وصف الفقر والغنى في مصنّف عبدالرزاق الصنعاني وتطبيقاته القرآنية
Description of poverty in the work of Abd al-Razzaq al-San’ani and its Qur’anic applications
Noor Ali Hussein نور الحسناوي(1)Reda Shokrani (Ph. D) د ـ رضا شكراني(2)Sirwan Abdel-Zahra Al-Janabi (Ph.D) أ. د سيروان عبد الزهره الجنابي(3)
تاريخ الإرسال:18-3-2024 تاريخ القبول: 28-3-2024
الملخّص
لاشكّ أنّ مشكلة الفقر من مشاكل الإنسان المهمة من أقدم العصور، ولقد حاولت الأديان السّماويّة منها الشّريعة الإسلاميّة حلّ مشكلة الفقر والتّخفيف من آلامه. فلايقدّس الفقر- ماديًّا كان أم ثقافيًّا- في النّظريّة الإسلاميّة اللّهم إلّا كان إلی الله سبحانه وتعالی. ففي القرآن الكريم والسّنة الشّريفة هناك حلول مختلفة لحلّ مشكلة الفقر ومواجهة ما يسبّبه من الأخطار. فإنّهما يؤكّدان السعي وراء الرزق الحلال الطيّب ثمّ جعلا من الصدقة الواجبة والصدقات الحسنة طريقة لإزالة الفقر. كما إنّهما قد بحثا عن السّيطرة علی جموح الغنی، واستخدامه لصالح المسلمين بجانب مشكلة الفقر.
يجيب البحث المقدّم الحالي الّذي قدّم بالمنهج التّوصيفي- التّحليلي وفي سياق الدّراسات المكتبيّة على هذا السؤال الرئيس: ما الأخبار التي تضمنّت قضيتي الفقر، والغنی وأخبرنا عنها الحافظ عبدالرّزاق الصنعاني (م211ق) في مصنّفه الكبير؟ بحسب نتائج البحث، لم تهمل السنّة الشّريفة مشكلة الفقر المدقع، والغنی الجامح في المجتمع الإسلامي وقدّمت حلولاً واقعيّة لمعالجتهما.
الكلمات المفاتيح: القرآن الكريم، الحديث الشّريف، الفقر، الغنی، المصنّف، عبدالرزاق الصنعاني.
Abstract
There is no doubt that the problem of poverty is one of the most important human problems since ancient times، and the divine religions، including Islamic law، have tried to solve the problem of poverty and alleviate its pain. Poverty – whether material or cultural – is not sanctified in Islamic theory unless it is due to God Almighty. In the Holy Qur’an and the Noble Sunnah، there are different solutions to solve the problem of poverty and confront the dangers it causes. They emphasized the pursuit of good، lawful livelihood، and then made obligatory charity and good alms a way to remove poverty. They also sought to control the rampant wealth and use it for the benefit of Muslims in addition to the problem of poverty.The current research، which was presented using the descriptive-analytical approach and in the context of library studies، answers this main question: What news included the issues of poverty and wealth that Al-Hafiz Abd al-Razzaq al-San’ani told us about in his great work? According to the results of the research، the Noble Sunnah did not neglect the problem of extreme poverty and unbridled wealth in Islamic society and provided realistic solutions to address them.Keywords: The Holy Qur’an، the Noble Hadith، Al-Fakr، Al-Ghani، Al-Musannaf، Abdul Razzaq Al-Sana’ani.
1
– المقدّمة
الفَقْر الحاجة والعوز والفِقْرُ لغة رديئة والفُقْرة حُفْرة يفقّرها الإنسان لغرس فسيل (4) وقدجاء في تاج العروس: الفَقْر ويُضَمُّ: ضِدُّ الغِنَى، مِثلُ الضَّعْفِ والضُّعْفِ.وقَالَ اللَّيْثُ:الفُقْرُ لُغَة رَدِيئَة.قلتُ: وَقد قالُوهُ بضمَّتَيْن أَيضاً، وبفَتْحَتَيْنِ، نَقَلَهُمَا شَيْخُنا.قَالَ ابنُ سِيدَه: وقَدْرُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَايَكْفِي عِيَالَه(5) وسئل أبو العبّاس عن تفسير الفقير والمسكين في الآية ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ (التوبة/60) فقال: الفقير الّذي له ما يأكل والمسكين من لا شيءَ له. قال الأزهريّ: فالفقير أشَدُّ حالًا عند الشافعي(6). قال الشرتوني: الفقر في أصله اللغوي الحفر. يقال: فَقَرَ الرَّجُلُ الخرزَ أي ثَقَبَهُ للنّظم ويقال: فَقَرَ أنْفَ البَعيرِ أي حَزَّهُ بحديدة حتّی يخلص إلی العَظْم ثمّ جَعَلَ موضعَ الحزّ وتراً فلوی عليه جريرًا لتذليله وترويضه(7). وقال المصطفوي: الفقر أصل صحيح يدلّ علی انفراج في شيء من عضو وغير ذلك ومن ذلك الفقار للظّهر سمّيت للحزوز والفصول الّتي بينها والفقير المكسور فقار الظهر من ذلّته ومسكته(8). وقد أبانت الأبحاث اللغوية الجديدة أنّ الفقر بمعنی الحفر أو الكسر أو الثقب. إنّه من مادّة فقّ (fag) والفقر الذي بمعنی العوز إنّه ليس من هذه المادة والجوهر، بل هي من مادة عربية جنوبية هي قرّ (gar) ثمّ أضيفت إليها الفاء(9).
تختلف تعاريف الفقر الاصطلاحيّة وهذا الاختلاف يعود علی اختلاف الحاجات الأساسيّة للإنسان في كلّ عصر وقدرته علی إشباع تلك الحاجات. فاليوم الاتّصال بالإنترنيت حاجة ملمّة كحاجة الإنسان العصري إلی المأوی والتعليم. فقالوا: الفقر هو فُقْد ما يحتاج إليه أو عدم الشيء بعد وجوده وقيل: فقد ما هو محتاج إليه الإنسان(10) وقيل الفقر هو غياب الدَّخْل أو نقصه إذ يكون لدى الشّخص المصاب بهذه الحالة، نفقات عرفيّة وشرعيّة إسلاميّة أكثر من دخله. وعرّفه البنك الدولي بأنّه عدم القدرة على تحقيق الحدّ الأدنى من مستوى المعيشة(11). بناء علی الفكر الاشتراكي الماركسي إنّ الفقر هو عدم القدرة علی الحصول علی الاحتياجات الضروريّة نتيجة عدم توافر الملكيّة التي يمكن الاستعانة بها في عملية الإنتاج والحصول علی العائد، نتيجة قلّة الدّخل أو انعدامه بصورة شبه دائمة(12).
قد جاءت الإشارة إلی الفقر في القرآن الكريم بالإفراد والجمع، 14 مرّة في 14آية من أصل 11 سورة قرآنية. فقد جاءت كلمة الفقر في قوله تعالی ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ (البقرة/268) مرّة واحدة وهو بمعنی الفقر مادّي الذي يخافه الإنسان منذ القديم وهو خوف حقّ البتة. الفقر عند المفسّرين في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ (التوبة/60) مختلف على أقوال. أحدها: أنّ الفقير المتعفّف عن السؤال، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وجابر بن زيد والزهري والحكم وابن زيد ومقاتل. والثاني: هو المحتاج الذي به زمانه، قاله قتادة. والثالث: هو المهاجر، قاله الضحاك بن مزاحم والنخعي. والرابع: هو فقير المسلمين، قاله عكرمة. والخامس: هو من له البلْغة من الشيء، قاله أبو حنيفة ويونس بن حبيب ويعقوب بن السكّيت وابن قتيبة والسادس: هو أمسُّ حاجة من المسكين، وهذا مذهب أحمد لأنّ الفقير مأخوذ من انكسار الفقار(13). علی العكس من النظام الاشتراكي فإنّ النظام الرأسمالي جعل مصلحة الفرد هدفاً وقدّمها علی مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني ومنح الحرية في ممارسة النشاط الاقتصادي والتملّك الفردي. إنّ الإسلام ينكر علی الطائفتين نظرتهما إلی الفقر بصفة خاصّة كما ينكر علی المتصوفين الإسلاميين قبولهم للأفكار التي وفدت علی المسلمين من المانوية الفارسية والصوفية الهندية والرهبان النصرانية وما شابهها من النحل المتطرّفة وليس في مدح الفقر المادّي آية واحدة من كتاب الله ولا حديث واحد يصحّ عن رسول الله (ص) والآيات والأحاديث الواردة في مدح الزّهد في الدنيا لاتعني مدح الفقر(14). فالفقر في النظرية الإسلاميّة هو أشبه شيء بقتبلة اجتماعيّة- سياسيّة موقوتة لأنّه خطر مخرّب علی العقيدة والأخلاق والسّلوك الفردي والفكر الإنساني والأسرة والمجتمع.
هناك نوعان من الفقر؛ ممدوح و مذموم وكلّ من الفقر الممدوح و الفقر مذموم علی أقسام. الفقر الذاتي الذي يعبّر عنه بالفقر الباطني والفقر الإلهي والفقر المتأصل، هو اعتقاد الإنسان بفقره الوجودي أمام غنى الله سبحانه و قد أشار إليه قوله تعالی ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ (الفاطر/15) كما قد أشار إليه الرسول الأعظم (صلّی الله عليه وسلّم) بقوله « اللّهُمَّ أغْنِنی بِالافتِقارِ إلیک وَلا تفقرنی بالاستغناء عنك»(15) ثمّ الفقر المادي الناتج عن عوامل طبيعية كالإفلاس أو تدمير الممتلكات والثروات بسبب عوامل طبيعية كالفيضانات والزلازل، وكذلك الفقر الناتج عن المرض أو فقدان الأعمال ونحو ذلك، لا يكره ولا بدّ من مثل هذا. هذا الفقر هو الفقر الإجباريّ أو القسريّ. وينبغي للفقير أن يصبر، ويرضى بقضاء الله، ويجتهد قدر استطاعته؛ وهناك أشخاص يضحون بأشياءهم في سبيل إصلاح المجتمع.إنّهم يكرّسون قواهم الّتي وهبها الله لرفاهية الآخرين وإرشادهم ولا يتوقّعون أيّ مكافأة ولا يتوقّعون حتّى التقدير والشكر.هؤلاء هم الزاهدون في الدّنيا وليسوا فقراء بسبب الكسل والعجز بل اختاروا الفقر. هذا النوع من الفقر يعبّر عنه بالفقر الاختياري.
وبعض الفقر- ماديًّا كان أم ثقافيًّا- يدان به الإنسان ويحكم عليه بالخزي. الفقر الروحي وهو هو فقدان الخلق الحسن والابتعاد من العمل الصالح كما قال رسول الله (صلّی الله عليه وسلّم»: أتدرون من المفلس؟ قیل المفلس فینا مَنْ لا درهمَ له و لامتاعَ. فقال (ص): المفلس مِنْ أمّتی مَنْ یأتی یوم القیامة وقد شَتَمَ وقَذَفَ هذا وأکَلَ مال هذا وسَفَکكَ دم هذا وضَرَبَ هذا؛ فیُعْطَی هذا مِنْ حسناته وهذا مِنْ حسناته.فإنْ فَنیتْ حسناتُه…طُرح فی النّار. إنّ المفلس حقیقةً هو هذا(16). ثمّ إنّ الفقر الديني وهو عدم وجود دين إلهي أو وجود نقائص، وعيوب في المعتقدات الدّينيّة من أشدّ الفقور، وقد أَشار إلیه ما روي عن الإمام الصادق (عليه السّلام) إذ قال(ع): الفقر، الموت الأحمر. يقول الراوي: سألتُ أباعبدالله: (تقصد) الفقر من الدّراهم والدنانير؟قال: لا؛ الفقر من الدين(17). ثمّ الفقر الثقافي وهو الجهل والأمية والمعتقدات الخرافية والأسئلة غيرالعقلانية. وقد يشار إلى هذا الفقر بالاستضعاف(18) في القرآن والروايات. من يعاني من الفقر الثقافي هم أناس جاهلون.كما أن هذا الفقر يسبب انحطاط الأمم والحضارات. وقد وصف النبي الأعظم هذا الفقر بالمصيبة في خطابه لصهره. فقال: یا علیُّ لا فَقْرَ أشَدُّ مِنَ الجهل وقوله تعالی﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (الجمعة/5) خير شاهد عليه. فمن له كتابٌ لايعتني به، فقير كفقر البهائم. وأخيرًا الفقر المادي الذي يسبّبه كسل الإنسان والبطالة الاختياريّة. يسمّى هذا النوع من الفقر، وهو الموضوع الرئيس للمناقشة بالفقر المالي والفقر الاقتصادي وفقر الكفاف والحرمان والفقر القسري أو الإجباري.
2- أسئلة البحث
- ماهي الأخبار والآثار التي تدل على مدح الفقر؟
- ماهي الأخبار والآثار التي تدل على ذم الفقر؟
- ماهي الأخبار والآثار التي تدل على مدح الغنى؟
- ماهي الأخبار والآثار التي تدل ذم الغنى؟
- ماهي الطرق والحلول للتّخلص من حالة الفقر التي تحدق بالإنسانيّة بشكل عام والمسلمين بشكل خاص ليعيشوا حياة مرفهه، وهادئة وليحصلوا على سعادة الدنيا وكمالها وسعادة الآخرة.
3- اهداف البحث
- الوقوف على الأخبار والآثار التي تدل على مدح الفقر.
- الوقوف على الأخبار والآثار التي تدل على ذم الفقر.
- الوقوف على الأخبار والآثار التي تدل على مدح الغنى.
- الوقوق على الأخبار والآثار التي تدل على ذم الغنى.
- محاولة إيجاد الطرق والحلول للتخلص من حالة الفقر التي تحدق بالإنسانيّة.
2- سابقيّة البحث
إنّ موضوعي الفقر والغنی من مرتكزات الأمم المهمّة في بناء حضارتها وثقافاتها؛ فهنالك دراسات فائقة الحصر في الفقر والغنی تكشف عن وجهة نظر القرآن الكريم، أو الشّريعة الإسلاميّة أو العلوم الجديدة؛ وقد ارتكز أكثرها علی مشكلة الفقر وكيفية علاجها،فمنها:
– دراسة موضوعيّة تحت عنوان «الفقر والفقراء في ضوء القرآن» الّتي قدّمها الطالب يواندا كوسوما (2013م) لنيل درجة الماجستير بجامعة مولانا مالك إبراهيم في أندونيسيا، بإشراف الدكتور شيخون محمّد سليمان. وقد استنتج المؤلّف أنّ أسباب الفقر ثلاثة فهي تكوينيّة ناتجة عن الله سبحانه فهو قضاؤه، وقدره أو شخصيّة ناتجة عن الإنسان نفسه أو اجتماعيّة ناتجة عن الصّراع الطبقي في الحياة الاجتماعيّة. فعلی هذا الأساس، يمكن تقسيم الفقر إلی الفقر الذاتي، الفقر الفردي والفقر النظامي أو الهيكلي.
– «مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام» عنوان لكتاب ألّفه الشيخ يوسف القرضاوي (1985م) ونشرته مؤسسة الرسالة في بيروت. قد استنتج المؤلّف أنّه لابدّ من نظام إسلامي ومجتمع إسلامي ليُعالج الفقر كما عالجه الإسلام. فإنّ طبيعة النظام الإسلامي- إذا طبق بحذافيره – توجب زيادة الإنتاج في الأمة وصيانة ثروتها من التبدّد والضياع فيما لاينتفع من اللهو والمجون والفواحش وكلّ أشكال التبذير. وقام الأستاد محمّد ناصرالدين الألباني (1984م) بتخريج ما ورد فيه من الأخبار وسمّاه «تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام» ونشره المكتب الإسلامي في بيروت. ومنها مقالة «مشكلة الفقر وأثرها على التنمیة البشریّة» لولید عبدالسّلام محمّد (2015م)، رسالة «دور المجتمعات الأجنبیّة في التخفیف من معدّلات البطالة والفقر» لمحمّد عودة يامي (2015م)، مقالة «تطویر مؤشرات الفقر في الدّول الإسلامیّة» لمحمّد یوسف عبید (2016م)، مقالة «بحث عن الفقر» لإیات سعد نوارة (2019م)، دراسة «الدّعوة الى الفقر» لرمضان حمید محمّد أبوعلي (2021م)، دراسة «دور الاقتصاد الإسلامي في مكافحة مشكلة الفقر» لكمال حطاب، دراسة «اقتصاديات الفقر في الشريعة الإسلاميّة» لاسماعيل أبوشريفة، دراسة «مفاهیم قرآنيّة: الغنى والفقر في ضوء القران الكریم» للجمعیة الشّرعیّة، دراسة «الزكاة ودورها الاقتصادي في علاج الفقر» لسميّه بن غضبان، ماهيّة الفقر وكيفية محارته في الفكر الاقتصادي الإسلامي» لخديجة خالدي، «الفقر وإشكالية الأمن الإنساني»، لسليمة يحياوي (2014م) وأخيرًا مقالة «علاج مشكلة الفقر: دراسة موضوعيّة قرآنية» لعبدالسّلام حمدان اللوح (2009م).
وأخيرًا لم نجد مثل هذه الدّراسة الجدیدة في العنوان والموضوع، حسب ما فحصناه في مواقع الإينترنيت؛ لكنّنا وجدنا عدة بحوث ومؤلّفات كانت حول المصنّف منها كتاب «منهج الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في مصنّفه» ألّفته أسماء إبراهيم سعود عجين (2008م) بإشراف الدكتور أمين القضاة ونشرته الدار العثمانية للنشر. استنتجت المؤلّفة أنّ أسانيد الحافظ عبد الرزاق الصنعاني تحوي علی تقسيمات المحدّثين في الصحّة وعدمها إلّا أنّ الصحيح هو الغالب؛ فكانت روايته عن الطبقة الأولی في الشيخ هي أعلی نسبة عنده قمّ قد اتّفق مع أصحاب السنن بروايته عن الطبقة الخامسة، واتّفق بين أصحاب الكتب الستة في العطف بين الشيوخ والأسانيد. ومنها رسالة قدّمت لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان «زوائد مصنّف الحافظ عبدالرزاق الصنعاني علی الكتب الستّة من الأحاديث المرفوعة، من أوّل كتاب الجهاد حتّی نهاية الكتاب» الّتي أعدّها الطالب عبدالرحمن بن أحمد الخريصي (1418ق) بإشراف الدكتور جلال الدين بن إسماعيل عجوة في جامعة أمّ القری.
3- الحافظ عبدالرزاق الصنعاني ومصنّفه في سطور: الإمام عبدالرزاق بن همّام بن نافع الصنعاني اليماني الحميري وكنيته أبوبكر. لاخلاف في اسمه وكنيته واسم أبيه وجدّه. نسبته الصنعاني ترجع إلی مدينة صنعاء وهي من أشهر مدن اليمن وهي نسبة شاذّة بسبب النون التي قد زيدت في النسبة إليها. فالقياس فيه الصنعائي. والحميري نسبة إلی حِمْيَر وهي قبيلة عريقة سادت اليمن في تاريخه القديم وكان لها شأن عظيم في السياسة. يذكر أغلب التراجم أنّ نسبة عبدالرزاق إلی حمير نسبة ولائية من نوع ولاء الإسلام، ولذلك نجد في ترجمته قيل إنّه مولی حمير أو مولی لحمير والحميري مولاهم. ولد العام 126 للهجرة في مدينة صنعاء اليمنية ولبّی نداء ربّه العام 211 وقيل 212 في أيّام المأمون العبّاسي، بعد أن أصبح أعمی(19). أخذ عن معمر وابن جريح والثوري وغيرهم وصار من كبار علماء الحديث في زمانه. فجاءته الطلبة من أقصی المعمورة وله رحلات إلی خارج اليمن. فرحل إلی مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة ودمشق وإلی مدن العراق(20). طلب العلم وهو إبن عشرين كما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال.فكان بدء طلبه للعلم العام 146 فتلقاه عن شيوخه في اليمن، وكان أكثره عن معمر بن راشد. قال عبدالرزاق نفسه: كتبت عن معمر عشرة آلاف حديث وجالسته تمام سبع شنين أو ثمان(21).ألّف الصنعاني المغازي والسنن وتزكية الأرواح عن مواقع الأفلاح وتفسير القرآن المسمّی بتفسير عبدالرزاق، والأمالي في آثار الصحابة وأخيرًا الجامع الكبير المصنّف، والمصنّف هذا موسوعة ضخمة في علم الحديث اشتمل علی 21033 حديثًا مرتبًّا علی أبواب الفقه ابتداؤه كتاب الطهارة وانتهاؤه كتاب الآداب والأخلاق الإسلامية.طبع الكتاب في 11 مجلّداً بتحقيق العلامة حبيب الرّحمن الأعظمي.
المصنّف اسم مفعول من مادّة صنف بمعنی النوع والضرب من كلّ شيء. فالتصنيف هو تمييز الأشياء بعضها من بعض؛ والمصنّف في مصطلح المحدّثين كما عرّفه الأستاذ طحّان هو كتاب روائي مرتّب علی الأبواب الفقهيّة ومشتمل علی الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة(22). أي فيه الأحاديث النبوية وأقوال الصّحابة والتابعين وفتاوی أتباع التابعين أحيانًا؛ وقد جعل العثيمين تصنيف الحديث علی نوعين: تصنيف الأصول وتصنيف الفروع(23). طريقة هذا التصنیف هي أن تجمع الأحادیث ذات الموضوع الواحد إلى بعضها البعض، تحت عنوان عامّ یجمعها مثل كتاب الصّلاة، كتاب الزكاة وكتاب البیوع وغيرها ثمّ توزّع الأحادیث على أبواب يضمّ كلّ باب حديثًا أو أحاديث في مسألة جزئية. يوضع لكلّ باب عنوان يدلّ علی موضوعه.
الفرق بين المصنّف وبين ما رتّب علی الأبواب كالسنن والموطآت والجوامع هو أنّ السنن لاتحوي إلّا المرفوع من الحديث وتجمع أبواب الفقه وحدها. والموطآت كموطأ مالك تحوي المرفوع وغيره والجوامع هي كلّ كتاب يوجد فيه من الحديث جميع الأنواع المحتاج إليها من العقائد والأحكام وما يتعلّق بالتفسير والتاريخ والسير والمناقب والمثالب وغير ذلك. والمصنّف لايحوي جميع أبواب الدين وإنّه خاصّ بالفقه وإذا حوی أبواب الدّين جميعها صار جامعًا. فالمصنّف يشترك مع السنن في التبويب ومع الجوامع في محتواها من المرفوع وغيره، وهو والموطآت سواء(24). قال الرامهرمزي (م360ق) إنّ أوّل من صنّف فيما أعلم هو الربيع بن صبيح بالبصرة ثمّ سعيد بن أبي عروبة بالبصرة كذلك وخالد بن جميل ومعمر باليمن، وابن جريح بمكّة ثمّ سفيان الثوري بالكوفة وحماد بن سلمة بالبصرة وابن عيينة بمكّة والوليد بن مسلم بالشام، وجرير بن عبدالحميد بالري وابن المبارك بمرو وخراسان وهشيم بواسط وصنّف في هذا العصر بالكوفة ابن أبي زائدة وابن فضيل ووكيع ثمّ صنّف عبدالرّزاق الصنعاني باليمن وأبوقرّة موسی بن طارق(25).
4- الفقر في مصنّف الصنعاني: أسلفنا قبل هذا أنّ الفقر منه ممدوح ومنه مذموم. كلّ من الفقر الذاتي والاختياري والقسريّ ممدوح وكلّ من الفقر الثّقافي والدّيني والرّوحي والاختياري الناتج عن الكسل والبطالة مذموم. هناك في الأخبار التي جاء بها الحافظ عبدالرزاق الصنعاني دلالات واضحة لذمّ الفقر، أخرجناها كما يلي:
لقد دعا سعدٌ علی رجل من بني عبس بإطالة الفقر. فالفقر، ألم وطوله ألم في ألم، يدعو به الرجل علی الرجل الآخر. فقد جاء في الحديث 3707: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْداً إِلَى عُمَرَ؛ فَقَالُوا: لَايُحْسِنُ يُصَلِّي قَالَ: فَسَأَلَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، أَوْ غَيْرُهُ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ لِسَعْدٍ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَا تَنْفُرُ فِي السَّرِيَّةِ، وَلَا تَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَلَا تقْسِمُ فِي السَّوِيَّةِ، فَقَالَ سَعْدٌ: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذِبَ فَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ»، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ(26).
قد جاء في الحديث 8896: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ، كَانَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ سَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، وَمَوَاقِفِ الذُّلّ(27). ومثله حديث «اللّهُمَّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ» ومثله حديث «اللّهُمَّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ» وكلّها أحاديث ضعاف كما أخرجها النسائي وأحمد والحاكم(28). نقص الأموال في قوله تعالی: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة/155) يدلّ علی الفقر المادّي. فيلاحظ أنّه قرن بالخوف والجوع والموت وكلّ هذه عذاب أو قل غير ممدوح. فالفقر عذاب يبلی به الإنسان ليتميّز إيمانه من كفره. لقد جمع في الأخبار المروية بين الفقر وبين الكفر والذلّة. فصار الفقر في صنف واحد مع الكفر والذلّة ومع كلّ ما يُعاذ منه بالله العلّي العظيم من مثل أنواع الشرّ كشرّ الشياطين والأجنّة وشرّ الجهل والحسد.
القرآن في القلب والمصحف غناء والقلب الذي ليس فيه شيء من القرآن فهو فقير كفقر البهائم. فقد جاء في الحديث 5980: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ شَدَّادٍ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: “لَيُنْتَزَعَنَّ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ” قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ يُنْتَزَعُ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورِنَا وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِ عَبْدٍ مِنْهُ وَلَا مُصْحَفٍ مِنْهُ شَيءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ فُقَرَاءَ كَالْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلَا﴾ (الإسراء/86)(29). فيمكن جعل الخبر في ذمّ الفقر الثقافي.
لقد سخّر الله سبحانه للإنسان السّماء (النحل/12)، والأرض (النحل/13)، وما بينهما (الجاثية/13)، والبحر (النحل/14)، والأنهار (ابراهيم/32)، والشمس والقمر (الرعد/2)، والرزق الموجود في السّماء والأرض والبحار والأنهار لا يكتسب إلّا بالجهد والسعي؛ فتأكّد سبحانه علی أن ﴿لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ (النجم/39). فالإنسان مأمور أن يمشي في مناكب الأرض لطلب الرزق ويدلّ عليه قوله تعالی: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك/15) وقوله تعالی: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة/10). طلب الله سبحانه من عباده أن ينالوا نصيبهم فى الدّنيا والآخرة كلتيهما ولاتنسوا نصيبهم في الدّنيا وذلك في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا…﴾ (القصص/77). لا أنسى أن أقول إنّ الرزق الذي بحثّ عليه هو الرزق الحلال الطيّب كما في قوله تعالی: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (البقرة/168). فالضعف والعجز عن الكسب وإخفاق السعي واختيار البطالة مذموم كلّها والعمل أهمّ الطرق لحلّ مشكلة الفقر المادّي بل الطريقة الأساس. قد جاء في الحديث 9578: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ رَأْسِ تَلٍّ فَقَالُوا: مَا أَجْلَدَ هَذَا الرَّجُلَ لَوْ كَانَ جَلَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ لَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ؟» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ فِي الْأَرْضِ يَطْلُبُ حَلَالًا يَكُفُّ بِهِ أَهْلَهُ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ حَلَالًا يَكُفُّ بِهِ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ يَطْلُبُ التَّكَاثُرَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ»(30). الحديث في ذمّ الفقر المادّي وذمّ الكسل والبطالة ومدح السعي إلی العمل المتكفّل رزقك ورزق أهلك. وفي الحديث 20980: أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمّر عن الزهري عن إبن المسيّب إنّ عمر بن الخطّاب قال: يا نبيّ الله، أرأيتَ مانَعْمَلُ ألِأمرٍ قد فُرِغَ منه أو لأمْرٍ نَسْتَقْبِلُهُ استقبالاً؟ قال: بل لأمرٍ قد فُرِغَ منه.فقال عمر: ففيم العَمَلُ؟ فقالَ رسولُ الله:«كلّ لاينال إلّا بالْعَمَلِ.فقال عمر: إذَنْ نَجْتَهِدُ» (31)، فالحديث في ذمّ الفقر المادّي والكسل وفي مدح العمل والاجتهاد ويطابق الآية الشريفة ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ (النجم/39). وفي الحديث 16643: أخبرنا عبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمَّةٍ، لَهُ سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ يَتِيمٍ فِي حِجْرِهَا تُصِيبُ مِنْ مَالِهِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِه»(32).
وهناك طرق أخري لحلّ مشكلة الفقر منها إيتاء الصدقات والتبرّعات والإنفاقات لذوي الحاجات. الصدقة هي العطيّة التي يبتغی بها الثواب عند الله تعالی وهي ذلك المال الذي يخرجه الإنسان المؤمن بالله تعالی علی وجه التقرّب إلی الله تعالی متطوّعًا به، فتسمّی هذه الصدقة بصدقة التطوّع. الصدقة الاختيارية أو الفردية أو النافلة أو المتطوّعة – أيًّا كان اسمها – هي إحدی الطرق لحلّ مشكلة الفقر المادّي. الصدقة الحسنة المتطوّعة إنها تبرّع اختياري ولايكلّف عليها الإنسان ففي الحديث 20974: أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال: جلء رجل فسأل النبي فقال: ماعندنا شيء ولكنِ ابْـتَعْ علينا. فقال عمر: ما كلّفك الله هذا تعطي ما عندك ولاتتكلّف ما ليس عندك فقال: رجلٌ مِنَ الأنصار: أنْفِقْ يا رسولَ الله ولاتَخَفْ من ذي العرش إقلالاً. فقال رسولُ الله: بهذا أمَرَني ربّي(33)، ثمّ إنّ إخفاء الصدقة أفضل من إعلانها كما في قوله تعالی: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (البقرة/٢٧١) وقد ذهب جمهور المفسّرين إلى أنّ الآية الشريفة في صدقة التطوع، وفيها دلالة على أنّ إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنّه أبعد عن الرياء، إلّا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به.
الصدقة علی أنواع فتأتي نافلةً، كفّارةً، واجبةً وجارية. الصدقة النافلة متطوّعة اختيارية فردية يعطيها الإنسان المؤمن في سبيل الله تعالی ابتغاء مرضاته وقد أشير إليه في قوله تعالی: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ (البقرة/263) والصدقة الكفّارة يعطيها الإنسان المذنب كفّارة ذنب ارتكبه أو عملاً مفروضاً تركه وقد أشير إليها في قوله تعالی: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ (البقرة/196) وقد وردت السنة أنّ الصيام ثلاث أيّام وأنّ الصدقة إطعام ستّة مساكين وأنّ النّسك شاة(34). والصدقة الواجبة هي الزكاة الواجبة التي قد أشير إليها في قوله تعالی: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة/60) وقد جاءت الإشارة إلی زكاة الفطر في الحديث 5817: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ غَنِيٍّ وَفَقِير».و في الحديث 5818 :أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ إِنْسَانٌ لِعَطَاءٍ: يُلْقِي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ أَيَأْخُذُ مِنْهَا إِذَا قُسِّمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ كَانَ مُحْتَاجاً».وفي الحديث 5819: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «إِنْسَانٌ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ مَدِينٌ أَيُلْقِي؟» قَالَ: نَعَمْ، فقَالَ: «إِنْسَانٌ أَيَاخُذُ مِنْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ. وفي الحديث 5820: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاق عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «يُعْطَى الْمِسْكِينُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ أَخَذَهَا». وفي الحديث 5821: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاق عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْفَقِيرُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ لَمْ يَطْرَحْ عَنْ نَفْسِه»(35) وقد جاء مثله في الحديث 5823: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «إِنْ كَانَ الْفَقِيرُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ لَمْ يَطْرَحْ عَنْ نَفْسِه»(36). وفي الحديث أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى: صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ”. قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي، أَنَّ الزُّهْرِيَّ، كَانَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ونظير هذا الحديث جاء في الحديث 5761: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى: صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ». قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي، أَنَّ الزُّهْرِيَّ، كَانَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(37). وفي الحديث 7155: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيِحَانَ ابْنِ يَزِيدَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيِّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيّ»(38). والحديث صحيح كما أخرجه الألباني في تخريجه(39). المرّة القوّة والسويّ السليم الأعضاء. بهذا لم يجعل الرّسول الأعظم (ص) للإنسان الكسول العاطل عن العمل حقًّا في صدقات المسلمين وفيه ترغيب وتشجيع ليدفع القادرين علی العمل إلی العمل والكسب الحلال. وفي الحديث 7157: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «لَا يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ مَنْ كَانَ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَلَا يُعْطَى مِنْهَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا إِلَا أَنْ يَكُونَ غَارِمًا عَلَيْهِ دَيْنٌ » ومثله في الحديث 7158: عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلّا أَنْ يَكُونَ غَارِمًا» إنّ الغنيّ لاتستحقّ الزّكاة الشّرعيّة الواجبة لأنّه ليس بفقير ولامسكين، ولكنّه إذا إذا فقد ماله في البلد الغريب أو أغرم عندئذ يتصدّق عليه منها فقد جاء في الحديث 7151: أخبرنا عبدالرزاق عن مَعْمَرٍ، عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَاتَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيِّ»(40) فالنظام الإسلامي لايسعی إلی إيجاد التسوّل والتكدّي بل يسعی إلی حلّ مشكلة من مشاكل الفقراء والمساكين.
والصدقة الجارية هي الوقف الخيري الذي قد جاء في السنّة الشريفة الغرّاء وفيه روي عن أبي هريرة أنّه قال: قال النبي (صلّی الله عليه وسلّم): إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه الجماعة إلّا البخاري وابن ماجة (41)وقد روی الشيخ الطوسي في الحديث 11950: الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان عن عجلان أبي صالح قال: أملی أبوعبدالله (عليه السّلام): بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به فلان بن فلان وهو حيّ سويّ بداره التي في بني فلان بحدودها صدقة لاتُباع، ولاتُوهب حتّی يرثها الله… وأنّه قد أسكن صدقته هذه فلانًا وعقبه فإذا انقرضوا فهي علی ذي الحاجة من المسلمين»(42). فالصدقة المشارة إليها في الحديث هي الصدقة الجارية أو الوقف الخيري.
ومنها الكفّارات؛ وهي ما يستغفر به الآثم بسبب أكله التعمّدي في شهر رمضان أو ارتكابه الذنوب الأخرى.إطعام الفقراء والمساكين هو أحد طرق أداء الكفّارة فقد جاء في الحديث 7457: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: أَتَجِدُ رَقَبَةً. قَالَ: لَا قَالَ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً. قَالَ: لَا أَجِدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَأَتَى النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعَرَقٍ، فِيهِ تَمْرٌ – وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ – قَالَ: اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهَذَا. قَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بَالْحَقِّ، مَابَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنِّي، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ قَالَ: إذْهَبْ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ(43). وجاء في الحديث 8289: أخبرنا عبدالرزاق عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أبو شَيْبَانَ قَالَ: أخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ أهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ قَالَ: وَطِئْتُ عَلَى عُشٍّ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، وَأَنَا بِمَكَّةَ فِيهِ فَرُّوخٌ قَدْ رِيشَ، وَبَيْضَةٌ، فَقَتَلْتُ الْفَرْخَ، وَكَسَرْتُ الْبَيْضَةَ، فَسَأَلْتُ عَطَاءً، فَقَالَ: عَنْ مَيْتٍ شَاةٌ وَلَكِنْ إِيتِ تِلْكَ الْحَلْقَةَ، فَإِنَّ فِيهَا شَيْخًا، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَسَلْهُ فَإِنْ أخْبَرَكَ بِشَيْءٍ فَارْجِعْ إِلَيَّ فَأخْبِرْنِي، فَسَأَلْتُ عُبَيْداً، فَقَالَ: أمَّا الْفَرْخُ الَّذِي قَدْ رِيشَ فَفِيهِ شَاةٌ، وَأَمَّا الْبَيْضَةُ فَفِيهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا أصْنَعُ؟ قَالَ: إذْبَحِ الشَّاةَ، وَاشْتَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامًا فَاطْحَنْهُ، وَانْظُرْ مَنْ يَلِيكَ مِنَ الفُقَرَاءِ فَأطْعِمْهُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ أوْ بِكُمْ حَاجَةٌ فَأمْسِكُوا مِنْهُ. فَمَرَرْتُ بِعَطَاءٍ فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: هَكَذَا أخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ(44). يتحقّق الإطعام بشكلين:
1- جمع الفقراء والمساكين في البيت أو المسجد أو في مكان آخر والإطعام فطورًا أو غداء أو عشاء.
2- اختصاص قيمة الطعام ليحضره الفقير أو المسكين نفسه.
في الحديث 16081: أخبرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي إِطْعَامِ الطَّعَامِ: أَجْمَعُهُمْ فِي بَيْتِي وَأُطْعِمُهُمْ؟ قَالَ: لَا، مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، مُدًّا لِطَعَامِهِ، وَمُدًّا لِإِدَامِه(45).
يبدو أنّ المؤشّرات من مثل الإشارة إلى الملابس الفاخرة والطعام الدسم والسكن الوسيع يمكن تضمينها في مدح الغنی وذمّ الفقر.لأنّ الحصول على الملابس الفاخرة والطعام الدسم أو العيش في منزل سكني كبير وسيع يتطلّب المال والثروة. ومن الطبيعي أنّ الشخص الفقير لایستطیع الحصول على طعام دسم وملابس مناسبة وحتى سكن یقیم فیه؛ وصاحب هذه المؤشّرات هو غنيّ والمؤشّرات المذكورة تدلّ علی مدح الغنی. فالأغنياء يلبسون الثياب الفاخرة ويشربون ويأكلون بوجبات دسمة ممّا لا يستطيع الفقراء الوصول إليها.ففي الحديث 5329: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: أَمَا يَتَّخِذُ أَحَدُكُمْ ثَوْبَيْنَ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِه وفي الحديث 5330: عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجَمَاعَةَ، وَعَلَى أَحَدِهِمُ النَّمِرَةُ وَالنَّمِرَتَانِ، كَانَ يَعْقِدُهُمَا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): مَا عَلَى أَحَدِكُمْ، أَوْ مَا عَلَيْكُمْ إِذَا وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنَ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِه. إذا كان الفقر المادي ممدوحًا، فكيف يمكن للنبي (صلّی الله عليه وسلّم) أن يطلب من المؤمنين توفير ملابس جديدة وأكثر لمناسبة يوم الجمعة، بالإضافة إلى ملابس العمل في يوم العمل؟ وروي أنّ النبي (صلّی الله عليه وسلّم )كان يلبس في العيد بردة. فعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)كَانَ يَلْبِسُ فِي كُلِّ يَوْمِ عِيدٍ بُرْدًا لَهُ، مِنْ حِبَرَة (46)وفي الحديث 5858: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ أَبِيكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبِسُ لِكُلِّ عِيدَيْنِ بُرْدًا، فَقَالَ: لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي أَنَّهُ قَالَ: لَبِسَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ عَرَفَةَ حُلَّةً – أَوْ بُرْدًا –(48)
خاتمة المطاف
بناءً على ما سبق بيانه إجمالًا وتفصيلًا، يمكن للكاتب حصره وتخليصه كنتيجة البحث، وتكوينه حسب ترتيب البحث السابق على ما يأتى:
إنّ الفقر ظاهرة قديمة وآفة اجتماعية شهدتها البشريّة عبر العصور السّالفة. والفقير من لايملك مئونة سنته. ولقد حدّد الفقهاء والاقتصاديون حدًّا له وسمّوًا الحدّ الفاصل الّذي يعدُّ الإنسان عنده فقيرًا إذا هبط عنه بخطّ الفقر. وإنّه يتمثّل في فقدان الحاجات الأساسيّة من غذاء ومسكن وملبس وتعليم وصحّة ونقل؛ والحاجات تختلف من زمان وعصر إلی عصر آخر. الفقر في الفكر الإسلامي – القرآني أمر عارضيّ من عوارض الحياة ويجب علاجه بطريقة حاسمة لاستئصاله.أهمّ أساليب محاربة الفقر في الفكر الإسلامي هي:
- العمل والاجتهاد.
- الصدقة الواجبة علی نوعيها زكاة الأموال وزكاة الفطر.
- صدقة التطّوع والإنفاقات والإحسان في سبيل الله تعالی.
- التمويل الإسلامي بما يوفره من قروض حسنة أي قروض بدون الربح.
- الخمس وهو إخراج 20% من الواردات السنوية (الدخل السنويّ) كما ورد في الفكر الشيعي عن طريق أئمّة آل البيت (عليهم السّلام) وخمس غنيمة الحرب وغنيمة الكنوز والمعادن المستخرجة من الأرض المتفق عليه في الفكر الإسلامي كما ورد في القرآن الكريم.
- الكفّارات وهي كفّارة أكل الصيام في شهر رمضان متعمّدًا وكفّارة الذنوب والمعاصي كما ورد في القرآن الكريم.
- الإطعام.
- الوصية في الخير والنذورات.
- الوقف الخيري وهو صدقة جارية.
لقد عولجت قضية الفقر في المصنّف بذمّ الفقر المادي الذي يؤدّي إلی الجوع والحرمان وسلب الحقوق الإنسانية فهو مذموم كلّ الذمّ.
الهوامش
- طالبة دكتورا في كلية الإلهيات ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) قسم علوم القران والحديث جامعة – أصفهان – إيران (البحث مستل من اطروحة الدكتوراه)
Doctoral student at the Faculty of Theology and Knowledge of the People of the House (peace be upon them)، Department of Qur’anic and Hadith Sciences، University of Isfahan ، Iran (the research is taken from the doctoral thesis-Email: noor.ali.66911@gmail.com
- أستاذ مشارك في كلية الالهيات ومعارف اهل البيت قسم علوم القران والحديث جامعة أصفهان- إيران.( الكاتب المسؤول)
Associate Professor at the Faculty of Theology and Knowledge of the People of the House، Department of Qur’anic and Hadith Sciences ،University of Isfahan، Iran-Email:r. shokrani@ltr.ui.ac.ir
- أستاذ مشارك في كلية التربيه المختلطة قسم التربية الإسلاميّة جامعة الكوفه . العراق.
Associate Professor at the College of Coeducation، University of Kufa، Iraq –Email: Serwan.aljanabi@uokufa.idu.iq
4- الفراهيدي، القاضي الحسن بن عبدالرحمن، (1971م)، «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي 1432: 3/1408.
5- الزبيدي، 1965 محمّد بن محمّد بن عبدالرزاق الملقّب بمرتضي، (1965م)، «تاج العروس من جواهر القاموس»، دار الهداية للنشر : 13/334.
6- الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس 13/ 336.
7- الشّرتوني،(العلامة) سعيد، (1416ق)، «أقرب الموارد في فصح العربية و الشوارد »، الطبعة الأولی، دار الأسوة: طهران، 1416: 4/ 186.
8- المصطفوي، حسن، (1385ش)، «التحقيق في كلمات القرآن الكريم»، مركز نشر آثار العلامة المصطفوي، الطبعة الأولی: طهران، 1385: 9/ 129.
9- باكتجي، أحمد، (1398)، «إعادة تفسير كلمتي الفقر والغنی»، فصلية الدّراسات القرآنية والإسلامية، السنة 3، العدد 1، صص 48- 25 ، 1398: 40.
10- رشدي، الفقر وعلاجه في تصوّر القرآن، مجلّة الجامعة الإسلامية الحكومية باري- باري، العدد1، المجلّد1، صص 103- 85، 2015: 87.
11- شوسوفسكي، 2001 ميشل، (2001م)، «عولمة الفقر»، ترجمه إلی العربية جعفر علي حسين السودان، الطبعة الأولی، بيت الحكمة: بغداد. م: 54.
12- عبدالعظيم، محمّد، (1994م)، «فقر الشعوب»، المطبعة العمرانية بمصر، الطبعة الأولی: القاهرة ،1994: 15.
13- رشدي، محمّدعلي، (2015م)، «الفقر وعلاجه في تصوّر القرآن»، ، 2015: 88.
14- القرضاوي، يوسف، (1985م)، «مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام»، الطبعة الأولی، مؤسسة الرسالة: بيروت ،1985: 13.
15-المجلسی، العلامة محمدباقر بن محمد تقي، (1404)، «بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار»، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء: بيروت، 1404: 69/30.
16- المصدر نفسه ، 1404: 69/ 6.
17- الکلینی، محمد بن يعقوب، (2008م)، «أصول الكافي»، دارالمجتبی والأميرة للطباعة، الطبعة الأولی: النجف الأشرف و بيروت، 2008: 3/663.
18- عن أبي جعفر (عليه السلام) إذا سئل عن المستضعف قال: هو الذي لايهتدي حيلة إلی الكفر فيكفر ولايهتدي سبيلاً إلی الإيمان … هم الصبيان ومن كان من الرجال والنساء علی مثل عقول الصبيان، مرفوع عنهم القلم (الكليني، 2008: 2/542- رقم 2892).
19- عجين، أسماء إبراهيم، (2008م)، «منهج الحافظ عبدالرزاق الصنعاني»، المكتبة الإسلامية، الطبعة الأولی: القاهرة- عمّان، 2008: 17.
20-الحبشي، عبدالله محمّد، (2004م)، «مصادر الفكر الإسلامي في اليمن»، منشورات المجمع الثقافي، الطبعة الأولی: أبوظبي. ،2004: 46.
21- عجين، منهج الحافظ عبد الرزاق الصنعاني، 2008: 18.
22- طحان، محمود، (1982م)، «أصول التخريج ودراسة الأسانيد»، مكتبة السروات للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة: بيروت، 1982: 134.
23- العثيمين، محمّد بن صالح، (1994م)، «مصطلح الحديث»، مكتبة العلم، الطبعة الأولی: القاهرة، 1994: 45.
24- عجين، أسماء إبراهيم، (2008م)، «منهج الحافظ عبدالرزاق الصنعاني»، المكتبة الإسلامية، الطبعة الأولی: القاهرة- عمّان، 2008م: 104.
25- الرامهرمزي، القاضي الحسن بن عبدالرحمن، (1971م)، «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي»، تحقيق محمّد عجاج الخطيب، دار الفكر، الطبعة الأؤلی: بيروت، 1971: 611.
26- الصنعاني، أبوبكر عبدالرزاق بن همّام، (1970م)، «المصنّف»، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، الطبعة الأولی: بيروت، 1970: 2/ 360.
27- الصنعاني: المصنف، 5/ 33.
28- الألباني: محمّد ناصرالدين، (1984م)، “تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام”، المكتب الإسلامي، 1984: 10.
29- الصنعاني: المصنف، 3/362.
30- المصدر نفسه: 5/271.
31- المصدر نفسه، 2015: 9/ 15.
32- المصدر نفسه: 9/133.
33- المصدر نفسه، 2015: 9/ 13 .
34- الطباطبائي،1430(العلامة) السيّد محمّد حسين، (1430)، «الميزان في تفسير القرآن»، مؤسسة إحياء الكتب الإسلاميّة ومنشورات ذوي القربي، الطبعة الأولی، قم: 1/371.
35- الصنعاني: المصنف، 3/ 325.
36- المصدر نفسه: 3/ 326.
37- المصدر نفسه: 3/ 311.
38- المصدر نفسه: 4/ 109.
39- الألباني، تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، 1984: 46.
40- الصنعاني: المصنف 4/ 110-109.
41- القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، 1985: 134.
42- الطوسي محمّد بن الحسن، (2008م)، «تهذيب الأحكام»، الأميرة للطباعة، الطبعة الأولی: بيروت، 2008: 9/ 678.
43- الصنعاني: لمصنف، 4/ 194.
44- المصدر نفسه: 4/ 419.
45- المصدر نفسه: 8/ 508.
46- المصدر نفسه : 3/ 203.
47- المصدر نفسه: 4/ 194.
48- المصدر نفسه: 3/ 333.
فهرس المصادر والمآخذ
أ) الكتب
- القرآن الكريم.
- الألباني، محمّد ناصرالدين، (1984م)، «تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام»، المكتب الإسلامي، الطبعة الأؤلی: بيروت.
- الحبشي، عبدالله محمّد، (2004م)، «مصادر الفكر الإسلامي في اليمن»، منشورات المجمع الثقافي، الطبعة الأولی: أبوظبي.
- الرامهرمزي، القاضي الحسن بن عبدالرحمن، (1971م)، «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي»، تحقيق محمّد عجاج الخطيب، دار الفكر، الطبعة الأؤلی: بيروت.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبدالرزاق الملقّب بمرتضي، (1965م)، «تاج العروس من جواهر القاموس»، دار الهداية للنشر، الطبعة ؟ : بيروت.
- الشرتوني، (العلامة) سعيد، (1416ق)، «أقرب الموارد في فصح العربية و الشوارد »، الطبعة الأولی، دار الأسوة: طهران.
- شوسوفسكي، ميشل، (2001م)، «عولمة الفقر»، ترجمه إلی العربية جعفر علي حسين السودان، الطبعة الأولی، بيت الحكمة: بغداد.
- الصنعاني، أبوبكر عبدالرزاق بن همّام، (1970م)، «المصنّف»، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، الطبعة الأولی: بيروت.
- الطباطبائي، (العلامة) السيّد محمّد حسين، (1430)، «الميزان في تفسير القرآن»، مؤسسة إحياء الكتب الإسلاميّة ومنشورات ذوي القربي، الطبعة الأولی: قم.
- طحان، محمود، (1982م)، «أصول التخريج ودراسة الأسانيد»، مكتبة السروات للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة: بيروت.
- الطوسي، محمّد بن الحسن، (2008م)، «تهذيب الأحكام»، الأميرة للطباعة، الطبعة الأولی: بيروت.
- عبدالعظيم، محمّد، (1994م)، «فقر الشعوب»، المطبعة العمرانية بمصر، الطبعة الأولی: القاهرة.
- العثيمين، محمّد بن صالح، (1994م)، «مصطلح الحديث»، مكتبة العلم، الطبعة الأولی: القاهرة.
- عجين، أسماء إبراهيم، (2008م)، «منهج الحافظ عبدالرزاق الصنعاني»، المكتبة الإسلامية، الطبعة الأولی: القاهرة- عمّان.
- الفراهيدي، خليل بن أحمد، (1432)، «كتاب العين»، تحقيق إبراهيم السامرائي، دار الأسوة، لبطبعة الثالثة: طهران.
- القرضاوي، يوسف، (1985م)، «مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام»، الطبعة الأولی، مؤسسة الرسالة: بيروت.
- الكليني، محمد بن يعقوب، (2008م)، «أصول الكافي»، دارالمجتبی والأميرة للطباعة، الطبعة الأولی: النجف الأشرف و بيروت.
- المجلسي، العلامة محمدباقر بن محمد تقي، (1404)، «بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار»، الطبعة الثانية، مؤسسة الوفاء: بيروت.
- المصطفوي، حسن، (1385ش)، «التحقيق في كلمات القرآن الكريم»، مركز نشر آثار العلامة المصطفوي، الطبعة الأولی: طهران.
ب) المقالات
- باكتجي، أحمد، (1398)، «إعادة تفسير كلمتي الفقر والغنی»، فصلية الدّراسات القرآنية والإسلامية، السنة 3، العدد 1، صص 48- 25.
- رشدي، محمّدعلي، (2015م)، «الفقر وعلاجه في تصوّر القرآن»، مجلّة الجامعة الإسلامية الحكومية باري – باري، العدد1، المجلّد1، ص 103- 85.