تركيا، من منظور الجغرافيا السياسيّة والجيوبوليتيكيّة
أتاتورك وأردوغان، دراسة مقارنة
محمّد أحمد عواضة*
يهدف البحث لتقديم دراسة عن أهمّيّة موقع تركيا في المشاريع الجيوبوليتكيّة العالميّة. التي بدأت من الحرب العالميّة الأولى وصولًا إلى العصر الحالي. فقد تميزت المرحلة الأولى بصراع قيام الدولة التركية الحديثة مقابل جيوبوليتك بريطانيا للمنطقة في عملية الإمساك بالنفط. لتدخل من بعدها تركيا في مرحلة الثبات في الحرب الباردة. بانتهاء هذه المدّة بدأ التيار الإسلامي ينافس للوصول للحكم رغم العوائق المحلية والدولية، لحين توفر التقاطع الدولي بوصول أردوغان للحكم ضمن جيوبوليتك جديدة للمنطقة عرفت بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
فموقع تركيا الاستراتيجي ضمن هذا المشروع، حتم عليها دورًا جيوبوليتيكيًّا على الأصعدة السياسيّة، الاقتصادية والجيوستراتيجيا العسكرية. وألزمها بناء منظومة من التحالفات الدولية لتحقيق الأهداف. ليخلص البحث بميزات المرحلة الأولى، عن كيفية تجميع عناصر القوة لتحقيق الأمن، والسيادة، والحدود الجيوسياسيّة لتركيا الحديثة، بينما مرحلة أردوغان تميزت، أنها تعيش صراعًا في محاولة تأسيس السيطرة على جيوبوليتك الطاقة المتوسطية، ومشكلة دستورية بين المنظور العلماني للدولة والإسلام السياسيّ في ظل القوى والصراعات الإمبريالية، ومشاريعها للمنطقة. وكيفية التوفيق بين التقاطع الدولي وجيوبوليتك تركيا الخاصة، ضمن التنافس في قضايا المنطقة والعلاقات مع أوروبا والامتداد الإسلامي.
الجغرافيا، الجغرافيا السياسيّة والجيوبوليتيك لمحة عامة
تمكن الجغرافيون من وضع الخرائط(1) التي مكنت من رسم صورة واضحة عن الكرة الأرضية وتوزع محيطاتها، وقاراتها، والاستكشافات الكلية للكرة الأرضية، والتي عرفت بالعصر الكولومبي باصطلاح العالم الجغرافي ماكندر، الذي عدّ أن القرن التاسع عشر هو نهاية الكولومبية وبَدء مرحلة الجيوبوليتيك في نظريته التي تبرّز أهمّيّة المنطقة الأوراسية والمعروفة بقلب الأرض (2)Heartland.
نالت الجغرافيا السياسيّة كغيرها من العلوم مسألة التشكيك بعلمية Scientism، الجغرافيا والسياسة، وبعدم قدرتهما على تطبيق المنهج العلمي المتعلق بالتدخل بالظاهرة موضع الدراسة وإعادة التجربة للوصول إلى نفس النتائج لوضع النظرية والتعميم. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو وجود تعريف للدولة يتجاوز المائة والخمسين تعريفًا(3). كما ورد تعريفات عدّة للجغرافيا السياسيّة نقتصر منها بأنها “مجال دراسة، وتاثير البيئة الطبيعية، والعوامل الجغرافية على الخصائص، والظواهر، والمؤشرات، والتطورات السياسيّة للشعوب والدول، وعلى تفاعلاتها، وعلاقاتها مع بعضها البعض”(4).
وتختلف الجيوبوليتك عن الجغرافيا السياسيّة التي ظهرت مع العالم راتزل، ونظريته السياسيّة للدولة على أنّها كائن حي، وكما المجتمعات البشرية هي بحالة تتطور دائم في حدود إطارها الطبيعي Rahmen، الذي يشغل حيزًا جغرافيًّا محدّدًا Stelle. وهذا الكائن يحتاج دومًا إلى الغذاء، وللبقاء حيًّا، وللنمو ضمن فضاء أو مجال Raum. فمن خلال المجال تتطور الدولة التي هي نتيجة التطور التاريخي للنشاط الإنساني(5). وشكلت هذه النظرية “في بدايات القرن العشرين، فهم كيجلين Kijlen وغيره من مفكري الإمبريالية الجيوبوليتيك التي تتعامل بالعلاقة بين الأرض وخصائصها الفيزيائية والسياسات”(6). وقد عرف هاوسهوفر منظر الجيوبوليتيك الألمانية بأنها “العلم الذي يربط السياسة بالأرض، فهي تعتمد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طالب دكتوراه في الجامعة اللبنانيّة قسم التاريخ.
بذلك على الأسس الجغرافية، وخصوصًا الجغرافية السياسيّة، فالجيوبوليتيكا تمهد للعمل السياسيّ، وتعطي الأسس اللازمة للحياة السياسيّة”(7). بتبني النازية للجيوبوليتك، ولكن بإدخال مصطلح المجال الحيوي للأمة الألمانية، ونتائج النظرية على العالم. أهمل الجغرافيون السياسيّون مصطلح الجيوبوليتك بعد الحرب العالميّة الثانية، لكونها تدل على النازية واختصار استخدامها فقط لتوصيف الصراع الدولي بين الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة الأميركية، وتأثيره بالسيطرة، والنفوذ على الدول والمصادر الاستراتيجية في العالم.
تركيا في الجيوبوليتك البريطانية في الحرب العالميّة الأولى
يعدّ العالم الجغرافي ماكندر(8) من أهم منظري بريطانيا، وقد اختصت نظريته بتحديد أوراسيا قلب العالم إظهارًا منه لأهمّيّة موقعها، وقدرتها الحمائية الطبيعية من إمكانية الوصول إليها بالأساطيل البحرية، وأهمّيّتها في عملية المواصلات البرية في شبكة الربط العالميّة بين قارتي آسيا وأوروبا والقارة الأميركية عبر سيبيريا.
أظهرت اتفاقية الهدنة مودرس (9)Armistice، في الثلاثين من تشرين الأول لعام 1918م، الرؤية الاستراتيجية البريطانية لتركيا ضمن نظرية ماكندر(10) وارتباطها بعملية الوصل بين منطقة القلب والهلال الذي يشكل السيطرة عليه تأثيرًا على منطقة القلب، وخصوصًا في عملية نقل الثروات النفطية في باكو وباطوم.
لم تنه هذه الاتفاقية الحرب، وبدأ الاحتلال البريطاني، والفرنسي يواجه عملية مقاومة من عناصر عدّة في الهضبة الأناضولية، وكيليكيا، وسوريا الجغرافية، والمنطقة التي تعرف بالعراق حاليًّا التي تضم الموصل، وبغداد، والبصرة. وقد دفعت الأحداث بالقوتين الأوروبيتين، لانتهاج سياسة دموية في أحداث عام 1920م، سواء في سوريا بمواجهة ميسلون، أو العراق بثورة العشرين. لكن الأمر اختلف مع الانتصارات للقوات العسكرية التي انضوت تحت قيادة مصطفى كمال في كيليكيا، والهضبة الأناضولية التي شكلت تهديدًا وجوديًّا على بقاء الاحتلال البريطاني والفرنسي فيهما.
دفعت هذه الأمور لتقارب المصالح بين بريطانيا، وفرنسا، ونبذ الخلافات على بنود اتفاقية سايكس بيكو في ما خص منطقة الموصل الغنية بالنفط التي حلّت بلقاء بين وزير النفط البريطاني السير والتر لونك Walter Long، ووزير النفط الفرنسي هنري بيرانجر Henri Bérenger. فقد توصلا إلى تفاهم شكَل مدخلية تقارب لويد جورج – كليمنصو في كانون أول لعام 1918م، وأدرج هذا التفاهم في إتفاقية سان ريمون لتصبح جزءًا منها في المادة السابعة(11) منه. نالت فرنسا بالاتفاقية حصتها من النفط بنسبة 25% من النفط مقابل سماحها بمروره في أراضي الانتداب السورية معفيًّا من الجمارك.
أتاتورك: استعادة السيادة التركية وبناء الحصانة الجيوستراتيجية
انقلبت بريطانيا على التفاهمات، والاتفاقيات مع الدول الأوروبية فرنسا، وإيطاليا في خصوص أراضي السلطنة العثمانية، بإدخالها العنصر اليوناني في الخامس عشر من أيّار لعام 1919م، كبديل عن الإيطالي(12) بغية إخراجه من المعادلة، وتقوية معادلة المواجهة التي بدأت تحتدم مع قوات مصطفى كمال. هذا الأمر دفع بالدولتين فرنسا، وإيطاليا لنسج خِيار بدأ يراهن على مصطفى كمال الذي دعا إلى قتال الاحتلال، ولانتظام الناس في حركة المقاومة الشعبية تحت أوامر القيادة العليا للجيش الوطني، وذلك في 22 حزيران عام 1919(13).
بتشكيل القوة المناوئة لبريطانيا، وفرنسا، والسلطان العثماني، كان لمصطفى كمال أهداف استراتيجية يتوجب عليه تحقيقها جيوبوليتيكيًّا حول هدف مركزي واحد، وهو إعادة بناء تركيا بموقعها الجيوستراتيجي، وتأمين حصانتها المستمدة من امتدادها من البحر الأسود شمالًا، وصولًا إلى المناطق العربية جنوبًا في سوريا، والعراق بالسيطرة على السلاسل الجبلية لامانوس من البحر المتوسط وصولًا إلى جبال كردستان في الشرق. وإغلاق المنافذ التاريخية الواقعة في جنوب دياربكر عند نصيبين، وبيلان جنوب أورفة، الواقعتين في ولاية حلب السورية. والسيطرة التامة على المضائق في البوسفور والدردنيل. هذا من الناحية الجيوسياسيّة، أمّا التهديد القومي تمثل باستكمال إنهاء القضية الأرمنية كقضية دولية يمكنها من منع تحقيق قيام تركيا الجيوستراتيجية، ويمنعها من إعادة السيطرة على الموصل وثروتها النفطية.
مقابل ذلك، رسمت بريطانيا للقوات اليونانية التي قامت بالإنزل في إزمير، هدفًا واضحًا، وهو قضم واحتلال الأراضي التي كانت جزءًا من الإمبراطورية اليونانية. فقد أعلن اليونانيون “أنهم لم يأتوا من أجل احتلال مؤقت، ولكن من أجل ضم دائم”(14)، وبذلك تتمدد اليونان شرقًا لتستحوذ على المضائق التي تعدّ بوابة البحر الأسود، والأساطيل السوفياتية، وهذا من المحظورات في الاستراتيجيا السوفياتية.
دفع هذا التطور إلى التقارب الروسي الكمالي، فالأوّل يسعى برؤيته الجيوستراتيجية لإغلاق المنافذ التهديدية له وإعادة السيطرة ما أمكنه على ما كانت عليه من الامتداد الجغرافي زمن القيصر في آسيا وأوروبا. والثاني كانت تنقصه الموارد العسكرية والتموينية. بتوحد الطرفين على مواجهة بريطانيا، سعى مصطفى كمال مع الروس لتثبيت الحدود الشمالية الشرقية للهضبة الأناضولية، ولتسهيل تدفق المواد والأسلحة في بدايات عام 1920م. مقابل هذه الفائدة دعمت الحركة الوطنية التركية البولشفيين السوفيات في آذربيجان، جورجيا وأرمينيا، وفي هذه الأثناء حصل الإنكليز من شيخ الإسلام على فتوى تدين الشيوعية التي أحرجت الوطنيين بعلاقتهم مع السوفيات(15).
دفعت المجازر التي ارتكتبها القوات اليونانية لالتفاف الناس أكثر تحت لواء مصطفى كمال استجابة للنداء القومي، والديني الذي لم يتأثر بفتوى شيخ الإسلام، ويمكن القول إنّ العنصر القومي كان أشدّ عصبية منه من الديني، الذي حاولت بريطانيا استخدامه علّه يحقق مكسبًا كما هو تاريخ الثوارت التي قامت بوجه السلطان. ولتقوية نفوذها أكثر بعد الورقة اليونانية في الغرب، سعت إلى إثارة الأكراد في شرقي البلاد للوقوف في وجه مصطفى كمال(16).
لم يكتب لهذه الأوراق الثلاث، القوات اليونانية، الكرد والفتوى من إسقاط مصطفى كمال، فعمدت لتطوير اتفاقية الهدنة مودرس لمستوى أعلى، وهي اتفاقية سيفر التي تم توقيعها في العاشر من شهر آب لعام 1920م، في مدينة سيفر (17)Sèvres، والتي أرادت منها الإمساك بالهضبة الأناضولية، وضمانة استمرار مشروعها، ولذلك قامت بمحاولة استرضاء الكرد، والأرمن في مشروع الدولة والحكم الذاتي، وفرنسا، وإيطاليا بالاعتراف لهما بمناطق نفوذهما ومصالحهما بشكل رسمي. فقسمت السلطنة العثمانية، ولم يبق من إرثها سوى منطقة تبلغ مساحتها مائة وعشرين ألف كلم مربع(18)، وهو الجزء الشمالي، والشمال شرقي التابع للسلطان اسميًّا، أمّا عمليًّا فهو تحت السيادة البريطانية التي تؤمن حماية السلطان أمام التهديدات. ووقعت اتفاقية متزامنة جانبًا بين الأطراف الثلاث بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا باسم سيفر أيضًا مع فارق توضيحي مهم أنّها عرفت بالاتفاقية الثلاثية(19) Tripartie، تنص على حفظ المصالح للدول، وتحديد مناطقهم ضمن السلطنة العثمانية.
سقوط المشاريع البريطانية الجيوسياسيّة في الأناضول
جسدت اتفاقية سيفر الرؤية البريطانية للجغرافيا السياسيّة التي تنشدها في حماية الجزء الشرقي منها لضمانة استمرار تدفق النفط من باكو وباطوم، بإنشاء دولة أرمنية في الجزء الشرقي الشمالي، على أن تحدها من الجنوب منطقة حكم ذاتي للأكراد، ودعم لأكراد الموصل بإنشاء أوّل حكم إدراي لهم في السليمانية. وقد جسدت هاتين القضيتين تهديدًا مباشرًا للدولة التركية، فكانت العمليات العسكرية تسير على كل الجبهات، كل بحسب القوة المتوفرة لديه، من مواجهة عسكرية مباشرة لأعمال حرب العصابات التي انهكت، واستنزفت التواجد الفرنسي في كيليكيا(20). ما دفعه لتربص الفرصة والتوافق مع مصطفى كمال لإخلاء الساحة له بالانقضاض على المشروع البريطاني مقابل توقيف دعمه للعرب في سوريا.
بالاستناد إلى القوة العسكرية المحلية، والدعم اللوجستي السوفياتي، قام مصطفى كمال بالالتفاف على الفتوى، والتصريح بأن التطلعات المشتركة بين الإسلام، والشيوعية هي متساوية لناحية العدالة الاجتماعية(21). وتبنى الاشتراكية لاسترضاء السوفيات كأحد المبادئ في بيانه، وبرنامجه الذي أصبح جزءًا منه مثبتًا في الدستور، وشكلت المادة الأولى من نص حزب الشعب الجمهوري والمعروفة بالمبادئ الستة وهي “جمهوري، قومي، شعبي، اشتراكي، علماني، وثورويّ”(22).
أثمر من هذا التقارب إنهاء أرمينيا من أن تكون عائقًا له في الحدود الشرقية، فكان الهجوم المشترك السوفياتي التركي، والسيطرة عليها، وتقسيمها بينهما عبر اتفاقية الكسندروبول Alexandropol. تنازل السوفيات لتركياعن ثلثيها في الثاني من كانون أول 1920م(23). انتهت أرمينيا بين المصالح التركية والسوفياتية، وفي الثالث عشر من تشرين أول عام 1921م، تم توقيع معاهدة صداقة تركية والدول المنضمة للاتحاد السوفياتي حديثًا وهي أرمينيا – آذربيجاني – جورجيا، بما يتوافق وبنود اتفاقية موسكو 16 آذار عام 1921م(24).
اتفاقية فرانكلين بويون – كمال، تحالف بوجه بريطانيا
بقدوم ميلّران Millerand رئيسًا لفرنسا خلفًا للسيد كليمنصو، تغيرت السياسة الفرنسية لكونه براغماتيًّا ومؤمنًا بفكرة الحصول على الامتيازات، وعدم الارتهان للنفوذ البريطاني، مستشفًا بأن المستقبل للمصلحة الفرنسية هو بالتعاون مع مصطفى كمال وأن تركه لهذا الخِيار سيكون سلبيًّا على فرنسا. فبقيت متريثة نتائج مواجهة سخاريا بعد انهزام اليونانين في معركة إينونو Inonu. هذه الهزيمة كانت ذات ثقل مؤثر في الاستراتيجيا العسكرية في أواخر أيلول 1921م. وزاد تأثيرها أنها ترافقت مع انشغال بريطانيا في مشاكلها الاقتصادية، والسياسيّة، ومحاولتها لتخفيض حجم القوات الخادمة في الشرق الأوسط، وتوقيف الإمدادت الخارجية(25).
سرّعت هذه الهزيمة القرار الفرنسي باللقاء مع الأتراك في لندن في التاسع من آذار عام 1921م. بين رئيس الحكومة، ووزير الخارجية الفرنسية أرستيد بريان Arstide Brillant، وبكير سامي بيك، وهو مفوض مطلق الصلاحية عن التجمع الوطني الكبير. فتم توقيع اتفاقية لندن Treaty Of London(26)، التي عدلت الحدود التركية وأخرجت كيليكا من النفوذ الفرنسي لتدخل ضمن أراضي تركيا. وفي الرابع والعشرين من أيّار1921م، أسندت فرنسا لرئيس بعثة المهام الخارجية فرانكلين بويون Franklin – Bouillon ليبدأ مَهَمَّة البحث باتفاقية جديدة، التي أرست النظام الجيوسياسيّ التركي الفرنسي في المنطقة، الذي جسدته اتفاقية أنقرة في العشرين من تشرين أول عام 1921م(27).
أنهت هذه الاتفاقية مفاعيل اتفاقية سيفر والمناطق التي أعطيت لفرنسا وإيطاليا، كمناطق امتياز ومصالح بتخلي فرنسا عن كيليكيا وأضنة، مساحة قرابتها عشرة آلاف ميل مربع (قرابة ستة وعشرين ألف كلم مربع)، كان مفترضًا أن تكون تحت الانتداب، وضمت هذه المنطقة بأغلبها خط سكة حديد بغداد(28). مقابل ذلك نالت فرنسا مكتسبات اقتصادية باستثمار مناجم وتأهيل المرافئ وتجهيز وتدريب الجيش، وتزويد الجامعات التركية بالأكاديميين الجامعيين المتخصصين(29).
ومن نتائجها على الساحة السورية، أنها أنهت المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، بتكليف “أزدشير قائد القوات التركية في ثورة هنانو والمفتش العام للثورة، بالعمل على إنهاء الثورة، وإقناع زعمائها بالتخلي عنها، واللجوء إلى تركيا”(30).
ظهر موقف بريطانيا المعارض للاتفاقية عبر سفيرها في فرنسا لتعارضها مع اتفاقية لندن عام 1915م، القاضي بمنع إجراء أيّ اتفاق ثنائي يتعارض مع مصالح أحدهما الفرنسي – البريطاني. وأن انتقال خط سكة الحديد للأراضي التركية يفقد الضمانات لبريطانيا عما كانت عليه في منطقة النفوذ الفرنسية. فالمكتسبات الفرنسية بالاتفاقية تتعارض والاتفاق الثلاثي الذي انعقد في 20 آب عام 1920م(31). ولم تختلف الولايات المتحدة كلّيًّا عن إرباك الموقف البريطاني من تداعيات هذه الاتفاقية التي وفق اعترافهم أنها قد جعلت الوطنيين هم الممثّلون الشرعيّون للأتراك. كما لم ترَ بالوعود التركية بحماية الأقليات ضمانة كافية.
نفط الموصل، الصراع الاخير لترسيم التسوية الجيوسياسيّة
انتهى عام 1921م، بتحول مهم لناحية عناصر القوى، والتحالف الفرنسي التركي، وتوقيع اتفاقية إيطالية تركية جانبية، ولم يبق إلاّ الجانب البريطاني الذي ظل يواجه الواقع الميداني، مخافة تأثيرات الأمر على الموصل، والنفط وإعادة مطالبة تركية بحقها فيه لما يملكه البنك التركي من أسهم قبل انهيار السلطنة العثمانية التي كان يطالب بها التجمع الوطني كأرض تركية من عام 1920م. بتحرر أزمير في أيلول عام 1922م، والسيطرة على مدينة أندرينوبول، تم حصر وجود القوات اليونانية في المضائق بعد توجيه أتاتورك حملةً صوب الدردنيل. فشل المفاوض البريطاني اللورد كرزون Curzon بدفع فرنسا لتعديل موقفها الحيادي في المعركة، لتأدية دور الوسيط مع مصطفى كمال، فتم التوصل في 11 تشرين أول عام 1922م لاتفاقية الهدنة(32).
بدأت الدول تفد إلى لوزان من 21 تشرين أول عام 1922م إلى تموز 1923م على مرحلتين. وتوصلوا إلى اتفاقية ألغت اتفاقيات ما قبل الحرب، وتوّجت انتصار الوطنيين الأتراك. لكن الموصل بقيت أرضًا متنازعًا عليها بين تركيا، وبريطانيا، وقضية استراتيجية اقتصادية متأزمة، لاحتساب تركيا أنها جزء من أراضيها للناحية الديموغرافية وغلبة السكان غير العرب فيها، وأنها لم تسقط عسكريًّا بأيدي البريطانيين حين توقيع اتفاقية الهدنة مودرس عام 1918م، أي إنّها لم تسقط بالنار(33).
رسمت اتفاقية لوزان التي وقعت في الرابع والعشرين من تموز عام 1923م، حدود تركيا لناحية الشرق والشمال والغرب، وتثبيت الاتفاق الحدود الوارد في اتفاقية أنقرة عام 1921م مع الطرف الفرنسي، وأبقت قضية الموصل بابا مفتوحًا للمفاوضات بين الطرفين التركي والبريطاني(34).
انتقلت القضية إلى مجلس عصبة الأمم القضية، وتبادل الطرفان الخرائط، والرسائل ما أنضج الأمور إلى القبول بتشكيل لجنة، انتهت بالتوصل إلى تسوية بين الطرفين، خصوصًا إنّهما ساقا أبعادًا جيواستراتيجية في ضرورة تشكيل الحدود بين الدولتين، وكل من رؤيته الخاصة. تسلح الطرفان بالأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسيّة للموصل لكلي العراق وتركيا. فخلصت اللجنة إلى ما عرف بخط بروكسل الذي وافق عليه الطرفان في 29 تشرين الأوّل عام 1924م، على أن يدخل حيز التنفيذ في 15 تشرين الثاني(35).
بقيت القضية في دائرة التصعيد الإعلامي، والعسكري، والتفاوضي اشتغلت فيها الثورات الكردية، والعربية لانهاك الطرفين الفرنسي، والتركي لتنتهي عام 1926م، بسقوط الأوراق البريطانية، ودخول الطرف الأميركي، فوصل الجميع لتسوية نالت فيها تركيا نصيبها من النفط، وبتوقيع اتفاقية حسن الجوار مع فرنسا لتعديل الحدود السورية في منطقة نصيبين بعدما توقف عمل لجنة ترسيم الحدود التي أقرّتها اتفاقية لوزان التي تشكلت، واجتمعت في أيلول 1925، بناءً للطلب التركي الراغب بإدخال تعديلات بنقل الخط جنوبًا لمحطة سكة حديد باياس، وبعض القرى المحيطة ببلدة كلّس وبعض الحدود الشرقية(36).
استمرت المفاوضات التركية الفرنسية لتحديد حدودها مع سوريا، ولوضع نهاية للخلاف في منطقة نصيبين والمعروفة باسم منقار البط Bec de Canard بين جزيرة ابن عمر ونصيبين. وفي التاسع والعشرين من حزيران لعام 1929 تم إقرار بروتوكول ينهي قضية الاختلاف في القطاع بين نصيبين – جزيرة ابن عمر، وتم التوافق على استكمال عملية الترسيم في أول نيسان 1930. هذه العملية انتجت بروتوكول حزيران 1930م، الذي أحدث تغييرًا شديد الأهمّيّة، تنازلت فرنسا بموجبه عن خمس قرى من الهافاركان وأيضًا خمسًا وسبعون قرية كردية “مقابل خمس وثمانين قرية في منقار البط وحرية استخدام دجلة”(37).
لم يبق لدى أتاتورك سوى الهدف الأخير الذي حال الموت دونه تحققه بحياته، وهو ضم لواء إسكندرونة الذي لحظته اتفاقية أنقرة عام 1921م في البند الثامن منها، فحشد كل قواه من عام 1936م، لحين إحالة الموضوع على عصبة الأمم عام 1938م، الذي أظهر الاستفتاء بعدم القدرة على الترهيب، والرشا لشراء العرب، وتسجيل أنفسهم أتراكًا، ولم يتجاوز الذين قبلوا بالأمر 5% فقط. لتنتهي قضية اللواء بتسليمه لتركيا انتخابيًّا بوعد فرنسي يمكنهم من الحصول على أغلبية طفيفة تجعلهم أصحاب القرار بالضم الذي حصل في أواخر حزيران عام 1939م، فتسلمته تركيا مقابل كف المطالب بضم مزيد من الأراضي السورية واحترام سيادتها(38).
توفّي مصفى كمال في العاشر من أيلول عام 1938م، بعد أن حول تركيا إلى دولة علمانية انتقلت من دولة الخلافة إلى الحداثة الغربية بكل معانيها القانونية، والتشريعية، والاجتماعية، والثقافية(39). وتولى نائبه وصديقه عصمت أينونو الرئاسة بانتخابه بالإجماع في اليوم التالي، لتدخل تركيا مرحلة جديدة مع الحرب العالميّة الثانية، وبَدء الصراع السوفياتي الأميركي الذي عرف بالحرب الباردة.
تركيا، الدور والتحديات في صراع القطبين الأميركي والسوفياتي
تركت الأزمة المالية العالميّة أثرًا بالغًا في الاقتصاد التركي، وكان الرأسمال المتوفر للنهوض الاقتصادي يعتمد على الدعم السوفياتي في دعمها للحركة الاشتراكية الكمالية. فقدمت القروض له بهدف تطوير الصناعات الاستهلاكية من المنسوجات، والورق، والزجاج، وكذلك الصناعات المعدنية عام 1936 – 1939م. هذه الخطوة الاشتراكية قيّمها البنك الدولي للإنشاء، والإعمار بأن “تركيا قد حققت تقدّمًا كبيرًا من خلال الاشتراكية”، بينما تقرير ثورنبرغ وصفها باقتصاد غير مخطط، يبدو شبيهًا بالاقتصاد الرأسمالي المستمد قوته من الحكومة التي شكلت الرأسمال تطابقًا مع الاشتراكية، فهو اقتصاد هجين لم يأخذ بقوة الطرفين الرأسمالية، والاشتراكية، وذلك بسبب المخططين الاشتراكيين الذين أفسدوا أعمالهم ومنعوا التوسع بمشروعات خاصة(40).
هذه المعضلة الاقتصادية(41) كانت الحاكمة طوال الفترة التركية التي انتجت أزمات اجتماعية، وعمليات ضغط شكلت اهتزازًا بالحياة السياسيّة التي طالت تركيا، وتعدّدت فيها الانقلابات العسكرية التي بدأ يسعى فيها التيار الإسلامي للتنافس بإيجاد الحلول، وتقديم البديل للشعب التركي.
مع بَدء الحرب العالميّة الثانية سعت الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا لاستمالة تركيا بالضغط عليها من البوابة الاقتصادية، فنالت من الولايات المتحدة مساعدات قدمها لها الرئيس روزفلت في الثالث من كانون الأول عام 1941م، وتولي رئيس الوزراء البريطاني تشرشل اللقاء المباشر مع رجال الأعمال الأتراك في أضنة، وقام أينونو بزيارة إلى القاهرة للقاء المسؤولين الأميركيين، والبريطانيين مقابل ذلك كانت الرغبة التركية تحن لتاريخها الألماني الذي انتهى مع تصفية ضريبة رأس المال في أيّار عام 1944م، وارتفاع الأصوات لمحاكمة الموالين لها بتهمة التآمر على قلب النظام ومحاولة توريط تركيا إلى جانب ألمانيا في مسعى لإرضاء الجار السوفياتي. ليصل الأمر عام 1946م، إلى محاربة الامتداد الشيوعي بكل أطيافه، من الأحزاب، والمجلات، والمؤلَّفات في تركيا(42). ولتنضم تركيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو North Atlantic Treaty Organization NATO في عام 1952م، بعد الالتزام الكامل الأميركي معها وفق مبدأ ترومان ومحاصرة الشيوعية.
تركيا التيار الإسلامي والعلمانية تعايش وصدام
بدأ التيار الديني في تركيا مع قرار التعددية الحزبية التي فرضت على حزب الشعب الحاكم تقديم تنازلات نتيجة الصراع مع الحزب الديمقراطي، ولنفي التهمة عنه قام بدعم الحجّاج، والموافقة على إقامة دورات إعداد أئمة، وخطباء للمساجد، وفتح المزارات الدينية للعامة لاستقطاب الشباب من الأيديولوجية الشيوعية. هذا الأمر ساعد بتاسيس أول حزب بميول إسلامية وهو حزب حماية الإسلام في 19 تموز عام 1946م، بقيادة نجمي كوناش، ومصطفى أوزباك الذي لم يصمد ل23 يومًما لمخالفته دستور عام 1924م. ولم تلاق الأحزاب الإسلامية التي تلت من حزب المحافظين، أو حزب الأمة، حالة أفضل من سابقها(43).
ظهر حزب العدالة ذو الميول الإسلامية بتاييد مكنته من التمثيل والحكم من عام 1965 – 1971م، وكان نجم الدين أربكان أحد رموزه قبل أن ينشئ حزبًا إسلاميًّا صرفًا باسم حزب النظام الوطني من بدايات عام 1970م، لحين إعلان المؤتمر في 26 كانون الثاني عام 1971م (ص 78)، الذي انتهى بالحظر بعد خمسة أشهر نتيجة الانقلاب العسكري الذي حكم تركيا قرابة الثلاثة سنين، من 1971م آذار إلى 1973 تشرين(44).
بقي التيار الإسلامي في عملية تجدد وتأسيس أحزاب حتى كاد الوصول للحكم، ولكن حال دونه انقلاب عام 1980م، بقيادة الجنرال كنعان إيفرين الذي حكم بقوة عسكرية، حظّر فيها العمل الحزبي لتحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية، والأمنية في البلاد، ما دفع بالسياسيّين لترك النشاطات الحزبية، والعودة لحياتهم التقليدية، كما وعد إيفرين بتشكيل مجلس لإعداد دستور جديد لتركيا(45).
نجحت الثورة الإسلامية بالانقلاب في إيران عام 1979م، وتزامن ذلك مع بروز التيار الإسلامي، وقدرته على المنافسة بنشاط نجم الدين أربكان، ما زاد من مخاوف العلمانيين على تغيير هُوية تركيا العلمانية، فتم تهييج الرأي العام المحلي والدولي، لينقلب الجيش على النتائج ويتولى الحكم(46). وبإذاعة الدستور الجديد عام 1982م لتأسيس الأحزاب، عادت الحياة السياسيّة مع تحول العلمانيين من الصدام إلى محاولة تأطير الإسلام، والاستفادة منه بوجه اليسار والحذر من تحوله سياسيًّا يكتسح الانتخابات.
في خضم هذه الأوضاع انتسب أردوغان لحزب الخلاص الوطني، ومن ثَمَّ عاد مع حزب الرفاه الذي رشحه لتولي منصب عمدة أسطنبول عام 1994م فنجح بذلك. وفي عام 1998م، وبعد النجاحات التي حققها إلاّ أنّه سجن لاتهامه بالتحريض على الكراهية إثر أبيات من الشعر بخطاب جماهيري، حالت دون عمله السياسيّ، والترشح للوظائف الحكومية، وفي عام 2002 خاض حزب العدالة، والتنمية، واكتسح الانتخابات، وتولى عبدالله غول رئاسة الحكومة وبإسقاط التهم عن أردوغان عام 2003، بدأت مسيرته السياسيّة في تركيا(47).
أردوغان وأهدافه السياسيّة الداخلية، ورؤيته للجغرافيا السياسيّة التركية بين الواقع والتحديات
أهم العناوين الرئيسة التي تؤمن الشعبية، والديمومة لحزب بالحكومة، هي إيجاد الحلول الاقتصادية، والبِطالة التي تضج بها تركيا، وإعادة دورها الإقليمي والدولي. ويمكن عرضها بالعناوين التالية دون الحصر: 1) الاقتصاد والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، 2) العالم الإسلامي ومشروع قيادة الإخوان المسلمين، وإعادة الوصال مع الانتشار التركي، 3) جيوبوليتك الطاقة، ثروات آسيا والمتوسط في تغذية أوروبا.
- الاقتصاد والاتحاد الاوروبي، تحديات ومصاعب
الضغط الاقتصادي والأزمات المالية في تركيا من الأمور التي رافقتها وشكلت عاملاً اضطرابيًّا في التوجهات السياسيّة بين تمدد الفكر الشيوعي، والعودة للجذور الإسلامية، وكليهما يبحثان في أمر العدالة الاجتماعية التي أصبحت أمرًا ملحًّا. فالمجتمع التركي من المجتمعات الشابة، وقد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا خلال ستين عامًا، من 21238000 إلى 74933000 عام 2013م، مع بداية عهد أردوغان تقريبًا، والمتوقع أن يصل إلى 83713000 عام 2025(48).
يحتاج هذا المجتمع الشاب للعديد من التحديات لتلبية احتياجاته على جميع الأصعدة، وأهمّها التعليم وفرص العمل. فعدد سكان تركيا عام 2019م، بلغ 83 مليون تقريبًا، منقسمًا على أربع فئات عمرية(49)، أهمها فئة 15-24 = 16.2%، وفئة 25-64 المنتجة = 50.8%، أما الفئتين الباقيتين فهما دون الـ15=24.3 %، وفوق الـ65= 8.7%. ما يتطلب إيجاد حلول للطبقة العاملة التي تقارب الخمسين بالمائة وإيجاد فرص عمل واستثمارات لتلبية الجيل الصاعد، وأي عجز عن هذا التحدي سيرتد داخليًّا، أو بالهجرة للخارج، اأو داخليًّا ضمن مساحة جغرافية تبلغ 769,630 كلم. م، وبكثافة سكانية تعادل 108 شخص بالكم. م(50).
إن تقدم قيمة الناتج المحلي التركي مع السنوات له دلالته الاقتصادية لناحية عدم الركود، ولقدرته على تحقيق نسب مُهِمَّة في تسديد الديون الخارجية مؤشر مهم للناحية الاقتصادية. لكن هذا الاقتصاد عند أيّ تعثر يترك أثره المباشر على الواقع الاقتصادي، وسعر العملة، وتضخمها ضمن عملية المضاربات. ويظهر الرسم البياني رقم (1) الناتج الإجمالي(51) المحلي لتركيا (الأرقام بالمليار دولار)، وقد سجل قفزات في فترات متفاوتة كانت أكبرها عام 2013م، وقد بلغ الناتج الإجمالي المحلي 950.579 مليار دولار أميركي، والمعدل الوسطي للناتج المحلي من عام 1960 إلى 2018 يساوي 261.42 مليار دولار أميركي.
وتشكل المعضلة الاقتصادية أهم التحديات لتركيا، لارتباطها بعناصر كانت سببا بازمات كبيرة، احدثها عام 2018 والعناصر هي: عدم الاستقرار السياسيّ الداخلي(52)، والأخطاء الدبلوماسية العالميّة، والخلل في ميزان التجارة، واعتماد الاقتصاد على عامل وحيد وهو البناء، وقلة الاحتياط النقدي الأجنبي، وزيادة الاعتماد على القروض الأجنبية في القطاع الخاص(53).
تركت هذه العناصر جميعها أثرًا على الاقتصاد التركي، وبدوره على شعبية الحزب الحاكم. وشكلت أولوية السياسات الخارجية، والداخلية لأردوغان في فترة حكمه، في عملية بناء اقتصاد قوي يعزز صورته في الشارع التركي ويعطي نموذجًا عن الإسلام السياسيّ، بالاستفادة من قضية الصراع في سوريا والحظر الاقتصادي على إيران، وحاجة الولايات المتحدة لدوره في مشروع السيطرة على الشرق الأوسط، والاستمرارية في العراق. فالعناصر والحاجة لدور تركيا، وفّرت لأردوغان قابلية المناورة والضغط المتبادل على المجتمع الدولي وعلى الولايات المتحدة لتحقيق مكتسبات. ومنها قضية المهجرين إذ يبلغ عدد اللاجئين لتركيا قرابة الأربعة ملايين، منهم فقط 3.6 مليون من سوريا، والباقي من أفغانستان، والعراق(54)، أعطوها القدرة على الضغط من باب الإنسانية على أوروبا، ومن باب نشر الإرهاب الذي ضرب بأنحاء أوروبا، وكانت بوابته تركيا.
فأهمّيّة أوروبا لتركيا كسوق تجاري أهم من الانضمام، الذي يظهر من خلال التبادل الاقتصادي. فقد بلغت التجارة التركية مع الغرب بشكل عام 45 – 46% من التجارة الخارجية، كانت لأوروبا حصة منها تقارب الثلثين بقيمة 60 – 66%، بحال احتساب المنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية بشكل كلي، وهذا العلاقة بدأت مع أوروبا في 12 أيلول 1963م، وتطورت إلى الوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي في 6 آذار عام 1995م، من دون أن تصبح عضوًا فيها بسبب الخلفية الدينية، والإرث التاريخي بينهم(55).
العالم الإسلامي ومشروع قيادة الإخوان المسلمين، انتشار الأتراك والعمق الاستراتيجي
يشرح أستاذ العلاقات الدولية، ووزير خارجية تركيا في حكومة أردوغان دور تركيا الأقليمي، وعمقها الاستراتيجي للخروج من الدور السلبي التي كانت عليه في الحرب الباردة، ولعودتها لتشكل لاعبًا حيويًّا في العمق العربي، والإسلامي الذي تجاهلته طوال عقود، على الرغم من أنّه من أهم موارد الثروة الطبيعية. وكيفية ترك أوروبا بدل الاكتفاء بالوقوف على بابها للانضمام من دون جدوى، وهذا الأمر يتطلب “أن تكون قوة إقليمية بالمعنى الحقيقي، فيجب عليها زيادة تأثيرها السياسيّ، والاقتصادي على الطرق البحرية، من بحر إيجه إلى الأدرياتيكي، ومن قناة السويس عبر البحر الأحمر إلى الخليج العربي، ولا بدّ من أن تتبع سياسة فاعلة في كل نقطة اتصال بين البحر الأاسود وبحر إيجه”(56).
وهذه الطرق البحرية تعطيها الاستقلال نوعًا ما، ولكن لا تغنيها عن المسارات البرية والمشاريع التي تعد لنقل الثروات الطبيعية من بحر قزوين، ومشروع إمداد الغاز لأوروبا، أو الاستفادة من ثروات الدول القوقازية ذات الأصول، أو الرعايا الأتراك الذين يبلغ عددهم بالإجمالي 55 مليونًا قرابة عدد الموجود في تركيا البالغ 60 مليونًا في تركيا، وأغلبية الـ55 مليون تركي موززّعة وفق التالي: 17 مليون أوزبيك، و7 مليون قازاق، و7 مليون آذري، و7 مليون تتار قازان، و4 مليون قرغيز، و4 مليون تركمان، والباقي بين المليونين وما دون(57).
ترى تركيا من هذا الانتشار، وفق نظرية راتزل امتدادًا جيوسياسيّ لذاتية العرق، وثقافته، وانتشاره، وهو من الأمور التي تعول عليها في إعادة مدّ جسور التواصل. هذا لناحية الشرق، أمّا لناحية الدول العربية والإسلامية، أظهرت مرحلة الربيع العربي هذا الدور الساعي إلى تمكين الإخوان المسلمين من الاستفادة من الانقلابات، والسيطرة على الحكم من تونس، والجزائر إلى ليبيا، ومصر، وقطر، وسوريا، ولبنان، والعراق، ولم تخل أيضًا القارة الأفريقية منها، ما سيعطيها صفة القيادة، وتزعم الحالة الإسلامية التي بدأت تطفو بالتصريحات عن الحالة الأردوغانيّة.
هذا الطموح بالدور جاء نتيجة الفراغ الدولي، وأهمّيّة موقعها في الأحداث المحورية في الصراع على سوريا لناحية ثرواتها النفطية. وموقعها في مشاريع الربط، والنقل للثروات الطبيعية ضمن صراعات جيوبوليتيك الطاقة. على أنّ هذه المحورية يقابلها التهديد بالتحجيم، أو الإلغاء، من قبل السعودية التي تترأس منظمة دول التعامل الخليجي، والمسيطرة بنسبة ما على الجامعة العربية، بالإضافة إلى الصراع الأيديولوجي لتبني السعودية الراديكالية المضادة للإخوان. فكانت هذه الدول المذكورة ساحات المواجهة على قدم وساق بينهما. وكنموذج توضيحي لهذا الصراع، قضية مصر والثورة التي أطاحت بحكم حسني مبارك في ثورة 25 كانون الثاني 2011م، ليصل محمد مرسي رئيسًا في حزيران 2012م، واستلام الإخوان زمام المبادرة. لكن هذا الصراع أعاد قلب الطاولة، بانقلاب قاده الجيش ليترأس الدولة عبد الفتاح السيسي، وينهي حكم الإخوان في 3 تموز 2013م(58)، وينعطف بالعلاقة نحو السعودية.
خَسارة مصر باعد الهوة بين الطرفين، وزادت التصريحات الدبلوماسية، وصولاً إلى اتهام تركيا من على منابر الأمم المتحدة للحكومة المصرية بقتل الرئيس محمّد مرسي، بتركه عشرين دقيقة مرميّا على الأرض في المحكمة من دون تقديم أيّ مساعدة علاجية، متعهدًا بسعيه إلى محاكمتها على ذلك(59). وزادت المواجهة حدة مع السعودية بمقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إستنبول في 2 تشرين الثاني عام 2018م، وتداعياتها التي لم تنته رغم صدور الأحكام القضائية السعودية بتبرئة المتهمين الرئيسين المقربين من ولي العهد والحكم بإعدام خمسة، وسجن لثلاثة وإخلاء سبيل لعشرة(60).
وتمتد المواجهة مع إعلان رئيس حكومة ماليزيا مهاتير محمد، استضافته قمة إسلامية مصغرة، لتشكيل نواة تحالف إسلامي في التاسع عشر من كانون الأول لعام 2019م، يتألف من تركيا، ماليزيا، باكستان، قطر، بهدف “الدفاع عن الإسلام، وتوحيد الأمة، وتحقيق استقلالها”، ولـ”مكافحة الإسلاموفوبيا، والدعوة إلى وحدة الأمة” بتصريح عمران خان رئيس وزراء باكستان(61). إضافة إلى عناوين مُهِمَّة على الجانب الاقتصادي الذي تعيشه أغلب هذه الدول، ومشاكلها مع البنك الدولي، والعملة الصعبة، التي أصبحت سلاحًا ضاغطًا ضمن الأوراق الأميركية الحديثة لكسب، أو تعديل مواقف الدول.
رأت السعودية من المؤتمر عملية سلب لدورها أو تحجيمه، فسعت جاهدة إلى إفشاله، عبر الحلقة الأضعف باكستان. فقد قام عمران خان قبل المؤتمر بيوم، بالإعلان عن عدم نيته المشاركة بخلاف تصريحاته السابقة. وسبب تصريحه بحسب أردوغان، أنّ السعودية هددت عمران خان بطرد أربعة ملايين عامل باكستاني من السعودية، وبسحب الودائع المالية لديها(62). هذا التنافس لن يوقف عملية الاستقطاب بين تركيا والسعودية، مع الفارق بينهما، إنّ السعودية تتحول إلى المدنيّة، وتطوير البدائل عن النفط، بينما تركيا تسعى إلى تفعيل الدور الإسلامي، وللحفاظ على دورها في نقل موارد الطاقة، وعدم السماح بتجاوزها ضمن المشاريع الجديدة في المتوسط.
جيوبوليتك الطاقة، ثروات آسيا والمتوسط في تغذية أوروبا
موقع تركيا الجيوستراتيجي بتوسط أوروبا وآسيا والقوقاز، مكنها من استحواذها على دور الشريان الرئيس، والأمن لنقل موارد الطاقة. بالإضافة إلى ذلك تركيا، وقبل الاكتشافات الحديثة للثروات في سوريا والمتوسط، كانت تجاور 75% من خزانات الغاز المثبتة في المنطقة، وهي ثاني بلد بعد الصين بالطلب على الغاز الطبيعي، إذ تستورد تقريبًا 99% من غازها الاستهلاكي، وتسعى في سوق الطاقة إلى رفع إنتاجها الكهربائي إلى 416Terawatt Hour في عام 2023م.
فبين احتياجها الدخلي ومكانتها في جيوبوليتك الطاقة، تميزت بالمشاريع الخاصة، والدولية لتشكل أرضية في إدارة المجال الطاقاوي الدولي في عملية ربط روسيا بأوروبا، وثروات بحر قزوين بأوروبا، وكذلك العراق وإيران، فكانت المشاريع التالية للموارد الغازية والنفطية(63): مشروع أنبوب الشرق – غرب ويراد منه جلب الغاز من بحر قزوين، والبحر المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا يشار إليه بـ”كاريدور” الغاز الجنوبي SGC. Southern Gas Corridor، ومشروع أنبوب جنوب القوقاز South Caucase pipeline، والطريق الغربي أنبوب الغاز الطبيعي روسيا – تركيا Western Route (Russia-Turkey Natural Gas Pipeline) . أنبوب خط باكو – تبليس – أرضروم أنبوب للغاز الطبيعي BTE، وصلة تركيا اليونان ITG, Turkey-Greece Interconnector. وتعمل على مشاريع أنبوب الغاز الطبيعي عبر الأناضول Trans-Anatolian Natural Gas Pipeline (TANAP). وأنبوب عبر الأدرياتيكيّ أيضًا trans-Adriatic-Pipeline (TAP). أنبوب السيل الأزرق Blue Stream Natural Gas Pipeline من روسيا، وأنبوب إيران – تركيا أنبوب الغاز الطبيعي Iran–Turkey Natural Gas Pipeline .
أما المشاريع النفطية: أنبوب نفط العراق، كركوك يومورطاليك Kirkuk- Yummurtalik Crude Oil Pipeline خط باكو تبليسي جيهان Baku-TAblisi-Ceyhan (BTC) .
إلاّ أنّ هذا الاستقرار، والدور بدأ يتهدد، باكتشاف ثروات المتوسط. وبمحاولة إسرائيلية قبرصية يونانية لإنشاء إمداد لأوروبا يخرج عن سيطرة تركيا، ويحرر أوروبا من الارتهان لروسيا، ويسوّق منتجاتهم، بإنشاء خط أنابيب بمسافة 2200كلم بتكلفة تصل لستة مليار يورو بقدرة نقل عشرة مليار م.م غاز سنويًّا، وتشارك بالمشروع شركات يونانية وإيطالية(64).
أمام هذا الواقع كان التقارب التركي الليبي، الذي تطور إلى عقد اتفاقيات هدفها الأولي مدّ منطقة النفوذ بين تركيا وليبيا بما يمنع مرور أيّ مشروع من دون موافقتهما، مع توقيع اتفاقيات دفاع عسكرية، ومشاريع بناء قواعد عسكرية تركية في ليبيا على غرار قطر. وهذا ما يفسر الطروحات المتناقضة عن التفاوض، والعداوة بين الطرف المصدر الرئيس وهو الكِيان الإسرائيليّ لتركيا، ومشروع نقل غازه إلى تركيا لتتولى عملية نقله(65). هذه الظروف الدولية الحرجة ضمن الصراعات المالية، وسياسة فرض العقوبات الأميركية، تفرض على تركيا أردوغان عدم الخلط بين أهمّيّتها الجيوسياسيّة وتراكم إرثها الدبلوماسي، ودهائها السياسيّ المستخدم(66). الذي بدت معالمه مع إنشاء داوود أوغلو لحزب يقدر له إضعاف أصوات حزب العدالة والتنيمة بـ10%، ما يعني قرب أفول العهد الأردوغاني مع التسويات، والمشاريع الجيوبوليتكيّة للطاقة النظيفة والنفطية.
الخلاصة
تميز عهد أتاتورك بمرحلة البناء التي قامت بعد الهدم في الحرب العالميّة الأولى، واستطاع نتيجة ضعف خصومه بعد حرب دامت سنوات عدّة، وتوفر المقاتلين وإدارته المميزة في تحشيد القوى الكردية والعربية، والدعم الروسي من كسب الانتصارات التي مكنته من تعديل المشاريع الجيوسياسيّة لتركيا، وقطع علاقتها بإرثها الإسلامي الذي شكل عمقها الاستراتيجي، وتركها معلقة على باب أوروبا، ومن ثَمَّ بدأت مرحلة السبات، أو السلبية لدورها في الحرب الباردة.
أما عصر أردوغان فهو مزيج من صراع داخلي بين العلمانية التي أرسى أتاتورك دعائمها الحاكمة والثابتة دستوريًّا، والتوجه الإسلامي الذي يخبو، وينهض منذ الخمسينيّات. بلحظة التخطيط الدولية نهض لتأدية دور مميز بعصر أردوغان لتمكين الإسلام السياسيّ الإخواني القادر على إقامة العلاقات، وإيجاد التسويات السياسيّة. ومع تراجع هذا المشروع دوليًّا وخصوصًا السيطرة على سوريا وإعادة رسم خريطة للشرق الأوسط الجديد. برز التنافس الحاد بين دول إنتاج الغاز، وأسواق التصريف المرتبطة بمشاريع الأنابيب الاستراتيجية.
في جيوبوليكا الطاقة تسعى تركيا إلى الاحتفاظ بدور دولة الممر، والنقل بالاستفادة من المشاريع المنفذة، والمستقبلية التي أمنها موقعها. ومنها مشروع TANAP، فشبكة الأنابيت التي رسمتها تؤهلها لذلك. ويبقى مشروع التحالف أو التقارب مع روسيا التي تنظر بريبة إلى المشروع الإسرائيليّ القبرصي بإمداد أوروبا كبديل عنها. يعيش أردوغان في ضغوطات مشاريع، ومفاوضات لإرساء تسويات دولية، وإعادة تنظيم الطاقة النظيفة التي توفرت حديثًا لدول متوسطية عدّة تسعى إلى إيجاد أسواق تصريف لها. أنتج التقارب الروسي – التركي إنشاء منطقة آمنة، كسعي أردوغان إلى إعادة جزء من حلم أتاتورك بالتمدد جنوبًا لمنابع النفط، ولمشاركة نفط العرب مع اختلاف الهدف، وهو سوريا بدلاً من الموصل. ويبقى الاتفاق الدولي لتوزيع ثروات المتوسط عامل اضطراب، واستقرار بانتظار التسويات، مع إشارات داخلية تركية بانتهاء حكم أردوغان.
الهوامش
1- اهتم فلاسفة الرومان واليونان بالجغرافية نذكر منهم طاليس، هيرودوت، أرسطو، سترابون، بطليموس. كما اسس اليونانيون الفكر التجانسي الهندسي ووضعوا خطوط الطول والعرض للكرة الارضية، وبذلك ينسب لهم أهمّيّة تحديد المواقع الجغرافية بوضعهم للخرائط بشكل علمي والتي كانت تهتم بامكن تواجد الناس والجبال والانهار والمدن. عاطف علبي، الجغرافيا الاقتصادية والسياسيّة والسكانية والجيوبولتيكا، الطبعة الاولى، بيروت، مجد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1986م، ص17-18.
2- Dale Walton, World order, Heartland, European sea powers, post-Columbian Epoch, http://exploringgeopolitics.org
3- محمود توفيق محمود، مفهوم الجغرافية السياسيّة ومجالها، (رسائل جغرافية 120)، نشرة دورية، يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، كانون اول 1988م، ص3-8
4- عبد الوهاب الكيالي، عبد الوهاب ، موسوعة السياسة، المركز العربي للدراسات والنشر، بيروت، 7 اجزاء، الطبعة الثالثة 1990، الجزء الثاني، ص 70.
5- G.-A. Hückel, La Géographie de la Circulation Selon Fredrich Ratzel (premiere Partie), Annales de la Géographie, N° 84, XV Année, 15 November 1906, PP 401-418, PP401-402.
6- The Geopolitics Reader, Gearóid Ó Tuathail, Simon Dalby and Paul Routledge, Taylor & Francis e-Library, 2003.
7- عاطف علبي، الجغرافيا الاقتصادية والسياسيّة والسكانية والجيوبولتيكا، الطبعة الاولى، بيروت، مجد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1986م.، ص 313-315.
8- قالت نظرية ماكندر بان القارات الثلاث القديمة، اوروبا و آسيا وافريقيا، هم كتلة قارية واحدة تشكل جزيرة العالم، ومنطقة الوسط فيها هي منطقة القلب حيث المركز الحيوي Pivot Area، والتي تتألف من روسيا وسيبيريا دون الاجزاء الشرقية التي تطل على المحيط الهادي وتدخل ايران ومنغوليا فيها. محمد حجازي محمد، الجغرافية السياسيّة، القاهرة، مكتبة الاسكندرية، 1996-1997م، ص 293.
9- تضمنت شروط الهدنة مع تركيا خمسًا وعشرين بندًا حول المضائق وحرية الملاحة وطبيعة الاشغال لدول الاتفاق، وحقوق الدول باستخدام كل مقدرات الدولة. الوثيقة متوفرة على موقع: National Archives of Australia, http://naa12.naa.gov.au
10- تتالف نظريته من ثلاث عناوين، قلب العالم يحوطه هلال يسمى جزيرة العالم، يحمي منطقة القلب وهلال خارجي يشمل القارتين الخارجتي عن منطقة القلب والهلال الاول وهما اميركا واستراليا. عدنان السيد حسين، الجغرافيا السياسيّة والسكانية والاقتصادية للعالم المعاصر، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية 1996م. ص 70.
11- “المادة السابعة- بلاد مابين النهرين: ان الحكومة البريطانية تتعهد بأن تمنح الحكومة الفرنسية بدل ما عين لها وفرض لها، 25 بالمائة من صاف انتاج النفط الخام، (بسعر السوق السائد) الذذي يمكن ان تحصل عليه الحكومة البريطانية من حقول نفط العراق في حالة تطويرها على يد الحكومة البريطانية، وأما في حالة تاسيس شركة نفط خاصة لتطوير حقول نفط العراق فإن الحكومة البريطانية ستضع تحت تصرف الحكومة الفرنسية 25% من حصص هذه الشركة وأن الثمن الذي ستدفعه (الحكومة البريطانية) لن يكون أكثر من أي من الشركاء في شركة النفط المؤسسة. ومفهوم ايضا أن شركة النفط المذكورة ستكون تحت الاشراف البريطاني وأن فرنسا ستسمح بمرور أنابيب النفط إلى أحد الموانئ البحر المتوسط”. حكمت سليمان، نفط العراق دراسة سياسة واقتصادية، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر،-دمشق، 1958.، ص 84.
12- باتفاقية سان جان دو موريان الاولى والثانية التي انعقدت في التاسع عشر من نيسان 1917 ضمنت فيها فرنسا وبريطانيا لإيطاليا ولاية ازمير إضافة للتساوي في التقسيمات والمكتسبات في باقي الإرث، ما أشعر رئيس الحكومة الايطالي إيمانويل أورلاندو Emanuel Orlando ووزير الخارجية البارون سيدني سونينوSonnino بخدعة سيكون أثرها وارتدادها عليهما داخليًا. فبدأت القوات الإيطالية في منتصف آذار 1919 ببرنامج الإبرار في جنوب أناضوليا واضاليا (حاليًا انطاليا)، وتموضعوا في ميناء مرمريس، ما دفع بحلفائهم الخائفين من التمدد الايطالي والراغبين بوضع حد لذلك للتنسيق بينهما البعض.اتصل لويد جورج بالرئيس الاميركي ليطلب من الشعب الإيطالي ممارسة الضغط على سونينو لتعديل مطالبه في اوروبا والشرق الاوسط. خرجت إيطاليا من مؤتمر السلام في الرابع والعشرين من نيسان لمعالجة مشاكلها الداخلية، وفي الثاني من ايار رصدت التقارير إرسال الإيطاليين سفنًا إلى أزمير، ما دفع بالرئيس الاميركي ويلسون ليراسل سفن البحرية الاميريكية مصرحًا عن الجهوزية لوضع حد للجشع الايطالي ولو تطلب ذلك الحرب. David Fromkin , A Peace To End All Peace the fall of the ottoman empire and the creation of the modern middle east, U.k, Avon Books, 1989,P 392.
13- مصطفى الزين، ذئب الاناضول، رياض الريس، لندن، الطبعة الأولى حزيران 1991، ص 122.
14- برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة، الهيئة العامة لشؤن المطابع الأميرية، القاهرة،الطبعة الاولى 2016، ص 298.
15- Paul Dumont; L’axe Moscou-Ankara Les Relations Turco-Soviétiques de 1919 à 1922, In: Cahiers du monde russe et soviétique- Vol. 18 N°3 (Jul. – Sep., 1977), P168.
16- برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة ، مرجع سابق، ص 305.
[1]7- L’Asie Française, bulletin mensuel du comité de L’Asie française, Novembre 1921,N:196, P416.
18- مصطفى الزين، ذئب الاناضول،مرجع سابق، 159-160.
19-L’Asie Francaise,L’accord, Tripartie relative a l’Anatolie, 1921, janvier,N:188,P15. & Tripartite Agreement between the British Empire, France and Italy Respecting Anatolia.
20- Daniel George, Atatürk; Une certain idée de la turquie, L’Harmattan, Paris, 2000, P282
21- Paul Dumont; L’axe Moscou-Ankara. Opp cite, P173.
23-برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة، مرجع سابق، ص 343.
23- André Mandelstam, La Société des Nations et les Puissances devant Le Problème Arménien Chapitre VIII, La politique arménienne des principales Puissances alliées en fonction de leur politique générale dans le Proche-Orient depuis la Grande guerre jusqu’au revirement à la Conférence de Londres de 1921, Paragraphe 2.
24- Daniel George, Ataturk, Opp cite, P155.
25- Ochsenwald William & Sydney Nettleton Fisher,The Middle East: A History, Opp cite, P 385.
26- L’Asie Francaise, bulletin mensuel du comité de L’Asie Francaise, Novembre 1921, PP416-417.
27- Daniel George , Atatürk, Opp cite, P155
28- The Turco-Syrian Frontier and the Kurds, Source: Bulletin of International News, Vol. 5, No. 10 (Nov. 24, 1928), PP 229-232, P230.
29- L’Asie Francaise, Novembre 1921, N:196, P 418.
30- حسام النايف، لواء إسكندرونة حكاية وطن سلب عنوة، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق -2013م، الطبعة الأولى، ص 70.
31- بيّن كرزون كلجستون إلى حكومته، المكاسب الفرنسية وتعهدها بدعم المطالب التركية في ازمير والتراث كما انها حصلت على تعهد مقابل بدعم من الوطنيين الاتراك التحركات ضد البريطانيين في بلاد ما بين النهرينCorrespondence between HisMajesty’s Government and the French Government respecting the Angora Agreement of Octobre 20.1921, London, his Majesty’s stationery office,1921.PP6-9.
32- Ochsenwald William & Sydney Nettleton Fisher, The Middle East: A History, Sixth Edition, New York, 2010,P 385.
33- في الثاني من تشرين الثاني لعام 1918م، طلب الجنرال مارشال البريطاني السيد كوب Coop، من قائد اللواء العثماني المرابط بالموصل علي احسان باشا بالانسحاب منها وتسليمها لهم، وفقا للمادة السابعة والسادسة عشر من اتفاقية الهدنة مودرس، فوقعت المشادة حول مدلول مصطلح ميزوبوتاميا الجغرافي، وطبيعة الموصل التي يشارك فيها العرب ولكنهم اقلية امام اكثرية مغايرة من الكرد والتركمان، وكان التحدي برفع العلم العثماني على الدوائر الرسيمية التي دفعت بالقائد البريطاني لاستبدالها بعلم بلاده، وانتهت المواجهة بطلب من الحكومة المركزية بالانسحاب على ان تبقى الدوائر الرسمية العثمانية على عملها، وانسحب علي احسان باشا وحاميته في الخامس من تشرين الثاني عام 1918م. حسين فاضل، مشكلة الموصل دراسة في الدبلوماسية العراقية-الانكليزية- التركية وفي الرأي العام، بغداد، مطبعة اشبيلية، الطبعة الثالثة 1977،ص2.
34- British Treaties, Treaty of Peace with Turkey and other instruments, Printed and Published by his Majesty’s Stationary office, 1923.
35- حسين فاضل، مشكلة الموصل، مرجع سابق، ص50-58.
36- مجيد خدوري، قضية الاسكندرونة، مطبوعات المكتبة الكبرى للتأليف والنشر، دمشق، 1953، ص13.
37- Seda Altuǧ and Benjamin Thomas White , Frontieres et Pouvoire: La Frontiere Turco-Syrienne dans les annees 1920 et 1930, Vingtieme Siecle; Revue d’histoire,No 103, Proche Orient: foyers, frontières et fractures, jul-Sep,2009,p92-93.
38- فيليب خوري، سوريا والانتداب الفرنسي، سياسة القومية العربية 1920-1945م، ترجمة مؤسسة الابحاث العربية، بيروت، الطبعة الاولى، 1997، ص 565-567.
39- منال الصالح، نجم الدين اربكان ودوره في الحياة السياسيّة التركية 1969-1997، الدرا العربية للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة الاولى، 2012م، ص 24.
40- برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة، مرجع سابق، ص 344-345.
41- جلال سلمي، تركيا أين كانت وكيف أصبحت؟، مقالة، موقع ترك برس،16/10/2015،موقع: turkpress.co/node/13867
42- برنارد لويس، ظهور تركيا الحديثة، مرجع سابق، ص 361-375.
43- منال صالح، نجم الدين اربكان، مرجع سابق، ص 29-30.
44- ” ” ، المرجع نفسه، ص 87.
45- احمد نوري النعيمي، النظام السياسيّ في تركيا، دار زهران للنشر والتوزيع، الاردن، الطبعة الاولى، 2011، ص 299.
46- تحرير-تركيا بوست،صفحات من الإنقلاب العسكري عام 1980، مقالة، نشرت بتاريخ 12/9/2014،موقع: turk-post.net/p-3936/amp/.
47- سمير سبيتان، تركيا في عهد رجب طيب أردوغان، الجنادرية للنشر والتوزيع، الاردن، الطبعة الاولى، 2012، ص 31-34.
48- World Population Prospect, The 2012 Revision, Highlights and Advance Tables, United nations New York,2013, P60
49- United Nations, Department of Economic and Social Affairs, Population Division World Population Prospects 2019, Volume II: Demographic Profiles, P1125.
50- https://www.worldometers.info/world-population/turkey-population/
51- بعض الارقام من الناتج الاجمالي المحلي لتركيا: 1980=68.789/1985=67.235/ 1990=150.676 /1995=169.486/2000 =272.979/2008=764.336/2013=950.579/ 2018=771.35. موقع البنك الدولي للمعلومات: http://data.worldbank.org/country/turkey
52- في شهر تشرين الثاني عام 2000 قامت الحكومة بتخفيض قيمة العملة إلى الثلث، كاولى انذارات الازمة المالية في تركيا. وفي عام 2001، اثر المشاحنات بين رئيس الجمهورية سيزار ورئيس الحكومة اجاويد، انهار القطاع المصرفي ما تسبب بفقدان مليون وظيفة. كرم اوكتم، تركيا الامة الغاضبة، ترجمة مصطفى مجدي الجمال، اصدارات سطور الجديدة، تركيا، الطبعة العربية الاولى، 2011، ص27-28.
53-Turkey National Debt; could the country go Bankrupt, http://commodity.com/debt-clock/turkey.
54-The World Bank and the World Food Program, Vulnerability and Protection of Refugees in Turkey,2019, P1.
55- محمد نور الدين، تركيا في الزمن المتحول، قلق الهوية وصراع الخيارات، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1997، ص 233-234.
56- داوود اوغلو، تركيا العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة محمد ثلجي وطارق عبدالجليل، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة الاولى، 2010، ص 199.
57- محمد نور الدين، تركيا زمن المتحول، مرجع سابق، ص 221.
58- موقع الحرة، من هو محمد مرسي؟، 17 تموز 2019م، http://www.alhurra.com/amp/4999085
59- أردوغان يصعد مع القاهرة ويتهمها بـ “اغتيال” مرسي، مقالة في 19/6/2019م. موقع dw.com.
60- الجزيرة نت، الحكم باعدام خمسة متهمين بقتل خاشقجي وسجن آخرين والافراج عن القحطاني والعتيبي وعسيري، 24/12/2019م.
61- ثروت منصور، ما سر إعلان مهاتير محمد وعمران خان تحالفًا إسلاميًا مع أردوغان؟، الجمعة 18 أكتوبر 201905:33 م، موقع رصيف 22 https://raseef22.com/article/1075610
62- وكالة نيو ترك بوست، سحب الودائع وطرد العمال، أردوغان يكشف فحوى تهديدات السعودية لباكستان، 20/12/2019م, موقع newturkpost.com/news/58233
63- Republic ot Turkey, Ministry of Foreign Affairs, Turkey’s Energy Profile and Strategy, 2017
64- شركة غاز اسرائيلية تتطلع لبناء خط انابيب للغاز يمتد لاوروبا، نقلا عن رويترز، 5/12/2019، موقع m.arabi21.com .
65-Elif Binici Erşen, Cooperation Lucrative for Capitalizing on East Med resources, Daily Sabah,17/12/2019. www.dailysabah.com.
66- داوود اوغلو، تركيا العمق الاستراتيجي، مرجع سابق، ص 128.
مراجع الصور
رقم 1: خريطة اتفاقية سيفر 1920م، موقع، الاتفاقيات البريطانية: http://treaties.fco.org.uk/1920. ) تم تحديد المنطقة تقريبيا التي خرجت من النفوذ الفرنسي اثر اتفاقية فرانكلين بويون 1921م).
رقم 2: http;//mgcourseworkvcfg.szipb.org/turkey-energy-pehyxaxik4448.html، ومتوفرة ايضا Republic ot Turkey, Ministry of Foreign Affairs, Turkey’s Energy Profile and Strategy, 2017 ( تم اضافة خط انابيب الغاز الاسرائيلية-القبرصية- اليونانية على الخارطة الاصلية).