماد على الفكرة التي تقول إنّ كلَّ ما يمكن فعله سينفّذه العلم عاجلًا أم آجلًا، ففي الإنسانيّة الجديدة سوف يكون الإنسان مدموجًا بالحاسوب”([90]). ووفقًا لهذا التّصوّر تعدّ مرحلة “ما بعد الإنسانيّة» بمثابة القطيعة التّاريخيّة والمعرفيّة مع المرحلة الإنسانويّة والنّزعة الإنسانيّة (Humanisme). فالجنس البشريّ اليوم على عتبة إبستيمي جديد، يتمّ فيه الانتقال من طور الإنسان العاقل (homosapians) إلى طور تكنو-إنسان (Tehnosapians)([91]). تقدّم لنا مرحلة “ما بعد الإنسانيّة” نموذجًا آخر من التّطوّر ذاته، وهو تطوّر أحسنت كاترين هايلز (Catherine HAYLES)([92]) وصفه حينما قالت: “إنّ النّاس هم أصلًا على طريق ما بعد الإنسان، حيث أنّهم يستخدمون التّكنولوجيا لتعزيز وتوسيع القدرات البشريّة، كالهواتف المحمولة والإنترنت والأطراف الصّناعيّة الطّبّيّة وما إلى ذلك”([93]). ولن تشبه هذه المرحلة من قريب أو بعيد المرحلة التي سبقتها. فحلم جلجامش([94]) سيتحقّق أخيرًا و أحلام الإنسان التي كانت مستحيلة في بادىْ الأمر ستتحقّق- بفضل تغلّب الذّكاء الآليّ على الذّكاء البشريّ -كالخلود والشّباب الدّائم حتّى المخضرمون توصّلوا إلى اقتراح مؤدّاه “تجميد الإنسان قبل موته، ثمّ إعادة إحيائه عند تطوُّر هذا النّوع من العلوم”([95]). وهذه المهمّات باتت ممكنة اليوم بفضل عبقريّة هذه المخلوقات التي عبّر عنها راي كيرزويل (Ray KURZWEIL) ([96])، الأميركيّ الذي تنبّأ بعصر ما بعد الإنسانيّة:
“سيكون القرن الواحد والعشرون مختلفًا ذلك أنّ الجنس البشريّ مختلف، فسوف يستطيع الجنس البشريّ بمساعدة تكنولوجيا الكمبيوترات التي ابتكرها حلّ مشكلات قديمة قدم الدّهر، مثل الفقر، وربّما الرّغبة، وستكون لديه القدرة على تغيير طبيعة الموت في مستقبل ما بعد الكائنات الحيّة”([97]).
ويضيف كيرزويل: “إنّنا، وخلال السّنوات العشرين المقبلة، سنكون قد نجحنا في بناء نانو روبوتات تدخل الأدمغة البشريّة من خلال الشّعيرات الدّمويّة، وتعمل على ربط القشرة المخّيّة (كورتكس) للإنسان مع نيوكورتكس اصطناعيّ في السّحاب (كلاود)، وبالتّالي تعزيز الإنسان لكي يصبح موسعًا (أكستانسيبل) بنظام تفكير خارجيّ هجين، قائم على المكوّنات البيولوجيّة وغير البيولوجيّة، وبالتّالي سيتمكّن الإنسان المعزَّز من السّيطرة على قدراته المعرفيّة والجسديّة”([98]). وخير من عرّف بهذا الإنسان المعزّز المهجن (سيبرنتك اورغانسم) الأنثروبولوجي وعالم الاجتماع الفرنسيّ دافيد لو بروتون (David LE BRETON)([99]) بأنّه “بقيّة إنسان مزيَّن بترميمات، ومنبّهات، وبطّاريّات، وأجهزة ميكروبيّة تحلّ محلَّ الوظائف الفيزيولوجيّة أو الأعضاء التي تعمل بشكل غير كاف”([100]). أهي مبالغة من جانب أحد كبار منظّري حركة ما بعد الإنسانيّة أم أنّ الأمر سيكون كذلك حقًّا؟ هل ستوضع الأفكار والوعي في شرائح إلكترونيّة؟ هل سيُصنع الإنسان البيونيكي المعزّز بقدرات إلكترونيّة؟ وهل سيتولّى الإنسان عمليّة الخلق بنفسه ويصبح بذلك الإنسان /الإله؟ (Homo-Deus).
ومن هنا تحديدًا، وعلى ضوء هذه الاعتبارات، يخيّل إلينا أنّ المفاهيم الكلاسيكيّة ذات الأساس البشريّ والتي تختزل الإنسان في كوجيتو الذّات، ناهيك عن التّصوّر الدّيكارتيّ والكانطيّ والأرسطيّ … أمر في غنى عنه لكلّ مَن يسعى في المخابر البيوتكنولوجيّة إلى حدّ الفوارق بين الآلة والإنسان، “ويضع حدًّا لفكرة هيمنة الإنسان، وأوهام التّفوّق البشريّ، أي تفكيك المركزيّة البشريّة على جميع الصّعد”([101]).
وليس غريبًا، في المقابل استبعاد الإنسان وإقصاؤه كونه، وبحسب بول وكوكس “لم يعد صاحب المكان ولا الزّمان في الحضارة السّيبرنيّة”([102])، في خطوة لأنسنة الرّوبوتات. وعلى هذا النّحو، هناك من حذَّر من هذه الفكرة وذهب في استبصاره بعيدًا وتساءل:
هل من المعقـول الافتـراض أنّـه قـد يكـون لدينـا بحلـول 2050 أجهـزة إنسـان آلـيّ يمكنهـا أن تتواصل مع البشـر بذكاء، وآلات لها عواطف بدائيّة وقدرة على تمييز الحديث، وتمتلـك الحـسّ والـذّوق السّـليمين؟ وبعبـارات أخـرى سـنكون قادريـن علـى الـكلام معهـا، والحصـول علـى محادثـات شـائقة إلـى حـدّ مـا؟ ومـن أجـل العمـل فـي مجتمـع حديث، فمن الضّروريّ أن يكون للإنسان الآليّ عواطف ومقدار معيّن من التّمييز، حتـّى يتمكّـن البشـر مـن التّواصـل معـه بسـهولة. وقـد يزيـد هـذا مـن درجـة التّعلـق بالإنسان الآليّ. وقـد يورثـه([103]).
ومن اللّافت للنّظر أنَّ هذا الجوّ العامّ الذي اشتدَّت رياحه الفكريّة بعد انفجار الثّورة التّكنولوجيّة وتوسيع عمليّات أبحاث ال”إنبيك” تحت شعارات السّيطرة والسلطة الواسعة والمطلقة على الطّبيعة غير الإنسانيّة والإنسانيّة، أثَر تأثيراَ بالغًا في ما سيكون عليه الإنسان في هذه المرحلة إذ تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ بشكل تصاعديّ حادّ في السّنوات الأخيرة. وقد نجحت الخوارزميّات السّريعة في التّنفيذ والحديثة والتي تقوم على التّعليم العميق والتّعليم الآليّ بأن تخلق الظّروف المناسبة التي هدفت إلى دراسة مشاريع- كالتي أعلن عنها مؤخّرًا مارك زوكربرغ (Mark ZUCKERBERG) ([104])، وهو مؤسّس شركة فيس بوك- تشبه التّخاطر الرّقميّ وتعتمد على التّواصل بين الحاسوب والدّماغ، أو ربّما بين الأدمغة في ما بينها.
هذا في الحقيقة ما تخوّف منه أحد الفلاسفة الأميركيّين الكبار فرنسيس فوكوياما عندما ندَّد بفكرة “مجاوزة الإنسانيّة”([105]) لأنّها، وبحسب قوله، “فكرة تتهدّد مفهوم الهويّة الإنسانيّة وهويّة النّوع البشريّ”([106]). هذا إضافة إلى “أن يتسبّب الفيض الغزير المتلاحق من المعارف الوراثيّة والبيولوجيّة في أن يظهر منّا جنس بشريّ جديد ينقلب علينا فنفنى، وبمعنى آخر تعديل المعطيات البيولوجيّة الأساسيّة لأفراد النّوع معناه نهاية الإنسان”([107]).
وأمام هذا الوضع المأسويّ، المتأزّم إلى أقصى درجة، تمسّك عالم الاجتماع والفيلسوف يورغن هابرماس (Jurgen HABERMAS)([108]) بقضية جوهريّة، ألا وهي “هويّة الإنسان النّوعيّة”([109]) ، وطالب ب”عدم قابليّة التّلاعب بالشّخص الإنسانيّ: فالمسألة معياريّة، ورهان العلوم الإنسانيّة هو رهان إتيقي بالدّرجة الأولى، ملقى على عاتق الفلاسفة، فمن الواجب عليهم أن يضعوا محاذير لهذه التّقنيّة الجينيّة، التي تستهدف مستقبل الطّبيعة الإنسانيّة من خلال أخلقتها ووضع ضوابط تحدّ من هيمنتها بالاعتماد على إتيقا التّواصل”([110]).
وليس غريبًا أن ينحرف الأمر عن الجانب البيوتكنولوجيّ وتمتدّ جذوره وفروعه إلى الثّورة الصّناعيّة الرّابعة. وسرعان ما تتحوّل البشريّة الى جبل جديد من المجتمعات التي تتفنَّن في استجماع طاقاتها لتبقى في مراتب التّسلّط. هذا الجبل “يتعدّى ما تمّت تسميته مجتمع المعلومات، ليظهر مجتمع ما بعد المعلومات”([111]). وخير ما يلخّص هذا المآل:
يعتقد بعض المنظّرين أنّ العلاقة بين الإنسان والآلة في “مجتمع ما بعد المعلومات سوف تترك بعض التّداعيات الإنسانيّة السّلبيّة، لأنّ من شأن ذلك أن يفصل الإنسان تدريجيًّا عن محيطه الاجتماعيّ والبشريّ الطّبيعيّ، وأن تفقد العلاقات البشريّة مرونتها التّقليديّة، ويجعلها أكثر صلابة وجمودًا، فتتحوّل طرق التّفكير والتّفاعلات البشريّة من التّعقيد المفيد إلى التّنميط ولو كان منتجًا”.
صحيح أنّ حركة ما بعد الإنسان لم تأخذ بعد طريقها إلى التّطبيق في العالم، لكنّها، ومن دون أدنى شكّ، تحمل مقوّمات هويّة فيها الكثير من الالتباسات والأسئلة والمعميات التي كان عالم الاجتماع الفرنسيّ دافيد لو بروتون أشهر طارحيها إذ تساءل:” كيف نلغي الجسد أو نجعله أكثر فعاليّة من خلال استبدال بعض عناصره، من دون أن نُفسد، في الوقت نفسه الوضع البشريّ؟ ما مدى تأثير زرع عضو كالدّماغ مثلًا على الهويّة الإنسانيّة؟ هل الإنسان المزيد أو المجاوز الذي جرى تعزيزه ليصبح «ما بعد إنسان» يظلّ نفسه؟ إذا صار في استطاعة أحدهم تعزيز خواصّه تعزيزًا جذريًّا، ما الذي يضمن أن يظلّ هو هو؟”([112]). وإذا تأرجح الجواب على كلّ هذه الأسئلة تبعًا للنّفي والإثبات، فلا بدّ من التّشديدعلى أنّ سؤال الهويّة سيضعنا حكمًا أمام مفارقة سفينة ثيسيوس.
وعلى ضوء هذا الاعتبار، إنّ الواقع الافتراضيّ، الذي أطلقت حركة ما بعد الإنسانيّة شرارته، تحقّق وأصبح المحدّد الأساسيّ للوجود والهويّة، حتّى إنّنا نعيش اليوم “لحظة الكوجيتو الافتراضيّ” فبدلًا عن «الأنا أفكر إذًا أنا موجود»، أصبحنا فيما كتبت إلزا غودار (Elsa GODART) ([113]) أمام هويّة جديدة صيغتها: «أنا أو سيلفي إذًا أنا موجود». وبين وجود واقعيّ ووجود افتراضيّ، تكتسب الهويّة الإنسانيّة في الفضاء الرّقميّ سمات المجتمع الشّبكيّ، في انتظار أن تصير نوعًا جديدًا من الأناسي أو بالإنسانيّة الزّائدة([114]).
الخاتمة: أخيرًا، نادرة هي الدّراسات عن الخوارزميّات العربيّة، وتلك التي تتناول منها فضلها في تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ. وقد تأكّد لنا، في المضمار الذي يستأثر هنا اهتمامنا، أنّ هذه الخوارزميّات أنتجت نمطًا جوهريًّا أدّى إلى تنظيم عمل الآلات التي تسعى أساسًا إلى تقليد الذّكاء البشريّ. وقد نجم عن هذا التّطوّر، عن وعي أو لاوعي، صورة سلبيّة للمجتمعات ولمعتقداتها ولأنظمتها. لذلك رأينا لزامًا علينا التّوسّع في الاختراقات الهائلة والإخفاقات التي يتخبّط فيها الذّكاء الاصطناعيّ فضلًا عن العواقب الاجتماعيّة والأخلاقيّة والقانونيّة المترتّبة عن مشاريعه. ورجاؤنا أن يحقّق لنا هذا التّطوّر أحلامنا الطّوباويُة ويسمح لنا بالعيش في مجتمع مثاليّ وجمهوريّة فاضلة إذ يمكننا أن نتحكّم بالآلات ونمنع الآلات من التّحكّم بنا. وهذا الرّجاء لا يمكن أن يتحقّق، إلّا إذا تأتّى لعدد من العلماء أن يدركوا ويقبلوا بأنّ الكائنات البشريّة لا يمكنها العبث بالسّنن الكونية الإلهيّة وغيرها من عمليّات الخلق “أفليس في هذا الجموح والجنوح والتّطرّف، قلب لعمليّة الخلق؛ فبدلًا من أن يكون الله هو خالق الإنسان، سيصبح الإنسان هو خالق الإله، لكن ليس رهبة ولا خوفًا من الطّبيعة ، وإنّما هو تحقيق يوتوبيا الأمل التي طالما حلم بها الإنسان؛ حيث لا موت ولا شقاء. وهيهات أن يحدث”([115]).
المصادر والمراجع
أوّلًا- المصادر والمراجع العربيّة
1-أبو الطّفيل (ف.)، الثّقافة الرّقميّة، مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019.
2-الإدريسيّ (خ.)، “ما بعد الإنسان: قـراءة نقديّـة واستشـرافيّة للإفـراط التّكنولوجـيّ وتأثيـره علـى الوضـع الإنساـنيّ”،ـ موقع مسارات للرّصد والدّراسات الاستشراقيّة (Https://ma.massarate) .
3-أرينت (ح.)، من الأكاذيب إلى العنف، باريس، كالمن-ليفي، 1969.
4-أونيل (كاثي)، الخوارزميّات: القنبلة الموقوتة، أرينس، 2018.
5-باشلار (غاستون)، “مقال حول المعرفة التّقريبيّة”، باريس، فرين، 1927.
6-بورنان (خ.)، “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، آليف اللّغة والإعلام والمجتمع، 2023.
7-الجابريّ (محمّد عابد)، مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانيّة المعاصرة وتطوّر الفكر العلميّ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2014.
8-جبّور (هدى)، “خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ”، أكاديميّة حسوب، 30 سبتمبر 2023.
9-جرجوري (ب.) وكوكس (إ.)، ما بعد الإنسانيّة: التّطوّر السّـيبيريّ والعقـول المسـتقبليّة، القاهرة، المكتبة الأكاديميّة، 2000.
10-خليفة (إ.)، مجتمع ما بعد المعلومات، القاهرة، العربيّ للنّشر والتّوزيع، 2019.
11-الخوارزميّ، كتاب الجبر والمقابلة، 1937.
12-دياب (أ. الحاج)، “المستقبل العربيّ”، العدد أيلول 379، 2010، ص. 190.
13-عبّود (ر.)، ديجيتولوجيا الإنترنت، اقتصاد المعرفة، الثّورة الصّناعة الرّابعة، المستقبل، القاهرة، العربيّ للنّشر والتّوزيع، 2012.
14-فرّوخ (عمر)، تاريخ العلوم عند العرب، بيروت، دار العلم للملايين، 1948.
15-فوكوياما (ف.) نهاية الإنسان: عواقب الثّورة البيوتكنولوجيّة، القاهرة، سطور، 2002.
16- كاردون، ( د.)، الثّقافة الرّقميّة، باريس، دور بشر العلوم، 2019.
17-كاكاو (م.)، رؤى مستقبليّة، عالم المعرفة، 2001.
18-كيرزويل (ر.)، “عصر الآلات الرّوحيّة: عندما تتخطّى الكمبيوترات الذّكاء البشريّ، أبو ظبي، دار كلمة، 2010.
19-لو بروتون (دافيد)، أنثروبولوجيا الجسد، لبنان،المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر، 1997.
20-مراد (غسّان)، “خوارزميّات غوغل والشّبكات تحبسنا في فقّاعة”، مؤسّسة الفكر العربيّ، 17 تشرين الأوّل، 2019.
21-…..، حركة ما بعد الإنسانيّة… إلى أين؟ مؤسّسة الفكر العربيّ، 2019.
22-معلوف (لويس)، المنجد في اللّغة والأدب والعلوم: الأعلام، ط 19، بيروت، المطبعة الكاثوليكيّة، 1966.
23-ناجي (خليل)، “المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكي: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، 2016.
ثانيًا- المصادر والمراجع الأجنبيّة
24-AWAD (A.), MIT Technology Review, 2023.
25-BOLTANSKI (L.), Les changements actuels du capitalism et la culture du projet, Cosmopolitiques 12, 2008.
26-BOULLIER (D.) et El MAHDI (El M.) « Le machine learning et les sciences sociales à l’épreuve des échelles de complexité algorithmique », Revue d’anthropologie des connaissances 14, no 1, 2020, pp. 1-34.
27-CARDON (Dominique), À quoi rêvent les algorithmes, Paris, Seuil, 2015.
28-CASTEL (M.), « La société en Réseaux: L’ère De L’information », 1998.
29-DEMUNCK (J.), L’institition sociale de l’esprit: Nouvelles approches de la raison, interrogation philosophique, Paris, PUF, 1999.
30-FUKUYAMA (F.), Transhumanism, Foreign Policy, Numéro 144, 2004.
31-HANEWICZ (W.), Transhumanism, Encyclopedia of global justice, Dordrecht, Springer, 2011.
32-HAYLES (N. K.), How We Becam Posthuman (Virtual Bodies in Cybernetics, Literature, and informatics), University of Chicago, 1999.
33-JOLIE (M.), «L’antinomie individu/ société dans les sciences humaines et sociales ». Revue européenne des sciences sociales ,2014, pp. 193- 223.
34-SADIN (Eric), La vie algorithmique: critique de la raison numérique, Paris, l’Echappée, 2015.
ثالثًا- المراجع الرّقميّة
35-abbas.net
36-areq.net
37-cresh.ul/edu.lb
38-do…/chercheur/www.sciencespo.fr.
39-dominiquecardon/fr.linkedin.com
40-eric-sadin-92128/www.eyrolles.com
41-https://www.mammassarate
42-https://www.merriamwebster.com/dictionary/machine%20lea
43-philosophy/www/aljazeerat.net
44-wiki/arf.org
45-wikilarm.m.wikipedia.org
46-wikitar.m.wikipedia.org
47-www.aljazeera.net
48-www.arab48.com
49-www.marebpress.net
50-www.wikiwand.com
(*)Docteure en langue et littérature françaises (Université Saint Esprit de Kaslik) (USEK). Enseignante au Lycée officiel secondaire, Bterram, Al-Koura (depuis 2004), à l’Institut technique, Amioun, AL-Koura (depuis 2014), à AUT Al-Koura (2019), et depuis 2023 à l’Université Libanaise, faculté des Lettres (section I) et faculté de Gestion (section III). E.mail: Marilyne.manassa@hotmail.com
(*) –حائزة دكتوراه في اللّغة الفرنسيّة وآدابها من جامعة الرّوح القدس – الكسليك (USEK) العام 2022. منذ 2004 تدرّس في ثانويّة بطرّام الرّسميّة، ومنذ 2014 في المعهد التّقنيّ أميون، وفي AUT (2019)، ومنذ 2023 في الجامعة اللّبنانيّة، كلّيّة الآداب، الفرع الأوّل، وفي كلّيّة إدارة الأعمال، الفرع الثّالث.
[1]– “غسّان مراد: حائز دكتوراه في الرّياضيّات التّطبيقيّة على العلوم الإنسانيّة من جامعة السّوربون في فرنسا (200)، وعلى دبلوم دراسات عليا في هندسة اللّغات وتحليل الخطاب من معهد دراسات اللّغات الشّرقيّة (1997)، وعلى دبلوم دراسات عليا في علوم الاتّصالات، معهد “تيليسيستم” (1991)، وعلى دبلوم في هندسة الكمبيوتر من جامعة صوفيا (1988). أستاذ في الجامعة اللّبنانيّة. المدير السّابق لمركز علوم اللّغة والتّواصل في الجامعة اللّبنانيّة. منسّق مختبر الهندسة اللّغويّة والتّعلّميّة والسّيمياء. باحث مشارك في مختبر LaLIC – السّوربون (الألسنيّة المعلوماتيّة والعلوم الإدراكيّة). عضو في هيئات علميّة وأكاديميّة عديدة. نظّم وشارك في مؤتمرات علميّة عربيّة وعالميّة. له أبحاث ودراسات منشورة في دوريّات علاميّة وفي صحف عربيّة (cresh.ul.edu.lb، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[2]– “خوارزميات غوغل والشّبكات تحبسنا في فقّاعة”، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربيّ. 17 تشرين الأول 2019.
[3]– الخوارزميّ (حوالى 164- بعد 232ه/ 781- 847م): هو أبو عبد الله محمّد بن موسى ويكنى بأبي جعفر.”أقدم كاتب مسلم ألّف كتابًا موسوعيًّا هو “مفاتيح العلوم” فيه الكلام على الطّبّ والحساب والهندسة والفلك وغير ذلك من علوم العهد…” (المنجد: الأعلام، لويس معلوف، ط 19، بيروت، المطبعة الكاثوليكيّة، 1966، ص 182).
[4]– روبرت كاستل: (1933- 2013): عالم اجتماع وكاتب فرنسيّ. علّم في مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة (areq.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[5]– « La Société en Réseaux: L’ère De L’information », M. Castel, 1998.
[6] – Les changements actuels du capitalisme et la culture du projet, L. BOLTANSKI, Cosmopolitiques 12, 2008, p. 29.
[7]– دومينيك بولييه: عالم اجتماع وألسنيّ فرنسيّ. أستاذ جامعيّ في علم الاجتماع في معهد الدّراسات السّياسيّة في باريس منذ 2009 (do…/chercheur/www.sciencespo.fr، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[8]– « Le machine learning et les sciences sociales à l’épreuve des échelles de complexité algorithmique », D. BOULLIER et El M. EL MAHDI, Revue d’anthropologie des connaissances 14, no 1 (2020), pp. 1-34.
[9]– https://www.merriamwebster.com/dictionary/machine%20lea
[10]– غاستون باشلار(1884- 1962): “من أهمّ الفلاسفة الفرنسيّين وأحد روّاد التّراث الفرنسيّ ذي التّوجّه التّاريخيّ في فلسفة العلم. اشتهر في حقل تاريخ العلوم والإبستمولوجيا، كما اشتهر في حقل دراسة عمليّة الإبداع من زوايا ظاهراتيّة ونفسيّة…” (wiki/arf.org، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[11]– “مقال حول المعرفة التقريبيّة”، غاستون باشلار، باريس، فرين، 1927.
[12]– دومينيك كاردون: ولد العام 1965. أستاذ وباحث في العلوم الاجتماعيّة، مؤلّف ومحاضر… (Dominiquecardon/fr.linkedin.com، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[13]– الكلام لكاردون نقلًا عن: الثّقافة الرّقميّة، ف. أبو الطّفيل،.مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019، ص 20.
[14]– الكلام لكاردون نقلًا عن: الثّقافة الرّقميّة، ف. أبو الطّفيل، مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019، ص 20.
[15]– À quoi rêvent les algorithmes, Dominique CARDON, Paris, Seuil, 2015, p.40.
[16] – Ibid., p. 7.
[17]– Ibid., p.69.
[18] – Ibid., p.87.
[19]– Ibid.
[20] – Ibid.
[21] – إريك سادان: ولد العام 1973 في باريس. كاتب وفيلسوف ومحاضر عالميّ، وأحد أهمّ المفكّرين في العالم الرّقميّ (eric-sadin-92128/www.eyrolles.com، المراجعة بتاريخ 3/1/ 2024).
[22]– La vie algorithmique: critique de la raison numérique, Eric SADIN, Paris, l’Echappée, 2015, p. 57.
[23] – Ibid., p. 28.
[24]– Ibid., p. 50.
[25]– Ibid., p. 258.
[26] – Ibid., p. 204.
[27] – Ibid., p. 206.
[28]– Ibid., p. 209.
[29] – Ibid.
[30]– Ibid., p. 215.
[31]– Ibid., p. 172.
[32]– « L’antinomie individu/ société dans les sciences humaines et sociales », M. JOLIE, Revue européenne des sciences sociales, 2014, pp. 193- 223.
[33]– فرنسيس فوكوياما: ول في شيكاغو عام 1952. كاتب ومفكّر أميركيّ الجنسيّة من أصل يابانيّ. من المهمّ مفكّري المحافظين الجدد في أميركا حائز دكتوراه من جامعة هارفارد في العلوم السّياسيّة (www.aljazeera.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[34]– Transhumanism, W. HANEWICZ, Encyclopedia of global justice, Dordrecht, Springer, 2011, pp. 1086. 1087.
[35] – Transhumanism, F. FUKUYAMA, Foreign Policy. no 144, 2004, pp. 42, 43.
[36]– Ibid., p. 9.
[37] – Transhumanism, F. FUKUYAMA, Foreign Policy. no 144, 2004, p. 35.
[38]– “كيف أدّت إسهامات الخوارزميّ الرّياضيّة إلى تطوير الذّكاء الاصطناعيّ؟” , KORBALIA cité par: MIT Technology Review, A. AWAD, 2023.
[39] – عمر فرّوخ (1906- 1987): عالم لبنانيّ موسوعيّ يعتبر من آخر الموسوعيّين العرب. ألّف أكثر من مئة كتاب (www.marebpress.net؛ المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[40]– تاريخ العلوم عند العرب، عمر فرّوخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1948، ص 335.
[41]– كتاب الجبر والمقابلة، الخوارزميّ، 1937، ص16.
[42]– شجاع بن أسلم (850- 930): “عالم رياضيّ كبير من أبناء مصر وقادة مسيرة الرّياضيّات بعد الخوارزميّ، وكان له دور كبير في تطوير علمي الجبر والحساب” (ab7as.net؛ المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[43]-“المستقبل العربيّ“، أ. الحاج دياب، العدد 379، أيلول 2010، ص 190.
[44]-“المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، خليل ناجي، 2016.
[45]–مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانيّة المعاصرة وتطوّر الفكر العلميّ، محمّد عابد الجابريّ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2014، ص 63.
([46]-مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانيّة المعاصرة وتطوّر الفكر العلميّ، محمّد عابد الجابريّ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2014، ص 63.
[47]-“المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، خليل ناجي، 2016.
[48]–م. ن.
[49]– “كيف أدّت إسهامات الخوارزميّ الرّياضيّة إلى تطوير الذّكاء الاصطناعيّ؟” , KORBALIA cité par: MIT Technology Review, A. AWAD, 2023.
[50]-خليل ناجي: مغربيّ. حائز ماستر في الفلسفة السّياسيّة من جامعة محمّد الخامس بالرّباط.
[51]-“المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، م. س.
[52]– تاريخ العلوم عند العرب، عمر فرّوخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1948، ص 337.
[53]– تاريخ العلوم عند العرب، عمر فرّوخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1948، ص 336.
[54]-“المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، خليل ناجي، 2016.
[56]– م. ن.
[57]– تاريخ العلوم عند العرب، عمر فرّوخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1948، ص 341.
[58]-“المدرسة الجبريّة العربيّة في العصر الكلاسيكيّ: دراسة تاريخيّة أوّليّة”، خليل ناجي، 2016.
[59]–م. ن.
[60]-“خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ”، هدى جبّور، أكاديميّة حسوب. 30 سبتمبر 2023.
[61]–م. ن.
[62]–م. ن.
[63]–م. ن.
[64]-“خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ”، هدى جبّور، أكاديميّة حسوب. 30 سبتمبر 2023، DQN، وغيرهما…
[65]–م. ن.
[66]–م. ن.
[67]–م. ن.
[68]-“خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ”، هدى جبّور، أكاديميّة حسوب. 30 سبتمبر 2023.
[69]–م. ن.
[70]–الخوارزميّات: القنبلة الموقوتة، كاتي أونيل، أرينس، 2018.
[71]–L’institution sociale de l’esprit: Nouvelles approches de la raison, interrogation philosophique, J. DE MUNCK, Paris, PUF, 1999, p. 146.
[72]-باري بارنز: ولد العام 1943. عالم اجتماع بريطانيّ (html/areq.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[73]–من الأكاذيب إلى العنف، ح. أرينت، باريس، كالمن-ليفي، 1969، ص 105.
[74]– “خوارزميات غوغل والشّبكات تحبسنا في فقاعة”، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربيّ، 17 تشرين الأوّل 2019.
[75] – الثّقافة الرّقميّة، ف. أبو الطّفيل، مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019.
[76] -الكلام لكاردون نقلًا عن: الثّقافة الرّقميّة، ف. أبو الطّفيل، مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019.
[77] – “خوارزميات غوغل والشّبكات تحبسنا في فقاعة”، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربي. 17 تشرين الأول 2019.
[78]– م. ن.
[79] – م. ن.
[80]– “خوارزميات غوغل والشّبكات تحبسنا في فقاعة”، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربي. 17 تشرين الأول 2019.
[81]– م. ن.
[82]– م. ن.
[83]-الكلام لكاردون نقلًا عن: الثّقافة الرّقميّة، ف. أبو الطّفيل، مكتبة العربيّ، العدد 732، 2019.
[84]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، خ. بورنان، آليف اللغة والإعلام والمجتمع، 2023.
[85]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، خ. بورنان، آليف اللغة والإعلام والمجتمع، 2023.
[86]– ديجيتولوجيا الإنترنت، اقتصاد المعرفة، الثّورة الصّناعة الرّابعة، المستقبل، ر. عبّود، القاهرة، العربيّ للنّشر والتّوزيع، 2012، ص 91.
[87]– ميشال فوكو: “مفكّر وفيلسوف فرنسيّ، يُعدّ أحد أهمّ المفكّرين الغربيّين في النّصف الثّاني من القرن العشرين، كما يوصف بأنّه الفيلسوف الأكثر تأثيرًا في فلاسفة ما بعد الحداثة” (www.aljazeera.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024)..
[88]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، م. س.
[89]– رؤى مستقبليّة، م. كاكاو، عالم المعرفة، 2001، ص153.
[90]– حركة ما بعد الإنسانيّة… إلى أين؟، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربيّ، 2019، ص 11.
[91]– How We Becam Posthuman (Virtual Bodies in Cybernetics, Literature, and informatics, N. K. HAYLES, University of Chicago, 1999, p. 283.
[92]– كاترين هايلز: هي نانسي-. “ناقدة أدبيّة أمريكيّة ما بعد حداثويّة. اشتهرت بالدّرجة الأولى لمساهمتها في ميادين الأدب والعلوم والأدب الإلكترونيّ والأدب الأمريكيّ” (www.wikiwand.com، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[93]– How We Becam Posthuman (Virtual Bodies in Cybernetics, Literature, and informatics), Ibid.
[94]– جلجامش: “يذكر في بعض الرّوايات مجرّد إنسان عاديّ أو ملك فانْ ذو قوّة هائةل، وفي بعضها الآخر هو نصف إله…” (www.arab48.com؛ المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024) .
[95]– حركة ما بعد الإنسانية… إلى أين؟، غسّان مراد، مؤسّسة الفكر العربيّ، 2019، ص15.
[96]– أحد مهندسي شركة غوغل.
[97]– “عصر الآلات الرّوحيّة: عندما تتخطّى الكمبيوترات الذّكاء البشريّ”، ر. كيرزويل، أبو ظبي، دار كلمة، 2010.
[98]– م. ن.
[99]– دافيد لو بروتون: ولد عام 1953. انثروبولوجيّ وعالم اجتماع فرنسي. أستاذ بجامعة ستراسبورغ، وعضو في المعهد الجامعيّ الفرنسيّ (areq.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[100]– أنتروبولوجيا الجسد، دافيد لو بروتون، لبنان، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر، 1997، ص 221.
[101]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، خ. بورنان، آليف اللغة والإعلام والمجتمع، 2023.
[102]– مـا بعـد الإنسـانيّة: التّطـوّر السّـيبيريّ والعقـول المسـتقبليّة، ب. جرجوري وإ. كوكس، القاهرة، المكتبة الأكاديمية،2000، ص. 55.
[103]– “مـا بعـد الإنسـان: قـراءة نقديّـة واستشـرافيّة للإفـراط التّكنولوجـيّ وتأثيـره علـى الوضـع الإنساـنيّ”، خ. الإدريسيّ، 2021. موقع مسارات للرّصد والدّراسات الاستشراقيّة (https://www.mammassarate، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[104]– مارك زوكربرغ: ولد عام 1984 في الولايات المتّحدة. “رجل أعمال ومبرمج أميركيّ […] اشتهر بتأسيسه موقع التّواصل الاجتماعيّ فيس بوك، وهو أكبر موقع تواصل اجتماعيّ في العالم (wikilar.m.wikipedia.org، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[105] – نهاية الإنسان: عواقب الثّورة البيوتكنولوجيّة، ف. فوكوياما، القاهرة، سطور، 2002، ص9.
[106] – الموضع نفسه.
[107] – الموضوع نفسه.
[108]– يورغن هابرماس: ولد عام 1929. فيلسوف وعالم اجتماع ألمانيّ معاصر. أحد أهمّ منظّري مدرسة فرانكفورت النّقديّة (philosophylwww.aljazeera.net، المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[109] – هابرماس، نقلًا عن: نهاية الإنسان: عواقب الثّورة البيوتكنولوجيّة، ف. فوكوياما، القاهرة، سطور، 2002، ص631.
[110] – الموضع نفسه.
[111]– مجتمع ما بعد المعلومات، إ. خليفة، القاهرة، العربيّ للنّشر والتّوزيع، 2019، ص 33.
[112] – أنتروبولوجيا الجسد، دافيد لو بروتون، لبنان، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر، 1997، ص221.
[113]– إلزا غودار: ولدت العام 1978. فيلسوفة ومحلّلة نفسيّة وكاتبة مقالات فرنسيّة (wikilarm.m.wikipedia.org؛ المراجعة بتاريخ 3/ 1/ 2024).
[114]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، خ. بورنان، آليف اللغة والإعلام والمجتمع، 2023.
[115]– “ما بعد الإنسانيّة وأزمة القيم في العلوم الإنسانيّة”، خ. بورنان، آليف اللغة والإعلام والمجتمع، 2023.