تحدّيات اللّغة العربيّة في المدارس اللّبنانيّة الخاصة واقع وعوائق
إيزابيل عبدالله الخوري([1])
المقدّمة
لطالما تمتّع الإنسان بخصائص تميّزه من بقيّة الكائنات الحيّة. ومن أبرز هذه الخصائص اللّغة، إذ هي أداة يستخدمها الأفراد لترجمة أفكارهم، وللتّفاعل مع محيطهم، والتّواصل مع الآخرين. (زكريا، 2002، ص 9).
فالكلام هو ما يميّز الإنسان “ويميّز الأمم في ما بينها” (زكريا، 2002، ص30). واللّغة هي الرّابط المشترك بين أشخاص وَحّدهم المجتمع. تبدأ رحلة الإنسان مع اللّغة منذ نعومة أظافره عند محاولته التّعرّف إلى محيطه والى محاكاة واقعه من خلال علاقته بالمحيطين به. من هنا يبدأ مشوار الألف ميل مع هذه اللّغة، لغته الأمّ، الّتي تحدّد في ما بعد انتماءه الوطنيّ وهويّته. اللّغة العربيّة، لغتنا الأمّ، احتلّت مكانة واسعة في تاريخ التّطوّر الحضاريّ للناطقين بها، منذ العصر الجاهليّ. وقد ورد على لسان أبو حيّان التّوحيديّ أنّ “أغرب الغرباء من صار غريبًا في وطنه.” (ورد في عبد المطلب، 2011، ص 95)، ففي 23 أيّار من سنة 1926م، نصّت المادّة 11 من الدّستور اللّبنانيّ المعدّلة بالقانون الدّستوريّ الصادر في 9 – 11 – 1943م (الدّستور اللّبنانيّ) على أنّ اللّغة العربيّة هي اللّغة الوطنيّة الرّسميّة.
1- الإطار النّظريّ
1.1- واقع اللّغة العربيّة
1.1.1 – مقدّمة
اللّغة العربيّة هي اللّغة الرّسميّة في الدّول العربيّة، وهي مؤلّفة من ثمانية وعشرين حرفًا، وتُكتبُ من اليمين إلى اليسار بعكس العديد من اللّغات المنتشرة حول العالم. تتميّز اللّغة العربيّة بغناها بالمفردات، والمترادفات، والكنايات، والمجازات، والاشتقاقات، والاستعارات. وعلى الرّغم من غناها، هي واضحة تختصر في إيصال المعاني فيستطيع مستخدمها أن يستعين بكلمة واحدة للتّعبير عن فكرة صعبة، وبإمكانه الإسهاب في الوصف. يُعِدُّ العرب لغتهم لغة قوميّة تعكس تاريخهم، فحرصوا كلّ الحرص على توحيد اللّهجات كافّة عبر اعتماد اللّغة العربيّة الفصحى لغة رسميّة في أكثر من ست وعشرين دولة.
1.1.2- تعريف اللّغة
عرّفت غريد الشيخ محمد في المعجم في اللغة والنحو والصرف والإعراب والمصطلحات اللّغة بأنّها أصواتٌ يعبّر بها كلّ قومٍ عن أغراضهم. تُطلق على ما يجري على لسان كلّ قوم. لأنّ اللّسان هو الآلة الّتي يتمّ بها النطق، أو تُطلق على الكلام المصطلح عليه، أو على معرفة أفراد الكلمة وأوضاعها. إذًا، اللّغة مرادفة للّسان، وهي ظاهرة اجتماعيّة تتعدّد بتعدّد الشّعوب والعصور. وعند علماء النّفس هي مجموع الإشارات التي يعبّر بها عن الفكر. (محمد، 2010)
وقد قال فرديناند دو سيسور Ferdinand De Saussure: إنّ “اللّغة نظام من الإشارات يعكس الأفكار، ويعبّر عنها”. (دي سوسور، 1985، ص34)، إذًا اللّغة هي الوسيلة التي يستخدمها أفراد مجتمع واحد للتّواصل في ما بينهم.
1.1.3- مميّزات اللّغة
لخّص دي سوسور مميّزات اللّغة بشكل عام بالآتي:
أ- اللّغة محدّدة وواضحة، ويُحَدَّد موقعها في دائرة الكلام في المكان الّذي ترتبط فيه الصّورة السّمعيّة بالفكرة. إذًا هي الجامع الاجتماعيّ للّسان. ولا وجود للّغة من دون وجود أعضاء مجتمع متّفقين يتكلّمونها.
ب- اللّغة ملموسة ما يساعدنا على دراستها. فالإشارات اللّغويّة ليست تجريديّة، بل هي أمور حقيقيّة يمكن إدراكها بالحواس، وتحويلها إلى رموز كتابيّة.
ج- تختلف اللّغة عن الكلام.
د- اللّغة متجانسة، إنّها نظام من الإشارات جوهره الوحيد الرّبط بين المعاني والصّور الصّوتيّة. (دي سيسور، 1985م، ص33)
1.1.4- خصائص اللّغة العربيّة
أ- الإعراب
الإعراب هو “تغيير الحالة النّحويّة للكلمات بتغيير العوامل الدّاخلة عليها. فهو من أقوى خصائصها وأكثرها أهمّية، إنّه القادر على التّمييز بين الفاعل والمفعول، وبين التعجّب والاستفهام… وللإعراب أهمّيّة قصوى في ترجمة الأفكار، ونقل المفاهيم، وإبعاد الغموض، وفهم المعنى المقصود”. (ابن فارس، 1997م، ص161)
ب- الخصائص الصّوتيّة
تمتلك اللّغة العربيّة مدرّجًا صوتيًّا واسعًا. فمخارج الحروف تتوزّع بين الشّفتين إلى أقصى الحلق على الرّغم من محدوديّة الأحرف (ثمانية وعشرون حرفًا فقط). (السّليم، ص4)
ج- خصائص الكلمة العربيّة من حيث الشّكل والصّيغة والوزن
قام العرب، في لغّتهم، باتّخاذ قوالب عُرِفَت بالفاعليّة، والمفعوليّة، والزّمان، والأصوات… وهي تشبه الأوزان الموسيقيّة. فالقالب الدّال على الفاعليّة مثلًا هو على وزن فاعل (كتب/ كاتب – جلس/ جالس…) والميزة الأساسيّة للعرب هي الخاصّيّة الموسيقيّة الّتي نلاحظها في الشّعر والنّثر من خلال الأوزان. (الشّبنتي، ص5)
د- التّعريب
يقوم التّعريب على آليّة تهذيب كلمة استنادًا إلى أوزان عربيّة، وهو صبغ كلمة أجنبيّة بصبغة عربيّة. فعلى الرّغم من حرص العرب على المحافظة على إرثهم الثّقافيّ إلّا أنّ بعض المصطلحات الأجنبيّة قد انزلقت إلى اللّغة لا سيّما خلال الغزوات، فتمّ تعريب الكلمات الأعجميّة، وصياغتها بما يتناسب، واللّغة العربيّة عبر إضافة حروف، أو إنقاصها، أو إبدالها. (الثّعالبي، 1999م، ص206)
ه- الاشتقاق
إنّ كلمات اللّغة العربيّة، بالنّسبة إلى علماء اللّغة العربيّة، تندرج ضمن “عائلات كبيرة” فهي مجتمعة ولها نسب. فمثلًا كلمة “كَتَبَ” يشتقّ منها كتاب، مكتوب، مكتبة، كتابة… هذا الأمر يسهم في توضيح اللّغة العربيّة، والمحافظة على أصلها وردّ الأسماء المجتمعة في أصلها إلى رباط واحد ما يسهّل عمليّة التعلّم والتّعليم. (الثّعالبي، 1999م، ص206)
فالاشتقاق هو الأساس في تكوين الوحدات اللّغويّة للّغة العربيّة، فجذر الكلمة الثّلاثيّ هو الّذي تُبنى عليه الأشكال اللّغويّة أيّ الأوزان المختصّة بالأفعال، والأوزان المختصّة بالأسماء. إنّ الاشتقاق يسهّل عمليّة صياغة الأسماء والأفعال بالنّسبة إلى المتعلّمين ما يسهم بشكل مباشر في زيادة المخزون اللّغويّ لديهم. (صيّاح، 2011م)
و– الإسناد
الإسناد هو الأساس الّذي تُبنى على أساسه الوظائف النّحويّة، ويتمّ من خلاله تحديد المسند والمسند إليه أيّ الفعل، والفاعل في الجملة الفعليّة، والمبتدأ والخبر في الجملة الاسميّة. وينتج عن ذلك تحديد المتمّمات أي كلّ ما يُزاد إلى المسند والمسند إليه لإتمام المعنى وتوضيحه ويُسمّى بالفضلة. (صيّاح، 2011م)
1.2- تحدّيات اللّغة العربيّة
شكّل موضوع اللّغة العربيّة خلال العقد الأخير، موقع نقاش على طاولات البحث العربيّة والإقليميّة من مؤتمرات، ومنتديات، وورش عمل تهدف إلى دعم اللّغة العربيّة، وتحسين طرائق تعليمها، وتأهيل من هم على ارتباط بها.
ورد على لسان غوتيه Ghottieh أنّ اللّغة تصنع الإنسان أكثر ممّا يصنع النّاس اللّغة. ويؤكّد هذا القول على قدرة اللّغة وطاقاتها في التّعبير عن حقيقة وجود الكائن الإنسانيّ. (الرّيحاني، 2003م، 29)
فما هي أبرز التحدّيات الّتي تواجهها اللّغة العربيّة في مجتمعنا المعاصر؟
عندما يبدأ الطّفل بالاحتكاك مع الآخرين، يبدأ بتعلّم لغة “الكبار” وتبدأ هذه اللّغة بالتّحسّن، ويتّسع معجم كلماته مع تقدّمه في العمر، وهنا يكمن الفارق بين الطّفل العربيّ، والطّفل الأجنبيّ. فهذا الأخير، بشكل عام، يتعلّم لغته الدّائمة الّتي سيستعملها لاحقًا في القراءة والكتابة. بعكس الطّفل العربيّ الّذي يواجه تحدّيات شتّى إذ إنّ اللّغة الّتي يتلاغى بها هي”العامّيّة” وهي تختلف عن الّتي سيتعلّمها في المدرسة، ويستعملها في القراءة والكتابة أي “الفصحى”. والفصحى، لغة التّعلّم والتّعليم، تستلزم منه أضعاف الوقت الّذي يحتاجه المتعلّم الأجنبيّ على مقاعد الدّراسة لتعلّم لغته الأمّ. من هنا يبدأ التّحدّي الثّاني الّذي يواجهه المتعلّم، والّذي يتمثّل بصعوبة تعلّم اللّغة العربيّة، والّتي كان من المفترض أن تكون الأسهل لأنّها لغته الأم. ويبدأ الصّراع بين أهمّيّة تعلّم اللّغة العربيّة، اللّغة الأمّ واللّغة الرّسميّة، وبين التوّجه إلى اللّغات الأجنبيّة خصوصًا مع تفشّي ظاهرة البرامج التّرفيهيّة الّتي تتوجّه إلى الأطفال، والّتي تكون ناطقة باللّغات الأجنبيّة. ولا يمكن التّغاضي عن اكتساح التّكنولوجيا الحديثة عصرنا الحاليّ، وبما أنّ أغلبها باللّغة الإنكليزيّة، فإنّنا نلاحظ توجّه المتعلّم إليها وانكفاءه عن اللّغة العربيّة ما يشكّل تحدّيًا كبيرًا لها لأنّه يترجم ارتباط الفرد بالتّكنولوجيا، وبالعالم، بوساطة اللّغة الأجنبيّة، ما يشكّل خطرًا على اللّغة العربيّة. فاللّغة الإنكليزيّة تُدّرَّس كمِفتاح للمستقبل بينما تُدّرَّس العربيّة كتكريس للماضي. (كلّاب البساط، 200م)
ماذا عن القراءة والمطالعة؟ هذه المسألة تطرح صعوبات متعدّدة لدى المتعلّم خاصّة بسبب حسبان البعض أنّ الكتب العربيّة مملّة. والملاحظ الصّعوبة لدى المتعلّم في درس القراءة إذ يلجأ إلى حفظ العبارات الصّعبة، وتهجئة الكلمات فقط بهدف النّجاح في المادّة، ولا تكون بالتّالي الغاية فهم العبارات، وإعادة توظيفها. فليس هناك ما يدعو إلى الدّهشة حين نجد أنّ أغلبيّة المتعلّمين معتكفون عن اللّغة العربيّة خصوصًا في ظلّ غياب الوسائل الحديثة لتعليم اللّغة العربيّة، وننصدم في الواقع بمعلّمي لغة لأنّهم يكرّرون أنفسهم سنة تلو الأخرى، وتقوم طرائقهم في التّعليم على التّلقين والإلقاء.
3.1- حال اللّغة العربيّة في المدارس اللّبنانيّة الخاصة
1.3.1- الثنائيّة اللغويّة
كما سبق وأشرتُ فإنّ اللّغة ظاهرة يتميّز بها مجموعة من الأفراد. وعندما بدأت هذه المجموعات تكوّن جماعات مختلفة، اعتمدت كلّ جماعة لغتها الّتي تميّزها من بقيّة الجماعات، وبما أنّ الجماعات متنقّلة، وغير مستقرّة بسبب البحث عن أسس العيش، نتج من هذا التنقّل الاحتكاك اللّغويّ بين الجماعات المتعدّدة، وبالتّالي ظهور الثّنائيّة اللّغويّة. (محمود، 2002م، ص67). عرّف محمد الخولي الثّنائيّة اللّغويّة أنّها “استعمال الفرد أو الجماعة للغتين بأيّ درجة من الإتقان، ولأيّ مهارة من مهارات اللّغة، ولأيّ هدف من الأهداف.” (ورد في محمود، 2002 م، ص67)، وحدّد معجم زكريا الثّنائيّة اللّغويّة أنّها حالة لغويّة تقوم على لجوء أفرادها عادة إلى اعتماد لغتين مختلفتين بسهولة مطلقة في مجالات الحياة اليوميّة وأنشطتها. (Zakaria N, 2007)
ففي لبنان، فضلًا عن اللّغة العربيّة، تُسْتَعْمَلُ اللّغة الفرنسيّة، أو الإنكليزيّة كلغة ثانية للتّعليم، فيبدأ احتكاك المتعلّم بهذه اللّغة الأجنبيّة منذ الصّفوف الأولى، وذلك استنادًا إلى نصّ المناهج اللّبنانيّة. (Zakaria M, 2011, p 67) إنّ اعتماد هذه اللّغات الأجنبيّة منذ صفوف الحضانة الأولى، يجعل المتعلّم يميل إليها كونها غنيّة بالمواد والوسائل الحديثة. والاختلاف الكبير بين تراكيب اللّغة الأجنبيّة، وتراكيب اللّغة العربيّة، ما يخلّف لدى المتعلّم صعوبة في التّعبير. (Zakaria M, 2011, p70). إنّ هدف المدرسة هو العمل على إكساب المتعلّم لغته الأمّ ليتمكّن من التّعبير بوساطتها، وتحفيزه على إتقان لغة هي هُويّته الأساسيّة. لكنّ اعتماد اللّغتين العربيّة، والفرنسيّة، أو الإنكليزيّة في الصّفوف الأولى خطوة قد تشتّت المتعلّم، وتنعكس بشكل سلبيّ على اللّغة العربيّة.
2.3.1- الازدواجيّة اللّغويّة
بعد أن كان العالم الفرنسي وليم مارسيه أوّل من تطرّق موضوع الإزدواجيّة اللّغويّة، فقد عرّفها بأنّها التّنافس بين لغة أدبيّة مكتوبة، ولهجة عاميّة شائعة. ونقل شارل فرغوسن، العام 1959م، هذا المصطلح إلى اللّغة الإنكليزيّة ليدلّ به على شكلين مختلفين من الاستخدام للّسان نفسه أي إنّه يستخدم أحدهما في الحياة اليوميّة العامّة، ويستخدم الثّاني في الأمور الرّسميّة، والدّوائر الحكوميّة… (محمود، 2002م، ص55). بالتّالي، فإنّ أبرز المشاكل الّتي تعيق المتعلّم هي صعوبة الانتقال من العامّيّة إلى الفصحى لا سيّما في الصّفوف الأولى.
أ- العربيّة الفصحى: إنّ العربيّة الفصحى هي أوّل لغة تداول بها العرب ويتشدّدون في المحافظة عليها على أساس أنّها لغة القرآن، وقد ساهمت في انتشار الإسلام دينًا وثقافة. (محمود، 2002م، ص61) فهي اللّغة الرّسميّة في المدارس، والمعاهد، والجامعات. لكنّ المشكلة، أنّ هذه اللّغة الفصحى، توصف أحيانًا بأنّها صعبة وجامدة.
ب- العامّيّة أو المحكيّة: “تُعرف أيضًا بالدّارجة (أي الّتي درجت على لسان العامّة)، وهي النّمط الّذي يكتسبه العربيّ بصورة طبيعيّة كلهجة أولى في جميع أنحاء الوطن، وهو يتعدّد ويتمايز من منطقة إلى أخرى. إنّه النّمط الّذي ازدهر بانتشار الأمّيّة، وغياب التّعليم متّجهًا نحو التّبسيط، والبعد عن أيّ تعقيدات في الصّوت والنّطق والظّرف”. (زغلول، 2002م، ص61). يواجه المتعلّم، عند دخوله المدرسة في سنواته الأولى، فرقًا شاسعًا بين محكيّته الّتي اعتاد استعمالها في محيطه الأوّل، واللّغة المفترض به استخدامها في المدرسة أي الفصحى. “فيُصدم ويتلكّأ أمام هاتين “اللّغتين” ويتساءل: هل يعبّر كما يحلو له بالعامّيّة. أم عليه استخدام الفصحى كما تعلّم في المدرسة؟” (Zakaria M, 2011, pp 73-74)
وقد عبّر جبران عن رأيه بقوله “إنّ اللّهجات العامّيّة لم ولن تسيطر، فهي الكلام المأنوس الّذي تتداوله ألسنة النّاس في حين أنّ الفصحى قد خلع عليها صفة “اللّغة”. (طراد، 2002م، ص105)
3.3.1- صعوبات التّعلّم
تُعدُّ العامّيّة من أبرز المعوّقات الّتي تقف حائلًا دون إتقان المتعلّم الفصحى، ومن أبرز هذه المعوّقات نجد:
أ- “صعوبة الصّرف والنّحو، فاللغة العربية الفصحى والمحكية العامّيّة ليستا كاللّغة العربيّة، واللّغة الفرنسيّة، بل هما وجهان للغة واحدة، وللسان واحد تجمع بينهما نقاط مشتركة عدّة كالتّراكيب والمفردات. وبما أنّ المتعلّم يمتلك مخزونًا لغويًّا عامّيًّا، تصعب عليه مقاربة الفصحى، وينعكس الأمر سلبًا في سنينه اللّاحقة. فعلى المعلّم أن يعمد إلى شرح درسه بالفصحى المبسّطة، وتصحيح صياغة المتعلّمين، والاستناد إلى الوسائل المعينة الّتي تجعل الفصحى محبّبة أكثر بالنّسبة إليه.” (شرتوني، 2003 م، ص51)
ب- عند دخول المتعلّم المدرسة في سنواته الأولى، “يُجْبَرُ على تعلّم الحرف العربيّ المتعدّد الأشكال، وإذا أضفنا إليه الحركات، يصبح لكلّ حرف عربيّ ستّة عشر شكلًا وصوتًا، وهو مضطرّ لتعلّمها دفعة واحدة. هذا من دون أن ننسى الصّعوبة الّتي تواجه المتعلّم حين نشدّد عليه بضرورة الكتابة الصّحيحة الخالية من الأخطاء الإملائيّة، متناسين صعوبة كتابة بعض الأحرف بالإضافة إلى بعض الصّعوبات السّيكوحركيّة”. (شرتوني، 2003م، ص52)
ج- قد يعمد المعلّم أحيانًا، بقصد أو بغير قصد، إلى تخطّي نموّ المتعلّم الذّهنيّ في الأهداف التّعليميّة وذلك:
- حين يتجاوز المنهاج حاسبًا أنّه يرفع من مستوى المتعلّمين.
- حين يخلط المعلّم بين الأهداف العامّة، والأهداف الخاصّة للدّرس، ويبدأ بمحاسبة المتعلّم على أخطاء لم يتعلّمها بعد.
- حين يهمل أهمّيّة الاكتشاف، والبحث لدى المتعلّم، ويستند إلى الإلقاء والتّلقين لإيصال المادّة. (شرتوني، 2003م، ص 55-58)
2- إشكاليّة البحث
إنّ تراجع اللّغة العربيّة قد زحف إلى مدارسنا، وإلى طلَابنا، وانعكس هذا الأمر تراجعًا في كتابات المتعلّمين وقراءاتهم لا سيّما من ناحية الصّيغ والدّلالة والتّراكيب. (العزاوي،2009م، ص84) فأتت معدّلات اللّغة العربيّة في الشّهادة الرّسميّة لسنة 2017-2018م متدنّية وعلى الشّكل الآتي:
- آداب وإنسانيّات: 48،87/ 90 أي ما نسبته 54،3%
- اجتماع واقتصاد: 30،44/ 60 أي ما نسبته 50،7%
- علوم الحياة: 29،8/ 50 أي ما نسبته 59،6%
- علوم عامّة: 29،6/ 50 أي ما نسبته 59،2%
- الشّهادة المتوسّطة: 32،28/ 60 أي ما نسبته 53،8% (نتائج الامتحانات الرّسميّة، 2017-2018م)
ومع زيادة عدد المتعلّمين المعتكفين عن اللّغة العربيّة، وتوجّههم نحو اللّغات الأجنبيّة، ولدت حاجة ملحّة إلى إعادة النّظر في وضع اللّغة العربيّة في مدارسنا اليوم. من هنا برزت أهمّيّة تسليط الضّوء على الثّغرات الّتي انزلقت بين حنايا منهاج هذه اللّغة ورتابة الطّرائق التّقليديّة المتّبعة في تعليمها. فيبدو واضحًا، استنادًا إلى ما سبق، بروز الصّعوبات والتّحديات الّتي تواجه اللّغة العربيّة في مدارسنا اليوم، في بلد يُعدُّ علمًا مهمًّا من أعلام التطوّر الفكريّ، والتربويّ، والثّقافيّ في العالم العربيّ. فهل من العدل أن تغرّب اللّغة العربيّة في موطنها؟
وبهدف سبر أغوار هذه المشكلة المتفاقمة والتّوصّل إلى إيجاد حلول مناسبة، يطرح البحث السّؤال الأساسيّ الآتي:
- ما هي أسباب تراجع معدّلات اللّغة العربيّة في المدارس اللّبنانيّة؟
ويتفرّع عن هذا السّؤال الأسئلة الفرعيّة الآتية:
- ما هي العوامل الّتي أدّت إلى تراجع مستوى اللّغة العربيّة في مدارسنا اليوم؟
- لماذا يفضّل أغلب المتعلّمين اللّغات الأجنبيّة على اللّغة العربيّة؟
- هل الوسائل التّكنولوجيّة الّتي تسهم في تقريب المادّة من ذهن المتعلّم مُستخدمة؟
- ما علّة عدم الرّغبة في تعلّم اللّغة العربيّة؟
- هل المشاكل الموجودة في تعلّم اللّغة العربيّة تعود أسبابها إلى المعلّم، أو المتعلّم، أو الكتاب؟
- ما المعايير العلميّة للمعلّم، والمتعلّم، والكتاب لتعليم اللّغة العربيّة؟
- ما هي الخطوات الواجب اتّباعها بهدف تحسين وضع اللّغة العربيّة في المدارس اللّبنانيّة؟
3- فرضيّات البحث
انطلاقًا من عنوان البحث وإشكاليّته، انبثقت الفرضيّة الأساسيّة الآتية:
- هناك علاقة بين طرائق شرح المعلّم للّغة العربيّة ومستوى تحصيل المتعلّمين.
ومنها تفرّعت الفرضيّتان الآتيتان:
- هناك علاقة بين توظيف المعلّم لوسائل حديثة في التّعليم، وانجذاب المتعلّم نحو اللّغة العربيّة.
- هناك علاقة بين محتوى كتاب اللّغة العربيّة، ورغبة المتعلّم في تعلّم اللّغة العربيّة.
4- منهج البحث وأدواته
اعتمدت في هذا البحث المنهج التّجريبيّ فهو منهج يستخدم لاختبار الفرضيات بالعلاقات من نوع سبب ونتيجة. ولتطبيق هذا المنهج، استندتُ إلى استبيان موجّه إلى متعلّمي الحلقة الثّانية من التّعليم الأساسيّ لتحديد أبرز المشاكل المرتبطة باللّغة العربيّة الّتي يواجهونها خلال سنوات دراستهم. تضمّن الاستبيان أربعة عشر سؤالًا بخِيارات متعدّدة تمحورت حول مدى استيعابهم للّغة العربيّة، وطرائق تعليمها، وآرائهم حول الكتاب المدرسيّ، ومستوى تحصيلهم في هذه المادّة في محاولة لتحديد أوجه المشكلة.
5- عيّنة البحث
تألّفت عيّنة البحث من متعلّمين ينتمون إلى الصّفوف: الرّابع، والخامس، والسّادس الأساسيّ في مدرسة خاصّة في كسروان تعتمد اللّغة الفرنسيّة كلغة ثانية إلى جانب اللّغة العربيّة. كما تدرّس ضمن المناهج التّعليميّة المتّبعة اللّغة الإنكليزيّة. وقد تشكّلت العيّنة من حوالى مئة وعشرين متعلّمًا.
6- عرض النّتائج ومناقشة الفرضيّات
1،6- عرض نتائج أسئلة الاستبيان
- في أيّ صفّ أنت؟
توزّع المتعلّمون المشاركون في هذه العينة على صفوف الحلقة الثانيّة، فأتت النسب على الشكل الآتي:
34.92٪ من الصّفّ الرّابع الأساسيّ – 33.33٪ من طلاب الصفّ ا الخامس لأساسيّ و31.75٪ من السّادس الأساسيّ. الملاحظ أنّ النّسب كانت شبه متساوية في التوزيع على صفوف عدّة من صفوف الحلقة الثّانية من التّعليم الأساسيّ.
|
- ما هي مادّتك المفضّلة ؟
عند طرح السّؤال حول مادة الطّالب المفضّلة، اختار 29،37٪ من المتعلّمين مادة الرياضيّات، فيما اختار 23،81٪ منهم اللّغة الفرنسيّة، واختارت نسبة 20،63٪ مادّة العلوم، بينما اكتفى 16،67٪ منهم باختيار اللّغة العربيّة كمادّتهم المفضّلة، وبقيت النسبة الأدنى لمادة اللّغة الانكليزيّة بنسبة 9،52٪. نلاحظ مدى تدنّي نسبة المتعلّمين الّذين اختاروا اللّغة العربيّة لكونها المادة المفضّلة بالنّسبة إلى عيّنة البحث بين المواد الأخرى.
3- هل يعتمد الأستاذ طريقة تعليم ناشطة تحفّزك على المشاركة؟
تساوت آراء المتعلّمين تقريبًاً عند سؤالهم حول الطرق الّتي يستعملها معلم اللّغة العربية في ما إذا كانت طرق محفّزة تحثّهم على المشاركة خلال الحصة، فأيّد 50،79٪ منهم الأمر بينما أنكرت نسبة 49،21٪ الأمر. وهذه االمؤشرات الرّقميّة إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أنّ نسبة كبيرة من أساتذة اللغة العربيّة يُعرضون عن استعمال الطرق الحديثة التي تساعدهم في تحفيز الطلاب على حبّ اللغة العربية، وتجذبهم إليها وإلى تعلّمها.
|
4- كيف هو مردودك (علاماتك) في اللّغة العربيّة؟
هذا الرّسم البياني يبرز لنا بشكل واضح النّسب المتفاوتة في نتائج المتعلّمين الأكاديميّة في ما يتعلّق بمادة اللّغة العربيّة إذ بلغت نسبة الحاصلين على تقدير جيّد جدًا أدنى المستويات 7،14٪ بينما تفوّقت الفئة المتوسطة على باقي النتائج أي 29،37٪، واللّافت أنّ نسبة الّذين حصلوا على نتيجة سيّىء وسيّىء جدًا تفاوتت بين 25،40٪ و23،02٪ مقابل 15،08٪ لمن حصل على تقديرٍ جيد.
5- أي طريقة في التّعليم يستعمل معلّم اللُغة العربيّة في صفّك؟
يعتمد 43،65٪ من مجموع معلّمي تلاميذ العيّنة، موضوع الاستبيان، على طريقة العمل الجماعيّ بمعنى آخر توجيه الطّلاب الموجودين في قاعة الدّرس، وحثّهم على التّعاون، والتّفاعل في ما بينهم، والاعتماد على أسلوب الحوار لتحقيق أهداف الدّرس مقابل 56،35٪ يعتمدون طريقة المحاضرة أي الطّريقة التّلقينية الّتي تُعدُّ بعيدة كلّ البعد من مسار التّعليم الحديث، وأسسه المتطوّرة.
6- إذا كان بإمكانك أن تلغي مادّة من المواد الدّراسيّة فأيّها ستختار؟
تمّ طرح سؤال مفصليّ مهم يقوم على معرفة رأي الطّلاب حول المادّة الّتي يرغبون في إلغائها من المنهاج التعليميّ في ما لو كان الخِيار عائدًا لهم، فاحتلّت اللّغة العربيّة المرتبة الأولى بنسبة 33،33٪ تلتها نسبة 17،46٪ من المتعلّمين الّذين اختاروا عدم إلغاء أي مادة. وبلغت نسبة الّذين يرغبون بحذف اللّغة الإنكليزية من المنهاج نسبة 14،29٪ واحتلّت اللّغة الفرنسية المرتبة الرّابعة بنسبة بلغت 8،73٪، وفي المرتبتين الخامسة والسّادسة تساوت كل من مادة الفنون ومادة الرياضيّات بنسبة 7،14٪، لتندرج مادتيّ التاريخ والجغرافيا في المرتبة السابعة بنسبة 5,56٪ تلتها العلوم بنسبة 4،67٪ لنصل إلى المادة الّتي حصلت على النسبة الدنيا بين المواد الّتي رغب المتعلّمون في إقصائها من مناهجهم وهي حصة التربيّة الرياضيّة بنسبة 1،59٪.
نلاحظ من خلال هذا الجدول أن أعلى نسبة احتلتها اللّغة العربية الّتي حصدت نسبة ٣٣،٣٣٪ أي ما يوازي حوالى ثلث الطّلّاب المشاركين في الاستبيان، وتعدُّ هذه النّسبة مرتفعة جدًا بالمقارنة مع المواد الأخرى. ويتجلّى لنا من جديد مدى ابتعاد المتعلّمين من اللّغة العربيّة، ونفورهم من هذه المادّة على الرغم من أهميتها الثقافيّة والتّعلميّة.
7- ما هي المادّة الّتي تجدها أصعب من غيرها خصوصًا عند أداء الواجب المدرسيّ في المنزل؟
احتلت اللّغة العربيّة النّسبة الأعلى كونها المادّة الأصعب في التعلّم، وبلغت هذه النّسبة 57،94٪ تلتها اللّغة الإنكليزية بنسبة ١٢٬٧٠٪ بالتوازي مع اللّغة الفرنسية، من ثَــمَّ احتلت مادّة العلوم المرتبة الرّابعة بين المواد الأكثر صعوبة بنسبة بلغت 8،73٪. وعُدّتْ مادة الرياضيات الأقلّ صعوبة في التعلّم بنسبة بلغت الـ٧٬٩٤٪.
اللّافت أنّ اللّغة العربيّة، التي حسبها المشاركون في هذا الاستبيان من أصعب المواد الّتي يدرسونها، فاقت نسبتها النّصف من إجمالي المجموعة المختارة، وتبيّن أنّها تشكّل حجر عثرة لدى الطلاب خصوصًا عند القيام بتطبيقها من خلال الواجبات المدرسيّة.
- هل يستعمل أستاذ اللّغة العربيّة وسائل تحفّزك لحبّ هذه المادّة وفهمها ؟
أظهر هذا الاستبيان أن نسبة 54،76٪ من معلّمي طلاب هذه العينة يستعينون بوسائل محفّزة لتعليم اللّغة العربيّة. بينما استثنت نسبة 45،24٪ الوسائل المساعدة في التّعليم، الأمر الّذي قد يكون من الأسباب الرئيسة الّتي ساهمت في نفور المتعلّمين من مادة اللّغة العربيّة والابتعاد منها.
|
9- كيف تصف حصّة اللّغة العربيّة؟
اعترف 38،89٪ من المتعلّمين أنّ حصّة اللّغة العربيّة صعبة بينما وصفها 25،40٪ أنّها عاديّة في ما احتلت صفة “شائقة” المرتبة الثّالثة بنسبة 15،87٪ ، تلتها نسبة 10،32٪ من المتعلّمين الّذين وصفوا اللّغة العربيّة أنّها مادّة مملّة، أما صفة “مثيرة للاهتمام” فكانت خجولة إذ بلغت فقط نسبة 9،52٪.
10- خلال حصّة اللّغة العربيّة، هل يستعمل المعلّم أدوات ووسائل حديثة خلال شرحه كالوسائل السّمعيّة البصريّة واللّوحات الجداريّة…؟
اللّافت في هذا الاستبيان أن نسبة 57،94٪ من المعلّمين لا يستعملون الوسائل الحديثة، والمتطورة خلال الشرح بالمقابل فإنّ نسبة 42،06٪ يستعملون الطّرائق، والوسائل الحديثة خلال الحصص الصفيّة، وهذا الأمر ينعكس سلبًا على حماسة المتعلّمين وقَبولهم هذه المادة.
|
11- أيّ كتاب من كتبك المدرسيّة تتصفّحه أكثر من غيره، ويجذبك لغناه بالصّور، والألوان، والأخبار المثيرة؟
لا يخفى علينا أهمية الكتاب المدرسي في جذب انتباه المتعلم نحو هذه المادّة. عند القيام بهذا الاستبيان في العديد من المدارس تساوى كتابا اللّغة الفرنسيّة ومادّة العلوم بنسبة 31،75٪ من حيث غناهما بالصّور، والألوان، والأخبار، المثيرة. تلاهما كتاب اللّغة العربية بنسبة 15،08٪ من ثَــمَّ كتاب اللّغة الإنكليزية بنسبة 12،70٪، ليحتل المرتبة الأخيرة كتاب الريّاضيّات بنسبة 8،73٪. بالطبع هذا الأمر ليس غريبًا إذ إنّ كتاب الرياضيات يفتقر بشكل عام إلى الرّسومات والألوان. لكن وعلى الرّغم من تقدّم كتاب اللّغة العربيّة على كتاب الرّياضيّات، إلّا أنّ الفرق لا يزال شاسعًا بين كتاب اللّغة العربيّة، وكتابي اللّغة الفرنسية والعلوم.
|
12- هل تجد أنّ دراسة اللّغة العربيّة شائقة ومهمّة؟
أوضح الاستبيان أن آراء المتعلّمين تقاربت في ما يخصّ دراسة اللّغة، وحسبانها مادة شّائقة ومهمة. إذ بلغت نسبة من صوّت للأمر بشكل إيجابي الـ53،17٪ على الرغم من ذلك نجد أن نسبة 46،63٪ منهم عدُّوا مادّة اللّغة العربيّة غير مهمّة وغير شائقة.
|
13- هل تعدُّ أنّ كتاب اللّغة العربيّة المدرسيّ شائق؟
صرّح 52،38٪ من المتعلّمين الّذين شاركوا في هذا الاستطلاع أنّ كتاب اللّغة العربيّة شائق بينما نسبة 47،62٪ وجدت أنّه كتاب غير شائق و يبعث على الملل.
. |
14- كيف تجد كتاب اللّغة العربيّة الّذي تستعمله؟
عندما تمّ توجيه السّؤال إلى المتعلّمين حول كتاب اللّغة العربيّة الّذي يستعملونه توزّعت النّسب على الشكل الآتي:
27،78٪ قالوا إنه لا بأس به فيما حسبت نسبة 26،98٪ أنّه كتاب يضجّ بالألوان والصّور، أمّا 23،02٪، فرأوا أنّه كتابٌ مملّ، وصرّح ٢٢،٢٢٪ أنّه كتابٌ يجذب الاهتمام. هذه النّسب المتقاربة تظهر لنا محاولة بعض مؤلفي كتب اللّغة العربيّة المدرسيّة تحسين الكتاب الموضوع بين أيدي المتعلّمين من ناحية الشّكل كما المضمون بهدف جذب المتعلّمين نحو المادة.
6،2- مناقشة نتائج الفرضيّة الأولى
نصّت الفرضيّة الأولى على أنّه هناك علاقة بين طرائق شرح المعلّم للّغة العربيّة، ومستوى تحصيل المتعلّمين. لا ننكر دور المعلّم المهمّ في تحفيز المتعلّمين، ورفع مستوى تحصيلهم من خلال الطّرائق الّتي يعتمدها خلال شرح درسه، فكلّما لجأ إلى طرائق حديثة، ومتطوّرة ارتفع مدى استيعاب المتعلّم للمادّة، وبالتّالي يرتفع تحصيله العلميّ فيها. في الاستمارة الموجّهة إلى المتعلّمين أشار السّؤال الثّالث إذا كان المعلّم يعتمد طرائق ناشطة في التّعليم فأنكر 49،21% الأمر. والسّؤال الخامس أظهر أنّ 56،35% من المعلّمين يعمدون إلى استعمال الطّريقة التّلقينيّة التّقليديّة في التّعليم. وقد وصف 38،89% من المتعلّمين حصّة اللّغة العربيّة أنّها صعبة و10،32 وصفوها أنّها مملّة. فالطّريقة التّقليديّة في التّعليم والّتي يعتمدها حوالي نصف معلّمي تلاميذ هذه العيّنة وابتعادهم من استعمال الوسائل الحديثة، جعل هذه المادّة صعبة على المتعلّمين، وانعكس سلبًا على مردودهم التّحصيليّ، الأمر الّذي ظهر واضحًا في الرّقم الرّابع من الاستبيان الّذي ركّز على مردود المتعلّمين إذ حصد 29،37% منهم درجة متوسّط و25،40% درجة سيّئ و23،52% درجة سيّئ جدًّا. كلّ ما سبق يؤكّد وجود علاقة بين أداء المعلّم، ومردود المتعلّمين، فكلّما كانت طرائقه تقليديّة وتلقينيّة، انخفض مردود المتعلّمين في اللّغة العربيّة.
3،6- مناقشة نتائج الفرضيّة الثّانية
نصّت الفرضيّة الثّانية على أنّ هناك علاقة بين توظيف المعلّم لوسائل حديثة في التّعليم، وانجذاب المتعلّم نحو اللّغة العربيّة. عصرنا اليوم هو عصر التّكنولوجيا، وقد غزت الوسائل المتطوّرة الحقل التّربويّ بشكل لافت. ففي السّؤال الثّامن من الاستبيان، سُئِل المتعلّمون إن كان معلّموهم يستعملون وسائل محفّزة خلال الشّرح، نفى 45،24% منهم الأمر. وفي السّؤال العاشر، طُرِحَ على المتعلّمين سؤالٌ يتمحور حول استعمال المعلّم لأدوات حديثة خلال شرحه كالوسائل السّمعيّة – البصريّة واللّوحات الجداريّة وغيرها، فنفى نسبة 57،94% الأمر. وقد أكّد 57،94%، أي أكثر من نصف عدد العيّنة، في السّؤال السّابع أنّ اللّغة العربيّة هي المادّة الأصعب بالنّسبة إليهم. واختار 16،67% فقط، في السّؤال الثّاني، مادّة اللّغة العربيّة أنّها مادّتهم المفضّلة. في المقابل 33،33% ألغوا مادّة اللّغة العربيّة من المنهاج لو تسنّت لهم الفرصة لذلك كما أشار إلى ذلك الرّقم السّادس. كلّ ما سبق يؤكّد الفرضيّة الثّانية، أي وجود علاقة بين استعمال الوسائل الحديثة من قبل المعلّم في التّعليم، والشّرح وإقبال المتعلّمين على المادّة المشروحة. فقد تبيّن لي ارتفاع نسبة المعلّمين الّذين لا يستعملون وسائل حديثة في شرح درس اللّغة العربيّة ما تسبّب في ارتفاع نسبة المتعلّمين المنكفئين عنها، وعدِّها لغة صعبة، وحتّى التّوجّه إلى إلغائها.
4،6- مناقشة نتائج الفرضيّة الثّالثة
نصّت الفرضيّة الثّالثة على أنّ هناك علاقة بين محتوى كتاب اللّغة العربيّة ورغبة المتعلّم في تعلّم اللّغة العربيّة.
فالكتاب المدرسيّ هو الوعاء الّذي يحوي منهاج كلّ مادّة دراسيّة، وهو الوسيلة الأكثر أهميّة الّتي يستعين بها المعلّم والمتعلّم على حدّ سواء لاكتساب المادّة، والمعروف أنّه كلّما كان الكتاب جذّابًا ومليئًا بالصّور والألوان وواضحًا، كلّما جذب المتعلّم، وجعله يميل إليه، وبالتّالي إلى المادّة. ففي السّؤال الحادي عشر، سُئِلَ المتعلّمون عن الكتاب المدرسيّ الّذي يتصفّحونه أكثر من غيره، فاحتلّ كتاب اللّغة العربيّة المرتبة ما قبل الأخيرة بنسبة 12،70% فقط، وصرّح 47،62% من المتعلّمين في السّؤال الثّالث عشر أنّ كتاب اللّغة العربيّة الّذي يستعملونه غير شائق. في حين أنّ 27،76% من متعلّمي العيّنة وجدوه لا بأس به، و23،02% وجدوه مملًّا في السّؤال الرّابع عشر. وأوضح السّؤال الثّاني عشر أنّ 46،83%، أي حوالى نصف العيّنة، وجدوا أنّ دراسة اللغة العربيّة غير شائقة وغير مهمّة.
استنادًا إلى ما سبق، نجد علاقة بين محتوى الكتاب المدرسيّ للّغة العربيّة، ورغبة المتعلّمين في المادة، وتشوّقهم تجاهها. فكلّما كان كتاب اللّغة العربيّة خاليًا من الرّسوم، والصّور، والألوان، انخفضت رغبة المتعلّمين في المادّة.
7- النّتائج والتّوصيات
استنادًا إلى ما سبق، نلاحظ فقدان اهتمام المتعلّمين باللّغة العربيّة بنسبة كبيرة، من جهة لضعف توظيف الوسائل الحديثة في التّعليم، والاستمرار في اعتماد طرائق تقليديّة في التّعليم، ولجوء المعلّمين إلى استعمال كتب لغة عربيّة لا تأخذ بالحسبان رغبات المتعلّمين، ولا تحفّزهم على استيعاب المادّة، لذلك نقترح:
- العمل على إخضاع المعلّم لدورات تدريبيّة تسهّل عليه عمليّة تطوير طرائق التّعليم الّتي يعتمدها لتتماشى وتطوّرات العصر الحالي.
- العمل على تطوير الكتاب المدرسيّ للّغة العربيّة ليتلاءم ومعايير الجودة العالميّة.
- العمل على تطوير قدرات المعلّم على توظيف وسائل مساعدة في عمليّة شرح الدّرس تسهّل الأمر على المتعلّمين.
قائمة المصادر والمراجع
المراجع باللّغة العربيّة
- ابن فارس، الصّحابي. (1997م). في فقه اللّغة. بيروت: دار الكتب العلميّة.
- الثّعالبي، أبو منصور.(1420ه). فقه اللّغة العربيّة وأسرار العربيّة. صيدا: المكتبة العصريّة.
- دي سوسور، فرديناند. (1985م). علم اللّغة العام، ترجمة يوئيل يوسف عزيز. بغداد: دار آفاق عربيّة للصحافة والنّشر.
- ريحاني، أمين ألبرت. (2003م). اللّغة العربيّة إلى أين؟ مشكلة تعلّم أم مشكلة إيصال؟، حلقة دراسيّة تنظيم مكتب العلاقات العامّة، جامعة سيدة اللويزة زوق مصبح، منشورات جامعة سيدة اللويزة.
- زغلول، محمد راجي. (2000م). الهيئة اللّبنانيّة للعلوم التّربويّة، الكتاب الثّانويّ الثّاني.
- زكريا، ميشال. (2002م). المدخل إلى علم الألسنيّة الحديث، الطّبعة الأولى. درعون: مؤسّسة نعمه للطّباعة.
- سليم، فرحان. اللّغة العربيّة ومكانتها بين اللّغات، http://www.saaid.net/Minute/33.htm، 26-5-2019
- الشّبنيتي، وهيبة. دور الاستثمار في اللّغة العربيّة على مستوى التّعليم العام، المؤتمر الدّوليّ الثّالث للّغة العربيّة، كلّيّة الآداب، جامعة الزّاوية.
- شرتوني، كمال. (2003م). اللّغة العربيّة إلى أين؟ مشكلة تعلّم أم مشكلة إيصال؟ حلقة دراسيّة تنظيم مكتب العلاقات العامّة، جامعة سيدة اللويزة، زوق مصبح: منشورات جامعة سيدة اللويزة.
- صيّاح، أنطوان. (2011م). تعلّميّة القواعد العربيّة، الطّبعة الأولى. بيروت، لبنان: دار النّهضة العربيّة.
- طراد، جورج. (2001م). على أسوار بابل، صراع الفصحى والعامّية في الشعر العربي المعاصر تجربة يوسف الخال. بيروت: رياض الرّيّس للكتب والنشر.
- عبد المطلب، محمد، (٢٠١١م). اغتراب اللّغة في وطنها، مجلّة الدّوحة، عدد ٥٠، ديسمبر.
- العزاوي، رحيم يونس كرو. (2009م). المناهج وطرق التّدريس. (دط). الأردن: دار دجلة.
- كلاب البساط، إلهام. (2001م). تطوير مناهج اللّغة العربيّة في لبنان. (دط). بيروت: النادي الثّقافيّ العربيّ، حلقة دراسيّة.
- محمد الشيخ، غريد،2010م. المعجم في اللّغة والنحو والصّرف والإعراب والمصطلحات العلميّة والفلسفيّة والقانونيّة الحديثة. بيروت: دار النّخبة للتأليف والترجمة والنّشر.
- المركز التّربويّ للبحوث والإنماء، نتائج الامتحانات الرّسميّة، 2017- 2018م.
المراجع باللّغة الأجنبيّة
- Zakaria , (2011). Le bilinguisme scolaire au Liban et le multiculturalismeL réalité et défis, Apprentissage et formation laboratoire, REFA, PUSEK, Jounieh, Liban.
- Zakaria , (2007). Dictionnaire de didactique, concepts cles à l’usage des enseignants. Zouk Mikael:Editions zakaria.
-[1] طالبة في المعهد العالي للدكتوراه “علوم الإنسان والمجتمع” – جامعة القدِّيس يوسف- كلّيّة العلوم التّربويّة.