تصميم القناع في مسرح الطفل بين الشكل والهدف
دراسة تطبيقيّة
م.م براء شكيب أكرم([1])
ملخص
يتناول البحث دراسة الأشكال التّصميميّة “الأقنعة” الخاصة بمسرح الطفل من حيث الشكل والهدف بوصفها أحد عناصر العرض المسرحيّ، لانها تشغل حيزًا ماديًّا فوق خشبة المسرح، وفي الوقت نفسه تسهم في إيصال المعنى والدّلالات إلى الطفل.
يتضمن الفصل الأول الاطار المنهجيّ: مشكلة البحث التي تبلورت بالسؤال الآتيّ: هل هناك إشكاليّة في تصميم الأقنعة في عروض مسرح الطفل بين الشكل والهدف؟ وجاء الهدف في التّعرف على حدود العلاقة بين الشكّل والهدف في تصميم الأقنعة، فضلًا عن أهمية البحث، وتحديد المصطلحات. الفصل الثاني “الإطار النّظريّ” تضمن مبحثين، المبحث الأول :القناع وقسمت على :
- القناع التّاريخيّ
- القناع والدراما
المبحث الثاني : الأهداف السّيكولوجيّة لتصميم القناع، وكانت الحصيلة النّهائيّة للإطار النّظريّ عددًا من المؤشرات التي أسفرت عنها الإطار النّظريّ.
أمّا الفصل الثّالث “إجراءات البحث” عينة البحث التّجريبيّة التّطبيقيّة التي تُنفذ بالاعتماد على الصّور الفوتوغرافيّة، وظهرت النّتائج التي نوقشت بالفصل الرّابع وعن طريقها وصلنا الى الاستنتاجات، وقدم التّوصيات التي يراها الباحث كفيلة بتطوير مهمة أداء عنصر الأقنعة في مسرح الأطفال وختم البحث بقائمة المصادر.
Research Summary
The research deals with the study of design shapes (the mask) of the child’s theatre in terms of form and purpose as one of the elements of the theatrical performance because the occupy a physical space above the stage and at the same time contribute to convey the meaning and connotations to the child. The first chapter includes the metholodological framework / research problem that crystallized with the following questions (is there a problem in designing masks iun child theatre performances between the shape and the goal?) The task came in identifying the limits of the relationship between the shape and the goal in masks design as well as the importance of research and defining terms chapter two (the theoretical framework) includes two topics, the first research : the mask and divided into first : the historical mask, second : the dramatic mask, the second topic : the psychological objectives of mask design. As for the third chapter : research procedures, the research sample is an experimental application that is implemented. The results discussed in chapter four have appeared and their methods have reached, conclusion and made recommendations that the researcher sees as his sponsor to develop the task of performing the mask element.
الفصل الأول : الإطار المنهجيّ
مشكلة البحث
تناولت العديد من الدّراسات مسرح الطفل بعدة خطابات دراميّة وتعليميّة وتربويّة تتوجه الى فئة عمريّة محددة، إذ تتنوع بمستوياتها في عمليّة استلام مجموعة من الخطابات التي تؤثر بالطفل ، إذ يتسع مسرح الطفل لممارسات فنية متنوعة عن طريق البدايات الأولى للابداع التي تمثلت على وفق طرائق المشاهدة لدى الجمهور، الذي يشكل وسطًا تجريبيًّا، يتلقى العرض وإشاراته ورموزه، ويفككها، ويستنطقها بحسب قدراته الفنيّة والجماليّة.
تُعد الأقنعة في مسرح الطفل واحدة من العناصر الفنّيّة المهمة في بناء الشّكل لما لها من دلالات ورموز، إذ تمتزج مع العناصر الأخرى وتشكل صورة مسرحيّة متكاملة، ويُعدُّ القناع من الدّلالات المسرحيّة المهمّة ليحقق عن طريقه اتصالًا مباشرًا يوحي بالجوانب البّصريّة والتشّكيليّة، ويمثل بعدًا دراميًّا من حيث كونها ذات دلالات واقعيّة، أو اجتماعيّة، أو خياليّة ، فالإدراك الجماليّ للازياء المسرحيّة يحمل قيمة في ذاته لتصل بشكل مقصود الى الطفل “المتلقي”، ولم يعد المصمم باعادة ترتيب عناصر الأقنعة فحسب ، بل يولي تصميماته أبعادًا متجددة عن طريق الكشف عن المنظور الجماليّ، إنّ تكوين القناع الشّامل يعتمد أساسًا على استحضار قدرات وطاقات جماليّة وإبداعيّة للمصمم من أجل تحقيق الاتصال بين القناع والطفل، إذ يعتمد العمل المسرحيّ بالدّرجة الأساس على الأفكار والإبداعات كأن تكون تصميمات على شكل حيوانيّ، أو نباتيّ أو خياليّ أو جماد يصل الى الطفل “المتلقي” بسهولة وتُعد كعنصر أساسيّ ونهم من عناصر التّشكيل في العرض المسرحيّ، لأنّ كل ما يعرض أمامه يشبه الى حدّ كبير ما يعيشه في حياته اليوميّة، إذ إن كل صورة يراها أثناء العرض يفسرها عن طريق إحساسه، “الطفل كائن محاكاتي” ، وأن المحاكاة عند الطفل ناتجه عن نزعه فطرية بداخله، أيّ أنّ الشّعور الجماليّ لا يعطي للطفل حاجزًا، بل أنّه يتغير ويكتمل معه تطور الطفل وسلوكه البشريّ، إذ إنّه كلما كبر كلما زاد شعوره الجماليّ، وشعوره الحسيّ، ومدركاته العقليّة، وتذوقه لشكل القناع، إذ إن الأطفال من عمر (9-12)* سنة يميلون الى المسرحيات التي تحمل أشكال تؤثر بالطفل، إذ يستطيع المصمم عن طريق تصميم القناع أن يوصل أهدافه التّعليميّة والتّربوية ، لتكون ذات توعيّة وإفادة للطفل “المتلقي”، إذ “يهتم المسرح اهتمامًا جديًّا بالمتلقي،لإيصال أهدافه المعرفيّة والمتعة وإثارة الجوانب الفكريّة “(1) عن طريق إنشاء صور تشكيليّة للعرض تساعد على تفعيل الذّاكرة، وفتح مساحات جماليّة إذ تسترجع الذّاكرة صورًا مرت عليه في الواقع عن طريق الاكتشافات الفاعلة في تحريك المنطلقات العقليّة والحسيّة للطفل، تتحول هذه الصور الى أشكال تصميميّة يستحدثها الطفل أثناء العرض المسرحيّ هذه العلاقة الجدليّة، أثارت الباحثة خاصة في عروض مسرح الطفل، مما سبق أرتأت الباحثة أن تضع سؤالها الآتي في تحديد مشكلة البحث والتي تتمثل بالسؤال الآتي: “ماهي المسافة الجماليّة لتصميم الأقنعة في مسرح الطفل بين الشكل والهدف؟” .
أهميّة البحث
يهم البحث المختصون بتصميم الأقنعة في مسرح الطفل العراقيّ، والمؤسسات التّربويّة والفنيّة ذات العلاقة.
هدف البحث
التعرف على العناصر الفنيّة والجماليّة للشكل والهدف في عروض مسرح الطفل.
حدود البحث
الحدّ المكانيّ: كليّة الفنون الجميلة.
*(9-12) إن الأطفال في المرحلة العمريّة تتطور إدراكاتهم الحسيّة والعقليّة، وتزداد عندهم قوة الانتباه ويستوعب أكثر من المدّة السّابقة.
الحدّ الزّمانيّ: 2021
الحدّ الموضوعيّ: تصميم القناع في مسرح الطفل، لشخصيّة تعليميّة “القناع” للمرحلة العمريّة (9-12) سنة.
تحديد المصطلحات
التّصميم: اصطلاحًا:أنه”عملية الخلق والابتكار وإدخال أفكار جديدة عن طريق صياغة، وتنظيم العلاقات الشّكليّة التي تشمل تكوين الشّخص من قمة الرأس إلى القدم، أيّ تنظيم العلاقات الجماليّة المنشودة باستعمال القماش، والكلفة، والاكسسوارات مع نوع الجسم المراد التّصميم له” (واخرون س.، 1993، صفحة 55) “إنّ كلّ ما في تصميم الأقنعة، وعلاقتها وعلاقتهما مع بعضهما بجدليّة نقض البعض للبعض الآخر للخروج بفكرة جديدة على أساس الموضوع ، أيّ نفي السّالب فيه لإعطاء نقيضه من أجل إعطاء الهيئة العامة شكلًا نهائًّيا مبتكرًا، يفيد من النّاحيتين الوظيفيّة والجماليّة للحصول على أعلى الحالات لتصاميم ملابس حديثة، ومتجددة تتبع الموضة، وبمواصفات متميزة تلتقي مع الحاجة الاجتماعيّة وغيرها” (العاني، 2000، صفحة 13)
“هو ابداع وخلق الأعمال جميلة وممتعة ونافعة، وهو إبداع وخلق الأعمال الممتعه والنّافعة ، وهي الخطة الكاملة لتشكيل شيء ما وتركيبه في قالب موحد ليس من الناحيّة الجماليّة، بل من النّاحية الوظيفيّة” (خنقر، 1983، صفحة 18)
التّعريف الإجرائيّ: (عمليات خلاقة مبتكرة بصياغات تصميميّة، منتظمة للخروج بشكل جديد يشدّ الطفل لتحقيق الناحيتين الجماليّة والوظيفيّة من أجل إعطاء شكل نافع وممتع)
القناع: اصطلاحًا
عرفه (سيد سعيد) “الجزء المصمم بمستوى عالي التقنيّة يشتمل على هيكليّة منتظمة ذو وظيفة إيهاميّة تنكريّة تحقق التّكامل الفنيّ والجماليّ ” (سعيد س.، 1999، صفحة 79)”ان القناع يرتبط بالشّخصيّة الدّراميّة والأصل اللاتينيّ لمصطلح persom هو ما يضع الممثل على وجهه أثناء التّمثيل ” (صباح، 2017، صفحة 13) يقترب الباحث في تعريفه الإجرائيّ من (سيد سعيد) كونه يتوافق مع اجراءات البحث.
الشكل : اصطلاحًا
عرفه (ريد) على أنّه “ثمة شكل بالمعنى الإدراكيّ الحسيّ هو شرط ضروريّ بالتّشخيص الإدراكيّ الحسيّ للمحتوى، وثمة شكل بالمعنى البنائيّ، وهو تناغم معين أو علاقه تناسبيّة للأجزاء مع الكلّ، وكل جزء مع الآخر يمكن تحليلها” (ريد، 1983، صفحة 89) وهو “الانسجام الخارجيّ للاجسام غير الحيّة” (لالاند، 1996، صفحة 42)
” إن الشّكل هو المساحات التي تدرك على أنّها شكل معين، فاذا لم يكن الشّكل معروف يطلق عليه شكل مجرد ” (رياض، 1974، صفحة 85)
التّعريف الإجرائيّ: “مجموعة علاقات تناغميّة مدركة بين الجزء والكل، وكل جزء مع الآخر، فضلًا عن إضافة الهدف اليه لتدرك من قبل الطفل حسيًّا”
الهدف :اصطلاحًا: “مجموعة القيم والمفردات والمستويات التي ترمي الى تحقيقها والوصول اليها” (قشلان، 1986، صفحة 45) “إنّها وصف لنمط السلوك، أو الأداء الذي تعد أحداثه للمتعلم ، ويُظهر في مواقف تعليميّة، وتفاعله مع مواقف الدّرس” (السيد، 1981، صفحة 51)
كما أنّها :”اتجاهات يبحث عنها المربون لتوجيه أولئك الذين يقعون تحت رعايتهم ” (تيغيم، 1973، صفحة 822)
التّعريف الإجرائيّ: (مجموعة قيم واتجاهات تعليميّة يبحث عنها المسرحيون لتوجيه مجموعة من الأطفال بسلوك معين يرمون الى تحقيقه).
مسرح الطفل
هو العرض المسرحيّ الذي يقوم على وفق مقومات الدّراما على أنّ بالحسبان في تركيبه العلاماتي قدرة الطفل على فكّ شفرات المشهد المسرحيّ التّربويّة والتّعليميّة والجماليّة بيسر ” (سعدون، 2006، صفحة 13)”إنّه العمل المسرحيّ الموجه للأطفال الذي يراعي متطلبات خصائصهم العمريّة محتوى وتعبير ودلالة ويهدف الى غاية جماليّة وتربويّة وتثقيفيّة” (السالم، 1998، صفحة 336) يقترب الباحث في تعريفه الإجرائيّ من “تركي السالم” لأنّه يتوافق مع إجراءات البحث.
الفصل الثاني: الإطار النّظريّ والدّراسات السّابقة
المبحث الأول : القناع
القناع هو الوجه الآخر للمشخصاتي للممثل، إذ يساعد على أداء مجموعة من الأدوار التّمثيليّة في سياقات دراميّة مختلفة، ويعدُّ الغلاف الفنيّ والجماليّ الذي يحيط بالوجه الثّابت للممثل المسرحي وبعده التّشخيصيّ والدّيناميكيذ. ويعكس لنا فئة الخير أو فئة الشّرّ، ويوضح لنا الطبقة الاجتماعيّة التي ينتمي إليها الممثل، هل هو من طبقة أرستقراطية أو من طبقة فقيرة، ويحدد لنا سن الشّخصيّة الدّراميّة المشخصة، ووظيفتها الاجتماعيّة.
أولًا: القناع التاريخيّ
لما تكررت حالة الاختفاء والتّنكر التي قام بها الإنسان البدائيّ لهيئة الحيوان، وجد نفسه بحاجة إلى قناع يخفي به وجهه ويزيد من تنكره، فأخذ يحفر في الخشب والأغلفة النباتيّة رؤوسًا يرتديها أو بعبارة أخرى يخترع القناع، وقد تعددت أشكال الأقنعة تبعًا لدلالاتها ووظائف استخدامها من الإنسان فأقنعة رقصة الحرب تختلف عن الرّقصات الدّينيّة على الرّغم من انضواء كليهما تحت تصميم القناع. استخدم العراقيون القدماء الأقنعة والملابس التّنكريّة في أثناء قيامهم ببعض الطقوس والأنشطة الشّبه درامية، ويعود استخدام الأقنعة في حضارة وادي الرافدين إلى ((الألف الرابع ق.م ولاستخدامات مختلفة وبخاصة في الطقوس الدّينيّة والسّحريّة، وكانت تلك الأقنعة لعفريت أو شيطان Demon Mask فأقنعة الشّيطان كانت تستخدم لأنّها تمتلك قوى العلاج أو الشّفاء. وقد ظهرت في حضارة وادي الرافدين ثم ظهرت متأخرًا عند الإغريق والفينيقيين لغرض المحاكاة)) (Giovanni, 1966, p. 64)
أخذ القناع مكانة مهمة في المسرحيات الإغريقيّة، إذ تكمن فيها أهمّية ومكانة تؤدي وظائف مزدوجة دلاليّة وتزيينيّة، فضلًا عن ما يمتلكه من سمات ومعايير ذوقيّة وجماليّة.
إن بدايات المسرح الإغريقيّ ترتبط بموسم قطاف العنب، فيرقص النّاس ويشربون النبيذ وكانوا يتغنون باسم ديونيزوس إله الخمر، يقدمون القرابين إعرابًا عن الحبّ والولاء، وقد شاب مثل ذلك في الاحتفالات التي شهدت تكوين فنّ الدّراما.
من المعروف أنّ القناع ظهر في المسرح اليونانيّ لتجسيد التراجيديا والكوميديا لتشكل ثنائية الشّرّ والخير، إنّ الممثل اليونانيّ يرتدي الأقنعة ليتنكر أمام الجمهور.
ركز المسرح اليونانيّ على ثلاثة ممثلين ابتداءً من سوفوكليس ليقوموا بتشخيص الأدوار الرئيسة النّاطقة، ومعنى هذا أنّ كل ممثل يطالب أن يؤدي أدوارًا متعددة، إنّ الممثلين ينتقلون من شخص إلى آخر من خلال تبديل الأقنعة للإيحاء بتغير الشّخصيات، نجد أنّ الجمهور اليوناني دائمًا متعود على التقليد، كان ينتقل من شخصية الملك إلى الفلاح وهكذا.
أمّا الأقنعة فيذكر (ليفر) أنّ استخدامها في المسرح الرومانيّ يرجع إلى القرن الثالث ق.م. ويعد الممثل روشيوس – معاصر كيكرو أول من استعمل القناع سواء في الملهاة أو في المأساة([2]) واستخدم ممثلو المهازل الاتليه* الأقنعة لتقديم شخصيات نمطية مثل الأبله، العجوز الخرق والشره (ليفر).
أمّا الأقنعة المسرحيّة في العصور الوسطى، فقد استخدمت الأقنعة لاسيما بعد خروج المسرحيّة من داخل الكنيسة إلى الطرقات، (…) إذ وظفت لتجسيد الشّخصيات الحيوانيّة والخرافيّة والخياليّة، كالحيات الضخمة ذات الأجسام الهائلة، ووحوش التنين من خلالها تحاكي هذه الحيوانات التي يصعب تجسيد الشّكل الطبيعيّ، ساهمت الأقنعة في خلق الأجواء المناسبة لتلك المسرحيات الورعة والتي شدت انتباه الجمهور واهتمامهم من خلال تجسيدها لشخصياتها ومناظرها كالجحيم والشياطين. (عثمان، 1989، صفحة 41)
ثانيًّا : الممثل والقناع
العلاقة مبدئيّة وأساسيّة (القناع) في المسرح يرتبط بعلاقة أساسيّة مع الممثل خاصة إذا أدركنا أنّ هذا القناع يمكن أن يكون بديلًا عن الماكياج. والحديث عن الماكياج هو حديث عن الأداء التّعبيريّ لوجه الممثل في المسرح، وبهذا نستطيع أن نؤشر “أن الاستخدام الأول والأساسيّ لمساعدة الممثل في التّعبير عن الحالة السايكولوجيّة والفسيولوجية في الأداء الحركي لجسم الممثل بشكل عام ولوجهه بوجه خاص، أمّا الاستخدام الثانيّ فهو استخدام جماليّ وذلك من خلال استخدام الشكل الجماليّ للقناع من حيث الجانب الماديّ، والاستخدام الجماليّ للقناع من حيث المعنى الدّلاليّ الذي هو خارج الحدود في النقطة أولًا وفي الحالتين فإنّ المفهوم الجماليّ هو مفهوم نسبيّ متعدد الدّلالة ومتعدد التأثير”**. ولذلك نجد أن القناع في المسرح الحديث قد تجاوز مهمته الأولى في الاستخدام التّعبيريّ إلى الاستخدام الجماليّ وفي هذه النقطة “الجماليّ” فإنّ وظيفة الممثل هو مساعدة القناع في تحقيق الجماليّة من خلال أداءه الفسيولوجيّ، وبذلك يتحقق الأداء المسرحيّ معنى جماليّ يرتبط بالقناع المستخدم، وإذا ما عرفنا أنّ القناع في المسرح الحديث “المسرح المعاصر” قد تنوعت أشكاله ومواصفاته إذا لم يعد يغطي الوجه بشكل كامل، وإنّما يغطي أجزاء معينة من الجسم وتبقى الأجزاء الأخرى مكشوفة تساهم في التعبير الحيّ. وهناك مقولة تقول بأن خلق شيئاً فنياً متوسط القيمة ولكنه حي أفضل ما تخلق شيئًا فنيًّا عالي القيمة ولكنه ميت.
استخدم القناع الحياديّ (جاك لوكوك)*: إنّ العمل الحياديّ يأتي بعد التمثيل السّيكولوجي الصامت تحت كل الأقنعة سواء أكانت أقنعة تعبيريّة أو أقنعة الكوميديا دي لارتيه، إنّ القناع الحياديّ الجيد من الصعب جدًا تنفيذه، وليس له علاقة بالأقنعة البيضاء المستعملة في الاستعراضات، إنّ القناع الحياديّ مثل جميع الأقنعة الأخرى يجب أن لا يلتصق بالوجه، وأن يحافظ على مسافة معينة ما بينه وبين الوجه، لأنّه بالضبط مع هذه المسافة يستطيع الممثل أن يلعب كما في الواقع. (لوكوك، 2018، صفحة 73) وأدخل اللعب بالقناع في عروض مسرحيّة وقد بدأ التّدريس بهذا القناع والتّعبير الجسديّ والكوميديا دي لارتيه والأقنعة التّعبيريّة والألعاب البهلوانيّة الدراماتيكيّة.
أصدر كوردون كريغ مجموعة من الدّراسات في مجال المسرح من بينها مجلة مشهورة كانت تحمل اسم “الماسك The Mask” التي ظهرت لأول مرة سنة 1908 بإيطاليا وفلورنسا واستمرت بإصدارها حتى سنة 1929 ويدل عنوان المجلة على مدى اهتمام كبير بالأقنعة ذات الوجوه المقنعة المحققة للسحرية. ويعتبر قناع الرأس مثالي في المسرح تم تحديد مصدر غير صحيح. ومن هنا نجد كوردون كريغ ثار على الممثل الطبيعيّ والواقعيّ اللذين استخدموا في المحاكاة والتّقليد، وفضل كريغ أن يستخدم الدّمى والأقنعة والماريونيت والعرائس في مسرحياته بدلاً من الشخصيات التمثيلية.
ثالثًا : القناع والدراما.
إنّ الأصل التاريخيّ من الأمور الأساسيّة للقناع واستخداماته في المسرح، ارتبطت بشكل جوهري بالدّراما وأنواعها التي كانت سائدة آنذاك في زمن الإغريق، وكان القناع يعد مسألة أساسيّة في أداء الدور بالنسبة إلى الممثل. إنّ القناع يؤدي وظائف شكليّة فقط لها علاقة بالمظهر الخارجي للممثل، وذلك بسبب ثبوت ملامح القناع وعدم تغير هذه الملامح على القناع نفسه، وهذا ما نجده في الشكل (1).
شكل (1)
إنّ هذا القناع لا يمكن تغيير حجمه وشكله، إذ يتناسب بالحجم والشّكل مع الزي المسرحيّ، ويستخدم بشكله البسيط جدًا في المسرح الاليزابيثيّ، أما بالنسبة إلى اللون لم يكن القناع يأخذ بالحسبان، وإنّما كانت ألوانه محددة مائلة إلى الألوان الجبسيّة وفي بعض الأحيان تبرز في العصر الحديث وخاصة عند ظهور تصميم المناظر والدّيكور، وكان لون القناع يتماشى مع لون الملابس وهذا يتطلب أن يكون المصمم على مستوى عالٍ من الدّقة والحرفيّة إذ يؤدي أن يقوم بتصميم هذا القناع بما يتناسب مع الشّخصية، وأن هناك بعض النقاد المحدثين يصنفون القناع كواحد من أنواع الأزياء (الملابس) وكذلك لكونه كان الممثل يرتديه، وأصبحت الأقنعة الحديثة تصمم من القماش في بعض الأحيان، أو من المواد المطاطيّة اللدنة، وأصبحوا في الوقت الحاضر يعملون قوالب على مستوى عالي الجودة لوجه الممثل، بحيث تتطابق مع وجه الشّخصية المراد أداءها على المسرح
وهذا لا يعني أنّ القناع لم يكن مفيدًا، إنه يؤدي دورًا مهمًا للممثل في سبيل إيصال تعبيرات الوجه إلى الحشود الكثيرة من المتفرجين وخاصة الجالسين منهم في أماكن بعيدة وعالية، فهم لا يستطيعون أن يميزوا تفاصيل الملامح الموجودة على وجه الممثل بحيث اكتفى القناع بإبراز الملامح الأساسيّة وتكبيرها لكي تكون مرئية كالعين والشفاه، وهذا الارتباط ما بين القناع من جانب وما بين طبيعة الفعل الدّرامي من جانب آخر ساهم في الكثير من النصوص لإعطاء ليس فقط المظهر الخارجيّ وإنما المضمون الداخلي الذي تطور في ما بعد.
فتمثيل شخصية الشّرير أو السّاحر مثلاً يتطلب من مصمم الماكياج أن يخفي بشكل متكامل ورسم ملامح متجددة توحي بالشر، فضلًا عن استعمال الحواجب واللحية والشعر المستعار، وغيرها من ملحقات.
المبحث الثاني : الأهداف السيكولوجية لتصميم القناع.
يمثل المسرح من الوسائل المهمّة التي تعتمد في إيصال التّجارب إلى الأطفال إذ يهتم الكثير من المربين والفلاسفة، والمفكرين بمسألة الطفولة ودور المجتمع في رعايتها وكيفيّة الاهتمام بها، يكتب “كوديون” قائلًا: “إن من تجارب طرق التربية من العوامل المهمّة في التكوين النّفسيّ للأطفال، ويشبه الطفل بالحجر الأبيض إذ يطبع عليه كل ما يتعلمه” (كورسون، 1979، صفحة 20)
إنّ مرحلة الطفولة هي من مراحل تكوين الشخصية المهمّة، وهي أساس لكل المراحل اللاحقة، وتقع المسؤوليّة على عاتق الدولة والمجتمع والمؤسسات التّربوية وبما فيه مسرح الطفل، إن: “التّعليم يجب أن ينطوي على غزارة في المعنى” (الوادي، 2006، صفحة 23) لكي يحقق الشّكل التّصميميّ قبولًا بمعنى أن تتفق الرّسالة مع الموضوع الذي يحاول المصمم إيصاله إلى الأطفال ببعض المفاهيم التي تلقى قبولًا لديه ما يُشكّل أرضيّة مشتركة يستند إليها لينطلق منها إلى الهدف وما تحدثه من أثر نفسيٍّ من خلال ما تحمله من معانّ معبرة عن رغبة ما، فدلالة الأشكال تعدُّ منطقة مرئيّة مدركة ناتجة من خطوط مغلقة أو من خلال التّغيرات في الصفات الشّكليّة واللونيّة للقناع التي تكون البناء التّصميميّ (David, 1983, p. 144)لها تأثير صوري وفكري، وحالات من المعانيّ والدّلالات المؤثرة في الطفل فتحرك مشاعره نحو الرّقص أو القبول وأنّ التنظيمات الشكلية للقناع ما يطلق عليها الشكل الدّال عن ذاتية العمل التّصميميّ وما يعبر عنه من هدف سواء أكان أدائيًّا، وظيفيًّا، نفسيًّا، جماليًّا … الخ. فتصاميم الأقنعة في مسرح الطفل تعطي إدراكًا حسيًّا لدى الطفل عن ماهيّة الدّلالة التي تعود من الشكل التّصميميّ، وما تحويه من أهداف معبرة، فشكل القناع المكتمل المعنى يعد إنتاج فني منظم يُدرس تصميميًّا وموضوعيًّا لكي يعطي الهدف الدّلالي المعبر، إذ إنّ الطفل حين رؤيته للأشكال على السّطح البصريّ من خلال جسد العمل التصميميّ، سيكتشف جملة من الأشكال والرّموز يمكن أن تعبر عن المعنى الدلالي المقصود إذا ما وجد لهذه الأشكال والرموز تفسيرًا يتفق ورؤية المصمم، أيّ بمعنى ينبغي أن تكون دلالة الأشكال لدى كل من المصمم والطفل واضحة وإلا ارتبكت بنيّة الخطاب الصوري، إذ إنّ العمل التّصميميّ في أغلب الأحيان يدرك معناه من خلال شكله وذلك لأنّه يتكون من رموز وأشكال ما قد تكون خياليّة أو واقعيّة، ولكن في بنيتها الشّكليّة تشتغل الاشتغال الدّلاليّ فتشير إلى المعنى المقصود، والمهم أن العمل التّصميميّ يمكن فهمه وتفسيره من خلال كشف دلالاته، إذ يعد الشكل الدليل لفهم بنيته الصورية (زبون، 2005، صفحة 55)
ومثال على ذلك برنامج “افتح يا سمسم” احتوت أقنعة تصميميّة للشّخصيات (كعكي)، (أنيس)، (بدر) كدلالة على أشكال الأقنعة الكارتونيّة، إذ نشهده برنامج اكتسب به الطفل
كمّ هائل من المعلومات التّربوية، إذ تشكلت الأقنعة بشخصيات محببّة يسعى المصمم إلى
تهيئة جوّ المرح واللعب من خلال حركة الأقنعة تحقق جو يتلاءم مع فكرة البرنامج كما في الشكل (2).
شكل (2)
كما تؤدي الدّلالات التّعبيريّة في تكوين تصاميم أقنعة مسرح الطفل دورًا حيويًّا إذ يمكن من خلالها تحقيق هذه الدّلالات ونجاح فاعليّة العمل التّصميميّ من خلال التكوين الفنيّ والذي يعمل المصمم داخله على ترتيب محتوياته المختلفة، ووفق المواصفات التّقنيّة والفنية لإخراجها نهائيًّا بشكل فنيّ، وهنا يمكن القول إنّ عمليات تصميم أشكال مسرح الطفل ما هي إلا استغلال لأحد أو بعض العناصر الإدراكيّة من حروف كتابيّة، ورسوم شكلية وألوان بهدف إخراج تكوين مقبول جماليًّا، يكون قادرًا على أداء الدّلالة التّعبيريّة.
وتتوقف عملية توصيل تلك الدّلالات في مسرح الطفل وتأدية الغرض الوظيفي إلى مهارة المصمم وأدائه التصميمي من خلال المهارة المعرفية لوسائل نظرية الاتصال الإدراكي والحسي والذهني والتي تتمثل في كيفية إيصال المعلومة أو الفكرة التّصميميّة إلى المتلقي (الطفل).
إنّ مهمة المصمم إثارة المنبهات الموجودة حول الطفل في البيئة المحيطة بإعادة صياغتها على وفق جديد يجعل من إدراكها ليس كما هي في الواقع، وإنما يسهل إدراك المفردات كرموز دلالية تنتمي إلى مجتمعنا، فيحصل تفسير ذهنيّ بتصور جديد مغاير لنظرته إليها (الطوبجي، 1988، صفحة 53) إذ سيحصل استثمار لأفكار المفردات ومعانيها المتأصلة في التّقاليد البيئيّة باختيار عناصر تجري محاكاتها حسب أهدافها وحسب نوع الفكرة الموضوعيّة المراد تكوينها، ومن ثم إيصالها، ويستدّل على وفق تفاعل زمانيّ ومكانيّ وموضوعيّ إذ يظهر التّصميم في النهاية نتاجًا حضاريًّا استل من مصادر بيئة فنيّة حضاريّة تتسم بغنى فكرها الثّقافيّ والرّوحيّ. فالطفل في نظر بياجيه ينمو ويترعرع ويمرّ بمراحل متعاقبة، وعمليّة النّمو النّفسيّ عملية تفاعل مستمر بين الطفل والمحيط والمحفزات المنطلقة من عناصر البيئة، فهو يؤثر فيها ويستجيب لها في تطور نفسي وعاطفي متصاعد إلى الأمام *
أن يكون عملًا مدروسًا من المصمم من حيث الجوانب السلبيّة والإيجابيّة، فيؤدي إلى النّمو العقليّ للطفل، ويزداد مخزونه العقليّ من الصور والأحاسيس التي تبث عن طريق تصميم القناع، فضلًا عن الألوان التي لها تأثير في الإقناع، وتأكيد “أهمّيّة وضوح الرّسالة فالوضوح أكثر الطرق وصولًا إلى الإقناع” (اسماعيل، مبادئ الاتصال ونظريات التاثير، 2000) فالتّواصل جوهر الاتصال ويؤدي ذلك إلى تحقيق الاتزان النّفسيّ بين التّصميم (المثير) والاستجابة النّهائيّة ما يؤدي إلى شدّ انتباه الطفل الذي يؤدي إلى إقناعه. ويُعدُّ الهدف من التّصميم هو “الغاية والوسيلة في آن واحد” (اسماعيل، مباديء الاتصال ونظريات التأثير، 2000، صفحة 96) إنّ العلاقة هنا أن يؤثر عقل بشري بعقل بشريّ آخر، والهدف التّصميميّ ليس بالمهمّة السّهلة بالذات إذا أمكن الأمر تعلقه بآثار وسائل اتصال بالأطفال، ومن هنا تكمن قدرة المصمم في توجيه فكرته نحو هدف محدد ليحقق عن طريقه التغذية المرتدة، ويجب أن لا ننسى أننا نصمم للأطفال وليس للكبار، ويجب أن يكون التصميم هدفه واضحًا للأطفال، لا نكلفهم شيئًا فوق مستواهم، وهذا يساعد على تعديل سلوك الأطفال على الرّغم من “أنّ أهداف القائم بالاتصال متعددة قد تكون بالإضافة إلى تعديل السلوك تغييره أو تدعيمه” (سعيد ا.، 1990، صفحة 249) إنّ الأطفال الأكبر سنًا من تسع سنوات يكون احتمال التّغير عندهم مهمًّا، فالشّخص الشّرير يتغير لو تغيرت البواعث التي تدفعه إلى الشّر، وإذا أمكن إصلاحه بطريقة ما، هذه العوامل تهدم فكرة الأبيض والأسود في وضعها الطبيعيّ بالخير والشّر في المسرح، إذ إنّ فاعليّة الاستجابة للأطفال يفرض أن ترتقي إلى المشاركة الإيجابيّة في العرض عبر طرق اتصاليّة متعددة كإجابة على الأسئلة التي يطرحها الممثلون أثناء العرض عن طريق التغذيّة المرتدة “يمكن ضبط عملية الاستجابة عن طريق ما يصل الى المصدر من ضبط الرّسالة المقبلة” (قرانية، 21/11/2005، صفحة 23)، فقضية المسرح قضية صقل ردود فعل الطفل في مقدمة أهداف مسرح الطفل لأنّه يعمل على :
- ايقاظ الطفل من تحسسه للمحيط الذي يعيش ضمنه.
- توظيف الخيال المبتكر.
- إثراء تحسسه للفن.
- حث قدراته التعبيرية.
- صقل مواهبه.
- تنمية أساليب التفكير والنقد عنده. (الطائي، 2004، صفحة 10)
لأنّ الطفل يتأثر بالقيمة الهادفة لذا يستطيع المصمم أن يثري تحسس الطفل فنيًّا، ويعمل على توسيع مداركه مسرحيًّا.
ويؤكد العالم النّفسيّ (فرويد) إلى “أنّ الشّخصيّة تتخذ صورتها الأساسيّة في عهد الطفولة” (سهيل، 1986، صفحة 23)، لأنّ الطّفل في المرحلة العمريّة من (9-12) سنة “مرن يتشكل وفق ما يطرحه عالم الكبار من مبادئ وقيم (جرجيس، 1987، صفحة 20)، وتبين الدّراسات التي قام بها الكثير من المهتمين في مجال الاتصال* أنّ وسائل الاتصال بمختلف أشكالها وأهدافها لها تأثيرات فسيولوجية وسيكولوجية، فمسرح الطفل بوصفه إحدى وسائل الاتصال فهو ينشد التأثير المطلوب من خلال الأهداف التّصميميّة التي تصمم بعناية لتؤدي هذا التغير للطفل من خلال التصفيق والقفز “ويمثل اكتساب أنماط السلوك أول خطوات التعليم وفقًا لنظرية بياجيه” (جوليان، 2000، صفحة 99)
تتميز المرحلة العمريّة بين (9-12) سنة بالقدرة العقليّة والقابليّة الذّهنيّة لدى الطفل من خلال إدراكه للعلاقات بين الأشياء “المثيرات”، فيلاحظ الطفل أنّ لديه إمكانيّة التّمييز بين الأشكال وألونها وحجومها سواء أكانت هندسيّة كالمربع أم المثلث أم الدّائرة وغيرها، وكذلك التّمييز بين الألوان والتوازنات للأشكال التّصميميّة، وفي بداية هذه المرحلة يكون النّمو الجسميّ للطفل أسرع من نموه العقليّ، ولاسيما في السّنة الثّامنة من عمره وتزداد قدرته على الانتباه الإراديّ والتّفكير بالمشكلات من غير أن تخدعه الخصائص الحسيّة العامة للأشكال، فضلًا عن ذلك لديه القدرة على التفكير الاستدلاليّ وهذا يمثل تقدمًّا في نموه العقلي، كذلك يمتلك المسائل الضرورية للمعرفة وقواعد التّفكير (الخفاجي، 1984، صفحة 22)
وقد كشفت الدّراسة التي قام بها (ماكوتا) عام 1966م بشأن الأعمال التّصميميّة، أن التفضيلات الجماليّة للأقنعة في هذه المرحلة تقوم على أساس اللون والموضوع، فضلًا عن أن الأطفال في سن (7-11) سنة تقّيم لديهم للأعمال التّصميميّة على أساس التمثيل الواقعيّ والتّضاد وهارمونيّة الألوان (واخرون م.، 1988، صفحة 80)
ومن الملاحظ أنّ الأطفال خلال هذه المرحلة لديهم القابليّة على تقليد الأصوات وتطبيقها على دلالات الأشكال المقصودة والتأليف والتعبير عنها شخصيًّا، كتقليد صوت وشخصيّة المعلم، والشّخصيات والرّسوم “الكرتونية” وتقليد صوت الطيور والحيوانات وغيرها، واستنادًا إلى ذلك يستوجب ترجمة هذه الأفكار والأحاسيس لدى هذه الفئة العمريّة في ما يخص من تصاميم الأقنعة من مسرح الطفل من أجل عكس حالة إيجابيّة لمستوى الإدراك والتّفضيل الجمال لدى الأطفال، وذلك من خلال توظيف الأشكال والألوان وما تحمله من صفات ودلالات رمزيّة وتعبيريّة تحقق الألفة والاستجابة لهم.
المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النّظريّ
- يمثل القناع وسيلة جذب وانتباه للطفل إذ تتوافق لونيًّا وزخرفيًّا مع الشّخصيّة التي صممت لأجلها، لأنّ الطفل يستوعب المرئيات المحسوسة على أنّها كليات بلا تفاصيل، أو جزئيات.
- حينما يكون الشكل معبرًا عن الهدف فإنّهما يكونان مرتبطان بشكل قويّ لدرجة أنّه من أجل فصل الشّكل عن الهدف يعني القضاء على الهدف وعلى العكس فإنّ فصل الهدف عن الشّكل يعني القضاء على هذا الشكل.
- إنّ القناع في مسرح الطفل يمثل الصورة الحسّيّة التي تنقل مجموعة من الأحاسيس متأتية من واقعها، لا تكمن في إيصال المعنى إلى الطفل فقط، بل القيمة التي تحمل ذاتها، فالأقنعة بشكلها التّصميميّ تحمل معها غايتها، فهي لا تسعى إلى إبراز الهدف فقط بقدر ما تتوجه إلى تثبيت العلاقة الحسّيّة بالطفل وبذلك الهدف.
- ونستنتج من ذلك أنّ المسرح من الوسائل المهمّة التي تساعد على تقديم القيم الأخلاقيّة والتّعليميّة والوطنيّة إلى الطفل في المرحلة العمريّة (9-12) سنة فعن طريق الشّكل التّصميميّ تصل فكرة الهدف إليه، إذ إنّ أساس العلاقات التنظيميّة للموضوع الشكليّ داخل القناع المسرحيّ، ويحدد دورها عملية الجذب، إذ تُعد عمليّة تحفيز بصريّ ناجم عن طاقة متحققة في المجال المرئيّ لأنها مرتبطة بالصفة النفعيّة “الهدف” الذي يعود على الطفل.
الدّراسات السّابقة
- دراسة جميل حمداوي “المغرب” في بداية بحثه أخذ “مفهوم القناع” بعدها تكلم عن “أنواع الأقنعة” وتكلم عن “(تاريخ القناع المسرحيّ” وبعدها تكلم عن “وظائف القناع” ومن ثم “مكونات القناع” و”القناع في الإخراج المسرحيّ المعاصر” ثم أخذ “توظيف القناع في مسرح الطفل”، واستخدم نموذج تطبيقيّ للأطفال أخذ نص مسرحيّ باللغة الفرنسيّة بعنوان “الغابة” رسم على جدار أي خلفية المسرح “السّينوغراف”.
نقاط التشابه والاختلاف بين بحثي وبحث “الحمداويّ” :
- تشابهت هذه الدّراسة معي من حيث أنّه بحث تجريبيّ “تطبيقيّ”.
- اختلفت معي في كتابة بحثي أخذ “الحمداوي” “القناع في الإخراج المسرحيّ المعاصر” أمّا بالنّسبة إلى استخدمت “الأهداف السّيكولوجيّة لتصميم القناع”.
- اختلفت معي في بحث “الحمداويّ” أنّه لم يقسم بحثه إلى فصول أمّا بحثي فقد قسم إلى فصول ومباحث.
- وتشابه معي في بحثه إذ أخذنا نحن الاثنين “تاريخ القناع”.
الفصل الثالث: اجراءات البحث
* تجاوزت الباحثة مجتمع البحث كون البحث تجريبيّ تطبيقيّ
منهج البحث
اعتمدت الباحثة على المنهج التّجريبيّ في وصفها الدّقيق والتّفصيليّ لقناع شخصية “البقرة” بجوانبه كافة بالاعتماد على “الشكل والهدف” وعلاقتها بالقناع.
عينة البحث : التّجربة التّطبيقية التي تنفذ.
الأقنعة ممكن أن تكون وسائل إيضاح لشخصيات تاريخيّة وأسطوريّة وخرافيّة تمثل تارة الرّعب وتارة أخرى الضّحك وتارة ثالثة الجمال والتشويق والتركيز على جانب التعليم وهذا مهم جدًا. إن الأقنعة تلبس بكيفيات متنوعة إمّا :
أولًا: أن تحمل في اليد في مواجهة لوجه الممثل.
ثانيًّا: يمكن أن يرتدي الممثل القناع أيّ يلبسه على رأسه بعض الأقنعة، تكون منفصلة عن الممثل إذ توضع على حمالات لتعبّر عن موقف مسرحيّ أمام جمهور الأطفال. وممكن الممثلين يتحاورون من الأقنعة بوصفها شخصيات على المسرح تحقق الأقنعة القدرة على إيجاد أكثر من شخصية من خلال استخدام الممثل الأكثر من قناع مواجه.
المواد المستعملة لتصميم القناع
اسفنج سمك (10) سم، كارتون A3 ،مقص، مادة الغراء، مسطرة ،قماش بلونين الابيض والبنيّ
خطوات تصميم القناع
الخطوة الأولى: قص الشكل التّصميميّ لقناع “البقرة” على كارتونه حجم A3 ويكون ارتفاع الشكل (30) سم والعرض (20) سم
الخطوة الثّانية: نستخدم اسفنج سمكه (10) سم ليعطي سمك وتجسيم للشكل وبالتالي يحقق جمالية تصميمية
الخطوة الثالثة: قص القماش باللون البني باستخدام الباترون، ويجب على المصمم أن يترك مسافة (10) سم في حافة الفصال لتكون هذه المسافة أكبر من حجم الباترون الأصلي لتساعده على طي القماش وخياطته.
المرحلة الرّابعة: يبدأ المصمم بتثبيت القماش على الاسفنج بواسطة مادة الغراء، وتكمل عمليّة التثبيت باستخدام الخياطة اليدوية بتثبيت الاجزاء الاخرى القرنان والاذنان
المرحلة الخامسة: تفصيل القرن على طبقتين من القماش وإضافة حشوة بين الطبقتين لتعطي سماكةه للقرن الارتفاع (4 ) سم ونص والعرض (3) سم ونص تصمم من مادة الكارتون التي يعتمد فيها المصمم على الباترون في عمليّة تصميمّه وغُلفت بمادة القماش بواسطة مادة الغراء
المرحلة السّادسة: قص الجزء الأماميّ لقناع “البقرةط باستخدام القماش باللون الأبيض بارتفاع (30) سم ، ثم تأتي مرحلة التّرقيع إذ يثبت الجزء الأماميّ على وجه القناع لإتمام الشكل.
المرحلة السّابعة: قصّ باترون (انف) القناع بطول (12) وعرض (7 ) ثم تأتي مرحلة التثبيت إذ يثبت الأنف مع تبطينه ليعطي سماكة للشكل التّصميميّ.
المرحلة السّابعة: يفصل غطاء الرأس على كارتون نصف دائريّ، وبعدها يقص القماش من طبقتين ويثبت على الجزء العلوي من القناع بالخياطة اليدويّة مع إضافة رقع بيضاء اللون الارتفاع (33) سم والعرض (19) سم
مميزات تصميم قناع “البقرة”
- يمتاز القناع بوضوح التصميم المجسم، ويكتسب نوع من الجماليّة التّصميميّة التي تجذب عين الطفل له.
- يمتاز بسهولة ارتداؤه من ثبل الممثل ويسهل على الممثل ان يتنفس من خلاله.
- خفيف الوزن لا يثقل حركة الممثل عند الحركة.
- هدف القناع تربوي تعليمي يحث الطفل على شرب الحليب كونه لحيوان ينتج الحليب.
- ألوان القناع مأخوذة من واقع الطفل البيئيّ وهذا ما يجعله مألوفا له.
- إعطاء إيحاء محاكاتي يحقق التأثير المطلوب بالمتلقي “الطفل” من خلال تلقيه للشّكل التصميميّ.
الفصل الرابع: النتائج والاستنتاجات والتّوصيات
النتائج
- زاوجت الباحثة بين الشكل التصميمي لقناع “البقرة” والهدف المعد له، واختلفت من حيث الصياغة الأسلوبية، يصل الشكل عن طريق الخصائص الجمالية والفنية المتمثلة بالخطوط والألوان والماكياج.
- إنّ الشّكل التّصميميّ لقناع “البقرة” ذات هدف تعليمي لأنها استعملت كرموز ودلالات للطفل، إذ تمحورت الشّخصيّة بأهداف تعليميّة فهي تعريف الطفل بمدى فائدة الحليب.
- تحققت الصور الحسية بما تحمله من دلالات وظيفيّة هادفة تظهر عن طريق التناسق والانسجام بين القناع التصميمي والهدف المرجو منه فيلجأ المصمم إلى تثبيت علاقة الطفل الحسية بذلك الهدف عن طريق القناع.
- إن التنظيمات الشكليّة يظهر دورها عبر الأسس والعناصر التّصميميّة التي تقترب من ذهن الطفل لخلق صيغ تنظيميّة تعمل على التحفيز البصريّ، والناجمة من الشّكل النهائي المعبر لهدف المسرحية لتطابق الشكل مع الهدف.
الاستنتاجات
- صُمِم القناع على استعمال الرموز والدلالات (التّعليميّة، التربويّة، الأخلاقيّة) لتصل القيم إلى الطفل التي تميل إليها المرحلة العمرية (9-12) سنة.
- للصور الحسيّة تأثير في الكشف عن هدف قناع “البقرة” للطفل، ولما تحمله الأهداف التّصميميّة للشكل في مسرح الطفل.
- إن تعدد ثيمات القناع تحقق التبادل الجمالي عن طريق الانسجام والتناسق في العلاقات التركيبية مما تخلق متعة المشاهدة في العرض المسرحي.
التوصيات :
- على المصممين والمخرجين الاهتمام بالمرحلة العمريّة لتتناسب مع العمل المسرحي.
المصادر والمراجع
David, L. (1983). A design basic see at CBC. USA: college publishing USA.
Giovanni, G. (1966). The ancient world . London: by paul Hamlyn Limited.
ابو طالب سعيد. (1990). علم النفس الفني. بغداد: كلية الفنون الجميلة /جامعة بغداد.
احمد جمعة زبون. (2005). التصورات المنطقية في الفنون التشكيلية (النحت العراقي المعاصر). بغداد: كلية الفنون الجميلة /جامعة بغداد.
احمد عثمان. (1989). الادب اللاتيني ودوره الحضاري. (سلسلة عالم المعرفة (141، المحرر) الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والادب.
اندريه لالاند. (1996). الموسوعة لالاند الفلسفية (المجلد ج 1). (خليل احمد خليل، المترجمون) بيروت – باريس: احمد عويدات للطباعة والنشر.
جاك لوكوك. (2018). شاعرية الجسد (تعليم الابداع المسرحي) (المجلد الطبعة الاولى). مؤسسة الصادق الثقافية.
جيمس ليفر. (بلا تاريخ).
حبيب ظاهر حبيب وفاتن جمعة سعدون. (2006). الرمز والترميز في العرض المسرحي (المجلد العدد 1). (مركز نابو للبحوث والدراسات، المحرر) بابل: كلية الفنون البجميلة / جامعة بابل.
حمدي حسين الطوبجي. (1988). وسائل الاتصال والتكنلوجيا في التعليم (المجلد الطبعة الرابعة). الكويت: دار التعليم للطباعة.
ريتشارد كورسون. (1979). فن الماكياج في المسرح والسينما والتلفزيون. (امين سلامة، المترجمون) دار الفكر العربي.
سلمان احمد كفاية واخرون. (1993). تصميم الازياء على المانيكان. مصر: دار الفكر العربي.
سيد سعيد. (1999). المتأزم في الابداع السينمائي وثقافة التلقي (المجلد العدد 17). القاهرة: مجلة الفن السابع.
عبد الفتاح رياض. (1974). التكوين في الفنون التشكيلية (المجلد الطبعة الاولى). القاهرة: دار النهضة العربية.
عصام عبد الاحد جرجيس. (1987). القيم السائدة في مسرحيات الاطفال المقدمة على المسرح العراقي 1986-1980. بغداد: كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد.
علي سلمان صباح. (2017). الاقناع في الخطاب المرئي. (الطباعة الالكترونية :فاطمة جعفر، المحرر) العراق: سلسلة سينما.
علي شحاته الوادي. (2006). فلسفة الفن وعلم الجمال. بابل: كلية الفنون جميلة/ جامعة بابل.
فؤاد البهي السيد. (1981). الاسس الفنية للنمو من الطفولة الى الشيخوخة (المجلد الطبعة الرابعه). القاهرة: دار الفكر العربي.
فيليب تيغيم. (1973). تقنية المسرح (المجلد الطبعة الاولى). (بهيج شعبان، المترجمون) بيروت: منشورات عويدات.
محمد اسماعيل الطائي. (2004). التلقي في المسرح التربوي (المجلد الطبعة الاولى). بغداد: مجلة أداب الرافدين.
محمد حسن كاظم الخفاجي. (1984). سيكلوجية ميول الاطفال القرائية/ الموسوعة الصغيرة (المجلد العدد 148). بغداد، لمكتبة المركزية/ جامعة بغداد: ادائرة الشؤون الثقافية للنشر.
محمد قرانية. (21/11/2005). المسرح وتأثيره على شخصية الطفل. علاقة المسرح بالتربية وتنمية الذائقة الفنية من الطفولة ىإلى الشباب. دمشق.
محمود حسن اسماعيل. (2000). مبادئ الاتصال ونظريات التاثير (المجلد الطبعة الاولى). بغداد: الدار العالمية.
محمود حسن اسماعيل. (2000). مبادئ الاتصال ونظريات التأثير (المجلد الطبعة الاولى). الدار العالمية.
محمود حسن اسماعيل. (2000). مباديء الاتصال ونظريات التأثير (المجلد الطبعة الاولى). الدار العالمية.
محي الدين التوفيق واخرون. (1988). اساسيات علم النفس التربوي. انكلترا: مطبعة وايلي.
مصطفى تركي السالم. (1998). الالقاء في مسرح الاطفال – بناء مقترح. بغداد / العراق: كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد.
ممدوح قشلان. (1986). الطرق الخاصة لتدريس التربية الفنية للصفوف : الثاني والثالث والرابع لدور المعلمين . دمشق: مديرية الكتب المدرسية.
موسى زناد سهيل. (1986). افكار في تربية الطفل. بغداد: دار ثقافة الاطفال.
هربت ريد. (1983). معنى الفن. (سمير علي، المترجمون) بغداد: دار الشؤون الثقافية.
هلتون جوليان. (2000). نظرية العرض المسرحي (المجلد الطبعة الاولى). هلا للنشر والتوزيع.
هند محمد سحاب العاني. (2000). القيكم الجمالية في تصاميم الاقمشة وازياء الاطفال وعلاقتها الجدلية. بغداد: كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد.
يوسف خنقر. (1983). اسس التصميم الداخلي وتنسيق الديكور . الاردن: دار المجدلاوي للنشر والتوزيع.
[1] – مدرس مساعد في وزارة التربية، تربية الكرخ الأولى- تقنيات مسرحية، Barsha945@gmail .com
* أطلق عليها ذلك اسم لمجيئها من قرية اتلا Atella في كامبانيا.
**الجبوري ،محمد عبد الرحمن: من محاضرات الدراسات العليا – ماجستير ،2013
* (جاك لوكوك) : مدرسة أسست في باريس 1956، درس بها حتى وفاته 1999، درس التمثيل الصامت والحركة ومختلف أنواع اللعب مع القناع، نشر جاك لوكوك (شاعرية الجسد) قبل وفاته، آخر أعماله الإخراجية (الحريق) لمؤلفها قاسم محمد، ولد جاك لوكوك وتوفي في باريس (1921-1999) وعمل معلماً للتربية الرياضية.
* محمد عبد الرحمن الجبوري، محاضرة للدراسات الماجستير، في قسم الفنون المسرحية في كلية الفنون الجميلة في تمام الثانية عشر في يوم الاثنين 2014
* من المهتمين بمجال الاتصال، ينظر كل من : (اسماعيل حسن اسماعيل : مبادئ علم الاتصال ونظريات التأثير)، (موسى، عصام سليمان : المدخل في الاتصال الجماهيري)، (الطويرقي، عبدالله : علم الاتصال المعاصر).