الجدل حول المؤتمر الإسلاميّ بالقدس عام1931م
نصري مصريّ*
ملخّص البحث
يكتسب البحث أهمّيّة، إذ يتضمّن جذور الصراع التاريخيّ بين العرب والمسلمين من جهة، والحركة الصهيونيّة من جهة أخرى، حول ملكيّة المسجد الأقصى. هذا الصراع لا يزال المحرّك الأساس للوحدة بين المسلمين التي تجلّت في مؤتمر القدس عام 1931.
ولكن اللافت للنظر في هذا الصراع، التخوّف الاستعماريّ، والصهيونيّ من تجذّر الوحدة بين المسلمين، حتّى إنّه أصاب الأنظمة العربيّة آنذاك، التي حذّرت القوى السياسيّة ونخبها من المشاركة في المؤتمر بحجج متعدّدة.
يكشف البحث مدى التنسيق بين الطرفين الاستعماريّ الصهيونيّ والأنظمة العربيّة، بالمقابل سجّل لأوّل مرّة وحدة النخب الدينيّة والسياسيّة من كلّ الطوائف، سواء في مضمون الخطابات، أم في الأداء السياسيّ، ليس فقط من قضيّة المسجد الأقصى، بل من كلّ القضايا الأساسيّة المهدّدة بالخطر الاستعماريّ، مثل الموقف من قضيّة إعدام الزعيم الليبيّ عمر المختار من قبل الاستعمار الإيطاليّ. بناء عليه جاء البحث ليسلّط الضوء على كلّ هذه النقاط فيه.
Cette recherche a une grande importance historique. Elle comporte les origines historiques du conflit arabo-islamique et le sionisme concernant la propriété de la mosquée Alaqusah.
Ce conflit reste encore la dynamo de l’unité islamique qui se manifeste dans le congrès de 1931. Ce qui attire l’attention dans ce conflit, c’est la prudence, du colonialisme et le sionisme, de l’unité entre les musulmans. D’autre part, même les régimes arabes avaient une attitude négative envers cette unité. Pour cela, ces régimes avaient empêché les différentes organisations arabes (politiques, sociales, religieuses…) de participer à ce congrès sous plusieurs prétextes.
Cette recherche prouve l’unité des organisations arabes soit au niveau du contenu de leurs discours dans ce congrès, non seulement dans le problème de Alaqusah, mais aussi dans tous les problèmes essentiels vis-à-vis du danger colonial par exemple, l’attitude du colonialisme italien envers la peine de mort du chef Libyen Omar el Mokhtar.
C’est pour cela, le congrès d’Alaqusah avait éclairci les problèmes déjà traités.
أهمّيّة القدس وأسباب انعقاد المؤتمر
مقدّمة
تأتي أهمّيّة قضيّة القدس الشريف في فلسطين بالتزامن مع الاندفاع الشديد لمشروع الحركة الصهيونيّة لإيجاد وطن قوميّ ينتمي إليه الإسرائيليّون، وهو مشروع قديم يعود إلى سنة 70 بعد المسيح لما خرّب طيطس هيكل سليمان. ومنذ ذلك الحين أخذ اليهود – الصهاينة يبذلون الجهد لإيجاد ذلك الوطن تحقيقًا لما يرد في مزاميرهم التوراتيّة منها على
سبيل المثال، ما جاء في مزمار أرميا 30 – 3 يقول: “الربّ أرجعهم إلى الأرض التي أعطيت لآبائهم أياها فيمتلكونها”.
لم يتمكّن اليهود من تحقيق هذا المشروع لقرون طويلة. وفي القرن التاسع عشر الميلاديّ، أسّسوا الجمعيّات، وعقدوا المجالس، وشدّوا أزر بعضهم بعضًا، وكتبوا المقالات، ونظموا قصائد الشعر الحماسيّة، فنجحوا في لفت الرأي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طالب دكتوراه، الجامعة اللبنانيّة، قسم التاريخ.
العامّ الإسرائيليّ، وأصبح مشروع إقامة الوطن اليهوديّ مدار أحاديثهم في كلّ الاجتماعات. في العام 1830م نشر الكاتب اليهوديّ (سلفادور) رسالة صحافية بصدد الدولة اليهوديّة، فتألفت على أثرها جمعيّة الاتّحاد الإسرائيليّ “الإليانس” وبدأ اليهود بجمع الأموال بطرق متعدّدة، ثمّ باشروا باستعمار فلسطين، فأنشأوا المدارس، وغرسوا الكروم، وشيّدوا البنايات العظيمة.
في سنة 1840م تألّفت جمعيّة أولاد المدارس اليهوديّة بمساعي (ستنشيدر) الذي نفخ فيهم الروح الجنسيّة، والغيرة الدينيّة، وفي سنة 1860م انتظمت جمعيتا (الاستعمار السوريّ الفلسطينيّ)، و(الفلسطينيّة العموميّة)، وفي ذلك التاريخ استأذن المستر لورانس القانت (يهوديّ إنكليزيّ) من حكومة تركيا مدّ خطّ حديديّ من وادي الفرات لإسكان اليهود على ضفّتيه فما تسنّى له نيله.
سنة 1886م نشر فرنكل رسالة قال فيها: علينا أن نسعى إلى شراء فلسطين، ونجعل فيها حكومة مستقلّة، وإن لم يتمّ لنا الأمر فبلاد الله واسعة لأنّ غايتنا الوحيدة إيجاد وطن نكون فيه أحرارًا مستقلّين. وفي سنة 1874 تمكّنوا من إنشاء أوّل مستعمرة في فلسطين هي (زمارين)، فكانت مثل مسرح للجاسوسيّة الإنكليزيّة، ثمّ بنوا قرية المطلّة في قضاء مرجعيون (جبل عامل)، وألّفوا جمعيّات متعدّدة أشهرها (الإنتيزيونزم)، وهذه الجمعيّة مضادّة للصهيونيّة.
سنة 1895م نشر ثيودور هرتزل (العالم الإسرائيليّ) كتابه اليودانستيت (الوطن اليهوديّ) وجعل اهتمامه مقاومة جمعيّة (الإنتيزيونزم) المذكورة، وقال عنها: إنّها خطر على العالم بأسره، وليست على اليهود فقط، وقال في موضع آخر، علينا أن نبذل الجهد لامتلاك متّسع من الأرض، وجعلها وطنًا نعيش ونموت فيه مطمئنّين. واقترح هرتزل انتخاب لجنة تتولّى شؤون اليهود السياسيّة، وتربية أولاد اليهود تربية دينيّة جنسيّة، وتأليف شركة استعماريّة رأسمالها (50) مليون ليرة إنكليزيّة لامتلاك فلسطين، أو قسم من الولايات الفضّيّة (الأرجنتين) فقوبل اقتراحه بالرضى، والارتياح، واتّفقوا على تعيينه رئيسًا لتلك الجمعيّة.
وما لبثت أن عقدت هذه الجمعيّة أوّل اجتماع لها في مدينة بازل (في سويسرا) وقد زاد عدد أعضاء الجمعيّة عن (200) عضو، وقرّروا الآتي:
- ترويج تعليم اللغة العبرانيّة.
- إنشاء لجنة خصوصيّة للآداب اليهوديّة.
- إيجاد مال كافٍ لتنفيذ اقتراحات المؤتمر.
- تأليف جمعيّة لطبع خطب هرتزل وماكس لوردو.
- تأليف نقابة استعماريّة إسرائيليّة.
وفي سنة 1898 انعقد مؤتمر ثانٍ في مدينة بازل، تقرّر فيه تأليف النقابة الاستعماريّة، وجعل اللغة العبرانيّة اللسان الرسميّ للتعارف فيما بينهم.
ومن سنة 1899 و1900م انعقد مؤتمران: الأوّل في مدينة بازل، ثمَّن فيه المجتمعون نجاح المشروع الصهيونيّ، والثاني في لندن، تقرّر فيه أن يذهب ثيودور هرتزل لمقابلة السلطان العثمانيّ عبد الحميد([1]). وقد أشار مؤلّف كتاب (السلطان عبد الحميد، والرقص مع الذئاب) مصطفى أرمغان، أنّ أغنياء اليهود، لا سيّما عائلة بانكر، وعائلة روتشيلد، باشروا بمساعيهم لشراء أراضٍ في فلسطين، وفي المقابل بدأ ثيودور هرتزل مساعيه للقاء السلطان عبد الحميد، فزاره خمس مرّات لم يتمكّن من مقابلته إلاّ مرّة واحدة سنة 1901م، وقد جرى الحديث بينهما بما يأتي: قال هرتزل لعبد الحميد: نحن اليهود في أوروبا مضطهدون، ولا نملك فيها حياة إنسانيّة كريمة، وأنتم دولة كبيرة فَتَحْتُم لنا أحضانكم في الماضي. ونرجو منكم ألاّ تحرمونا منّتكم علينا، واسمحوا لنا بالقدوم إلى فلسطين، ونحن على استعداد لإنهاض دولتكم العليّة بثرواتنا، وقدراتنا التقنيّة، وطاقاتنا البشريّة الناضجة. ورغم إعجاب السلطان عبد الحميد بحكمة هرتزل، وقد منحه السلطان النياشين، إلاّ أنّ عبد الحميد رفض العرض الماليّ الذي قدّمه هرتزل، وهو يساوي خمسة ملايين ليرة ذهبيّة. توفِّيَ هرتزل سنة 1904م، وبقي مشروع إقامة الدولة اليهوديّة على أرض فلسطين ساريًا في عقول المفكّرين اليهود([2]).
ومن جهة ثانية يذكر سليم أبو جمرة، صاحب مقالة الحركة الصهيونيّة في سنة 1901م اجتمع اليهود للمرّة الخامسة في مدينة بازل، ولاحظوا عدم نجاحهم في استعمار فلسطين. فتناقشوا بقضيّة استعمار منطقة العريش، وفاوضوا الحكومة المصريّة بالأمر، فلم تجبهم الحكومة المصريّة إلى طلبهم، ففكّروا باستعمار شرقيّ أفريقيا، فاعترض هرتزل على الفكرة، وقال: ليست أفريقيا صهيون، ولا يمكن أن تصير في المستقبل، لأنّها أشبه بمنفى منها من وطن. توفِّيَ هرتزل سنة 1903 (بحسب أبو جمرة)، وأُنتخب مكانه لرئاسة الجمعيّة ماكس نوردو “الألمانيّ”. في سنة 1905 انعقد مؤتمر تحت رئاسة نوردو، وتقرّر أن تبقى فلسطين الوطن اليهوديّ المرتقب، ويجب شراؤها بأموال الجمعيّات اليهوديّة المتعدّدة.
سنة 1911م انعقد مؤتمر فيينا الصهيونيّ، تحضيرًا لمؤتمر سنة 1912 العام، ولما نشبت الحرب العالميّة الأولى سنة 1914م بدأ الصهاينة يوالون الاجتماعات، واشتركوا بقروض الحكومات، فأخذوا القسم الأكبر من أسهمها. وفي سنة 1917م (في 2 نوفمبر) أعلنت الحكومة البريطانيّة المساعدة لإنشاء وطن قوميّ إسرائيليّ في فلسطين، أعقب ذلك دخول أميركا الحرب، فأرسل الرئيس الأميركيّ ولسن رسالة إلى الدكتور ويزمن (اليهوديّ) يقول فيها: متى وضعت الحرب أوزارها فهناك بلدان لن تُعاد إلى الأتراك: أرمينيا المسيحيّة، وفلسطين اليهوديّة. في 2 نوفمبر سنة 1919م صادقت الحكومة البريطانيّة على قرار إنشاء وطن قوميّ يهوديّ في فلسطين وفي سنة 1920م حثت اللجنة التنفيذيّة الصهيونيّة كلّ يهود العالم على جمع مبلغ (25) مليون جنيه لتحويل المهاجرة إلى فلسطين، وتأسيس المدارس، ومن جملتها جامعة عبرانيّة، فأخذ اليهود يتوافدون إليها من أربعة أقطار المعمورة حتّى زاد عددهم على الخمسين ألفًا. فشعر الفلسطينيّون الوطنيّون (مسلمون ونصارى) بالخطر الذي يهدّد حياتهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة فاتّحدوا لدفع الخطر عنهم، وحدثت ثورة القدس([3]). وفي العام نفسه 1920م كتبت مجلّة العرفان في باب الأخبار لقد قضي الأمر وصودق في مؤتمر الصلح العالميّ على الانتداب الفرنسيّ في سوريا، وأصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطانيّ، وجُعلت وطنًا قوميًّا لليهود، وعُيّن لها حاكم عام من اليهود هو السير هربرت صموئيل، ما أثار حفيظة المسلمين والمسيحيّين وتعاضدوا على صدّ التيّار الصهيونيّ([4]).
لما وصل السير صموئيل إلى فلسطين، ونزل بميناء يافا، اضطرب المسلمون، والنصارى في فلسطين، وبدأوا يوالون الاجتماعات، ويرسلون الاعتراضات دون أن يأخذوا جوابًا مرضيًا([5]).
أسباب انعقاد مؤتمر القدس عام 1931م
- أسباب سياسيّة تتعلّق بمشروع الانتداب، الفرنسيّ – البريطانيّ على البلاد العربيّة عمومًا.
- أسباب دينيّة تتعلّق بالمشروع الصهيونيّ لتهويد القدس الشريف خصوصًا، وفلسطين عمومًا.
السبب الأوّل السياسيّ
في ظلّ الرفض العربيّ – الإسلاميّ لتقسيم البلاد العربيّة وفق معاهدة (سايكس بيكو) الموقّعة بين فرنسا وبريطانيا في أعقاب الحرب العالميّة الأولى سنة 1914م، وقد عقدت هذه المعاهدة في نيسان وأيّار سنة 1916م، ثمّ أعقبها اجتماع يوم 7 شباط سنة 1917م ضمّ فرنسا، وبريطانيا، وأميركا فتوافقوا على وضع صيغة المشروع الصهيونيّ في فلسطين. وفي 2 تشرين الثاني من العام نفسه 1917م وجّه اللورد بلفور – وزير خارجيّة بريطانيا، كتابًا إلى البارون إدمون دي روتشيلد (زعيم الصهيونيّة في لندن) يتضمّن موافقة الدول المذكورة على إنشاء وطن قوميّ للشعب اليهوديّ على أرض فلسطين([6]). في ظلّ ترسيخ حكم الانتداب للبلاد العربيّة، وتشكيل حكومات محلّيّة (وطنيّة) تتناغم مع سياسة الانتداب، غاب كلّ شكل من أشكال التعاون بين القوى، والتيّارات العربيّة والإسلاميّة، وقد نجح الانتداب في استقطاب شخصيّات دينيّة ومدنية إسلاميّة وغير إسلاميّة وذلك من خلال منحها الوظائف والتقديمات المادية والمعنوية، فأمّنت هذه الشخصيّات والمقربين لها الرخاء الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وبالمقابل أمّنت بشكل وبآخر حرية التصرف لليهود في فلسطين دون أي عقبات تذكر([7]).
السبب الثاني الدينيّ
على ضوء حالة الإخفاق العربيّ – الإسلاميّ السياسيّ لمواجهة الانتداب، ما عزّز الاتّجاه الدينيّ لصدّ المشروع الصهيونيّ لتهويد القدس الشريف. وممّا لا شكّ فيه على الإطلاق أنّ المساس بالرموز الدينيّة له من الحساسيّة التي تثير مشاعر الناس ونفوسهم ما يفوق القضايا السياسيّة، وغيرها أضعاف مضاعفة، فكيف إذا كانت القضيّة تتعلّق بالقدس الشريف الوارد ذكره في القرآن الكريم في سور عديدة، منها: قوله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ”([8]). وقوله تعالى: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ! وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حتّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ”([9]). وقوله تعالى: “وَءاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ”([10]).
لهذه الأسباب السياسيّة والدينيّة، رفض المسلمون، والنصارى المساس بالقدس، ومن أيّ جهة محلّيّة، أو دوليّة حاولت وضع صيغ توليفيّة لتقسيم القدس بالتراضي بين اليهود من جهة والمسلمين والمسحيين من جهة ثانية. وقد ورد في باب الأخبار لمجلّة العرفان سنة 1921م: جاء وزير المستعمرات البريطانيّة في الشرق ونستون تشرشل إلى مصر وفلسطين، وزار القدس الشريف، فاحتجّ الفلسطينيّون (مسلمون ومسيحيّون)، وقاموا بمظاهرات سلميّة، إلاّ أنّهم لم يسلموا من الإجراءات العسكريّة البريطانيّة فقتل متظاهر مسيحيّ، وآخر مسلم، وجرح تسعة عشر آخرين([11]).
وذكرت مجلّة العرفان سنة 1922م لا زال الفلسطينيّون يجدّون في قضيّتهم، ويساعدهم أشقاؤهم العرب. وأشارت العرفان إلى وقوع حادث لسيّارة في فلسطين، كان بداخلها أديب أبو ضيّة، توفِّيّ على الفور، وجرح من كان برفقته وهما محمّد المظفّر، وحسن الدجانيّ من العراق([12]).
وأشارت العرفان في السنة نفسها، أنّ المجلس الشرعيّ الإسلاميّ الأعلى بفلسطين، أنشأ دارًا للكتب في المسجد الأقصى في القدس الشريف، ضمّ فئة من متنوّري فلسطين، انضمّ إليهم صاحب مجلّة العرفان الشيخ أحمد عارف الزين، والشيخ أحمد رضا من جبل عامل([13]).
ومن جهة ثانية ورد في العرفان سنة 1924، ما يأتي: قامت فلسطين وقعدت لنبأ زيارة بلفور (وزير رخارجيّة بريطانيا) لفلسطين، وقد تكاتف المسلمون والمسيحيّون، وأبرقوا للمراكز الرسميّة، ولبلفور نفسه، أنّه سوف يغلق الوطنيّون حوانيتهم يوم قدومه، ولا يقابله أحد من الوطنيّين موظّفًا أو غير موظّف، كما ستظهر الصحف بثوب الحداد الأسود، وذكرت العرفان، أنّ الشرق العربيّ لم يزال يتخبّط بدسائس رؤساء نظّاره. وعلى ضوء الحوادث المتصاعدة بين اليهود والفلسطينيّين، عقدت سنة 1926م مؤتمرات إسلاميّة عدّة في مصر([14]) وفي مكّة، وقد حضر المؤتمر الأخير مندوب عن عصبة الأمم. كما شاركت فيه إيران وتركيا، علّقت مجلّة العرفان على مؤتمر مكّة، قالت: نتمنّى لهذا المؤتمر الفوز وحسن العاقبة([15]).
دعوة الحاج أمين الحسينيّ لعقد مؤتمر القدس
تزعّم الحاج أمين الحسينيّ مفتي فلسطين، القضيّة الفلسطينيّة العربيّة الإسلاميّة، حتّى أصبح رمزًا للدفاع عن ظلم العقليّة الصليبيّة، والدفاع عن العروبة والإسلام، فكان من الطبيعيّ أن يحلم بأوسع معاني الحلم في تخليص فلسطين من هذا الظلم، وأن يطمح إلى تثبيت هذه الزعامة، وقد لمح كفاءته للزعامة والقيادة المغفور له، موسى كاظم باشا الحسينيّ، فدعمه في تحصين مركزه في الإفتاء، وفي إشغاله القيادة في فلسطين. وكان لموسى كاظم المذكور مركز عظيم جعله موضع احترام العرب، واليهود، والإنكليز([16]).
برزت زعامة الحاج أمين الحسينيّ في فلسطين والبلاد العربيّة، وحتّى الأجنبيّة، وقد استخدم الحسينيّ جميع الإمكانيّات من داخل فلسطين، ومن خارجها لجمع المسلمين تحت علم القدس، ووضع حدّ لمطامع اليهود واتّساع حركة الصلاحيّات الممنوحة لهم من قبل السلطات البريطانيّة، فذاع صيته في أطراف الدنيا، واستطاع أن يحقّق هدفين أقلقا اليهود ودول الغرب وهما:
- جمع الصفوف في جوّ من الإرهاب الدوليّ للعناصر العربيّة المعتدلة.
- دبّ القلق في نفوس اليهود خوفًا من عدم تحقيق حلمهم في إقامة الوطن القوميّ اليهوديّ على أرض فلسطين.
وقد حرص الحاج الحسينيّ على أن يكون الرأي النهائيّ له في كلّ الأمور، ومن هذه الأمور دعوته لعقد مؤتمر القدس على ضوء تصاعد الحراك الهيوديّ لتهويد القدس الشريف. وقد أدّى هذا الحَراك اليهوديّ إلى نشوب ثورة البراق سنة 1929م، والبراق هو الحائط الغربيّ للمسجد الأقصى، ويوجد فيه الباب الذي دخل منه الرسول في إسرائه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبًا الدابّة المعروفة باسم البراق.
وبالمقابل يرى اليهود أنّ هذا الحائط يشكّل جزءًا من السور الخارجيّ للهيكل الذي يزعمون أنّ من بناه هو “هيرود” بعد خراب الهيكل الأوّل على يد طيطس (المذكور)، ويعدّه اليهود من الأماكن المقدّسة التي يحجّون إليها من جميع أنحاء العالم، ويقيمون حوله بعض الشعائر الدينيّة، والبكاء، والعويل، وقد سمّي بحائط المبكى من أجل ذلك([17]).
وفي منتصف العام 1929م أعلن الزعيم اليهوديّ (كلوزنر) رئيس جمعيّة الدفاع عن المبكى في جريدة (بالستين ويكلي) اليهوديّة أنّ “المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنّما هو لليهود”([18]). ووصلت دعاية اليهود إلى حدّ نشر صور ملونة تشتمل على صور الأماكن المقدّسة الإسلاميّة التي يودّون الاستيلاء عليها، وهي: المسجد الأقصى في بيت المقدس، والحرم الإبراهيميّ في مدينة الخليل، وتُظهِر الصور التاج اليهوديّ، كما أنّهم دوّنوا على تلك الصور عبارات تدلّ على أنّهم مصمّمون على انتزاع تلك المقدّسات من أيدي المسلمين، الأمر الذي أثار هواجس المسلمين وجعلهم يتبيّنون مدى مطامع اليهود وتفكيرهم في وطنهم ومقدّساتهم. وكان ما قام به اليهود يوم عيد الغفران في أواسط شهر آب 1929م الشرارة التي أشعلت ثورة البراق، فقد نظّموا تظاهرات صاخبة في شوارع القدس، قابلها المسلمون في الأسبوع التالي بتظاهرة أشدّ صخبًا وحماسًا، وأخذ الفريقان يتربّصان ببعضهما، وما لبثا أن اشتبكا في شوارع القدس وضواحيها، ثمّ امتدّت الاشتباكات إلى يافا وما حولها من قرى ومستعمرات، ثمّ إلى الخليل وصفد، وقتل اليهود بعض الأطفال والنساء، فثارت موجة غضب شديدة أدّت إلى التضامن العربيّ والإسلاميّ، والطلب من بريطانيا تشكيل لجنة تحقيق لتحديد حقوق ملكيّة الحائط. استطاع المسلمون بما يملكون من وثائق وسجلاّت المحكمة الشرعيّة التي اطّلع عليها أعضاء اللجنة البريطانيّة أن يثبتوا أنّ المنطقة التي تحيط بحائط البراق من جميع الجهات وقف للمسلمين، وليس لليهود حقّ فيها سوى منحة محدودة أعطيت لهم بموجب أوامر من محمّد عليّ باشا حين احتلّ فلسطين (ت 1830 – 1841م)، والمنحة عبارة عن زيارة محدّدة للحائط، لا صوت فيها، ولا إزعاج، ولا أدوات جلوس وستائر([19]).
وبعد مدّة صدر تقرير لجنة البراق البريطانيّة لصالح المسلمين والاعتراف بحقّهم بالتصرّف والإشراف على البراق، والاعتراف أيضًا لليهود بالقيام بزيارات على الوجه البسيط كما كانوا على زمن الأتراك. لكن ما تجدر الإشارة إليه نتيجة أطماع اليهود في ملكيّة المسجد الأقصى، أنّ شعور العداء تجاه اليهود لم يعد مقتصرًا كما كان في السابق على الفلسطينيّين فقط، بل امتدّ ليشمل الشعوب الإسلاميّة برمّتها، وبدل أن يكون هذا الاتّجاه الشعبيّ العام حافزًا للقيادة السياسيّة العربيّة باتّجاه اتّخاذ مواقف مضادّة للسياسة الاستعماريّة التي تنطوي على العطف لأماني اليهود والصهيونيّة في إقامة وطن يهوديّ على أرض فلسطين، فقد قرأت هذه القيادة الرسميّة العربيّة، في الحافز الشعبيّ الإسلاميّ تهديدًا لها، فاتّجهت إلى تأييد السياسة الاستعماريّة لتثبيت نفوذها وتدعيم سلطانها.
وعلى ضوء ثورة البراق، راح الشعور الإسلاميّ يتجلّى للدفاع عن القدس، في كلّ العالم الإسلاميّ، لا سيّما في الهند، وسيلان، وبورما، فقد أعلن المسلمون سنة 1930م عن التضامن مع فلسطين وعدّ يوم 6 أيّار من كلّ عام يومًا للتضامن مع شعب فلسطين([20]).
عبّر عن التضامن الإسلاميّ، الأمير شكيب أرسلان من مكان إقامته في جنيف (سويسرا)، فقد نشرت مجلّة العرفان سنة 1955م رسالة مطوّلة للأمير أرسلان، موجّهة إلى صديقه الشيخ سليمان ظاهر (العامليّ) نذكر منها ما يتعلّق بمؤتمر القدس سنة 1931م.
يشير أرسلان إلى دور أساسيّ لضلوعه شخصيًّا في تشجيع الحاج أمين الحسينيّ على عقد مؤتمر إسلاميّ في القدس. يقول:
لما كان الحاج أمين الحسينيّ يتلطّف دائمًا باستطلاع أفكاري في عقد مؤتمر إسلاميّ موسّع… وقد تحدّثنا في هذا الخصوص أثناء زيارته لنا هنا في جنيف، وبعد مدّة بعثت إليه رسالة في خصوص عقد مؤتمر في القدس، واقترحت عليه أن يدعو قيادات شيعيّة، علمائيّة ومدنيّة، لا سيّما من العراق، وإيران، وجبل عامل.
ويخاطب أرسلان الشيخ سليمان ظاهر، يقول: “أبثّكم سروري بحضوركم أنتم والأخ الشيخ أحمد رضا في المؤتمر الإسلاميّ في القدس، كما سرّني جدًّا أن تكون أوّل صلاة أقيمت بجماعة المؤتمر بإمامة السيّد الأكبر محمّد حسين آل كاشف الغطاء، كبير مجتهدي الشيعة، فإنّ هذا ما كنّا دائمًا نتمنّاه من الاتّحاد بعد أن صار الإسلام إلى ما صار إليه في هذه الأوقات([21]).
يرى أرسلان في عقد مؤتمر القدس، فرصة للتضامن الإسلاميّ، بعد أن زخرت المعاني المقدّسة للإسلام بسيل من الأفكار الشاذّة والخَرافيّة، ومنذ أن ابتعدت الطوائف الإسلاميّة عن الطريق القويّم للدين تحت تأثير المصالح الخاصّة، ومنذ أن أضحت العلوم في إسبانيا، وبغداد ضحيّة الوحشيّة البربريّة والتتريّة في الشرق “والوندال” في الغرب أُتّبع الإخفاق الدينيّ بإخفاق أخلاقيّ.
ويستطرد إرسلان “لم يكن الدين اعتقادًا بوجود إله واحد رؤوف فقط، بل هو أخلاق مرتكزة على مبادئ وأسس إلهيّة حيث المعرفة في المكان الأوّل، والالتزام وجدّيّة التبصّر أيضًا على الأسس نفسها. هذه المعرفة وهذا التبصّر يعزّزان القناعة بالنفس، ويزيدان القوّة الأخلاقيّة، والاجتماعيّة عند الشعوب”([22]).
وفي شهر أيلول سنة 1931م أي قبل انعقاد المؤتمر بثلاثة أشهر، نشرت مجلّة المعرفة المصريّة، مقالة للشيخ عبد العزيز الثعالبيّ، يعترض فيها على انعقاد المؤتمر في بلاد المسلمين، ويقترح أن يعقد في بلاد بريئة من شوائب الاستعمار لا تحاك فيها الدسائس، مثل بلاد الدانمرك، والسويد، والنروج وفوق ذلك فيها من وسائل الحضارة ووسائط النقل والاذاعة، ما يكفل جعل عمل هذا المؤتمر عالميًّا ومفيدًا للتقدّم، والحضارة، وتخفيف بطش الأمم المستعمرة وغلوائها.
لم يرَ الثعالبيّ فائدة من عقد مؤتمر لا تُرسم له الخطط المسبقة المحيطة بأحوال الأمّة، وفحص الأسباب الداخليّة والخارجيّة التي أوصلت إلى الإخفاق، ويذكر الثعالبيّ من هذه الأسباب، الدعايات الأجنبيّة التي أفسدت عقول الكثيرين وضمائرهم، وفرقت بين الأخ وأخيه، والأب وبنيه، وهذا هو السرّ في إخفاق كلّ نهضة ظهرت في البلاد الإسلاميّة، فلا بدّ من تغيير الطريقة، وإصلاح المنهاج، ودرس أسباب هذا الإخفاق، وهذا لا يكون من عمل الأفراد، ولا بجهود موضعيّة يستبدّ بها فريق دون فريق، إنّما يكون العمل بعقد اجتماع يتألّف من عباقرة المسلمين، وفطاحلهم، وزعمائهم وهم كثيرون.
اقترح الثعالبيّ تأليف لجنة من الذين يطمئنّ لهم سكّان أقطارهم، “في العراق، وسوريّا، وفلسطين، ومصر، وتونس، والمغرب الأقصى، وجاوه، والهند، وفارس، وألبانيا، والبوسنة، وغيرها”، تتولّى المنابأة والمفاهمة مع الأفراد المعروفين في بقيّة الأقطار الأخرى، وبعد الاتّفاق توضع المناهج لأعمال انعقاد المؤتمر ومكانه([23]).
ولكن تغلّبت فكرة عقد المؤتمر في القدس على ما عداها من البلاد الإسلاميّة وغير الإسلاميّة. فقد بدأ العمل في الإعداد للمؤتمر بتأليف اللجنة التحضيريّة من (16) عضوًا كلّهم من الفلسطينيّين ما عدا الثعالبيّ الذي تولّى رئاسة اللجنة، وقد أخذت هذه اللجنة على عاتقها أمر التمهيد للمؤتمر من حيث الإعداد، والدعاية، وتنظيم أعماله وتوضيح أهدافه.
وعقدت الجلسات العديدة لضمان الوسائل المساعدة على انعقاده في موعده، وقد واجهت اللجنة صعوبات جمّة في التصدّي للدعاية المضادّة للمؤتمر، والمتمثّلة في المعارضين من العرب والمسلمين من داخل فلسطين وخارجها يشجّعهم في ذلك الاستعمار البريطانيّ والصهيونيّة، فتصدّت لهم اللجنة بكلّ قوّة، وعلى رأسها الثعالبيّ لدحض كلّ ادّعاء يحول دون انعقاد المؤتمر([24]).
الموقف العربيّ والإقليميّ والدوليّ من المؤتمر
لم يكن مؤتمر القدس عام 1931م اللقاء الأول بعد الحرب العالميّة الأولى سنة 1914م للمثقّفين والزعماء المسلمين، فمحاولات أخرى كثيرة حصلت، غير أنّها اصطدمت بمعارضة قويّة من قبل الدول الكبرى الاستعماريّة التي بذلت جهودًا كبيرة لإفشالها. فقد انعقد مؤتمران سنة 1926، الأوّل في القاهرة بحث فيه مسألة الخلافة الإسلاميّة، والثاني في مكّة لم تكن نتائجه بأفضل من سابقه.
أمّا مؤتمر القدس عام ١٩٣١ فقد تميّز عن المؤتمرين السابقين بما أثاره من اهتمام لدى القوى الاستعماريّة، والحركة الصهيونيّة، وكذلك تـركيا التي تخوّفت من تسمية خليفة للمسلمين مع أنّ مصطفى كمال (أتاتورك)، أدار ظهره للإسلام وللمسلمين. هذه النظرة السلبيّة تجاه مؤتمر القـدس تعود بالدرجة الأولى إلى استقلاليّة الداعين للمؤتمر عن الأنظمة العربيّة الدائرة في فلك الاستعمار الذي راح يوجّه رسائل التحذير على النحو التالي([25]):
1- بريطانيا: طلبت من المفتي الحسينيّ، والزعيم الإسلاميّ شوكت عليّ عدم تعرّض المؤتمر للموضوعات التي تتعارض ومواقف القوى العظمى، ولا سيّما موضوع الخلافة الإسلاميّة في هذا الظرف. لم تمض بريطانيا أكثر في معارضتها للمؤتمر حتّى لا تثير الرأي العامّ الإسلاميّ وخصوصًا أنّها بنظره هي المسؤولة مادّيًّا ومعنويًّا عن خلق المشكلة الصهيونيّة في فلسطين فضلًا عن أنّها سمحت وساهمت قبل ثلاث سنوات بانعقاد مؤتمر المبشّرين في بلد إسلاميّ كالقدس.
٢- فرنسا: أبدت كثيرًا من التحفّظ بخلاف جارتها بريطانيا، إذ ضغطت على الشخصيّات الإسلاميّة في مستعمراتها حتّى لا تكون ردودهم إيجابيّة على الـدعوة للمؤتمر، كما كلّفت قنصلها في القدس بالاجتماع مع المفوّض السامي البريطانيّ لإبلاغـه انزعاج بلاده من كلّ نقاش يطال موضوع البربر. وكلّفت القنصل بالمَهَمّة نفسها لدى المفتي الحسينيّ خصوصًا، وأنّ تمثيل شماليّ أفـريقيا بشخصيّات مبعدة عن بلادهم ويتمتّعون بثقة مواطنيهم سيفسح لهم في المجال للشرح بعمق وصراحة سياسة الاستعمار الفرنسيّ التعسفيّة.
٣- إيطاليا: قبل انعقاد المؤتمر بثلاثة أشهر تمكن المستعمر الإيطاليّ، في ١١ أيلول ١٩٣١ من اعتقال قائد المقاومة الليبيّة عمر المختار، وجرت محاكمته بصورة فوريّة استغرقت أقلّ من ساعة، وحُكم عليه بالإعدام شنقًا، ونفذ الحكم به أمام جمهور غفير من البرقاويّين، جمعوه قسرًا لمشاهدة إعدام شيخ المجاهدين في صباح ١٦ أيلول سنة 1931.
هذه الـوحشية الإيطاليّة تجاه الشعب الليبيّ ومعارضتها الشديدة لمؤتمر القدس، وقد أبلغت إيطاليا الحكومة البريطانيّة بموقفها لأنّها تعدّ كلّ تلميح من جانب المؤتمر للسياسة الإيطاليّة في ليبيـا يعدّ عملًا غير ودّيّ. لكن الاعتراض الإيطاليّ لم يحل دون تناول مسألة نضال الشعب الليبيّ في المؤتمر من قِبل عدد من المشاركين. فقد أثار عبد الرحمن عزام بحدّة تلك المسألة حيث استُقبل كلامه بتصفيق الحاضرين، والوقوف خمس دقائق إجلالاً لعمر المختار. تناول عزام مصير ثمانين ألف ليبيّ مشرّدين على رمال الساحل بعيدًا عن مساكنهم يتألّمون، ويموتون من الحرمان. الأمّهات الثكـالى يبكين دائمًا أولادهنّ الذين انتزعوا بوحشيّة من أحضانهن، وأرسلوا إلى روما لاعتناق دين غير دين آبائهم، وخدمة أمّة عدوّة لدينهم ولقوميّتهم). لم تستطع الحكومة الإيطاليّة كتم غضبها لما أثاره عزام بك فطلبت من بريطانيا طرده من فلسطين، وحصل ما أرادت كتعبير عن تضامن استعماريّ.
٤- موقف الحركة الصهيونيّة: حاولت الحركة الصهيونيّة في البداية دفع القوى العظمى لمنع انعقاد المؤتمر، ولمّا فشلت في محاولتها عملت باطّراد على إفشاله وبوسائل متعدّدة. فقد تدخّلت لدى ملك مصر (فؤاد) لإقناعه بأنّ المؤتمر يهدف إلى إحياء منصب الخلافة، كما اغتنموا معارضة بعض العائلات الفلسطينيّة للمؤتمر، ليثيروا التعارضات، وحسب عزّة دروزة “إنّ اليهود قد بذلوا أموالاً طائلة في سبيل التشويش والتهويش على المؤتمر وعلى الحاج أمين الحسينيّ”. وأصدرت الوكالة اليهوديّة بيانًا مطبوعًا إبّان الاستعداد للمؤتمر، والدعاية لمقاصده جاء فيه “أنّ المفتي عمد إلى دعوة المؤتمر لتحويل تيّار المعارضة ضدّ سلطته وأعماله…”([26]).
٥- موقف تركيا: حسب الصحف التركيّة فإنّ المؤتمر الإسلاميّ هدف إلى الإساءة لتركيا، ولهذا أعلن وزير الخارجيّة التركيّ في “البرلمان” ما يلي:
بعد إعلان مفتي القدس مع بعض الشخصيّات أنّ المؤتمر سينعقد لمناقشة مسائل دينيّة، تشاورت الحكومة التركيّة مع الحكومات المعنيّة بالموضوع، وأنّ بريطانيا، صاحبة سلطة الوصاية في فلسطين، التي هي في أجواء المؤتمر أكّدت لنا أنّ المسائل السياسيّة لم تبحث، ولن تسمح باتّخاذ أيّ قرار من شأنه إزعاج الحكومة التركيّة. ويتابع الوزير:
لقد أعطت بريطانيا الضمانة الرسميّة بأنّ مسألة الخلافة لم تبحث، وأنّ بريطانيا لا تدعم بالمطلق المؤتمر، ولا تعيره أهمّيّة سياسيّة. وفي أعقاب التصريحات التي تناولت موضوع المؤتمر من الحكومات الفارسيّة، والأفغانيّة، والألبانيّة، والعراقيّة، والحجازيّة، أكّدت الحكومات الغربيّة عدم تأييدها للمؤتمر. أمّا الحكومتان المصريّة، والعراقيّة فقد (أجابوا بأنّهم لم يمنحوا) الموافقة الرسميّة للمؤتمر وبالتالى لا (يمانعوا) حضور شسخصيّات بصفة خاصّة.
وأخيرًا ادّعت الحكومة التركيّة أنّ شجبها لعقد المؤتمر بحجّة عدم السماح باستغلال الدين لأهداف سياسيّة([27]).
٦- موقف مصر: صدرت أشدّ الأصوات المعارضة للمؤتمر من مصر، وبينما كان الثعالبيّ في مصر يقوم بالدور المنوط به في اللجنة التحضيريّة، وقد التقى بشيخ الأزهر (الأحمديّ الظواهريّ)، وتمّ اللقاء في 31 أكتوبر 1931م ودارت مناقشة حادّة بينهما أثبت فيها الثعالبيّ قوّة حجّته مقابل حجّة شيخ الأزهر. وبذلك توصّل إلى موافقة بينه وبين الشيخ على وقف الحملة ضدّ المؤتمر مقابل إسكات الأقلام التي كانت تهاجم الأزهر، حيث كانت صداقة الثعالبيّ مع الصحافة، والعلماء ذات مصداقيّة عالية جدًّا، والتقى الثعالبيّ في مصر أيضًا الوزير إسماعيل صدقي في 4 نوفمبر 1931م، ودارت بينهما مناقشة حادّة تبيّن فيها أنّ رئيس الوزراء المصريّ يرغب بتأجيل المؤتمر، أو إلغائه بحجّة عدم معرفة الداعين له غير الحاج أمين الحسينيّ، والثعالبيّ، وكانت نتيجة اللقاء أنّ المؤتمر سينعقد في موعده، فمن شاء أن يشترك فيه فليأت، ومن أعرض عنه يلقى خيرًا.
وفي هذا الوقت الذي يقوم به الثعالبيّ في مقارعة القيادتين الدينيّة والسياسيّة المصريّة، طلب منه الحسينيّ أن يرسل له قائمة بعناوين من سيحضر المؤتمر من المصريّين، وأكّد عليه ضرورة اختيار صفوة الرجال المؤيّدين للمؤتمر، وطلب منه إعداد تقريرين عن الجامعة الإسلاميّة، وعن الظهير البربريّ في المغرب اللذان سيبحثان في جدول أعمال المؤتمر([28]).
وتبيّن أن الموقف المضاد لانعقاد مؤتمر القدس، كان لباعث قديم قبل خمس سنوات (1926) حينها قامت حركة في القاهرة قيل إنّ وراءها الملك فؤاد الذي كان يرغب في لقب الخلافة، وقد عقد لذلك مؤتمرًا رسميّا سُمّي مؤتمر الخلافة، غير أنّه لم يتوصّل إلى نهاية إيجابيّة، ولذلك جرت بين الحاج أمين الحسينيّ، وبعض رجالات مصر الرسميّين اتّصالات حول المؤتمر، ونفى كلّ النفي أن يكون من أبحاثه موضوع الخلافة.
وما عزّز هواجس الملك فؤاد ومخاوفه، ما قيل عن توزيع رسائل، ومنشورات صادرة عن جمعيّة سرّيّة باطنيّة في كلّ من مصر والعراق تحمل على إهمال أمر الخلافة، وتطلب التفكير في توسيده إلى أهلها في مؤتمر القدس، ولم يستبعد الملاحظون أن تكون هذه الحركة دسيسة يهوديّة لإحباط المؤتمر، وإثارة الشكوك، والمخاوف حوله، أو أنّه كان للدعاية اليهوديّة أثر إيجابيّ فيها([29]).
وربّما ما أشار إليه الكاتب العراقيّ عبد الرزاق الحسنيّ حول طموح الحاج أمين الحسينيّ “ابن السلالة الهاشميّة الحسينيّة” للحكم يصبّ في مجرى هواجس الملك فؤاد([30]).
٧- موقف الملك عبد الله: في الوقت الذي كان الحماس للمؤتمر يزداد تصاعدًا أوعز الإنكليز، الذين لم يتمكّنوا من معارضة المؤتمر علنًا إلى الأمير عبد الله في شرق الأردن للمشاغبة عليه. فراح هذا الأخير يموّل خصوم الحاج أمين من السياسيّين الفلسطينيّين بزعامة آل النشاشيبيّ الذين نظّموا أنفسهم في حزب خاصّ بهم، فعقدوا مؤتمرًا معاكسًا أسموه مؤتمر (الأمّة الإسلاميّة). كما خصّصت جريدة مرآة الشرق، التي يشرف على تحريرها بولس شحادة، صفحاتها طيلة أيّام المؤتمر لانتقاد الحاج أمين، وأعمال المجلس الإسلاميّ. ومع أنّ عددًا من وجهاء فلسطين، ورؤساء بلديّاتها كانوا عماد مؤتمر (الأمّة الإسلاميّة) إلاّ أنّ أثره بقي محصورًا في الأوساط الرسميّة الضيّقة، ولم يكن له ردود فعل ذات بال. أمّا الملك فيصل في العراق فقد أبدى نفوره من مؤتمر القدس بشكل آخر، إذ منع الحكومة من إرسال وفد رسميّ إلى المؤتمر([31]).
انعقاد المؤتمر
بينما كان أعداء المؤتمر يعملون بكلّ قوّة لإلغاء مؤتمر يحمل عنوانًا إسلاميًّا، كان الحاج أمين الحسينيّ ومعه الثعالبيّ وآخرون يعدّون العدّة لعقد المؤتمر، وتوجيه مشاعر المسلمين إليه، وقد اختاروا الزمان والمكان المناسبين، فالمكان مدينة بيت المقدس والزمان 27 رجب فالمكان والزمان لهما قدسيّة عند المسلمين لاقترانهما بالإسراء والمعراج اللذين خصّ الله بهما النبيّ محمّد في تلك الليلة المباركة، وذلك المكان المقدّس. وهذا من شأنه أن يجذب عواطف المسلمين، وهو ما يريد الحاج أمين ومعه الثعالبيّ أن يتحقّق للقضيّة الفلسطينيّة في تلك المرحلة.
انعقد المؤتمر في القدس الشريف في 27 رجب عام 1350هـ الموافق 7 كانون الأوّل سنة 1931م حضره زهاء مائة وخمسون عضوًا يمثّلون 22 دولة عربيّة وإسلاميّة. دام المؤتمر عشرة أيّام متوالية بُحث فيها شؤون المسلمين بحثًا دقيقًا مستفيضًا وخصوصًا مسألة الوحدة العامّة بين الأقطار الإسلاميّة([32]).
ومن الشخصيّات التي لمع اسمها في المؤتمر السيّد ضياء الدين الطباطبائيّ المندوب الفارسيّ المقيم يومئذٍ في سويسرا، ومحمّد عليّ باشا المندوب المصريّ، والعلامة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، (الذي مثّل شيعة العراق وأمّ في المسجد الأقصى زهاء عشرين ألفًا، فكان لهذا التطوّر الجديد مكانته من النفوس التي تحبّذ اتّحاد المسلمين)، ومحمّد رشيد رضا، وشكري القوّتليّ، ورياض الصلح، وعبد الرحمن عزام، والأمير سعيد الجزائريّ. وقد مثّل جبل عامل الشيخان سليمان ظاهر، وأحمد رضا([33]).
وألقى الشيخ عبد العزيز الثعالبيّ في جامع عمر كلمة في افتتاح المؤتمر ركّز فيها على أهمّيّة انعقاد المؤتمر وضرورته، حتّى إنّه استغرب عدم وقوعه قبل الآن، مستعرضًا تاريخ الإسلام وحضارته، ووصف الحالة التي عليها العرب من استسلام للغزاة، والمستعمرين، وتساءل عن أسباب الوهن الذي أصاب المسلمين بالرغم من إمكانيّة التفوّق عندهم على الغير. واستغرب كيف وقع المسلمون تحت قبضة الأجنبيّ يستمطرون الرحمة، والعدالة منه حتّى استطابوا عيش الذلّ والخضوع للأقويّاء. وناشد المجتمعين بالتخلّي عن البكاء، وطلب الرحمة، والاستجداء، والشكوى، فكلّ ذلك في رأيه مظهر من مظاهر الضَعف يجب التخلّي عنه. وعلينا أن نبادر بتلافي الأخطاء([34]). وألقى الحاج أمين الحسينيّ كلمة افتتاح المؤتمر أبرز فيها الهدف من المؤتمر، وضرورة وحدة الصفّ أمام الاستعمار والصهيونيّة فقال:
“إنّ أكثر الأقطار الإسلاميّة فقدت عزّها وسلطانها وأصيبت جميعها بمحن وكوارث أثـقـلت كاهـــلها، ولـكــن فلسطين هــــذه البــلاد المقدّسة التي قــامـت بالــدعوة إلى هــذا المـؤتـمـر، أصيبت زيــادة على ذلــك بمصيبــة خطيــرة تهــدّد كيانها بإنشاء وطن قوميّ صهيونيّ في هذه البلاد الإسلاميّة المقدّسة. ومن أجل ذلك ولمّا كانت هذه البلاد تهمّ المسلمين جميعًا لما لها من الموقع الدينيّ، والجغرافيّ العظيم، ولأنّ فيها هذا المسجد الأقصى المبارك الذي هو أولى القبلتين، وثالث المسجدين وإليه كان الإسراء، ومنه كان المعراج، وفيه موضع البراق، فقد رأينا عملًا بقوله تعالى: ) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ( وقول النبيّ عليه الصلاة والسلام “المسلم للمسلم كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا” أن ندعو إلى هذا المؤتمر العظيم من الأقطار الإسلاميّة كافّة للبحث في هذا الأمر الجلل، وفي الشؤون الإسلاميّة التي تهمّ المسلمين جميعًا، وليس القصد من وراء هذا المؤتمر الاعتداء على أمّة من الأمم، أو مهاجمة دين من الأديان، أو مخاصمة أحد في هذا العالم، وإنّما القصد أن يعمل المسلمون لصالحهم يدًا واحدة وصفًّا واحدًا، وأنّ كلمة الإسلام والسلام مشتقّتان من منبع واحد، والمسلمون يريدون الخير لأنفسهم، ولجميع الأمم والشعوب([35]). وعلى الرغم من أنّ المسلمين حافظوا باستمرار على حقوق المسيحيّين، واليهود في الأماكن المقدّسة التي بقيت سدانتها بأيدي المسلمين منذ الفتح الإسلاميّ، وارتضاء الجميع ببقاء هذه السدانة في أيدي المسلمين دون غيرهم([36]). وعلى الرغم من ذلك فقد عملت الدول الغربيّة على منع مشاركة الحكومات العربيّة والرسميّة بالمؤتمر “إذ كانت هذه الحكومات ضعيفة أمام الدول الكبرى الاستعماريّة، وكان بعضها مرتهنًا لسياسة هذه الدول، لذلك لم يمثّل المؤتمر إلاّ الشعوب الإسلاميّة حيث تجسّد الودّ. فكان المؤتمر مثل “برلمان” عامّ للمسلمين، وفي الوقت نفسه منبر لإسماع العالم المطالب الشرعيّة للمسلمين، وبالتالي فإنّ صفة المؤتمر غير الرسميّة لم تُفقده أبدًا سلطته وأهمّيّته([37]).
المداخلات في المؤتمر
لقد أشار رئيس المؤتمر الحاج أمين الحسينيّ بشكل أساسيّ إلى الخطر على فلسطين، وأماكنها الإسلاميّة، والبواعث على عقد المؤتمر، والآمال المرجوّة منه. وفي الجلسة الثانية وضع المكتب المؤقّت مسألة انتخاب مكتب المؤتمر الدائم فانتخب المفتي الأكبر لفلسطين الحاج الحسينيّ رئيسًا، ومعالي محمّد عليّ باشا وزير الأوقاف في مصر سابقًا، والشيخ محمّد زيادة مندوب إمام اليمن، والسيّد إقبال “شاعر الهند الكبير”، وضياء الدين الطبطبائيّ رئيس وزراء إيران السابق كوكلاء للرئاسة، وانتخب رؤوف باشا مندوب سيلان، وإبراهيم الواعظ مندوب العراق، وعزّة دروزة أمناء سرّ، وانتخب شكري القوتليّ، ورياض الصلح مراقبين، وحلمي باشا مدير البنك العربيّ العامّ في فلسطين أمينًا للمال. وقد حصر جدول أعمال المؤتمر في سبعة مواضيع رئيسة لكلّ منها لجنة خاصّة، وهذه اللجان هي:
1- لجنة الأماكن المقدّسة، والبراق الشريف . 2- لجنة جامعة المسجد الأقصى.
3- لجنة سكّة الحديد الحجازيّة. 4 – لجنة المقترحات.
5 – لجنة الدعوة والنشر. 6- لجنة الدعاية والإرشاد. 7- لجنة القانون الأساسيّ.
وفي الجلسة الثالثة تلا رياض الصلح البرقيّات الواردة إلى المؤتمر، وكان أبرزها برقيّة من حضرات أعضاء المؤتمر الأرثوذكسيّ، وبرقيّة من مسيحيّي لواء عجلون بشرقيّ الأردن، وبرقيّة من هيئة جمعيّة السيّدات العربيّات في يافا، جميعهم يؤيّدون المؤتمر ويرجون له التوفيق. كما تليت برقيّة الأمير شكيب إرسلان، وإحسان الجابريّ عضوي الوفد السوريّ في جنيف وجاء فيها: “يشترك صوتان في الغرب اشتراكًا حارًّا في تمنيّات العالم الإسلاميّ الصادقة بنجاح المؤتمر نجاحًا تامًّا. وإنّ الماضي لينظر إليكم، وإنّ المستقبل لينتظر من جهودكم أن توضع بين جموع شعوب محمّد”.
وبعد تلاوة البرقيّات الواردة تقرّر إرسال كتاب شكر إلى المؤتمر الأرثوذكسيّ لأنّه “أبرز مقدار المساعدة التي يؤدّيها إخواننا مسيحيّو هذه البلاد واتّحادهم معنا، وتضامنهم في خدمة القضيّة الوطنيّة”([38]).
شدّد المشاركون في مداخلاتهم على الوحدة الإسلاميّة، وعلى نبذ الأنانيّة، والابتعاد عن العصبيّة تماشيًا مع قول الـرسول (ص): “لا عصبيّة في الإسلام”، كما جرى البحث في شأن التوفيق بين الأحكام الشرعيّة عند المذاهب الإسلاميّة المتعدّدة. وقد أوصت لجنة الدعوة، والإرشاد بتأليف كتب سهلة يكون مُجمعًا عليها من المذاهب المتعدّدة في التوحيد بتصحيح العقائد. وخلال انعقاد المؤتمر وردت اقتراحات عدّة ممّن لم يتمكّنوا من الحضور أهمّها:
1- اقتراح شكيب أرسلان من جنيف بعث به إلى المؤتمر جاء فيه:
ضرورة مقاطعة بضائع كلّ دولة ترهق المسلمين عسرًا، وتأليف لجنة للمقاطعة، وكذلك مقاطعة المسلم الذي لا يتقيّد بقرارات المقاطعة([39]).
2- مقترحات الحزب الدستوريّ في تونس تضمّنت ما يلي:
- جعل المؤتمر سنويًّا.
- إقامة لجنة دائمة له.
- إنشاء لجان في البلاد الإسلاميّة تتّصل باللجنة الدائمة.
- إيجاد صحف إسلاميّة في الأقطار كافّة تدعو إليه وتعبّر عما يقرّر فيه.
- إصدار نشرة دوريّة من لدن اللجنة الدائمة تبيّن فيها حالة المسلمين في الأقطار كافّة، وتعالج فيها المشاكل الإسلاميّة([40]).
من الواضح أنّ هذه الاقتراحات تعكس حقائق مُهِمّة:
- الشعور بأهمّيّة هذا التجمع الإسلاميّ العامّ للمؤتمر والحاجة إليه.
- الشعور بالمشاكل المتشابهة والمشتركة.
- تعلّق المسلمين بوحدة القرار لحلّ المشاكل المشتركة.
- الرغبة في التوصّل إلى نتائج مُهِمّة.
في ختام المداولات التي استمرّت عشرة أيّام تمّ الاتّفاق على انتخاب لجنة تنفيذيّة، وإصدار مقرّرات بشأن الأماكن المقدّسة، هي:
1- مقاطعة المصنوعات الصهيونيّة الفلسطينيّة في جميع الأقطار الإسلاميّة.
2- تأسيس شركة زراعيّة كبرى في فلسطين يشترك فيها العالم الإسلاميّ تكون غايتها إنقاذ أراضي المسلمين في فلسطين، والحيلولة دون تسرّبها، وخروجها من حوزتهم، ويسعى إلى ذلك بوسائل أهمّها: شراء الأراضي، واستغلال ذلك بعد الدرس، لأنّ شراء الأراضي في فلسطين واستغلالها عمل مفيد من الوجهة الاقتصاديّة.
3- إعلان استنكار قرار لجنة البراق الدوليّة، والاستمرار في الاحتجاجات ضدّ الهجرة الصهيونيّة، وغيرها من المظالم – كالسماح ببيع الأراضي لليهود، مع احتفاظ فلسطين بحقّ تقرير مصيرها بنفسها.
4- شكر نصارى فلسطين، وشرقيّ الأردن على عواطفهم التي أبدوها نحو المؤتمر.
5- تحيّة المؤتمر الأرثوذكسيّ المنعقد في يافا وعدّ قضيّة العرب الأرثوذكس جزءًا من القضيّة العربيّة الكبرى التي هي قضيّة الشرق، ولفت نظر الحكومة إلى وجوب تمكينهم من انتخاب بطريرك عربيّ لهم([41]).
6- عقد المؤتمر كلّ سنتين.
7- إنشاء جامعة إسلاميّة باسم جامعة المسجد الأقصى.
8- إيجاد دائرة معارف إسلاميّة.
9- تأسيس شركة لإنقاذ الأراضي، ومساعدة الفلاّحين، وإيجاد شركات تعاونيّة للتسليف.
10- تأسيس اللجان المحلّيّة في البلاد.
غير أنّ كلّ هذه القرارات تقلّصت بمرور الزمن نظرًا إلى ما تتطلّبه من الأموال، والسند السياسيّ في ظلّ الاستعمار، فحالت دون تطبيقها التضييقات المتعدّدة من طرف الاستعمار والصهيونيّة([42]).
كذلك كلّف الثعالبيّ من طرف رئيس المكتب التنفيذيّ السيّد ضياء الدين الطباطبائيّ بتشكيل لجنة الدعاية والنشر في مصر، وقال فيه: “لأنّ سعادته خبير بهذه الشؤون، وقد بتنا نتوقّع نجاحًا باهرًا لأعماله”. وكُلِّف الثعالبيّ من طرف المؤتمر بمَهَمَّة الدعاية للقضيّة الفلسطينيّة في الهند([43]).
مع أهمّيّة هذه المقرّرات تبقى غير ذات جدوى لأنّها لم تسلك طريق التنفيذ، فالمشاركون هم، في الواقع، من مناطق شتّى لا يملكون سلطة تنفيذيّة، وأنّ أداة الاتّصال الدائمة مفقودة بين المشاركين في المؤتمر. هذا إلى جانب أنّ الإنكليز أفشلوا مشروع جمع التبرّعات من أغنياء المسلمين في العالم عندما قام وفد إسلاميّ برئاسة الحاج أمين لهذه الغاية تنفيذًا لمقرّرات المؤتمر. وفي الوقت نفسه لم يوقف الإنكليز مساعيهم لقيام قوّة إسلاميّة موالية لسياستهم.
وقد أشار المستشرق البريطانيّ “هاملتون جب” أنّ المسلمين يسيرون نحو التكتّل والتعـاون في “كومنولث” إسلاميّ بشكل أكّيد لا شكّ فيه، غير أنّه أخذ عليهم أسلوبهم البطيء غير الفاعل، ويشير إلى المؤتمرات، (أي مؤتمرات: القاهرة، ومكّة، والقدس). فهو يرى أنّ المسلمين في حاجة إلى زعيم، أو قائد يحقّق الهدف أكثر ممّا يحتاجون إلى أيّ شيء آخر. وقال: “عندما يعثر المسلمون على صلاح دين جديد، يجمع بين الفطنة السياسيّة الشاملة، وبين الشعور العميق برسالته الدينيّة، تحلّ المشكلة نفسها”([44]). إلاّ أنّ الاستعمار لم يرض عن الزعماء الأقوياء من الناحية العمليّة. أمّا الزعماء الضعفاء غير المرضي عنهم شعبيًّا، كالهاشميّين وأمراء الجزيرة العربيّة، وبعض الحكّام المسلمين الآخرين، فإنّ الاستعمار أدرك أنّهم أعجز من أن يحقّقوا وحدة إسلاميّة، لذلك عارضت القوى العظمى، ومعتمدوها المحلّيّون كلّ تكتّل إسلاميّ لا يكون للهاشميّين اليد الطولى في تسييره.
ومع ذلك فقد كشف الحشد الكبير في مؤتمر القدس عن حالة استنهاض جماهيريّة معادية للاستعمار يمكن توظيفها في أيّ مشروع إسلاميّ تحرّري، فخلال المؤتمر أكّدت الوفود الإسلاميّة بأنّها كـانت على مستوى الحدث، وبأنّها على استعداد لتقديم تضحيات إذا لزم الأمر، وعند انتهاء المؤتمر خرج المشاركون وهم أكثر قناعة من ذي قبل بضرورة إرساء قـاعدة صلبة للتعاون المستقبليّ بين الشعوب الإسلاميّة العديدة لحماية حقوقهم، ودينهم، وتراثهم. لقد عكس المؤتمر وحدة مشاعر المسلمين، وتوق الشعب المجزّأ جغرافيًّا إلى كسر كلّ الحواجز المصطنعة بين بلد إسلاميّ وآخر، بما يؤكّد سلامة القاعدة في أحاسيسها وتطلّعـاتها، مهما راكموا عليها من كتل العجز والهزائم([45]).
جبل عامل في مؤتمر القدس
إنّ مشاركة وفد عامليّ لبنانيّ في مؤتمر القدس كان له وقع مهمّ على المهتمّين بإنجاح المؤتمر، وذلك ما اتّضح في الرسالة التي بعثها شكيب إرسلان من جنيف إلى الشيخ سليمان ضاهر في النبطيّة وجاء فيها: “بهذه أبثّكم سروري بحضوركم أنتم والأخ الشيخ أحمد رضا أطال الله بقاءكما في مؤتمر الإسلام بالقدس، وكذلك سرّني جدًّا أن تكون أوّل، صلاة أقيمت بجماعة المؤتمر بإمامة السيّد الأكبر محمّد الحسين آل كاشف الغطاء كبير مجتهدي الشيعة، فإنّ هذا ما كنّا دائمًا نتمنّاه من الاتّحاد بعد أن صار الإسلام إلى ما صار إليه في هذه الأوقات”.
في إحدى جلسات المؤتمر كانت مداخلة للشاعر العامليّ محمّد عليّ الحومانيّ، ممثّلاً الجمعيّات الإسلاميّة في أميركا الشماليّة، وبعض الجمعيّات الإسلاميّة في أميركا الجنوبيّة، وهي بعنوان: “ضرورة الثقافة الإسلاميّة للمهاجر المسلم”، جاء فيها:
“أرى أنّ النظر في شؤون المهاجرين من أبنائنا إن لم يكن رأس المسائل التي نتداول فيها، فلا يقلّ أهمّيّة عمّا هو في الطليعة الأولى من شؤون الأمّة الباعثة رجالنا المفكّرين لعقد هذا الحفل يأتمرون فيه…”([46]).
وقد أشارت مجلّة العرفان إلى تأليف لجان عدّة للمؤتمر يتولّى مكاتبتها ضياء الدين الطباطبائيّ وبعث النشرات والتقارير، وقد تألّفت لجنة في مدينة صيدا من الشخصيّات الآتية أسماؤهم:
أحمد عارف الزين (صاحب مجلّة العرفان)، أديب خليفة، أمين خضر، بهيج الجوهريّ، الحاج حسين الزين، عبد السلام شهاب، محمّد عبد السلام المجذوب، يوسف أبو ظهر، يوسف ضيا([47]).
لقد أظهر العامليّون المشاركون في المؤتمر الحرص الشديد على وحدة المسلمين في مجابهة الاستعمار، فقد رفض الشيخ سليمان ظاهر معالجة قضايا المسلمين في لبنان على أساس مذاهب قال: “يحقّ للقادة السُّنّة التكلّم عن الشيعة لأنّهم أخوتهم في الدين والوطنيّة والشدة” جاء هذا الردّ على تصريح رئيس الحكومة اللبنانيّة وقتئذٍ إميل إدّه الذي تناول نقطتين في هذا الخصوص:
- إنّ الشيعة لا يعترفون للسنيّين بحقّ التكلّم عنهم، والمطالبة بحقوقهم، وأنّهم راضون عن مصيرهم بدليل أنّه لم يسمع للشيعة صوت في الاحتجاجات.
- إنّ الادّعاء بأنّ الإسلام وحدة لا تتجزّأ هو مناورة سياسيّة ترمي إلى إنشاء جبهة إسلاميّة موحّدة في وجه الحكومة اللبنانيّة([48]).
القضيّة الفلسطينيّة بعد مؤتمر القدس سنة 1931
إنّ ما حقّقه مؤتمر القدس في مواجهة الممانعين لانعقاده، الذين رأوا في لمّ شمل المسلمين تحت راية القدس الشريف، خطرًا على مشاريعهم الاستعماريّة، ولذلك استخدم هؤلاء الممانعون كلّ وسيلة من شأنها إفشال المؤتمر، وإثارة الشكوك القوميّة والمذهبيّة بين صفوف المؤتمرين الذين ينتمون إلى المذاهب الإسلاميّة المتعدّدة، والقوميّات المتنوّعة، كالفرس، والهنود، والعرب، الذين جاؤوا من الهند، وإيران وغيرهما من بلاد شرق آسيا الإسلاميّة إلى القدس، وقد بحث المجتمعون ما يجب عمله لدرء الأخطار الاستعماريّة التي قسّمت البلاد العربيّة والإسلاميّة إلى قطع جغرافيّة تضمّ قبائل، ومذاهب، وقوميّات يجمعها الإسلام، وتفرّقها المصالح الذاتيّة التي استطاع المستعمر أن يجعل من هذه المصالح القوّة المضادّة للوحدة الإسلاميّة.
وقد أشارت مجلّة العرفان التي كان صاحبها الشيخ أحمد عارف الزين، ممّن حضروا مؤتمر القدس سنة 1931م وقد رافق الوفد العراقيّ، والبيروتيّ الذي عاد من القدس عن طريق جبل عامل. فقد حلّ الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ضيفًا في دار صاحب العرفان بصيدا. وكان برفقة الشيخ الغطاء الشيخ مصطفى الغلايينيّ – بيروت، عادوا في رتل من السيّارات، ولمّا حلّ الشيخ الغطاء في دار الرشيد في بيروت، تسابق كبراء بيروت للسلام عليه، وأقاموا المآدب على شرفه([49]).
بعد مؤتمر القدس عقدت مؤتمرات عدّة لنصرة فلسطين، والقدس الشريف. نذكر منها:
- المؤتمر الإسلاميّ سنة 1932م في الهند.
- مؤتمر بلودان، أو المؤتمر العربيّ سنة 1937م في سورية.
حضر مؤتمر بلودان وفود من جميع البلاد العربيّة، من بينهم وفد جبل عامل ضمّ كلّ من السادة مع حفظ الألقاب: صاحب مجلّة العرفان أحمد عارف الزين، أحمد رضا، سليمان ظاهر، بهيج الجوهريّ، وتوفيق الجوهريّ، عليّ بَزّيّ، موسى الزين شرارة، والصحفيّ ألفرد أبو سمره، ومعروف سعد، ونجيب صايغ (صاحب جريدة القلم الصريح) وغيرهم.
مقرّرات مؤتمر بلودان
- يعلن المؤتمر العربيّ المنعقد في بلودان أنّ فلسطين بلاد عربيّة، وأنّ واجب العرب إنقاذ هذا القطر من الخطر.
- يتعهّد العرب في فلسطين بأن يعامل اليهود كما تعامل الأقلّيّات في جميع البلاد التي تطبّق فيها مبادئ عصبة الأمم.
- يستنكر المؤتمر فكرة التقسيم ويؤكّد أنّ قضيّة فلسطين لا يمكن أن تحلّ إلاّ على الأسس التالية: إلغاء وعد بلفور، وإلغاء الانتداب، عقد معاهدة بين بريطانيا وممثّلي العرب في فلسطين على غرار المعاهدة العراقيّة، منع الهجرة اليهوديّة حالًا منعًا باتًّا وإصدار اشتراع يمنع دول الغرب من الضغط، على الفلسطينيّين وإرهابهم، وسائر الدول العربيّة في مساعيهم لإنقاذ فلسطين.
- يعلن المؤتمر أن صبر الأمّة العربيّة قد نفد وأنّ الصداقة بين العرب والإنكليز قد أصبحت مهدّدة بالنقض. فإذا لم يرغم الشعب الإنكليزيّ حكومته بالعدول عن خطّتها ينفض العرب نهائيًّا يدهم من كلّ تعاون، ويتّخذون جميع الوسائل التي تحفظ كيانهم.
- يقرّر المؤتمر شكر لجان الدفاع عن فلسطين في جميع البلاد العربيّة.
- يرسل المؤتمر تحيّاته، وإعجابه، وشكره إلى الشعب العربيّ في فلسطين على ما قدّم من ضحايا، وعانى من آلام في سبيل تأمين قوميّته، والدفاع عن حرّيّته.
- تقترح اللجنة اختيار اللجنة العربيّة العليا الموجودة في فلسطين لجنة تنفيذيّة للمؤتمر على أن يضمّ إليها مندوبًا واحدًا عن كلّ قطر من البلاد العربيّة.
- اتّخاذ يوم 27 رجب يوم فلسطين عيدًا تحتفل فيه الأمّة، وتجمع فيه الإعانات.
أمّا تقرير اللجنة الماليّة فهو:
1- أن توضع طوابع باسم المؤتمر ثمن الطابع غرش سوريّ تستهلك على الرسائل، والفواتير، والحفلات وغيرها.
2- أن يعهد إلى أحد كبار المصارف بإجراء يانصيب يعود ريعه إلى الدفاع عن فلسطين.
3- أن يقام مشروع القرش الفلسطينيّ الشهريّ، أو مشروع الفرنك.
4- تعيين يوم في السنة لجمع الإعانات.
5- أخذ مرتب شهريّ من كلّ فرد يثبت استعداده لدعم المشروع.
أمّا قرار اللجنة الاقتصاديّة فهو:
- إعلان مقاطعة البضائع الصهيونيّة.
- إعلان مقاطعة البضائع الإنكليزيّة في حال إصرار الحكومة البريطانيّة على خطّتها.
- مقاومة كلّ فرد يريد التخلي عن أرضه وبيعها للصهيونيّين.
- تنشيط الصناعة والتجارة والزراعة العربيّة في فلسطين.
وبالإجمال فقد كان لمؤتمر بلودان الذي اجتمع به من جلّ الأقطار العربيّة فئة صالحة تصلح لتمثيل مناطقها صدى بعيد في الغرب، والشرق، ونال التأييد العامّ، ولا زالت لجنة الدفاع عن فلسطين في دمشق تعمل في هذا السبيل، وقد أُرسلت لها إعانات من اللجان الفرعيّة إن لم تكن تروي الغليل فتدلّ على عاطفة طيّبة نحو الشقيقة فلسطين الشهيدة، على أنّ عطف العرب وملوك العرب على قضيّة فلسطين أتى بنتيجة معكوسة لدى بريطانيا، فقد ألغت الحكومة البريطانيّة اللجنة العليا الفسطينيّة، وأبعدت من قبضت عليه من أعضائها لجزيرة سيشل، وهم: أحمد حلمي باشا مدير البنك الوطنيّ، والدكتور حسين الخالديّ رئيس بلديّة القدس، وحسين الحاج إبراهيم، وفؤاد سابا، والحاج يعقوب الغصين، وتمكّن من الفرار السيّد جمال الحسينيّ حيث ذهب إلى سورية فالعراق، كما أنّ السيّد ألفرد روك، وبعض رفاقه كانوا غائبين في رومانيا للدعاية لفلسطين، ولمّا عادوا وأراد السيّد روك العودة إلى فلسطين منعوه.
وكذلك ضيّقوا على سماحة المفتي الأكبر ورئيس المجلس الإسلاميّ الأعلى الحاج أمين الحسينيّ فاعتصم في المسجد الأقصى، ومعه المسلمون، ولما رأى تآمر القوم وسوء نيّاتهم ذهب إلى بيروت، وقد عدّته الحكومة الفرنسيّة لاجئًا سياسيًّا في بيروت. ذكرت مجلّة العرفان أنّه كان مطلق الحرّيّة سوى بعض الشرطيّين الواقفين على الباب للمحافظة عليه فقط إذ كان مجلسه دائمًا غاصّ بكبار القوم، وقد زاره وفد صيداويّ ألفاه بأحسن حال([50]).
“الإسلام الصحيح” في مواجهة مؤتمر القدس
“الإسلام الصحيح” عنوان كتاب الأديب الفلسطينيّ إسعاف النشاشيبيّ عضو المجمع العلميّ العربيّ – دمشق، وأمين سرّ لجنة الدعوة إلى مؤتمر القدس. لقد أثار هذا الكتاب الصادر سنة 1935م ضجّة في الأوساط الإسلاميّة، إذ تضمّن إساءة إلى المذهب الشيعيّ وإغفال مخاطر الصهيونيّة في فلسطين. ردّ على كتاب النشاشيبيّ كلّ من الشيخين أحمد رضا، وسليمان ظاهر اللذين حضرا مؤتمر القدس، وقد حرص الشيخان على أن تصل ردودهما على كتاب النشاشيبيّ إلى سيادة المفتي أمين الحسينيّ، والسيّد الطباطبائيّ، لكي يطّلعا عليهما ثمّ يسلّمانهما إلى النشاشيبيّ. وممّا جاء في الكتاب ملخّصًا:
“سيّديَّ الشريفين الزعيمين، الحاج أمين الحسينيّ، والسيّد ضياء الدين الطباطبائيّ الأفخمين. السلام عليكما… أمّا بعد إنّي (ظاهر) مرسل في كتابي هذا، كتابًا منّي لصديقي إسعاف النشاشيبيّ، أقدّمه لسيادتكما قبل أن يصل إليه لتطّلعا عليه وينبّهكما لما في كتاب النشاشيبيّ من الموجدة على أهل البيت، ومن المغامز الشائنة على الطائفة الشيعيّة، فلعلّكما لم تطالعاه قبل هذا، وإنّ للكتاب أثره السيّئ في نفوس المثقّفين من الشيعة، فكيف بالعامّة منهم، وإنّني أؤكّد لكم أنّ نشر هذا الكتاب، ونشر فلتات بعض المؤلّفين في هذه الأيّام ممّا رأيناه في فجر الإسلام من الكتب التي وضعت للتدريس، يقف دون المؤتمر، وبلوغ غايته الأولى من لمّ شعث الأمّة وإزالة ما بقي من عصور التفريق المظلمة في أذهان الدهماء، بل وبعض العلماء من اليأس من جمع الكلمة”. وقد جاوب السيّدين الحسينيّ، والطباطبائيّ، وكذلك النشاشيبيّ على الكتاب.
– جواب الحسينيّ والطباطبائيّ
حضرة الأستاذين الشيخين سليمان ظاهر وأحمد رضا عضوي المؤتمر الإسلاميّ العامّ بالقدس الشريف… وبعد، تسلّمنا كتابكما المؤرّخ في 21 شعبان سنة 1354هـ 1935م. فنشكركم على حميتكما الإسلاميّة… ونزولًا على رغبتكما الكريمة في شأن “كتاب الإسلام الصحيح” فقد جرى لأحدنا بحث مع مؤلّف الكتاب، وبيان ما يتركه أمثال هذه الكتب من تخديش في الأذهان، والذي نراه، أنّ عدم التصدّي للكتاب بنقد أو ردّ، أوفق للمصلحة الإسلاميّة العامّة. وقد انبرى كثير من أنصار المجلس الإسلاميّ الأعلى، والمؤتمر الإسلاميّ العامّ للردّ على الكتاب عند صدوره، فأثنيناهم عن ذلك لأنّ كثرة السجال قد تؤدّي إلى الدعاية للكتاب، وانتشاره في أماكن متعدّدة.
أمّا جواب النشاشيبيّ، فقد تضمّن من الدهاء المأخوذ عن دهاة الأمويّين الأوائل، قال: إنّ وحدة المسلمين يجب أن تكون بالاعتراف بأنّ أهل بيت الرسول هم جميع أصحابه والأقربون إليه، وليس أحفاده فقط، وبهذا نصل إلى مساواة المسلمين جميعًا، ومن ثَمَّ توحيدهم خلف رأس الحكم، والانقياد لرأيه فيما يراه من حكمته لأوضاع الأمّة من الخطأ والصواب…
لم يقنع هذا الجواب الأخير الشيخان رضا وظاهر، فردّا عليه بكتاب يتضمّن الآتي مختصرًا: إنّ أشقى بلاد المسلمين حاليًّا هي أشرف بقعة بعد الحرمين الشريفين وهي فلسطين، ولم يطمع فيها العدوّ إلاّ بضَعف المسلمين، أفلا يكون من المستغرب أن يقوم عضو مؤسّس في المؤتمر الإسلاميّ بإضرام نار الشقاق في الأمّة، فما هذه العاطفة الجيّاشة أيّها السيّد النشاشيبيّ إلى ائتلاف الأمّة ضدّ الأعداء صفًّا واحدًا([51]).
خاتمة
إنّ انعقاد المؤتمر الإسلاميّ في القدس الشريف عام 1931م محطّة بارزة في لفت نظر العالم بأسره لما تشكّله القدس خاصّة وفلسطين عامّة، بعد أن استتبّ لدول الغرب المسيحيّ السيطرة العسكريّة على البلاد العربيّة والإسلاميّة التي كانت تخضع للحكم العثمانيّ منذ العام 1516م إلى عام 1918م. وفي هذه السنة الأخيرة سقطت الدولة العثمانيّة في أعقاب انتصار فرنسا وبريطانيا في الحرب العالميّة الأولى سنة 1914م، وكان من نتائج هذا الانتصار تقسيم البلاد العربيّة بين فرنسا وبريطانيا وفقًا لمعاهدة سايكس بيكو الموقّعة في نيسان وأيّار سنة 1916م. أعقب هذه المعاهدة وعد بلفور في 2 كانون الثاني سنة 1917م بإنشاء وطن قوميّ يهوديّ على أرض فلسطين، ما لبثت أن انضمّت الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى تعزيز المنحة الدوليّة الموهوبة لليهود في فلسطين.
جاء انعقاد مؤتمر القدس سنة 1931م نتيجة السياسة الإقصائيّة التي مارستها دول الغرب الاستعماريّة تجاه العالم العربيّ – الإسلاميّ في السنوات العشر الأُوَل للانتداب الفرنسيّ – البريطانيّ على البلاد العربيّة، لا سيّما فلسطين التي كانت من حصّة بريطانيا التي مارست سياسة فاضحة في دعم اليهود على حساب الفلسطينيّين من جهة، واحتواء السلطات العربيّة – الإسلاميّة لخدمة السياسة الغربية ومصالحها من جهة ثانية، ما أدّى إلى استياء الفئات المثقّفة والشعبيّة العربيّة من الأجواء التي وضعت هذه الفئات في ظروف اقتصاديّة، وسياسيّة، واجتماعيّة صعبة.
هذه الصورة الإجماليّة كان يمكن أن تبقى في الظلّ ليس لسنوات، بل لعقود، فكان مؤتمر القدس بمثابة (كنترول) يسلط الضوء، وبمعنى آخر يُعرّي قواعد اللعبة الدوليّة والإقليميّة والمحلّيّة المشاركة ويكشفها بصورة مباشرة وغير مباشرة في رسم الخارطة المستقبليّة للمنطقة العربيّة وشعوبها المتنوّعة الطوائف والمذاهب، على أن يكون القدس الشريف عاصمة دينيّة للديانات الثلاث اليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلاميّة، تحت إشراف هيئة دوليّة ترعى الشؤون السياسيّة والاقتصاديّة لمدينة القدس، ولم يزل هذا المشروع الغربيّ قائمًا إلى يومنا هذا، ولم تزل السلطات العربيّة في مأزق عدم التوحد لمواجهة المشروع الغربيّ.
تقرير
ما يحدث اليوم من تحرّشات إسرائيليّة تطال ملكيّة المسلمين في المسجد الأقصى، كانت مع بدايات الادّعاءات الصهيونيّة في بداية القرن الماضي، إذ شكّلت القدس وبالتحديد المسجد الأقصى عنوان هذه الادّعاءات، إذ عُدّ البراق، وهو الحائط الغربيّ للمسجد أنّه يشكّل جزءًا من السور الخارجيّ لهيكل سليمان، وهو من الأماكن المقدّسة التي يحجّ إليها اليهود من جميع أنحاء العالم. وتدلّ مدوّنات الحركة الصهيونيّة على تصميمها على انتزاع المسجد من المسلمين.
لذلك يعدّ بحث الطالب نصري المصريّ عن مؤتمر القدس عام 1931 مناسبة لإظهار تاريخيّة الصراع بين المسلمين والحركة الصهيونيّة على المسجد الأقصى، هذا المؤتمر كشف خوف الدول الغربيّة والأنظمة العربيّة الملتحقة بها من قيام وحدة إسلاميّة بمعزل عن الأنظمة.
يكشف البحث عن أنّه لأوّل مرّة تلتقي نخب دينيّة وسياسيّة ومن كلّ الطوائف الإسلاميّة حول مواجهة المخطّطات الغربيّة، والصهيونيّة في فلسطين، وإنّ القضيّة الفلسطينيّة لا تخصّ أهلها فقط، بل كلّ المسلمين في العالم، وكذلك كلّ العرب.
جاء انعقاد مؤتمر القدس فرصة عام 1931 لنقل قضيّة فلسطين ومسألة أمكنتها الدينيّة المقدّسة، المهدّدة بالاستيلاء عليها، من نطاقها المحلّيّ إلى الدائرة الإسلاميّة والعربيّة الأوسع.
عن كلّ هذه المسارات في مسألة القدس يسلّط البحث الضوء على الخطر الصهيونيّ على المسجد الأقصى، وانتقال المواجهة مع هذا الخطر من الحكّام العرب إلى النخب الثقافيّة، والدينيّة، والسياسيّة… وهذا الأساس الذي يقوم عليه بحث الطالب المصريّ مدعومًا بمصادر ومراجع مشهودًا بصدقيّتها، وفي إطار منهجيّ وصفيّ.
د. عليّ شعيب
مكتبة البحث
المصادر والمراجع والمدوّنات
المصادر
- القرآن الكريم.
- مجلّة العرفان الصادرة في صيدا سنة 1909م:
- مجلّد 6، جزء 1، 3، 5 و 6 – 1920 – 1921.
- مجلّد 8، جزء 4، سنة 1922.
- مجلّد 11، جزء 6 و9 سنة 1925.
- مجلّد 21، جزء 4 و5 سنة 1931.
- مجلّد 22، جزء 2 و4 سنة 1931.
- مجلّد 23، جزء 2 سنة 1932.
- مجلّد 26، جزء 8 سنة 1935.
- مجلّد 40، جزء 9 سنة 1952.
- مجلّد 42، جزء أوّل سنة 1954.
المراجع
- أرمغان، مصطفى، السلطان عبد الحميد الثاني والرقص مع الذئاب، (جزء ثان) ترجمة عن التركيّة مصطفى حمزة، الدار العربيّة للعلوم، ناشرون، طبعة أولى 1433هـ 2012م.
- الكياليّ، عبد الوهاب، القضيّة الفلسطينيّة – موسوعة السياسة، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر ط 2، 1985م.
- الهيئة العربيّة العليا لفلسطين، المطامع اليهوديّة الخطيرة في فلسطين والأقطار العربيّة، بيروت، 1961.
- دروزه، عزّة، القضيّة الفلسطينيّة في مختلف مراحلها، الجزء الأوّل، منشورات المكتبة العصريّة، صيدا 1959م.
- بنبلغيث، الشيبانيّ، دور الشيخ عبد العزيز في التيّار الشعبيّ والقرار الرسميّ، مجلّة المنطلق، عدد 88 و98.
- شعيب، عليّ، مطالب جبل عامل، الوحدة والمساواة في لبنان الكبير 1920 – 1936م، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر، بيروت، طبعة أولى 1407هـ 1987م.
- شعيب، علي، مؤتمر القدس وواقع التجاذب بين التيار الشعبي والقرار الرسمي، مجلّة المنطلق، عدد 88 و98.
- خلفيّات مؤتمر القدس سنة 1931م لعبد العزيز الثعالبيّ، تحقيق حمادي الساحليّ، دار العرب الإسلاميّ، بيروت 1988.
- الحوت، بيان، القيادات والمؤسّسات السياسيّة في فلسطين 1917 – 1948، مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، بيروت، 1981.
- قاسميّة، خيريّة، المؤتمر الإسلاميّ العامّ في القدس 1931م، تاريخ الحركات الوطنيّة في تونس، طبعة 1985 – 1987.
الدوريات
- مجلّة فلسطين، كانون الأوّل سنة 1931م.
- صحيفة النديم التونسيّة، عدد 529 تاريخ 29 رمضان 1350هـ الموافق 1932م.
- مجلّة العروبة، شهر كانون الثاني 1947م.
مصادر أجنبيّة
- CHAKIB IRSLAN: congrès pan – islamique, revue la nation arabe novembre 1931 Genève.
- A.R. Gibb: Within Islam – London – 1932.
([1]) سليم أبو جمرة، لمحة من تاريخ الحركة الصهيونيّة، مجلّةمجلّة العرفان، مج 6 جزء 5 و6 صفحة 268 – 270.
([2]) مصطفى أرمغان، السلطان عبد الحميد الثاني والرقص مع الذئاب، (جزء ثانٍ) ترجمة عن التركيّة مصطفى حمزة، الدار العربيّة للعلوم، ناشرون، طبعة أولى 1433هـ 2012م، صفحة 170 – 182.
([3]) سليم أبو جمرة، مرجع سابق.
([4]) مجلّة العرفان سنة 1920 – 1921م. باب أهمّ الأخبار والآراء. جزء أول صفحة 93 – 94.
([5]) سليم أبو جمرة، مرجع سابق.
([6]) نجاح طاهر، الهجر، طبعة أولى عام 2009 صفحة 26 – 27.
([7]) عبد الرزاق الحسني، العراق – القضية الفلسطينيّة في فكر الحاج أمين الحسينيّ، مفتي فلسطين. العرفان، مجلّد 40 لسنة 1952م جزء 9 صفحة 1012 – 1021.
([8]) القرآن الكريم، سورة الإسراء الآية 1.
([9]) القرآن الكريم، سورة البقرة الآيتين 190 – 191.
([10]) القرآن الكريم، سورة البقرة الآية 87.
([11]) تشرشل في مصر وفلسطين، العرفان مجلّد 6 لسنة 1920 – 1921م باب الأخبار جزء 3 صفحة 291.
([12]) العرفان مجلّد 8 لسنة 1922 باب الأخبار، جزء 4 صفحة 319.
([13]) العرفان مجلّد 8 المرجع نفسه صفحة 319.
([14]) العرفان مجلّد 11 لسنة 1925 – 1926، جزء 6 صفحة 662.
([15]) العرفان مجلّد 11 المرجع نفسه، جزء 9 صفحة 1004.
([16]) عبد الرزاق الحسنيّ، مرجع سابق.
([17]) عبد الوهاب الكياليّ، القضيّة الفلسطينيّة – موسوعة السياسة، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر ط 2، 1985م، صفحة 504.
([18]) الهيئة العربيّة العليا لفلسطين، المطامع اليهوديّة الخطيرة في فلسطين والأقطار العربيّة، بيروت، 1961، ص 3.
([19]) دروزه، عزّة: القضيّة الفلسطينيّة في مختلف مراحلها، ج 1، منشورات المكتبة العصريّة – صيدا 1959 ص 77.
([20]) الكياليّ، عبد الوهاب تاريخ فلسطين الحديث، ط 6، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، صفحة 261.
([21]) مجلّة العرفان سنة 1955م مجلّد 43، جزء 3 صفحة 258 – 264، وكذلك مجلّة العروبة، شهر كانون الثاني 1947م، جزء أوّل، صفحة 40.
([22]) CHAKIB IRSLAN: congrès pan – islamique, revue la nation arabe novembre 1931 geneve.
([23]) المؤتمر الإسلاميّ بقلم السيّد عبد العزيز الثعالبيّ، مجلّة المعرفة، مصر أيلول 1931م منشورات مجلّة العرفان لسنة 1931م مجلّد 22 باب مختارات الصحف، جزء 4 صفحة 490 – 492.
([24]) د. الشيبانيّ بنبلغيث، دور الشيخ عبد العزيز الثعالبيّ في المؤتمر الإسلاميّ العامّ في القدس سنة 1931م، صفحة 10 – 11.
([25]) Chakib Irslan: Congrès pan – islamique, revue la nation arabe novembre 1931 Genève.
([26]) عزّة، درّوزه، القضيّة الفلسطينيّة في مختلف مراحلها، الجزء الأوّل، منشورات المكتبة العصريّة، صيدا، لبنان 1959م، ص 77.
([27]) Chakib Irslan – La Nation ARABE – op. cit.
([28]) المؤتمر الإسلاميّ، بقلم عبد العزيز الثعالبيّ، مجلّة العرفان، مجلّد 22، مرجع سابق، صفحة 491.
([29]) د. شعيب، عليّ، مؤتمر القدس وواقع التجاذب بين التيّار الشعبيّ والقرار رسميّالرسميّ، مجلّة المنطلق، عدد 88 و98 سابق، صفحة 123.
([30]) الحسنيّ، عبد الرزاق، القضيّة الفلسطينيّة، مرجع سابق، صفحة 1013.
([31]) مجلّة المنطلق، مصدر سابق، صفحة 123 – 124.
([32]) بيان الحوت، القيادات والمؤسّسات السياسيّة في فلسطين 1917 – 1948، مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة بيروت، 1981، ص 339.
([33]) المؤتمر الأوّل في القدس سنة 1931: العرفان مجلّد 23 لسنة 1932م باب أهمّ الأخبار والآراء جزء 2 صفحة 192. ينظر أيضًا إلى بيان الحوت، مرجع سابق، صفحة 339.
([34]) قاسميّة (خيريّة)، المؤتمر الإسلاميّ العامّ في القدس 1931م، تاريخ الحركات الوطنيّة في تونس، طبعة 1985 – 1987، صفحة 675 – 676.
([35]) د. الشيبانيّ بنبلغيث، دور الشيخ الثعالبيّ، مرجع سابق، صفحة 13.
([36]) عبد الرزّاق الحسنيّ، القضية الفلسطينيّة، العرفان مجلّد 40 سابق، صفحة 1014.
([37]) د. عليّ شعيب، مؤتمر القدس، مجلّة المنطلق، عدد 88 و 89 سابق، صفحة 124.
([38]) جريدة فلسطين 9 كانون الأوّل 1931م – القدس – وفيها أسماء كلّ المشاركين في المؤتمر. وينظر أيضًا إلى تاريخ المطران غريغوريوس الحجّار بقلم الخوري قسطنطين الباشا المخلّصيّ، نشر تباعًا في الرسالة المخلّصيّة عام 1941م.
([39]) الحوت، بيان، مرجع سابق، صفحة 248 – 249.
([40]) صحيفة النديم التونسيّة، عدد 529 بتاريخ 29 رمضان 1350 الموافق لـ 6 فيفري 1932.
([41]) مقرّرات المؤتمر الإسلاميّ العامّ في دورته الأولى 1931م مطبعة دار الأيتام الإسلاميّة الصناعيّة في القدس، صفحة 1 – 7.
([42]) د. الشيبانيّ بنبلغيث، دور الشيخ عبد العزيز الثعالبيّ، مرجع سابق، صفحة 16 – 17.
([43]) الثعالبيّ، عبد العزيز، خلفيّات مؤتمر القدس 1931م، تحقيق حمادي الساحليّ، دار العرب الإسلاميّ، بيروت 1988م، صفحة 315، 353.
([44]) H.A.R. Gibb: Withen Islam – London – 1932 – page: 365.
([45]) مجلّة العروبة لصاحبها محمّد عليّ حومانيّ، جزء (1) شهر كانون الثاني 1947م صفحة 40.
([46]) مجلّة العروبة، المرجع نفسه.
([47]) لجنة المؤتمر الإسلاميّ في القدس – صيدا، العرفان مجلّد 23 لسنة 1932م جزء 2 صفحة 337.
([48]) د. شعيب، عليّ، مطالب جبل عامل، مرجع سابق، صفحة 110.
([49]) مجلّة العرفان سنة 1954م مجلّد 42، باب نقص عليك من أنبائها، جزء أوّل صفحة 113 – 114. نشرت العرفان هذه المعلومات بمناسبة وفاة الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء في شهر أيلول 1954م.
([50]) العرفان مجلّد 27 لسنة 1937م جزء 6 صفحة 442 – 451.
([51]) العرفان مجلّد 26 لسنة 1935م باب المراسلة والمناظرة، جزء 8 صفحة 619 – 628.