عنوان البحث: تأسيس حقوق الإنسان بين الفلسفة الأوروبيّة والفكر الإسلامي، "مراجعة أصوليّة ورؤية حواريّة"
اسم الكاتب: رجاء علي عواضة
تاريخ النشر: 12/09/2024
اسم المجلة: مجلة أوراق ثقافية
عدد المجلة: 33
تحميل البحث بصيغة PDFتأسيس حقوق الإنسان بين الفلسفة الأوروبيّة والفكر الإسلامي، “مراجعة أصوليّة ورؤية حواريّة”
Establishing Human Rights between European Philosophy and Islamic “A Fundamentalist Review and a Dialogue Vision Thought”
Rajaa Ali Awada رجاء علي عواضة([1])
تاريخ الإرسال:13-8-2024 تاريخ القبول: 30-8-2024
الملخص
تستعرض المقالة تأسيس حقوق الإنسان من خلال مراجعة ثلاثة أصول نظرية رئيسة في الفلسفة الأوروبيّة في القرن الثّامن عشر: التّطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل، حالة الطبيعة، والعقد الاجتماعي. يبرز الفلاسفة أهمية العقل كأداة رئيسة لفهم النظام الطبيعي، وضرورة تطابقه مع النّظام العقلي، مع رفض الممارسات التي لا تتماشى مع هذا النظام. بالمقابل، تقدم المقالة رؤية من المنظور الإسلامي، حيث يُطرح مفهوم “الفطرة” في الإسلام كأساس مشابه لحالة الطبيعة، ويعدُّ أساسًا لبناء مفهوم عالمي لحقوق الإنسان. يوضح المقال أنّ الفلسفة الأوروبيّة والفكر الإسلامي يسعيان لتأصيل حقوق الإنسان على أسس طبيعية أو فطرية، ما يجعله مفهومًا عالميًا يتجاوز الفروقات الثقافيّة. هذا التوافق يمكن أن يعزز الحوار بين الثقافات، ويؤكد شرعية حقوق الإنسان في مختلف السياقات الثقافيّة.
الكلمات المفتاحيّة: حقوق الإنسان، الفلسفة الأوروبيّة، الفكر الإسلامي.
Abstract
The article explores the foundation of human rights by reviewing three main theoretical principles in European philosophy 18th-century, the alignment between the natural order and reason, the state of nature, and the social contract. Philosophers emphasize the importance of reason as the primary tool for understanding the natural order and the necessity for it to align with the rational order, rejecting practices that do not conform to this natural system. In contrast, the article presents an Islamic perspective, where the concept of “fitrah” in Islam is introduced as a similar foundation to the state of nature, serving as a basis for building a universal concept of human rights. The article highlights that both European philosophy and Islamic thought seek to establish human rights on natural or innate foundations, making it a universal concept that transcends cultural differences. This alignment can enhance cross-cultural dialogue and affirm the legitimacy of human rights in various cultural contexts.
Keywords: Human Rights, European Philosophy, Islamic Thought.
إشكاليّة المقالة: إنّ الإشكالية قوامها كيف يمكن دمج الأصول الفكريّة المختلفة لتأسيس مفهوم عالمي موحد لحقوق الإنسان، يوازن بين المبادئ الثّقافيّة والدّينيّة المختلفة ويعزّز الحوار بين الثّقافات؟
فلسفة حقوق الإنسان: إنّ مفهوم «الإنسان» في نصوصنا الدّينيّة والتراثيّة، لم يكن يحمل المضامين نفسها التي يفكر بها فيه اليوم في عالمنا المعاصر والتي تجد مرجعيتها في عصر النهضة الأوروبيّة، وبالخصوص في تصوّرات ما يسمى بـ«النّزعة الإنسانيّة» (القرنين السّادس عشر والسّابع عشر). ذلك أنّ مفهوم «الإنسان» في المرجعيّة الأوروبيّة قد تُنُول على أساس إعادة الاعتبار للفرد البشري بتحريره من الشّعور بوِزر «الخطيئة الأصليّة» (خطيئة آدم الذي لم يعمل بأوامر ربّه فأكل من شجرة من الجنة، فكان عقابه أن طرده الله منها إلى الأرض هو وذريّته – في التّصوّر المسيحي – خطيئته تلك إلى الأبد) من جهة، وبإعادة الوحدة له بوصفه كائنًا يتألّف من نفسٍ وجسدٍ متّحدين اتحادًا لا انفصام له، وذلك بتحرير نفسه (أو حياته الروحيّة) من سلطة الكنيسة، وتحرير جسده (أو حياته الماديّة) من سلطة «الأمير» من جهة ثانية. هنا كان أوّل ظهور لحقوق الإنسان، في المرجعيّة الأوروبيّة، هو حقّه في جسمه، في ملكيّته والتمتّع به وتمتيعه، فتغيّرت النظرة للإنسان، لا على أنّه الكائن المدنّس، بل على أنّه القيمة العليا، والكائن الذي يجب أن تتّجه أنواع نشاطه جميعها إلى تنمية جسمه وروحه، حريته وكرامته… وبكلمة واحدة إنسانيّته([1]). فمفهوم الإنسان إذًا في المرجعيّة الأوروبيّة الحديثة والمعاصرة الذي يقدّم لنا نموذجًا للكمال الإنساني، فكريًا وأخلاقيًا وجماليًا، يتعارض مع النّظر إلى الإنسان على أنّه مشدود بروحه إلى الأولى وبجسده إلى الثانية: الرّوح تنتمي إلى المقدس والجسد إلى المدنس، وخلاص الإنسان يتمثّل في التكفير عن الخطيئة الأصليّة (التي كان الجسم وشهواته سببها: أكل آدم من الشّجرة المنهي عنها)، وذلك بربط حياته بمملكة الله التي تمثلها الكنيسة على الأرض. لقد جاء مفهوم «الإنسان» في عصر النّهضة الأوروبيّة لاعادة الاعتبار إلى الجسد بوصفه جزءًا لا يتجزّأ من ماهيّة الإنسان نفسه، الإنسان الذي أصبح يُنظر إليه على أنّه يسمو بإنسانيّته ذاتها ساعيًا إلى السيطرة على العالم وتسّخيره لفائدته.
مفهوم الإنسان في القرآن: إن الآيات التي سنوردها كان مفهوم الإنسان دائمًا حاضرًا فيها، بمعنى أنّه كان «قابلًا للتفكير فيه»، ومع ذلك فلا بدّ من القول إنّه لم يكن من «المفكر فيه» ولا «القابل للتفكير فيه» بالأبعاد والآفاق نفسها التي تؤطّر رؤيتنا المعاصرة. ولا بدّ من التأكيد أنّ هناك نصوصًا أخرى تتحدّث عن الوجه الآخر لهذا الكائن بعيوبه ونقصه وضعفه وظلمه وطغيانه، وهي نصوص تقع هي ومثيلاتها في الفكر الأوروبي الوسطي والمعاصر، خارج «المفكّر فيه» بالنسبة إلى موضوعنا، وهي ليست ممّا ينفرد به الإسلام، بل الدّيانات والفلسفات جميعها تتحدّث عن هذا الوجه الآخر الذي يشكل موضوعًا آخر([2]). إنّ أبرز نص يفرض نفسه كنصٍّ تأسيسي في إطار ما نفكّر فيه الآن هو قوله تعالى: ﴿… وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾([3]). ويشرح الزمخشري هذه الآية، فيقول: «قيل في تكرمة بني آدم: كرّمه الله بالعقل والنطق والتمييّز والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة، وقيل بتسلّطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم»([4]). يتجلّى هذا بوضوح إذا ما وظّفنا في فهم الآية المذكورة مفهومًا كان حاضرًا في الفكر العربي الإسلامي زمن الزّمخشري، وبالخصوص مع ابن خلدون الذي تحدث عن «العمران البشري» الذي ينقلنا مباشرة عبر قرينه المعاصر من مفهوم «الحضارة»، إلى «التنميّة» بمعناها الشامل، وحقوق الإنسان فيها([5]). ذلك لأنّ تكريم الإنسان «بالعقل والتّمييز» جاء مقرونًا ومبيّنًا ومفسّرًا بقوله: ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾([6]). وهكذا نرى أنّ مفهوم الإنسان، كما يمكن التّفكير فيه من خلال الآية الكريمة، مفهوم ذو بعدين: بعدٌ عقلي (العقل والتّمييز والنطق) وبعدٌ حضاري (الخط والأكل باليد وركوب البر والبحر والتمتّع بالطيبات).
ليس هذا وحسب، بل إنّ تكريم الإنسان يشمل تفضيل الله له على سائر المخلوقات، والجدل قائم بين المعتزلة والأشاعرة حول أيّهما أفضل عند الله: هل الإنسان أم الملائكة؟ لقد تقيّد المعتزلة بالمعنى المباشر للفظ «كثير» في قوله تعالى: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾([7])، فقالوا إنّ هناك مخلوقات أخرى، هي الملائكة، أمّا الأشاعرة فقد نظروا إلى أنّ الله فضّل آدم على الملائكة، وجهلهم بـ«الأسماء» التي علّمها الله لآدم، ففضّل الله آدم على الخلق «الكثير». والحقّ أنّ المتأمّل لنصوص القرآن التي تدخل في نطاق تكريم الله للإنسان سيجد فعلًا ما يرجّح رأي الأشاعرة.
إنّ الآية السّابقة لنقرأها في ضوء «المفكّر فيه» لقد وردت تلك الآية في سياق مجادلة مشركي مكّة في إطار إقامة الحجّة عليهم، ويذكّرهم القرآن أنّ الله هو وحده الإله وأنّه واحد لا شريك له([8])، ومن جملة الوقائع التي يذكرها القرآن في هذا السّياق والتي لها علاقة مباشرة بآية «تكريم الإنسان» واقعة امتناع إبليس عن السجود لآدم والتي يرويها القرآن في سياق الآية المذكورة كما يلي: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً، قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾([9]). ولمفهوم «تكريم» الإنسان بعدًا آخر حرّر الفكر الإسلامي من هاجس الخطيئة الذي هيمن على الفكر الأوروبي، بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُا عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾([10])، ثمّ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ، فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾([11]).
إنّ مفهوم الإنسان في القرآن يشمل أبعادًا أخرى أبرزها استخلاف الله له في الأرض وتعليمه الأسماء كلها والتّوبة عليه. أمّا الخلافة في الأرض فتعني إعمارها، والآيات كثيرة منها: ﴿هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾([12])، ومنها ﴿… وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا…﴾([13])، ومنها ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون﴾([14])، وإقامة العمران والحضارة فيها والتي تتطلّب المعرفة بها وبما فيها، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾([15])، الشّيء الذي يعني التّمييز بين الأشياء ومعرفة خصائصها، ثم تأتي بعد ذلك مسألة «الخطيئة» أيّ عدم امتثال آدم وزوجه لأمر الله وانسياقهما مع إغراء الشيطان وأكلهما من الشجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، غير أن آدم وزوجه ندِما وطلبا المغفرة من الله فتاب عليهما، وقد ورد ذلك في القرآن في مكان آخر حيث يقول تعالى: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ* قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾([16]). وهذا الدّعاء هو المقصود في قوله تعالى في الآيات السابقة ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾([17])، فخطيئة آدم محتها توبته فتحرّر منها هو وذريته، ويبقى بعد ذلك عمله في الأرض التي أُمر بالهبوط إليها لعمارتها هو وذريته وليحاسبوا على عملهم فيها، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. وممّا يدخل في دائرة «القابل للتفكير فيه» في ضوء ما قدّمناه أنّ القرآن يخلو تمامًا من ثنائيّة النّفس والجسد التي شغلت الفكر الأوروبي الدّيني والفلسفي، ذلك أنّ الإنسان في المنظور القرآني هو روحٌ وجسم، ولم يردْ في القرآن قط ما يحط من قدر الجسم، بل بالعكس يذكر الجسم في القرآن في معرض الأمور التي بها يكون الفضل والتفوّق، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾([18])، وفي آية أخرى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾([19])، وأيضًا ﴿صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ﴾([20])، فالجسد الإنساني وصورته الحسنة القويمة كما يقول الزمخشري، مظهر من مظاهر تكريم الله له، فتكريم الإنسان الذي هو نفس وجسد، معناه من هذه الزاوية تمتيعه بجملة من الحقوق، فما هي هذه الحقوق، حقوق الإنسان في التصوّر الإسلامي؟
فلسفة حقوق الإنسان… والدّين: نحن لا نشك في أنّ الطريقة التي سلكناها والنتائج التي انتهينا إليها ستثير اعتراضات وتساؤلات، لعلّ أهمّها اعتراضين اثنين: أحدهما يطعن في مصداقيّة هذا النّوع من المقارنة، والمقاربة بدعوى كون الإطار النّظري الذي يؤطّر حقوق الإنسان في الفكر الأوروبي الحديث إطار «علماني»، بينما حقوق الإنسان في الإسلام يحكمها الإطار الدّيني. أمّا ثانيهما فقد يطعن في «عالميّة» حقّ الحريّة وحق المساواة في الإسلام بإثارة خصوصيّة أحكام فقهيّة إسلاميّة معيّنة، كحكم المرتد (أي القتل) الذي «ينال» من حرية التديّن والاعتقاد، وأحكام الميراث والشّهادة والزواج والطلاق التي تعطي الرّجل من الحقوق أو من القيمة أكثر مما يعطيا للمرأة. اعتراضان يبدوان وجيهين إلى درجة «الإحراج»، غير أنّ الوجهة العقليّة، أي معقوليّة الشيء هي دومًا مسألة نسبيّة، فليست هناك معقوليّة واحدة للشيء ثابتة لا تتغيّر، بل من الممكن دومًا بناء معقوليّات مختلفة، وهذا هو سبب اختلاف المذاهب في الفلسفة، والدين والسياسة وتباين النّظريات في العلم حول موضوع واحد، فكل مذهب وكل نظريّة إنّما تختلف عن المذاهب والنّظريات الأخرى بنوع المعقوليّة التي يشيدها لتفسير الأشياء، فمواجهة الاعتراض على رأي من الآراء لا تعني بالضّرورة فساد هذا الرأي ومخالفته الحقيقة، بل قد تعني فقط وجود أكثر من إمكانيّة واحدة لتشييد معقوليّة الموضوع المختلف فيه، وهذا لا يطعن في «الحقيقة»، فالإنسان لا يصل ولا يمكن أن يصل إلى ما يشكل «الحقيقة النهائيّة» للشّيء دفعة واحدة ومرة واحدة.
إنّ «الحقيقة» يبنيها الإنسان بتراكم ما يحالفه من صواب وما يكتشفه من أخطاء، وإذا كان الصواب في العلوم تبنيه التجربة، فإنّ “الصواب في الحقوق والتّشريع هو ما يحقّق أكبر قدر من المصلحة العامة وأكبر قدر من الخير للفرد وللمجموع”([21]). من هذه الزاوية وعلى هذا الأساس، سنناقش الاعتراضين السّابقيْن مخصصين ما يلي للأول منهما: فأول ما يجب فحصه هو مصطلح «العلمانيّة» نفسه، ذلك إنّ فلاسفة أوروبا الذين حملوا مشعل «التنوير» والذين عملوا على تأسيس «حقوق الإنسان» في الفكر الحديث، لم يقفوا ضد الدّين كدين، إنّما وقفوا ضد نوع الممارسة الدّينيّة التي كانت تقوم بها الكنيسة.
صحيح أنّهم بنوا نظرياتهم على فرضيّة تطابق ما هو عقلي مع ما هو طبيعي، غير أنّ «الطبيعي» في خطابهم التنويري لم يكن بديلًا من «الإلهي»، بل لقد وحّدوا بينهما. أمّا ما يسمى بـ«الدّين الطبيعي» أو بـ«ديانة العقل»، وهما وصفان وصفت بهما أفكار فلاسفة «التنوير»، فلاسفة حقوق الإنسان في القرن الثامن عشر في أوروبا، فلم يكن معناه يومئذ إحلال «الطبيعي» محل «الإلهي» ولا «العقل» محل «الدين»، بل بالعكس، فالدّين الطبيعي هو الدّين الإلهي الذي أخذه الإنسان من دون توسّط الكنيسة معتمدًا في فهم قضاياه على عقله فقط، ويقوم «الدّين الطبيعي» عندهم على ثلاثة مبادئ هي نفسها التي يقوم عليها الدّين السّماوي وهي: «هناك إله تام القدرة وهو يطلب من الإنسان حياة فاضلة بأن يطيع إرادته الإلهيّة، وهناك حياة أخرى يكافأ فيها الأبرار ويعاقب فيها الأشرار، فإذا استعمل الإنسان ملكته في استنتاج النتائج من المقدّمات المعطاة استطاع أن يرى فوائد الحياة الفاضلة ونظم حياته على أساس عقلي لدرك الثواب في الآخرة»([22]). وهكذا نجد جون لوك مثلًا وهو الذي أسّس حقوق الإنسان على فكرة «حالة الطبيعة»، يحاول من جهة أخرى إثبات «معقوليّة المسيحيّة»، الشيء الذي يعني الاستغناء عن الكنيسة وطقوسها. لقد بحث في «العهد الجديد» – الإنجيل – «فلم يجد فيه سوى شرطيْن للخلاص: الاعتقاد في أنّ يسوع هو المنقذ، والاعتقاد في الحياة الفاضلة»، ومع أنّ آراء هؤلاء المفكرين التنويريين وصفت بـ «الدّين العقلي» فإنّهم لم يكونوا جميعهم يقولون بالاستغناء عن «الوحي»، فلقد ميّزوا بين مجال العقل ومجال الوحي، ومن الذين ميزوا بينهما، جون لوك نفسه، وقد ميّز بين: أولًا: لأمور التي توافق العقل، وثانيًا الأمور التي تناقضه وهي من اختصاص العقل، وثالثًا الأمور التي تعلو عليه، وهي من اختصاص الوحي، فالقول بوجود إله واحد قول يتّفق مع العقل، والقول بوجود أكثر من إله واحد قول مناقض للعقل، والقول ببعث الأموات يعلو على العقل.
وأمّا روسو صاحب نظريّة «العقد الاجتماعي» فهو وإنْ عاش في «عصر العقل» فإنّ مؤرّخي الفكر الأوروبي الحديث يضعونه «خارج» ذلك العصر بوصف أنّه كان وجدانيًا رومانطيقيًا، وإذا كان قد انتقد الممارسة الكنائسيّة للدّين فهو لم يكن ضد الدّين ذاته، بل لقد أصرّ على ضرورته، على «أن يكون قاصرًا على العقائد الضروريّة للحياة»، مثل الاعتقاد بوجود الله وبالعناية الربانيّة وبالثواب والعقاب في الحياة الأخرى، دونما حاجة إلى طقوس الكنيسة، لقد احتفظوا بالدّين وأزاحوا تقاليد الكنيسة وسلطتها وأحلّوا محلّها العقل وسلطته. فهل يتناقض هذا الموقف في شيءٍ مع الموقف الإسلامي المؤسّس لحقوق الإنسان على العقل والفطرة، وإذًا فالاعتراض على الكيفيّة التي حاولنا بها «تأصيل» حقوق الإنسان في الإسلام، بدعوى «علمانيّة» الأساس النّظري لتلك الحقوق، اعتراض مردود، “لأنّه يُحمّل مفهوم «العلمانيّة»، ما لم يكن يحمله في فكر فلاسفة أوروبا الذين شيّدوا ذلك الأساس النّظري”([23]).
تطوّر مفهوم حقوق الإنسان: لقد كان فلاسفة اليونان ومفكروها هم أوّل من وضع الحجر الأساس لتدوين البحوث ذات الصلة بالحقوق العامّة والحريات، فقد آمن سقراط أنّ القوانين الطبيعيّة هي مصدر الحقوق الطبيعيّة للإنسان، وكان يطالب المسؤولين في عصره باكتشاف تلك القوانين والاستناد إليها في إدارتهم للبلاد وتعاملهم مع الأفراد»([24])، وتقول نظريته ومن تبعه من الفلاسفة «أنّ القوانين «الطبيعيّة» للأفراد موجودة قبل أن يقوم الحكّام بتشريع القوانين، وأنّ جذور تلك القوانين متأصّلة في أعماق الفطرة الإنسانيّة»([25])، ثم جاء بعده أفلاطون وأعلن نقصان القوانين الوضعيّة، “وقام بتأسيس حكومته المثاليّة على أساس القوانين الطبيعيّة”([26])، أمّا أرسطو كان يدعو إلى “اتّباع القوانين ذات الصلة بالفطرة والطبيعيّة والالتزام بها ومراعاتها»([27]). ثمّ جاء بعد ذلك فلاسفة الروم أمثال شيشرون أو قيصرون الذين آمنوا بكمال القوانين الطبيعيّة، وكانوا لا يتوانون عن تقديم النّصح والإرشاد إلى حكّام عصرهم بعدم تقديم قوانينهم الموضوعة على القوانين الفطريّة.
يقول شيشرون في مؤلفه المعروف (في الجمهوريّة)، إنّ “القانون الطبيعي يستند إلى العقل السليم وينسجم مع الطبيعة، وهو قانون ثابت وخالد، كونه صادر عن المؤسسة الدّينيّة التي لا يمكن إصدار الأوامر بإلغائها، إنّه قانون واحد في (روما) و(أثينا) ولن يتغيّر بين ليلةٍ وضحاها”([28]).
كانت المدرسة الرواقيّة([29]) وعلى رأسها شيشرون مفسّر المذهب الرّواقي على خلاف مع الفلاسفة اليونانيين حول قضية (الدّولة – المدنيّة) إلاّ أنّهما كانا يلتقيان عند مسألة تفسير القوانين الطبيعيّة للأفراد، ومن هنا نلاحظ بأنّ الة التي سبقت ميلاد السيد المسيح، هيّأت أرضيّة خصبة للتّفكير في موضوع القوانين الفطريّة للإنسان، وهو موضوع كان يتعاظم ويكبر باستمرار([30])، فمزج شيشرون بين نظريّة القوانين الطبيعيّة في اليونان وبين نظريّة قوانين الأفراد ليتوصّل إلى ثلاثة أنواع من القوانين هي: 1- القوانين المدنيّة، 2- قوانين الشّعب والأفراد، 3-القوانين الطبيعيّة.
واقتبِست فكرة القوانين الطبيعيّة من معتقدات الشّعوب القديمة، لذلك كانوا مضطرين إلى الإشارة إليها في القوانين الكنسيّة، فقد توصّل مثلًا (سان توما داكن) في كتابه (جامع اللاهوت) بين الآراء الثلاثة الخاصة بالقوانين، ثم رتّبها على النّحو الآتي:
- القوانين أو التّشريعات الدّينيّة المنبثقة عن التّوراة، والإنجيل وفتاوى البابوات والمجالس الدّينيّة العالية.
- القوانين الفطريّة التي يمكن اكتشافها على ضوء العقل البشري.
- القوانين البشريّة (أو الحقوق الموضوعة) التي وضعها أبناء البشر لحل القضايا الفرديّة وإحلال النِّظام([31])، علمًا أنّ سان توما داكن لم يتوانَ عن تقديم القوانين الفطريّة لتلافي تعارضها مع القوانين البشريّة (أو القوانين الموضوعة) إذ عدَّ أنّ وضع القوانين الموضوعة في مقابل القوانين الفطريّة يمثّل ظلمًا واضحًا([32]).
لقد استمر تداول موضوع (الحرية) والحقوق الفطريّة بين المفكرين، إلاّ أنّ موضوعات من قبيل تقنين الحقوق الفطريّة أو الإشارة بشكل خاص إلى مصاديق تلك الحقوق أو مناقشة حدودها ومعالمها، كانت بعيدة من طاولة البحث، بيد أنّ نضال الشّعوب في التّحرر واستبداد الحقوق الإنسانيّة، بدأ يؤتي ثماره من خلال تحوّل البحوث إلى قوانين ومواثيق مدوّنة وملزمة للحكّام، وما زالت النصوص التي على علاقة بحقوق الإنسان فاعلةً وذات قيمة اجتماعيّة لدى الشّعوب والحكومات وأهمها:
- إعلان حقوق الإنسان الصادر في بريطانيا العام (1689م).
- إعلانات حقوق الإنسان الملحقة بدساتير الولايات المتحدة الأميركيّة، وكان دستور ولاية (فيرجينا) و(بنسلفانيا) العام (1776م). من أوائل تلك الدساتير.
- إعلان (فيشر) للحقوق والرعايا الفرنسيين الصادر العام (1789م).
- التّعديلات التي جرت على دستور الولايات المتحدة الأميركيّة العام (1791م).
- إعلان حقوق الإنسان الموجود في الدستور الفرنسي العام (1793م).
- إعلان حقوق وواجبات الإنسان الموجود في الدساتير الفرنسية العام (1795)([33]).
خلال القرنين السّابع عشر والثّامن عشر للميلاد، بدأ المنقاش حول موضوع الحقوق الطبيعيّة والحريات العامة، وأشهر المفكّرين هم توماس موبز- وجان لوك الإنكليزيان- في القرن السّابع عشر – وجان جاك روسو الفرنسي الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي.
يُرجع الباحثون إنّ أول تمجيد للحقوق الإنسانيّة في الوثائق الدستوريّة القوميّة والعالميّة إلى نهاية القرن الثّامن عشر، هو «وثيقة فرجينيا للحقوق» سنة 1776م، وهي إعلان الحقوق “التي قاوم بها المستوطنون الأمريكيّون مطالبة التاج البريطاني بالسلطة”([34])، وهو أوّل دستور مكتوب يؤسّس قائمة ببعض “الحقوق الإنسانيّة الليبرالية بوصفها حقًا دستوريًا، وقد أنشأ كذلك مبدأ فصل السلطات الثلاثي السبل بوصفه حقًا أساسًا([35])، وقد كتبه توماس جيفرسون (1743-1826)([36]).
لقد نصّت الوثيقة على حقوق الإنسان الطبيعيّة، مثل “حقّه في الحرية وحقّه في الأمن، وعلى سيادة الشعب كمصدر للسلطات في المجتمع، وعلى سيادة القانون كمظهر لإرادة الأمّة، وعلى المساواة بين جميع المواطنين أمام الشرائع والقوانين”([37])، وبدأت الثورة الفرنسيّة «إعلان الحقوق الإنسانيّة سنة ١٧٨٩، وكان إمانويل جوزيف سييس (١٧٤٨-١٨٧٦) قد وضّح وثيقة حقوق الإنسان تلك التي أقرّتها الجمعيّة التأسيسيّة وأصدرتها كإعلان تاريخي ووثيقة سياسيّة واجتماعيّة ثوريّة فى ٢٦ آب/ أغسطس ١٧٨٩ بالاعتماد على “نظريات جان جاك روسو (1712-1778)، وأنشأت دستور ١٧٩١ الذي جسّد هذا الإعلان”([38])، ثم أفردت دوليًا “بوثيقة خاصة هي «الإعلان العالمي لميثاق حقوق الإنسان» الذي أقرّته الأمم المتحدة في١١ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٤٨”([39]) الذي يؤكّد أنّها “المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة ، وتوطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التّعليم والتّربية واتخاذ إجراءات مطّردة، قوميّة وعالميّة لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالميّة فعالة، بين الدول والأعضاء، ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها”([40]).
نقد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان: حين صدر الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لم يقر بالإجماع، بل نال ٤٨ صوتًا فقط مع امتناع ٨ أصوات “6 أصوات من بلدان الشرق، أفريقيا الجنوبيّة والعربيّة السّعوديّة التي اعترضت على ثلاثة أمور واردة في الإعلان هي: زواج المسلمة من غير المسلم، وحق المسلم في تغيير دينه، وحقّ العمال في المملكة على إنشاء نقابات مهنية”([41]).
ثم توالت بعد ذلك الانتقادات على ذلك الميثاق من التّيارات الفكريّة كافة، وقد عدّ جان مورانج هذه الشّرعة “تظهر بشكل خاص وكأنّها تسوية بين النّظم التقليديّة الغربيّة والمفهوم الماركسي، كما أنّ شموليّة بعض التعابير تشكّل مدعاة رضى وارتياح للمعسكرين الماركسي والغربي، نذكر على سبيل المثال [والكلام لجان مورانج] البند ١٧ الذي يؤكّد أنّ أي إنسان مستقلًا أكان أم منتميًا إلى جماعة له الحقّ بالامتلاك، لذلك فشرعة 1948 كانت تنحو إلى إقامة نوع من التّسوية بين فلسفتين سياسيتين، فقد جاء في نهاية المقدّمة أنّ الحقوق المذكورة هي إمكانيّات متدرّجة وفعليّة، وكان المرجع في ذلك هو المذهب الماركسي، أمّا حين تبدأ المقدّمة نفسها بالجملة الآتية ومع عدِّه: «أنّ الاعتراف بالكرامة الملازمة لكافة أفراد العائلة وحقوقهم المتساويّة والثابتة، يشكّل الحريّة والعدالة والمساواة في العالم» وهو تلميحًا واضحًا إلى التّقاليد الغربيّة والفرنسيّة حول حقوق الإنسان. ويعبّر الكاتب أدلمان برنارد قائلًا: «عندما نتحدّث عن كونيّة حقوق الإنسان، فإنّنا ندّعي صبغة كونيّة إلى كونيّتنا، فمن هذا المنطلق يكون الحديث عن الكونيّة وجهًا من وجوه الخطاب الاستعماري المهيمن»([42])، ويذكر عالم القانون الدولي بون كريستيان توموشات عدة نقاط منها:
- إنّ حق تقرير المصير يبرُز جليًّا في ميثاق ١٩٦٦، وغيابه عن إعلان 1948، كان تقرير المصير يُعدّ على الأكثر مبدأً سياسيًا، ولم يلقَ دفعًا إلى الأمام إلاّ في العام ١٩٦٦ بفضل قرار الجمعيّة العموميّة رقم
- اكتفى الإعلان بالحقوق من دون معالجات، وإنّه لصحيح أيضًا أنّ الدكتاتوريات قد أفلحت على الدوام في فرض خشيتها على أنظمتها القضائيّة.
- ممّا تقدّم نرى بوضوح أنّ نصّ الميثاق إنّما يعبّر عن نزعة مركزيّة غربيّة واضحة تمّت بالتّراضي بين المعسكرين القائمين آنذاك، ما دفع بالعديد من الحضارات والثّقافات على إبراز استيائها من صيغة هذا الميثاق وعلى الرّغم من ذلك «فتبقى الشّرعة العالميّة لحقوق الإنسان ذات قيمة سيكولوجيّة، فهي تشكل تأييدًا لـ «الهدف المنشود»، وتستخدم كمرجع، وتسمح بفضح انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في العديد من البلدان كالتعذيب والعنف والحرمان من حق الحصول على الجنسيّة… »([43]).
ثانيًا: مواقف الإسلاميين من حقوق الإنسان:
عُدَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعبيرًا عن ثوابت الثقافة الأوروبيّة وخصوصيتها، وهي ثوابت تختلف كثيرًا أو قليلًا عن ثوابت وخصوصيّات الثّقافات الأخرى، هنا بدأ الطعن في «عالميّة» حقوق الإنسان، وبدأ صياغة لوائح من وجهة النّظر الإسلاميّة مثل:
- إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام الصادر عن رابطة العالم الإسلامي في العام 1979م.
- البيان الإسلامي العالمي الصادر عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن العام 1980م.
- البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس نفسه العام 1981م.
- مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الذي قدّم إلى مؤتمر القمة لمنظّمة المؤتمر الإسلامي في الطائف في كانون الثاني/ يناير ١٩٨٩.
- مشروع حقوق الإنسان في الإسلام الذي قُدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران في كانون الأول/ديسمبر1989([44])، هذا إلى جانب مبادرات أخرى مماثلة([45])، ولكن المثقّفين المسلمين كانت لهم ردود فعل تجاوزت كثيرًا مواقف الدّول والأنظمة والهيئات، وتنوّعت تلك الردود بين رافض للميثاق مبدئيًا إلى متحفّظ على بعض بنوده، إلى ناقد لازدواجيّة المعايير في التّطبيق([46]).
وسنعرض المواقف من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أثناء بحثنا مسألة الخصوصيّة والعالميّة:
يُعِدُّ محمد الغزالي: «أنّ حقوق الإنسان في الإسلام هي حقوق ملّزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل ولا يسمح بالاعتداء عليها ولا يجوز التّنازل عنها»([47]).
يؤكد علي عبد الواحد وافي «أنّ الإسلام هو أول من قرّر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان، وإنّ الأمم الإسلاميّة في عهد الرسول(ص) والخلفاء الراشدين سبقت الأمم في السير عليها، وأنّ الديمقراطيّات الحديثة لا تزال متخلّفة في هذا السبيل تخلفًا كبيرًا عن النِّظام الإسلامي”([48])، ومن جهة أخرى يُعدُّ محمد عمارة حقوق الإنسان في الإسلام ضرورات لا حقوقًا فيقول: «إنّنا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وتقديس حقوقه حدًّا تجاوز به مرتبة «حقوق» عندما عدَّها ضرورات ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات»([49])، أمّا راشد الغنوشي يُعدُّ: «أنّ حقوق الإنسان في الإسلام تنطلق من مبدأ اعتقادي أساسي، أنّ الإنسان يحمل في ذاته تكريمًا إلهيًا، وأنّه مستخلف عن الله عمّا في الكون، الأمر الذي يخوّله حقوقًا لا سلطان لأحد عليها»([50])، كما كتب أحمد كمال أبو المجد «رؤية إسلاميّة معاصرة» ليجعل منها وثيقة تعلن تشكيل تيار إسلامي جديد متّفق على عددّ من الأسس منها «مبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم إلاّ حيث تجوز ممارسة تلك الحقوق على مصالح الكافة أو تعرّضها للخطر»([51]). أمّا المفكّر السّوداني محمد أبو القاسم حاج حمد، فيرى أنّ «حقوق الإنسان في الإسلام كلها حول النِّظام العائلي وحول صيانته بالتشريع، فحقوق الإنسان في القرآن تحصين ضد الذات بتحجيم نوازعها عبر العديد من القيم العقليّة والأخلاقيّة، بحيث يصبح الإنسان نافعًا لنفسه ولغيره بذات الوقت»([52]).
انطلاقًا مما تقدم يتّفق الإسلاميّون على أنّ العقيدة هي أساس حقوق الإنسان، وأنّها تقع ضمن الاستخلاف الإلهي([53])، على أساس «أنّ الإنسان في الإسلام مستخلف عن الله وضمن عهد الاستخلاف تنزل جملة حقوقه وواجباته ويتمّ التّوفيق والتلازم بين الحقوق الفرديّة والمصلحة العامّة، إذ قد تضمّن كل حق للفرد حقًا لله، أي للجماعة، مع أولوية كلما حدث التصادم»([54]). ويُعِدُّ مرتضى مطهري أنّه «في الغرب، منذ القرن السّابع عشر وما بعده، اقترنت النّهضة العلميّة والفلسفيّة بنهضة اجتماعيّة وباسم (حقوق الإنسان). وقد نشط كتّاب ومفكّرو القرنين السّابع عشر والثامن عشر بنشر أفكارهم بين النّاس حول الحقوق الطبيعيّة والفطرية غير القابلة للسلب من البشر، ومن بين هؤلاء الكتّاب والمفكّرين: جان جاك روسو، وفولتير، ومنتسكيو، وقد كان لهم فضل عظيم على البشرية، وقد يمكن القول: إنّ فضل هؤلاء على المجتمع الإنساني، لا يقل عن فضل المكتشفين والمخترعين الكبار([55])، انطلاقًا من المبدأ الأساس المعتمد منهم، هو أنّ الإنسان يستحق مجموعة من الحقوق والحرّيّات بالفطرة، وبأمر الخلق والطبيعة. لقد ظهرت ثمار هذه النّهضة الفكريّة والاجتماعيّة لأوّل مرة في انكلترا، ثم في أمريكا، ثم في فرنسا (على شكل ثورات وتغيير في الأنظمة ونشر بيانات)، وانتشرت بالتّدريج إلى البلدان الأخرى([56])، ففي القرن التّاسع عشر ظهرت أفكار جديدة ترتبط بحقوق الإنسان في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وانتقال الحاكم من الطبقة الرأسماليّة إلى المدافعين عن الطبقة العاملة([57])، وحتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان كُل ما قيل حول حقوق الإنسان، هو ما يتعلّق بحقوق الشّعوب مقابل حكوماتها، ثمّ طُرحت مسألة (حقوق المرأة) في القرن العشرين في مقابل (حقوق الرجل) وأعلن بصراحة ولأوّل مرة – في لائحة حقوق الإنسان عن تساوي حقوق المرأة والرّجل([58])، و(التحرّر) و(المساواة) ونظرًا لأنّ نهضة حقوق المرأة في الغرب جاءت في أعقاب سائر النهضات؛ وعدَّوا أنّه من دون تأمين حرية المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل يصبح الكلام عن حريّة الإنسان وحقوقه بلا معنى، وبتأمين هذا الجانب تًحل مشكلات الأُسرة كلها مرة واحدة. إنّ أساس الحقوق الطبيعيّة والفطريّة هو الطبيعة نفسها. أي أنّ الإنسان كان يتمتّع بحقوق خاصة يفتقدها سائر الكائنات الحيّة، فإنّما أساس ذلك الطبيعة والخِلْقة، فاعطاء فكرة حقوق الإنسان البعد الطبيعي يؤكد عليها تشارلز آر بيتر التي يُعدُّها” الحقوق الطبيعيّة” هي تلك الحقوق التي يمكن أن يحوزها الأشخاص في “حالة الطبيعة”، وحقوق الإنسان هي تلك الحقوق الطبيعيّة التي هي حقوق فطريّة ولا يمكن لها أن تضيع، أي إنّ حقوق الإنسان سوف تتوافر لها خصائص الطابع الكلي والشّمولي، والاستقلال، وكذا الخاصيّة الطبيعيّة وعدم قابليتها للتصرف، وعدم قابليتها للمصادرة أو الانتهاك. إنّ فهمها على هذا النّحو فقط هو ما يفسر امتلاك حقوق الإنسان للفكرة المحورية عن الحقوق، والتي يمكن أن يطالب بها أيّ إنسان([59]).
ثالثًا: حقوق الإنسان بين الخصوصيّة والعالميّة
إنّ حقوق الإنسان بين الخصوصيّة والعالميّة لاقت انتقادات كثيرة، سنرصد هنا مواقف بعض الإسلاميين تجاه نص الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وحقوق الإنسان «الغربي» كما يصفونها، ثمّ نحاول عرض موقف نراه موضوعيًا بالنسبة إلى إشكاليّة»([60]) الخصوصيّة والعالميّة.
يرى محمد الغزالي: أنّ «الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا شرّع حقوق الإنسان بعمق، وأحاطها بضمانات كافيّة»([61])، و«أنّ الإعلان العالمي صدر دون أي تمييز بشأن الوضع السياسي للدول أو الأقاليم»([62])، كما ويرى محمد عمارة «أنّ الإعلان ليس فيه قليل أو كثير عن الفكر أو الشّرائع التي عرفتها حضارات قديمة وكثيرة غير أوروبيّة عن حقوق الإنسان»([63]).
ويفاخر أبو بكر أحمد باقادر بأنّ الشريعة الإسلاميّة ومنذ أربعة عشر قرنًا جاءت بما يكفل حرية وكرامة الإنسان»([64])، أمّا راشد الغنوشي فيعتقد أنّ الاختلاف الأساسي هو في الأسس الفلسفيّة والدّوافع والغايات وبعض الجزئيّات، إذ يستند الإعلان المنعوت بالعالميّة إلى أسس فلسفيّة غامضة مثل القانون الطبيعي، الأمر الذي يحرم تلك الحقوق العمق والغائيّة والبواعث القويّة للالتزام بها، حتى أنّ البحث الفلسفي في الحرية كثيرًا ما انتهى إلى إنكارها»([65])، ويعبّر الإسلامي الإيراني مصطفى المحقّق الدّاماد بقوله: «إن الحضارة الغربيّة في حقيقتها قائمة على أساس العنصريّة، وهذا لا يتّفق مع التوجّه العالمي لحقوق الإنسان، فمفهوم حقوق الإنسان لدى الغرب يتّخذ طابعًا فرديًا، في حين أنّ الإنسان في الرؤية الإسلاميّة يُعد كائنًا اجتماعيًا، وعلى صلة وثيقة بمجتمعه»([66])، أمّا محمد حسن ضيائي فيرى «أنّ حقوق الإنسان على المستوى الدولي تعاني نقصًا وغموضًا في الأسس والمفاهيم والمنظمات، وأنّ الدفاع عنها يأتي لأغراض سياسيّة، وأنّها لا تلتفت إلى عوامل الانسجام في المجتمع البشري»([67])، ولكن المفكّر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد فينطلق من أنّ ميثاق حقوق الإنسان حين يمنع التمييز بين البشر بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، فإنّه يبدأ من السّلب الذي هو المنع في حين أنّ القرآن بدأ بالإيجاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([68])، فهنا تأكيد وحدة الانتماء الإنساني ﴿خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾، ثم يرد الله التّباينات إلى عوامل التّكوين، والتّشيؤ وفق قوانين الظاهرات وليس لذاتية العنصر أو الجنس»([69])، وهكذا نرى أنّ مواقف الإسلاميين تجاه الميثاق العالمي لحقوق الإنسان تتأرجح بين مواقف ثلاثة:
- قسم يرى أسبقيّة الدّين الإسلامي في تأكيده لحقوق الإنسان، كما وجدنا لدى محمد عمارة ومحمد الغزالي وعلي عبد الواحد وافي وأبو بكر أحمد باقادر وغيرهم.
- أمّا القسم الثاني فمع اتفاقه مع القسم الأول بالنّسبة إلى مسألة الأسبقيّة، فإنّه يؤكّد الخصوصيّة الثّقافيّة، ولا يرى في عالميّة الميثاق إلاّ مفروضة من حضارة غربية سائدة، كما لاحظنا في أراء الغنوشي ومحمد أبو القاسم حاج حمد وغيرهما.
ويعتقد أحد الباحثين أنّ السبب في اختلاف الإسلاميين مع الرؤية الغربيّة لحقوق الإنسان من منظور النسبيّة الثّقافيّة يعود إلى أسباب عملية مرتبطة بالعقيدة، إذ تقرّر المادة ١٨ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقّ كل فرد في حرية الفكر والضمير والدّيانة، ويدور نقاش طويل حول حرية تغيّر الدّين “الردة”، “فهل هي تهمة سياسيّة تفضي على مرتكبها تهمة الخيانة العظمى؟ والقتل كما في كل دول العالم، أم هي دينيّة تدخل ضمن حقوق الإنسان التعبّدية والاعتقادية؟”([70]). أمّا القسم الثالث فينتقد بشدة ازدواجيّة المعايير المتّخذة تجاه حقوق الإنسان في العالم الغربي، كما عبّر عن ذلك محمد ضيائي ومصطفى المحقّق الداماد وغيرهم. وعمومًا، فقد بدأ التأسيس الإسلامي لحقوق الإنسان في أواخر الأربعينيات، وكان أوّلهم عبد القادر عودة، ثم طور محمد عبد الله دراز فكرة التكريم الإلهي، فقال إنّ الإنسان كُرّم من الله بأربع كرامات هي: كرامة الإنسانيّة والاستخلاف والإيمان والعمل»([71]).
وكما يجد الباحث رضوان السيد: «أنّ الميثاق العالمي فرض نفسه على البيانات والمواثيق الإسلاميّة فالإعلانات الدّوليّة تذكر أمورًا كثيرة بوصفها حقوقًا طبيعيّة بينما يؤصّل الإعلان الإسلامي نفسه على القرآن والسنّة، والآخر على الشّريعة، ولذلك تتمايز اللهجة فتظل الإعلانات الدّوليّة حقوقًا بينما تصبح الإعلانات الإسلاميّة تكاليف([72])، لتأكيد الاستقلاليّة عن الغرب، وهي ليست موجّهة إلى المسلمين، وإنّما موجّهة إلى أطراف المجتمع الدّولي، وعليهم معرفة إصرار المسلمين على التّمايز والنّديّة بسبب خصوصية نصوصهم وشخصيتهم([73]).
سنحاول الآن معالجة الإشكاليّة المتمحورة حول الخصوصيّة والعالميّة، وذلك “بتفكيك المقولات الأوليّة والنّصوص البدائية لحقوق الإنسان، ونذكر من الباحثين محمد أركون”([74])، وبسام طيبي، ويرى طيبي أن عالمنا الحالي يتميّز بالعولمة العامّة والجارفة على كل المستويات البنيويّة، ويؤكد ضرورة السّعي إلى إنشاء دعامة قانونيّة ثابتة على مستوى النِّظام العالمي تستند إلى أسس مشتركة، لذلك يعيب على الإسلاميين أنهم لا يمتلكون فهمًا صحيحًا لماهية الحقوق الإسلاميّة، ويرى أنّ الذي يحول دون الوصول إلى ميثاق عالمي مشترك هو أنّ مؤلفي الحقوق المسلمة يرفعون أفضليّة الوحي على العقل، وهنا يكمن النزاع بين رؤية للعالم متمركزة حول الإنسان ورؤية للعالم متمركزة حول الإله، لذلك يقترح حلًا “بإصلاح الشّريعة الإسلاميّة بجعل رؤيتها متمركزة حول الإنسان بدل الإله”([75]).
هكذا يبدأ بفرض خصوصيّة للثقافة الإسلاميّة لينتهي بطرح غربي، وذلك بدعوته إلى إصلاح الشّريعة الإسلاميّة لتتماهى مع الرؤية الغربيّة. أمّا حيدر إبراهيم علي فيرى أنّ التحفّظ القائم على الاختلافات الثّقافيّة مقبول، ولكن لا بدّ من تحديد ما هو العام والعالمي والإنساني. فهو يرى أنّ إعلان حقوق الإنسان «لا يمثل وجهة نظر ثقافيّة واحدة، كما يرى محمد عابد الجابري أنّ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان كان ثورة في – وعلى- الثقافة الغربيّة نفسها، فهو يحمل صفة العالميّة، ثم يعمل على «التأصيل الثقافي» في المرجعيتين الغربية والإسلاميّة اعتمادًا على فلسفة الحقوق الإنسانيّة، فيؤكّد أنّ المرجعيّة الغربيّة كانت مرجعية عقلية مستقلّة تتجاوز سلطة الكنيسة وتعلو عليها، وتقوم على ثلاث فرضيات:
الأولى التّطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل، والثانية افتراض ما أسموه، بـ «حالة الطبيعة»، والثالثة ثم فكرة العقد الاجتماعي، وبرأيه أنّ هذا النوع من التأسيس لحقوق الإنسان الذي قام به فلاسفة أوروبا في العصر الحديث يتجاوز الخصوصيّات الثّقافيّة، إنّه تأسيس يرجع بحقوق الإنسان إلى «البداية» إلى ما قبل كل ثقافة وحضارة، إلى حالة الطبيعة ومنها إلى العقد الاجتماعي المؤسّس للاجتماع البشري، وبالتالي إلى الثقافة والحضارة، وبالتالى نصل إلى عالميّة الحقوق الإنسانيّة، ثم نراه يعود ليؤسّس فرضياته في المرجعيّة الإسلاميّة، فيعرض لآيات قرآنيّة تدعم رؤيته، فيعدُّ أنّ الآية: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾([76])، توحي بأنّ نظام الطبيعة هو نفسه نظام العقل، فنظام الطبيعة هنا ﴿السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾([77])، آيات يدرك العقل مغزاها ودلالتها، فنظام العقل مطابقًا لنظام الطببعة. ويرى أنّ الإسلام دين الفطرة، والفطرة في الخطاب القرآني تكاد تكون مطابقة لمفهوم «حالة الطبيعة»، منطلقًا من الآية في القرآن الكريم ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾([78])، ثم يختتم بقوله “إنّ فرضيّة العقد الاجتماعي أسّست للثورة البرجوازيّة، ثورة الطبقة الوسطى، أمّا الدعوة الإسلاميّة فهي أسّست لثورة المستضعفين على المستكبرين، ثورة التوحيد على الشّرك”([79])، وهكذا ينتهي إلى التّماس العالميّة لحقوق الإنسان في الإسلام بالاستناد إلى “المرتكزات النّظريّة نفسها التي بنى عليها فلاسفة أوروبا في العصر الحديث حقوق الإنسان”([80]).
عالميّة حقوق الإنسان في المرجعيّة الأوروبيّة: بنى فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر حقوق الإنسان على حقّ الحريّة وحقّ المساواة، فكيف أسّس أولئك الفلاسفة عالميّة هذين الحقّين؟ وما هي المرجعيّة التي اعتمدوها في ذلك؟
لقد طرح محمد الجابري قضية المرجعيّة بوصفها مسألة أساسيّة، ذلك لأنّه لكي تكون حقوق الإنسان التي نادى بها فلاسفة أوروبا حقوقًا ”عالميّة” أي أن تستند على مرجعيّة تقع بالضرورة ”خارج” الثقافة الأوروبيّة السّائدة في عصرهم، يجب أن تكون مرجعية مستقلّة بنفسها، متعاليّة على الزمان والمكان، مرجعية تبرّر نفسها بنفسها، وتضع نفسها فوق التّاريخ([81]).
ما هي هذه المرجعيّة إذًا؟
معروفٌ في تاريخ الفكر البشري، أنّ الدين هو الذي قدّم ويقدّم المرجعيّة التي تعلو على المرجعيات جميعها، إنّ ردَّ أمْر ما من الأمور يكون إلى الله، وهذا معناه تأسيسه على مرجعيّة كليّة مطلقة لا يؤثّر فيها اختلاف الثقافات والحضارات، فهل لجأ فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر، إلى الدّين في محاولتهم تأسيس «عالمية» حقوق الإنسان التي نادوا بها([82])؟
إنّ الدين لم يكن، بصورة من الصور، المرجعيّة التي تؤسس «حقوق الإنسان» تلك، بل إنّ هذه «الحقوق» قد نودي بها أصلًا معارضة لجميع السّلطات التي كانت “تتحكّم في الإنسان الأوروبي في ذلك الوقت، وعلى رأسها سلطة التقليد وسلطة الكنيسة([83])، فالدين ليس هو المرجعيّة الكليّة «العالميّة» وعمد الفلاسفة إلى بناء مرجعيّة عقليّة تتألّف من ثلاث فرضيّات رئيسة هي: القول بالتطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل، وافتراض ما أسموه «حالة الطبيعة» ثم فكرة «العقد الاجتماعي». لِنقُلْ كلمة عن كل واحدة من هذه الفرضيّات التأسيسيّة.
- كان من نتائج تقدّم العلم الحديث (الرياضيات والفيزياء خاصة) في القرنين السّادس عشر والسّابع عشر، مع نيوتن خاصة، النّظرة الآليّة للطبيعة، فكانت نتيجته قيام ”عصر التنوير والعقل”.
كما صاغ نيوتن نظريّة الجاذبيّة العامّة، في صورة قانون رياضي (أي عقلي)، جعل من نظام الطبيعة ونظام العقل مظهريْن لحقيقة واحدة، فأصبح النِّظام العقلي للأشياء بوصفه نظامًا كليًا يشمل كل ما في الطبيعة بما في ذلك الإنسان نفسه. ونتيجة ذلك صار النّاس يطابقون بين ما هو طبيعي وما هو عقلي، بوصف أنّ ما في “الطبيعة يخضع لنظامٍ دقيق خضوع أجزاء الآلة للآلة ككل، وبالتالي فهي قابلة لإدراك العقل وفهمه” ([84]). من هنا صارت مهمّة العقل هي الكشف عن الجانب الطبيعي، أي المعقول، في كل ميدان، فالحياة الإنسانيّة هي طبيعتها وقانونها الكلي، إنّه المُثل العُليا التي تتّصف بها «العالميّة» والتي يجدها الإنسان في كل مكان.
كما أدّى تقدّم البحث في العلوم الرياضيّة والطبيعيّة إلى المطابقة بين ما هو عقلي وطبيعي، فلقد أدّى اتساع الاطلاع على حياة المجتمعات البشريّة كافة، إلى المطابقة بين ما هو طبيعي وما هو بدائي أولي – فطري – في الحياة البشريّة، ممّا كانت نتيجته قيام تصوّرات «عصر ذهبي» للبشريّة كان النّاس فيه على «دين طبيعي قَبلوه لأنّه معقول في جوهره»- دين الفطرة بالتّعبير الإسلامي.
- افترض فلاسفة الفكر السياسي الحديث في أوروبا القرنين السّابع عشر والثّامن عشر وجود «حالة طبيعية» للإنسان، إذا هو لم يخضع لفعل التربية ولا لسلطة قانون أو حكومة. وإذا كان فلاسفة الفكر السياسي الحديث في أوروبا جميعهم، قد وظّفوا بصورة أو بأخرى فرضيّة «حالة الطبيعة» هذه، فإنّ الفيلسوف الانكليزي جون لوك(1632-1704) هو الذي عمل أكثر من غيره على بناء هذه الفرضيّة بالصورة التي تجعلها قابلة لأن تكون مرجعيّة تؤسّس «عالمية» حقوق الإنسان، ولكي نفهم السلطة السياسية فهمًا صحيحًا، ونستنتجها من أصلها يجب علينا أن نتحرّى الحالة الطبيعيّة أي الحريّة الكاملة في تنظيم حياتهم، وهي أيضًا حالة المساواة حيث السلطة والتشريع متقابلان، وباستخدام الملكات نفسها، يجب أيضًا أن يتساوى بعضهم مع بعضهم الآخر، ف «حالة الطبيعة» إذًا هي حالة الحريّة والمساواة التي يكون عليها النّاس قبل أن تقوم فيهم سلطة تُحِدُّ من حقّهم في ممارستهما – أعني الحرية والمساواة – غير «قانون الطبيعة» نفسه، القانون الذي يرمي إلى حفظ الجنس البشري وضمان سلامته والذي يؤول أمر تنفيذه إلى كل إنسان. ولم تكن فرضيّة «حالة الطبيعة» مجرّد فكرة تعتمد على الوهم والخيال بل كانت تستند على التصوّر الجديد الذي شيّده العلم الحديث عن «الطبيعة»، كما رأينا. وهكذا فالمقصود بـ «الطبيعة» في عبارة «حالة الطبيعة»، فهنا المطابقة بين مفهوم «حقوق الإنسان» وعبارة «الحقوق الطبيعيّة» فحقوق الإنسان هي حقوق طبيعيّة له، والإحالة إلى«الطبيعة» هنا معناها تأسيس تلك الحقوق على مرجعيّة سابقة على كل مرجعيّة، فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، فهي مرجعيّة كليّة مطلقة، والحقوق التي تتأسّس عليها حقوق كليّة مطلقة كذلك.
- على أنّ «حالة الطبيعة» لا تعني الفوضى، بل هي حالة يسْري فيها، كما قلنا «قانون الطبيعة». ولمّا كان من المحتمل جدًا أن تقوم نزاعات بين النّاس عند ممارسة كل منهم حقّه الطبيعي، وهذا لا يعالج إلاّ بـ«إقامة ضرب من الاتحاد بينهم يحمي شخص كل واحد منهم، ويمكن من ممارسة حقوقه ويسمح لكل منهم، وهو متّحد مع الكل، بأن لا يخضع إلاّ لنفسه، ويبقى متمتعًا بالحريّة التي كانت له من قبل». ومن هنا فرضيّة «العقد الاجتماعي» التي تُفسّر كيفيّة الانتقال من«حالة الطبيعة» إلى حالة المَدنيّة، كما قرّرها جان جاك روسو(1712-1788).
وبذلك تتحوّل تلك «الحقوق الطبيعيّة» إلى «حقوق مدنيّة»، وتبقى الحرية والمساواة هما جوهر هذه الحقوق، وهكذا فتنازل النّاس عن حقوقهم للإرادة الجماعيّة، التي تجسّدها الدّولة، بموجب هذا «العقد الاجتماعي»، هو تنازل شكلي، الغاية منه إقرار الحق في الحريّة والمساواة على أساس اجتماعي. أمّا القوانين التي تضعها الدّولة فهي إنّما تكتسي شرعيتها من كونها تعبّر عن الإرادة العامّة للنّاس، وهكذا تجد «حقوق الإنسان الطبيعيّة» مجال تحقّقها من خلال تحوّلها إلى «حقوق مدنيّة» تؤسّسها مرجعيّة عامّة كليّة مطلقة هي «الإرادة العامّة». إنّ هذا النّوع من التأسيس لحقوق الإنسان الذي قام به فلاسفة أوروبا في العصر الحديث، واضحٌ أنّه يتجاوز الخصوصيّات الثّقافيّة، ويتجه نحو تأسيس، يرجع بحقوق الإنسان إلى «البداية» إلى ما «قبل» كل ثقافة وحضارة، إلى «حالة الطبيعة»، ومنها إلى “العقد الاجتماعي” هل نخلُصُ من ذلك إلى القول إنّ الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه «عالميّة» تلك الحقوق يجعل طلب «الشرعيّة الثّقافيّة» لهذه الحقوق مسألة غير ذات موضوع؟ سؤال سيجد جوابه في ما يلي:
عالميّة حقوق الإنسان في المرجعيّة الإسلاميّة بين العقل والفطرة: يمكن القول بداية إنّ التأسيس لقضايا الإنسان الكبرى، لم يكن شيئًا اخترعه الفلاسفة الأوروبيون في القرنين السّابع عشر والثّامن عشر، بل إنّ «التعالي» بالقضايا الإنسانيّة من هذا النوع ظاهرة عامّة تشترك فيها الثقافات والحضارات جميعها.
وإذا حصرنا اهتمامنا في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، فإنّنا سنجد هذا النّوع من التأسيس «المُتعالي» للقضايا «الكبرى» التي “عمل الإسلام منذ البداية على تأسيس دعوته ب “حقوق الإنسان” مع الأخذ بكل الفوارق الزمنيّة والحضاريّة وغيرها بالحسبان الكامل، حتى لا ننزلق مع خطر إسقاط الحاضر على الماضي”([85]). وفي ما عدا المحظور فإنّ إبراز التّطابق بين الكيفيّة التي «تعالى» بها الإسلام بـ«حقوق الإنسان» وبين الطريقة التي سلكها فلاسفة أوروبا في العصر الحديث، هو عمليّة تبرّرها وظيفتها الإجرائيّة في تأصيل الوعي بحقوق الإنسان في فكرنا المعاصر.
لقد وظّف فلاسفة أوروبا مبدأ-أو فرضيّة – «التّطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل»، كما رأينا، ليجعلوا العقل المرجعيّة الأولى والحكم الأوّل والأخير. ونحن نعتقد أنّ هذا النّوع من المطابقة بين نظام العقل ونظام الطبيعة، بهدف جعل العقل المرجعيّة التي تعلو على كل مرجعيّة، يمكن أن نقرأه في القرآن مرارًا وتكرارًا في الدّعوة إلى تأمّل نظام الطبيعة واستخلاص النتيجة منه، وغالبًا ما يختم دعوته تلك بعبارات توحي بأنّ نظام الطبيعة هو نفسه نظام العقل، ففي قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾([86])، هنا العقل ما كان ليدرك مغزى نظام الطبيعة لو لم يكن نظامه هو نفسه مطابقًا لنظام الطبيعة، ولو لم تكن أحكام العقل وقوانين الطبيعة متطابقة. وكما قال فلاسفة أوروبا أنفسهم – تأسيسًا لهذه المطابقة – فإنّ الله هو الذي جعل نظام الطبيعة ونظام العقل على ما هما عليه من التطابق والتساوق، ومن جهة أخرى نجد القرآن الكريم يوظّف مرارًا وتكرارًا العقل سلطة وحكمًا، مؤنّبًا الذين يخضعون للتقليد، داعيًا إياهم إلى تحكيم العقل وحده: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ*قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ*أو يَنْفَعُونَكُمْ أو يَضُرُّونَ* قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾([87])، هذه الدعوة إلى اعتماد العقل وترك التقليد والاهتداء بآيات الكون (أي نظام الطبيعة) تقترن في الخطاب القرآني بالدّعوة إلى الرجوع إلى« الفطرة»: فالإسلام «دين الفطرة» والذي يكاد يكون مطابقًا لمفهوم «حالة الطبيعة»، ففي القرآن الكريم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾([88])، فالدّين القيّم أو الدين الحنيف أو دين الفطرة هو دين كان سائدًا في جزيرة العرب منذ زمن الدعوة المحمديّة، وهي اليهوديّة والنصرانيّة أساسًا: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾([89])، وهو الدين الوحيد الذي يرتضيه الله ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام﴾([90])، الإسلام دين الفطرة، الدّين الحق، وهو يشمل ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ﴾([91])، والمقصود بـ «الإسلام» هنا هو دين إبراهيم، إذًا هو دين الفطرة: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً﴾([92])، فما يبرّر مقاربة «حال الفطرة» بالمفهوم القرآني مع «حالة الطبيعة» التي أسّس عليها فلاسفة القرن الثامن عشر بأوروبا مفهوم حقوق الإنسان ومضامينه الحديثة. ويمكن إغناء هذه المقاربة باستحضار آيات قرآنية أخرى مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾([93]). وقوله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾([94])، فهل نجانب الصواب إذا قلنا إنّ مرجعيّة الإسلام الأساسيّة والوحيدة هي لتقرير عالميّته هي «حال الفطرة»، وما يقرّره هو «قانون الفطرة» – أو القانون الطبيعي – الذي فطر الله الناس عليه.
انطلاقًا مما سبق سنبحث في مبدأ إلى أي مدى يمكن أن يكون الخطاب الإسلامي قابلًا للمقارنة والمقاربة مع فكرة «العقد الاجتماعي»؟
حق تقرير المصير: ظهر مبدأ حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها في القرن العشرين، ولم يعترف بهذا المبدأ إلاّ بعد كفاح طويل وظهور الأفكار الإنسانيّة، «وقد أقرّ مؤتمر السلام المنعقد في باريس العام 1919 هذا الحقّ غير أنّ التطبيق العملي لأطراف المؤتمر كان يتناقض مع هذا المبدأ، وخاصةً في مؤتمر سان ريمو المنعقد العام 1920 والذي أقرّ بموجبه تقسيم البلاد العربيّة بين دول الحلفاء»([95])، كما ورد مبدأ حقّ تقرير المصير في العديد من نصوص ميثاق الأمم المتحدة في وقت كانت الدول الاستعماريّة هي المهيمنة على العالم، ولا ترغب في أن تُقيّد نفسها بهذا الإعلان، «أمّا العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة لعام 1976، فقد نصّ صراحةً وعدَّ مبدأ حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها من المبادىء العامة المهمّة لحقوق الإنسان. فأورد هذا المبدأ في المادة الأولى منهما»([96])، إنّ حق تقرير المصير يعني الآتي:
- حقّ أي بلد أن يختار بملء حريته، دستوره ومركزه السياسي وأن يتمتّع بالسّيادة على موارده، وأن يستقل بإقامة علاقاته التجاريّة، وأن يضمن قيمه الثّقافيّة والاجتماعيّة واختيار نظام التّعليم فيه.
- حقّ الشّعوب في أن تتصرّف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعيّة، من دون إخلال بأي من الالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدّولي القائم على المنفعة المشتركة.
- «إنّ حقوق الشعوب في تقرير مصيرها يرتّب المساواة بين الدّول في ما بينها بالحقوق والالتزامات بغض النظر عن عدد ومساحة ذلك الإقليم»([97]).
- إنّ إلحاق جزء من دولة إلى أخرى، يكون عن طريق الاستغناء من قبل سكان ذلك الإقليم([98]).
- «ضمان سيادة واستقلال جميع الدول والتخلّص من الهيمنة الاستعماريّة والتسلّط الأجنبي»([99]).
- «عدم التمييز بين الشّعوب بأيّ شكل من أشكال التمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللون»([100]).
- حق تقرير المصير في الإسلام: لقد أقرّ الإسلام مبدأ حق تقرير المصير، في الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة الشريفة، ومن ذلك:
- حق تقرير المصير في القرآن الكريم: وردت العديد من الآيات القرآنية تثبت هذا الحق، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿… قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾([101]).
- ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾([102])، فالإسلام لا يجبر أحدًا، كذلك النبي محمد (ص) لا يُكره أحدًا على الدخول في الإسلام ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾([103])، أي “لا عليه إذا تولّيتم لأنّه لم يكتب عليه طاعتكم إنّما كتب عليه أن يبلّغ ويبيّن فحسب“([104])، وعلى الرسول أن يُبلّغ المرسل إليهم بأنّه غير مسؤول عن إيمانهم أو عدم إيمانهم. لقول تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾([105]).
فالمشكلة إذن في مبدأ حق تقرير المصير، هي أنّ الدول الاستعماريّة هي التي وضعت هذا المبدأ وفاقًا لرغباتها ومصالحها، فكل دولة تطعن بالأخرى، ولهذا فقد ظهرت نظريّة أمريكيّة وفرنسيّة وبريطانيّة وألمانيّة في تحديد هذا المبدأ، فقد أقرّته الثورة الفرنسيّة العام 1789، وورد في ميثاق الأطلسي بين الولايات المتحدة الأمريكيّة والبريطانيّة والاتحاد السوفياتي في العام 1941، ولهذا فإنّ هذا الحقّ لم يطبّق بصورة صحيحة، وإنما تغيّر شكل الاستعمار من استعمار مباشر إلى غير المباشر وهو التبعية الاقتصادية.
الخاتمة: إن تأسيس حقوق الإنسان ليس مجرد نتاج لفكر أو حضارة بعينها، بل هو جهد مشترك نابع من تفاعل بين الفلسفات المختلفة، سواء كانت أوروبية أو إسلامية، هذه الفلسفات تسعى إلى تأصيل حقوق الإنسان على أسس طبيعية أو فطرية، مما يمنحها طابعًا عالميًا يمكن أن يجسر الفجوات الثقافية ويوحّد الإنسانية حول مبادئ مشتركة، لذلك إن فهم هذه الأصول المختلفة وتعزيز الحوار بينها يعد خطوة أساسية نحو بناء وعي عالمي مشترك بحقوق الإنسان، يضمن لها شرعية متجذرة تتجاوز الحدود الثقافية والحضارية، ويعزز من أهمية هذه الحقوق في عالمنا المتغير.
مراجع البحث
- القرآن الكريم
- أحمد كمال أبو المجد – رؤية إسلامية معاصرة: إعلان مبادئ (القاهرة: دار الشروق 1992)
- حقوق الإنسان في الإسلام – مجلة التوحيد – السنة 15 – العدد 85 (كانون الأول 1996).
- الحقوق والحريات العامة – مجموعة من المؤلفين- مركز الحضارة لتنمية الفكر العربي- بيروت 2010.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في: النِّظام القانوني الدولي في مفترق الطرق- سلسلة الدراسات القانونية (مالطة: مركز دراسات العالم الإسلامي 1996).
- تشارلز آر. بيتر – ترجمة: شوقي جلال – فكرة حقوق الإنسان – سلسلة عالم المعرفة – العدد 421،2015.
- حقوق الإنسان – الرؤى العالمية والإسلاميّة والعربية – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت الطبعة الثانية 2007.
- راشد الغنوشي – الحريات العامة في الدولة الإسلاميّة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1993).
- حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بين الخصوصية والعالمية – مجلة التوحيد – السنة 15 العدد 48 تشرين الأول 1996.
- زكي نجيب محمود – حياة الفكر في العالم الجديد (بيروت: دار الشروق 1980).
- عادل حامد الجابر – أثر قوانين الإنتداب البريطاني في إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين – جامعة بغداد 1976.
- عصام العطية – القانون الدولي في العالم لا طبعة – دار الحكمة للطباعة والنشر بغداد 1993.
- علي عبد الواحد وافى – حقوق الإنسان في الإسلام وإعلان الأمم المتحدة ط3 (القاهرة: دار الكتب الإسلاميّة 1984).
- محمد أركون – الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد – ترجمة هاشم صالح – (لندن دار الساقي 1990).
- محمد عابد الجابري – الديمقراطية وحقوق الإنسان – مركز دراسات الوحدة العربية 1997.
- محسن عزيزي – تاريخ المذاهب السياسية من أفلاطون إلى ميكافلي.
- محمد عمارة – الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات لا حقوق – سلسلة عالم المعرفة العدد89 – الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 1985.
- محمود سلام زناتي – حقوق الإنسان: مدخل تاريخي – القاهرة 1992.
- مرتضى مطهري – نظام حقوق المرأة في الإسلام – ترجمة أبو زهراء النجفي – الطبعة الأولى 1985.
- محمد الغزالي – حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة (القاهرة: دار الكتب الإسلاميّة 1984).
- كريستيان توموشات – حقوق الإنسان من منظور قانوني في الإسلام وعالمية حقوق الإنسان – ترجمة واختيار محمود منقذ الهاشمي – حلب مركز الإنماء الحضاري 1995.
- Lam brownlie basic documents in international low oxford – London 1972
الهوامش
1– طالبة في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة – قسم العلوم الاجتماعيّة.
– phd student at the Higher Institute of Doctorate Studies at the Lebanese University, Department of Social Sciences, Arts, Humanities and Social Sciences Email: Rajaa.awada@hotmail.com
[1]. محمد عابد الجابري – الديمقراطية وحقوق الانسان – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الثانية بيروت 1997- ص 198.
[2]. محمد عابد الجابري المرجع نفسه ص 201.
[3] سورة الإسراء: الآية 70.
[4]. محمد عابد الجابري – الديمقراطية وحقوق الانسان- مرجع سابق- ص 202.
[5]. محمد عابد الجابري المرجع نفسه– ص 202.
[6] سورة الإسراء: الآية 70.
[7] سورة اللاسراء الاية 70.
[8]. محمد عابد الجابري– مرجع سابق – ص 204.
[9] سورة الإسراء: الآيات 61-62.
[10] سورة البقرة: الآيات 30-31.
[11] سورة البقرة: الآيات 34-37.
[12] سورة هود: الآية 61.
[13] سورة الروم: الآية 9.
[14] سورة يونس: الآية 14.
[15] سورة البقرة: الآية 31.
[16] سورة الأعراف: الآيات 22-23.
[17] سورة البقرة: الآية 37.
[18] سورة البقرة: الآية 247.
[19] سورة البلد: الآية 4.
[20] سورة البلد: الآية 4.
[21]. محمد عابد الجابري، مرجع سابق، ص 168.
[22]. المرجع السابق نفسه ،محمد عابد الجابري، ص 169.
[23]. المرجع السابق نفسه ،محمد عابد الجابري، ص 169.
[24] الحقوق والحريات العامة، مجموعة من المؤلّفين، ط1، مركز الحضارة لتنمية الفكر العربي، بيروت، 2010، ص 82.
[25] الحقوق والحريات العامة، مرجع سابق، ص 82.
[26] محسن عزيزي، تاريخ المذاهب السياسية من أفلاطون إلى مكيافللي، والحقوق والحريات العامّة، ص 82.
[27] الحقوق والحريات العامة، مرجع سابق، ص 83.
[28] المرجع السابق نفسه، ص 84.
[29] الرواقيّة: مذهب فلسفي أسّسه زيتون القيسوني، وهو فيلسوف يوناني فينيقي الأصل (264 ق.م) في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وهو مذهب يمثّل شكلاً من أشكال الحلوليّة والماديّة، يقول بالوجود المركّب من مادة ومن قوّة تسير هذه المادة، ويركز الأخلاق على العقل الآخذ بالقوانين الطبيعية لا على الأهواء والمصالح التي تخالفها.
[30] الحقوق والحريات العامة، مصدر سابق، ص 85.
[31] المصدر السابق نفسه، ص 84.
[32] المصدر السابق نفسه، ص 85.
[33] المصدر نفسه، ص 87.
[34] كريستيان توموشات، «حقوق الإنسان من منظور قانوني»، في: الإسلام وعالمية حقوق الإنسان، ترجمة واختيار محمود منقذ الهاشمي- حلب: مركز الإنماء الحضاري، 1995)، ص 10.
[35] مارتن كريله، «الحقوق الإنسانية في ميثاقي القانون الدولي للأمم المتحدة»، في: المصدر نفسه، ص 23.
[36] محمد عمارة، الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات… لا حقوق، سلسلة عالم المعرفة؛ 89 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ١٩٨٥، ص 17.
[37] للمزيد من التفاصيل، أنظر: زكي نجيب محمود، حياة الفكر في العالم الجديد (بيروت: دار الشروق، 1980)، ومحمود سلام زناتي، حقوق الإنسان: مدخل تاريخي (القاهرة: [د.ن]، 1992).
[38] محمد عمارة، مصدر سابق ، ص 13.
[39] مارتن كريله، مرجع سابق، ص 23.
[40] من مقدمة: «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، في: النظام القانوني الدولي في مفترق الطرق، سلسلة الدراسات القانونيّة (مالطة: مركز دراسات العالم الإسلامي، 1992)، ص ٢٦٤.
[41] رضوان السيد «حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بين الخصوصية والعالمية»، التوحيد، السنة15، العدد 48(تشرين الأول/أكتوبر1996)، ص 44.
[42] مورانج، الحقوق والحريات العامة، مرجع سابق، ص 39.
[43] المرجع السابق نفسه، ص 40.
[44] محمد عابد الجابري، الديموقراطية وحقوق الإنسان، سلسلة الثقافة القومية؛ 26. قضايا الفكر العربي؛ 2 (بيروت): مركز دراسات الوحدة العربية، 1994)، ص 188.
[45] آن إليزابيت ماير وضعت كتاب لها صدر عام 1991. انظرAnn Elizabeth Mayer,Islam and Human Rights: Tradition and Politics (Boulder,CO: Westview press, London: pinter publisher, 1991.
[46] رضوان السيد، مرجع سابق، ص 37.
[47] محمد الغزالي، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ط3(القاهرة: دار الكتب الإسلاميّة، 1984)، ص 231.
[48] علي عبد الواحد وافى، حقوق الإنسان في الإسلام، ط5، (القاهرة: دار نهضة مصر، 1979)، ص 3.
[49] محمد عمارة، مرجع سابق ص 14-15.
[50] راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993)، ص 320.
[51] أحمد كمال أبو المجد، رؤية إسلامية معاصرة: إعلان مبادىء، ط2(بيروت؛ القاهرة: دار الشروق، 1992م)، ص 49.
[52] محمد أبو القاسم حاج حمد، السعودية قدر المواجهة المصيرية وخصائص التكوين ([د.م:د.] ١٩٩٦)، ص ٢١٨ – ٢١٩. لمزيد من الاطلاع على مواقف المثفنين الإملاميين من حقوق الإنسان، انظر: عبد اللطيف الحاتمي، حقوق الإنسان في الإسلام (بيروت: دار الجيل، ١٩٩٠)؛ أحمد جال عبد العال، حقوق الإنسان في الإسلام (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، ١٩٩٢)؛ عبد السلام الترمانيني، حقوق الإنسان في نظر الشريعة الإسلاميّة، ط2، (بيروت: دار الكتاب الجديد، ١٩٧٦)؛ عبد الكريم زيدان، حقوة الأفراد في الإسلام، ط2، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1988)؛ حسن أحمد عابدين، حقوق الإنسان وواجباته في القرآن (مكة: رابطة العالم الإسلامي، ١٩٨٤)، ومحمد عبد الملك المتوكّلء »الإسلام وحقوق الإنسان، المستقبل العربي، السنة 19، العدد ٢١٦ (شباط/فبراير ١٩٩٧)، ص 4-21.
[54] راشد الغنوشي، المرجع نفسه، ص 42-43.
[55] مرتضى مطهري، نظام حقوق المرأة في الإسلام، ترجمة: أبو زهراء النجفي، طهران، الطبعة الأولى 1985، ص 6.
[56] مرتضى مطهري، المرجع السابق نفسه، ص 7.
[57] مرتضى مطهري، المرجع السابق نفسه، ص 7.
[58] مرتضى مطهري، المرجع السابق نفسه، ص 7.
[59]. تشارلز آر. بيتر – ترجمة شوقي جلال – فكرة حقوق الإنسان – عالم المعرفة – العدد 421 – 2015، ص59.
[60] نستعمل هنا مفهوم الإشكالية بالإطار الذي حدّده لها محمد عابد الجابري بأنّها «منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين، مشاكل عديدة مترابطة لا تتوافر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل. من الناحية النظريّة – إلاّ في إطار حلّ يشملها جمعاً وبعبارة أخرى، إنّ الإشكاليّة هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتنها، فهي توتر ونزوع نحو النظرية، أي نحو الاستقرار الفكري». محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، ط٢ مزيدة ومنقّحة، الدار البيضاء: المركز التقافي العربي، 1982، ص 27.
[61] محمد الغزالي، حقوق الإنسان (الرؤى العالمية والإسلامية والعربية) – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الثانية بيروت 2007 ص156
[62] محمد الغزالي المصدر السابق نفسه، ص 233.
[63] محمد عمارة، مرجع سابق، ص 14.
[64] أبو بكر أحمد باقدار، حقوق الإنسان في الإسلام، التوحيد، السنة 15، العدد 85(كانون الأول/ ديسمبر1996)، ص 82-83.
[65] راشد الغنوشي، مرجع سابق، ص 320.
[66] مصطفى المحقق الداماد، «حقوق الإنسان: رؤية مقارنة بين الإسلام والغرب»، التوحيد، السنة15، العدد 85، (كانون الأول/ ديسمبر 1996)، ص 42.
[67] محمد حسن الضيائي«إعادة النظر في حقوق الإنسان الدولية، التوحيد، السنة 15، العدد 85، (كانون الأول/ ديسمبر 1996)، ص 28-33.
[68] سورة الحجرات: الآية 13.
[69] محمد أبو القاسم حاج حمد العالمية، العالمية الثانية جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، ط 2(د. م.: د. ن.]، ١٩٩٦)، مج٢. للمزيد من الاطلاع على مواقف المثقفين الإسلاميين من مسألة حقوق الإنسان مقارنة من الغرب، أنظر: محمد أحمد مفتي وسامي مالح الوكيل، حقوق الإنسان في الفكر السياسي الغربي والشرع الإسلامي: دراسة مقارنة (بيروت: دار النهضة الإسلاميّة، ١٩٩٢)؛ محمد فتحي عثمان، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلاميّة والفكر القانوفي الغربي (بيروت؛ القاهرة: دار الشروق، ١٩٨٢)؛ القطب محمد القطب طبلبة، الإسلام وحقوق الإنسان: دراسة مقارنة (القاهرة: دار الفكر العربي، 1976)، وعبد الوهاب عبد العزيز الشيشاني، حقوق الإنسان وحرياته الأساسيّة في النظام الإسلامي والنظم المعاصرة ([د. م.]: مطابع الجمعية العلمية الملكية، 1980).
[70] علي عبد الواحد وافى، التيارات الإسلامية وقضية الديموقراطية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1996، ص 181.
[71] رضوان السيد، حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر بين الخصوصية والعالمية، ص 38.
[72] رضوان السيد، المصدر السابق نفسه، ص 42.
[73] رضوان السيد، المصدر نفسه، ص 42.
[74] انظر: محمد أركون، الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد، ترجمة وتعليق هاشم صالح (لندن: دار الساقي، ١٩٩٠)؛ في الواقع نجد اضطراباً لدى محمد أركون بالنسبة إلى هذه الفكرة، فأحيانًا نراه يؤكّد العالمية كما في الكتاب المذكور، ومرات أخرى في كتب من مثل: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ من فيصل التفرقة إلى فصل المقال، ترجمة وتعليق هاشم صالح (لندن: دار الساقي، ١٩٩٣)، يطرح مسألة الخصوصيّة ويهاجم الازدواجيّة الغربية في التعامل مع حقوق الإنسان.
[75]. بسام طيبي، مرجع سابق، ص ٦٩.
[76] سورة البقرة: الآية 164.
[77] سورة البقرة: الآية 164.
[78] سورة الرةم: الآية 30.
[79] محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، الطبعة الأولى 1997، ص ١٤٥ – ١٥٤. للمزيد من الاطلاع حول هذه النقطة، انظر: أمير موسى، حقوق الإنسان: مدخل إلى وعي حقوقي، سلسلة الثقافة القوميّة؛ ٢٤ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٩٤)؛ سعاد الصباح، حقوق الإنسان في العالم المعاصر (الكويت: دار سعاد الصباح، ١٩٩٧)، وبن عاشور، «الإنسان بين الكونيّة والخصوصيّات»، ص ٦٨.
[80] محمد عابد الجابري، المرجع السابق، ص ١٤٥ – ١٥٤.
[81]. محمد عابد الجابري، المرجع السابق نفسه، ص 146.
[82]. محمد عابد الجابري المرجع السابق نفسه، ص 147.
[83]. محمد عابد الجابري ، المرجع السابق نفسه، ص 147.
[84]. محمد عابد الجابري ،المرجع السابق نفسه، ص 147.
[85]. محمد عابد الجابري، المرجع السابق نفسه، ص 155.
[86] سورة البقرة: الآية 164.
[87] سورة الشعراء: الآيات 71-74.
[88] سورة الروم: الآية 30.
[89] سورة آل عمران: الآية 67.
[90] سورة آل عمران: الآية 19.
[91] سورة آل عمران: الآيةات 84-85.
[92] سورة آل عمران: الآية 19.
[93] سورة آل عمران: الآية 19.
[94] سورة البقرة: الآية 213.
[95] عادل حامد الجادر، أثر قوانين الانتداب البريطاني في إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، جامعة بغداد، 1976م، ص 27.
[96] نصّت المادة الأولى من العهد الأول والعهد الثاني على ما يأتي: لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها استناداً لهذا الحق أنّ تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل بحرية نموّها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
[97] Iam brownlie,basic documents in inte،rnational low oxford-london, 1972.p146.
[98] عصام العطية، القانون الدولي العام، لا.ط، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، 1993م، ص 224.
[99] يراجع: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 في 14/12/1960، امتنعت الدول الاستعمارية من التصويت على القرار المذكور.
[100] Iam brownlie,same reference, 1972.p187.
[101] سورة الكافرون: الآيات 1-6.
[102] سورة البقرة: الآية 256.
[103] سورة النور: الآية 54.
[104] سهيل الفتلاوي، حقوق الإنسان في الإسلام دار الفكر العربي بيروت – الطبعة الأولى 2001 ص 21.
[105] سورة يونس: الآية 41.